المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزية في الإسلام وإعفاء الكثير من دفعها


نور الإسلام
10-01-2012, 05:33 PM
قبل الكلام عن الجزية في الإسلام لابد أن نوضح أمر هام جداً وهي أن أول كتاب وضع الجزية وفرضها على الناس هو الكتاب المقدس سواء بعهده القديم أو الجديد وسنضع الآن بعض هذه النصوص أمامنا لتتأكد من حقيقة كلامي هذا :
(فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين في جازر. فسكن الكنعانيون في وسط أفرايم إلى هذا اليوم, وكانوا عبيدا تحت الجزية .. ) سفر يشوع 16 / 10 .




بل إن داود النبي في إعتقاد النصارى قد أخذ الجزية وفرضها ففي سفر صموئيل الثاني 8 / 1-2 يقول :
(وبعد ذلك تغلب داود على الفلسطيين وأذلهم، وأخذ السلطة من أيديهم , تغلب على الموآبيين ومدد أسراهم على الأرض وقاسهم بالحبل. فقتل منهم ثلثين وأبقى على الثلث، وصار الموآبيون عبيدا له يؤدون الجزية. ) الترجمة العربية المشتركة.
وهذا الذي يمدحه الرب فيقول :
(لان داود عمل ما هو مستقيم في عينيالرب ولميحد عن شيءمما اوصاه به كل ايام حياتهالا في قضية اوريا الحثّي .. ) سفر الملوك الأول 15/ 5
ويتكلم محررو دائرة المعارف الكتاب عن الجزية في عهد داود فيقولون[1] :
(وفي عصر داود، امتلات الخزانة العامة نتيجة لسلسلة انتصاراته المستمرة في الحروب ( 2 صم 8 : 2 و 7 و 8 ) ولم تعد هناك شكوى من زيادة الجزية على الشعب. واذا كان الغرض من التعداد الذي اجراه داود، متعلقا بالجزية، لفهمنا سر ضربة الرب للشعب، وان كان الامر يحوطه الغموض ( 2 صم 24 : 2 ــ 4 ). وقد اعتاد داود ان يقدس الغنائم للرب، فامتلات خزانة الهيكل ( 2 صم 8 : 11 و 12 ).

وأيضاً يوضح لنا الكتاب المقدس أن نفتالي لم يطرد سكان بيت شمس وفرض الجزية عليهم ففي سفر القضاة 1 / 28 ويقول :
(ونفتالي لم يطرد سكان بيت شمس ولا سكان بيت عناة, بل سكن في وسط الكنعانيين سكان الأرض. فكان سكان بيت شمس وبيت عناة تحت الجزية لهم. )

بل الأمر أكثر من ذلك بل إن إله المسيحية قد أمر موسي أن يستعبد الشعوب ففي سفر التثنية 20 / 10 فيقول :
(وإذا اقتربتم من مدينة لتحاربوها فاعرضوا عليها السلم أولا ، فإذا استسلمت وفتحت لكم أبوابها، فجميع سكانها يكونون لكم تحت الجزية ويخدمونكم , وإن لم تسالمكم، بل حاربتكم فحاصرتموها , فأسلمها الرب إلهكم إلى أيديكم، فاضربوا كل ذكر فيها بحد السيف , وأما النساء والأطفال والبهائم وجميع ما في المدينة من غنيمة، فاغنموها لأنفسكم وتمتعوا بغنيمة أعدائكم التي أعطاكم الرب إلهكم .. )

وهكذا كان العهد القديم يأمر بالجزية وبأمر من الرب إله موسي وإله يسوع بل وقد أمر به العهد الجديد وأمر بإعطاءه فعندما سألوه عن دفع الجزية فقال :
(فلما جاءوا قالوا له: يا معلم، نعلم أنك صادق ولا تبالي بأحد، لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس، بل بالحق تعلم طريق الله. أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا؟ نعطي أم لا نعطي؟ ...... فأجاب يسوع وقال لهم: أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. فتعجبوا منه. ) مرقس 12/ 14 , 17 .
ويقول العلامة أوريجانوس[2] : ( في هذا المبدأ الإلهي أنه يليق بنا أن نقدم للجسد (قيصر) جزيته أي ضرورياته، أما لله فنهبه نفوسنا مقدسة بالكامل.)

