طريق الخلاص

طريق الخلاص (http://investigate-islam.com/al5las/index.php)
-   كتب ومراجع إسلامية (http://investigate-islam.com/al5las/forumdisplay.php?f=23)
-   -   البرهان العلمي للإسلام (http://investigate-islam.com/al5las/showthread.php?t=5089)

نور الإسلام 13-05-2014 07:24 AM

البرهان العلمي للإسلام
 



القرآن الكريم في ضوء العلم والعقل والتاريخ







د. نبيل عبد السلام هارون


الطبعة الثالثة
1428هـ – 2007م

























حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى (البرهان العلمي للإسلام) 1415هـ / 1994م
الطبعة الثانية 1417(البرهان على صدق تنـزيل القرآن) 1417هـ / 1996م
الطبعة الثالثة 1428هـ / 2007م





بسم الله الرحمن الرحيم


إهداء
أهدي هذا العمل:

إلى القلة المؤمنة التي تحمل مشاعل الدعوة في دياجير الضلال الذي يحيط بعالم القرن الخامس عشر الهجري، برهانا ناصعا على صدق ما اهتدوا إليه ، يثبِّت اليقين، ويشد الأزر ، ويفحم الباطل وأهله.
إلى السواد الأعظم من المسلمين بالوراثة والتقليد ، وببطاقة الهوية: الذين اتخذوا القرآن مهجورا ، كمثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، علهم يكتشفون ما بأيديهم من كنز: كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إلى جمهرة المنافقين والملاحدة أصحاب الصوت الأعلى في هذا الزمان، الذين إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة ، والذين يتنادون بأن لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه، سعيا وراء فتنة المؤمنين والمؤمنات، وإطفاء نور الله الذي وعد بإتمامه ولو كره الكافرون ، علهم يثوبون إلى الرشد ويتوبون إلى الحق.
إلى غير هؤلاء وأولئك على امتداد المعمورة ؛ الذين لم يتح لهم أن يطلعوا على حقيقة الإسلام – فكرا منطقيا أو نموذجا حيا – إلا من خلال إعلام مزيِّف وتعليم محرِّف وآراء مغرضة لقيادات فكرية وعقيدية نصبت أنفسها أربابا من دون الله ، علهم ينصتون يوما بعقل مفتوح وصدر رحب وفكر علمي هادئ إلى دعوة الإسلام ، عساها تكون لهم فرقانا بين ظلام الجاهلية ونور الهدى.

تقديم

للأستاذ الدكتور صلاح الصاوي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد،،
فإن الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم حديث عن جانب متجدد من جوانب الإعجاز في هذا الكتاب المبارك الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخْلَق على كثرة الرد، والذي أراد الله له أن يكون كتابه الأخير، وأن يحمل وحيه المحكم الذي تقوم به الحجة على عباده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وينطفئ سراج الحياة!
لقد تعرفت البشرية على مدار القرون على جوانب مختلفة من جوانب الإعجاز في القرآن الكريم غطت حاجات الناس في زمانها ، وكان فيها من البينات ما تقام بمثله الحجة وتنقطع به الشبهة ، حتى كان هذا العصر الذي يمكن أن يطلق عليه عصر الكشوف العلمية ففاض المعين القرآني بهذا الجانب المشرق المتجدد من جوانب الإعجاز؛ لتقام الحجة على أبناء هذا العصر بمثل ما أقيمت به الحجة على أبناء القرون الأولى.
لقد قبل عقلاء العالم ومفكروه بالعلم حَكَما عدلا، لا يجامل أحداً، ولا تنحاز سننه إلى فريق من الناس دون فريق، فأنار الله بصائر فريق من أهل العلم ليتعرفوا من خلال تدبر هذا الكتاب على حقائق ودقائق ما كان لأحد من الناس أن يتعرف على شيء منها في زمن النبوة فمن ذا الذي أبلغ محمدا e بها وهو النبي الأمي الذي لا يكتب ولا يحسب ، والذي كان يقول: الشهر هكذا وهكذا وهكذا؟؟‍
ولقد رأينا عبر مسيرة البحث والتطواف في هذا المجال كيف فتح الله به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفاً ، وكيف كان أكابر العلماء من غير المسلمين يتطامنون أمام حقائق الإعجاز المذهلة في هذا الكتاب، ولا أزال أذكر كلمة لمدير مرصد طوكيو في اليابان بعد حوار معه لم يزد على ساعة من الزمان قال فيها: إذا كان جميع المسلمين يفكرون بهذا المستوى فإنني أتوقع لهم أن يستردوا زمام الحضارة الإنسانية في أقل من عشرين سنة.
ولا يخفى أن الناس أمام قضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة طرفان وواسطة:
* فمنهم من فتح هذا الباب على مصراعيه بغير ضوابط ، فلوى أعناق النصوص ، لاهثا وراء كل جديد من العلم ، ليفتعل إعجازاً ، أو يتكلف برهانا.
* ومنهم من أغلق هذا الباب بالكلية ، وصادر على أهل العلم حقهم في ارتياد هذه الآفاق الجديدة ، ففوت عليهم وعلى الدعاة كافة الإفادة من هذا الجانب العملاق والخلاق من جوانب الإعجاز.
* وبين هؤلاء وهؤلاء يقف أهل الوسطية والاعتدال ، فيحكِّمون الضوابط التي تعصم من الزلل وتمنع من الشطط ، ويفتحون عقولهم وقلوبهم لكل اجتهاد جاد في هذا المجال فيناقشون ويقبلون أو يرفضون من خلال هذه الضوابط الدقيقة الصارمة ؛ التي قدمت بها ورقة إلى المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنعقد في إسلام آباد بباكستان سنة 1987م ، والتي قدم لها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، والتي تقرر فيما تقرر قيام الإعجاز على ثلاثة أركان:
الحقيقة الشرعية: وذلك ببلورة الجانب الشرعي وتمحيصه مع أكابر أهل العلم للتأكد من أننا أمام حقيقة شرعية.
الحقيقة الكونية: وذلك ببلورة الجانب العلمي للتحقق من أننا أمام حقيقة كونية وليس مجرد نظرية من النظريات قابلة للتغيير والتبديل.
وجه الإعجاز: وهو الربط ما بين الجانبين وفقا لضوابط الفهم والاجتهاد المقررة عند علماء الأصول.
وكتابنا هذا الذي نشرف بتقديمه اليوم والذي حبس نفسه على إعداده الأستاذ الدكتور/ نبيل عبد السلام هارون إنما هو محاولة جادة لاستقراء النصوص القرآنية التي تتضمن بعض الإشارات والدقائق العلمية ، وهو بهذا يفتح آفاقا أمام الباحثين لتدبر هذه الآيات والتعرف على ما تحمله من دقائق الإشارات.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل

أ.د. صــــــلاح الصــــــــــــــــــــاوي

المدير الأسبق لهيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة

















مقدمة الطبعة الثالثة

القرآن معجزة الإسلام الخالدة يحمل في طياته، لفظا ومعنى، وبيانا وحقائق، البرهان الساطع لكل البشر في كل العصور على صدق تنزيله من الخالق العليم. وبالقرآن إشارات وتعبيرات في غاية الدقة، وكذلك تنبؤات بما هو آت ، تتجاوز قدرة البشر وقت التنزيل وبعده بقرون ، مما يقطع باستحالة صدورها عن مخلوق ، وتبرهن على أن مصدرها خالق الكون العليم، القيوم عليه من الأزل إلى الأبد، ولا ريب أن بين طيات القرآن مزيداً من عبارات لا نفقه بعد مغزاها العلمي الحق، سيكشف تقدم العلم (كما كشف من قبل) ما وراءها من براهين تزداد بها الأجيال يقينا.
في الفصول التالية نتناول بعضاً مما قرره القرآن أو أشار إليه من حقائق علمية وتاريخية – غمض كنهها عند نزول القرآن وبعده بقرون – ثم كشفها وأثبت صدقها تقدم العلم ووقائع التاريخ ، لنبرهن بها على صدق تنزيل القرآن وبعثة الهادي الأمين.
تستمد الدراسة من معظم ما كتب عن المعارف العلمية في القرآن والسنة ، بعد مراجعة ما جاء بهذه الدراسات على أقوال المفسرين في الماضي والحاضر ، وتحقيق الجوانب العلمية ، وبحث المعاني اللغوية ، للاقتصار على تلك الجوانب التي ينطبق فيها المعنى المباشر والتفسير المقبول للآية في موضعها بالسورة على الحقائق العلمية التي استقرت بالملاحظة والتجريب وإجماع أهل الاختصاص العلمي واستبعاد ما عدا ذلك من اجتهادات ، وقد ذيلنا الدراسة ببيان مراجع التحقيق ، والمصادر التي تناولت موضوعات الدراسة من زوايا مختلفة وبمناهج ورؤى متباينة.
تصدر هذه الطبعة الثالثة – بإذن الله بعد مراجعة شاملة وتنقيحات عديدة، كما تم تحقيق الأحاديث النبوية وضبطها بالشكل بالرجوع إلى برنامج "موسوعة الحديث الشريف" (حرف لتقنية المعلومات) إصدار 2,1.
جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وثبتنا وأهل الإيمان بالقول الثابت في الحياة الدنيا بمواجهة أهل الكفر والضلال ، ويوم يقوم الحساب، اللهم آمين.













بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

المنهج العلمي و العقلي للرسالة

الإسلام خاتم الرسالات التي أرسلها الله تعالى هداية للعقل البشري المحدود، فما من أمة سبقت على امتداد الزمان والمكان إلا كان لها من هداية الأنبياء و الرسل نصيب، ولقد تدرجت وسيلة الإقناع وأسلوب الدعوة مع تطور المدارك والمعارف البشرية؛ فكان الله تعالى يؤيد رسله الكرام بما يجريه على أيديهم بإذنه من معجزات وخوارق حسية، يلمسها الناس بأيديهم وتراها أعينهم حتى يطمئنوا ويخبتوا لدعوة الحق، حتى آن للبشرية أن تدرك بالعقل الناضج والفكر المستنير ما لم تكن تدركه من قبل إلا بالحس والبصر، فأنزل الله كتابه العزيز: القرآن الكريم؛ متمما و مهيمنا على كل ما سبقه من كتب و رسالات، كتاب حجة و إقناع، ختمت به الرسالات، ثم صدق الله وعده في حفظه دون سائر الكتب نبراسا هاديا إلى آخر الزمان، و معجزة حية لكل الأجيال.

ت/1 - الإقناع العقلي:
العقل إذن هو محور الدعوة إلى الإسلام، وهو نسيج القرآن الذي بدأ تنزيله بدعوة )اقْرَْأ(، هتف بها الروح الأمين على النبي"الأمي"، حتى أذن الله باكتمال التنزيل وإتمام الرسالة في قوله تعالى: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا([المائدة:3]، وتعالوا نقتطف من رياض الذكر الحكيم آيات ناصعات تبرهن على أن الإقناع العقلي و التفكير المنطقي ونبذ الهوى هو أساس دعوة الإسلام.
أ‌. ففي الحث على التفكير و إعمال العقل للاهتداء إلى الحق:
)أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَ هُمُ الأَوَّلِينَ([المؤمنون: 68].
)وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواالطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْعِبَادِ*
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو
الأَلْبَابِ([ الزمر:17، 18]
ب‌. وفي الجدل بالحجة والبرهان:
)أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِ لَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ
هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ([ النمل: 64].
) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آ لِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (
[ الأنبياء: 22].
) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ*أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ(
[ الطور: 34،35 ].





ج. وفي ضرب الأمثال كمدخل إلى الإقناع:
) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ( [إبراهيم: 24 – 27].
د . وفي الحث على التأمل في خلق الله وحكمته:
) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( [آل عمران: 190 ،191].
هـ . وفي الدعوة إلى النظر في القرآن وتدبر آياته:
) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (
[النساء: 82].
) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( [محمد: 24].
) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ( [ص: 29].
) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ( [القمر: 17].
و . وأخيرا في شأن من صموا آذانهم وعطلوا عقولهم، فضَلُّوا السبيل، وجادلوا بالباطل:
) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لاَ يَعْقِلُونَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لاَ يُبْصِرُونَ ( [يونس: 42 ، 43].

ت/2- تحرير العقل:
العقل المخاطب بالدعوة هو العقل "الحر" الذي يوازن بين الحق والباطل، بين الصدق والزيف، متحررا من كل المؤثرات النفسية والاجتماعية والعاطفية، التي كانت وما زالت تستعبد البشر وتلغي عقولهم في كثير من المجتمعات والعقائد، فالإسلام ليس انتماء أعمى، وانقيادا مستكينا إلى طائفة أو كهنوت، أو جنس أو قبيلة، بل يؤكد ويلح على رفض الاتباع المنقاد للآباء والأجداد وكهنة الأديان، وأهل الاستبداد، كما تنطق الآيات الآتية:
أ . في الدعوة إلى استقلال الفكر وتحريره:
) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ( [الإسراء: 15].
) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ( [البقرة: 166 ، 167].


ب . وفي التحذير من تبعية الفكر لأهواء الزعماء والكبراء:
) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ( [إبراهيم: 21].
) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ. إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ( [هود: 96 ، 97].
جـ . وفي النهي عن الاتباع الأعمى للآباء والأجداد دون تمحيص أواقتناع:
) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ. يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( [المائدة: 104 ، 105].
) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ. فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ( [الصافات: 69 ، 70].

ت/3- مكانة العلم والعلماء:
ميز الله الإنسان على غيره من المخلوقات بالعلم، وبالقدرات العقلية على اكتسابه وتطبيقه، ومنها القدرة على الملاحظة والوصف والتحليل والتركيب والاستنتاج، وهذا ما نوه به القرآن:
)وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين ( [البقرة: 31].
أ . والدعوة إلى العلم واكتساب المعارف العلمية تنبث في أرجاء الكتاب العزيز ومنها هذه الآيات المباركات:
) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ( [العلق: 1 – 5].
) ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ( [القلم: 1].
) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ([البقرة: 269].
ب . وفي فضل العلماء ومكانتهم عند الله:
) أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ( [الزمر: 9]
) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ ( [آل عمران: 7].

ت/4- السنن العلمية والكونية:
أساس العلم الحق أن الكون لم يُخلق عبثا، وأن لكل شيء سببا، وأن كل الظواهر الطبيعية ونظم الحياة وسلوك الجوامد وأحوال الأمم تخضع جميعها لقوانين صارمة وضعها الخالق العليم، وهو ما تؤكده آيات القرآن التي نزلت منذ أربعة عشر قرنا في بيئة لا أثر فيها لعلم أو فكر أو معرفة.
أ . ففي أن لكل شيء سببا:
) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ. مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( [الدخان: 38 ، 39].
ب. وفي أن للكون قوانبن لا يحيد عنها (وانظر أيضا الفصل الثالث):
)الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى([الأعلى: 2،3].
) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ([القمر: 49].
)الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ([الرحمن: 5].
ج. وفي سنن التاريخ التي لا تتبدل:
) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً([الأحزاب: 62].

ت/5- نبذ الخرافة:
وحفل القرآن الكريم و السنة النبوية بأقوال و مواقف تنبذ الخرافة و ترفض الفكر الذي لا يستند إلى العلم والمنطق و الدليل، فإيمان المسلم لا يستند إلى قصص أو أساطير، أو طلاسم وأسرار يحتكرها كهان، بل إلى الحجة والدليل والبرهان.
أ‌. ففي بيان ما انزلقت إليه جماعات في تصور الله الواحد الأحد:
) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ
وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ(
[الأعراف:71 ].
) يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلآ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا
ثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ
وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً([النساء:171 ].
ب . وفي جهالة من ينسبون إليه تعالى البنين والبنات:
) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ( [التوبة: 30].
) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ. وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ( [الزخرف: 16 ، 17].


جـ . وفي عبادة غير الله:
)وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورًا ([الفرقان: 3].
د . وفي عبادة الجن والملائكة:
) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ( [الأنعام: 100].
)وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ( [الزخرف: 19 ، 20 ].
هـ . وفي تأليه البشر:
) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( [التوبة: 31].
) وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ([المائدة: 116].
و . وفي اتخاذ الأوثان:
) أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى. تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى. إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ([النجم: 19-23].
)قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ. وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ( [الصافات: 95 ، 96].
ز . وفي الدعاء والتوسل بغير الله:
) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ( [يونس: 18].
) يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ( [الحج: 73].
ح . وفي الاعتقاد بالسحر والتطير:
) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ (
[البقرة: 102].
) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلاَ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( [الأعراف: 131].
- وفي الحديث: أن الشمس انكسفت عقب موت إبراهيم وليد النبي عليه الصلاة والسلام فقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ مِنْ آياتِ اللهِ وإِنَّهُمَا لا يَنْخَسِفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَياتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُموهُمَا فَكَبِّرُوا وادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا" (مسلم).
- وفي الحديث أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ولا هامَةَ ولا صَفَرَ" (1)(البخاري).
ط . وفي اتباع خيال الشعراء وشطحاتهم (إبداعاتهم!):
) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ.أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ([الشعراء: 224 – 226].
ى . وفي الافتراء على شرع الله وتحريفه:
) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ ( [الأنعام: 148].
) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ([التوبة: 37].

ت/6- الإشارات العلمية:
أشار القرآن إشارات عامة إلى مجالات علمية متعددة تنبه الأذهان وتلفت الأنظار إلى ما في الكون من آيات ودلائل وإلى ما في خلق الله من إعجاز في الصنعة وفي القدرة، وما في الأرض من خيرات مسخرات لخير الإنسان، لو فَقِهَ علمها وأحسن الانتفاع بها. ولما كانت هذه الإشارات محور هذا الكتاب فنكتفي منها في هذا التمهيد ببعض الأمثلة:
أ . في خلق السموات والأرض وما فيهن:
) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( [البقرة: 164].
ب . وفي تتابع الليل والنهار:
) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً (
[الإسراء: 12].

