المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة تيه | (الحلقة 2) الطيبي: القياد كانوا يعيشون حياة الملوك


نور الإسلام
27-07-2014, 10:36 AM
“محمد خيسوس”.. رحلة تيه | (الحلقة 2) الطيبي: القياد كانوا يعيشون حياة الملوك والجميع يردد على مسامعهم “نعم سيدي”

http://www.tangerinter.com/wp-content/uploads/2014/06/raisouli-ti-620x420.jpg
الريسولي

طنجة انتر- 30 يونيو 2014 ( 10:37 )
محمد الطيبي، أو خيسوس ماريا ديلا أوليفا.. اسمان لشخص واحد قد لا تتكرر قصة حياته الفريدة مع أي شخص آخر، فالطفل الذي ولد في أربعينيات القرن الماضي بإحدى القرى الجبلية بمنطقة العرائش، سيجد نفسه وسط مغامرة تتلوها مغامرات، مؤلمة في أغلب الأحيان، ومضحكة في مناسبات قليلة، أما في مرات أخرى، فيصر صاحبها على تحويل امبكياتها إلى مضحكات..
حياة قاسية قضاها الطيبي منتقلا بين القرى الجبيلة، باحثا عن حنان لم يكد يعرفه يوما بعدما انفصل والداه مبكرا، ليدخل مرحلة توهان عاطفي اقتادته إلى حضن أسرة إسبانية، لتتدخل يوما ما يد “مخزنية” قاسية، ستزيد من الأمر تعقيدا وسترمي به دون أن يدري إلى الكنيسة وعوالم التنصير.. هي رحلة طويلة وغريبة لهذا الشخص وسط عالم المسيحية، والأغرب منها إصراره على أنه كان “راهبا مسلما”..
لكنه ما كاد يخرج من هاته المغامرة حتى دخل في مغامرة لا تقل غموضا، عندما انضم إلى الجيشين الإسباني والمغربي، وبينهما سيقوده حظه الغريب إلى وحشة المعتقل السري ورعب انقلاب الصخيرات، ملتقيا بأسماء لطالما تحدث عنها التاريخ الأمني والعسكري للمغرب، غير جازم في أي خانة تصنف…

الحلقة الثانية:

