المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من كتاب عقائد المسيحية المبكرة


نور الإسلام
09-01-2012, 12:23 PM
تلخيص ابن أويس القرني



أقدم الكتاب المسيحيين الذين ينبغى أن نوليهم اهتمامنا هم الآباء الرسوليون , و الذين يظهرون كشهود للإيمان التقليدى أكثر منهم كمفسرين يجاهدون ليفهموه . على الرغم من أن أحكامهم عادة ما تكون جزئيه و ساذجه , إلا أنهم يؤسسون لبصيرة نافعه عن الخطوط التى من خلالها نمى العقل الباطن للكنيسه , و هذه البصيره مهمة جدا لأن الآباء الرسوليين لم يكونوا يشكلون مجموعة متجانسه , بل كانت لهم اتجاهات مختلفه .


نحصل على القليل من الأول منهم , أى إكليمندس الرومانى , إنه يربط بين الثلاثه فى قسم " طالما عاش الله و عاش الرب يسوع , و الروح القدس " , و مرة أخرى فى السؤال " أليس لنا إله واحد , و مسيح واحد , و روح نعمة واحدة تنسكب علينا ؟ " . بالنسبة للمسيح , يعتبر وجوده السابق قبل التجسد أمرا مسلما به , بما أنه هو من تحدث من خلال الروح فى المزامير , و الذى هو " صولجان الفخامه " , أى الأداه التى من خلالها مارس الله سيادته على الدوام , و هو أيضا " الطريق الذى من خلاله وجدنا الخلاص , و الكاهن الأكبر لتقدماتنا " , و الذى من خلاله " ننظر الى شواهق السماء " . و يعتبر إكليمندس أن الروح القدس قد أوحت لأنبياء الله فى كل العصور , بنفس الدرجه لكتبة العهد القديم كما له .و لكنه يبدو غافلا عن مشكلة علاقة الثلاثه ببعضهم البعض .







ل " رسالة إكليمندس الثانيه " و " رسالة برنابا " ميزاتهما الخاصه . تبدأ الأولى بنصيحة للقراء أن " يفكروا فى يسوع المسيح كإله , و كقاض على الأحياء و الأموات , فهو مخلصنا " و من خلاله " عرفنا آب الحقيقه " . فى فصل لاحق يعرض المؤلف مفهومه بجلاء عن علاقة المسيح بالآب قائلا " أن أول الأرواح هو المسيح الرب الذى خلصنا , قد صار جسدا و دعانا " . من الواضح من خلال استخدامه لهذه اللغه أنه لم يكن - كما قد يغرى المرء أن يستنتج – يخلط بين الإبن و الروح القدس , لأنه فى مكان آخر يتحدث عن الأخير بأنه الكنيسة الروحيه التى لها وجود سابق , و من الواضح أنه يميز بينها و بين المسيح ذى الوجود السابق . و بالتالى فعلى الرغم من غموض فكره , إلا أنه يبدو أنه يعترف بثلاثه هم الله الأب , و المسيح الذى كان روحا و صار جسدا , و الروح القدس التى يعتبرها الكنيسة المقدسه و أما للمؤمنين .


هناك لمحات أخرى عن استخدام ذى مستويين ل " الروح " نجده فى رسالة برنابا , أحيانا يشير بشكل تقليدى الى الروح على أنها توحى للأنبياء و أنها أعدت مسبقا أولئك الذين دعاهم الله , و لكنه يتحدث أيضا عن جسد المسيح على أنه " وعاء الروح " , ربما يشير بالكلمه الى الطبيعه الروحيه للعنصر الإلهى فى الرب ,


و الشىء الرئيسى فى لاهوته – على الرغم من ذلك – هو الأهمية التى تنسب لوجود المسيح السابق . إنه هو من تعاون مع الله الآب وقت الخلق ( الكلمات " لنصنع انسانا على صورتنا " قيلت له ) , لقد تحدث مع موسى , و قبل التجسد تلقى تفويضا من الله الآب , إنه " رب كل العالم " , و إنه مجده أن " تكون كل الأشياء فيه و به " .


إن أغناطيوس الأنطاكي و هرماس أكثر وضوحا , على الرغم من الإختلاف الكبير بين أسلوبيهما . لقد كان المسيح هو المركز فى فكر أغناطيوس . صحيح أنه وضع الروح القدس فى مكان مناسب , فقد كان المبدأ للحمل العذرى بالرب , و قد أسس المسيح و أكد من خلاله على ضابطى الكنيسه , لقد كان العطيه المعطاه من المخلص , و قد تحدث من خلال أغناطيوس نفسه .