جـ . وفي المطر والزراعة والأنعام:
) إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ. فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ. وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( [الأنعام: 95 – 99].
) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ. وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ. وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ( [يس: 71 – 73].
د . وفي البحر والسفن:
) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( [النحل: 14].
هـ . وفي طيران الطيور:
) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ([الملك: 19].

ت/7- بين يدي الكتاب:
قبل أن نمضي في مطالعة الكتاب، وتدبر ما فيه من براهين عقلية وعلمية محددة، لتكن لنا وقفة نتأمل فيها طبيعة النص القرآني كظاهرة فريدة متميزة: في إعجاز بيانه الذي تحدى العرب الأوائل أهل الفصاحة والبلاغة فأعجز العرب والبشرية في كل جيل، وفيما حمله من معارف ومفاهيم فريدة ومتميزة عن معارف ومفاهيم ذلك الزمان – القرن السابع الميلادي – فالأسلوب العلمي في العرض والدعوة أعلى فكرا وأسمى بيانا من قدرات مبلِّغه الرسول الأمي الأمين، سواء في منهج النص القرآني في مخاطبة العقل والمقارعة بالمنطق وتحرير العقل من التبعية الفكرية للآباء أو الكهان أو المجتمع، أو في نبذ الخرافة، أو في التفسير العلمي لنواميس الكون، أو فيما يتعرض له من مفاهيم وإشارات علمية، أو في توجيهه العقول إلى اكتساب المعارف العلمية كمدخل للإيمان بالخالق الواحد وبصفاته التامة، وصولا إلى اليقين بصدق تنزيل القرآن.
كل هذه السمات القرآنية تقطع – لكل ذي بصيرة – باستحالة أن تكون هذه الرسالة من صنع بشر أمي في بيئة أمية بدائية، وليست الأمية هنا أمية القراءة والكتابة فحسب – بل أمية المعارف والفكر، تلك الأمية التي سادت الزمان والمكان وقت التنزيل، لا في الجزيرة العربية وحدها، بل في أرجاء الأرض المعمورة ولقرون بَعْدُ عديدة.


































(1) الطيرة: أي التطير والتشاؤم بأشياء أو أشخاص أو أحداث معينة، وهو ضلال في الفكر والتصور ما زال شائعا في كل المجتمعات المعاصرة. وكذلك التشاؤم بأوقات معينة كصفر أي التشاؤم بشهر صفر. أما الهامة فمن خرافات العرب في الجاهلية إذ يزعمونها طائرا يخرج من هامة رأس القتيل ويقول: اسقوني اسقوني حتى يؤخذ بثأره.

نور الإسلام 13-05-2014 07:25 AM

الفصل الأول

إشارات علمية عامة


1/1 قوانين الوجود:
قال تعالى في محكم التنزيل:
) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَان. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ. وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانٍَ( [الرحمن: 5 – 7](1).
) وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ( [الحجر: 19](2).
) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ( [الرعد: 8](3).
) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ( [القمر: 49](4).
) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلآّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ( [الحجر: 21](5)
) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ( [الفرقان: 2](6).
) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (
[المؤمنون: 18].
) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ( [الزخرف: 11](7).
تؤكد الآيات ما بينته المعارف الحديثة من أن كل شيء في السموات والأرض يخضع لاتزان دقيق ومحسوب، فالأجرام السماوية تنطلق في الفضاء بسرعات محسوبة في اتجاهات مقدرة، بحيث يتزن تجاذبها مع قوى الطرد الناشئة عن حركتها، فتبقى بذلك في مساراتها النسبية بعيدا عن بعضها البعض إلى أن يشاء الله، فالشمس – ببعدها المحسوب عن الأرض – تمدنا بالطاقة المحسوبة المناسبة لحفظ حياة الكائنات، ولو اقتربت الشمس قليلا من الأرض لاحترق كل من عليها، ولو ابتعدت قليلا لماتت الكائنات أو تجمدت، والقمر كذلك يؤثر على حركة المد والجزر في البحار والمحيطات، ووضعه محسوب لو اقترب عنه زاد تأثيره على مياه البحر والمحيط حتى تغرق المعمورة.
ونظم الحياة على كوكب الأرض تحكمها توازنات دقيقة: فالهواء الذي نتنفسه يظل دائما بتركيبه المناسب لحياة الكائنات، فلا يزيد فيه الأكسجين بلا حساب فتحترق الكائنات، ولا يستهلك فتتوقف الحياة، وذلك بفضل عمليات التمثيل الكلوروفيلي بالنبات، التي تعيد لنا ما يعادل 400 – 500 مليون طن أكسجين سنويا، تعوض تماما كل ما تستهلكه الكائنات الحية في التنفس، وكذلك الغلاف الجوي بطبقاته المختلفة ومكوناته – كالأوزون وغيره – التي تؤدي دورا هاما في حماية الحياة على الأرض يتجدد تركيبه دوما، أخذا وعطاء مع الهواء الجوي ومع الأشعة الكونية.
والكائنات الحية – برية وبحرية وطيورا وحشرات – يحكم بقاءها توازنات دقيقة تربط فيما بينها وبين الظواهر الجوية والجيولوجية والنباتية، وفي جسم الإنسان دور محسوب بدقة لمقادير كل عنصر من العناصر الكيميائية – حتى الشحيح منها – سواء في ضبط الأكسجين في الدم عن طريق التنفس، الذي تتحكم فيه مراكز إحساس على الشريان الأورطي والشرايين المتجهة إلى المخ فترسل إشارات عصبية تؤدي إلى الشهيق والزفير، أو في ضبط نسبة الماء في الدم، التي تتحكم فيها مجموعة من النظم المعقدة: من غدد العرق إلى الغدة النخامية التي تتحكم في عمل الكِلَى للتخلص من الماء الزائد، كل هذه الاتزانات وغيرها تعبر عنها ما سقناه من آيات الذكر الحكيم أصدق تعبير.

3/2 دورات الحياة:
لكل كائن حي – حيوانا كان أم نباتا – دورة حياة يتفاعل فيها مع التربة والماء والهواء وغيرها من الكائنات، فتأمل الإشارات البليغة إلى خروج الكائن الحي من الجماد الميت، وإلى إبداء الحياة ثم إعادتها:
) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( [آل عمران: 27](1).
) إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ( [الأنعام: 95].
) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ( [يونس: 31](2).
) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ([الروم: 19](3) ) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ( [البروج: 13](4)
كما أثبتت المعارف الحديثة أن دورة الحياة في الإنسان ترتبط بدورة العناصر المحيطة: فمن عناصر الأرض يتكون الإنسان، وعلى نتاجها يتغذى، ويتفاعل معها أخذا وعطاء في عمليات التمثيل الغذائي والإخراج وتجديد الخلايا طوال حياته، ثم إليها يتحلل بعد مماته.
وهذه أمثلة لبعض دورات الحياة والموت:
أ . دورة الخلايا الحية:
والتي تتمثل في الاستهلاك ثم التجدد المستمر لخلايا الإنسان وغيره من الكائنات الحية، فالخلايا الحية تتحول إلى مواد غير حية (الميت من الحي) لتحل محلها خلايا جديدة (الحي من الميت)، مثال ذلك: الخلايا الجلدية تتجدد كل 59 – 75 يوما، خلايا الدم الحمراء كل 120 يوما، الصفائح الدموية كل 7-10 أيام، كرات الدم البيضاء تتجدد كل 6-12 ساعة.
ب . دورة الكربون:
الكربون هو العمود الفقري للمركبات العضوية، التي تتكون منها سائر الخلايا الحيوانية والنباتية. يعتمد الإنسان في غذائه على الحيوان والنبات، بينما يعتمد الحيوان في غذائه – بدوره – على النبات، ويحصل النبات على غذائه من الهواء الجوي بتمثيل غازي ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء أثناء النهار من خلال عملية التمثيل الكلوروفيلي؛ وبذلك يتحول الهواء "الميت" إلى خلايا نباتية "حية"، يتغذى عليها الحيوان والإنسان لتكوين خلاياهم "الحية" من نواتج هضم الطعام "الميتة"، يتجدد ثاني أكسيد الكربون في الهواء الجوي بعمليات التنفس في الإنسان والحيوان والنبات "الميت من الحي" وبتحلل هذه الكائنات بعد موتها.
جـ . دورة النتروجين:
يدخل النتروجين في تركيب الأحماض الأمينية، التي منها يتركب بروتين الخلايا الحيوانية الحية. يحصل الإنسان على البروتين من غذائه على الحيوان وبعض النباتات، ويتغذى الحيوان بدوره على البروتين النباتي، وبذلك يكون النبات هو المصدر النهائي للنتروجين في الكائنات الحية، يحصل النبات على النتروجين من سماد الأرض الطبيعي أو الصناعي "الميت"، وينتج السماد الطبيعي " العضوي" من فضلات وتحلل الكائنات الحية في التربة – حيث تتحلل بروتيناتها إلى نشادر تحوله البكتريا إلى نتريت ونترات أو إلى نتروجين جوي، أما السماد الصناعي فينتج بعمليات كيميائية من النتروجين الجوي.
د . دورة الطاقة:
يستمد النبات طاقة الشمس ليصنع الغذاء الكربوهيدراتي والبروتيني في صورة خلايا نباتية "حية"، تستمد منها خلايا الإنسان والحيوان حاجتها من الطاقة، ومن تحلل بقايا الكائنات الحية في باطن الأرض منذ آلاف السنين نتجت سائر أنواع الوقود كالفحم والبترول والغاز الطبيعي (انظر 3/15 – الوقود) التي يستغلها الإنسان – مع ما يقطعه من سيقان الأشجار – لإنتاج الطاقة.

3/3 تطابق الخلق:
كل المخلوقات – حية وجامدة – تتركب من وحدات نمطية متطابقة، لا تختلف ولا تتفاوت مهما تعدد الخلق وتكرر، فكل ذرات الخلق حولنا تتكون من بروتونات موجبة ثابتة الكتلة والشحنة، ونيوترونات متعادلة ثابتة الكتلة، وإلكترونات سالبة ثابتة الكتلة والشحنة – في شتى العناصر والمواد، والمواد إما عنصرية " من نوع واحد من العناصر" أو مركبة. العناصر – فلزية أو غير فلزية – ذراتها جميعا متماثلة، وتترتب ذراتها في أشكال هندسية متطابقة على مسافات وبزوايا ثابتة مهما تعددت ببلايين البلايين (السنتيمتر المكعب من الحديد مثلا يحوى حوالي 8.5×10 22 ذرة، أي 85 ألف مليون مليون مليون ذرة)، وكل مركب كيميائي يتركب باتحاد ذرات من عنصرين أو أكثر بنسب ثابتة وبتوزيع فراغي محدد وخواص مميزة ثابتة، وكل عضو من أعضاء الكائنات الحية – حيوانية أو نباتية – يتركب من أنواع محددة من الخلايا مهما تعددت تلك الخلايا، وكل كائن حي يخلق وينمو ويتحلل بنفس النمط ونفس التشريح والوظائف، ولا يحيد عنه قيد أنملة أي واحد من أفراده عبر الأجيال، وهذا ما قرره القرآن المعجز في قوله تعالى: ) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ( [الملك: 3 ، 4](1)

3/4 الزوجية العامة:
تشير الآيات القرآنية إلى أن المخلوقات عامة – حية أو جامدة (كل شيء) أزواج، أي أن ظاهرة الزوجية لا تقتصر على الحيوان والنبات، كما يتضح في الآية:
) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( [الذاريات: 49](2).
والزوج لغة: النوع من كل شيء، والزوجان: اثنان أحدهما نقيض الآخر.
لو تأملنا مكونات الذرة لوجدنا للبروتون الموجب قرينا سالبا: الأنتى بروتون، وفي الذرة المتعادلة: لكل بروتون إلكترون يعادله، والإلكترونات "السالبة" قرينها البوزيترون الموجب، بل إن النيوترون المتعادل له قرين "أنتى نيوترون"، ليس هذا فحسب بل إن الأجرام السماوية المرئية المنبثة في الفضاء اللانهائي يعتقد الآن أن لمادتها قرينا غير مرئي يطلق عليه اسم: المادة المظلمة، التي بمثابة الصورة السلبية لمادة الكون، والله أعلم (انظر أيضا موضوع 4/5: زوجية الكائنات الحية).

الفصل الثاني


في الكون والفضاء


2/1 تماسك الكون:
قال تعالى في سورة الرعد:
) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ( [الرعد: 2](1).
) خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ( [لقمان: 10](2).
أي أن قوى ميكانيكية غير مرئية ترفع الأجسام السماوية بعيدا عن بعضها بأمر الله، ومصدر هذه القوى الطاردة طاقة الحركة التي انطلقت بها الأجسام منذ انفصالها عن بعضها البعض والتي تعادل بها تأثير الجاذبية. الجاذبية بدورها قوى غير مرئية تؤثر على الأجسام المادية سواء كانت أجراما سماوية أو جسيمات نووية، ويختلف التعبير القرآني في هذه الآيات – مع دقته ووضوحه – كثيرا عن تصورات البشر في الماضي القريب، حيث سادت خزعبلات عن طبيعة الأجرام السماوية والقوى التي تحكمها وتشدها إلى بعضها البعض.

2/2 أبعاد الكون:
كلما هدى الله الإنسان إلى مزيد من المعارف الفلكية كلما تفطن إلى الجديد من أوجه الإعجاز في الإشارات الكونية بالقرآن الكريم، فقد أدرك الإنسان أن مواقع النجوم كلها مقدرة تقديرا بحساب دقيق:
) فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ( [الواقعة: 75 ، 76](3).
وفي مثل هذا المعنى أيضا:
) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ( [البروج:1](4).
وكل ما في الكون من أجرام يسبح في أفلاك:
) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( [الأنبياء: 33](5).
) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلااللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (
[يس: 40].
والسباحة لغة هي: الحركة الذاتية: وهذا تصحيح للفلسفة اليونانية القديمة التي كانت تنادي بأن الشمس والقمر والكواكب كل مغروز في أغلفة كروية شفافة حول الأرض – المركز المشترك للكون في تصورهم.
الكون الذي يمتد إليه بصرنا (إلى أقصى مدى تتيحه وسائل الرصد) مترامي الأطراف حتى أن قطر مجرتنا – بما فيها من نجوم (أحدها الشمس) وكواكب وأقمار يبلغ حوالي 100000 (مائة ألف) سنة ضوئية، أي يقطعه الضوء في 100000 سنة، أما أقرب المجرات (من ملايين المجرات في الكون) فتبعد 700000 سنة ضوئية عن مجرتنا، فسبحانك ربي كما وصفت ذاتك:
) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( [البقرة: 255].
والأرض ليست – كظن الأقدمين – محور الكون بل هي كوكب تابع للشمس، أحد نجوم مجرة درب التبانة التي تضم قرابة 100 بليون نجم منتشرة في الفضاء المتسع، يبلغ "أقصر" قطر لها كما ذكرنا 100000 سنة ضوئية، ولما كانت سرعة الضوء 300000كم/الثانية، فإن هذا القطر يعادل حوالي 10 18 كم (10 أس 18)، أي مليون مليون مليون كيلو متر، وتقع الشمس على مسافة 300000 سنة ضوئية من مركز المجرة، وهذه المجرة بما فيها ما هي إلا واحدة من بلايين المجرات التي تموج بها السماء (المرئية) والتي توصلت أقوى ما لدى البشر من تلسكوبات ووسائل رصد إلى تقديرها بأكثر من 500 بليون مجرة، علما بأن هذه الوسائل لا يمتد مجال رؤيتها أكثر من 5 بلايين سنة ضوئية في الفضاء حتى الآن.
وتتفق هذه الحقائق العلمية تماما مع التعبيرات القرآنية في وجهين.
أ . تقديم ذكر السماوات عن الأرض؛ حيثما اجتمع ذكرهما بصيغة العطف في آية (178 آية في القرآن) ، وذلك في مثل قوله تعالى:
) مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ( [الأحقاف: 3].
) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ( [الزمر: 68].
عدا موضعين اقتضى فيها سياق الموضوع غير ذلك(1)
ب . الإشارة إلى وجود صورللحياة في العوالم الأخرى:
) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (
[النحل: 49](2).
) وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( [الشورى: 29](3).
) وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( [الرعد: 15].
ويتفق ذلك أيضا مع صيغة الجمع:"العالمين" التي تنبت في أرجاء الذكر الحكيم ابتداء من فاتحة الكتاب: ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( إلى 72 موضعا آخر. كما يتمشى مع ما جاء في الحديث من دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام: "اللهم رَبَّ السمواتِ السَّبْعِ وما أظَلَّت ورَبَّ الأراضِينَ وما أقَلَّت" (الترمذي).

2/3 تطور الكون:
نقرر أولا أنه مهما تقدم العلم فلن يصل أبدا إلى القول الفصل في كيفية نشأة الكون في الماضي السحيق، ولكننا لا نغفل عن التطابق المذهل بين المعارف الفلكية الحديثة وبين ما قرره القرآن بوضوح تام، فقد أدرك العلم البشري مؤخرا – بعون الله – أن الكون يتمدد باطراد منذ نشأته، وقد سجلت مؤخرا صور لأعماق الكون على مسافة 15 بليون سنة ضوئية، أي أنها تمثل ما كان عليه الأمر في ذلك الزمان السحيق، تشير الصور إلى تمدد في مادة الكون بعد تمزقها إلى بلايين الأجزاء في سحابة دخانية كبيرة – تلك التي كونت دقائقها فيما بعد الأجرام السماوية التي نراها الآن: نجوما انفصلت عنها كواكب وأقمار، أليس بمعجز ومثير للخشوع في آن واحد أن يشير القرآن إلى هذه المفاهيم الثلاثة في آياته التي نزلت منذ أربعة عشر قرنا ألا وهي:
أ . انفصال الأجرام السماوية عن جسم واحد:
) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ( [الأنبياء: 30](1). ثم إعادة جمعها يوم القيامة:
) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ( [الأنبياء: 104].

ب . نشأة الأجرام السماوية من دخان:
) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( [فصلت: 11](2)
ج.الاتساع المستمر للكون:
) وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ( [الذاريات: 47](3).

