المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبهات مُثارة حـول : حول قضايا مُتعلقة بالمـرأة المسلمـة


مزون الطيب
05-12-2012, 01:31 PM
شبهات مُثارة حـول :
حول قضايا مُتعلقة
بالمـرأة المسلمـة


الشيخ
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


هذا السؤال وصلني عبر البريد :

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى / الشيخ العلامة أمد الله في عمره
شيخنا الجليل : بعد الاحتلال الأمريكي صدر كتاب اسمه : ( قضايا مثارة حول المرأة المسلمة ) لكاتب معروف بدرجة أستاذ دكتور - رئيس ما يسمى بالحزب الإسلامي العراقي - وقد تضمن هذا الكتاب الكثير من الآراء التي فاجأتنا نرجو من سيادتكم الإجابة عليها :
1ـ ذكر حالات جديدة في عصرنا حول موضوع سفر المرأة فقال في ص 33 :
أستاذة في كلية علمية تُدعى مع زميلاتها ومع زملائها إلى مؤتمر عالمي يسافرن بالطائرة في إطار وفد علمي ، وينْزِلن في فندق معروف مهيأ للوفد جميعا ، فلا يمكن أن نقول إن سفرهن حرام لأنهن لسن مع أزواجهن ، لأن طبيعة هذا السفر لا تشبه الأسفار القديمة ، ولكن لابد أن يوافق الزوج على هذا السفر ، والزوج الذي زوجه بهذا المستوى العلمي لابد أن يكون في مستواها ولا يتعسف في استعمال حقه .
2ـ وقال في ص 49 من الكتاب :
فالنقاب لا يدخل في أصل الحجاب ولا في قوله تعالى : ( إلا ما ظهر منها )
والحجاب الكامل فرض على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أن هذا الحجاب الكامل خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ) .
إلى أن قال : ولكني أدعو النساء إلى عدم لبس النقاب في عصرنا هذا لأنه منفر مخالف للأخذ بالأيسر ، ولأنهن في الكليات والدوائر والمؤسسات وحتى الطرقات يحتجن إلى إظهار وجوههن لكي يعرفن .
3ـ في ص 70 وعند كلامه عن صوت المرأة هل هو عورة أم لا ؟ و هل الغناء حرام أم لا ؟ قال :
فإذا كان صوت المرأة ليس عورة في الكلام الطبيعي ، فلماذا يكون عورة إذا أنشدت قصيدة أو أنشودة في الفضيلة والجهاد ، والدعوة إلى الإسلام والخير أمام الرجال في احتفال عام على خشبة المسرح أو بدون حضور الرجال ، إذا كانت في كل ذلك ملتزمة بضوابط الحجاب الإسلامي ، وعدم الخضوع بالقول والتصنع في إغراء الرجال .
4ـ وفي ص 71 قال عن تمثيل المرأة :
وأما تمثيل المرأة سواء أكانت على خشبة المسرح أم في المسلسلات أم في الأفلام ، إذا انضبط بضوابط الإسلام مع وجود المحارم ، فلماذا يكون حراما ، إذا لم يحصل فيه الاختلاء أو الاختلاط الفاحش .
5 ـ في ص86 في حديثه عن اتخاذ الأرقاء قال :
وفي العصر الحديث أدركت البشرية ظلم هذا النظام القاهر ، فقررت دولها إلغاءه نهائيا من حياة البشرية ، وأقرت ذلك في مواثيق حقوق الإنسان الصادرة من الأمم المتحدة .
والإسلام يرحب بذلك أعظم ترحيب ، لأنه دين الأخوة الإنسانية ، ولذلك وقعت الدول الإسلامية على تلك المواثيق . إن إطاعة لشريعة الإسلام أو اتِّباعا للسياسة الدولية ، والمسلمون عند شروطهم ولا يجوز لهم اتخاذ العبيد في الحرب طالما أن الأمم الأخرى لا تفعل ذلك .

فما هو الرأي الشرعي في هذه المسائل ؟

الجواب :
بارك الله فيك أخي الكريم

وأريد أن أسأل سؤالا قبل الرد والجواب :
ما هو الحرام إذاً في عُرف هذا الدكتور ؟!
وما هي الضوابط الشرعية التي أبقاها لِحفظ الأعراض ؟!

وأقول : كان حق هذا الكتاب أن يكون الجزء الثاني من كتاب : الحلال والحلال في نظره !

ويَصدق على هذا الكتاب وهذه الآراء قوله تعالى : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ)
قال الإمام ابن جرير الطبري في التفسير : فتأويل الكلام إذن : فترى يا محمد الذين في قلوبهم مرض وشك إيمان بنبوتك وتصديق ما جئتهم به من عند ربك يُسارِعون فيهم يعني في اليهود والنصارى . ويعني بمسارعتهم فيهم مسارعتهم في موالاتهم ومُصانعتهم . اهـ .
وقال ابن قتيبة (يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) : في رِضاهم .

وقبل الردّ على هذه الشُّبُهات أقول مستعينا بالله :

أولاً : لا بُـدّ أن يُعلم أن دين الله واحد ثابت لا يتغيّر ، وقد تتغيّر الفتاوى الاجتهادية ( المبنية على اجتهاد ) أما ثوابت الإسلام وقواطع الأدلة فلا تتغيّر ولا تتبدّل .
فلا يصح – عقلاً ولا شرعاً – أن يأتي مأفون فيقول : الصلاة كانت تُناسب ذلك الوقت والزّمان حيث لم يكن ثمّة رياضة ونوادٍ رياضية ! أما اليوم فتوجد أندية رياضية وممارسات رياضية تُغني عن الصلاة ! وقد وُجِد من قال بهذا القول الساقط المرذول من كل وجه !
ولا يصح – عقلاً ولا شرعاً – أن يُقال : إن الحج لا يُناسب العصر لما فيه من زِحام ومشقّة !
لأن هذه ثوابت شرعية لا تتغيّر ولا تتبدّل .
كما لا يصح – عقلاً ولا شرعاً – إلغاء الحدود لأن بعض أمم الكُفر ترفض إقامة الحدود !
والذي خَلَق الْخَلْق هو الذي شرع الشرع بأوامره ونواهيه وزواجره . قال تعالى : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) .

وقد كان السلف يُشدِّدون في هذا الجانب ، فلا يجوز ردّ نصّ صحيح لمتغيّرات العصر ، ولا لِعَدَمِ قبول بعض العقول له !

قال الحميدي : ذَكر الشافعيُّ حديثا ، فقال له رجل : تأخذ به يا أبا عبد الله ؟ فقال : أفي الكنيسة أنا ؟! أو ترى على وسطي زنارا ؟! نعم أقول به ، وكلما بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم قُلتُ به .
وقال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي وسأله رجل عن مسألة ، فقال له رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة كذا وكذا ، فقال له السائل : يا أبا عبد الله تقول به ؟ قال : فرأيت الشافعي أرعد وانتفض ، وقال : يا هذا أي ارض تُقِلُّني ، وأي سماء تُظِلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقُل به ؟ نعم عَلَيَّ السمع والبصر .