بل إن المسيح قد دفع الجزية للوثنيين ففي إنجيل متي 17 / 24 – 27 :
(ولما جاءوا إلى كفرناحوم تقدم الذين يأخذون الدرهمين إلى بطرس وقالوا: أما يوفي معلمكم الدرهمين؟ , قال: بلى. فلما دخل البيت سبقه يسوع قائلا: ماذا تظن يا سمعان؟ ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية ، أمن بنيهم أم من الأجانب؟ , قال له بطرس: من الأجانب. قال له يسوع: فإذا البنون أحرار , ولكن لئلا نعثرهم، اذهب إلى البحر وألق صنارة ، والسمكة التي تطلع أولا خذها ، ومتى فتحت فاها تجد إستارا ، فخذه وأعطهم عني وعنك..)

ويعلق القمص تادرس يعقوب على هذه القصة قائلاً [3]:
(خضع السيّد المسيح مع تلاميذه لإيفاء الجباية أو الجزية، ليؤكّد مبدأ هامًا في حياتنا الإيمانيّة: أن انتماءنا السماوي يهبنا طاعة وخضوعًا لملوك العالم أو الرؤساء، فنلتزم بتقديم واجباتنا الوطنيّة. فالمسيحي وهو يحمل السيّد المسيح ملكًا سماويًا داخل قلبه، إنّما يحمل روح الوداعة والخضوع في حب للوطن وطاعة )

ويعلق القديس كيرلس الكبير على هذه القصة قائلاً[4] :
(إذ صار الابن الوحيد كلمة الله مثلْنا، وحمل قياس الطبيعة البشريّة انحنى لنير العبوديّة، فدفع بإرادته لجامع الجزية اليهودي الدرهمين حسب ناموس موسى، لكن هذا لم يمنع سِمة المجد الذي فيه. وكأن خضوعنا لكل نظام بروح الرضا والفرح لا يعني إلا مشاركة للسيّد المسيح في خضوعه لننعم معه بمشاركته مجده الداخلي. )
وفي التفسير الحديث أيضاً ذُكر نفس هذا الكلام فقال[5] :
( فالمقصود هو معرفة أن يسوع دفع الضريبة على نحو ما . وقد تركنا النص لنستنتج أن يسوع دفع الجزية بأية طريقة . لكن القصة تقدم لنا صورة عن استعداد يسوع للإمتثال لتقاليد المجتمع الذي ينتمي إليه .. )

وهذا يسوع يعتبر أن الجزية هذه هي حق الحكام وحق الله ويعتبرها بحسب الناموس حق على كل مسيحي وغير مسيحي , فلماذا إذاً يعترض البعض من النصارى على موضوع الجزية وكأن الإسلام قد إبتدعها أو أتي بشيء جديد لم يوجد في كتابهم ؟
وهاهو بولس رسول المسيحية الأول والذي يعتبره البعض أعظم موسي يأمر المسيحيين بدفع الجزية فيقول في رسالة رومية 13 / 5-7 :
(لذلك يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط بل أيضا بسبب الضمير , فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضا إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه , فأعطوا الجميع حقوقهم: الجزية لمن له الجزية. الجباية لمن له الجباية. والخوف لمن له الخوف. والإكرام لمن له الإكرام..)

يعلق القدّيس يوحنا الذهبي الفم ويقول [6]: ( أن الرسول قد حوّل ما يراه الكثيرون ثقلاً إلى راحة، فإن كان الشخص ملتزم بدفع الجزية إنما هذا لصالحه، لأن الحكام "هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه"، يسهرون مجاهدين من أجل سلام البلد من الأعداء ومن أجل مقاومة الأشرار كاللصوص والقتلة. فحياتهم مملوءة أتعابًا وسهر. بينما تدفع أنت الجزية لتعيش في سلام يُحرم منه الحكام أنفسهم. هذا ما دفع الرسول بولس أن يوصينا لا بالخضوع للحكام فحسب وإنما بالصلاة من أجلهم لكي نقضي حياة هادئة مطمئنة )

