المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبهة الغرانيق


نور الإسلام
10-01-2012, 06:15 PM
الشيخ عماد الشربيني

تشبث بعض المستشرقين وأبواقهم المقلدون لهم بما ذكره بعض كتاب السيرة النبوية، وجماعة من المفسرين، وطوائف من المحدثين فى كتبهم، بأقصوصة "الغرانيق" وألصقوها بهجرة الحبشة، وجعلوها سبباً لعودة المهاجرين الأولين إلى مكة
وهى أقصوصة مختلقة، باطلة فى أصلها وفصلها، وأكذوبة خبيثة فى جذورها وأغصانها، واتخذ أعداء الإسلام منها سلاحاً للطعن فى عصمة رسول الله صلي الله عليه وسلم، من تسلط الشيطان عليه، وعصمته فى بلاغه لوحى الله تعالى




... ورغم أن علماء المسلمين قديماً وحديثاً بينوا بأوضح ما يكون البيان زيفها وبطلانها؛ إلا أنك تجد من ينتصر لهذه الفرية، ويطبل لها ويزمر من المستشرقين والمبشرين[1] وكذا أبواقهم المقلدون لهم الذين زادوا على أعداء الإسلام الطعن فى رواة السنة الشريفة والكذب عليهم بأنهم يصححون هذه الأكذوبة.
... يقول نيازى عز الدين[2] : "بعد نزول الآية : { أفرأيتم اللات والعزى } [3] ألقى الشيطان نتيجة لتمنى الرسول صلى الله عليه وسلم، ألا ينزل الله تعالى ما يغضب قومه من قريش، لأنه كان يطمع بإسلام بعض وجهائهم، فألقى الشيطان فى أمنية الرسول وفى ذهنه بعض الكلمات، فاعتقد أنها من الوحي، فطلب من كتبه الوحي تسجيله وكتابته فى نص القرآن الكريم[4] وكانت كما يلى : "أفرأيتم اللات والعزى، تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" فسر القرشيون من المشركين بذلك، وسجدوا مع الرسول فى الصلاة، ولكن بعد فترة نزل جبريل، وعاتب الرسول، وصحح الآية، ناسخاً ما ألقى الشيطان"[5].

... ويكرر فى موضع آخر الطعن فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى البلاغ، وفى عصمته من الشرك، ومن تسلط الشيطان عليه، بتفسير آيات النهى عن الشرك، والنهى عن اتخاذ إله آخر مع الله عز وجل، بأنها خطاب من الله عز وجل لرسوله مرة ثانية عن قصة الغرانيق، وكأن حال لسانه يقول : قصة الغرانيق صحيحة، وبصحتها أشرك رسول الله، واتخذ إلهاً آخر، وتأمل كلامه بعد أن سبقه بذكر الآيات التالية قوله تعالى : { ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين } [6] وقوله سبحانه : { ولا تدع مع الله إلهاً آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون } [7] يقول : "فمن معانى الآيات … يتبين أن الله تعالى يكلم الرسول مرة أخرى عن قصة الغرانيق، وأن شفاعتهن لترجى، ويوضح له كيف ألقاها الشيطان إلى لسانه، فأدخلها الرسول خطأ فى القرآن، إلى أن أتى جبريل، ونبهه على الموضوع، فنسخ تلك الآيات وأتى بدلاً عنها بخير منها : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثلاثة الأخرى. ألكم الذكر وله الآنثى } [8] وبين الله تعالى أسباب ذلك فى الآية : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم } [9].
... ويحاول بعض الشيعة الطعن فى السنة النبوية وأهلها، وعلى رأسهم الإمام البخارى وصحيحه بإيهام القارئ أن فرية الغرانيق موجودة فى صحيح البخارى. إذ يقول جعفر مرتضى العاملى بعد أن ذكر فرية الغرانيق قال : "وأضاف البخارى سجود الإنس والجن إلى مجموع المسلمين والمشركين…"[10] ويكذب أحمد حجازى السقا[11] قائلاً : "فما تقول فى قصة الغرانيق المروية فى كتب الصحاح"[12] ولم يبين لنا ما هى كتب الصحاح التى روت تلك الفرية؟!.
... ويجاب عن هذه الفرية، وما اشتملت عليه من افتراءات أخرى بما يلى :