يضاف على ما سبق أن الصيغه التثليثيه ترد ثلاث مرات على الأقل فى رسائله , و المثال الأبرز من بينها هو تشبيه رائع يشبه المؤمن بالأحجار التى تكون الهيكل الذى يبنيه الله الآب , و صليب المسيح هو الرافعه التى ترفعها , و الروح القدس هو الحبل . و أكثر من ذلك جدا – على الرغم من ذلك – يتحدث عن الله الآب و يسوع المسيح معلنا أن " هناك إله واحد الذى أعلن نفسه من خلال ابنه يسوع المسيح , الذى هو كلمته التى خرجت من الصمت " . المسيح هو " فكر " الآب , و الفم غير الكاذب الذى يتحدث به الآب بصدق . بل و يعلن أغناطيوس أنه " إلهنا " و يصفه بأنه " الله المتجسد " , و " الله الذى ظهر كإنسان " . لقد كان متحدا بالروح مع الآب . فى وجوده السابقلم يكن محدثا ( المصطلح التقنى المخصص لتمييز الله غير المخلوق عن مخلوقاته ) , كان خالدا غير منظور و غير محسوس و ممتنعا على الألم , الذى من أجلنا دخل الزمان و صار منظورا و محسوسا و قابلا للتألم . إن بنوته الإلهيه يعود تاريخها الى وقت التجسد .


فى ضوء هذه اللغه , استنتج أحيانا أنه على الرغم من ترديد أغناطيوس للصيغه التثليثيه التى صارت رسمية من خلال صيغة التعميد , إلا أنه كان يقول ب " التثليث التدبيرى " , أى أنه اعتبر الله جوهرا غير متميز فى وجوده الأساسى , و أن الإبن و الروح مجرد أشكال أو طرق يعلن بها الآب ذاته , تتميز عنه فقط أثناء عملية الإعلان , و لكن الفحص الأدق يظهر كيف أن هذا التفسير مضلل فى التعبير عن فكر أغناطيوس .


لا بد أن نلاحظ أن الإنجيل الرابع قد حفل بهذا , و أن تأكيده الشديد على وحدة المسيح مع الآب تعكس هذه النصوص اليوحناويه 1-1 , 10 – 30 , 14 – 9 , 17 – 5 .



فى تعقبه لبنوته الإلهيه وصولا الى حمله فى رحم مريم , كان بكل بساطة يعيد انتاج شيئا مألوفا ل " لاهوت ما قبل العلامة أوريجانوس " , و لم تكن الفكرة تحمل أو يراد لها أن تحمل الإنكار لوجوده السابق . في حدود كلامنا عن أغناطيوس , نراه يؤكد بوضوح على " أنه وجد مع الآب قبل الدهور " , و أنه " أتى من الآب الفريد , كان معه و قد عاد إليه ". إن عبارات مثل هذه تشير الى تمايز حقيقى كما تشير أيضا الفقرات التى يقارن فيها علاقة الشمامسه بالأسقف , أو علاقة الكنيسه بالأسقف , بعلاقة المسيح بالآب .



هناك نصوص أخرى متعدده تقترح أن استقلاله بالقياس الى الآب لم يكن مقصورا على زيارته الدنيويه , مثل (أ) صيغ التحيه و الوداع الوارده فى الرسائل (ب) طلب أغناطيوس ممن يتلقون رسائله أن يوجهوا صلواتهم نحو يسوع المسيح . و لكن اللمحه الوحيده التى يعطيها بخصوص طبيعة هذا التمايز داخل وحدة الروح الإلهيه هى أن المسيح هو " فكر " الآب .




