المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحديات التي تواجه المسلم الأوروبي


نور الإسلام
09-11-2013, 09:34 AM
محمود مسعود


نقدم في مقالنا هذا كتابا لمفكر مسلم غربي أدرك منذ نعومة أظفاره التحديات التي تواجه الإسلام كدين، والمسلمين كجماعة ذات هوية مستقلة، وتلك التحديات بعضها أمر طبيعي تفرضه سنة التغيير التي أوجبها الله في الكون، وبعضها خارج إرادة الأمة كالاحتلال، والغزو الثقافي، والتبشير...الخ،وبعضها موروث من العصور السالفة مثل الجهل، والفقر، والدكتاتورية...

https://encrypted-tbn2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcR2mpi4IQhj3E7Sz1Q8ePfLErx_aPXOU dh-sWmQbQGJ1Dn8jUEf

وقد عاش مفكرنا بنفسه تلك التحديات منذ طفولته حيث ولد لأب داعية وهو د.سعيد رمضان، ولأم يُعد أبوها مجدد القرن الرابع عشر الهجري، فهي بنت الإمام الشهيد حسن البنا، ونتيجة محنة الإخوان والوطن في مصر اضطرت تلك الأسرة أن تهجر البلاد في عام 1954، واستقر بها الحال في سويسرا وأسس رب الأسرة أول مركز إسلامي في الغرب عام1961، هذا المفكر هو طارق رمضان، حاصل على دكتوراه في الفلسفة حول موضوع «الإصلاح الإسلامي في العصر الحديث»، ويشغل الآن وظيفة أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة جنيف.. انطلق طارق رمضان في التأليف والمحاضرات والندوات منذ وقت مبكر من شبابه واستمر يجدد في أسلوبه ومعالجته لقضايا المسلم الغربي حتى بلغت شهرته الآفاق، ويعد هو نفسه مصلحا ومجددا كبيرا حيث وصفته بعض الأوساط الغربية بأنه «مارتن لوثر» المسلم، واختارته الصحافة السويسرية عام1990 كواحد من أهم عشرة أشخاص في مدينة جنيف التي يقطنها، وذكرت مجلة نيويورك تايمز أنه واحد من بين أهم مائة شخص على مستوى العالم في القرن الحادي والعشرين، وقد طبع الكتاب أول مرة بالإنجليزية ثم طبع بعدها بعامين بالفرنسية ونقدم نحن الكتاب من خلال تلك الطبعة الفرنسية وهي بعنوانEtremusulman européenوترجمته: أن تكون مسلما أوروبيا.
وتكمن قيمة هذا الكتاب في أنه يشرح إمكانية أن يجمع المسلم الأوروبي اليوم بين إسلامه وظروف ومعطيات العصر الذي يعيشه، خاصة في مجتمع أوروبي يقدم العلم والعقل على كل شيء، كما يعد هذا الكتاب محاولة جادة في رسم الملامح التي تمكن المسلم من اجتياز تلك العقبات التي تواجهه عن طريق إعادة فهمه للدين وللعصر معا، ويصدّر المؤلف كتابه بشكره لأناس كثر، لكنه يخص بالشكر والده الذي يدين له بالفضل في فهم معطيات الواقع وفهم أسس الدين، ثم يسرد تاريخ وجود الجالية الإسلامية في أوروبا الغربية منذ البدايات الأولى حتى اليوم مرورا بنتائج الحرب العالمية الثانية وغيرها من الأزمات التي حلت بالعالم الإسلامي مما جعل عددا ليس بالقليل يهجر موطنه إلى بلاد الغرب سعيا وراء الرزق أو الأمن، ومن هنا تشكلت الجالية المسلمة في أوروبا الغربية وظهرت كجالية مستقلة لها خصوصيتها العقدية وعاطفتها الدينية، وهي تعيش كأقلية في مجتمع له -أيضا- سماته وعقائده وعواطفه وتقدمه التكنولوجي، فإذا