وحدّث أبو معاوية الضرير هارون الرشيد بحديث " احتج آدم وموسى " فقال رجل شريف : فأين لقيه ؟ فغضب الرشيد وقال : النطع والسيف ! زنديق يطعن في الحديث . فما زال أبو معاوية يسكِّـنه ويقول : بادرة منه يا أمير المؤمنين . حتى سكن .

قال الإمام الذهبي بعد أن ساق قول أبي قلابة : " إذا حَدَّثْتَ الرجل بالسُّنة فقال : دعنا من هذا ، وهات كتاب الله ، فاعلم أنه ضال .
ثم علّق عليه بقوله :
قلت أنا : وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول : دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات العقل ، فاعلم أنه أبو جهل !!
وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول : دعنا مِن النقل ومِن العقل وهات الذوق والوجد فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر ، أو قد حَلّ فيه ! فإن جبنت منه فاهرب وإلا فاصرعه وابرك على صدره واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه ! انتهى كلامه .

وقال أبو سليمان الداراني : إنه لتمر بقلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة .
وقال النصر آبادي : أصل هذا المذهب ملازمة الكتاب والسنة ، وترك الأهواء والبدع ، والاقتداء بالسلف ، وترك ما أحدثه الآخرون ، والإقامة على ما سلكه الأولون .

فلا يَجوز اطِّراح الأحاديث وردّ الأدلة بهذه الصورة بِدعوى التماشي مع روح العصر – زعموا – أو مُسايرة الواقع !

ثانياً : لا بُـدّ أن يُعلَم أن الشريعة الإسلامية جاءت بتحقيق المصالح وتكميلها ، وإعدام المفاسد وتقليلها .
وأنها لا تأمر بشيء إلا ومصلحته مُتحقِّقَة أو راجحة ، ولا تنهى عن شيء إلا ومفسدته مُتحقِّقَة أو راجحة .
فليست ألأوامر والنواهي لمجرّد التكليف ، ولا لتعذيب العباد لأنفسهم ، بل هي الغاية في تحقيق المصالح ودفع المفاسد والْمَضارّ .
كما أن الشريعة الإسلامية جاءت بِحفظ الضرورات الخمس ، وهي :
الدِّين والعقل والنَّفْس والعِرض والمال .

قال الإمام الشاطبي : فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وُضِعتْ للمحافظة على الضروريات الخمس ، وهي : الدين والنفس والنسل والمال والعقل وعلمها عند الأمة كالضروري
وقال : فالضروريات الخمس كما تأصلت في الكتاب تَفَصَّلَتْ في السُّنة . اهـ .

ومن هذا الباب حِفظ المرأة ، وأن لا تُسافر إلا مع ذي مَحرَم ، ليس لِعدم الثقة بها ، وإنما من باب المحافظة عليها ، لأنها ضعيفة في اصل خِلقتها ، إذ خُلِقتْ من ضعف مُضاعَف ، كما في قوله تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) فالرّجل خُلِق من ضعف ، ومن هذا الضعف خُلِقتْ حواء ، كما في قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) .
وهذا الضعف أنسب للمرأة إذ هو أنسب للأنثى لتكون أرقّ وألطَف ، ولتكون أحْـنَى على ولدها ، وطبيعة المرأة شاهدة بذلك .

ثم إن ما يُحفَظ هو ما يكون له قَدر كبير ، وله مكانة في النَّفْس ، ويَعزّ على الإنسان أن يَفقِده .

ألا ترى أن الإنسان يُغلق الأبواب على أمواله ، بينما يَطَّرح الزَّبَل في ممرّ الكِلاب ؟!

فالحضارة الغربية جَعَلتْ المرأة بمنْزِلة الزِّبَالة !
بينما الإسلام جَعَل المرأة بمثابة الدّرة والجوهرة النفيسة .

فالإسلام حفِظ المرأة من كل ما يَشينها أو يَخدش حياءها .
وحفِظ لها كرامتها وصانِها ، ولذا شُرِع جلد من قَذَف مُسلِمة عفيفة ، واعتُبِر ذلك في الإسلام من الْمُهْلِكات ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : اجتنبوا السبع الموبقات – وَذَكَر منهن – : وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات . رواه البخاري ومسلم .
ثالثاً : ما يتعلق بِسفر المرأة من غير مَحرَم :
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة من غير مَحرَم ولو كان ذلك لأداء فريضة الله التي فَرض على عباده ، ولو كان ذلك لأداء فريضة الحج .
ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يخلوَنّ رجلٌ بامرأةٍ إلاّ مع ذي مَحْرَم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم . قام رجلٌ فقال : يا رسولَ الله امرأتي خَرجَت حاجّةً ، واكتَتَبتُ في غزوةِ كذا وكذا ، قال : انطلق فحُجّ مع امرأتِك . رواه البخاري ومسلم .

فهذا الرجل لم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج للجهاد في سبيل الله ويترك امرأته تذهب للحج
بل أمره أن ينطلق ليحجّ مع امرأته
وفي تعبيره صلى الله عليه وسلم بـ " انطلق " ما يدلّ على السرعة .
كما أنه عليه الصلاة والسلام لم يسأله : هل امرأتك مع رفقة صالحة ؟ ونحو ذلك .

وقال عليه الصلاة والسلام : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تُسافر مسيرة يوم إلا مع ذي مَحْرَم . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها .

وقد وَرَدتْ روايات فيها يومين ، وأخرى فيها : ثلاثة أيام .
وهذا يقول فيه العلماء : لا مفهوم للعدد .
قال الإمام النووي : وفي رواية لأبي داود : " ولا تسافر بَريداً " والبريد مسيرة نصف يوم . قال العلماء : اختلاف هذه الألفاظ لاخْتِلاف السائلين واخْتِلاف المواطن ، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد . قال البيهقي كأنه صلى الله عليه وسلم سُئِل عن المرأة تُسافر ثلاثا بغير محرم فقال : لا . وسُئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال : لا . وسُئل عن سفرها يوما فقال : لا ، وكذلك البريد ، فأدّى كل منهم ما سمعه ، وما جاء منها مختلفا عن رواية واحد فسمِعَه في مواطن ؛ فروى تارة هذا وتارة هذا ، وكله صحيح ، وليس في هذا كله تحديد لأقلّ ما يقع عليه اسم السفر ، ولم يُرِد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفراً ، فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا تُنْهَى عنه المرأة بغير زوج أو محرم ، سواء كان ثلاثة أيام ، أو يومين ، أو يوما ، أو بريداً ، أو غير ذلك ، لرواية بن عباس المطلقة وهي آخر روايات مسلم السابقة : " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " وهذا يتناول جميع ما يُسَمَّى سفراً . والله أعلم . اهـ .

وتحريم سفر المرأة من غير مَحرم مَحلّ إجماع بين العلماء .

