المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جوسسة .. وتنصير


نور الإسلام
09-11-2013, 10:40 AM
بقلم الكاتب: إبراهيم نويري ـ الجزائر


إن الراصد المتفحص لتاريخية العلاقة بين الإسلام والغرب ـ ولسنا نقصد هنا بالغرب الشعوب الغربية طبعا، في غالبيتها الغالبة، بل ولا حتى بعض الدول والأنظمة أيضا ـ سوف يجد بأن هذه العلاقة أساسها الغالب: التوتر والتململ وعدم الثقة، بل الصراع الدامي كذلك في الكثير من مراحل ومنعطفات التاريخ، وإنْ كانت المصالح المادية المتبادلة تخفف قليلا من غلواء تلك الروح في أحايين كثيرة وملابسات مختلفة!
وسبب تلك الحالة، التي تعتبر مناقِضة تماما لمراد الله وحكمته من خلقه الناس مختلفين في ألسنتهم وألوانهم وعقائدهم وأفكارهم، كي يحقّق التدافع جملة من الأهداف والمقاصد والمآلات، كلها في صالح البشر وما يعود عليهم بالنفع في الدنيا والآخرة، سببها يرجع أساسا لكراهية موروثة ومستحكمة ضد الإسلام ونبيه العظيم (صلى الله عليه وسلم) وهذه الروح العدائية، أو روح بطرس الناسك بتعبير الأفغاني، إنما تسبب فيها الكهان المزيفون أو الدجالون من رجال الكنيسة النصرانية، ودليلنا في ذلك أن كلّ باحث غربي منصف يفلت من المؤثرات الروحية والفكرية لرجال الكنيسة، إما ينتهي به المطاف في رحلة بحثه عن الحقيقة باعتناق الدين القيم، الإسلام الحنيف، وإما يكون موقفه إيجابيا من الإسلام والمسلمين والحضارة الإسلامية.
وأحسن دليل على هاتين الحالتين المذكورتين: مثال المفكر النمساوي المهتدي ليبولد فايس (محمد أسد) بعد إسلامه، والألمانية زيغريد هونكة، صاحبة الكتاب المشهور (شمس العرب تسطع على الغرب).
إن هؤلاء المبشرين بالنصرانية في ديار المسلمين إنما هم عيون وجواسيس في خدمة الإستدمار الأجنبي والقوى العظمى في هذا العالم، فهم يدركون بأن المسلم مهما انحرف وتمادى في الخطأ والخطيئة، فهو لا يمرق من الإسلام، ولقد جرّبت فرنسا ذلك أيام احتلالها الجزائر، حيث انتقتْ بعناية عشر فتيات مسلمات جزائريات، أدخلتهنّ الحكومة الفرنسية المدارس الفرنسية ـ بإشراف وإدارة مجموعة من الكهّان والمبشرين ـ وألبستهنّ الثياب الفرنسية فأصبحن كالفرنسيات تماما، وبعد أحد عشر عاما من الجهود المتتابعة الحثيثة الجادة، في تشكيلهنّ وإعادة صياغتهنّ وفق مقتضى الثقافة الفرنسية والنموذج الغربي، هيأت لهنّ احتفال تخرّج رائع ومميز دُعي له الوزراء والمفكرون والصحفيون، ولما ابتدأت فقرات هذا الاحتفال المميز، فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الجزائري التقليدي (نمط من أنماط الحجاب الإسلامي)، فثارت ثائرة الصحف الفرنسية ـ وقتئذ ـ وتساءلت بغضب وحنق: ماذا فعلت فرنسا إذن بعد مرور مائة عام على احتلالها الجزائر؟ (إذ كانت هذه التجربة بمناسبة مرور قرن على الاحتلال)، فأجابهم لاكوست ـ وزير المستعمرات الفرنسي حينئذ ـ قائلا: «وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟!!»، ويا لها من إجابة أذهلت الجميع في ذلك الوقت، مما حدا بالحاكم الفرنسي في الجزائر * عقب هذه الحادثة العجيبة المدوية * إلى القول «يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم (أي واقع الجزائريين)، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم، كي ننتصر عليهم»!
إن الإسلام يستحيل أن ينهزم أو تقوم عليه حجة، إذا عُرض عرضا صحيحا، أو إذا خوطب به ناس برآء لا ينظرون إلى واقع المسلمين أو تاريخهم، ثم يجعلون منها معيارا في الحكم والبحث عن الحقيقة المجردة ـ فليس واقع المسلمين ولا تاريخهم هو الإسلام المعصوم بداهة ـ وما يثبت هذه الحقيقة، أنه وبالرغم مما لحق الإسلام من تشويه إبان موجة العنف الهمجي الذي اجتاح الجزائر خلال العشرية الماضية، فإن عددا معتبرا من الأجانب الأوروبيين اعتنقوا الإسلام، وأشهروا إسلامهم في المساجد عقب صلاة الجمعة، كان آخرهم مبشرة ألمانية في ولاية تبسة، أقصى شرق الجزائر.
ويُعتبر عام 2007 م عاما استثنائياً في وتيرة ومسار تاريخ اعتناق الأوروبيين الإسلام في الجزائر.
إن الأموال والتأشيرات والإغراءات المختلفة التي يضعها المبشرون بين يدي الشباب العاطل عن العمل في الجزائر وبعض البلاد العربية، قصد تنصيرهم، ستكون عليهم حسرة وتذهب هباء، فالمسلم لا يتنصر ولا يغيّر دينه ـ كما يقرر التاريخ ـ مهما ضعف ولاؤه له، ومهما بلغ مستوى ارتكاسه وبعده عن مصادر استمداده العقدي والقيمي.
لكن مع ذلك فإن التبشير النصراني * في نظري * يكمن خطره في مس الوحدة الوطنية، وزعزعة الاستقرار الاجتماعي، عن طريق خلق طابور خامس في أقطار لا يوجد بها نصارى في الأصل (كدول المغرب العربي)، يتدثر برداء يُسمى (الأقلية النصرانية)، وما هي في الواقع بنصرانية، وإنما يُراد لها إعلان ذلك العنوان الوهمي، بغرض التدخل في أوطان المسلمين، وإرباك نهضتهم الحضارية، ومنعهم من تحقيق أي قوة أو تقدم وازدهار، وهذا ما يعترف به ويحذّر منه أيضا النصارى العرب، الحريصون على الوحدة الوطنية، والمنعة الاجتماعية، فنصارى الشرق الإسلامي المخلصون لأوطانهم وأرومتهم يقولون بأنهم إنْ لم يكونوا مسلمين عقيدة، فهم مسلمون حضارة، لأنهم من تركيبة الشرق العربي والإسلامي.