المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل القرآن منحول من شعر أمية ابن أبي الصلت؟


نور الإسلام
10-01-2012, 05:44 PM
قالـوا : القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نقل فيه من شعر أمية بن أبي الصلت الذي يقول في قصيدته:
وَيَوْم مَوْعِدِهِمْ أنْ يُحْشَـرُوا زُمَراً يَوْم الَتَّغَـابُنِ إذ لا يَنفَعُ الحَـذَرُ
مُـسْتَوسِقِينَ مَــعَ الدَّاعِي كَأَنَّهُمُ رِجْلُ الجَرادِ زَفَتْهُ الرَّيحُ مُنْتشرُ
وأُبرزووا بـصعيد مستـوٍ جُـرُزٍٍ وأُنْزِلَ العَرْشُ والمـيزانُ والزُبُرُ
تَقُـولُ خُـزَّانُها مَـا كَانَ عِنْـدَكُمُ أًلُمْ يَكُنْ جَاءَكُمْ مِنْ رَبَّكُمْ نُـذُرُ




وفيها كبير شبه مع ما نجده في سور القرآن من معان، فدل ذلك – بحسب فهمهم - على أن القرآن منحول من شعر هذا الشاعر العربي.
والجواب: أن أمية بن أبي الصلت شاعر عربي مخضـرم أدرك الجاهلية والإسلام، وكان من الحنفاء الرافضين لعبادة الأصنام والأوثان، ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم وسمع منه سورة يس في مكة، فتبعته قريش تسأله عن رأيه فيه ، فقال: أشهد أنه حق ، قالوا: هل تتبعه؟ قال: حتى أنظر في أمره. وخرج إلى الشام.


وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وحدثت وقعة بدر، فعاد أمية من الشام يريد الإسلام، فقال له قائل: يا أبا الصلت ما تريد؟ قال: أريد محمداً قال: وما تصنع؟ قال: أومِن به، وألقي إليه مقاليد هذا الأمر. قال: أتدري من في القليب [قليب بدر حيث أُلقي قتلى المشركين] ؟ قال: لا. قال: فيه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهما ابنا خالك [أمه ربيعة بنت عبد شمس]، فامتنع من الإسلام، وأقام في الطائف حتى مات في السنة التاسعة من الهجرة [1]
فأمية معاصر للنبي صلى الله عليه وسلم سمع منه القرآن فتأثر به، وكاد أن يسلم لولا عصبيته لأبناء خاله، فهو الذي تأثر بالقرآن، ولم يتأثر القرآن به، وقد سمع النبي ﷺ شعر أمية من الشريد بن سويد فأعجبه، وقال: «فلقد كاد يُسلم في شعره» [2]
لكن العجب من زعم المبطلين أن القرآن نقل عن أمية، بينما يشهد أمية على صحة القرآن فيقول لكفار قريش: "أشهد أنه حق" [3] ، فلم لا يقبل القوم شهادته التي تكذب وتنقض دعواهم بنحل القرآن الكريم من شعره؟!
كما تذكر الأخبار أن أمية كان يتوق للنبوة قبل مبعث النبي ﷺ، فلو كان النبي ينقل من شعره "هل يعقل سكوت أمية لو كان قد وجد أي ظن وإن كان بعيداً يفيد أن الرسول قد أخذ فكرة منه، أو من المورد الذي أخذ أمية نفسه منه؟ لو كان شعر بذلك، لنادى به حتماً، ولأعلن للناس أنه هو ومحمد أخذا من منبع واحد، وأن محمداً أخذ منه، فليس له من الدعوة شيء، ولكانت قريش وثقيف أول القائلين بهذا القول والمنادين به" [4] .
بل لو كان صحيحاً ما يقال عن النقل من شعر أمية بن أبي الصلت الثقفي لما أسلم أهل بيته، فقد أتت أخته فارعة النبيَّ ﷺ مسلمة بعد فتح الطائف، وأنشدت بين يديه شيئاً من شعر أخيها [5] ،كما ذكر أهل الأخبار والسير إسلام أولاده حين أسلمت ثقيف كلها، فابنه القاسم ذكره ابن حجر في الصحابة، وكان شاعراً، وهو الذي رثى عثمان بن عفان رضي الله عنه بقوله:
لعمري لبئس الذبح ضحيتم به خلاف رسول الله يوم الأضاحي
فطيبـوا نفوسـاً بالقصـاص فإنه سيسعى به الرحمن سعى نجـاح [6 ]