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : واستُدِلّ به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم ، وهو إجماع في غير الحج والعمرة والخروج من دار الشرك ، ومنهم من جَعَلَ ذلك من شرائط الحج . اهـ .
أي أن من العلماء من جعل الْمَحْرَم من شروط الحجّ .
فلم يَختلِف العلماء في تحريم سفر المرأة من غير مَحرَم إلا في مسألتين – ذكرهما ابن حجر – وهي:
الحج والعمرة والهجرة من دار الشرك .
والصحيح أنه لا يَجوز للمرأة أن تُسافر للحج أو العمرة إلا مع ذي مَحرم للحديث السابق .

وأما قوله : (فلا يمكن أن نقول إن سفرهن حرام لأنهن لسن مع أزواجهن ، لأن طبيعة هذا السفر لا تشبه الأسفار القديمة)
فأقول : كان الناس في الأسفار القديمة يَنْزِلون في خيام أو تحت أشجار ، وهي لا تَستر ولا تَحجب إلا قليلاً ، وهو أبعد عن الخلوة ، خاصة في أسفار الجماعات .
لكنه في هذا الزمان يُرى في الطائرات – فضلا عن الفنادق والمقاهي – ما يُعلَم معه عِلم يقين أن فساد الناس في هذا الزمان أولى بالمنع .
ولا زلت أذكر أننا كُنا في طائرة مُتّجهة إلى شرق آسيا ، وهي مليئة بالنساء من غير محارِم لهن ، وفي الطائرة بعض سفهاء الأحلام ! فما أن أقلعت الطائرة حتى تأبّط كل واحد منهم ذراع أو فخِذ امرأة !
وإذا غاب الرقيب فقُل على العفاف السلام !
فلما أنكرت ذلك زَعَم أحدهم أنه يتفاهم معها ! كما زَعم أن لديها مكتب استقدام ! وأنه يتفق معها على استقدام عَمالة !
فقلت له : عجبا ! أوَ يَكون التفاهم بالشِّفَاه ؟!
قال : وَصَل بك سوء الظن إلى هذه الدرجة ؟!
قلت : إذا كان الأمر كما تقول : فما حاجة أن يكون فخذك بين فخذيها في طائرة ؟!
فنَظر إلى فخذه ، وإذا هو لا يَزال بين فخذيها ! فخَجِل وأطرق ، ثم أبدى اعتذاره فيما بعد .
فالشاهد من هذا أن وسائل السفر الحديثة وكذلك وسائل السكن أدْعَى لارتكاب الفاحشة ، ولوقوع المحذور مما سَبق في الأزمنة الماضية .
والفنادق في زماننا هذا ادعى للفساد والرِّيبَة ، وذلك لوجود وسائل الاتصال ، فيُمكن لنَزِيل فندق أن يتصل وأن يُرتّب أمره ، وأن يستقبل من شاء ، وأن يَخلو به ، من غير حسيب ولا رقيب .
أضِف إلى ذلك وُجود القنوات الفضائية التي تُتاجِر بالغرائز ، وتُثير الشَّهوات .
وكم من الناس سأل عن وقوعه في الفاحشة ، وكان سبب ذلك أنه سكن في فندق فنظر ابتداء إلى تلك القنوات الفاجِرة ، فتأججت شهوته ، وثارت غريزته ، وربما دَخَلتْ عليه شابة تعمل في الفندق ، أو تكون أُرسِلتْ له قَصداً ؛ إما لإغوائه ، أو لابتزازه ! أو لهما معاً !

ثم إن فساد كثير من الناس – أو قُل بعض الناس – يستدعي مَنْع ما هو مُبَاح فضلا عما هو مُحرَّم .
ومن هنا قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : لو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما مُنِعَتْ نساء بني إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : فقلت لعمرة : أنساء بني إسرائيل منعهن المسجد ؟ قالت : نعم . رواه البخاري ومسلم .
وإنما مُنعت نساء بني إسرائيل من المساجد لما أحْدَثْنَ وتوسّعنَ في الأمر من الزينة والطيب وحسن الثياب . ذكره النووي في شرح مسلم .

ومن باب السياسة الشرعية والآداب المرعية أن يُمنَع الناس فيما لهم فيه مَندوحة إذا توسّعوا فيه .
قال ابن حجر في موضوع آخر مشابه : وفائدة نهيهن – أي النساء – عن الأمر المباح خشية أن يَسْتَرْسِلْنَ فيه فيُفْضِي بهن إلى الأمر المحرَّم لضعف صبرهن ، فيستفاد منه جواز النهي عن المباح عند خشية إفضائه إلى ما يَحْرُم . اهـ .

رابعاً : قوله : (فالنقاب لا يدخل في أصل الحجاب ولا في قوله تعالى : ( إلا ما ظهر منها )
والحجاب الكامل فرض على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أن هذا الحجاب الكامل خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ) .
أقول : هذا خطأ في فهم الآية ، إذ قال الله في آية الأحزاب : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) ) .
فماذا يُفهَم من قوله تعالى : (وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ) ؟
لا يُفهَم منه إلا ذِكر نساء المؤمنين بعد ذِكر أمهات المؤمنين .

قال الإمام الشنقيطي في التفسير :
ومِن أنواع البيان التي تضمّنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ، ويكون في نفس الآية قرينة تدلّ على بُطلان ذلك القول ... ومِن أمثلته :
قول كثير من الناس : " إن آية الحجاب ، أعني قوله تعالى : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) الآية – خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم " فإن تعليله لهذا الْحُكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرِّجال والنساء من الريبة في قوله : (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) قرينة واضحة على قصد تعميم الْحُكم ، إذ لم يَقُل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى طهارة قلوبهن ، ولا إلى طهارة قلوب الرِّجال من الرِّيبة منهن ، وقد تقرر في الأصول أن العِلّة قد تُعمم مَعلولها . اهـ .

وأقول : لو افترضنا اختصاص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب ، وهُنّ بمنْزِلة الأمهات ، بل هُنّ أمهات للمؤمنين بِنَصّ قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) ، فغيرهنّ من باب أولى وأولى أن يَدخلن في هذا الخطاب .

ويَلزم من القول باختصاص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب اختصاصهن بعدم الخضوع بالقول ، وجوازه لغيرهن من النساء ! وهذا لا يُقول به عاقل !
كما أن قوله تعالى : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الخطاب فيه مُوجّه لأمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن ، إلا أن الْحُكم عام .
فتحريم الخضوع بالقول ليس خاصاً بأمهات المؤمنين ، بل هو عام لكل مؤمنة تُؤمن بالله واليوم الآخر
وكذلك النهي عن التبرّج .
والأمر بالصلاة والزكاة ، كل هذا عام لكل مؤمنة ، ولم يَقُل أحد باختصاص أمهات المؤمنين به .
ومن قال باختصاص أمهات المؤمنين بالحجاب لزِمه أن يقول باختصاص أمهات المؤمنين بهذه المنهيّات وبهذه الأوامر .

وقوله : ( ولكني أدعو النساء إلى عدم لبس النقاب في عصرنا هذا لأنه مُنفر مخالف للأخذ بالأيسر ، ولأنهن في الكليات والدوائر والمؤسسات وحتى الطرقات يحتجن إلى إظهار وجوههن لكي يعرفن ) .

