المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأخطاء النحوية المزعومة في القرآن الكريم


نور الإسلام
10-01-2012, 06:37 PM
قــال بعض من يزعم أنه من أبناء العربية: إن في القرآن الكريم أخطاء نحوية خالف فيها قواعد اللغة العربية، وهذا يدل على أنه ليس من كلام الله، لأن الله لا يخطئ، قالوا هذا حين استشكلوا بعضَ آيات القرآن؛ ورأوها على خلاف ما تعلموه في دراستهم لقواعد النحو في المرحلة الابتدائية ، فظنوا أن في هذه الآيات خطأ فات الأولين، وأنهم تنبهوا له - بعبقريتهم - بعد مر القرون.



الأخطاء النحوية المزعومة في القرآن الكريم


وقبل أن نعرض لأهم الآيات التي استشكلوها، نجيب بأجوبة إجمالية بين يدي البحث:
أولاً: أن العرب الذين نزل فيهم القرآن كانوا أفصح الناس، وكان فيهم أصحاب المعلقات كلبيد بن ربيعة ر الذي ترك نظم الشعر بعد سماعه للقرآن، ولم يستشكل ما استشكله أعاجم العرب اليوم، كما لم يستشكله مشـركو قريش وغيرهم، رغم عداوتهم القرآن وحربهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم وحرصهم على معاداة دينه (( وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ))(مريم: 97)، لكنهم كانوا عرباً أقحاحاً، فعرفوا ما جهله أهل العُجمة من العرب اليوم.
ثانياً: أن اللغة في أصلها سماعية، لا قاعدية، فالعربي حين كان ينطق بالفاعل مرفوعاً، لا لأن آباءه علَّموه أن الفاعل مرفوع، بل لسليقته العربية التي نشأ عليها منذ طفولته.
لكن في القرن الثاني من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم دخلت الفرس والروم والترك وغيرهم في الإسلام، وتكلموا بالعربية ، فظهر اللحن ، وضاعت السليقة، مما دعا العلماء المسلمين لوضع قواعد اللغة المعروفة عندنا اليوم، وقد وضعوها اعتماداً على مصدرين أساسين: الأول : القرآن الكريم، والثاني: ما ورد عن العرب في أشعارهم وكلامهم، فالقرآن هو المصدر الأول والأساس لقواعد العربية.
لكن العرب الفصحاء قبل وضع هذه القواعد لم يكونوا على نسق واحد في الإعراب والأساليب اللغوية، فلكل قبيلة خصوصيتها اللغوية وفصاحتها وشعراؤها وأدباؤها وإثراؤها للغة الضاد، فعمد مقعدو اللغة إلى الشائع عند عموم العرب، وأهملوا غيره مما هو فصيح تنطق به بعض قبائل العرب.
ولو شئنا أن نضرب مثلاً لقلنا: الشائع في قواعد اللغة حذف ضمير الفاعل من الجملة إذا جاء الفاعل اسماً ظاهراً، فيقول عموم العرب : (جاء المسلمون)، ولا يقولون: (جاؤوا المسلمون)، لكن قبيلة طيء تجيز إثبات ضمير الفاعل ، مع وجود الاسم الظاهر، وهي اللغة المشهورة عند النحاة بـ (أكلوني البراغيث) ، ومنه قول أبي فراس الحمداني:
نُتِــج الربيــعُ محــاسنــاً ألقحنَــها غرُّ السحــائب
وكذا قول محمد بن أمية:
رأين الغواني الشيبَ لاح بعارضي فأعرضنَ عني بالخدودِ النواضرِ[1]
فالشاعران ذكرا ضمير الفاعل (نون النسوة) في قولهما: (ألقحنها)، و(رأين) مع ذكر الفاعل الظاهر بعده، وهو قولهما: (غرُّ)، (الغواني).
فلا يصح أن يقال عن قوله: (رأين الغواني) بأنه لحن، وأن صحيحه حذف الضمير: رأت الغواني، فقد نطق به الفصحاء من العرب؛ وإن جاء على خلاف قواعد المتأخرين منهم، أو بالأحرى على خلاف الشائع عند الكثير من قبائل العرب.
ومثله شاع اليوم عندنا استخدام كلمة (الذين) في معنى الوصل، وهي لغة فصيحة عند العرب، ومثلها في الفصاحة ما يقوله بنو عقيل وغيرهم من العرب الذين يستعيضون عنها بكلمة (الَّذُونَ)، وكذلك (الَّذُو)، كما في قول الشاعر:
قومي الذو بعكاظ طيروا شرراً من روس قومك ضرباً بالمصاقيل[2]
وقول الآخر:
نَحْنُ الَّذُونَ صَبَّحْـوا الصَّبَاحَا يَومُ النُّخَيلِ غَارَةً مِلحَاحَا[3]
ومثله قول الشاعر الهذلي:
هم اللاؤون فكوا الغل عني بمرو الشاهجان إلىالجناح[4]
فهل سيقال عن قبيلة هذيل أنها تلحن لقولهم (اللاؤون)، في حين أن غيرهم من العرب يقول (اللائي)؟.
ومثله حذف بعض العرب نون النسوة من الفعل المرفوع، في حين أن القواعد التي وضعها المقعِّدون بعد ذلك تعتبر إثبات النون علامة على رفع الفعل، بينما حذفها يعني جزمه أو نصبه، فهل سيقول أعاجم العرب اليوم أن هؤلاء العرب الأقحاح يلحنون؟
وهل سيتهمون الشاعر المبدع بشار بن برد باللحن والجهل لأنه حذف نون النسوة في قوله:
فلقد كان ما أكابد منها ومن القلب يتركاني وحيداً[5]
ثالثاً: القرآن نزل بلسان عربي مبين(( قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ))(الزمر: 28)، والعرب لم تعرف قواعد اللغة إلا بعد الإسلام، وقد وضعها المسلمون كالخليل بن أحمد وسيبويه وابن نفطويه وأمثالهم، واستنبطوها من القرآن أولاً ثم من أشعار العرب ومأثوراتها ثانياً، فكيف يحاكم القرآن إلى قواعد وجدت بعده، بل أخذت منه.
إن تقريرنا لهذه القواعد العامة كاف في الرد على كل الأباطيل المتعلقة بالنحو، لكن كفايتها لن تمنعنا من الرد التفصيلي على ما اشتبه على أصحاب الشبهات والأباطيل:

كتبه / الدكتور منقذ السقار

الهوامش

[1] شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، ص (229)، وفقه اللغة، الثعالبي (2/569) .
[2] شرح الرضي على الكافية، الأستراباذي (3/20).
[3] شرح ابن عقيل (1/144)، ومعجم القواعد العربية، الدقر (24/28).
[4] مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، ابن هشام الأنصاري ، ص (535).
[5] انظر: بشار بن برد – شخصيته وفنه، إبراهيم عوض، ص (392).