المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة دعوية حول حسن الخاتمة


نور الإسلام
26-04-2013, 11:33 AM
الخاتمة
23/10/1415هـ
أما بعد فيا أيها المسلمون :
كلكم بحمد الله يعرف أحداث تلك القصة الكريمة ، عظيمة العبر بالغة الأثر التي ملئت بالموعظة والذكرى لمن كان لـه قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
إنها قصة المحاورة بين الرب العظيم وبين الشيطان الحقير الرجيم، والتي كان عاقبتها أن طرد الله إبليس من رحمته وأحلَّ عليه غضبه فيئس بعدها من الجنة وأيقن بالخلود في النار.
ولما علم أن ذنبه لا يُغفر وأنه من أهل النار لا محالة حمله الحقد والحسد والبغض لآدم وذريته على أن يفتنهم عن الحق ويزحزحهم إلى كل باطل ليشاركوه الإثم فيشتركوا معه في العقوبة فإن المجرم يحب أن يكثر أمثاله المعاقبون ليخفف عن نفسه ألم العقوبة .
ولذلك كان آخر قصة تلك المحاورة أن أعلن إبليس الرجيم وعده الآثم أن يبذل كل مستطاع في سبيل إضلال الخلق وصدهم عن الحق فأقسم قائلاً : ]فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ[ [الأعراف:16-17] فقال الله عز وجل ]قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً [ [الأعراف: 18] هذا جزاؤه وأما جزاء من أضلهم وفتنهم فمن جنس جزائه استمع إليه في تكملة الآية ]قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ[ [الأعراف:18].
فالداعية في النار والمستجيبون لـه في النار ، نعوذ بالله من الخسار والبوار .
ومنذ ذلك الحين وعدو الله ينتهز كل فرصة ويتحين كل سانحة ليفسد على الناس قلوبهم ويبعدهم عن طاعة ربهم ويجنِّد لذلك الجنود ويعد الوعود .. (( وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ً[ .
قال بعض العلماء - واستمع إلى كلامه فإنه في غاية النفاسة - قال ([1] (http://investigate-islam.com/al5las/#_ftn1)) رحمه الله :
(( الشيطان يأتي ابن آدم من قِبل المعاصي فإن امتنع أتاه من وجه النصح حتى يلقيه في بدعة فإن لم يطع أمره بالتحرج والشدة فيحرِّم ما ليس بحرام فإن أبى شككه في وضوئه وصلاته فإن أبى خفف عليه أعمال البر حتى يراه الناس صابراً عفيفاً فيميل قلبه إليهم ويعجب بنفسه وبه يهلكه )) أ.هـ .
أيها المسلمون :
وكما أن حبائل الشيطان منصوبةٌ لابن آدم في الحياة فإن تعظم وتزداد عند الممات فإذا أزفت ساعة الرحيل ودنا الموت وجاءت ساعة احتضار استجمع الشيطان قواه وجمع أعوانه ونصب كل حيله وأتى بكل وسيلة ليضل هذا الإنسان المحتضر لكي يختم لـه بخاتمة السوء فيموت على أسوأ حال نعوذ بالله من الخذلان .
وقد ذكر العلماء أن الإنسان إذا كان في حياته مقارفاً للمعاصي والذنوب غير تائب منها فإنها تكون سبباً لخاتمة السوء كما وقع لكثير من أهل المعاصي بل ومن أهل الانهماك في اللهو وزينة الدنيا البعيدين عن ذكر الله وطاعته .
وقد ذُكر عن أولئك أحوال مبكية حال احتضارهم ودنو آجالهم لأن ألسنتهم وقلوبهم ضعفت في تلك الحالة بسبب ما تراكم عليها من الذنوب والمعاصي .
هذا أحدهم كان مضيعاً للصلاة فلما دنى منه الموت قيل لـه قل لا إله إلا الله فقال وما يغني عني وما أعرف أني صليت لله صلاة ثم مات ولم يقلها .
وقيل لآخر - وكان من أهل المعاصي - قل لا إله إلا الله فقال : وما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية إلا ركبتها .
وقيل لأحد المفتونين بالغناء قل لا إله إلا الله فجعل يهذي بالغناء حتى مات .
ويروى أن رجلاً كان من أهل اللعب بالشطرنج فلما حضره الموت قيل لـه قل لا إله إلا الله فأخذ يردد ما يقوله أثناء اللعب ويقول غلبتك .. غلبتك ولم ينطق بالشهادة . واحتُضر أحد التجار فأخذ أهله يلقنونه الشهادة فأبى أن يقولها وأخذ يردد ويقول : هذه القطعة رخيصة .. هذا مشترى جيد ، ومات ولم يقلها .
وقيل لبعضهم قل لا إله إلا الله فقال : آه .. آه ، لا استطيع أن أقولها .
وعندما قيل لأحدهم قل لاإله إلا الله قال كلما أردت أن أقولها فإن لساني يمسك عنها.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله – :
وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبراً والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأطم ، فإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه قد تمكَّن منه الشيطان واستعمله فيما يريده من معاص الله وقد أغفل قلبه عن ذكر الله وعطَّل لسانه عن ذكره وجوارحه عن طاعته فكيف الظن به عند سقوط قواه واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع وجمْع الشيطان لـه كل قوته وهمته ، فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك وأضعف ما يكون هو في تلك الحال فمن ترى يسلم على ذلك ؟ فهناك (( يثبت الله الذين آمنوا ... ما يشاء )) أنتهى كلام ابن القيم رحمه الله .
ولقد قطع خوف الخاتمة ظهور المتقين ، وأما المسيئون الظالمون فكأنهم قد أخذوا توقيعاً بالأمان : ]أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[ [الأعراف:99].
كان سفيان الثوري - رحمه الله - وكان من أكابر علماء السلف وعبادهم وزهادهم كان - رحمه الله - يبكي كثيراً فإذا سئل عن سبب بكائه قال أخاف سوء الخاتمة .
قال يحيى بن يمان سمعت سفيان - رحمه الله - يقول: قد كنت اشتهي أن أمرض فأموت فأما اليوم فليتني متُّ فجأة لأني أخاف أن أتحوَّل عما أنا عليه ، من يأمن البلاء بعد خليل الرحمن وهو يقول ]وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ[ [إبراهيم: 35] ([2] (http://investigate-islam.com/al5las/#_ftn2))
فيا عباد الله : الحذر الحذر من الذنوب فإنها تضعف القلوب فلا تستطيع الثبات عند الممات .
يا من تهاون بالصلاة أفق من رقدتك قبل أن يختم لك بخاتمة السوء .
يا من تعامل بالربا .. يا من أكل الحرام .. يا من لم يراقب الله وهو يبارزه بالزنا يا من طربت أذنه عند سماع الغنا .. يامن ظلم عباد الله .. يامن لم يبال بموافقة معاص الله .. أخوفكم جميعاً الله وأحذركم من هذه المعاصي فإنها من أسباب سوء الخاتمة .
وإذا ختم للإنسان بخاتمة السوء فإنه يُخشى عليه من عذاب القبر ، ثم النار وبئس القرار .
اللهم احفظنا من مكايد الشيطان واعذنا من سوء الخاتمة . اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أعمارنا أواخرها وخير أيامنا يوم نلقاك بفضلك ومنك يا أرحم الراحمين .
أقول قولي هذا .....