أقول : ما هو الضابط للتنفير ؟
ثم ما هو الضابط في الأخذ بالأيسر ؟

أما التنفير ، فلم يَقُل أحد من المسلمين ذوي الفِطر السليمة بأنه مُنفِّر ، لا من السَّلَف ولا مِن الخَلَف
وإنما قد يقول به من لا يرتضي دِين الله وشِرعته .
والمشاهد أن الكفّار في بلادهم – شرقاً أو غَرباً – يَحترمون من يتمسّك بِمبادئه ، ويلتزم بشخصيته ، بينما يَكرهون من يكون مُتلوِّناً مُتَقلِّباً .
وكم كان حجاب المرأة المسلمة في أوربا أو في أمريكا دعوة صامتة ، ومظهراً مُثيراً للسؤال : لماذا تلبس هذه هذا اللباس ؟
فإذا أُجيبتْ بأن هذا مِن دِين المرأة المسلمة ، كان سببا في البحث عن هذا الدِّين ، ومن ثمّ دخوله .
بل قد صرّحت غير واحدة أنه ما دعاها إلى الإسلام إلا حجاب المرأة المسلمة .
وصرّحتْ كاتبة بريطانية قبل أكثر من مائة عام بأن مظاهر التعرِّي عار على بلادها !
تقول الكاتبة الشهيرة " آتي رود " - في مقالة نُشِرت عام 1901م - : لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم ، خير وأخفّ بلاءً من اشتغالهن في المعامل حيث تُصبح البنت ملوثة بأدرانٍ تَذهَب برونق حياتها إلى الأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين ، فيهـا الحِشمة والعفاف والطهارة … نعم ! إنه لَعَارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثَلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يُوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت ، وترك أعمال الرجال للرجال سلامةً لِشَرَفِها . اهـ .
وقد ذَكَرَ الدكتور مصطفى السباعي – رحمه الله – أنه كان في رحلة علمية من ميناء " دوفر " إلى ميناء " أوستن " فالْتَقَى فتاة إيطالية تَدْرس الحقوق في جامعة أكسفورد وتحدّث مع تلك الفتاة عن المرأة المسلمة وحقوقها ، وكيف تعيش . قالت الفتاة : إنني أغبط المرأة المسلمة ، وأتمنّى أن لو كنت مولودة في بلادكم .

ولما قام إمبراطور ألمانيا " غليوم " بزيارة لِتركيا أحبّ أعضاء جمعية الاتحاد والتّرقي التركية أن يُظهروا له تمدّنهم ! فأخرجوا بعض بنات المدارس وهُنّ متبرجات لاستقباله ، واستغرب الإمبراطور ، وقال للمسؤولين : إني كنت آمل أن أشاهد في تركيا الحشمة والحجاب بحكم دينكم الإسلامي ، وإذا بي أشاهد التبرج الذي نشكو منه في أوربا ، ويقودنا إلى ضياع الأسرة ، وخراب الأوطان ، وتشريد الأطفال !!

أقول : وها نحن نُدعى لخوض غمار تجربة فاشلة ! بحجة أن الحجاب غير لائق بعصرنا ، وأنه مُنفِّر !

وإظهار المرأة لوجهها فيه فتنة له ولغيرها ، فإنها إذا كانت جميلة طاردتها العيون ، وإن كانت غير ذلك احتُقِرت وازدُريتْ ، وفي كلا لحالتين هذا الفِعل له أثر نفسي بالغ على المرأة .
وليس كونه فتنة في بلاد المسلمين فحسب بل حتى في بلاد الحضارة المادية – بلاد التفسّخ والعُري – فقد نَقَلتْ لنا وسائل الاتصال أن شاباً يعيش في بلاد الغرب رأى فتاة فاتنة ، فما زال يُلاحقها ويُراودها عن نفسها وهي تتمنّع ، فما كان منه إلا أن ألقى مادة حارقة ( ماء النار ) على وجهها فشوّهه !

وأما كون الحجاب يُنفِّر أو أن تركه من باب الأيسر ، فإن هذا سوف يَفتح باباً عظيما من الشرّ .
فليس ثمّ ضابط للتنفير ، ولا ضابط للتيسير في ظل هذا القول .

فقد يأتي من يقول : لباس الحشمة ( اللباس الساتر ) مُنفِّر ، وتركه أخذ بالأيسر خاصة في المدارس والكليات وأماكن العمل ، كما قال الدكتور !

ونحن نرى اليوم دعوة في دول العُريّ بل دعوات لِنَبذِ الاختلاط ، وهم الذين كانوا بالأمس يُنادون بضرورة الاختلاط لكسر الحواجز التي بين الجنسين ! ولإزالة رغبة كل طرف بالآخَر !
فلما ذاقوا ويلات هذا الاختلاط ، واكتووا بِنارِه صرخوا ودَعوا إلى ضرورة الفصل بين الجنسين حتى في أمريكا ! فضلا عن غيرها !

وأما معرفة المرأة فلا مصلحة فيها ، أعني معرفة شخصها وعينها ، وإنما المصلحة أن تُعرف المحجّبة أنها حُـرّة عفيفة فلا يَتعرّض لها أحد بسوء .

قال تعالى : (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)
قال ابن جُزي الكلبي في التفسير : أي ذلك أقرب إلى أن يُعرف الحرائر من الإماء ، فإذا عُرِف أن المرأة حُرة لم تُعارض بما تُعارض به الأمَة ، وليس المعنى أن تُعرف المرأة حتى يُعلم من هي ، إنما المراد أن يُفرّق بينها وبين الأمة ، لأنه كان بالمدينة إماء يعرفن بالسوء ، وربما تعرض لهن السفهاء . اهـ .

خامساً : قوله : ( فإذا كان صوت المرأة ليس عورة في الكلام الطبيعي ، فلماذا يكون عورة إذا أنشدت قصيدة أو أنشودة في الفضيلة والجهاد ، والدعوة إلى الإسلام والخير أمام الرجال في احتفال عام على خشبة المسرح أو بدون حضور الرجال ، إذا كانت في كل ذلك ملتزمة بضوابط الحجاب الإسلامي ، وعدم الخضوع بالقول والتصنع في إغراء الرجال )

أما صوت المرأة فالصحيح أنه ليس عورة ، ولكن ليس معنى هذا أن تتغنّى أمام الرِّجال ، ولا أن تَخطُب !
ولما كان صوت المرأة قد يَتضمّن الفتنة لبعض الرِّجال ، أُمِرتْ المرأة أن تُصفِّق في الصلاة ، وأن لا تقول : سبحان الله ، مع كونه من الأذكار ، وليس من الأناشيد ولا التأوّه !
وارتُكِبت أخف المفسدتين ، ودُفِع أعظم الضررين بأصغرهما ، وذلك أن تكلّم المرأة قد يتضمّن مفسدة وفتنة ، والتصفيق منهي عنه ، فارتُكب المنهي عنه لأنه أقل في الفتنة ، دفعا للفتنة ، ودرءاً للمفسدة .
قال عليه الصلاة والسلام : التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء . رواه البخاري ومسلم .

