المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بوكو حرام جماعة خارجة على الإسلام


نور الإسلام
01-06-2014, 06:30 AM
د. عبد الحميد الأنصاري


تاريخ النشر: الأربعاء 21 مايو 2014

«بوكو حرام» جماعة مسلّحة، إرهابية وضالة، ترتكب الجرائم، وتنسب نفسها إلى الإسلام، والإسلام منها ومن أمثالها براء، تدعي الجهاد في سبيل الله تعالى، وهي أبعد الجماعات عن الجهاد.. ارتكبت مجازر جماعية بشعة وأودت بحياة آلاف البشر في نيجيريا عبر سلسلة من العمليات الإرهابية على امتداد خمس سنوات، وعاثت في الأرض فساداً وقتلا وتدميراً وأسالت دماء غزيرة، وكل ذلك باسم تطبيق الشريعة بحسب مفهومها الضيق للشريعة.



وقد ولدت هذه الجماعة من رحم مدرسة دينية ذات مناهج ظلامية تعادي كل مظاهر الحياة المعاصرة، وكوّنت مجموعة مسلحة بقيادة معلمهم الواعظ محمد يوسف، وأقاموا معسكراً للتدريب وبدؤوا بشن هجمات على الكنائس ومراكز الشرطة والمدارس بحجة القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحماية المجتمع من مظاهر الفسق والفجور. في مطلع عام 2009 هاجمت مكاتب الشرطة في مدينة «بوتشي» وذبحت 55 شرطياً، وفي عام 2011 أغارت على مكاتب الأمم المتحدة في أبوجا ونسفتها وقتلت 20 موظفاً دولياً وهاجمت مساكن لطلاب المدارس وقامت بذبحهم وهم نيام، ولم تكتف بكل هذه الجرائم حتى أغارت على مدرسة ثانوية للبنات وهن يتأهبن لامتحاناتهن في الرابع عشر من أبريل الماضي بقرية «شيبوك» في شمال نيجيريا، وخطفت 223 طالبة، ساقتهن إلى مكان مجهول، وخرج زعيم الحركة «أبوبكر شيكو» في شريط فيديو، متحدياً، متفاخراً، ومعلناً مسؤوليته عن خطف البنات، وأنه سيقوم ببيعهن في السوق كسبايا، تطبيقاً لشرع الله تعالى فيهن، بحسب زعمه الخاطئ والضال. إنه يجرم بحق الناس ويرهبهم ويروع أهالي المخطوفات ويفجع قلوبهم، ثم يفتري على الله تعالى كذباً! «فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً». ويستطرد «شيكو» في مزاعمه قائلا: إن الإسلام يحرم تعليم البنات في المدارس، لأن مهمة المرأة في الحياة، هي الزواج وتربية الأولاد، ويعود لتهديد الأهالي بأن عليهم سحب بناتهم من المدارس وإلا فإن الحركة ستقوم بخطفهن!استنكرت المنابر الدينية في العالم الإسلامي ذلك العمل الإجرامي الوحشي، وتحرك العالم بحثاً عن الفتيات المخطوفات.
جماعة «بوكو حرام»، مثلها مثل جماعة «طالبان» في أفغانستان وكل من «المحاكم الشرعية» و«الشباب المجاهدين» في الصومال، وجماعة «المسجد الأحمر» في باكستان، و«القاعدة» وفروعها في بلاد الشام والعراق واليمن وسيناء وليبيا وتونس والمغرب، وعشرات الجماعات المتطرفة في أنحاء العالم الإسلامي.. هذه التنظيمات خريجة مدارس تسمي نفسها (دينية) لكن مناهجها ذات محتوى تعصبي، تلقّن طلابها مفاهيم مغلوطة وضالة عن «الجهاد» وعن «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وحول «الحاكمية»، وتختار من الآراء الفقهية أشدها تزمتاً وتخلفاً، سواء فيما يتعلق بوضعية المرأة في المجتمع أو الأقليات الدينية والمذهبية أو الموقف من الحضارة المعاصرة. إنها مناهج إقصائية لكافة المخالفين بزعم أنها «الفرقة الناجية» ذات «العقيدة الصحيحة».
تقوم هذه النماذج على أيدي معلمين مغالين في التطرف، بشحن طلابها منذ التنشئة الباكرة، بمعاداة الدولة والحكومة والنظام القائم، باعتبار النظام نظاماً «علمانياً» و«كافراً»، وباعتبار الحكومة معادية للجماعات الدينية، تنفذ مخططات «الغرب الصليبي الحاقد» في تغريب المجتمع وإفساد المرأة بإخراجها من بيتها وتعليمها وتوظيفها وتربيتها على النمط الغربي! لذلك تسعى هذه الجماعات بمختلف أطيافها وتسمياتها وقادتها إلى هدف واحد لا غير: تكوين «الدولة الدينية» واستعادة الخلافة وتطبيق الشريعة، وفق النموذج الذي طبقته «طالبان» في أفغانستان لمدة خمس سنوات، حيث أصدرت مرسوم «المحرمات» الشهير الذي يعد «الدستور النموذجي» لكل الجماعات الإرهابية. ويقوم هذا الدستور على جملة محظورات منها: تحريم حلق اللحى، فرض النقاب، منع تعليم المرأة، ومنع خروجها وعملها، تحريم الغناء والموسيقى والتصوير، منع بناء الكنائس، تحريم اللواقط الفضائية والتلفزيون وجميع وسائل التسلية، ومعاقبة المرأة التي لا ترتدي النقاب، وتشديد العقوبات الجسدية وتنفيذها بشكل مرعب وتحطيم النصب والمجسمات التاريخية والأضرحة باعتبارها مظاهر شركية. وباختصار: تحريم جميع وسائل ومظاهر الحياة المعاصرة.
قد يقول مدافع عن توجهات هذه الجماعات، إن تلك المحظورات موجودة في الكتب الفقهية، وقد قال بها بعض الفقهاء قديماً. وهذا صحيح إلى حدما، ونحن نحترم الاجتهادات والآراء كافة مهما كانت متشددة ومتخلفة، لكن الفقهاء القدامى لم يكونوا تنظيماً مسلحاً بهدف فرض آرائهم الفقهية على الناس، بينما الجماعات المتشددة في عصرنا تحارب دولها وحكوماتها ومجتمعاتها بقوة السلاح وتقتل وتدمر وتفجر وتخطف وتدوس على كل المحرمات، وتنتهك كل القواعد الدينية والأخلاقية والإنسانية في سبيل فرض آرائها على المجتمع، وتدّعي أنها تجاهد في سبيل الله تعالي! ما تمارسه هذه الجماعات من مجازر ضد الإنسانية وتنسبها إلى الإسلام، هو الجريمة الكبرى في حق الإسلام والمسلمين، وعلينا -جميعاً- التصدي لهذه الضلالات والمفاهيم المغلوطة، ليس دفاعاً عن إسلامنا -فحسب- بل أيضاً حماية للنشء، وتحصيناً لمجتمعاتنا في مواجهة الوباء الفكري، وصيانةً لمستقبل الأجيال القادمة.