ويعلق القمص تادرس يعقوب ملطي على هذا النص قائلاً [7]:
(هذا وإن كلمة "أعطوا" هنا في الأصل اليوناني تعني "ردّوا"، فما نقدمه من جزية أو تكريم للحكام ليس هبة منّا، وإنما هو إيفاء لدين علينا، هم يسهرون ويجاهدون ليستريح الكل في طمأنينة ... هذا والجزية هنا يقصد بها ما يأخذه الحاكم على النفوس والعقارات، أمّا الجباية فيأخذها على التجارة)

ويعلق محررو دائرة المعارف الكتاب عن الجزية فيقولون[8] :
(وقد خصصت هذه الجزية في العصور اللاحقة لخدمة الهيكل، وكان اليهود يدفعونها وهم بعيدون عن الهيكل في ايام الشتات. ويحدثنا يوسيفوس في تاريخه عن المبالغ الضخمة التي دخلت خزانة الهيكل من هذا المصدر، وقد استمر تحصيلها حتى زمن الرب يسوع المسيح ( مت 17 : 24 ). ومما هو جدير بالملاحظة ان الرب يسوع دفع هذه الجزية باجراء معجزة من اعظم المعجزات، فكان باعتباره مؤسس ورئيس الهيكل الجديد، غير خاضع للجزية، الا انه لئلا يعثرهم دفع الدرهمين. )

وقد قام مجموعة من كهنة وخدام كنيسة مار مرقس الأرثوذكسية بتفسير هذا النص فقالوا [9]:
( إن كان المسيحي يخضع للرئاسات في كل شيء بما لا يتعارض مع وصايا الله فبديهي أن هذا يعني الخضوع في الأمور البسيطة مثل دفع الجزية أي الضرائب لأنها تؤدي خدمات عامة للمجتمع ..)

كل لابد أن يأخذ حقه , ويجب أن نقدم الإحترام لكل ذي مركز بتقدير ومخافة وليس عن رياء أو وصولية , فنخاف من الشر ولا نفعله خوفاً من عقوبته , وكذلك نكرم ذوي المراكز في الدولة بالإكرام المعتاد لهذه الرتب , فنؤكد موافقتنا وخضوعنا لنظام المجتمع المفيد في ضبط كل شيء ...)
وأحب أيضاً أن أخذ رأي علماء المسيحية في الجزية فيقول محرروا دائرة المعارف الكتابية :
(ولما كانت الثروات في القديم ملكا مشتركا بين العشيرة او القبيلة كلها، فلم تكن ثمة ضرورة لفرض الضرائب عليها. ولكن ظهور الملكية الفردية، استلزم فرض الضريبة ـ او الجزية ـ على بعض الممتلكات من اجل الصالح العام، الامر الذي يمثل اساس نظام فرض الضرائب او الجزية. . . وبتقدم المدنية وما صاحبها من استقرار وزراعة منتظمة ونظم سياسية مستقرة ممثلة فى الحاكم، تطلب ذلك بالقطع فرض الضرائب المنتظمة. ونجد عبر التاريخ انه كلما زاد تعقد الادارة الحكومية، ازداد معها عبء الضرائب المفروضة على الشعب. وفي الحقيقة ارتبط تاريخ فرض الضرائب بتاريخ المدنية. )

هذه هي الجزية من منظور مسيحي وهكذا اعتبر يسوع وبولس والمسيحية أن الجزية ليست فرضاً على أهلها فقط بل هي حق الحاكم , والسؤال الذي يسأله الجميع ما الفرق بين الجزية في المسيحية وبين الإسلام العظيم وأكون سعيداً أن أبشركم بأن الإسلام قد حدد من يدفع الجزية فالأطفال لا يدفعون الجزية وليس هذا فقط بل إن النساء لا يدفعون الجزية وليس الأمر كذلك وأيضاً الشيوخ لا يدفعون الجزية إذاً فالذي يدفع الجزية في الإسلام هو المحارب فقط أو المقاتل وهو المعتدي ..
قال الإمام القرطبي [10] ( قال علماؤنا رحمة الله عليهم : والذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من الرجال المقاتلين , لأنه تعالى قال : " قاتلوا الذين " إلى قوله : " حتى يعطوا الجزية " فيقتضي ذلك وجوبها على من يقاتل . ويدل على أنه ليس على العبد وإن كان مقاتلا , لأنه لا مال له , ولأنه تعالى قال : " حتى يعطوا " . ولا يقال لمن لا يملك حتى يعطي . وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين , وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني .) :