فكيف يُقال بعد ذلك بجواز إنشاد المرأة أمام الرِّجال ، وظهورها على المسارح ، وخلع جلباب الحياء ، ونبذ الأخلاق الفاضلة ؟

أما لو كان هذا جائزاً لأذِن فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عليه الصلاة والسلام لم يأذن به للنساء لا في جهاد ولا في غيره ، وقد أذِن للرِّجال بالإنشاد والحداء في الجهاد والسَّفر ، كما في الصحيحين .
بينما لم يأذن فيما يتعلق بالنساء إلا للجواري الصغار أن يَضربن بالدفّ في نكاح أو عيد ، وفي حديث عائشة : دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث . قالت : وليستا بمغنيتين ، فقال أبو بكر : أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا ، وهذا . رواه البخاري ومسلم .
فهما أولاً جاريتان صغيرتان ، ثم إنهما ليستا بمغنيتين ، فلم يكن ذلك لهما مهنة ، ولا اعتادتا عليه .
والعلماء يَعترون الغناء عيبا في الأمَـة تُردّ به !

فكيف يُطلَب العيب للحُـرّة !

" أما مالك بن أنس فإنه نَهَى عن الغناء وعن استماعه ، وقال : إذا اشترى جارية ووجدها مُغنية كان له ردّها بالعيب ، وهو مذهب سائر أهل المدينة " قال القرطبي ، وقال :
سئل [ أحمد ] عن رجل مات وخلّف ولدا وجارية مُغنية ، فاحتاج الصبي إلى بيعها ، فقال : تُباع على أنها ساذجة لا على أنها مُغنية ، فقيل له : إنها تساوي ثلاثين ألفا ، ولعلها إن بِيعت ساذجة تساوي عشرين ألفا ، فقال : لا تُباع إلاّ على أنها ساذجة . اهـ .

وأي فضيلة سوف تدعو إليها امرأة لم تلتزِم بها ؟
أي فضيلة سوف تدعو إليها امرأة تقف على مسرح أمام العشرات بل المئات ؟
وهل سوف تَخرج أمامهم مُتبَذِّلََـة تَفِلـة ؟
هذا ما لا يُمكن !
لا يُمكن أن تَخرج امرأة لتقف أمام الناس بلباس عادي ! بل سوف تأخذ كامل زينتها ! وسوف تجِد من يُفتيها بأن هذا من مصلحة الدعوة ! أو من الحث على الفضيلة !

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تَخرج إلى المسجد أن لا تَخرج بِزينة مرئية أو محسوسة !
فقال عليه الصلاة والسلام : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تِفِلات . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
قال ابن حجر : أي غير متطيبات ، ويقال : امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح . اهـ .
قال عليه الصلاة والسلام : إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسَّ طيبا . رواه مسلم .
وقال : أيما امرأة أصابت بَخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة . رواه مسلم .
وقال : أيما أمرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية . رواه الإمام أحمد وغيره .
بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعطّرت أن تغتسل حتى لو كانت تريد المسجد .
فقد لقيَ أبو هريرة رضي الله عنه امرأةً فوجد منها ريح الطيب ينفح ولذيلها إعصار ، فقال : يا أمة الجبار ! جئت من المسجد ؟ قالت : نعم .قال : وله تطيبت ؟ قالت : نعم . قال : إني سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : لا تُقبل صلاةٌ لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وحسنه الألباني .

فهذه الأحاديث تدل على منع المرأة من التعطّر وأخذ الزينة إذا خَرَجتْ وإن كان ذلك لأطهر الأماكن وأحبها إلى الله : المساجد . فكيف بغيرها من الأماكن ؟

كما أن المرأة إذا خَرَجتْ استشرفها الشيطان وزيّنها في عيون الرِّجال ، وإن كانت تمشي في طريق .
فكيف بها لو وقفتْ أمام الرِّجال – أو أشباه الرِّجال – تتغنّى وتُنشِد ؟!
هل سوف تقف كالخشبة ؟!
لا يُتصوّر ذلك !
بل سوف تتحرّك وتتمايل بما يقتضيه النَّغَم أو الإيقاع ! ونحو ذلك .

إن الشباب المنشدين لما خَرَجوا على المسارِح تزيّنوا ! ولم يَقتصروا على المباح بل تعدّوه إلى الحرام ، من إسبال وغيره !
فكيف سوف تكون المرأة إذا وقفتْ أمام الرِّجال مُنْشِدة ؟!

ثم يُدعى أنها سوف تدعو إلى الجهاد والفضيلة !

نعم سوف تدعو .. ولكن إلى غير الفضيلة !

وقد تدعو إلى ما دَعَتْ إليه أم كلثوم ! كانت بلادها تُقصف وتُدكّ ، وهي تُمارس دور تخدير الشعوب : هل رأى الحبّ سُكارى مثلنا ؟!

فأفلحتْ وأنجحتْ ! ودَعَتْ إلى اللا فضيلة !!

كما أن إنشاد المرأة لن يَقِف عند حـدّ .. بل سوف يأخذ أشكالاً ويمر بأطوار ..
وسف ترى إذا انجلى الغبار ! أفرس تحتك أم حمار !

والمطالبة بإنشاد المرأة ووقوفها على المسرح بحجة الدعوة إلى الجهاد والفضيلة ! هو خطوة من خطوات الشيطان لها ما بعدها ، وعلى الأمّـة ما بعدها !
كفى مُتاجرة بقضايا المرأة المسلمة !

ويُقال لهذا الدكتور ومن على شاكلته : لو دَعَتِ المرأة إلى الجهاد لكان أول من يُحاربها من كان على شاكلتكم ! ولما رَضِيَتْ العمّـة بهذا التطرّف والإرهاب الناعم !!

سادساً :
قوله : ( وأما تمثيل المرأة سواء أكانت على خشبة المسرح أم في المسلسلات أم في الأفلام ، إذا انضبط بضوابط الإسلام مع وجود المحارم ، فلماذا يكون حراما ؟ إذا لم يحصل فيه الاختلاء أو الاختلاط الفاحش ) .
يُقال في التمثيل ما قيل في الإنشاد .
وأقول : أي خير جَنَتْه أمة الإسلام من الرقص والتمثيل ؟!
وأي فائدة مرجوّة من مُسلسل أو مسرحية ؟!

فالتمثيل من أوله إلى آخره هو بضاعة نصرانية !
وهو يَعتمد على الْخِداع والكذب !

كما أن المتاجرة به طريقة يهودية !

واستوديوهات ( هوليود ) شاهدة بذلك وشاهدة على ذلك !

وهل يَتصوّر الدكتور أن من تُريد التمثيل سوف تأتي بزوجها أو بِذي مَحرَم منها ليكون معها على خشبة المسرح ! أو داخل غرفة التصوير ( الاستوديو ) ؟!
هذا يُخالِف أصول هذا العمل ! ويُخالِف أصول ذلك المجتمع الآسِـن ( مُجتمع العفن الفني ) !