أولاً : إن هذه الأقصوصة المختلقة تنافى ما هو مقطوع به من عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى عقيدته من الشرك والشك والضلال والغفلة، وعصمته من تسلط الشيطان عليه، وكذا عصمته من الخطأ والسهو فى أمر التبليغ، وهو ما قام عليه إجماع الأمة، والأدلة القطعية من الكتاب والسنة، والسيرة العطرة، على ما سبق تفصيله[13].

ثانياً : قيام الأدلة القطعية من القرآن الكريم على بطلانها، وأقرب دليل يشير إلى فساد هذه القصة ما يلى :
على عدم عصمته صلى الله عليه وسلم ص113، ودلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى نقل الوحي وتبليغ الرسالة من خلال القرآن والسنة والسيرة ص264 .
1- ما ذكره رب العزة فى أول سورة النجم، مؤكداً بالقسم على عصمة نبيه صلى الله عليه وسلم، فى تبليغ وحيه، وأنه لا يخرج كلامه عن الحق، قال تعالى : { والنجم إلى هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى } [14] فكيف ينتظم هذا مع ذكر فى نفس السورة من نطقيه صلى الله عليه وسلم عن الهوى؟ بل وترديده ما يلقيه إليه الشيطان، على أنه آيات قرآنية إلهية؟! هذا مع قوله تعالى : { ولو تقول عليه بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين } [15]. فها هو يتقول عليه، ولا يفعل به شيئاً؟ هل يعقل هذا؟!.
... وإذا كانت هذه الآيات من سورة الحاقة، قد نزلت بعد سورة النجم، فإن ذلك لا يضر؛ مادامت الآية تعطى قاعدة كلية، ولا تشير إلى قضية خارجية خاصة، والقاعدة الكلية هنا : عصمته صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه عز وجل.
2- ما جاء فى نفس السورة بعد الموضع الذى زعموا أنه ذكرت فيه الفرية من ذم أصنام المشركين "مناة، واللات، والعزى" والإنكار على عابديها، وجعلها أسماء لا مسمى لها، وأن التمسك بعبادتها أوهام وظنون. قال تعالى : { إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } [16].
... فلو أن القصة صحيحة لما كان هناك تناسب بينها، وبين ما قبلها وما بعدها، ولكان النظم مفككاً، والكلام متناقضاً. وكيف يطمئن إلى هذا التناقض السامعون، وهم أهل اللسان والفصاحة، وأصحاب عقول لا يخفى عليها مثل هذا، ولاسيما أعداؤه الذين يلتمسون له العثرات والزلات.

... فلو أن ما روى كان واقعاً لشغب عليه المعادون له، ولارتد الضعفاء من المؤمنين، ولثارت ثائرة مكة، ولاتخذ منه اليهود بعد الهجرة متكئاً يستندون إليه فى الطعن على النبى صلى الله عليه وسلم، والتشكيك فى عصمته، ولكن شيئاً من ذلك لم يكن.
3- إن بعض الروايات الواردة فى القصة ذكرت أن فيها نزل قوله تعالى : { وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً } [17].
... وهاتان الآيتان، حتى لو لم تكونا سبب النزول، فهما تردان القصة؛ لأن الله ذكر أنهم كادوا يفتنونه، ولولا أن ثبته لكاد أن يركن إليهم، ومفاداه أن الفتنة لم تقع، وأن الله عصمه وثبته حتى لم يكن يركن إليهم، فقد انتفى قرب الركون فضلاً عن الركون. فالأسلوب القرآنى جاء على أبلغ ما يكون فى تنزيه ساحته صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهم يرون فى أخبارهم الواهية، أنه زاد على الركون، بل افترى بمدح آلهتهم، وهذا ينافى ما تدل عليه الآية، وهو توهين للخبر لو صح، فكيف ولا صحة له؟[18].
4- وقال تعالى : { قل إنى أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين. وأمرت لأن أكون أول المسلمين. قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم. قل الله أعبد مخلصاً له دينى. فاعبدوا ما شئتم من دونه } [19]. وتأمل الأسلوب الإنكارى التوبيخى فى قوله { فاعبدوا ما شئتم } وهى أشد من مجرد مدح الأصنام.