2/4 نسبية الزمن:
فكرة النسبية – التي اكتشفت في العصر الحديث – أشار إليها الخالق العليم مرارا في آيات معجزة تؤكد أن الزمن في الكون نسبي:
) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ( [الحج: 47](1).
) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( [المعارج: 4].
) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ( [السجدة: 5](2).
اليوم الأرضي تضبطه دورة الأرض حول نفسها دورة كاملة في زمن نسميه"يوما" ونقسمه اصطلاحا إلى 24 ساعة، ثم إلى دقائق وثوان، بينما اليوم على كوكب الزهرة يعادل 118 يوما أرضيا، وعلى كوكب عطارد=176 يوما أرضيا، بينما يوم كوكب المشترى=9 ساعات و55 دقيقة، ويوم كوكب زحل=10 ساعات و40 دقيقة. في الفضاء على اتساعه إذاً لا يصبح ليومنا الأرضي معنى ولا مغزى إلا لمن يعيش على هذا الكوكب، وهنا أيضا اضطر السلف الصالح من المفسرين، وقد غابت عنهم هذه المعارف، إلى تفسير عبارة: وإن يوما عند ربك، وما شابه، بأن المراد أنه سبحانه وتعالى حليم لا يعجل، فمقدار ألف سنة عند خلقه كيوم عنده بالنسبة إلى حلمه (صفوة التفاسير) فصرفوا المعنى عن دلالته المباشرة الغائبة عن معارفهم، ومما يثير التأمل في الآية الثانية ذلك الرقم (50000 سنة) إذ أن مجرتنا التي نعيش فيها (100 بليون نجم) يقدر أقصر نصف قطر لها – من المركز إلى خارج المجرة – خمسين ألف سنة ضوئية أي أن الضوء وغيره من الموجات الكهرومغناطيسية والأجسام النوارنية عموما تستغرق هذا الزمن ذاته لتنطلق من مركز المجرة إلى الفضاء الكوني المحيط بها أو العكس، وهنا لا يستطيع العقل والإدراك البشري القاصر أن يستطرد في الاستنتاج والتعليق، والله أعلم.
ومن ناحية أخرى ليس ثمة تناقض بين الرقم 50000 في الآية الثانية والرقم 1000 في الآيتين الأخريين، فبينما يشير الرقم الأول إلى رحلات للملائكة والروح مجهولة البداية مجهولة النهاية في فضاء الله الفسيح، يشير الرقم الآخر مباشرة إلى نسبية الزمن في الكون، وإلى اتساع أبعاده التي تقدر بآلاف السنين الضوئية.

2/5 التقويم:
الفرق بين التقويم القمري والشمسي = 10 – 11 يوما في السنة، فالسنة الشمسية=365.2422 يوما، بينما السنة القمرية=354.6036، ومن هنا فإن ثلاثمائة عام شمسي تعادل تماما ثلاثمائة وتسعة أعوام قمرية=109573 يوما بلا نقص ولا زيادة، وهنا تتجلى دقة إعجاز التعبير القرآني في قصة أهل الكهف:
) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ( [الكهف: 25](3).
أي أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة بالتقويم الشمسي تزداد تسع سنوات إضافية إن حسبت بالتقويم القمري، والله أعلم بما لبثوا.
التقويم القمري هو التقويم الطبيعي الذي ترتبط شهوره بظاهرة طبيعية هي تغير أوضاع القمر بشكل مطرد متكرر، أما غيره من التقاويم فأساسها وحدات "شهور" افتراضية لا علاقة لها بظواهر طبيعية. صحيح أن السنة القمرية لا تتطابق مع السنة الشمسية التي فيها تتم الأرض دورة كاملة حول الشمس، إلا أن الأمر لم يكن كذلك يوم خلق الله السموات والأرض، لأن الأرض في دورانها حول نفسها ظلت تبطؤ تدريجيا منذ خلقها، بتأثير التباطؤ الطبيعي (منذ انطلاقها منفصلة عن الشمس فيما يعتقد) إلى جانب تأثير جاذبية القمر على المد والجزر في المحيطات، فازداد يومها طولا يوما بعد يوم، بمعدل سريع في بداية الخلق حتى تناقص إلى معدل ضئيل (يزداد اليوم طولا بمقدار 2×10 –8 ثانية كل مائة عام في هذا الزمان)، ويعني هذا أن الأرض حين خَلْقها (الذي يعتقد أنه حدث منذ حوالي 5 بلايين سنة) كانت تنطلق بطاقة أعلى منها الآن سواء في دورانها حول نفسها أو حول الشمس وبالتالي كانت السنة الشمسية على الأرض أقصر منها الآن، ولابد أنها في يوم من الأيام (لا نعلمه ولن نعلمه ولا نملك حسابه لأن معدل تقاصر حركة الأرض وتغيره عبر الزمان منذ النشأة مجهول) كانت مساوية للسنة القمرية، وينطبق هذا المنطق مع قوله تعالى: ) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ( [التوبة:36].
نلاحظ في هذه الآية التعبير: ) يوم خلق السموات والأرض( وليس "منذ" خلقها، أي أنها كانت كذلك وقتها طبقا لحدود التعبير.

2/6 الشمس:
اكتشف العلم الحديث الصدق المعجز لآيات القرآن الكريم، تلك الآيات التي تصف الشمس بصفات حار فيها المفسرون والقدماء: كونها سراجا مشتعلا متوهجا – تقدر درجة حرارتها بقرابة 6000 ْم عند السطح، و30 مليون درجة في مركزها:
) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ( [النبأ: 13](1).
وذلك بالمقارنة بالقمر المنير البارد الذي يقتصر دوره على دور المرآة العاكسة: ) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ( [نوح: 16].
) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ( [الفرقان: 61].
فصرف المفسرون القدماء معنى "السراج المنير" إلى أن المقصود به مجرد التشبيه لشدة الضياء.
كما أشار القرآن إلى جريها المستمر في الفضاء في اتجاه محدد:
) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( [يس: 38].
والجري لغة هو: الاندفاع والإسراع في السير (المعجم الوسيط)، وقد تبين أن الشمس تجري بسرعة 1500كم/ثانية، بالنسبة للنجوم المجاورة لها في المجرة، وتتم دورتها حول المركز في حوالي 200 مليون سنة، كما حددت الدراسات الفلكية ذلك الاتجاه الذي تجري الشمس نحوه في الفضاء. إن عظم الحركة بهذه السرعة الكبيرة لجسم بهذه الضخامة (333 ألف مرة قدر كوكب الأرض) يوضح إعجاز التعبير بالفعل "تجري"، بينما مبلغ ما يراه ويظنه الرائي فوق كوكبنا الأرضي: أن الشمس تتحرك ببطء وتؤدة من المشرق إلى المغرب.
ولكلمة "مستقر" مدلول زمني أيضا، في مثل قوله تعالى: ) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ( [لقمان: 29].
وكذلك عبارة: ) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى ( [الرعد: 2](1) ، ويتفق هذا مع ما هو معروف علميا أن كل النجوم؛ والشمس إحداها؛ تمر بمراحل متتالية إلى نهاية عمرها المحدود.

2/7 القمر:
من إعجاز القرآن في العلوم الفلكية تناوله ما اكتشف في الزمن الحديث من حقائق حول القمر، ومنها طبيعته كجرم بارد عاكس للضوء – خلافا لحال الشمس "السراج" مصدر الضوء.
) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ( [الفرقان: 61](2).
) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ( [نوح: 16].
خلافا لما اعتقده الأقدمون في مثل قولهم في تفسير هذه الآية: أن القمر ينير ما فوقه من السموات وما تحته من الأرض (انظر أيسر التفاسير).
يتبدل شكل القمر (الظاهر لنا) من هلال إلى بدر وهلم جرا، حسب أوضاعه (منازله) النسبية بالنسبة للشمس وللأرض كما تعبر عنه الآيتان الآتيتان:
) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( [يونس: 5](3).
) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ( [يس: 39].
القمر أصغر كثيرا من الشمس (قطره أصغر 436 مرة) رغم ما يظهر للرائي على سطح الأرض (يبدو قرص القمر 1.18 مرة قدر قرص الشمس)، وتعالوا نقرأ معا هذه الآيات من سورة الأنعام:
) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( [الأنعام:75 – 79].
هذا إبراهيم عليه السلام يجول ببصره في السماء لعله يهتدي إلى الخالق العظيم، الذي هو أكبر وأبقى من كل شيء، فيتدرج في التفاته من الأدنى إلى الأعظم شأنا، فيبدأ بكوكب منير يراه صغيرا يظهر حينا ثم يختفي، فيلتفت إلى القمر المنير وقد اتسق بدرا يملأ ضياؤه السماء، ولكنه هو الآخر لا يستقر على حال، فينتقل ببصره وفكره إلى الشمس فيراها أكبر من القمر ومن الكواكب، هذا ما كان من شأن إبراهيم وتدرج فكره البشري، أما النص القرآني فقد أشار إلى الشمس فحسب بعبارة "أكبر" ولم يشر بذلك إلى القمر رغم أن قرصه الظاهري أكبر قليلا من قرص الشمس وأكبر كثيرا (ظاهريا) من قرص الكوكب، ولكن الحكيم العليم منزل القرآن يعلمنا أن الشمس أكبر من القمر، وأكبر من أي كوكب من كواكب المجموعة الشمسية.
كما بينت آيات القرآن أن القمر التابع للأرض ليس هو القمر الوحيد في الكون الذي يدور حول كوكب تابع له، بل إن ثمة أقمار توابع في مجموعتنا الشمسية رصد العلم منها 59 قمرا تدور حول: المشترى (16)، زحل(16)، المريخ (2)، أورانوس (15)، نبتون (8)، بلوتو (1)، غير ما في أنحاء المجرة وفي الكون على اتساعه من أقمار مصداقا للتعبير القرآني الجامع:
) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ([نوح: 15، 16]. إذ يبدو أن القمر في هذه السموات المتعددة (فيهن) اسم لجنس القمر وليس لقمر معين.

2/8 الشهب:
في دقة علمية معجزة يكشف القرآن عن كنه الشهب – وهو ما لم يدركه البشر إلا حديثا – وأنها تنتج عن حركة الأجسام المادية بسرعة خلال الغلاف الجوي للأرض:
) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ( [الحجر: 16 – 18].
وفي ذلك المعنى أيضا جاء في سورة الصافات:
) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ. وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ. لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ. إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ([الصافات: 6 – 10].
وفي سورة الملك: ) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ( [الملك: 5].
كما أشار إلى الحقيقة الفلكية المذهلة وهي: امتلاء الفضاء بالشهب حتى إنه يقدر أن جو الأرض يدخله يوميا آلاف الملايين من الدقائق، بسرعة قد تصل إلى 27 كيلو مترا في الثانية (لشهب وزنها 1 ملليجرام)، ولا يمكن رؤيتها إلا بالتلسكوب، وسرعان ما يتحول معظمها إلى بخار بالاحتكاك بالهواء، ومنها ما يرى بالعين المجردة كما يقدّر ما يسقط على الأرض بعد احتراقه بمقدار 2500 كيلو جرام يوميا، ولنقرأ في سورة الجن:
) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ( [الجن: 8، 9].
ونلاحظ في هذه الآية – على لسان الجن – أنهم فوجئوا بزيادة لم يعهدوها في الشهب حتى كأنها ملأت سماء الأرض، وقد كشف العلم الحديث قرائن مؤكدة على أنه كان ثمة كوكب بين المريخ والمشترى، قد انفجر في زمان بعيد، وتفتتت أشلاؤه لتسبح بلا هدى في الفضاء، وتصيب كواكب المجموعة الشمسية، ويعتقد أن هذه الأشلاء وغيرها ما زالت مصدر الشهب.
وإلى جانب الشهب تدور في الفضاء أجسام على شكل مذنبات يعتقد أنها مادة ثلجية من ماء محمل بالشوائب مداراتها بيضاوية عالية الاستطالة، يقطع بعضها مدار الأرض كل عشرات السنين، أشهرها مذنب هالى، الذي يظهر كل 76 سنة تقريبا ليختفي، آخرها عام 1934، واقرأ قسم الله تعالى بها: ) فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ( [التكوير: 15، 16]. والخنس: إشارة إلى كل ما يختفي من كواكب ومذنبات.

2/9 رحلات الفضاء:
ينخفض الضغط الجوي بسرعة كلما ارتفعنا في الفضاء ـ وخاصة إذا كان الارتفاع مسرعا، وتجاوز ثلاثة كيلو مترات أو أعلى، مما يسبب صعوبة في التنفس وضيقا في الصدر، عبر عنه القرآن المعجز في الآية:
) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ( [الأنعام: 125].
والصعود في الفضاء يخل بتوازن العينين، فتهتز المرئيات كما تهتز بالسُّكْر المبين، وذلك ما لمسه رواد الفضاء فعلا عندما خرجوا من الكبسولة الفضائية في تجارب السباحة في الفضاء، أليس معجزا أن يقرر القرآن ذلك في الآيات:
) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ( [الحجر: 14، 15] ([1]).
رغم أن القرآن الكريم، وحي خالق السموات والأرض، يقرر أنه قد يكون في وسع الإنسان من حيث المبدأ أن ينطلق في الفضاء بإذن الله، متى آتاه الله "السلطان" أي القدرة اللازمة من طاقة وتقنية:
) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلآَّ بِسُلْطَانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَانِ( [الرحمن: 33ـ 35] ([2]).
إلا أن هذه الآيات أيضا تنبه إلى الأخطار التي يواجهها الصاعد في الفضاء من شهب ونيازك صلبة ومنصهرة، وأشعة حارقة ومدمرة كالأشعة النووية عامة والأشعة الكونية خاصة، تلك الأخطار التي لم يدركها البشر قبل عصر الفضاء . ومن ناحية أخرى فإنه مهما وقى الإنسان نفسه من هذه الأخطار فهناك استحالة علمية للابتعاد في الفضاء أكثر من مسافة سنين ضوئية (انظر: النسبية) تتناسب مع عمر البشر المحدود، لأنه طبقا للنظرية النسبية لا يتجاوز جسم مادي سرعة الضوء، فلو انطلق إنسان بسرعة الضوء ـ جدلا ـ وقضى عمره كله في هذه الرحلة عاش مائة عام فإنه لن يتجاوز واحدا من الألف من قطر هذه المجرة، فما بالك بأقطار سموات الكون، وما بها من بلايين المجرات ([3]








(1) الحسبان: التدبير الدقيق (الوسيط)، والحساب؛ أي بحساب (اللسان)، أي أن حركة الشمس والقمر تجري طبقا لنظام دقيق منذ خلقهما الله تعالى، ولم نتعرف على دقائق هذا النظام إلا حديثا، حوالي 30 سنة؟ . . . بحسابات رياضية في غاية العمق والدقة وخاصة في حالة القمر (المنتخب).

(2) وزن الشيء: قدره (الوسيط)، ومعنى موزون: القدر المعلوم وزنه وقدره عند الله تعالى (اللسان)، أي أن كل نبت. . . في خلقه دقة وإحكام وتقدير (الظلال)، وتقرر هذه الآية حقيقة علمية لم تعرف إلا بعد الدراسات المعملية للنبات، وهي: إن كل صنف من النبات تتماثل أفراده من الوجهة الظاهرية تماثلا تاما، وفي التكوين الداخلي نجد أن التناسق تام والتوازن دقيق في كافة أجهزة النبات المختلفة، وكذلك بين الخلايا (المنتخب).

(3) كل شيء عند الله بمقدار وحساب صغيرا أو كبيرا (المنتخب).

(4) القَدَر: مقدار الشيء وحالاته المقدرة (الوسيط)، لقد وصل العلم الحديث إلى أطراف من هذه الحقيقة. . . في إدراك التناسق بين أبعاد النجوم والكواكب. . . ووضع الأرض لتكون صالحة والعلاقة بين الأحياء وبين الظروف حولها (الظلال).

(5) أي ولا ننزله إلا حسب حاجة الخلق والمصالح كما نشاء ونريد (الصفوة).

(6) قدَّر: تمهل وتفكر في تسوية أمر وتهيئته (الوسيط)، والتقدير: التروية والتفكير في تسوية أمر وتهيئته (اللسان) قدر حجمه وشكله وقدر وظيفته وعمله وزمانه ومكانه وقدر تناسقه مع غيره من أفراد هذا الوجود الكبير . . . وينفي فكرة المصادفة نفيا باتا (الظلال)، وأثبت العلم الحديث أن كل الموجودات تسير وفق نظام دقيق (المنتخب).

(7) الماء . . . فهو مقدر موزون لا يزيد فيغرق، ولا يقل فتجف الأرض وتذبل الحياة (الظلال)، أي بمقدار ووزن معلوم بحسب الحاجة والكفاية، قال البيضاوي: أي بمقدار ينفع ولا يضر (الصفوة).

(1) دورة الحياة والموت هي معجزة الكون وسر الحياة نفسها، والسمات الرئيسية أن الماء وثاني أكسيد الكربون والنتروجين والأملاح غير العضوية في التربة تتحول بالشمس والنبات الأخضر وأنواع من البكتريا إلى مواد عضوية هي مادة الحياة في الحياة والنبات، ثم الشق الثاني من الدورة . . . تحلل . . . وما تذكره الآية الكريمة هو الإعجاز بعينه (المنتخب)، . . . وتتسع الدائرة فيموت الحي كله، ولكن خلاياه تتحول ذرات تدخل في تركيب آخر ثم تدخل في جسم حي . . . وهكذا دورة دائبة في كل لحظة من لحظات الليل والنهار (الظلال) يخرج الميت من الحي: النطفة من الإنسان الحي، والبيضة من الدجاجة، الحي من الميت: الإنسان من النطفة والنبتة من الحبة (أيسر التفاسير).

(2) وإن تحول الطعام الذي يموت بالطهي والنار إلى دم حي في الجسم الحي، وتحول هذا الدم إلى فضلات ميتة بالاحتراق، لأعجوبة يتسع العجب منها كلما زاد العلم بها (الظلال).