وكذلك أسلم ابنه ربيعة بن أمية، وهو كذلك مذكور في الصحابة [7] وابنه القاسم بن ربيعة ولاه عثمان بن عفان الطائف [8] ، وكذلك أسلم وهب بن أمية [9] ، وفي إسلام هؤلاء ما يكفي لرد هذه الأبطولة، فلو رأوا القرآن أو بعضه منحولاً من شعر أبيهم لفضحوا ذلك، ولما كانوا في عداد المؤمنين.
ويشكك جواد علي بكثير مما ينسب إلى أمية ويرده إلى ظاهرة النحل التي ذكرناها آنفاً، فبعض ما ينسب إليه لا يعقل أن يكون من شعره، وهو لا ريب منحول ومتقول عليه، ومنه قولهم:
لك الحمــد والمنُّ رب العبا د أنت المليــك وأنـت الحـكم
مـحـمداً أرسلـــه بالهـدى فعــاش غنيــاً ولـم يهـتضـم
عـطــاء مـن الله أعـطيتـــه وخـص بــه الله أهــل الحـرم
وقـد علمــوا أنه خــيرهم وفي بيتهم ذي النـدى والكرم
أطيعوا الرسول عبـاد الإلـه تنـجــون من شــر يـوم ألـم
تنجون من ظلمات العـذاب ومن حر نــار عـلى من ظـلم
دعـانــا النــبي بـه خـاتـم فـمن لم يـجبــه أسـر النــدم
نبي هُــدى صــادق طيـب رحيم رؤوف بوصل الرحـم
بــه خـتــم الله من قـبـلــه ومـن بعـده مـن نبــي خـتـم
يموت كما مات من قد مضى يــرد إلـى الله بــاري النسـم
مع الأنبياء في جنـان الخلود هــم أهلها غـير حل القسـم
وقدس فيـنا بحب الصـلاة جميـعاً وعـلـم خــط القلــم
كتـابــاً مـن الله نـقــرأ بــه فـمن يعتـريــه فقـد مـا أتـم
فهذه الأبيات منسوبة إلى أمية بن أبي الصلت، وهي قطعاً من منحول الشعر المنسوب إليه، إذ هي ولا ريب لمؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم مصدق بالقرآن، وهذا لم يتحقق في أمية الذي مات على الكفر [10] .
ثم لو فرضنا جدلاً أن أمية كان قبل الإسلام، فهل مجرد التشابه في كلمات معدودات كاف للحكم أن القرآن - بطوله - منقول عن هذا أو ذاك، ﴿ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ (النساء: 78).
وهكذا تبين سخف وضعف الافتراءات والأباطيل التي تنسب إلى القرآن النقل من هذه المصادر البشرية، وأنه كلام الله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

الدكتور منقذ بن محمود السقار

للذهاب الى قسم المسيحيات منقذ السقار : الله جل جلاله واحد أم ثلاثة


الهوامش

[1] البداية والنهاية، ابن كثير (2/285).
[2] أخرجه مسلم ح (2255).
[3] البداية والنهاية، ابن كثير (2/285).
[4] المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي (12/68).
[5] أخرجه أبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني ح (3479).
[6] انظر: أُسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير (3/596)، والإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر (5/405)، والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي (12/68).
[7] انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر (2/461).
[8] انظر: الإكمال ، ابن ماكولا (6/302).
[9] انظر: أُسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير (5/456)، والإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر (6/622).
[10] المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي (12/68)، وانظر: خزانة الأدب، عبد القادر البغدادي (1/249).