... فكل هذه الآيات وغيرها مما سبق ذكره فى مواضع عصمته صلى الله عليه وسلم[20] مما يكذب هذه القصة، ويظهر زيفها ووضعها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً : مخالفة القصة لحقائق تاريخ السيرة العطرة، إذ أن سورة النجم تحمل الحديث عن المعراج، وكان المعراج بعد السنة العاشرة من البعثة باتفاق، أما قصة الغرانيق هذه فإن رواياتها تبين أنها كانت فى السنة الخامسة للبعثة، إبان الهجرة الأولى للحبشة، فى رمضان منها؛ وهذا مما يؤكد بطلان تلك المرويات، ويحقق كذبها ووضعها على رسول الله صلى الله عليه وسلم. يضاف إلى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إسلام عمر رضى الله عنه، ما كان يصلى عند الكعبة جهاراً نهاراً آمناً أذى المشركين له، حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه، وإنما كان يصلى إذا خلا المسجد منهم، وعمر رضى الله عنه قد أسلم فى السنة السادسة، وهذه فى الخامسة، وبذلك يبطل هذا القول، وهو صلاته بحضورهم على هذه الهيئة. ومن المعلوم أن معاداتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت أعظم من يقروا بهذا القدر من القراءة، دون أن يقفوا على حقيقة الأمر؛ فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا سجداً دون أن يتحققوا ذلك منه صلى الله عليه وسلم[21].

رابعاً : ذهب جماهير علماء الأمة من المحدثين، ومن المحققين الذين جمعوا بين المعقول والمنقول إلى إنكار القصة، والجزم بوضعها واختلاقها[22] وإليك نماذج من أقوالهم :

قال القاضى عياض : "إن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون، المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم… ومن حكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين التابعين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها، ضعيفة واهية، والمرفوع فيه حديث ابن عباس[23] وضعفه الأئمة أيضاً. ثم نقل القاضى عن الحافظ البزار قوله : "هذا الحديث – أى فرية الغرانيق – لا نعلمه يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم، بإسناد متصل يجوز ذكره إلا بهذا الإسناد وهو: "يوسف بن حماد، عن أمية بن خالد، عن شعبة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال ابن جبير : فيما أحسبه". وضعفه الإمام البزار بما يلى :
تفرد أمية بن خالد بنقل هذا الحديث مسنداً عن شعبة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وغير أمية بن خالد يرويه مرسلاً عن سعيد بن جبير عن النبى صلى الله عليه وسلم، ومن غير ذكر ابن عباس.
وقوع الشك فى حديث شعبة، فسعيد بن جبير، وإن كان معتمداً لكن تردد أن النبى صلى الله عليه وسلم، كان بمكة فى هذه القضية، أو بغيرها.
رواية الكلبى لهذا الحديث عن أبى صالح عن ابن عباس، مضعفة أيضاً بأن الكلبى غير ثقة، وأن أبا صالح لم يسمع من ابن عباس، ففيها انقطاع، والمنقطع من أقسام الضعيف[24] فلا يحتج به[25].