- ذكرت الريسولي، هذا الشخص الذي سمعنا الكثير من الحكايات عنه، والتي انقسمت بين من يعتبره مقاوما وبطلا ومن يعتبره قاطع طريق، أنتم سكان القبائل الجبلية كيف كانت نظرتكم له؟
لقد كان الريسولي بالنسبة لنا، النسخة الجبلية من الخطابي، لقد كنا نعتبره قائد المقاومة، وإن كان الخطابي أشهر منه وكانت عملياته أقسى على المستعمر، ونعرف أنه ينحدر من منطقة تازروت، ودوخ المستعمرين من طنجة للعرائش، لكن أحد أبنائه على ما أذكر صار قائدا تابعا للإسبان، وتزوج من إسبانية.
- أنت تمكنت من الاطلاع على حياة القياد عن قرب، احك لنا عنها؟
لقد كان خالي خياطا للجلابيب، وكان ينتقل إلى منزل القايد ليخيط له ولأبنائه تلك الجلابيب، وكنت أرافقه حيث أعمل معه معه على “البرشمان”، وكنا نظل بمنزل قايد يدعى ولد الحاج عبد السلام السوماتي، لشهر أو أكثر، وقد كنا نلاحظ أنه يكثر من قراءة القرآن ولم يكن يتقن الإسبانية، فعندما يأتي إليه إسباني، كان يرافقه ترجمان.
واحتكاكي عبر عمل خالي بالقياد، جعلني أكتشف أنهم كانوا يعيشون مثل الملوك، وحياتهم لا علاقة لها بحياة الناس البسطاء من أهالي القبيلة.. فالجميع يرددون على مسامعهم “نعم أسيدي”، وأتذكر أننا بدار القايد كنا نتناول الدجاج أو اللحم في الغداء، وكان هذا بالنسبة لنا أمرا جللا، فلم نكن نتناول اللحم إلا في عيد الأضحى والدجاج نتناوله فقط إذا قدم ضيف ما، أما لدى القياد فـ”الخير ديما موجود”.
لقد كان القياد يرتدون أفضل لباس، ويحترمون من طرف الجميع، وكنت أرى أناس يسلمون على القايد بشكل فيه إذلال وعبودية، بحيث يكادون يقبلون قدميه، إنها حياة مختلفة جدا عن حياتنا.
- كان للإسبان نظام أمني صارم، أشرت له في كتابك حدثنا عن ذلك؟
كان سكان قبائل اجبالة لا يتقبلون أن يحكمهم “نصراني بالكبوط” كما يقال، وكان الإسبان على وعي ذلك ربما، لذلك كان المكلفون بالأمن في القبائل هم المخازنية، وهم رجال مغاربة يرتدون الجلابيب القصيرة الخضراء والعمامات البيضاء، كانوا أشبه بجنود “الكوم”، وحتى سراويلهم كانت تلك التقليدية التي نسميها نحن “السراويل العربية”، لكن لونها كان عسكريا، وكانوا يحملون الهراوات، وأحيانا بندقية قديمة تحمل 5 أو 6 رصاصات، وهاته البندقية كنت قد تدربت بها عندما قضيت فترة التجنيد العسكري الإجباري بإسبانيا، وتسمى “الموسكيطون”، ويصل مداها إلى 150 مترا، وكان هؤلاء المخازنية يتجولون بالمناطق السكنية، ولكنهم كانوا يتلقون الأوامر المباشرة من الإسبان.
وأتذكر أن الإسبان كانوا أيضا يأخذون أبناء “الناس اللي فيهم الصداع” ويتولون تدريسهم، وقد كان خالي أحدهم، هؤلاء كان الإسبان ينظرون إليهم كمشاغبين ويحاولون إما قمعهم أو اتقاء شرهم. أما الجنود الإسبان فلم يكونوا كثيرين في قبيلتنا، وإنما كانوا يتمركزون في ثكنات، في منطقة “حجر النحل” قرب طنجة، وهناك كان عمي يعمل جنديا برتبة “سارجان”، وكان العسكريون الإسبان يوجدون بكثرة أيضا في مناطق مرج بوطيب قرب أصيلة، واثنين سيدي اليماني، وخميس الساحل.
- هل كان المخازنية يجهزون للمشاركة في الحرب الأهلية الإسبانية؟
لقد كانوا يخضعون لتدريب شهر أو شهرين، ثم ينقلونهم إلى إسبانيا للمشاركة في الحرب ضد “الروخوس” أو الحمر، وهم الاشتراكيون الذين كان يقال عنهم أنهم ملاحدة لا يؤمنون بالله، ولا زال الكثير من الإسبان، خاصة كبار السن، يتذكرون ما كان يفعله “الموروس” في هاته الحرب، ولا يخفون خوفهم وحقدهم عليهم.
لقد كان الفقر والجوع يدفع عدة أسرة لإجبار أبنائها على التطوع في الجيش الإسباني، مقابل قدر بسيط من المال وبعض الدقيق، فيدربونهم قليلا ثم ينقلونهم للمشاركة في الحرب الأهلية، أو إلى سبتة ومليلية.
- لماذا كان الجبلي هو المفضل في المواجهات العسكرية لجيش فرانكو؟
كان أباؤنا يقولون، إن الجبلي يكفيه أن يرتدي جلبابه ويحمل كسرة خبز وقليلا من الزيتون، ليظل صامدا في وجه العدو طيلة اليوم، وقد كان الجبليون معروفين بالقسوة والصبر، كما أن مبدأ الطاعة كان حاضرا بقوة، فبعض الجبليين البسطاء عندما كانوا يسمعون الآية التي تقول “اطيعوا الله والرسول أولي الأمر منكم”، كانوا يعتقدون أن الإسبان هم ولاة الأمر، وكان المستعمرون يستغلون ذلك مستعنين ببعض منعدمي الضمير، لقد كان الجانب المعرفي في البادية ضعيفا جدا، حتى إن من يحفظون القرآن أنفسهم لا يفهمونه، وهذا الأمر كان يستغل بخبث، بالإضافة إلى أن الشمال كان يعتبر جزءا من إسبانيا، وبالتالي ضمنيا كان يدخل حروب الإسبان.
وأنا أعتقد أن الإسبان تعمدوا أن ينتشر الجوع بالريف والمناطق الجبلية، حتى يتطوع أكبر عدد من المغاربة في الجيش، وقد كان الجوع يضرب أطنابه في إسبانيا نفسها، فكان الجيش عندما يغزو قبيلة يستولي على محاصلها وخيراتها وحيواناتها، ويظل الناس جائعين متحسرين.