وليس هذا فقط بل إن هذه الجزية ستكون مقابل أن المسلم يحمي هذه البلاد فالأمر ما هو إلا مصلحة عامة كما في كل الأديان , بل إن أبي عبيدة عامر بن الجراح قد أرجع أموال الجزية لأهل الشام لأن الجيش المسلم في هذه المعركة لم يقدر على حماية الذميين فأرجع لهم أموالهم لأن هذا كان عهداً بين المسلمين والذميين .
فيقول احمد محمد جمال أستاذالتفسير في جامعة أم القرى [11]:
(أن الجزية تؤخذ في مقابل حماية الدولة الإسلامية لأموال هؤلاء الذميين وأنفسهم ولا أدل على ذلك من رد أبي عبيدة عامر بن الجراح لأهل الشام جزيتهم وخراجهم عندما بلغه أن الروم قد جمعوا للمسلمين ، فهو وجنده لا يستطيعون حماية هؤلاء الذميين . لأنهم سيتفرغون لقتال الروم . وجاء في كتابه لهم : (( إنما رددنا لكم أموالكم لأنه قد بلغنا ما جمع الروم لنا من الجموع ، و إنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم ، وإنا لا نقدر على ذلك ، وقد رددنا لكم ما أخذنا منكم ونحن لكم على الشرط وما كتبنا بيننا إن نصرنا الله )

وتقول الأستاذة فوقية إبراهيم الشربيني في هذه الآية الكريمة سورة التوبة 29:
( ولأنهم سينعمون بالأمن الذي يوفره الجنود المؤمنون لهم فعليهم أن يدفعوا ثمن هذا الأمن جزية لمن ترك الدنيا وقصر عمره على الدفاع مقاتلاً عن دين الله وأمن المؤمنين .. )[12]
فالجزية هي عقد يُبرم بين المسلمين وغير المسلمين ( القادرين فقط ) ولم يُلزم الإسلام الفقير على دفع الجزية بل إن عمر بن الخطاب قد أعطى رجل عجوز فقير غير مسلم من بيت مال المسلمين ..
بل إن الإسلام قد فرض الجزية على القادر فقط وكانت جزية قليلة جداً بالنسبة لما يدفعه المسلمون من زكاة وكانت هذه الجزية لخدمة الصالح العام مثلها مثل الضرائب التي يدفعها الناس الآن .
والانبا يؤانس يوضح لنا أيضاً أن الجزية كانت دينارين فقط وأن ثلاثة أرباع المسيحيين كانوا معفيين منها وهذا هو رابط التسجيل [13] .

ولكن أيضاً كما قلنا فالأمر مختلف قليلاً في المسيحية التي فرضت الجزية على القادر وغير القادر حتى اشتكي الناس من كثرتها فجماعة اسرائيل طلبوا من رحبعام ابنه أن يخفف من النير الثقيل الذي جعله سليمان عليهم ففي سفر الملوك الأول 12/3-4 و9و10 :
(وأرسلوا فدعوه. أتى يربعام وكل جماعة إسرائيل وقالوا لرحبعام: إن أباك قسى نيرنا وأما أنت فخفف الآن من عبودية أبيك القاسية ومن نيره الثقيل الذي جعله علينا فنخدمك.... وقال لهم: بماذا تشيرون أنتم فنرد جوابا على هذا الشعب الذين قالوا لي: خفف من النير الذي جعله علينا أبوك , فقال الأحداث الذين نشأوا معه: هكذا تقول لهذا الشعب الذين قالوا لك إن أباك ثقل نيرنا وأما أنت فخفف من نيرنا: إن خنصري أغلظ من وسط أبي. )
أما في الإسلام فلا يستعبدوهم ولا يذلوهم بل المعاملة الحسنة والرحمة , هذه هي الجزية في الإسلام وهذه هي الجزية في الكتاب المقدس وللعاقل الحُكم العادل ..

معاذ عليان