(3) وفي كل لحظة يجف عود أو شجرة . . . وفي كل لحظة تدب الحياة في جنين . . . والجثة التي ترمى في الأرض . . . هي مادة جديدة للحياة وغذاء جديد للنبات (الظلال).

(4) البدء والإعادة وإن اتجه معناهما الكلي إلى النشأة الأولى والآخرة، إلا أنهما حدثان دائبان كل لحظة . . . والكون كله في تجدد مستمر وبلى مستمر (الظلال).

(1) تفاوت الشيئان: اختلفا في التقدير، وتفاوت الخلق: اختلف ولم يكن سويا (الوسيط)، أي ما تري اختلافا ولا اضطرابا (اللسان).

(2) العامة تخطئ فتظن الزوج: اثنان، وليس ذلك من مذاهب العرب، إذ كانوا لا يتكلمون بالزوج موحدا في مثل قولهم: زوج حمام، بل يثنونه فيقولون: عندي زوجان من الحمام، أي ذكر وأنثى، أو زوجان من الخفاف، أي اليمين والشمال، ويدل على ذلك أيضا قول الله تعالى:) وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى( : اثنين، وقوله: ) فاسلك فيها من كل زوجين اثنين (، وقوله تعالى ) ثمانية أزواج ( المراد: ثمانية أفراد (اللسان)، وفي الآية حقيقة عجيبة تكشف عن قاعدة الخلق في هذه الأرض. وربما في الكون . . . وهي ظاهرة في الأحياء، ولكن كلمة "شيء" تشمل غير الأحياء أيضا . . . وحين نتذكر أن هذا النص عرفه البشر منذ 14 قرنا فإن ذلك أمر عجيب عظيم (الظلال).

(1) بغير عمد مرئية لكم ولكن رفعها بقدرته وبما شاء من سنن (أيسر التفاسير).

(2) وفي هذا التعبير إشارة إلى أن هناك أعمدة غير مرئية وهي سنة نظام الجاذبية التي خلقها بقدرته، وجعل الأجرام السماوية متماسكة بها (أيسر التفاسير).

(3) لم يكن المخاطَبون (وقت نزول القرآن) يعلمون عن مواقع النجوم إلا القليل، أما في هذا العصر فقد ظهرت معجزة القرآن (الصفوة)، وتبين الآيتان مدى أهمية هذا القسم العظيم، فلو كان بعد الشمس عن الأرض أقل أو أكثر مما هو عليه الآن فإن الحياة تصبح قاسية متعذرة . . . وإذا ما اقترب نجم من النجوم من الشمس فإن ذلك يؤدي إلى اختلال في التوازن وإلى الهلاك وإلى الفناء (المنتخب).

(4) البرج واحد من بروج الفلك، وإنما قيل للبروج بروج لظهورها وبيانها وارتفاعها (اللسان).

(5) الفلك: المدار يسبح فيه الجرم السماوي (الوسيط)، وتسبح في الفلك: إذا جرت في دورانها (اللسان).

(1) مثل آية (إبراهيم/48):"يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات" حيث اقتضى سياق الحديث عن تبديل الأرض غير الأرض ثم ذكر السموات أيضا، وكذلك الآية (طه/4):"تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلا" التي جاءت في معرض تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يتلقى الوحي من العزيز الحميد الذي خلق هذه الأرض التي عليها يحيا كما خلق السموات العلا على امتدادها.

(2) تسبق هذه الآية ركب العلم في تقرير وجود أحياء تدب على بعض الكواكب في مجموعتنا الشمسية أو خارج نطاقها، وهذا ما يحاول العلم الآن الوصول إلى حقيقته (المنتخب).

(3) ودع عنك تصور الأحياء الأخرى في السماء . . . هذه الأحياء التي تدب في السموات والأرض
(الظلال)، . . . وما نشر فيهما من الكائنات الحية المتخالفة في الصور والأشكال (المفسر)، . . . وما نشر فيهما من الدواب المرئية وغيرها . . . (المنتخب).

(1) الرتق: المرتوق، من رتق الشيء رتقا: سده أو لحمه (الوسيط)، وارتتق أي التأم (الصحاح)، والرتق ضد الفتق (اللسان)، وفتق الشيء فتقا شقه (الوسيط)، والنظرية القائمة اليوم . . . أن . . . المجموعات النجمية كانت سديما ثم انفصلت (ورغم أن) هذه ليست سوى نظرية تقوم اليوم وقد تنقض غدا، ولكننا نتقبل النظريات الفلكية التي لا تخالف هذه الحقيقة المجملة التي قررها القرآن... السابق عليها بأجيال (الظلال)، وتقرر هذه الآية معاني علمية أيدتها النظريات الحديثة، وهناك نظريات عديدة كل منها تفسر بعض الظواهر وتعجز عن تفسير الأخرى، لذلك فليس بين هذه النظريات ما هو مقطوع به لدى العلماء بالإجماع (المنتخب) المراد أن السموات والأرض كانت شيئا واحد ملتزقتين ففصل بينهما (أيسر التفاسير).

(2) إن نظرية الخلق تقول: إن المجرة كانت من غبار وغاز، ومن هذين تكونت بالتكثف النجوم، وبقيت
لها بقية، ومن هذه البقية كانت السدم، ولا يزال من هذه البقية منتشرا في هذه المجرة الواسعة
(الظلال).

(3) أوسع الشيء: صيره واسعا، (وأوسع الرجل: صار ذا سعة وغنى) (اللسان)، والتوسيع: خلاف التضييق (الصحاح)، وتشير الآية إلى معان علمية كثيرة منها اتساع السماء اتساعا لا يدركه العقل . . . تقاس فيه المسافات بملايين السنين الضوئية، والآية تشير إلى تلك السعة المذهلة التي عليها الكون منذ خلقه، كما أنها تشير أيضا إلى أن التوسعة مستمرة على الزمن، وهو ما أثبته العلم الحديث أيضا، وعرف بنظرية التمدد التي أصبحت حقيقة علمية في أوائل هذا القرن، وحاصلها أن السدم خارج المجرة التي نعيش فيها تبتعد عنا بسرعات متفاوتة، بل إن الأجرام السماوية في المجرة الواحدة تبتعد بعضها عن بعض (المنتخب).

(1) يسبق القرآن بهذه الآية الكريمة ركب العلم بتقرير أن الزمن نسبي، وأن فكرة الزمن العالمي المطلق الذي كان يسلم به الأقدمون قبل نظرية النسبية هي فكرة خاطئة (المنتخب).

(2) فأيام الأرض مقياس زمني ناشئ عن دورة هذه الأرض حول نفسها أمام الشمس مرة . . . وهو
قياس يصلح لنا نحن أبناء هذه الأرض الصغيرة الضئيلة (الظلال).

(3) تشير الآية إلى حقيقة فلكية، أن 300 سنة شمسية = 309 سنة قمرية، وقد سبقت الآية (في ذلك) علم الفلك (المنتخب)، يخبر الله تعالى أن الفتية لبثوا في كهفهم . . . ثلاثمائة سنين بالحساب الشمسي وزيادة تسع سنين بالحساب القمري (أيسر التفاسير).

(1) السراج: المصباح الزاهر (اللسان)، والمسرجة: ما يوضع فيها الفتيلة والدهن للإضاءة (الوسيط)، الوهاج: الشديد الوهج، من أوهج النار: أوقدها (الوسيط)، وتوهجت النار: توقدت (اللسان)، وفي "السراج" توقد وحرارة وضوء، وهو ما يتوافر في الشمس واختيار كلمة "سراج" دقيق كل الدقة ومختار (الظلال)، وقد ثبت علميا أن درجة حرارة سطح الشمس المشع 6000ْ مطلقة، أما في المركز فتزيد على 30 مليون درجة . . . وتشع الطاقات فوق البنفسجية (9%) والضوئية (46%) والحرارية وتحت الحمراء (45%) ولذلك عبرت الآية بالسراج الذي يطلق الضوء والحرارة معا (المنتخب).

(1) أيضا آيات (فاطر: 13، الزمر:5) تشير إلى أن للشمس أجلا تنتهي عنده، وقد تكون كما يقول علماء الفلك أن الشمس تحرق وقودها من الهيدروجين إلى هليوم، وقد تكون نهايتها بكارثة كونية(المنتخب)، يجريان إلى نهاية الحياة الدنيا فيخسف القمر وتنكدر الشمس (أيسر التفاسير).

(2) أي أن الشمس سراج وهاج، أما القمر فينير بضياء الشمس المرتد من سطحه (المنتخب).

(3) منازل القمر: مداراته التي يدور فيها حول الأرض؛ يدور كل ليلة في أحدها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه (الوسيط)، وهي أوضاعه المختلفة بالنسبة للأرض والشمس وهي التي تنتج عنها أوجه القمر (المنتخب)، والمراد بها سُمُوت بلوغ القمر فيها للناس؛ كل ليلة في سمت منها كأنه ينزل بها (أيسر التفاسير).

([1]) سُكِّر بصره: أي غشي عليه أو حبس عن النظر أو حير وشخص (الوسيط)، وفي التهذيب : قرئ: سُكِرت وسكِّرت، ومعناها أغشيت، وسدت بالسحر فيتخايل بأبصارنا غير ما نرى، وقال أبو عمر والعلاء: مأخوذ من سكر الشراب . الزجاج : يقال سكرت عينه تسكر إذا تحيرت وسكنت عن النظر، أي حبست عن النظر وحيرت (اللسان).

([2]) ثبت حتى الآن ضخامة المجهودات والطاقات المطلوبة للنفاذ من نطاق جاذبية . . . لمدة محدودة جدا بالنسبة لعظم الكون . . . ويدل ذلك على أن النفاذ المطلق من أقطار السموات والأرض التي تبلغ ملايين السنين الضوئية لإنس أو جن مستحيل (المنتخب).

([3]) يلحظ بعض الباحثين أن الصعود والحركة في السماء يعبر عنها في القرآن بالفعل "عرج" كما في آية الحجر السابقة وكذلك في قوله تعالى:
) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ( [سبأ: 2]. و) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( [المعارج: 3، 4]. ومن معاني العرج: الميل أو الانعطاف (المعجم الوسيط)، وذلك يتفق مع ما هو معروف من أن الحركة في الفضاء تتخذ دوما مساراً منحنياً، والأمر يستحق مزيداً من البحث في أصل ومدلولات "العروج" في لغة العرب، وطبيعة حركة المادة والطاقة في الفضاء.

نور الإسلام 13-05-2014 07:27 AM


الفصل الثالث
في الأرض

3/1 شكل الأرض:
استدارة الأرض حقيقة تنطلق بإعجاز من تعبير: "تكوير الليل على النهار، والنهار على الليل" كما جاء في سورة الزمر:
) خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ( [الزمر:5](1).
فما الذي يُكوَّر إن لم يكن جسما كرويا؟ والتكوير لغة: الَلي واللف وأصله من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها، فتشير الآية بذلك إلى جسم كروي يدور، فيحدث بدورانه الليل والنهار.
ومما يذكر أن من المفسرين المسلمين، مثل البيضاوي والرازي، من استنبط من نص هذه الآية أن الأرض كروية – قبل توافر الأدلة والبراهين العملية.
من المعروف أن الأرض كرة غير تامة الاستدارة بل هي بيضاوية بعض الشيء، ويتفق هذا الوصف مع ما جاء في سورة النازعات:
) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ( [النازعات: 30، 31].
ومن معاني الدحية: البيضة.
ومن ناحية أخرى أثبت العلم الحديث أن النسبة بين قطري الأرض تتناقص باطراد، وربما كان ذلك بيانا لما يشار إليه في القرآن بتعبير "نقص الأرض من أطرافها".
) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلآَءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ( [الأنبياء: 44](2).
) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ([الرعد: 41](3).
وفي تفسير آخر للمقصود بنقص الأرض من أطرافها يرى بعض العلماء أنه إشارة إلى تباعد القارات والذي بدأ منذ كانت القارات كلها – فيما يعتقد – وحدة واحدة، ثم انشقت عن بعضها في الزمن السحيق ونشأت بينها المحيطات الشاسعة واستمرت في التباعد بمعدل بطيء مطرد حتى يومنا هذا، كما أن الشواطئ تتأكل وتتناقص باستمرار نتيجة عوامل متعددة، وفسره السلف من المفسرين بأنه إشارة إلى اتساع ديار المسلمين نقصا من ديار الكافرين، والله أعلم.

3/2 حركة الأرض حول نفسها:
تشير آيات عدة، بعبارات دقيقة، إلى حركة الأرض المستمرة في دورانها حول نفسها، ويأتي القرآن بعبارات علمية محددة المعنى دقيقة المدلول كالآتي:
أ . من "سلخ النهار من الليل":
) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ( [يس: 37](4).
فالسلخ هو: إزالة غشاء من على سطح بفعل حركة تدريجية، الحركة هنا هي حركة الأرض، والغشاء السماوي المنير الذي ينسلخ بإدبار النهار وإقبال الليل هو: الغلاف الهوائي للأرض في الجزء الذي كان مواجها للشمس، فهذا الغلاف الجوي يتلقى ضوء الشمس فيشتته (بفعل ما يحمله من جزيئات وأيونات غازية) فينتشر في أنحائه وتضيئ السماء ويعم الأرض الضياء طوال النهار، حتى تدور بعيدا عن مواجهة الشمس وهكذا دواليك: ضياء ثم انسلاخ، ثم ضياء ثم انسلاخ، أي أن الأصل في الكون – كما بينته رحلات الفضاء – هو الظلام، أما النور فأمر عارض بفعل الغلاف الجوي وقدرته على نشر ضوء الشمس.
أ‌. من "إيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل":
) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ( [فاطر: 13].
)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( [لقمان:29].
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ([الحج:61].
) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( [الحديد: 6].
) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( [آل عمران: 27].
وهذا تعبير آخر غاية في الدقة عن: حركة الجزء المظلم من الغلاف الجوي رويدا "داخل" الجزء المنير (إيلاج الليل في النهار) مع إقبال الليل، ويقابلها العكس بالعكس (إيلاج النهار في الليل) في الجزء المقابل من الكرة الأرضية مع طلوع النهار.
وقد فسر البعض(4) تبادل إيلاج الليل والنهار بأنه إشارة إلى تبادل طول وقصر ساعاتهما بين الصيف والشتاء وحسب خطوط العرض؛ وهو تفسير بعيد بعض الشيء عن الدلالة المباشرة للنص.
ج. من "غشيان الليل النهار":
وشبيه بذلك أيضا وصف الليل بأنه: "يغشي النهار":
) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( [الأعراف: 54].
بينما الأقرب إلى تصور العامة أن ضوء النهار هو الذي يغشى الأرض عند ظهور الشمس. كما تشير هذه الآية إلى سرعة الحركة "حثيثا"؛ وهوما لا ندركه بحواسنا إذا راقبنا تتابع الليل والنهار، بينما تدور الأرض حقيقة حول نفسها بسرعة حوالي 1670 كم/ساعة.

د. من عبارة "التكوير":
) خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ( [الزمر: 5](1).
تشير هذه الآية (انظر 3/1) إلى كروية الأرض و دورانها حول نفسها.
هـ . من "حركة الليل والنهار في الفلك":
) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( [الأنبياء:33](2)
) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( [يس: 40](3).
الفلك: المسار. مسار الشمس معروف، سواء مسارها النسبي بحركة الأرض، أو مسارها الفعلي في مجرتها، ومسار القمر معروف كذلك في دورانه حول الأرض فما مسار الليل والنهار؟ مسار الليل والنهار ما هو إلا حركة الأرض المنشئة لتتابع الليل والنهار، ويؤكد ذلك أن الفعل "يسبحون" جاء بصيغة الجمع وليست بصيغة المثنى (للشمس والقمر فحسب!).
و . من "تجلية الشمس":
قال تعالى: ) وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا. وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا. وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا([الشمس: 1-4].
يتبادر للعامة أن الأرض ساكنة تشرق عليها الشمس كل صباح فيتجلى كل شيء، أي أن الشمس هي التي تُجلّى وتظهر كل شيء في النهار، ولكن الآية الكريمة تقول قولا آخر صريحا يتفق مع ما يعرفه العلماء: أن النهار (الناجم عن حركة الأرض) هو الذي يظهر الشمس ويجليها للناظرين، كما تعود الآية لتؤكد ما أشرنا إليه في الفقرة السابقة عن "غشيان الليل" للشمس: أي حجبها نتيجة حركة خارجة عنها.
وفي نفس المعنى أيضا قال تعالى:
) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ( [يونس:67].
ومثلها في سورة الإسراء:
) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ فَمَحَوْنَا ءَايَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ( [الإسراء: 12](1).
أي أن من على وجه الأرض المواجه للشمس نهارا يبصر الشمس حتى يدور بعيدا عنها – بالمعنى الحقيقي – وليس – كما ذهب بعض القدماء – كناية عن إبصار الناس للأشياء.
ز . من "الدحو":
) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ( [النازعات: 30](2).
فالدحو لغة: القذف من المقر مع المد والبسط والتوسيع في السطح، لابد أن ذلك قد حدث للأرض بصورة ما مع بداية انفصالها عن الشمس، وانطلاقها لتدور كالدحية حول نفسها – وقد أصبح شكلها بيضاويا بعض الشيء، لتظل مشدودة في دورانها حول ذلك الجرم الضخم (الشمس= 109 مرات حجم الأرض) دورتها السنوية، كما تدور حول نفسها مرة كل يوم وليلة.
ح . من "حركة الجبال":
) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ( [النمل: 88](3).
ذلك أن الأرض التي نحسبها ساكنة تتحرك؛ بما تحمله من جبال وأثقال؛ بسرعة 1670 كيلو مترا في الساعة حول نفسها، و53624 كيلو متر في الساعة حول الشمس، وقد انصرف ذهن الأقدمين في فهم هذه الآية إلى "حركة مستقلة" للجبال يوم القيامة، حيث وقعت هذه الآية (88) إلى (90) من سورة النمل التي تكرر فيها ذكر القيامة، ولكن التعبير الصريح في هذه الآية يتحدث عن "الإتقان" في خلق وحركة الأرض، وليس عما يعتريها من خراب وأهوال يوم القيامة، ويدل على ذلك أيضا ما جاء في الآية (86) التي تتحدث عن نعمة خلق الليل والنهار: ) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( [النمل:86](1).
جاءت في سياق آيات القيامة: تذكيرا للناس بنعم الله وفضله في الدنيا، وحسابهم عليها في الآخرة، وتكرُّر الانتقال بين مشاهد الآخرة وآيات الخلق أمر مألوف في البيان القرآني لربط الإيمان بالمشاهد المحسوس مع أنباء الغيب البعيد.
ط . من تعبير "المشارق":
) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ( [الأعراف: 137].
) رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ( [الصافات: 5](2).
) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ( [المعارج: 40](3).
فالمشارق بصيغة الجمع: تعبر عن اختلاف وتوالى المشارق على امتداد الكرة الأرضية نتيجة لدورانها، ولو كانت الأرض ثابتة لكان ثمة مشرق واحد ومغرب واحد – زمانا ومكانا – لكل الأرض.