قال القاضى عياض : "فقد بين لك أبو بكر البزار رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوزه ذكره سوى هذا، وفيه من الضعف ما نبه عليه، مع وقوع الشك فيه الذى لا يوثق به ولا حقيقة معه"[26].
قلت : وفى ذلك رد على قول الإمام السيوطى فى رواية ابن عباس الموصولة، بأن إسنادها جيد[27] زد على ذلك ما نقله القاضى عن القاضى بكر بن العلاء المالكى فى بيانه لضعف القصة من حديث ضعف سندها واضطراب متنها بقوله : "لقد بلى الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون، مع ضعف نقلته واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده، واختلاف كلماته : فقائل يقول إنه فى الصلاة، وآخر يقول : قالها فى نادى قومه، حيث أنزلت عليه السورة؛ وآخر يقول : قالها وقد أصابته سنة، وآخر يقول : بل حدث نفسه فسها، وآخر يقول : إن الشيطان قالها على لسانه، وأن النبى صلى الله عليه وسلم لما عرضها على جبريل، قال : ما هكذا أقرأتك؛ وآخر يقول : بل أعلمهم الشيطان أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأها؛ فلما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم ذلك قال : والله ما هكذا نزلت؛ إلى غير ذلك من اختلاف الرواة"[28].
وقال الإمام الرازى : "أهل التحقيق قالوا : هذه الرواية باطلة موضوعة، ونقل عن الحافظ ابن خزيمة، أنه سئل عن هذه القصة فقال : هذا وضع من الزنادقة، وصنف فيه كتاباً، كما حكى عن الإمام البيهقى قوله : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم فى أن رواة هذه القصة مطعون فيهم"[29].

وقال الإمام ابن حزم : "وأما الحديث الذى فيه "وإنهن الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى" فكذب بحت موضوع، لأنه لم يصح قط من طريق النقل، فلا معنى للاشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد"[30].
وقال فضيلة الشيخ محمد الصادق عرجون بعد أن فند الروايات التى ذكرها الإمام السيوطى فى تفسيره، وأجاد فى الرد عليها بما يغنى عن ذكره قال : "ليس فى روايات فرية الغرانيق، رواية قط متصلة الإسناد على وجه الصحة، ولم يذكر فى جميع الروايات صحابى قط على وجه موثق، وما ذكر فيه باسم ابن عباس، فكلها ضعيفة واهية خلا رواية سعيد بن جبير على الشك فى إسنادها إلى الحبر ابن عباس، والشك يوهيها"[31].
خامساً : القصة لم يخرجها أصحاب الكتب الصحاح :


... فرية الغرانيق لم يخرجها أحد من أصحاب الصحاح، ولا أحد من أصحاب الكتب المعتمدة كالسنن الأربعة، ومسند الإمام أحمد، كما زعم كذباً بعض أعداء السنة المطهرة والسيرة العطرة[32] والذى رواه البخارى فى صحيحه عن ابن عباس : "أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأن النجم وهو بمكة، فسجد معه المسلمون والمشركون، والجن، والإنس" وفى رواية للبخارى أيضاً عن ابن مسعود قال : "أول سورة أنزلت فيها سجدة "والنجم" قال : فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجد من خلفه، إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً، وهو أمية بن خلف"[33].

... فأنت ترى هنا أن البخارى اقتصر على هذا الجزء الصحيح من القصة، وليس فيه البتة فرية الغرانيق! فأين هذا مما يزعمه بعض الرافضة من إيهام القارئ أن فرية الغرانيق ذكرها الإمام البخارى فى صحيحه؟![34].
سادساً : سؤال بعضهم :