وقوله : (إذا انضبط بضوابط الإسلام) أقول : هذا قيد الكَيد !
فكلّ من أراد أن يكيد الأمة أو يخترق صفوفها أو يُروّج باطلا وصَفَه بهذا الوصف : في ضوء الشريعة! في إطار الشريعة ! وفق الشريعة الإسلامية !
حتى صارتْ تُروى طرائف ومضحِكات عن اللصوص وقُطّاع الطريق أنهم استخدموا ذلك القيد !

بل حتى الفجار والكفار يُعبِّرون بهذه التعابير !
وما ذلك إلا لِعلمهم أن الباطل لا يَروج إلا بمثل هذا اللبوس !

وقديما قال إبليس في كَيْدِه : (قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) .
فأنت ترى رأس الكفر وإمامه أول من استعمل هذا القيد لترويج الباطل !

وأما قوله : (إذا لم يحصل فيه الاختلاء أو الاختلاط الفاحش) فأقول : هذا مستحيل !
ثم إن هذا القيد قد يُلْتَفَتْ إليه أول الأمر – إذا التُفِتَ إليه – ثم ما يلبث أن يتلاشى ويَزول !

وسوف يُوصَف وُجود المحرم بالتشديد ومناقضة أوصل المهنة !
وما لبث الدكتور أن ناقض نفسه بنفسه !

فهو في مسألة السَّفر لم يشترط المحرَم ، وهو هنا يشترطه من غير سَفر !

فهو هنا يقول : (إذا انضبط بضوابط الإسلام مع وجود المحارم) وفي السفر : لا يَحتاج وُجود مَحرِم !
وقد يَحْتجّ عليه مُحتجّ بقوله هو في مسألة سفر المرأة ، فيقول : لا حاجة إلى المحرم طالما أن المرأة سوف تُمثِّل مع مجموعة من النساء !
ولا يُستغرب أيضا أن يقول قائل : مع مجموعة من النساء الموثوقات ! [المعروفات بسوء السِّيرة ! ] !

ثم قيّد الدكتور الاختلاط بأن لا يَكون فاحشاً !
فما هو حد الفُحش عند الدكتور ؟!
ولماذا يَمنع منه طالما أنه يَدعو إليه ؟!

إن الاختلاط لا يَصلح منه قليل ولا كثير
ولا خير فيه قلّ أو كثُر

وكيف يَرضى عاقل لقريبته أن تختلط بالرِّجال الأجانب دونما نكير ؟

والاختلاط ممنوع وإن كان في أطهر البقاع مع حُسن المقصد .
فقد روى البخاري عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال . قال : كيف تَمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال ؟
قلت : أبعد الحجاب أو قبل ؟
قال : إي لعمري . لقد أدركته بعد الحجاب .
قلت : كيف يُخالِطن الرجال ؟
قال : لم يكن يخالطن ، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم ، فقالت امرأة : انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت : عنكِ ، وأَبَتْ .
ومعنى ( حَجْرَة ) أي ناحية . يعني أنـها لا تُـزاحم الرجال في الطواف .
ومعنى " أبَتْ " : أي رفضت وامتنعت أن تُزاحم الرجال لِتستلم الحجَر أو الرُّكن .

ولما دخلت مولاة لعائشة عليها فقالت لها : يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت لها عائشة رضي الله عنها : لا آجرك الله . لا آجــرك الله . تُدافعين الرجال ؟ ألا كبّرتِ ومَررتِ . رواه الشافعي والبيهقي .

ثم إن مثل هذه الأمور لا يُمكن أن تُضبط مع فساد الوسط الفنِّي بعامّـة .
ولو كان جائزا لاقتضتْ السياسة الشرعية أن يُمنع منه لما يُفضي إليه من المفاسد
وقواعد الشرع تنص على :
ما أفضى إلى مُحرّم فهو مُحرّم
ودرء المفاسد مُقدّم على جلب المصالح
والضرر يُزال
والذرائع يُسدّ بابها

فهذه قواعد الشريعة وأصول الدِّين وكليّاته تَمنع من مثل هذا الفعل ، لو كان مُباحاً ، فكيف به وهو مُحرّم أصلاً .
أعني تحريم الخلوة والاختلاط ، بل والتمثيل ، فقد بين ذلك الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله – في رسالة له بعنوان :
التمثيل : حقيقته ، تاريخه ، حُكمه .
قال الشيخ في خاتمة البحث :
والخلاصة أن التمثيل : حرفة ، وأداء ، وتكسّباً ، وعَرضا ، ومُشاهَدة ، لا يَجوز ، لأنه إن كان تمثيلا دينيا فهو بِدعيّ ، : لوقف العبادات على النص ومورده ، ولِما علِمت من أصله لدى النصارى واليونان .
وإن كان غير ذلك فهو لهوٌ مُحرَّم ، لما فيه من التشبّه ، ولما رأيته من تفاريق الأدلة ، وما يَحتوي عليه ، ويترتّب عنه من الآثار المعارِضة لآداب الشريعة . اهـ .

سابعاً :
قوله عن الرِّق : (والإسلام يرحب بذلك أعظم ترحيب ، لأنه دين الأخوة الإنسانية ، ولذلك وقعت الدول الإسلامية على تلك المواثيق . إن إطاعة لشريعة الإسلام أو اتِّباعا للسياسة الدولية ، والمسلمون عند شروطهم ولا يجوز لهم اتخاذ العبيد في الحرب طالما أن الأمم الأخرى لا تفعل ذلك )

أقول : هذا الذي يَدعو إليه الدكتور مُخالِف للنقل والعقل بل ومُخالِف للواقع .
فأما النقل فجواز ذلك في الجهاد ، أي جواز وتشريع الرِّق في الإسلام ، وهو من محاسِن الإسلام لا من مساوئه كما يُصوّره بعض من قلّ عِلمه ، أو نقص فهمه !

فالرِّق ليس لِذات الرِّق ، وليس من باب التّشهِّي ، بل هو مقصود لما يترتّب عليه من مصالح ، لعل من أبرزها :
أن يعيش هؤلاء الأرقاء بين المسلمين فيَتأثّرون بالإسلام فيَدخلونه .
ومن هذا الباب جاء الأمر بالإحسان إلى الرقيق وإعانته ، بل وإعطائه اللقمة إذا وَلِيَ حرّ طعام ، كما في الصحيح
كل ذلك من باب الإحسان إليه وترغيبه في دخول الإسلام .
فإذا دخَل في دين الإسلام صار مُسلِماً ، ثم جاء الإسلام بالحث على العِتْق ، وجاء العِتق أيضا في الكفّارات ، فمن ذلك :
في كفارة قتل النفس خطأ
في كفارة الظِّهار
كفارة الوطء في نهار رمضان
في كفارة اليمين