3/3 باطن الأرض:
أشار القرآن الكريم – قبل نشأة الجيولوجيا والتعدين بقرون – إلى ما في داخل الأرض من معادن وثروات وطاقات مسخرة للإنسان: خليفة الله في الأرض، اقرأ قوله تعالى:
) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( [الحديد: 4](2).
) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ( [فاطر: 27].
) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ( [طه: 6](3).
ولعل ما جاء في سورة الزلزلة، في معرض الحديث عما يعترى الأرض من أهوال يوم القيامة، إشارة إلى ما يحمله باطن الأرض العميق من أثقال:
) إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا. وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ( [الزلزلة: 1، 2](4).
فمن أدرى محمدا صلى الله عليه وسلم بما في قلب الأرض من أثقال؟ إن غاية ما كانت تعرفه البشرية عما في باطن الأرض – في ذلك الزمان – هو ما قد يكون من بئر ماء هنا أو هناك.

3/4 مواد البناء:
أنبأ القرآن الكريم عن مصدر لمواد البناء استخدمته أمم سابقة، هو الطوب المحروق الذي يشكل من خامات الطَّفل ـ كطمي النيل أو الطفلة الصحراوية ـ ثم يحرق ليتماسك، وهذا مصدر لم يكن معروفا قبل القرن الماضي، إلى أن أثبتت الدراسات الأثرية ضمن الآثار المصرية القديمة مباني من اللَّبِن المحروق، التي يعتقد أنها قد شكلت أولا من طين مخلوط بالقشثم حرقت بعد ذلك حرقا ذاتيا ـ قبل أو بعد البناء، وأنى للعرب في الجاهلية أن يحيطوا بهذه الفنون، قال تعالى:
) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (. [القصص: 38].

3/5 الحديد:
اختص الله سبحانه وتعالى الحديد ـ دون سائر الفلزات والعناصر ـ بإشارات هامة في القرآن الكريم، منها سورة الحديد التي جاء فيها:
) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (. [الحديد: 25].
لقد أصبح الحديد العمود الفقري للمنشآت الهندسية وللحضارة، وتشير كل المؤشرات الجيولوجية والمتالورجية إلى أنه سيظل كذلك إلى ما شاء الله في هذا الكوكب الأرضي، والحديد في خاماته أكثر العناصر الفلزية القابلة للاستخلاص انتشارا (الألومنيوم كعنصر كيميائي في المركبات أوفر من عنصر الحديد، إلا أن الغالبية العظمى للألومنيوم في صورة مركبات ألومينوسليكات (مادة الطين) المستقرة صعبة الاختزال، ويصعب جدا لاعتبارات فنية واقتصادية وغيرها تحويلها إلى الفلز).
لا توجد خامات الحديد نقية في الطبيعة، بل تختلط ـ كغيرها من الخامات الفلزية ـ بالعديد من الشوائب، ولاستخلاص الحديد نقيا يتم أولا تركيز خاماته لفصل العديد من الشوائب، بغسلها بالماء والمحاليل المائية أو غير ذلك، لتطفو الشوائب على السطح وتفصل بعيدا عن الخام المركز، ويستكمل الاستخلاص بعد ذلك بتسخين الخام مع مادة مختزلة وإضافات مناسبة حتى ينصهر الخليط، فتنفصل الشوائب كطبقة من الخبث الذي يطفو فوق الفلز المصهور، ثم يسكب الخبث ليبقى مصهور الفلزنقيا، وقد صور القرآن كلتا العمليتين (غسل شوائب الخام، وفصل الخبث من الفلز) تصويرا صحيحا؛ معجزا لمن نزل فيهم بادئ الأمر، وشبه العمليتين تشبيها جميلا بفعل ماء السيل في إزالة الشوائب من وجه الأرض في الآية:
) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (. [الرعد: 17].
ينفرد الحديد عن سائر الفلزات في التنوع الشاسع في خواصه وخواص سبائكه، تبعاً لنسبة الكربون وعناصر الإشابة والمعالجة الحرارية والميكانيكية التي تجري عليه، من لدونة وسهولة في التشكيل ألواحا وأنابيب وأعمدة ومسامير وغيرها، إلى مرونة كالزنبرك، إلى صلادة الدروع وصلب العدة، وكلها "منافع للناس": آية بليغة معجزة من علم الله تحدى بها المكابرين منذ عصر البعثة إلى عصرنا الحديث.
بمعالجات حرارية معينة تكتسب سبائك الحديد والصلب لدونة وسهولة في التشكيل؛ وذلك ما هدى الله سيدنا داود عليه السلام إليه في قوله تعالى:
) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (. [سبأ: 10، 11].
سبائك الصلب خليط من الحديد مع عنصر أو أكثر. هذه العناصر المضافة تغير بنيته الداخلية فتجعله أكثر صلادة أو مقاومة للصدأ أو التآكل أو غير ذلك من خصائص نافعة مطلوبة، ويشير القرآن إلى ذلك الفن بوضوح في قصة ذي القرنين، عندما هداه الله إلى إضافة النحاس المصهور "القطر" إلى الحديد فأصبح صلدا مستعصيا:
) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا. إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا. فَأَتْبَعَ سَبَبًا ( [الكهف: 83، 84] ([1]).
ثم الآيات: ) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا. قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا. ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ ءَاتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا. فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (
[الكهف: 94ـ 97] ([2]).
تتميز الفلزات عادة باللدونة أي بقابليتها للتشكيل – في درجات الحرارة العادية أو بشيء من التسخين، إلا أنها إذا سخنت تسخينا شديدا ثم بردت تبريدا فجائيا تفقد الكثير من لدونتها فتصبح قصفة – تتكسر أو تتفتت أو تتشقق تبعا لشدة التبريد، وإلى ذلك يشير القرآن في قصة السامري الذي صنع لبني إسرائيل تمثالا عجلا من ذهب، فأمر موسى عليه السلام بتسخين التمثال تسخينا شديدا "حرقه" ثم تفتيته بالتبريد الشديد في الماء.
) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا( [طه: 97].

3/6 الجبال:
من الثابت أن للجبال دورا بالغا في تثبيت القشرة الأرضية، وكبح ما بداخلها من مصهورات وأبخرة؛ وفي موازنة تأثير الوديان وقيعان المحيطات، ولولاها لتعرضت الكرة الأرضية إلى اضطرابات لا يعلم إلا الله مداها أو منتهاها.
تتركب القشرة الأرضية من طبقة صلبة تمتد إلى عمق 30-40 كم، وهذه الطبقة هي التي نعرف عنها الكثير من خلال الدراسات الجيولوجية، ونستثمرها في تعدين الخامات، وبالقشرة الأرضية طيات وتصدعات تكونت نتيجة الانكماش الشديد للقشرة الأرضية أثناء تجمدها، وتمثل هذه الطيات والتصدعات مناطق عدم استقرار شديدة الحساسية لتحركات المصهورات والأبخرة في باطن الأرض، وهي مصدر الزلازل ومخارج البراكين، ومن هنا كان بروز الجبال – كامتدادات رأسية ثقيلة – معادلا ومخففا للإجهادات الناتجة عن هذه الطيات. تأمل الإشارة المعجزة إلى هذه التصدعات في عبارة: ) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ( [الطارق: 12].
ومن ناحية أخرى فإن دوران الأرض حول نفسها ثم دورانها حول الشمس في فلك مائل على محور الأرض بكل ما تحمله الأرض من أثقال ومصهورات ومناطق اضطراب، هذا الدوران أيضا كان كفيلا ببث الاضطراب في هذا الكوكب لولا دور الجبال ككتل موزعة هنا وهناك على امتداد القشرة الأرضية، ولنتأمل الآن تأكيد الذكر الحكيم لدور الجبال في ترسية الأرض:
) وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( [النحل: 15](1).
)وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ( [الأنبياء:31](2)) خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ( [لقمان: 10].

3/7 سماء الأرض:
وصفت السماء التي تعلو كوكب الأرض بأكثر من وصف علمي معجز منها: أنها طباق تملأ الفضاء، وليست مجرد لوحة مستوية أو قبة مرصعة بالنجوم والكواكب كما كان يتبادر للإنسان البدائي قبل الكشوف العلمية، وقد جاءت السماء في مواضع مختلفة للتعبير عن هذه الطباق المتعددة كما في قوله تعالى:
) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ( [الملك: 3](3).
) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا ( [نوح: 15].
) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ( [النبأ: 12].
) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ( [المؤمنون: 17](1).
وقد يقصد بالطباق هنا: طبقات الكون الفسيح بامتداد النجوم في المجرات، والمجرات في الفضاء اللانهائي(2) وهو ما نرجحه والله أعلم، وقد يقصد به طبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض(3).
سواء كان الغلاف الجوي هو المقصود بالطباق السبع، أو كانت سماء الكون على امتدادها هي المقصودة، وسواء كان الرقم "سبعة" مقصود لذاته أو كان كناية عن التعدد، فإن الحقيقة القرآنية قائمة وماثلة ومحققة: إن كل ما يعلو الأرض من سماء أو سموات إنما هو طبقات فوق طبقات. وصدق الله العظيم الذي وصف هذا التركيب العظيم المحكم "بالبناء":
)الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( [البقرة: 22].
)ءَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ( [النازعات: 27، 28].
)وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ( [النبأ: 12].
ومن الأوصاف الأخرى المعجزة للغلاف الجوي "السماء" وصفه بلفظ "ذات الرجع" أي ترجع بخار الماء مطرا، وترجع الأجسام بالجاذبية، وترجع الأمواج اللاسلكية بانعكاسها من طبقة الأيونوسفير، كما ترتد منها الأشعة الحمراء فتدفئ الأرض ليلا، وترجع بخار الماء من المسطحات المائية مطرا تكثف: ) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ( [الطارق: 11].
ومن الإعجاز أيضا وصف الغلاف الجوي "بالسقف المحفوظ": الذي تحفظه الأرض بالجاذبية – وللجبال في ذلك شأن طبقا لبعض الآراء – ليحفظ هو بدوره أكسجين الحياة؛ وثاني أكسيد الكربون اللازم لعمليات التمثيل الكلوروفيلي وتكوين الغذاء بالنبات؛ وبخار الماء لدورة المطر، ولولا حفظ الغلاف الجوي بالجاذبية لتسرب كل الهواء إلى الفضاء الخارجي، ولما كانت حياة – كما هو الحال في كثير من الكواكب: ) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ( [الأنبياء: 32](4).
الغلاف الجوي كذلك يحول دون تسرب الحرارة من الأرض إلى الفضاء الكوني الشديد البرودة حولها، وخلال الغلاف الجوي يتشتت ضوء الشمس ويتوزع، فنرى السماء مضيئة ويعم ضياؤها ربوع الأرض، بينما الفضاء الخارجي مظلم مظلم، تُرى فيه الشمس كمصباح بعيد معلق في ظلمة السماء، ومن آيات الغلاف الجوي للأرض أخيرا أنه يحفظها من الشهب التي تحترق خلاله، ومن الأشعة الكونية التي تهلك الزرع والضرع، وصدق الله تعالى في قوله:
) وجعلنا السماء سقفا محفوظا (.
وهذا الغلاف الجوي مستمر متصل لا انفراج فيه (إلا ما قد يطرأ عليه بسبب سوء استخدام البيئة كثقب الأوزون)، كما عبر بذلك قوله تعالى:
) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (
[ق: 6](1).
ولعل من الإشارات القرآنية إلى هذا الغلاف المتصل أيضا، في معرض الحديث عن أحداث يوم القيامة، الإشارة إلى كشط السماء، أو انشقاقها، أو انفطارها كما في الآيات:
) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ( [التكوير: 11](2).
) إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ( [الانشقاق: 1].
) إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ( [الانفطار: 1].

3/8 السحاب والمطر:
حدد التعبير القرآني في دقة بالغة مراحل نشأة السحاب وسقوط المطر، فيما يعرف باسم الدورة المائية، بصورة تقطع باستحالة أن تكون هذه المفاهيم نابعة من عقل بشر حين نزول القرآن. يحمل الهواء الجوي بخار الماء المنطلق من المسطحات المائية الشاسعة، محيطات وبحارا وأنهارا، ومن تنفس النبات والحيوان، وتزداد رطوبة الهواء أو تنقص حسب الظروف الحرارية والبيئية، حتى إذا بلغت حد التشبع ظهرت في صورة ضباب، أوتكثفت في صورة ندى أو صقيع، ولكنها لا تتجمع لتصير سحابا إلا إذا وجدت أنوية مشحونة بالكهرباء تتجمع حولها وتتكاثف، ولا يتسنى ذلك إلا بفعل الرياح: فالرياح هي التي "تثير" نوى التكاثف من سطح الأرض، أو بالاحتكاك بموج البحر. تأمل قوله تعالى في تأكيد أن الرياح هي التي تثير السحاب بادئ ذي بدء:
) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ( [الروم: 48](3).
) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ( [فاطر: 9](4).
ومرحلة إثارة السحاب – بتعبير الآيتين كما هو في الواقع – مرحلة مستقلة تسبق نشره في السماء وانتقاله من مكان إلى آخر، ثم تأمل الآية: )وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ( [الحجر:22](5).
والآية تحدد دور الرياح في تجميع "اللواقح" التي هي نوى التكاثف، ولقد فسرها الأقدمون خطأ بأنها تشير إلى حمل حبوب اللقاح للنبات، وذلك – وإن كان صحيحا علميا – ليس المقصود بالآية، التي تربط مباشرة بين التلقيح وبين إنزال المطر من السماء.
وللرياح دور آخر أساسي في تكوين السحاب المطير، هو تأليف السحاب المشحون بالكهرباء السالبة أو الموجبة، بعضه إلى بعض، فيتجاذب ويتجمع وينمو ليصبح "سحابا ثقالا" كما في الآيتين:
) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ( [الرعد: 12، 13].
ويلاحظ في هاتين الآيتين الترتيب الدقيق للأحداث:
(1) الشرارة المضيئة (البرق).
(2) ائتلاف السحاب الثقال.
(3) صوت الرعد.
وتأليف السحاب هذا قد نصت عليه الآية التالية المعجزة:
) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ ( [النور: 43](1).
والسحاب نوعان: نوع يمتد أفقيا "السحاب البساطى الطبقى"، وآخر يمتد رأسيا كالجبال "السحاب الركامى"، لم يدرك البشر ذلك الامتداد الرأسي لجبال السحاب إلا بالرصد بالطائرات وغيرها من وسائل الرصد الجوية الحديثة، ويميز التعبير القرآني – في بلاغة علمية معجزة للبشر عبر القرون قبل الاكتشافات الحديثة – بين النوعين بتعبيري: "يبسطه في السماء" للنوع الأول في آية (الروم: 48)، وتعبير "يجعله ركاما" للنوع الثاني في آية (النور: 43).
تحمل الرياح السحاب إلى أعلى فيبرد بخاره شيئا فشيئا، وذلك بفعل التمدد "بسبب تخلخل الضغط في طبقات الجو العليا"؛ وكذلك بتأثير الاقتراب من قمم الجمال الشاهقة الباردة، ويتجمد بخار الماء إلى ثلج كما يتجمد الماء المكثف إلى جَمْد، فتنشأ حبات البَرَد البلورية التي تتردد صعودا وهبوطا بفعل الشحنات الكهربائية وعوامل ميكانيكية، وفي أثناء ذلك تكتسب حبات البَرَد شحنات سالبة في بعضها وموجبة في بعضها الآخر، مما ينتهي بها إلى تجاذب شديد واتحاد، يصحبه تفريغ كهربائي مفاجئ يحدث وهجا شديدا هو "البرق"، وصوت فرقعة هو "الرعد"، وتؤكد آية (النور: 43) أعلاه الارتباط بين تكون البَرَد وبين شرارة البرق في السحاب الركامى ". . من برد فيصيب . . . . . يكاد سنا برقه يخطف بالأبصار" وهو ما أكده العلم الحديث.
بنمو حبات البرد تثقل إلى الحد الذي يجعلها تسقط إلى الأرض، لتصيب به من يشاء الله، أو تنصهر أثناء هطولها فتصير ماء منهمرا.
ولا يفوتنا هنا أيضا أن نلاحظ دقة التعبير في نزول الودق "المطر" من داخل السحاب " من خلاله"، وليس من سطحه السفلي المواجه للأرض كما يتبادر لمن لا يعلم.

