المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شهادة المرأة نصف شهادة الرجل


نور الإسلام
10-01-2012, 07:01 PM
قالــوا: جعل القرآن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل في قوله: (( وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى )) (البقرة: 282)،فزعموا أن في ذلك انتقاصاً للمرأة، واستهانة بها.
والجـواب: الأمر الوارد في الآية ليس موجهاً إلى القاضي والحاكم، كما يظن الكثيرون، إنما هو لصاحب المال الذي يداين آخر، فأمره الله بكتابة الدَيْن لحفظه ؛ فإن عجز عن ذلك، فليستشهد عليه شهيدين من الرجال، أو رجلاً وامرأتين، حتى لا يضيع حقه بنسيان المرأة الواحدة لمثل هذا الأمر، الذي لا تضبطه النساء عادة.
وقد عللت الآية السبب الذي لأجله طلب الله من صاحب الدين الاستيثاق لماله بشهادة امرأتين أو رجل واحد (( أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ))(البقرة: 282)، أي خوف نسيانها فحسب، لأن المسائل المالية مما لا تضبطه النساء ولا تعنى به عادة. وضلالها وخطؤها ينشأ من أسباب مادية بحتة، لعل أهمها قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما قد يجعلها غير حافظة لكل دقائقه وملابساته.




لكن هذا لا يعني أن شهادة المرأة في المحاكم والقضاء بنصف شهادة الرجل، فالقاضي يقضي بما يتيـسر له من الأدلة، عملاً بقوله ?: «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» ([1])، وقد يقضي القاضي بشهادة رجل واحد أو بشهادة امرأة واحدة، أو بأقل من ذلك، كما يوضحه ابن القيم بقوله: "إن البينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره، وهي تارة تكون أربعة شهود، وتارة ثلاثة، بالنص في بينة المفلس، وتارة شاهدين، وشاهد واحد، وامرأة واحدة، وتكون نُكولاً [امتناعاً عن اليمين] .. فقوله صلى الله عليه وسلم «البينة على المدعي»، أي عليه أن يظهر ما يبين صحة دعواه، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حُكم له"([2]).
ويقول وهو يرد هذه الشبهة: "فإن قيل: فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بدل عن الشاهدين، قيل: القرآن لا يدل على ذلك، فإن هذا أمر لأصحاب الحقوق بما يحفظون به حقوقهم، فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق، فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها.. وهو سبحانه لم يذكر ما يحكم به الحاكم، وإنما أرشدنا إلى ما يُحفظ به الحق، وطرق الحكم أوسع من الطرق التي تُحفظ بها الحقوق"([3]).
ويقول مبيناً علة التمييز بين شهادة الرجل والمرأة: "والمرأة العدل كالرجل في الصدق والأمانة والديانة إلا أنها لما خيف عليها السهو والنسيان قويت بمثلها، وذلك قد يجعلها أقوى من الرجل الواحد أو مثله، ولا ريب أن الظن المستفاد من شهادة مثل أم الدرداء وأم عطية أقوى من الظن المستفاد من رجل واحد دونهما ودون أمثالهما"([4]).
ومما يشهد لصحة هذا الفهم أن مجمل الشهادات تتساوى فيها شهادة الذكر والأنثى ، ففي شهادات اللعان بين الأزواج تتساوى شهادة الرجل وزوجته، فشهاداتها الأربع في اللعان تعدل شهادات زوجها الأربع، وذلك مقرر في قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِالله إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ` وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ` وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِالله إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ` وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ))(النور: 6-9).
ولن يفوتنا التنبيه إلى أمر مهم، وهو تساوي شهادة المرأة بالرجل في أهم الشهادات التي لا مدخل فيها للعاطفة الغالبة على المرأة أو قلة الخبرة، أي حين يكون الاعتماد على مجرد الذكاء والحفظ، وذلك في الأمور الدينية، فتقبل رواية المرأة للحديث كالرجل تماماً، ومثله في سائر العلوم.
وقد جعل الشارع شهادة المرأة معتبرة في بعض المسائل التي قد لا يقبل فيها شهادة الرجال، كالأمور النسائية التي لا يطلع عليها الرجال عادة، كإثبات الولادة وحيضة المطلقة وطهرها في قوله: (( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ )) (البقرة: 228).
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة امرأة واحدة في الرضاع، ففي حديث عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء، فقالت: قد أرضعتكما. فذكر ذلك للنبي )) ، ففرق بينهما([5]).
إن التشريع القرآني الذي جعل شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل في مسائل الدَيْن وأمثالها لم يصنعه إجحافاً بحقها أو استهانة بمقامها وإنسانيتها، وإنما هو مراعاة لقدراتها ومواهبها، وإلا فإن أهليتها كأهلية الرجل تماماً في كثير من المعاملات كالبيع والشفعة والإجارة والوكالة والشركة والوقف والعتق...

كتبه / الدكتور منقذ السقار

للرجوع الى قسم د منقذ السقار للرد علي الشبهات تنزيه القرآن الكريم عن دعـاوى المبطلين

([1]) أخرجه الترمذي ح (1341).
([2]) الطرق الحكمية، ابن القيم، ص (34).
([3]) الطرق الحكمية، ابن القيم ، ص (219).
([4]) المصدر السابق، ص (219).
([5]) أخرجه البخاري ح (2659).