"كيف سجد المشركون عند نهاية السورة لقوله تعالى : { فاسجدوا لله واعبدوا } [35] مع أنهم يرفضون السجود لله؟ قال تعالى : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً } [36].
فالجواب :
... إن سجود أهل الشرك كان لما سمعوه من أسرار البلاغة الفائقة، والفصاحة البالغة، وعيون الكلم، الجوامع لأنواع من الوعيد والإنكار، والتهديد والإنذار، وقد كان العربى يسمع القرآن فيخر له ساجداً[37].
... يقول الأستاذ سيد قطب : "سجود المشركين كان لاعتبارين :
الاعتبار الأول : كامن فى ذلك السلطان العجيب لهذا القرآن. ولهذه الإيقاعات المزلزلة فى سياق هذه السورة… خصوصاً إذا كان القارئ هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى تلقى هذا القرآن مباشرة من مصدره، وعاشه وعاش به، وأحبه حتى لكان يثقل خطاه إذا سمع، من يرتله داخل داره، ويقف إلى جانب الباب يسمع له حتى ينتهى.
... وفى هذه السورة بالذات كان يعيش لحظات عاشها فى الملأ الأعلى، وعاشها مع الروح الأمين، وهو يراه على صورته الأولى.
والاعتبار الثانى : أن أولئك المشركين لم تكن قلوبهم ناجية من الرعشة والرجفة، وهم يستمعون إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. إنما كان العناد المصطنع هو الذى يحول بينهم وبين الإذعان. ومثل هؤلاء إذا استمعوا إلى سورة النجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرب ما يحتمل أن تصادف قلوبهم لحظة الاستجابة التى لا يملكون أنفسهم إذاءها، وأن يأخذوا بسلطان هذ القرآن؛ فيسجدوا مع الساجدين بلا غرانيق ولا غيرها من روايات المفترين"[1].
... قلت : فسجودهم كان معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بقهر المشركين، وإجبارهم على السجود، كما قال عز وجل : { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } [2] وكما ألقى سحرة فرعون ساجدين لما رأوا معجزة سيدنا موسى عليه السلام، تلقف ما يأفكون، ألقى كفار قريش سجداً لمعجزة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى معجزة سيخر لها أهل الكفر إلى يوم الدين أهـ.