3/9 الماء:
كلما تقدم العلم كلما استبان للإنسان حيوية الدور الذي يلعبه الماء في حياته، وأهميته لمستقبله، وها هو عصر التكنولوجيا – كما يقولون – يقف حائرا أمام مشاكل الجفاف والتصحر ومستقبل مصادر المياه، لقد أشار الخالق العليم إشارات علمية معجزة ومتكررة تتعلق بالماء، فالماء أساس الحياة لكل الكائنات على وجه الأرض، الإنسان والحيوان والنبات، وفي أعماق البحار "الأسماك والنباتات البحرية"، وفي جوف الأرض "البذور والجذور والبكتريا وديدان الأرض"، وفي عنان السماء "الطيور والحشرات"، فكل العمليات الحيوية داخل هذه الكائنات كالتنفس وتمثيل الغذاء وامتصاصه والتناسل والإخراج – إنما تتم في وسط مائي أو رطب كما قرر المولى عز وجل:
) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ( [الأنبياء: 30](1).
) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( [النور: 45](2).
المطر من السماء مصدر لكل مصادر المياه في الأرض فهو مصدر الأنهار ومصدر المياه الجوفية، ومصدر الينابيع، هذه الحقيقة التي لم يعرفها العلم الحديث إلا مؤخرا على يد بليسى عام 1570 م، سبق القرآن الكريم بها في الآية:
) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ ( [الزمر: 21](3).
بينما ظل البشر – حتى زمان قريب – يتخبطون في مصادر المياه الجوفية ومصادر الأنهار، التي ظنوها شيئا منفصلا عن مطر السماء، وحاروا أيضا في فهم حقيقة التعبير القرآني، وسادت نظريات هي أقرب إلى الخرافة منها إلى الحقيقة القرآنية التي أدركها البشر حديثا.
) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا ( [النازعات: 30، 31].
المصدر الأول للمياه على وجه الأرض هو ما تكثف فيهاعند نشأة الأرض، وظهر على هيئة مسطحات مائية لمحيطات وبحار بدأت بها دورةالتبخروالسحاب والمطر وهلم جرا، كما تنطق بذلك آيات سورة النازعات (انظر أيضا موضوع: شكل الأرض).
ومن المعارف التي أشار إليها القرآن الكريم أيضا: استحالة اختلاط مياه البحار بمياه الأنهار عند التقائهما في المصبات، كالتقاء نهر النيل بالبحر الأبيض عند كل من دمياط ورشيد، حيث كان (4) يشاهد خط فاصل يُرى رأى العين بين الماء العذب المحمل بالطمي وبين ماء البحر (الأزرق)؛ أو في أحوال أخرى عند التقاء نهرين مالح وعذب، كالتقاء نهرى "الكنج" و"الجامونا" في مدينة "الله آباد"، والتقاء نهرين يسيران متلاصقين، أحدهما عذب والآخر ملح، بين مدينتي "تشاتغام" ببنجلاديش و "أركان" ببورما، وكذلك عند التقاء بحرين مالحين مثلما يُرى عند التقاء مياه البحر الأحمر بمياه المحيط الهندي عند باب المندب، وترجع هذه الظاهرة إلى خاصية الانتشار الغشائي "الأسموزي" التي تدفع جزيئات الماء العذب إلى الانتشار "داخل الماء المالح وليس العكس" عبر السطح الفاصل بينهما "الحاجز أو البرزخ"، كما جاء في الآيات:
)وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا( [الفرقان: 53](1).
) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( [النمل: 61](2).
) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ ( [الرحمن: 19، 20].
ثم نوه الخالق العليم بحفظه للماء في هذا الكوكب الأرضي في دورة لا تنقطع:
) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ( [الملك: 30].
) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (
[المؤمنون: 18].
وهذه حقيقة قد كشف العلم الحديث مغزاها، فلولا الغلاف الجوي وما فيه من آيات مبهرات (انظر الغلاف الجوي) ودورة السحاب والمطر لضاع الماء في الفضاء ولأصبح كوكب الأرض – كبعض الكواكب الأخرى – جافا قاحلا، ولولا طبيعة الأرض التي تسمح صخورها بتخزين المياه الجوفية في خزانات شاسعة في باطنها لتسرب الماء وذهب بددا في الأعماق، وفي هذا الصدد أيضا تجدر الإشارة إلى معجزة بقاء ماء البحار والمحيطات دون تجمد، إذ يطفو الثلج المتجمد فوقها فيحفظ بقية الماء من التجمد، ويحفظ حياة الأسماك والأحياء البحرية، وتستمر فيه الملاحة، ويرجع ذلك إلى خاصية وهبها الله الماء – دون سائر المواد الأخرى – أن كثافته تقل بالتجمد "لا تزيد كغيره" أي أن كثافة الثلج أدنى من كثافة الماء السائل.
من حقائق العلوم أن هطول المطر يسبقه – كما أشرنا – تفريغ كهربائي في السحاب مصحوبا بالشرارة المعروفة باسم البرق، هذه الشرارة كانت كفيلة أيضا بإفساد الماء، بتكوينها لحمضي النتروز والنتريك نتيجة لاتحاد أكسجين ونتروجين الجو (إلى ثالث وخامس أكسيد النتروجين)؛ لولا المشيئة الربانية، ولعل ذلك تفصيل لقوله تعالى:
) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. ءَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ ( [الواقعة : 86 – 70]. والأجاج هو : الذي يلذع الفم بمرارته وملوحته.
ومن ناحية أخرى فإن دورة الماء بين البحار المالحة والبخار فالسحاب فالمطر تفصيل آخر لهذه الآية، فلو لم تتبخر مياه البحار بادئ ذي بدء لصار كل ما على الأرض في نهاية المطاف ماء أجاجا.

3/10 الأنهار:
تنبع الأنهار من الجبال، إذ يصطدم بها السحاب الذي تسوقه الرياح فيزداد برودة وينعكس إلى أعلى، حيث يبرد كثيرا بفعل الارتفاع في طبقة التروبوسفير (انظر الغلاف الجوي) وبفعل القمم الباردة فتسقط حمولة السحاب مطرا يسيل على سفوح الجبال، وكلما ارتفع الجبل وشمخ كلما تهيأ له أن يكتسي بالثلوج، التي يذوب أدناها أولا بأول ليزود الأنهار بنبع دائم للمياه. تلك الثلوج تكسو الجبال الشامخة، بما فيها الجبال الاستوائية، إلا أن الارتفاع الملائم أو المطلوب لتكوين الثلوج يقل كلما ابتعدنا عن خط الاستواء، فبينما تتجمع الثلوج هنالك ابتداء من ارتفاع خمسة كيلومترات أو أكثر؛ يقل الارتفاع المطلوب تدريجيا إلى 4 كيلومترات عند المدارين ثم إلى 2 كيلومترا عند خط عرض 50 ْ (شمالا أو جنوبا) حتى ينمحي تماما ابتداء من خط عرض 70 ْ حتى القطبين، أرأيت كيف يقترن شموخ الجبال بنبوع الأنهار؟ اقرأ قوله تعالى مشيرا إلى هذا الاقتران:
) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ( [المرسلات: 27](1).
وسبح بعظمة الخالق العليم: ) وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ ( [البقرة: 255].

3/11 البحار:
أثبتت البحوث الحديثة باستخدام تلسكوبات دقيقة أن أعماق البحار والمحيطات ليست ساكنة، بل تموج بأمواج وتيارات أظلم وأكثف مما بسطحه، وصدق الله العظيم في دقة وصف القرآن الكريم للبحر، عندما اتخذه مثلا لظلام العقول الجاحدة الكافرة في هذه الآية:
) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ( [النور: 40](2).
يعزى تكون البحار والمحيطات إلى ما حدث في قديم الزمان من تغير في شكل الأرض: من كرة تامة إلى شكل بيضاوي "دحوها"، صحبه انفصال القارات ثم تباعدها وامتلاء ما بينها بالمياه، وتتفق هذه الفكرة مع الآية التي تربط بين دحو الأرض وانتشار المسطحات المائية:
) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ( [النازعات: 30، 31].
يستخرج اللؤلؤ من البحار المالحة منذ القدم، أما المياه العذبة فلم يكتشف فيها اللؤلؤ وغيره من الأحجار الكريمة إلا حديثا، ليتأكد البشر من صدق ما قرره الوحي القرآني في قوله تعالى:
) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( [فاطر: 12](3).
) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ. فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ( [الرحمن: 19 – 22](4).
يوجد اللؤلؤ في أنهار عذبة في كل من انجلترا واسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا وغيرهما، كما يستخرج الماس من رواسب بعض الأنهار الجافة المعروفة باليرقة، كما يوجد الياقوت في الرواسب النهرية في "موجوك" في بورما العليا، وكذلك في سيام بالهند وفي سرى لانكا، كما يوجد التوباز في الرواسب النهرية بالبرازيل والأورال وسيبريا، وكذلك الزركون الذي تستخدم بعض رواسبه النهرية كأحجار كريمة.

3/12 الزراعة:
من الحقائق الجيولوجية الدقيقة أن التربة الطينية الساكنة، إذا ما
ابتلت بالماء تمددت إلى أعلى وتشققت، فيهتز أسفلها ويتحرك بجذور النبات وشعيراته، فانظر الدقة المعجزة في تطابق ذلك مع وصف الآية:
) وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(
[الحج: 5](1).
وما كان لدى الأقدمين وسائل لمراقبة التربة، وما يطرأ عليها من تغيرات دقيقة. الطين جسم مسامي من حبيبات مادة "الطفل" مع نسب مختلفة من حبيبات الرمل والجير وغيرها، وعند رى الأرض يتخلل الماء المسام ليملأها، حتى إذا فاض عن حاجتها اتسعت المسام بالماء الزائد فتمددت التربة من أسفل، فاهتزت اهتزازا لا تراه العين المجردة، وتشققت. تهتز الأرض كذلك بحركة الجذور والشعيرات الجذرية في كل اتجاه سعيا وراء الماء الذي جاءها بعد همود، كما تزداد حركة دودة الأرض وتتكاثر، ودودة الأرض هذه قد تصل أعدادها في التربة إلى 50000 في الفدان، ولها دور حيوي في تهوية التربة وفتح مسامها – وكذلك في دورة النتروجين بين الجو والتربة (انظر دورات الحياة)، كل ذلك يؤدي إلى اهتزاز التربة ونموها، ثم إلى نبت جديد.
تختلف التربة الزراعية في مكوناتها من حبيبات مختلفة وما بها من مواد عضوية وكائنات حية دقيقة تؤثر جميعا في قابلية الأرض للزراعة وفي جودة محصولها، وتختلف في ذلك من موضع إلى موضع، وهذا ما قرره القرآن الكريم في قوله تعالى:
) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( [الرعد: 4](2).
كما نوه القرآن بمزايا الأرض الزراعية المرتفعة "الروابى" التي كشفها العلم الحديث؛ حيث تزداد إنتاجيتها لبعدها عن المياه الجوفية مما يضاعف شعيرات الجذور الماصة للغذاء:
) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( [البقرة: 265](3).
وكذلك قد ثبت علميا أن القمح وغيره من الحبوب يتعرض للتلف في الهواء الجوي عند تخزينه طويلا، وذلك بفعل الرطوبة وغيرها، وقد وجد أن أنجح الوسائل لحفظه إبقاءه على السنابل، وهو ما قرره الهادي العليم في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، والذي أوحى إليه الله ذلك، عندما وُكل إليه أمر الزراعة في مصر – تحسبا لسنين جدب النيل المعروفة "بسنى يوسف":
) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ ( [يوسف: 47](4)

3/13 وسائل الانتقال:
في معرض حديثه عن تسخير الدواب في النقل أنبأ المولى عز وجل أنه سيسخر لنا المزيد من الوسائل التي لم يصل إليها علمنا بعد (ويخلق ما لا تعلمون).
) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ( [النحل: 8، 9] ([3]).

3/14 الوقود:
في القرآن الكريم أكثر من إشارة إلى العلاقة بين الشجر الأخضر وبين الطاقة أو النار، حيرت المفسرين القدماء، وهناك أكثر من اجتهاد علمي لتفسير هذه الآيات، وكل منها يؤكد إعجاز النص القرآني، وأقرب الاجتهادات إلى الحقائق العلمية المعروفة أن الشجر هو المصدر الأساسي للتكوين الجيولوجي للفحم وزيت البترول، ومنها أن الشجر الأخضر بالذات (أوراقه) بما فيها من مادة الكلورفيل هو الوحيد القادر على امتصاص طاقة الشمس (المصدر الأم للطاقة على الأرض) أثناء عملية التمثيل الضوئي، والتي تبني فيها خلايا الشجر من ثاني أكسيد الكربون والماء، لينمو قبل استخدامه وقودا بذاته، أو بصوره المتحولة بعد أجيال طوال كالفحم أو الزيت، والشجر الأخضر أيضا مصدر نوع "لا ينضب" من الطاقة المتجددة، وهو الوقود الحيوي، الذي يتم انتاجه من النباتات ومن الفضلات النباتية، وهو مصدر دائم متجدد بإذن الله:
) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ( [يس: 80 ] ([4]).
) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ. ءَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ ( [الواقعة: 71، 72].

(1) كوَّر الشيء: لفه على جهة الاستدارة (الوسيط)، وتكوير العمامة: لفها وجمها (اللسان) وهو تعبير عجيب يقسر الناظر فيه قسرا على الالتفات إلى ما كشف حديثا عن كروية الأرض . . . وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار. وهذا السطح مكور فالنهار كان عليه مكورا والليل يتبعه مكورا كذلك . . . واللفظ يرسم الشكل ويحدد الوضع، ويحدد نوع وطبيعة الأرض وحركتها (الظلال).

(2) هذه الآية من آيات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم فهي تشير إلى أن الأرض ليست كاملة الاستدارة، ولم يتمكن العلماء من قياس أبعاد الأرض بالدقة إلا منذ 250 سنة تقريبا، . . . وتبين أن نصف القطر الاستوائي أكبر من نصف القطر القطبي بحوالي 21.5 كيلومتر (المنتخب)، وانظر تفسير الرعد/41.

(3) تتضمن هذه الآية حقائق وصلت إليها البحوث العلمية الأخيرة، إذ ثبت أن سرعة دوران الأرض حول محورها وقوة طردها المركزي يؤديان إلى تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الأرض، وكذلك عرف أن سرعة انطلاق جزيئات الغاز المؤلفة للكرة الأرضية إذا ما جاوزت قوة جاذبية الأرض لها فإنها تنطلق إلى خارج الكرة الأرضية، وهذا يحدث بصفة مستمرة فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها، لا أرض أعداء المؤمنين، وهذا احتمال في التفسير تقبله الآية الكريمة (المنتخب).

(4) سلخ الجلد: كشطه ونزعه، وسلخ الله النهار من الليل: كشفه وفصله (الوسيط)، ونسلخ. . . نكشف عنه النهار، مستعار من سلخ الشاة (المفسر)، تعبير مصور للحقيقة الكونية أدق تصوير (الظلال)،... وفي الآية رمز إلى أن الأصل هو الظلام والنور عارض (الصفوة).

(4) بطول ساعات أحدهما (الشتاء والصيف) وقصرها في الآخر (المنتخب)، حسب الفصول والأمصار... (الصفوة).يدخل ساعات من الليل في النهار فيقصر الليل ويطول النهار، ويدخل ساعات من النهار في الليل فيطول (أيسر التفاسير).وسواء كان معنى إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل هو أخذ هذا من ذاك وأخذ ذاك من هذا عند دورة الفصول. . . فإن القلب يكاد يبصر يد الله وهي تحرك الأفلاك (الظلال)،

(1) انظر تفسير آية الزمر في الهامش ببداية الفصل.

(2) الفلك: المدار يسبح فيه الجَرْم السماوى (الوسيط)، والسباحة: العوم، وسبح الفرس مد يديه في الجرى (الوسيط)، والنجوم تسبح في الفلك: إذا جرت في دورانها (اللسان)، أي أن كل من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء (الصفوة). . . كما أن دوران الأرض حول محورها يجعل الليل والنهار يتعاقبان عليها كأنهما يسبحان (المنتخب).

(3) في (أيسر التفاسير) أنه: جيء بضمير الجميع وهما اثنان الشمس والقمر لا غير، لإفادة تعميم هذا الحكم فيشمل الكواكب أيضا، وذلك تأويل لا مبرر له لأن الجمع يشمل حركة الشمس والقمر والحركة النسبية لليل والنهار الناشئ عن حركة الأرض.

(1) روي في التفسير عن بعض السلف أن المراد بالمحو: اللطخة السوداء في القمر ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس فيتميز الليل عن النهار!!! (أيسر التفاسير).

(2) يقال: دحا الصبي المدحاة أي دفعها (الوسيط).

(3) تقرر هذه الآية أن جميع الأجسام التي تخضع لجاذبية الأرض مثل الجبال تشترك مع الأرض في دورتها: اليومية حول محورها والسنوية حول الشمس، . . . مما يبرهن أن هذا القرآن موحى به من عند الله (المنتخب)، قيل: إن قوله تعالى هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) خاصة أطلعه فيه على سر من أسرار الكون ولم يبح به لعجز الناس عن إدراكه في ذلك الزمن وحقيقته: أن الأرض تدور حول الشمس دورة في كل يوم وليلة، ودورتها هي تسير معها الجبال فيها قطعا،فيرى المرء الجبال يحسبها جامدة وهي تمر مع الأرض مرّ السحاب، والمرور غير السير، فالسير يوم الفناء أما المرور يقال: مرّ بفلان يحمله معه ولا يقال سار به. ورشح هذا المعنى قوله بعد (صنع الله الذي أتقن كل شيء) (أيسر التفاسير).

(1) ونسق العرض في هذه الجولة (أواخر سورة النمل) ذو طابع خاص، وهو المزاوجة بين مشاهد الدنيا ومشاهد الآخرة، والانتقال من هذه إلى تلك في اللحظة المناسبة للتأثر والاعتبار (الظلال).

(2) وللتعبير "المشارق" دلالة أخرى دقيقة في التعبير عن الواقع في هذه الأرض التي نعيش عليها كذلك. فالأرض في دورتها أمام الشمس تتوالى المشارق على بقاعها المختلفة – كما تتوالى المغارب...وهي حقيقة ما كان يعرفها الناس في زمان نزول القرآن (الظلال).