الخطبة الثانية

أما بعد فيا عباد الله :
]لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب [ .
فهذه الأخبار عن الخواتيم لا تورد للتسلية والتندر وإنما تورد للموعظة والتذكر
] إن في ذلك لذكرى لمن كان لـه قلب أو ألقى السمع وهو شهيد[ .
ومن سمع ذلك وأمثاله من المواعظ والتذكرات فليعرض نفسه على كتاب الله وسنة نبيه e ، ولينظر في حاله وليفكر في مآله فإنه آت لا محالة .
إخوتي في الله : وقد علمنا بالنظر في كتاب الله وسنة رسوله e وكلام السلف واستقراء أحوال إخواننا الذين سبقونا بالإيمان أن من استقام على طاعة الله وكان من أهل الخير والصلاح في دنياه فإن الله عز وجل يثبته عند موته ويثيبه بعد ذلك جنته، قال الإمام أبو محمد عبدالحق الإشبيلي - رحمه الله - :
اعلم أن سوء الخاتمة أعاذنا الله منها لا تكون إلا لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، ما سُمع بهذا ولا عُلم به ولله الحمد، قال: وإنما تكون سوء الخاتمة لمن كان لـه فسادٌ أو إصرارٌ على الكبائر أو إقدام على العظائم فربما غلب عليه ذلك حتى ينزل به الموت قبل التوبة فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة ويختطفه عند تلك الدهشة والعياذ بالله أو يكون ممن كان مستقيماً ثم يتغير عن حاله ويخرج عن سَنَنه ويأخذ في طريقه فيكون ذلك سبباً لسوء خاتمته وشؤم عاقبته . انتهى المقصود من كلامه رحمه الله.
فيا عباد الله:
الله الله في الاستقامة على دين الله والإكثار من ذكره وطاعته وسؤاله العفو والمغفرة وإياكم والذنوب فإنها تضعف القلوب فلا تستطيع الثبات عند الممات .
اللهم إنا نعوذ بك من سوء الخاتمة ونسألك حسنها ، اللهم اعنا على أنفسنا واصلح قلوبنا واخلص أعمالنا وأعذنا من همزات الشياطين ووساوس النفوس وفتنة المحيا والممات . اللهم صل على محمد وآل محمد ....
(( تمت ))

[/URL]([1]) فيض القدير 2/352

[URL="http://investigate-islam.com/al5las/#_ftnref2"] (http://investigate-islam.com/al5las/#_ftnref1)([2]) ذكره ابن عبدالبر في التمهيد 18/149 .