وانظر كيف جاء الحث على العِتق وتحرير الرِّقاب في الكفارة الكبيرة والصغيرة ، فهي في قتل النفس وفي في كفارة الظِّهار وفي كفارة الوطء في نهار رمضان ، وهي تُقابِل صيام شهرين مُتتابِعين .
كما جاءت في مُقابِل صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين .
وجاء الترغيب في العتق من غير سبب طلبا لمرضات الله ، كما جاء الترغيب في العتق تَقرّبا إلى الله
وجاء الأمر بالمكاتبة ، وتخليص الرقيق من رِقِّـه إذا رغب في ذلك ، فقال الله تبارك وتعالى : ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ ) .
وقد يُقال : لماذا لا يُترك أسرى الحرب ويُمَـنّ عليهم ولا يُسترَقّون ؟
فالجواب :
أن الفداء مشروع بقوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)
وأن من مقاصد ذلك أن يتخلّص من قيد الكفر ، ويكون بعيداً عن بيئة الكُفر .
وأنه بِبُعده عن بيئته سوف يكون حُـرّاً في اتِّخاذ القرار .
وكم رأينا ممن عاش ردحاً من الزمن على الكُفْر فلما عاش في بلاد المسلمين وابتعد عن بيئته دَخَل في دِين الله عن قناعة تامة .

وأما قوله : (والمسلمون عند شروطهم ولا يجوز لهم اتخاذ العبيد في الحرب طالما أن الأمم الأخرى لا تفعل ذلك )

أقول : هذا القول مردود من عدّة أوجه :

الوجه الأول : أن الشروط التي يَجب الوفاء بها ما لم تُخالِف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مُخالِف لِشرع الله ولِسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما بال أناس يَشترطون شروطا ليستْ في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن اشترط مائة شرط ، شرط الله أحق وأوثق . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن حجر : قال القرطبي : قوله : " ولو كان مائة شرط " خَرَجَ مخرج التكثير ، يعني أن الشروط الغير المشروعة باطلة ولو كَثُرَتْ . اهـ .

الوجه الثاني : أن هذه الاتفاقية لم تُوقِّع عليها الأمم المتحدة ، فهي منقوضة بفعل الكفار أنفسهم !
وهو ما يتعلق بأسرى الحرب .
الوجه الثالث : أن الرِّق أخف بلاء وأرحم مائة مرة من الأسر الذي تستعمله أمم الحضارة المادية اليوم !

فو الله إنه لأرحم ألف مرة أن يعيش الرقيق بين المسلين يذهب ويَجيء ، يَروح ويَغدو ، يُطَعم ويُضمن له الملبس والسكن – خير وأخف بلاء مما يَعيشه أسرى ( جوانتانامو ) في حر الصيف وبَرد الشتاء ، في ذلّ وقهر ، بل أُصيب بعضهم بأمراض نفسية وعضوية تحت نظر وسمع العالَم .
وقد شهِدتْ بذلك صحفيّة يهودية زارتْ تلك المعتقلات ، فكتبت مقالا نُشِر في صفحات الشبكة الإلكترونية .
تقول الصحفيّة " أورلي أزولاي كاتس " مراسلة صحيفة يديعوت أحرونوت في واشنطن :
وصل الأسرى إلى معتقل 'جوانتنامو ' الكوبي على متن طائرات عسكرية أمريكية مُقيدين بالعصابات ،ووجوههم مخفية بنوع سميك من القماش لا يمكن لأحد منهم رؤية أي طيف من تحته أو من خلاله علاوة على لون القماش الأسود القاتم.
ولم يسمح الجنود الأمريكيون المرافقون للأسرى بأن يتوجه أي منهم لقضاء حاجته في المراحيض الموجودة بالطائرات ' مثل أي إنسان ' لكن إذا كان لابد فاعلاً فليفعلها في نفس مكانه بعد أن أحضروا دلواً بلاستيكياً متوسط الحجم للجميع ، وقد وقف الجنود مدججون بالأسلحة في وجوه الأسرى وهم يتبولون أو يتبرزون ، فيما قام بعض الأسرى بالتبول في ملابسه بعد أن أعيته الحيل .

وتقول :
هؤلاء الأسرى لا يحق لهم مقابلة محامييهم لعدم وجود اعتراف أمريكي بهذا المبدأ في هذه المعتقلات ، ولا يحق لأي أسير أن يتعرف على لائحة الاتهام الموجهة إليه !

كما تقول :
حاول 29 أسيراً الانتحار سواء عن طريق شنق أنفسهم في سقف المعتقل أو تقطيع البعض لشرايين أجسامهم .
وجود 90 أسيراً بصفة مستمرة لدى طبيب نفسي في المعتقل يعانون من أقصى أنواع الاكتئاب. [ وهذا حسب المصادر العسكرية الأمريكية ومن المعتقد أن أغلب هؤلاء قد اتخذوا هذه الوسيلة لتخفيف التعذيب الأمريكي وأملاً في إفراج السلطات الأمريكية عنهم ]
وجود عدد غير قليل من المعتقلين يتناولون يومياً الأقراص المهدئة وحقن المسكنات .
وفي نهاية رحلتها إلى اشهر معسكر اعتقال في العالم تكشف أزولاي عن وجود 3 معتقلين من الأحداث تم وضعهم في قسم يسمى ' إيجوانا ' حيث يمكن للأحداث الثلاثة أن يشاهدوا من زنزانتهم مياه المحيط من خلال ثقب صغير في قطعة قماش ضخم تم وضعها على الزنزانة من الخارج ، والغريب أن هؤلاء الأحداث الثلاثة لا يعرفون الجرم الذي ارتكبوه أو نوعية الاتهامات الموجهة إليهم والتي أوصلتهم إلى جوانتانامو .
[ من مقال بعنوان : رحلة إلى جوانتانامو 'بعيون إسرائيلية' موقع مُفكِّرة الإسلام الثلاثاء 7 ذو القعدة 1424هـ - 30 ديسمبر 2003م ]

وهنا أسأل من كان له ذرّة من عقل :
أيهما أشد بلاء وأعظم جُرما .. الرِّق الذي كَفَل حُسن التعامل مع أسير الحرب ، أو الأسْر الذي شهِدتْ ببعضه صحفية يهودية ؟

لا يشكّ عاقل أنه لا يُمكن إجراء مُقارنة بين الرِّق في الإسلام والأسْر في ظل الولايات المتحدّة !
ولا يشك عاقل أن الرِّق في الإسلام أرحم ألف مرّة من يوم واحد في جوانتانامو !

كما أُذكِّر الدكتور بما يُسمى " تجارة الرقيق الأبيض " وهذا ليس في دول العالم الثالث كما يُسمونها بل في دول الحضارة المادية .

فتحت عنوان : " مليار دولار أرباح التجارة في الرقيق الأبيض بـ'إسرائيل' " جاء ما يلي :
أفاد تقرير لموقع 'نيوز إسرائيل' العبري على شبكة الإنترنت اليوم الأربعاء أن حجم الأرباح الناجمة عن تجارة الرقيق الأبيض في 'إسرائيل' وصلت لمليار دولار سنويًا . وقال الموقع : إن التجارة في الرقيق الأبيض تحوّلت لصناعة في 'إسرائيل' . اهـ .