(3) إشارة إلى التعدد اللانهائي لمشارق الأرض ومغاربها. . . فالشمس في كل لحظة غاربة عند نقطة ومشرقة في نقطة أخرى تقابلها (المنتخب).

(2) ما يدخل فيها من مطر وأموات، وما يخرج منها من معادن ونبات وغير ذلك (الصفوة).

(3) ما تحت الأرض من معادن ومكنونات (الصفوة).

(4) وتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن . . . (الظلال).

([1]) يقول المفسرون أن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني (الصفوة ـ المفسر). اختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال. . . والظاهر أنه كان نبيا يوحى إليه وكان ملكا حاكما (أيسر التفاسير).

([2]) نحاسا مذابا (القطر) يتخلل الحديد ويختلط به فيزيده صلابة، وقد استخدمت هذه الطريقة حديثا في تقوية الحديد، فوجد أن إضافة نسبة من النحاس إليه تضاعف مقاومته وصلابته (الظلال).

(1) ماد الشيء: تحرك واضطرب (الوسيط)، وقال أبو العباس في قوله تعالى: "أن تميد بكم"، فقال: تحرك بكم وتزلزل، وفي حديث على : فسكنت من الميَدَان برسوب الجبال (اللسان).

(2) وهي رواسي ذات جذور ممتدة إلى أعماق كبيرة تتناسب مع ارتفاعها، فكأنها أوتاد. . . كما أثبت العلم الحديث أن أسفل الجبال دائما هش خفيف، وأسفل المحيطات توجد المواد ثقيلة الوزن وبذلك تتوزع الأوزان (المنتخب)، رواسي، أي جبال ثوابت كيلا تميد، أي تتحرك وتضطرب بسكانها (أيسر التفاسير).

(3) السماوات السبع لا يمكن الجزم بمدلولها، استقاء من نظريات الفلك، فهي قابلة للتعديل والتصحيح، كلما تقدمت الوسائل، ولا يجوز تعليق مدلول الآية بمثل هذه الكشوف،. . . ويكفي أن نعرف أن هناك سبع سماوات، وأنها طباق بمعنى أنها طبقات على أبعاد متفاوتة (الظلال).

(1) الطريق: السبيل يذكر ويؤنث (الصحاح)، وفي (اللسان) أطرق عليه الليل: ركب بعضه بعضا (اللسان)، وقد يكون المقصود هنا سبع مدارات فلكية، أو سبع مجموعات نجمية كالمجموعة الشمسية، أو سبع كتل سديمية. . . (الظلال).

(2) إن كان المقصود سماء الكون فلعل السموات السبع هي على الترتيب : 1- الغلاف الجوي للأرض، 2- الفضاء المحيط بالأرض الذي يسبح فيه القمر مشدودا بجاذبية الأرض وتابعا لها، 3- فضاء المجموعة الشمسية الذي تسبح فيه الكواكب حول الشمس، 4- المجال الذي تجري فيه الشمس بمجموعتها داخل المجرة، 5- الفضاء الذي تشغله مجرة درب التبانة متحركة في الفضاء الفسيح، 6- فضاء الكون المرئي بما فيه من آلاف المجرات، 7- الفضاء اللانهائي الذي لم تزل تنطلق فيه المجرات متباعدة عن بعضها موسعة للكون باطراد إلى ما شاء الله، أو لعلها سبع مجموعات تنتظم فيها آلاف المجرات مما نرى ومما لا نرى (المؤلف).

(3) إن كان المقصود بالطباق طبقات الغلاف الجوي فإنها تختلف عن بعضها البعض في الترتيب وفي تدرج درجة الحرارة بها. أدنى الطبقات هي التروبوسفير، التي تمتد فوق رؤوسنا حتى ارتفاع 10-12 كيلومترا، وفي هذه الطبقة الأولى تنخفض الحرارة باطراد مع الارتفاع. يعلو هذه الطبقة طبقتان يطلق عليهما مجتمعتين الستراتوسفير: الطبقة الأدنى حتى ارتفاع 20 كيلومترا تتميز بدرجة حرارة ثابتة بينما تزداد الحرارة مع الارتفاع في الطبقة الأعلى حتى ارتفاع 45-50 كيلومترا، أما الطبقة الرابعة "الميزوسفير" فتعود فيها الحرارة للانخفاض باطراد حتى ارتفاع 80-85 كيلومترا، وهنا ينعكس التدرج الحراري منذ بداية الطبقة الخامسة "الثرموسفير"، ومن خلال هذه الطبقة الخامسة تبدأ – إذا ارتفعنا قليلا فيها – طبقة جديدة تتميز بتأين كل ما فيها من غازات نتيجة التأثير الشديد – دونما حائل – للأشعة فوق البنفسجية من الشمس، ويطلق على هذه الطبقة السادسة: الأيونوسفير، وهذه الطبقة أيضا هي التي يبرز فيها تفاعل الأوزون، وبنهاية هذه الطبقة التي تمتد حتى ارتفاع 500 كيلومترا تأخذ الغازات تدريجيا في الندرة الشديدة إلى الفضاء المطلق، وتسمى هذه الطبقة السابعة: الإكسوسفير (المؤلف).

(4) والسماء تبدأ بالغلاف الجوي الذي يحمي الأرض من الشهب والنيازك والأشعة الكونية، وتحتفظ به الأرض بقوة الجاذبية (المنتخب).

(1) الفرج: الشق بين الشيئين (الوسيط) والخلل بين الشيئين (اللسان).

(2) كشطت: أزيلت ونزعت من مكانها كما ينزع الجلد عن الشاة (الصفوة).
(3) فتثير سحابا: بما تحمله من بخار الماء المتصاعد من كتلة الماء على الأرض (الظلال).
(4) تثيرها من البحار (الظلال).
(5) ولكن السياق هنا يشير إلى أنها لواقح بالماء دون سواه . . . وليس هناك ذكر ولو من بعيد للإنبات (الظلال)، سبقت هذه الآية ما وصل إليه العلم . . . كما لم يعرف العلم إلا في أوائل القرن الحالي أن الرياح تلقح السحاب بما ينزل بسببه المطر إذ أن نويات التكاثف . . . تحملها الرياح إلى مناطق إثارة السحاب، وقوام النويات أملاح البحار وما تذروه الرياح من سطح الأرض والأكاسيد والأتربة وكلها لازمة للمطر (المنتخب).








(1) الركام ما اجتمع من الأشياء وتراكم بعضه فوق بعض (الوسيط)، ووصف السحاب بالجبال الضخمة الكثيفة . . . كما يبدو لراكب الطائرة . . . تعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس، إلا بعد ما ركبوا الطائرات (الظلال)، وإذا لم تكن تلك الطائرات في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكون ذلك دليلا على أن هذا الكلام من عند الله العليم، كما تسبق هذه الآية ركب العلم، فإنها تتناول مراحل تكوين السحب الركامية وخصائصها . . . كما أنها وحدها التي تجود بالبرد وتشحن بالكهرباء . . . وقد يتلاحق حدوث البرق في سلسلة تكاد تكون متصلة . . . فيذهب ببصر الراصد . . . عين ما يحدث للملاحين والطيارين (المنتخب).

(1) تقرر (الآية) حقيقة علمية: أن الماء هو المكون الهام في تركيب الخلايا ولحدوث جميع التحولات والتفاعلات، ولكل وظائف الأعضاء (المنتخب)، هذا من أغرب معجزات القرآن، فإن العلم يقرر ذلك حرفيا (المفسر).

(2) الآية لم تسبق فقط ركب العلم في بيان نشوء الإنسان من النطفة بل سبقته كذلك في بيان أن كل دابة تدب على الأرض خلقت كذلك بطريق التناسل من الحيوانات المنوية. . . وكذلك أن الماء قوام تكوين كل كائن حي وأكثر ضرورة من الغذاء وأساس تكوين الدم وكل سوائل الجسم (المنتخب).

(3) الينبوع: عين الماء (الوسيط) من: نبع تفجر (اللسان)، ولم تعرف دورة المياه في الطبيعة إلا حديثا، حيث أن الفكرة التي كانت سائدة قبل ذلك كانت تقول إن ماء العيون والأنهار يتفجر من باطن الأرض آتيا إليه من حفر وآبار في قيعان البحار (المنتخب)، وقديما قال المفسرون في تفسير الآية: وهذا دليل على أن ماء العيون من المطر . . . قال ابن عباس: ليس في الأرض ماء إلا نزل من السماء، ولكن عروق في الأرض تغيره (الصفوة)، فسلكه: أي أدخله في الأرض وأخرجه منها ينابيع بواسطة حَفْر وبدونه (أيسر التفاسير).

(4) قبل بناء السد العالى بأسوان.

(1) البرزخ: الحاجز بين شيئين (الوسيط واللسان).
(2) إن هذا الحاجز ليس جسما غير الماء. إنما هو تفاوت الثقل النسبي لاختلاف أجزاء الماء المركب منها الماء المالح والماء العذب، فالحاجز حاجز من طعميهما وليس جسما آخر فاصلا بينهما.



(1) "رواسي شامخات": ثابتات سامقات تتجمع على قممها السحب، وتنحدر منها مساقط الماء العذب... (الظلال)، كشف القرآن عن حكمة وجود الجبال قبل . . . العلم الحديث (كالأوتاد)، ونعمة أخرى: نشوء السحب فوقها، وهطول الأمطار والثلوج عليها، فتتكون بسبب ذلك الأنهار والعيون، . . . فالجبال مخازن للثلوج والأمطار . . . فلهذا قرن تعالى بها نعمة المطر، فلله ما أبدع أسرار القرآن (الصفوة).

(2) تجمع هذه الآية أهم ظواهر عواصف البحار، فالمعروف أن عواصف البحار العميقة أو المحيطات تنطلق فيها أمواج مختلفة الطول أو السعة أو الارتفاع بحيث يبدو الموج منطلقا في طبقات بعضها فوق بعض، فيحجب ضياء الشمس لما تثيره هذه العواصف من سحب سميكة تحجب ضوء الشمس ويخيم معها الظلام في سلسلة من عمليات الإعتام، . . . ولما كانت نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم في البادية، فإن ورود الدقائق العلمية على لسانه وحيا من الله دليل على أن القرآن الكريم من عند الله، وعلى أنه معجزة هذا الرسول الكريم (المنتخب).

(3) بدهى أن بعض الحلى من البحر المالح، وقد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدرا للحلي أيضا ولكن العلم والواقع أثبتا غير ذلك؛ فاللؤلؤ يستخرج من صدفيات الأنهار في المياه العذبة، والمعادن العالية الصلابة كالماس . . . في رواسب الأنهار الجافة المعروفة باسم اليرقة . . . والياقوت . . . والأحجار شبه الكريمة للزينة: التوباز، والزركون . . . يقارب خواص الماس (المنتخب).

(4) قبل اكتشاف الأحجار الكريمة في الأنهار العذبة أوَّلَ المفسرون القدامى عبارة (يخرج منهما): أي من مجموعهما، الصادق بأحدهما وهو الملح (انظر أيسر التفاسير).

(1) "اهتزت وربت" وهي حركة عجيبة سجلها القرآن قبل أن تسجلها الملاحظة العلمية بمئات الأعوام، فالتربة الجافة حين ينزل عليها الماء تتحرك حركة اهتزاز وهي تتشرب الماء وتنتفخ فتربو . . . (الظلال).

(2) تشير الآية إلى علوم الأراضي والبيئة وأثرها على صفات النبات فمن المعروف علميا أن التربة الزراعية تتكون من حبيبات معدنية مختلفة المصدر والحجم والتركيب، ومن الماء . . . والهواء . . . ومن المادة العضوية التي يرجع وجودها إلى بقايا النبات والأحياء الأخرى التي توجد على سطح التربة أو في داخلها، وفضلا عن ذلك فتوجد ملايين الكائنات الحية الدقيقة لا ترى بالعين المجردة لصغر حجمها وتختلف أعدادها من عشرات الملايين إلى مئاتها في كل جرام من التربة السطحية الزراعية . . . فالأرض كما يقول الزراعيون بحق تختلف من شبر إلى شبر (المنتخب).

(3) في تعبير القرآن الكريم بكلمة ربوة وهي الأرض الخصبة المرتفعة إشارة إلى ما كشفه العلم الحديث، لأنها بارتفاعها تبعد عن المياه الجوفية فيغوص المجموع الجذري في التربة – من غير ماء يضره – ويتضاعف عدد الشعيرات الماصة فيتضاعف المحصول . . . (المنتخب).

(4) تتفق مع ما وصل إليه العلم أن ذلك وقاية له من التلف بالعوامل الجوية والآفات، وفوق ذلك يبقيه محافظا على محتوياته الغذائية كاملة (المنتخب).

([3]) ويخلق ما لا تعلمون . . . ليظل المجال مفتوحا في التصور البشري لتقبل أنماط جديدة من أدوات الحمل والنقل والركوب والزينة، فلا يغلق تصورهم . . . ولقد وجدت وسائل . . . لم يكن يعلمها أهل ذلك الزمان، وستجد وسائل (الظلال)، ويخلق لكم ما لا تعلمون من تسخير قوى البخار والكهرباء وغيرهما، وهذه من أغرب معجزات القرآن، فإن فيها تنبؤا صريحا بما اخترع في القرنين التاسع عشر والعشرين (المفسر)، وسيخلق ما لا تعلمون من وسائل الركوب وقطع المسافات، مما سخره الله لبني الإنسان، إذا استخدم عقله وفكر به واهتدى إلى استخدام كل القوى (المنتخب)، ما لا تعلمون: من سائر الحيوانات، ومن المركوب هذه السيارات على اختلافها والطائرات والقطر السريعة والبطيئة (أيسر التفاسير).

([4]) طاقة الشمس . . . في النبات بالتمثيل الضوئي في وجود الكلوروفيل (المادة الخضراء) تحول ثاني أكسيد الكربون إلى الكربوهيدات، ومنها يتكون الخشب. . . ومنه الفحم النباتي، ومنه يتكون الفحم الحجري بالحرارة والضغط (التحلل إلى الكربون) . . . ذكر الاخضرار ليس عفوا بل إشارة إلى الكلوروفيل (المنتخب).

نور الإسلام 13-05-2014 07:28 AM

الفصل الرابع
في الكائنات الحية

4/1 عالم الحيوان:
أثبتت دراسات علم الحيوان صحة ما أشار إليه القرآن، من أن مجتمعات الحيوانات تسودها أسس ونظم حياة – كمجتمعات البشر، حتى إن علم الحيوان يقسم المملكة الحيوانية إلى رتب، والرتب إلى فصائل ثم إلى أجناس ثم إلى أنواع، وما زال العلم يكشف المزيد من هذه الأمم برا وبحرا وجوا، مصداقا لقوله تعالى:
)وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ([الأنعام: 38](1).
ومن ناحية أخرى نبه القرآن إلى أنه – بجانب ما كان معروفا من الحيوانات التى تمشي على أربع أو على رجلين أو تزحف على بطنها – فهناك ثمة أنواع أخرى قد يهتدى الإنسان لتركيبها فيما بعد، كالحشرات التى تمشي على ستة أرجل كالذباب والنمل والبعوض، أو على ثمان كالعنكبوت وغيرها كثير، مما هو أصغر وأدق، وهو مالم يتيسر إدراكه إلا بالوسائل الحديثة كالفحص المجهرى بالمجاهر البصرية والمجهر الإلكترونى، تدبر قوله تعالى:
)وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ( [النور: 45](2).
والمتأمل في سلوك الحيوانات والطيور والأسماك والحشرات وغيرها يرى كيف ألهمها الله التعايش والتفاعل مع غيرها من الكائنات؛ وإلى التكيف مع البيئة لتبقى وتتكاثر، بل يرى أيضا كيف ألهمها الله التخاطب فيما بينها بإصدار أصوات أو ذبذبات؛ أمكن تسجيل بعضها بقدر ما تتيحه أجهزة قياس الذبذبات؛ ثم الاجتهاد في فك رموزها وتفسير معانيها:
)قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ( [طه: 50] (3).
)الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى( [الأعلى: 2،3](4).
ويتجلى هدى الله لكائناته، وإعجاز قرآنه في إشاراته عند التأمل في عالم النمل وعالم النحل.

4/2 النمل:
توصل علماء الحيوان إلى معرفة الكثير من أوجه الشبه بين سلوك النمل وسلوك الجماعات الإنسانية: التعاون في بناء البيوت وفي شق الأنفاق؛ وفي ادخار الطعام في الصيف تحسبا لفصل الشتاء، وقضم طرف البذور حتى لا تعاود الإنبات وتتلف لو تسرب إليها مطر الشتاء، ثم اللغة والتخاطبُ؛ التي كشفتها تجارب حديثة، حيث راقب أحد العلماء مجموعة من النمل عثرت إحداها على جثة ذبابة، فأخذت تدور حولها وتتحسسها وتحاول رفعها لعدة دقائق، ثم تركتها وسارت بعيدا حيث قابلت أكثر من نملة، كانت تتوقف عندها كأنها تحدثها، وفي آخر المطاف عادت ومعها مجموعة حاشدة من النمل، تعاونت في رفع الذبابة من مكانها وحملها بعيدا إلى مساكنهم. قال تعالى:
)حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ. فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ( [النمل: 18،19].
ذلك ما كان من شأن سيدنا سليمان الذي علمه الله كيف يفهم لغة كثير من الكائنات:
)وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ( [النمل: 16].

