المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نبذة مختصرة لهجرة الرسول


نور الإسلام
02-11-2013, 04:37 PM
صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم
من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة


إن الذين يدَّعون أن هجرة محمد - صلى الله عليه وسلم - كانت هروبًا من مكة إلى المدينة، فإن التاريخ يرد عليهم بلسان اليقين، ومنطق الحق المبين، فيقول: إن الهجرة كانتْ معركة من أنجح المعارك التي خاضها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في مواجهة أعداء الدين الإسلامي الحنيف؛ ولهذا فإن الجانب العسكري من حياة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ينقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: مرحلة الحشد.



القسم الثاني: مرحلة الدفاع.



القسم الثالث: مرحلة الهجوم.



القسم الرابع: مرحلة التكامل.



1- مرحلة الحشد:

لقد بدأ - صلوات الله وسلامه عليه - بهذه المرحلة، منذ أن جاهَر بوحدانية الله - سبحانه وتعالى - "لا إله إلا الله"، بعد خروجه مباشرة من غار حراء ونزول أول سورة في القرآن الكريم: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]؛ لقد بدأ - صلوات الله وسلامه عليه - يبني ما هو أهم بكثير من بناء المصانع، بدأ في بِناء الرجال المؤمنين بربهم وبعقيدتهم وبوحدانية الله - سبحانه وتعالى - هؤلاء الرجال هم الذين رَفَعوا لِوَاء الإسلام في كل مكان، تحت راية التوحيد، وبعد بناء الرجال يتم بناء كل شيء بواسطة الرجال الأوفياء، وقد استمرَّت مرحلة الحشد إلى يوم بدر، ومن بعده إلى غزوة الأحزاب.



2- مرحلة الدفاع:

بدأتْ هذه المرحلة منذ غزوة بدر الكبرى إلى غزوة الأحزاب.



3- مرحلة الهجوم:

وكانت هذه المرحلة في الفترة من غزوة الأحزاب إلى غزوة حُنَين.



4- مرحلة التكامل:

وكانت في الفترة التي أعقبت غزوة حُنَين إلى أن نزل قوله - جل جلاله -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].



وكانت هذه مرحلة التكامل؛ ولهذا فإن معركة الهجرة بدأتْ منذ أول سورة نزلت في القرآن الكريم إلى آخر آية نزلتْ من القرآن الكريم، عندما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبُه الكرام بيتَ الله الحرام بمكة، في العام الثامن من الهجرة، وتحطيمهم الأصنام، وهميرددون: ﴿ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81].



وقد اعتمدت هذه المعركة على ثلاث إستراتيجيات، وكل واحدة منها بدأها المولى - جل وعلا - بكلمة: "إذ".

1- إستراتيجية العدد: قوله - تعالى -: ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ ﴾ [التوبة: 40].



2- إستراتيجية المكان: قوله - تعالى -: ﴿ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ﴾ [التوبة: 40].



3- إستراتيجية العقيدة: قوله - تعالى -: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].



فالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه - يقودان المعركة، والمكان الذي كانا فيه لا يتَّسع إلا لهما؛ فغار ثَوْر لم يكن ليتسع إلا لمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه، وإن الذي كان يقوم بدور المخابرات وعملية الاستطلاع في هذه المعركة، هو عبدالله بن أبي بكر - رضي الله عنهما - فقد كان يقضي النهار بين أهل مكة، فإذا ما عسعس الليل جاء متخفيًا إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وإلى أبي بكر - رضي الله عنه - في غار ثور، وجلس إلى جانب مدخل الغار، وقدَّم التقرير اليومي إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه.



كذلك إذا نظرنا إلى حركة التمويه في هذه المعركة، نجد أن عامر بن فُهَيرة يقوم برعي أغنامه في الطريق الذي يسلكه عبدالله بن أبي بكر - رضي الله عنهما - في غار ثور؛ لكي يمحو آثار أقدامه؛ حتى لا يكتشف الكفَّار عمليات المخابرات والاستطلاع، والتقرير اليومي الذي كان يقدمه للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه الصِّدِّيق في غار ثور.



أما إذا نظرنا إلى الإمداد والتموين في معركة الهجرة، لرأينا العجب، فالتي كانت تقوم بعمليات الإمداد والتموين، هي أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - وكانت تصعد جبل ثور وهي حامل في الشهر التاسع، فهي ممن أحبَّ اللهَ فأحبهم اللهُ، وأخلصوا لله فأخلص الله لهم دينهم.



إن حادث الهجرة يمكن أن يتلخَّص في كلمتين اثنتين، هما: تغيير "للموقع"، وليس تغييرًا "للموقف"؛ أي: إن هناك موقعًا، وهناك موقفًا؛ فالموقع تغيَّر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، والموقف لم يتغيَّر أبدًا؛ لأن الموقف هو: "لا إله إلا الله".



إذًا لماذا هاجر المصطفى- صلى الله عليه وسلم-؟

إن القائد الحكيم في أيَّة معركة من المعارك الحربية، هو الذي يفرض زمان ومكان المعركة على أعدائه، وليس هو الذي يورِّط أفراد جيشه في معاركَ فاشلة، دون أن يخطِّط لها التخطيط السليم؛ ولذا فإن المعارك الحربية قبل أن تدور في مَيدان القتال، تدور أولاً فوق المكاتب وطاولة الاجتماعات بين القادة العسكريين؛ لرسم الخطط والإستراتيجيات والبدائل، ثم تُعَدُّ بعد ذلك العدة لتنفيذها بدقة وإتقان، قال - تعالى -: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد غيَّر الموقع بالهجرة، فإنه - صلوات الله وسلامه عليه - لم يغيِّر موقفه أبدًا، بل إنه ثبت عليه ودافع من أجله.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/45016/#ixzz2jVV4DSZN