المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرآن وألوهية المسيح


نور الإسلام
10-01-2012, 06:20 PM
قالــوا: القرآن وافق المسيحية في معتقداتها وبخاصة تأليه المسيح، ( ألوهية المسيح ) فقد ذكر بأنه كلمة الله وروحه: (( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ)) (النساء: 171)، فهذا عين ما يقوله النصارى عنه، فكلمة الله ليست مخلوقة، بل هي كلمة أزلية، وكذلك روحه هي حياته، وإذا كان كذلك فالمسيح أزلي، والأزلية من لوازم الربوبية والألوهية.
ومضى بعضهم إلى القول: إن القرآن المكي كان يمتدح النصارى ويتقرب إليهم بسبب علاقة النبي ? بخديجة ابنة عم ورقة بن نوفل وبالنجاشي الذي آوى المسلمين في الحبشة، وأن القرآن المدني هو الذي سجل موقفاً رافضاً للمسيحية، خلافاً للقرآن المكي.
وفي الجواب نقول: القرآن المكي والمدني كلاهما من عند الله ، وليس في أي جزء منه ما ينقض الجزء الآخر، بل تتكامل آياته المكية والمدنية في رفض مظاهر الشرك المسيحية المتمثلة في عبادة المسيح عليه السلام والقول بالثالوث.
ولعله يحسن أن نبدأ بما جاء في السور المكية حول هذا الموضوع، ثم ننتقل إلى المدنية منها.




ففي الحبشة وقف المسلمون الملتجئون إلى النجاشي بين يديه فسألهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول "[1]، وهذا القول مصداق ما أنزل الله: (( قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ` وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ` وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ` وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ` ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ` مَا كَانَ لِله أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّـمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ` وَإِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ` فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ )) (مريم: 30-37)، فهذه الآيات المكية ناطقة بعبودية المسيح لله، وأنه مخلوق بكلمة (كن)، وأن الله متوعد بعذابه الذين خالفوا الحقيقة وتنكبوها في شخص المسيح.
ومن أراد مزيد بيان فليصخ السمع إلى التقريع الذي ترتجف لقوته الأفئدة وتهتز القلوب، تقريع يشنع فيه القرآن المكي على من زعم أن لله ولداً (( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ` لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ` تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ` أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ` وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ` إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ` لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ` وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)) (مريم: 88-95).
لقد كان القرآن الكريم صريحاً في التشنيع على أقوال النصارى في المسيح ، وإثبات عبوديته لله في الآيات المكية والمدنية على السواء، ففي المكي يقول: (( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ` وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ` إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ )) (الزخرف: 57-59).
ثم تمضي الآيات لتقول: ((وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا الله وَأَطِيعُونِ ` إِنَّ الله هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ` فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ )) (الزخرف: 63-65).
وفي المدني يقول الله: (( لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لله وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً ? (النساء: 172)، وفي سورة المائدة: ? وَإِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ` مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )) (المائدة: 116-117)، فأي فرق يجده القارئ بين القرآني المكي والمدني؟!


وكما كان القرآن المكي صريحاً في اعتبار المسيح رسولاً من رسل الله الكرام(( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشـِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )) (الصف : 6 )، فإن القرآن المدني كان كذلك: (( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ )) (المائدة: 46)، وقوله: (( أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ` مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ` قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَالله هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) (المائدة: 75-76).
وهكذا تبين بطلان الدعوى باختلاف حديث القرآن المكي عن المدني في المسيح عليه السلام، فالكل من عند الله علام الغيوب.
وإذا كان كذلك، فكيف يتوافق القول بعبودية المسيح مع القول بأنه كلمة الله وروح منه؟!