أرادت تلك الجالية المسلمة أن تعيش في وئام مع غيرها عليها أن تفكر في معطيات البيئة الجديدة ومعطيات دينها وتحسن فهمهما ليتقاربا، وإن كان هذا ليس بجديد على المسلمين فقد عاشوا من قبل تلك الحالة في بيئات أخرى ونجحوا في أن يتكيفوا معها، كما حدث في إفريقيا وفي آسيا لكن ليس هناك وجهة للمقارنة من حيث التحديات بين حياة المسلمين كأقلية في الماضي وحياتهم كأقلية في أوروبا اليوم، فالمعطيات الجديدة أكثر تعقيدا، حيث أظهرت الحضارة الغربية قيمها الجديدة من صحافة وثقافة شعبية وموسيقى وسينما وحريات وغيرها، فاكتشف المسلمون الأوروبيون -خاصة الجيل الثاني والثالث منهم- أنه من المستحيل الجمع بسهولة بين فهم آبائهم للدين وبين المجتمع الغربي، فأخذ المسلمون الجدد يبحثون عن مخرج، ويتساءلون من نحن؟ هل نحن أوروبيون أم مسلمون؟ أم الاثنان معا؟ وهل هناك تعارض بين الهويتين؟ وكيف تحل هذه المعضلة؟ وهل نضحي بأحدهما على حساب الآخر؟ فمن ناحيته بيّن المؤلف أن الإسلام كدين وثقافة يحل تلك المعضلة، لكن يجب على المسلمين أن يبذلوا الجهد لفهمه وفهم الواقع، ولا يركنوا للحلول الجاهزة التي قدمها السلف الصالح لعصرهم، فقد لا يخدم بعض منها مسلمي اليوم، وبعضها ربما لم يفهم جيدا، فلابد إذن من إعادة فهم الإسلام من خلال مصادره الأصلية، ثم يعاد فهم تلك المصادر في ضوء معطيات العصر الحديثة، لهذا أخذ الكاتب يشرح في الباب الأول من كتابه المفاهيم الأساسية لمعرفة الله والخلق والعبادة والأخلاق والمعاملات، وكيفية استنباط الأحكام بواسطة علم أصول الفقه، وكيف يمكن اليوم للمسلمين الغربيين بصفة خاصة أن يستفيدوا من هذا العلم -علم أصول الفقه- في محاولتهم لحل كثير من معضلاتهم اليوم.. لكن دون إسقاط أحكام الماضي على الحاضر، إنما الاستفادة العميقة تكمن في محاولة إحياء منهج السلف في ربط الإسلام بقضايا أي عصر، ومن هنا بدأ المؤلف يطرح عدة قواعد ومسلمات مثل: الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ثم محاولة علماء أصول الفقه تقديم مجموعة من المفاهيم التي تؤكد تلك الصلاحية، مثل مفهوم المصلحة والاجتهاد والفتوى، فالمسلم لابد أن يعتقد بالله في قلبه وفي روحه، ويؤمن بالوحي القرآني وبرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأن يجمع بين أحكام الشريعة وبين الممارسة الروحية للشعائر، ومن هنا فالشريعة ليست كالقانون الذي نحتكم إليه اليوم، لكنها هي ذاتها فلسفة حياة، وأخذ يفرق بين كلمة شريعة وكلمة فقه وأنهما ليستا مترادفتين، حيث إن الفقه ما هو إلا اجتهاد العلماء في فهم أدلة الشريعة، وهذا الفهم أي الفقه يمكن أن يتجدد حسب العصر، مؤكدا على أن الإخلاص الحقيقي لرسالة القرآن لا تعني أن يحفظ المسلم المصادر الإسلامية وشروحها إنما يعني تمرين العقل المسلم لإيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية والسياسية التي تواجه المسلمين سواء كانوا أفرادا أو جماعة لكي يظلوا يؤمنون برسالتهم، محذرا مسلمي اليوم من التسرع في فهم مسائل الحلال والحرام دون فهم مقتضيات الشريعة.