وتحت عنوان : " عائدات تجارة الرقيق الأبيض في البلقان " جاء ما يلي :
في دراسة صدرت عن منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة عن التجارة الدولية غير المشروعة بالنساء والأطفال خاصة في أوروبا !
وتقدر عائدات تجارة الرقيق الأبيض عبر منطقة البلقان من 9 ـ 12 مليار دولار سنويًا .
وصدر عن منظمة الهجرة العالمية عام 1997 أن نحو 175 ألف امرأة تم الاتجار بهن عبر البلقان استقدمن من آسيا الوسطى إلى دول الاتحاد الأوروبي .

فأي شروط يُريد الدكتور أن يُلتَزم بها ، وأبناؤنا في رق الأسْر ؟!
ونساؤنا تُباع في البلقان إذ كان يتاجِر بها تجار الحروب ؟!

ولن نذهب بعيدا فالعراق اليوم يشهد بسوء صنيع العدو ، وسوء مُعاملة الأسرى .. ليست معاملة بشرية بل معاملة وحشية ، لا تمتّ إلى البشرية بل ولا إلى أخلاق أهل الجاهلية بِصِلَـة !
فقد شهد العالم أجمع ما عُومِل به أسرى الحرب في العراق ، من وحشية في التعذيب ، وامتهان لأدنى حقوق البشر ، إلى إعدام لإنسانية الأسير !
فقد فَعلوا بأسرى العراق ما لم يفعله أبو جهل في جاهليته !
وأظهرت وسائل الإعلام والمواقع الكثيرة الوحشية التي يتعامل بها الجنود الأمريكيين مع أسرى الحرب في العراق .

وقال بعضهم مُعتذرا بعذر بارد باهت : هذه تصرفات شخصية !
ونحن نعلم أنها تصرفات لا تزال تُرتَكب بوحشية وهمجية لم يسبق لها مثيل !

هذا ما يُعامَل به أسرانا .. فكيف عامل الإسلام أسرى الحروب على مر التاريخ ؟

سؤال نوجهه للدكتور !
حرام أن نسترقّ أسيرا مُحاربا نُدخله بلاد المسلمين بلا قيد ولا غِل ؟!
وحلال ما يَجري في جوانتانامو وما يجري في العراق ؟!

أم أن ألأمر كما قيل :
حرام على بلابله الدوح *** حلال للطير من كل جنسِ ؟!

وخلاصة القول الرق في الإسلام :

أنه ليس هو الحل الوحيد في حق أسرى الحرب ، بل أسير الحرب أمام خيارات :
إما أن يُعفى عنه ويُمنّ عليه
وإما أن يُفادِي نفسه
وإما أن يتم تبادل الأسرى بين المسلمين وعدوّهم
وإما أن يُسترقّ

وكما أن الاسترقاق ليس هو الخيار الوحيد فكذلك خيار الحرْب ليس هو الخيار الوحيد .
فالْحَرْب لا يُلجأ إليها بدئ ذي بدء ، وإنما تكون بعد استنفاذ الجهود السلمية ، وذلك بـ :
1 – الدعوة إلى الدخول في دِين الإسلام ، فَمن دَخَل فيه فَلَه ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم .
2 – الاستسلام ودَفع الجزية ، ولهم الحماية في ظل الإسلام ( خاصة مع أهل الكتاب ) فالغُنْم بالغُرْم فهم يَدفعون جزية مُقابِل إقرارهم على دِينهم ، ومُقابِل تقديم الحماية لهم في المجتمع المسلم .
3 – الحرب والقتال ، وهو كما ترى ليس هو الحل الأول وليس هو الخيار الوحيد ، بل هو الخيار الثالث .

في حين تلجأ بعض دول الحضارة المادية اليوم إلى الحرب كخيار أول وأخير ! الحرب والحرب فقط !
ودويلة اليهود – ومن يقف وراءها ويُساندها – تَشُنّ الحرب في كل يوم على ضِعاف عُزّل !
فإذا اختار طرف من الأطراف الحرب ، ورفض السِّلْم ، واختار هذا الحل ! فعليه تحمّل نتيجته ، ومن نتائجه الأسْر والرِّق .
وهذا الرِّق له فوائد ، منها :
أن يعيش بين المسلمين ، وأن يتأثّر بهم ، فيتم استنقاذه من الكفر إلى الإسلام .
أن يكون بعيدا عن التأثير والضغوط فيُقرِّر بنفسه ويختار لها .
أن يشعر بالذلّ نتيجة اختياره الحرب على السِّلْم

كما جاء الأمر بإكرام الرقيق ، فمن ذلك :
اعتباره أخـاً للمسلمين إذا أسلَم
وإطعامه وتأمين الملبس والمسكن له .
وأن لا يُكلّف فوق طاقته ، فهذا من الرفق به .
وقد أمر الله بالإحسان إلى الرقيق فقال تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )
وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : إخوانكم خَوَلُكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يَلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم . رواه البخاري .
وقال عليه الصلاة والسلام : للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يُكلّف من العمل إلا ما يُطيق . رواه مسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين أو لقمة أو لقمتين ؛ فإنه ولي حَـرّه وعلاجه . رواه البخاري ومسلم
وهذا فيه مراعاة لنفسيته فضلا عن تكليفه ما لا يُطاق .

ومن باب التكريم أن الرقيق إذا أسلم وحُسن إسلامه ضُوعِف له الأجر .
قال عليه الصلاة والسلام : العبد إذا نصح سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين . رواه البخاري ومسلم .
وقال : للعبد المملوك المصلِح أجران . وكان أبو هريرة يقول : والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك . رواه مسلم .

وإن كانت امرأة فأحسن إليها وليها ثم أعتقها وتزوّجها كان له أجران .
قال عليه الصلاة والسلام : من كانت له جارية فعالها فأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران . رواه البخاري .
وهذا فيه حث على العتق أيضا .
وتقدّم أن الإسلام حثّ على العتق في مناسَبة وفي غير مناسبة . بسبب أو بغير سبب .
كما حث على مُكاتَبة الرقيق إذا رغب في ذلك ، وأراد فك ربقة الرق من رقبته ، فإنه لا يُمانَع من ذلك ، بخلاف أسير الحرب لدى أمم الأرض قاطبة !

كما أن الأسير إذا استُرِقّ لم يُجعل في رجلِه قيد ، ولا في يده غل ، بل هو حرّ طليق في بلاد المسلمين ، إلا أنه مملوك فحسب .

فَشَـتّان ما بين الرِّق في الإسلام ، وما بين معاملة أسرى الحروب في كل مكان !

ونحن نُطالب اليوم بمعاملة أسرى الحرب معاملة الرقيق في الإسلام ! وقد رضينا بذلك !
سواء من كانوا في جوانتانامو أو كانوا في العراق !

لِـيُـعْـلَم أن الرق في الإسلام رحمـة وليس نِقمة .

كتبه /
عبد الرحمن السحيم
26 - ربيع الأول - 1426 هـ