وبداية ننبه إلى أن هذا الاستدلال المغلوط قديم ، قاله نصارى نجران بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حين سألوه: " ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه ؟ فقال: «بلى». قالوا: فحسبنا. فأنزل الله عز وجل: ((فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ )) (آل عمران : 7) [2]، فهذا القول من الفتنة لما فيه من التلبيس اعتماداً على المتشابه من القول، أي ما يحتمل معاني مختلفة.
ولو قرؤوا الآية بتمامها لوجدوا فيها بيان ما تشابه عليهم، فهي تنعى عليهم غلوهم في شخص المسيـح، وقولهـم بأنه ابن الله، وأنه مشـترك مع الله في الثالوث(( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِالله وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا الله إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِالله وَكِيلاً ` لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لله وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُـرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً ))(النساء: 171-172)، فالمسيح عبد الله ورسوله، وهو أيضاً كلمته وروح منه.
فماذا يعني قولنا: المسيح كلمة الله؟ هل يعني أنه عليه السلام صفةُ الكلام الأزلية لله؟ بالطبع: لا، فالمسيـح كلمة الله المخلوقـة، لا الكلمة التي يخلق الله بها خلقه [كن]، وهذا صريح القرآن (( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ` وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ ` قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ الله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضـَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ )) (آل عمران: 45-47)، فصـرحت الآيات أن المسيح ?كَلِمَةٍ مِنْهُ ?، وأكمل السياق القرآني فوصفه بأنه مخلوق ?الله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ?.
فكيف تكون كلمة الله مخلوقة مع يقيننا بأن القرآن كلام الله المنزل غير المخلوق؟
ولتقريب معنى "كلمة الله" نضرب مثلاً بـعبارة "اضطهاد اليهود"، فهي تدل على معنيين متغايرين صحيحين:
الأول : "اضطهاد النازيين لليهود"، أي أنها تدل على المفعول.
الثانـي: "اضطهاد اليهود للفلسطينيين"، أي أنها تدل على الفاعل.
وهكذا اختلفت دلالة العبارة بين هذين المعنيين.
ومثلها قولنا: "كلمة الله" فيمكن أن تدل على كلمة الله التي خلق بها الأشياء (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))(يس: 82)، كما يمكن أن تدل على ما خُلق بهذه الكلمة ? إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ? (آل عمران: 59)، والباحث عن الحق يختار منهما ما وافق السياق، وانسجم مع المعاني المحكمة؛ خلافاً لأصحاب القلوب المريضة الذين يختارون من المعاني ما يوافق أهواءهم؛ ولو خرج بالنصوص عن مساقها: (( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ )) (آل عمران : 7).
وسبب اختصاص المسيح بهذا الاسم الشـريف دون غيره من المخلوقين بكلمة الله؛ أنه خلق من غير تدخل أبوي، خلق بأمر الله وكلمته التكوينية (كن)، ولما لم يكن للمسيح سبب بشري قريب ينسب إليه من جهة أبيه كغيره من الناس؛ فقد نُسب إلى السبب البعيد، وهو تخليقه بكلمة الله، التي تخلّق وفق إرادة الله تبارك وتعالى[3].
ومما يؤكد أن مقصود القرآن بالكلمة؛ كلمة الله التي كانت سبباً في وجوده، لا المعنى الفلسفي الذي يزعمه النصارى (اللوغس)[4] قوله تعالى: (( إِنَّ اللّه يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )) (آل عمران: 45)، فهو كلمة من الله، وليس صفة الله الأزلية.
وأما قوله تبارك وتعالى عن المسيح ?وروح منه? فلا يفيد أن المسيح روح الله أو حياته كما نطق بذلك فلاسفة المسيحية، لأن قوله: ?منه? ليست للتبعيض، بل لابتداء الغاية، بمعنى صادرة عنه، فهي كقوله تعالى: ?وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ? (الجاثية: 13)، أي خلقت منه.
ويجدر هنا التنبيه إلى أنه ليس من المسلمين أحدٌ يعتقد أن الروح صفة من صفات الله القائمة بذاته، بل الأرواح جميعاً مخلوقاته تبارك وتعالى، ونسبتها إليه من باب نسبة المخلوق إلى خالقه وموجده، وهو من باب التشريف، كقولنا: بيوت الله، شعب الله، وأمثالهما.
ولا يختص المسيح بأنه روح الله، فقد قال الله عن الصديقة البتول مريم: (( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا )) (مريم: 17)، فالمراد بالروح في الآية جبريل عليه السلام ، كما سماه الله عز وجل في آية أخرى روح القدس: (( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ)) (النحل: 102)، وفي آية أخرى: (( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ )) (الشعراء: 193)، وسبب تسميته بالروح أنه مخلوق روحي غير مادي.
وقد تمثل جبريل (روح الله) للعذراء في صورة رجل (( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً )) (مريم: 17) ، فنفخ في جيبها، فسرى المسيح في أحشائها، فالمسيح خلق بنفخة منه ?فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ? (الأنبياء: 91).
وهذا المعنى الشـريف ورد في حق آدم أيضاً الذي خلق من طين، ثم : (( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي )) (الحجر: 29)، فإضافة روحه عليه السلام إلى الله إضافة تشريف وتكريم، ولو أوجبت هذه الإضافة معنىً خارجاً عن الإنسانية؛ لكان آدم أولى بذلك من المسيح (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )) (آل عمران: 59).

القرآن وألوهية المسيح

كتبه / الدكتور منقذ السقار



الهوامش

[1] أخرجه أحمد ح (4386).
[2] أخرجه الطبري في تفسيره (3/177).
[3] انظر: الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل، أبو حامد الغزالي، ص (166)، والداعي إلى الإسلام، ابن الأنباري، ص (376).
[4](logos) مصطلح لاهوتي مسيحي، يطلق على المسيح كلمة الله، بمعنى أنه عقل الله الناطق.