واجتهد المؤلف في الباب الثاني والثالث لعرض بعض المشكلات التي تواجه المسلم الأوروبي ومحاولة إيجاد حلول لها تتوافق مع الإسلام مثل: تحقيق الذات، وإثبات الهوية، والاندماج والمواطنة وغيرها، وبدأ بالتساؤل أين نحن؟ يعني أين تقف الجالية المسلمة من التطور الهائل الأوروبي الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية، هل ترفض هذا التطور أم تنسجم معه؟ هل يؤثر أم لا يؤثر في طريقة تدينها والتزامها بدينها؟ وغير ذلك كثير من الأسئلة التي يمكننا أن نفهمها من هذا السؤال المهم، خاصة وأن آباء الجالية الحالية قد أتوا برغبة الأوروبيين أنفسهم لبناء ما هدمته الحرب، وقد ساهموا مع العمال الايطاليين والأسبان في بناء هذا التطور الحضاري الغربي، وخلال ربع قرن تضاعفت أعداد الجالية المسلمة ما بين 15 إلى 17 مليون مسلم، وتجنس الكثير منهم ومن أبنائهم بالجنسية الأوروبية، وغدوا ملتحمين بالحياة الاجتماعية الأوروبية، ورغم أن 80 في المائة من هذه الجالية لا يصلون و40 في المائة منهم فقط يصلون الجمعة و70 في المائة منهم يصومون رمضان فإنهم جميعا متعلقون بالإسلام وجدانا وعاطفة، وهو محرك لردود فعلهم السياسية والحياتية، ويعيش أغلبهم في سلام وأمان، ولا ينشغل كثير منهم بحقوقه المشروعة لاعتقاده أنه مضطهد من قبل المؤسسات الأوروبية مع أن معظم تلك المؤسسات ليست ضد الإسلام كدين، ولو طالب المسلمون بحقوقهم التي كفلها لهم الدستور ربما حصلوا عليها، ويجب أن نذكر أنه لامكان للدين في المجتمع الغربي الحديث، فقد يؤمن كثير من الأوروبيين بالله لكنه إيمان غير فعال وليس له دور في الحياة العملية التي أصبحت تتحكم فيها آليات السوق والتطور التكنولوجي من كل جوانبها، وهذا ما جعل المسلمين يخافون أن ينجروا وراء هذه الحياة فيفقدون روحانياتهم فأخذوا يبحثون عن مخرج وأخذوا يعودون لتراثهم الفقهي فوجد بعضهم بغيته فيما كان يسمى دار الإسلام ودار الحرب، وتلك القسمة منحت فئة الفرصة لتطبيق أحكام دار الحرب على أنفسها فضيقت واسعا مع أن الجالية المسلمة لا تعيش في دار حرب بل تعيش في سلام، ويمكنها أن تعرف إسلامها وتمارس عبادتها بحرية ويمكنها أن تؤسس الجمعيات وتنفتح على العالم من حولها وهذا الانفتاح هو جوهر الحياة الأوروبية، فبدلا من الانغلاق والهروب بمسائل فقهية قديمة يجب أن يحافظ المسلمون على روحانياتهم وممارستهم شعائرهم وأن يتمسكوا بحريتهم وقدرتهم على الفعل.
ثم يعيد المؤلف في الباب الأخير التساؤل عمن نحن؟ ويقصد ما يمكن أن نفعله في تلك البيئة الجديدة كمسلمين، فهو يبحث عن تحقيق الذاتية المسلمة التي تشارك في صنع الحضارة وتستفيد من منجزاتها وتوائم بين دينها وهذا المنجز الحضاري دون أن تتخلى عن ثوابتها ودون أن تتقاعس في أداء دورها، وهذا يفتح الطريق لمجابهة التحديات الكثيرة التي يواجهها المسلمون، مثل إثبات هويتهم، وتحقيق خصوصيتهم، ومزاولة شعائرهم، والحفاظ على حقوقهم المشروعة، ومنحهم الحرية كغيرهم في الإبداع والابتكار وفي مشاركة إخوانهم المواطنين من غير المسلمين في صنع المنجز الحضاري فلا يقفل عليهم باب العمل، ولا يضيق عليهم تحصيل العلم وأداؤه، ولا يحرموا من ممارستهم العمل الاجتماعي والسياسي، وتلك هي مفاهيم المواطنة التي يسعى المسلمون الغربيون لتحقيقها.
لذا يجب على المسلمين الأوروبيين أن يعيشوا في وطنهم جسدا وروحا ويمارسوا حياتهم بحرية مسؤولة، ومن هنا عليهم أن يعيدوا فهم تراثهم وأن يشاركوا غيرهم الحياة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تعقل المسلمين للإسلام وفهم معانيه ومعرفة التحولات الحياتية من حولهم، ولا يتأتى ذلك إلا بنقد الذات، وإحياء الشعور بالعزة كمسلمين وكأوروبيين وأن يفهموا حقوقهم وواجباتهم كمواطنين وأن يقيموا الحوار بينهم وبين غيرهم من المواطنين، ويسلكوا في ذلك كل الطرق المشروعة.