المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسباب تأخُّر نصر المسلمين وعوامل تحقيقه


نور الإسلام
19-05-2013, 07:09 AM
د. بُشرى مُحمَّد أحمد 
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين الذي تكفل بإظهار هذا الدين ووعد بنصرة المؤمنين فقال في كتابه المبين: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم:47) وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له اقتضت حكمته أن يديل الإسلام والمسلمين تارة ويديل الكفر والكافرين تارة أخرى، حيث قال الله عز وجل: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران:140). قيل هذا في الحرب تكون مرة للمؤمنين لينصر الله عز وجل دينه، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليهم ويمحص ذنوبهم فأما إذا لم يعصوا فإن حزب الله هم الغالبون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله عاش فترة من حياته والمسلمون معه في مكة المكرمة ظروف المحنة وشدة البلاء حتى جاء الله بالنصر والفتح المبين وعاد المحاربون له مؤمنين بل وفي عداد الفاتحين. اللهم صل عليه وعلى سائر المرسلين وارض اللهم عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إن الأمة المسلمة كغيرها من الأمم يمر بها فترات قوة وضعف ونصر وهزيمة، ولربما تراكمت عليها المحن والأزمات وقادها أصحاب الشهوات والمصالح الخاصة، فأضعفوها وأفرغوها من قواها حتى أصبحت أشباحاً أمام أعدائها، فلا بد أن تتذكر أن لديها من السلاح الفتاك ما تستطيع به النهوض من كبوتها، فهي ليست كغيرها من الأمم، فعين الله ترعاها ، فلها حبل متين مع القوة الإلهية العظمى مهما أصابها من ضعف وهوان وتسلط الأعداء {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل: عمران139).
ومن نعم الله تعالى على هذه الأمة أن رفع عنها الإصر أي الأعمال الشاقة التي شرعها للأمم الماضية {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} (البقرة:286). وكذلك بعث لها نبي الرحمة محمداً  حريصاً عليهم ورؤوفاً رحيماً بهم {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة:128)
كل ذلك و غيره من المميزات جعلت أمة محمد  أفضل من غيرها بما خصها الله من خير كتاب أُنزل، وبما أكرمها الله من خير نبي أُرسل. علماً أن الأمم السابقة كان ينزل عليها العذاب عاجلاً غير آجل تارة استجابة لدعوة رسلهم عليهم، وتارة ينزل مباشرة بعد ارتكاب المعاصي أو عدم تصديق الرسل وإطاعة أمرهم.
عندما همَّ موسى  بفتح مدينة الجبارين، قال له قومه: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24) فدعا عليهم: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة:25) أي الخارجين عن الإيمان بالله، فقال تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} (المائدة:26) وهم يومئذ فيما ذكر ستمائة ألف مقاتل، ولم يبق أحدٌ ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى إلا مات ولم يشهد الفتح فكل من دخل التيه ممن جاوز العشرين سنة مات في التيه، وقيل حتى أن موسى وهارون ماتا في التيه، فبعث الله يوشع نبياً بعد أن انقضت سنوات التيه فصدقه الناس وفتحوا قرية الجبارين .
أهداف البحث:
(1) الإجابة على أسئلة كثير من المسلمين بتأخر النصر على أعدائهم رغم وعد الله لهم: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم:479)
(2) توضيح الأسباب التي تجلب النصر.
(3) إظهار أن سنن الكون ثابتة بحيث لا تعطى عزة دون استحقاق ولا فوزاً دون سعي ولا تأييداً دون أدنى سبب يوجب التأييد.
يتكون البحث من مقدمة، تمهيد، مبحثين، خاتمة وفهرس والمراجع.
تمهيد:
إن المسلمين في زماننا هذا رغم ضعفهم وذلهم يستشرفون النصر على أعدائهم ظانين أن الله سبحانه وتعالى وعدهم بالعزة والنصر في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون:8) {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم:479) وذلك بدون أدنى مزية فيهم سوى أنهم مسلمون ولا شك أن الله غير مخلف وعده، والقرآن لم يتغير، وإنما المسلمون هم الذين تغيروا، والله تعالى أنذر بهذا فقال: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11) فلما كان المسلمون قد غيروا ما بأنفسهم كان من العجب أن لا يغير الله ما بهم، وأن لا يبدلهم الذل والضعة، من ذلك العز وتلك الرفع، بل كان ذلك يُعد منافياً للعدل الإلهي، وكيف ترى في أمة ينصرها الله بدون عمل وقعدت عن جميع العزائم التي كان يقوم بها سلفها الصالح، وذلك أيضاً مخالفٌ للحكمة الإلهية.
إن الأمم الإسلامية تريد حفظ استقلالها ونصرها على أعدائها بدون تضحية ولا بيع أنفس ولا مسابقة إلى الموت، ولا مجاهدة بالمال، وتطالب الله بالنصر على غير الشرط الذي اشترطه في النصر. فإن الله سبحانه يقول: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} (الحج:40) ويقول: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7)، والمراد بنصرة الله تعالى نصرة دينه ونبيه.
والنصر لا يأتي إلا بالسعي الجاد، والله سبحانه يقول: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم:39)، وكذلك لا يأتي النصر إلا بعد اكتمال أسبابه وزوال معوقات. ونصر الله عزيز لا بد من تمحيص الصفوف، ولا بد من تمييز الخبيث من الطيب، ولا بد من سقوط أصحاب المطامع والأهواء، ولا بد من تمكين الصفوة المختارة التي يحبها الله وتستحق نصره. ولكن ينبغي للمسلم أن لا يخامره شك بنصرة الله لهذا الدين حتى وإن لم يره بأم عينيه بل ينبغي أن يكون جندياً صادقاً في سبيل خدمة هذا الدين، وحسبه أن يموت يوم يموت وهو يحسن الظن بربه ويستشعر مسئوليته تجاه دينه.
وصدق رسول الله  حين قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الكفر) .
المبحث الأول: أسباب تأخر النصر
إن في تأخير النصر في بعض المواطن تربية للنفس وكسراً لكبريائها، لذلك أن الله سبحانه هيأ لعباده المؤمنين في دار كرامته ما لا تبلغها أعمالهم، فقيض الابتلاء والمحن ليصلوا إليها، وأن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم، وأنه تعالى أراد إهلاك أعدائه فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم.



حمل المرجع كاملاً من المرفقات