المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من وحي الإسراء والمعراج


نور الإسلام
26-05-2013, 07:31 PM
بقلم الشيخ إبراهيم الحمدو العمر



الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على صاحب المعراج سيدنا محمد طه الأمين ، والرضى عن مولاي وولي نعمتي سيدي محمد النبهان كلما ذرّ شارق وبارق وبعد :

إن المسلم ليطأطئ الرأس حياء وخجلاً وتعتريه قشعريرة تهزه هزاً عنيفاً كأسلاك الكهرباء مستها يداك فسرت في أنابيب عروقك كلما عُرضت عليه صفحات الماضي المشرقة فقابلها بصفحات قاتمة سوداء من واقعه وحاضره ، ويأخذه دُوّارٌ شديد حينما يتذكر أنه قطع أسباب حاضره من ماضيه فانفصل عن منابع الوحي الصافية ليصل هذه الأسباب بأوهام كل مافيها ترابي ممقوت وحيواني مبغّض والاستعلاء على مادّية الأرض والتعلّق بترابيتها ، ويالله كم كان شأن القدر عجيباً مع هذه الأمة !!

اختار لها أحكم الأسباب لترتقي بها ، ووضع أمامها أجلّ المعجزات لتقنعها ، وجعل لها قدوة أفضل الأنبياء عليه الصلاة والسلام لتقتدي به ، وكان أول كل ذلك استعلاء فوق مادية الأرض وتعلاً بأسباب السماء وصولاً إلى مستقر الملائكة العليين الكرام عليهم السلام

كل ذلك إيذانٌ بأن هذه الأمة سترتقي في حضارتها وتبلغ من عظمتها ما يجعلها في نظر الأمم سماءٌ لاترتقى وقمة لاتُبلغ وغاية لاتنال وهامة لاتطأطئ خاضعة مهما قست عليها ضربات الدهر وعواصف الأيام ...

ولكن هذه الأمة تحدّت القدر ومكرت به عندما طال بها العهد وظنت السراب الخادع ماءً فراتاً وشراباً سلسبيلاً فتنكبت الصراط وتنكرت للهدى واتبعت غير سبيل المؤمنين ، فمكر بها القدر وضرب ضربته العادلة فلم تصحُ الأمة إلا على أثر الأقدام الهاوية فوق هامتها ، المرتقية إلى موطن العز والكرامة من معاقد شرفها فمسحت الكرى عن عينيها وإذا بالآيات تتلى عليها وكأن وحي السماء يتنزل بها الساعة

[وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ] ألا يارحمة ً لهذه الأمة صرعتها الأيام وأخذ الكرى بمعاقد أجفانها متى تفيق من رقدتها وتصحو من سُهادها ؟؟

ألا إن في الإسراء والمعراج وحياً واضحاً ودلائل بينة تدعو الأمة صباح مساء لأن ترجع إلى نفسها عاقدة العزم أن تسلك الطريق الأولى التي سلكها الفاتحون الأوائل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

إن الإسراء والمعراج تحدٍّ للزمن والمادة على حد سواء .

فهو يتحدى الزمن لاختراق نواميسه وقوانينه والسير خارج حدوده الزمنية الطبيعية ، وكأن المعراج أوقف سير الزمن وتحكم بحركة الشمس ليقتطع منه هذا الوقت الذي لاسيطرة فيه على صاحب المعراج صلوات الله وسلامه عليه

وهو يتحدى المادة ، يحتقرها ولايبالي بها ولايغره بريقها ، ومن ملك الماس والجوهر احتقر الحصى والتراب ، ومن صعد في مدارج السماء إلى منتهاها هانت رمال الصحراء في عينيه

ألا إن المعراج ليوحي إلى كل واحد منا أن انهض أيها المسلم فما يليق بك الخضوع ، وتحدّ الأمم بكبريائك وعظمتك كما تحدى أسلافك ، وتحدّ الطبيعة باستعلائك عليها ، فأول دينك تحدٍّ للطبيعة والزمن ، ومن كانت بيديه أسباب ارتقاء السماء ومعارج الروح إلى العلياء فلا يليق به الركون إلى الدعة والهُون .



ولم أر في عيوب الناس عيباً * كنقص القادرين على التمام



فيا أيتها الذكرى الطيبة أنت هدية السماء لنا معشر أهل الأرض ولكنّ في نفوسنا غصة كلما صوبنا النظر إلى معانيك الدقيقة السامية وحططنا النظر إلى واقعنا المنحط الأليم



وصلى الله عليه ياصاحب المعراج



وسبحانك سبحانك سبحانك يامن أسريت بنبينا عليه الصلاة والسلام إلى حيث لاعين رأت ولاأذن سمعت ولا خطر على قلب بشر



والحمد لله رب العالمين