الشيخ عماد الشربيني

الرد علي شبهات النصارى حول السنة

الهامش
الهامش
[1] ينظر : الإسلام لألفريد هيوم ص35، 36، وتاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص34 .
[2] كاتب سورى معاصر، هاجر إلى أمريكا، من مؤلفاته : إنذار من السماء، ودين السلطان – الذى زعم فيه أن السنة المطهرة، وضعها أئمة المسلمين، من الفقهاء والمحدثين، لتثبيت ملك السلطان، ويصرح بأنه – أى السلطان – معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه، ويصرح بأن فقهاء المسلمين ومحدثيهم قديماً، هم جنود السلطان وصار على دربهم علماء المسلمين إلى يومنا هذا.
[3] الآية 19 النجم.
[4] قوله : اعتقاد الرسول بأنها من الوحي، فطلب… الخ، هذه زيادة كاذبة منه على رسول الله فوق كذب القصة.
[5] إنذار من السماء ص437 .
[6] الآية 87 القصص.
[7] الآية 88 القصص، ويراجع : ما سبق فى توجيه هذه الآية وما قبلها ص129 – 138 .
[8] الآيات 19 – 21 النجم.
[9] الآية 52 الحج. وينظر : إنذار من السماء ص523 .
[10] الصحيح من سيرة النبى الأعظم 3/138، وينظر : أبو هريرة لعبد الحسين شرف الدين ص116، ودفاع عن السنة المحمدية أو الخطوط الطويلة لمحمد بن على الهاشمى ص12، 41 .
[11] كاتب مصرى معاصر، حصل على العالمية فى الدعوة من جامعة الأزهر، ورفض الأزهر تعيينه بالجامعة، من مؤلفاته التى شكك فيها فى مكانة السنة النبوية، كتابيه دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى، وحقيقة السنة النبوية، وغيرهما.
[12] دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص30 .
[13] يراجع : دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى عقله ص48، والجواب عن شبهاتهم من القرآن
[14] الآيات 1-4 النجم.
[15] الآيات 44 – 47 الحاقة.
[16] الآية 23 النجم.
[17] الآيتان 73، 74 الإسراء، وينظر : جامع البيان لابن جرير 17/131 .
[18] الشفا 2/127، 128 بتصرف، وينظر : السيرة النبوية فى ضوء القرآن والسنة للدكتور محمد أبو شهبة 1/371، 372، وحياة محمد للدكتور محمد هيكل ص144 .
[19] الآيات 11 – 15 الزمر.
[20] يراجع : ص113 - 181 .
[21] الفصول الزكية فى سيرة خير البرية للدكتور عبد الموجود عبد اللطيف ص284، 285 .
[22] القصة أخرجها ابن جرير الطبرى فى تفسيره جامع البيان 17/186، وابن أبى حاتم فى تفسيره 8/2500 رقم 13998، وابن المنذر، ثلاثتهم من طرق عن سعيد بن جبير مرسلاً، ووصلها البزار فى مسنده، وكذا الطبرانى، وابن مردويه، والضياء فى المختار ة من طريق آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال ابن جبير فيما أحسب، شك فى أن القصة بمكة، وأخرجه النحاس بسند فيه الواقدى عن ابن عباس، وابن مردويه من طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس، وابن جرير فى تفسيره 17/186 من طريق العوفى عنه، وعن محمد بن كعب القرظى، ومحمد بن قيس، وأبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبى العاليه، وكلها مرسلة، وابن أبى حاتم فى تفسيره 8/2502 رقم 14003، عن السدى، وموسى بن عقبة فى المغازى عن الزهرى، ومن طريق موسى بن عقبة أخرجه البيهقى فى دلائل النبوة 2/285، ورواها الطبرانى مرسلة عن عروة بن الزبير، وفى سنده ابن لهيعة، ولا يحتمل هذا منه، كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/72 . وينظر : 6/32 – 34، والمعنى فى الروايات السابقة كلها للقصة واحد، كما قال الحافظ فى فتح البارى كتاب التفسير، باب سورة الحج 8/293، وينظر : مناهل الصفا فى تخريج أحاديث الشفا للسيوطى ص221 .
[23] الشفا 2/125، 126، وقال بقوله الإمام القسطلانى صاحب المواهب اللدنية، وشارحه الزرقانى 2/15 فى فاتحة كلامهما، ثم ذهبا إلى ما ذهب إليه ابن حجر، وسيأتى بيان كلام ابن حجر والتعقيب عليه أهـ.
[24] وإذا كان من العلماء من يحتج بالضعيف إذا كثرت طرقه، وبناء عليه يعتمد حديث الغرانيق كابن حجر، فإنا سنعرف رأيه، ثم نناقشه فيه بعد قليل.
[25] نسيم الرياض فى شرح الشفا للخفاجى 4/87، وينظر : الشفا 2/126 .
[26] الشفا 2/126 .
[27] مناهل الصفا ص221 .
[28] الشفا 1/125 .
[29] التفسير الكبير 12/51 وقال أبو حيان فى تفسيره البحر المحيط 6/382 معقباً على كلام البيهقى : ولذلك نزهت كتابى عن ذكره فيه أهـ المراد نقله. وقال الشوكانى فى فتح القدير 3/461 "ولم يصح شئ من هذا،ولا ثبت بوجه من الوجوه". وينظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير 5/438 .
[30] الفصل فى الملل والنحل 2/308، 309، 311 .
[31] محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم 2/69 .
[32] يراجع : قول أحمد حجازى السقا ص310 .
[33] أخرجه البخارى [بشرح فتح البارى] كتاب التفسير، باب فاسجدوا لله واعبدوا 8/480 رقمى 4862، 4863 .
[34] يراجع : قول : جعفر مرتضى العاملى ص310 .
[35] الآية 62 النجم.
[36] الآية 60 الفرقان. وينظر : الصحيح من سيرة النبى لجعفر مرتضى العاملى 3/145 .
[37] السيرة النبوية فى ضوء القرآن والسنة للدكتور محمد أبو شهبة 1/367 .