يتغير الجو بكامله عندما نذهب الى هرماس , الذى شغل نفسه بالتوبه و السياده لله الخالق الواحد , و الذى لم يذكر اسم يسوع فى أى مكان , و ناقش شخصه فى اثنين فقط من " مشابهاته " . الأول منهما مثل يبدو جليا أنه صمم على طراز المثل الإنجيلى , و الذى يخبر عن قصة مالك أرض عهد بمزرعته أثناء غيابه الى خادمه , و سُرَّ عند عودته بطريقة إدارته لها , و بعد التشاور مع " ابنه الحبيب و وريثه " قرر أن يجعله " وريثا شريكا " مع ابنه . و يشرح هرماس أن مالك الأرض هو الخالق و أن العقار هو العالم و أن الخادم هو ابن الله و أن " الإبن المحبوب " لمالك الأرض هو بالتالى الروح القدس . لاحقا و بما أنه يبدو أن ابن الله قد أنزل منزلة قليلة الشأن جدا , نراه يعدل فى تفسيره . من الواضح أن الخادم لم يكن – كما قد يفهم من التعليق الأول – مجرد إنسان , و لكن الله جعل " الروح القدس ذا الوجود السابق " يسكن فيه , و لأن جسده قد تعاون برغبة شديدة و بنجاح شديد مع هذه الروح الإلهيه , فقد رقاه الله ليكون " شريكا مع الروح القدس " .




فى الموضع الثانى من مشابهاته , حيث يصف الكنيسه فى شكل برج مبنى على صخرة راسخه , يوصف ابن الله مرة أخرى بالروح القدس ( الروح القدس التى تكلمت معك فى صورة الكنيسه هى ابن الله ) , و يصوره هرماس على أنه مولود قبل العالم , و مستشار الله فى عمله الإبداعى , و عمود كل الخلق , و الذى ظهر فى هذه الايام الأخيره .



من الواضح أن هرماس يتصور ثلاث شخصيات متمايزه , هم السيد أى الله الآب , و " ابنه المحبوب " أى الروح القدس , و الخادم أى ابن الله يسوع المسيح . على الرغم من ذلك فإن هذا التمايز بين الثلاثه يبدو أنه يعود الى وقت التجسد , لأنه قبل الوجود يوصف ابن الله بأنه الروح القدس , و بالتالى يبدو أنه كان هناك شخصين إلهيين فقط قبل التجسد هما الآب و الروح . أما الثالث المخلص أو الرب فقد رفع الى رفقتهما كمكافأة على مزاياه , و قد تعاون بنبل مع الروح ذى الوجود السابق التى سكنت فيه .



و بالتالى فإن لاهوت هرماس مزيج من الثنائيه binitarianism و البنويه adoptionism , على الرغم أنه قام بمحاولة ليتوافق مع الصيغه التثليثيه التى تقبلها الكنيسه . و ما يزيد لاهوته تعقيدا أيضا هو أننا نجد عنده مجموعة مختلفة تماما من الأفكار . ففى عدة فقرات نقرأ عن ملاك أعلى مقاما من ستة ملائكه آخرين يشكلون المجلس الداخلى لله , و الذى يوصف بانتظام بأنه " الأكثر احتراما " و " القدوس" و " الممجد " . هذا الملاك يعطى اسم " ميكائيل " , و من الصعب أن نتجنب النتيجة بأن هرماس رأى فيه ابن الله و ساواه برئيس الملائكه ميكائيل . كلاهما على سبيل المثال له قوة عظيمه فوق شعب الله , و كلاهما يعلن الحكم على المؤمنين , و كلاهما يسلمان الخطاه الى ملائكة التوبه ليصلحوهم .




إن الدليل الذى نجمعه من الآباء الرسوليين ضئيل , و غير حاسم بشكل مثير , و لكن ينبغى أن نلاحظ أن الوجود السابق للمسيح كان أمرا مسلما به عموما , و كذلك دوره فى الخلق و فى الخلاص . هذه الفكره التى قد تشير الى نظيراتها البولسيه و اليوحناويه تتواءم بسهولة مع وظائف الخلق التى تعزى الى " الحكمه " فى اليهوديه المتأخره . إن النظريه القائله بأن العنصر الإلهى فى يسوع كان روحا ذا وجود سابق كانت منتشرة جدا , و أمكن أن تأخذ صورا متنوعه . هناك أيضا دليل كما لاحظنا فى الفقرة السابقه على محاولات لتفسير المسيح بأنه نوع من الملك العلوى supreme angel , و هنا ندرك بوضوح تأثير علم الملائكه اليهودى Jewish angelology . أما عن عقيدة التثليث بمفهومها الدقيق , فلا يوجد أى اشارة بالطبع , على الرغم أن الصيغه التثليثيه للكنيسه قد تركت أثرا فى كل مكان .


_____________

المصدر :

EARLY CHRISTIAN DOCTRINES

BY

J. N. D. KELLY

صفحة 90 - 95