4/3 النحل:
حكى القرآن عن نظامه الدقيق وعمله الدءوب، ودورة غذائه على مختلف النباتات، ليخرج العسل أنواعا وأنواعا، كما أشار إلى إلهام المولى تعالى للنحل أن تجمع الرحيق من مختلف الأزهار والثمار، ثم تحوله في داخلها إلى عسل مختلف لونه وطعمه، ليخرج من باطنها سائغا له فوائد جمة، وبه شفاء كثير من الأمراض، وهو ما عرفه الإنسان – بعد ذلك- بالدراسة الدقيقة والمتابعة المتأنية والبحوث المفصلة حول حياة النحل وإنتاج العسل (انظر أيضا: عسل النحل)، كما كشف القرآن عن تنوع مساكن النحل، والتي بينتها الحفريات القديمة: في الجبال؛ وفي جذوع الأشجار الجوفاء قبل ظهور الإنسان، ثم المناحل التي صنعها الإنسان، كل ذلك جمعته الآيتان التاليتان في كلمات وجيزة مركزة:
)وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( [النحل: 68،69](1).
تشير هذه الآية الثانية أيضا إلى عجيبة من عجائب النحل – بهدى المولى سبحانه وتعالى – والتي بينتها الدراسات، ألا وهي المسافات الشاسعة التي تقطعها النحلة بعيدا عن الخلية بحثا عن مصادر الرحيق، دون أن تضل الطريق – ذهابا أو إيابا، واهتدائها إلى تلك المصادر المناسبة بالنظر وبالشم وبالذوق، ثم تبادل النحل المعلومات عن تلك المصادر: بالتخاطب الصوتي وبالرقص الذي تحمل كل حركة فيه دلالة معينة، تنبئ عن نوع المصدر واتجاهه وبعده عن المكان.

4/4 منابع اللبن:
تأمل إعجاز الدقة في الوصف الفسيولوجي والتشريحي لمنبع اللبن في الأنعام، كالأبقار والجاموس، والتي أكدها العلم بعد قرون عديدة من التنزيل الحكيم، إذ تتوزع نواتج الهضم في الأنعام بين: الدم إلى العروق، واللبن إلى الضروع، والروث إلى المخرج، وكان ذلك أيضا قبل اكتشاف كيفية التمثيل الغذائي والدورة الدموية، بقرون عديدة:
)وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ( [النحل:66](2).
والفرث: بقايا الطعام في كرش الأنعام.
وتأمل أيضا إشارة القرآن ثم إشادة المصطفى صلى الله عليه وسلم بفضل اللبن ومنتجاته، كمصدر أساسي عظيم للتغذية؛ يطلق عليه: "الغذاء الكامل":*(من سقاه اللهُ لبناً فليقل: "اللهم بارِكْ لنا فيه وزِدْنا منه"، فإني لا أعلمُ ما يُجْزِئُ مِنْ الطعامِ والشرابِ إلاَّ اللَّبَن) (أبو داود وابن ماجة وأحمد).
*(إِن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ داءً إلاَّ وَضَعَ له شِفاءً فَعَلَيْكُ بأَلبْانِ البَقَرِ فإنَّها تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَر) (أحمد).

4/5 زوجية الكائنات الحية:
كشف المجهر الإلكتروني أن كل الكائنات الحية – مهما دَقَّت- أزواج، بل إن المكونات الحيوية – على مستوى الخلية أو أدنى – أزواج، فالكروموسومات التي تحمل الصفات الوراثية بالخلية ما هي إلا أزواج من الشرائط التي تتوزع عليها الأحماض الأمينية، والنطفة "الأمشاج" خليط من بويضة وحيوان منوي، والحيوانات المنوية نوعان: أحدهما يحمل الصفات الوراثية المذكَّرة والآخر الصفات المؤنَّثة، ومسببات الأمراض من ميكروبات وفيروسات وبكتريا لكل منها أجسام مضادة:
)وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ([الذاريات: 49].
وليس عالم الحيوان وحده أزواج، بل عالم النبات كله أزواج كذلك؛ بينما لم تعرف العرب وقت نزول القرآن من أزواج النبات سوى النخيل، ولم يعرف البشر إلا بعد اكتشاف المجاهر أن للنباتات كغيرها من الكائنات الحية: أعضاء تذكير (السِّدات) وأعضاء تأنيث (المبيض)، وأن الرياح وغيرها من العوامل تحمل حبوب اللقاح إلى الجنس المخالف ليتم التكاثر، كما جاء في الآية السابقة وفي الآية التالية:
)وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ([الرعد: 3](1).
وثبت بذلك إعجاز جديد للقرآن الكريم الذي أكد زوجية كل الكائنات.

الفصل الخامس
في خلق الإنسان



5/1 الوراثة:
تتحدد صفات الخلية الحية بما تحمله من كروموسومات، والكروموسومات بناء من البروتينات والأحماض الأمينية الأربعة: أدينين، ثيامين، جوانين، سيتوزين، مرتبة في الفراغ على هيئة شريطين حلزونيين ملتفين حول بعضهما، وتحمل الكروموسومات الشفرة التي توجه نشاط الخلية وانقسامها وما إلى ذلك، تبعا لترتيب الأحماض الأمينية على امتداد الشريطين في الفراغ، ومن المعروف أن الجنين يتكون من اتحاد خلية واحدة من الذكر (الحيوان المنوي) وخلية واحدة من الأنثى (البويضة)، ومن هنا فإن الصفات الوراثية تتحدد بكل من كروموسومات الأب وكروموسومات الأم، 50% لكل منهما، ويتم ذلك ابتداء من النطفة الأولى التي تجمع بين الحيوان المنوي والبويضة: النطفة الأمشاج أي الخليط، والمشيج: كل شيئين مختلطين، حيث تتشكل الجينات للمخلوق الجديد مصداقا للآية:
)إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا( [الإنسان: 2[،
وفي الحديث أيضا:
*(أن يهوديا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه فقالت قريش: يايهودي إن هذا يزعم أنه نبي، فقال: لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي، فقال: يا محمد مم يُخْلَق الإنسان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا يهودي من كُلٍّ يُخْلَق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة) (أحمد).
ومن ناحية أخرى فإن السائل المنوي في حد ذاته أمشاج من عدة مكونات: الحيوانات المنوية من الخصيتين، وإفراز الحويصلات المنوية، وسائل البروستاتا، وإفرازات غدد كوبر وغدد ليترى، وسنرى بعد ذلك آية أخرى من آيات الإعجاز في القرآن بإشارته إلى أن جنس المولود إنما يتحدد بنوع الحيوان المنوي الذي يصيب البويضة. وهناك صفات وراثية قد لا تظهر في الجيل الأول من الأبناء، ثم تظهر بعد جيلين أو ثلاث يطلق عليها الصفات الوراثية المتنحية، وقد هدى الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نَفْىَ ولده، لأن امرأته ولدت غلاما أسود، فقال له صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حُمْرٌ، فقال صلى الله عليه وسلم: هَلْ فيها من أَوْرَق (أي أسود) قَالَ: إن فيها أَوْرَقًا، قال: فأني تُرَى ذلك جاءَها؟ قال: يا رسولَ اللهِ عِرْقٌ نَزَعَهَا، قال: ولَعَلَّ هذا عِرْقٌ (البخاري ومسلم).

5/2 المني:
أشار القرآن الكريم إلى مصدر المني في جسم الإنسان إشارة لم يفهمها الأقدمون، إلى أن قدمت المعارف الطبية الحديثة بيانا شافيا لها، جاء في الذكر الحكيم:
)فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(
[الطارق: 5-7](1).
وبيان ذلك أن الخصيتين (وكذلك مبيضا الأنثى) تنشآن في الجنين بين الخلايا الغضروفية المكونة لعظام العمود الفقري أي "الصلب"، وتلك المكونة للصدر "الترائب" (انظر: تطور الجنين)، وذلك قبل نزول الخصيتين إلى موضعهما المعتاد في الشهر السابع، وتظل الخصيتان تستمدان الماء والغذاء من الشريان المغذي لهما، المتفرع من الشريان الأورطى بحذاء الشريان الكلوي، كما يتحكم في نشاطهما: العصب الصدري العاشر الذي ينبع من النخاع بين الضلع العاشر والحادي عشر، وقد فسر الأقدمون "الصلب والترائب" خطأ على أنها صلب الرجل وترائب المرأة، ولو كان الأمر كذلك لكان التعبير: "من الصلب ومن الترائب" وليس "من بين الصلب والترائب".

5/3 جنس الجنين:
بالسائل المنوي عشرات الملايين من الحيوانات المنوية، وهذه الكائنات خلايا وحيدة متماثلة كل التماثل في كروموسوماتها الأربع والعشرين عدا واحدا: هو الكروموسوم المحدد للجنس، وهو إما مذكر يرمز له بالرمز Y أو مؤنث يرمز له بالرمز X، أما بويضة الأنثى فهي الأخرى خلية وحيدة، كروموسوماتها ثلاث وعشرون إلى جانب الكروموسوم الأخير المحدد للجنس وهودائما مؤنث X. عند التقاء الذكر بالأنثى تتدافع ملايين الحيوانات المنوية نحو البويضة، والحيوانات المنوية المذكرة Y أكثر حيوية وسرعة من المؤنثة، فإذا سبقت كان الحمل ذكرا، وإلا اجتمعت الصفات المؤنثة مع الصفات المؤنثة للحيوان المنوي X فكان الحمل أنثى، ومن هنا أثبت علم الوراثة الحديث أن جنس المولود إنما يحدده في المقام الأول الحيوان المنوي، ويتفق ذلك مع سياق الآيات التي ربطت بين المني وبين جنس المولود، بشكل يؤكد إعجازها:
)وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى([النجم: 45، 46[(1)
)أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى([القيامة:37-39[.
كما رأينا: تبدأ الحياة بالتقاء بويضة وحيوان منوي. تحمل الأنثى في كل دورة شهرية بويضة جديدة صالحة للإخصاب بالسائل المنوي، الذي يضم في القذفة الواحدة عشرات الملايين من الحيوانات المنوية التي قد يصل عددها إلى 350 مليونا، ومن كل هذه الملايين لا ينجح إلا واحد فقط في إخصاب البويضة، وهنا نجد روعة الدقة العلمية في اختيار القرآن لتعبير "نطفة مِنْ" مني يمنى، فالنطفة مقدار ضئيل للغاية (النطفة لغة: القطارة والقليل من الماء، ونطف الماء: قطر) من ذلك الماء – وليس كل الماء أو معظمه الذي يقوم بالإخصاب، كما عبرت بذلك الآيات، وأكد ذلك أيضا – بعلم من المولى عز وجل – المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه:
*(ما مِنْ كُلِّ الماءِ يكونُ الوَلَدُ، وإذا أرادَ اللهُ خَلْقَ شَيءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيء) (مسلم).
ومن ناحية أخرى فإن ارتباط جنس المولود بحيوان معين ضمن ملايين الحيوانات يقطع باستحالة التنبؤ – فضلا عن التحكم – في جنس نطفة تحملها أنثى، كما ثبت أن جنس المولود الجديد لا يتحدد ولا يظهر قبل ستة إلى سبع أسابيع، مما يؤكد عجز العلم من جهة، وإعجاز قدرة الله تعالى، الذي خص نفسه بمعرفة ما تغيض الأرحام، كما جاء في أكثر من آية:
)اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ(
[الرعد: 8].
)...وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ...( [الحج: 5].
)إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( [لقمان: 34[.
)وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير([فاطر: 11].
)إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا ءَاذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ([فصلت: 47].

5/4 تطور الجنين:
من أبلغ آيات الله المبهرات في كتابه الكريم ذلك الوصف التشريحي الدقيق لمراحل تكون الجنين منذ كان نطفة، تطورت إلى علقة ثم إلى مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم نشأت فيها العظام وكسيت لحما، حتى بدايات الحركة والحياة قبل الخروج إلى العالم، وكذلك ذكر ما يحفظ الجنين في قرار مكين. أنَّي لأمم لم تعرف شيئا من علم التشريح ولا الفحص المجهري للكائنات المتناهية الصغر، ولم تملك زمامه لقرون طوال أن تدرك مغزى ما أنبأها به العليم الحكيم.
ولنبدأ القصة من أولها: في منتصف كل دورة شهرية يفرز مبيض الأنثى خلية واحدة هي البويضة التي اكتمل نموها، فتدفعها إلى قناة فالوب، حيث يتاح لها – في الظروف الملائمة أن يصيبها حيوان منوي (وهو الآخر خلية وحيدة) لها رأس وذنب، "يتعلق" في جدار البويضة وينشب فيها، وهنا تندفع البويضة الملقحة (خليط البويضة والحيوان المنوي) إلى داخل الرحم، حيث "تتعلق" بجداره بواسطة خلايا "أكالة"، وتتخذ شكل دودة العلقة الممتلئة دما، مصداقا لقوله تعالى في أول ما نزل من القرآن: )خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ( [العلق: 2[(1).
والعلق لغة: كل ما علق، وعَلِقَ بالشيء عَلًَقاً وعَلِقَه: نَشِب فيه، ورغم ذلك لم يدرك المفسرون القدماء حقيقة الحيوان المنوي "المتعلق" بجدار البويضة، ليتكون منه الجنين "المتعلق" هو الآخر بجدار الرحم، فصرفوا المعنى إلى أن العلقة كناية عن الدم المتخثر (ربما لما كان يشاهد في حالات الإجهاض المبكر)، ثم عبرت الآيات بوضوح عن كون العلقة مرحلة محددة من مراحل نشأة الجنين، كما جاء في قوله تعالى:
)يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْمَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَمِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ([الحج:5[(2)
)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ( [المؤمنون:13، 14] (3).
منذ اللحظة الأولى لتلقيح البويضة تبدأ الخلية (الخليط) في النمو عن طريق سلسلة مستمرة من الانقسامات، ويستمر نمو العلقة – التي لا تُرى بالعين في بدايتها – إلى أن تتخذ شكل قطعة من اللحم الممضوغ، والتي يعبر عنها أبلغ تعبير لفظ "مضغة"، ثم رويدا رويدا تأخذ المضغة في التشكل وفق نظام معقد مبهر، لكل خلية فيه وظيفة محددة ودور معلوم، وهنا تتضح معالم أعضاء الجسم شيئا فشيئا، وذلك وجه لفهم الفرق بين المضغة "المخلقة" و "غير المخلقة"، وقد يفهم الفرق بوجه آخر – وذلك على مستوى الخلايا – فالخلايا نوعان: منها ما يساهم في تكوين أعضاء الجسم الداخلية والخارجية المعينة – أي أنها "تتخلق" لوظيفة محددة، ومنها ما يظل منذ البداية ثم طوال حياة الإنسان، خلايا غير متميزة تتجدد باستمرار لتلبي احتياجات الجسم عند الجروح أو الكسور فتصبح خلايا دم أو عضلات أو غيرها.
ثم يستمر نمو الجنين على ثلاثة محاور: الخلايا الخارجية تتحول إلى " الجلد والجهاز العصبي"، والخلايا الوسطى تتحول إلى "عظام"، تبدأ كمادة غضروفية تترسب حولها مادة العظم، ثم تكسى باللحم: "فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما"، أما الخلايا الداخلية فتتحول إلى عضلات وأوعية وأحشاء داخلية.
تتحدد المعالم الكاملة للجنين في نهاية الأسبوع السادس، كما يكتمل تركيب المخ بأجزائه ومعالم الجهاز الهضمي، وكذلك معالم الوجه كالعينين والأنف والأذنين، ومعالم الأطراف من يدين ورجلين وأصابعهما، وجنس الجنين ذكرا أم أنثى.
هذه هي الأطوار التي يمر بها الجنين كما فصلتها الآيات السابقة، وكما أجملها قوله الحق تعالى:
)وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا( [نوح: 14](1).

5/5 القرار المكين:
يستمر نمو الجنين في قراره المكين إلى الوقت المعلوم، ويسبح طوال ذلك في سائل مائي به كل السكريات والبروتينات والأملاح غير العضوية التي يحتاجها. يحفظ السائل غشاء متين هو الغشاء الأمنيوني، ويتلقى السائل الأمنيوني غذاءه من الأم عن طريق طبقة ثانية هي غشاء المشيمة (الذي كان بادئ الأمر: جدار البويضة الملحقة الذي تعلق بجدار الرحم ثم ظل ينمو بنمو الجنين)، يقوم غشاء المشيمة بشكل انتقائي بنقل الأغذية والأكسجين من جدار الرحم إلى السائل الأمنيوني، كما يلفظ فضلات الجنين كالبولينا وثاني أكسيد الكربون، أما الغشاء الثالث فهو الغشاء المبطن للجدار الداخلي للرحم (الغشاء الساقط) وقد تضخم إلى غشاء اسفنجي امتلأ بالدم الذي يخدم العمليات الحيوية للجنين. استقرار جنين في رحم أم تسعى وتشقى وتتعرض لشتى عوارض الحياة طوال أشهر تسع، معجزة من معجزات الخلق، والإشارة إلى ذلك بعبارة ) فِي قَرَارٍ مَكِينٍ( [المؤمنون: 13[(2) دليل على صدق القائل العليم. لقد حار القدماء في مغزى ذلك "القرار" حتى تبين لنا بالعلم أنه قرار بلغ من عظمة التصميم وحكمة الخلق ذروته، فمن ذلك وضع الرحم في عظام "الحوض الحقيقي"، وربطه بواسطة عضلات بجدارن الحوض (مع استمرار النمو الكبير للجنين)، ومؤازرته بعضلات الحوض والعجان (نسيج ضام يربط عنق الرحم بالمثانة من ناحية، وبالمستقيم من ناحية أخرى)، وغير ذلك مما يحمى الجنين، كالأغشية الثلاث التي أشرنا إليها من قبل، والسائل الأمنيوني الذي يسبح فيه الجنين فلا يتأثر بحركة الأم، والذي يمنع الأغشية من الالتصاق بالجنين عند الولادة، كما يوسع – لكونه جيبا للمياه – عنق الرحم ليخرج الوليد إلى النور بسلام.

5/6 الظلمات الثلاث:
صدق المولى عز وجل من قائل:
)يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ( [الزمر: 6]1).
وقد اختلف العلماء والمفسرون في تحديد تلك الظلمات الثلاث وأقربها إلى الصواب – الذي يتفق مع مراحل "خلق" الإنسان ومع معنى "الظلمة" – أنه:
1. المبيض الذي يختزن بويضات الأنثى إلى حين انطلاقها.
2. قناة فالوب التي يتم فيها التلقيح – بمشيئة الله – وبداية الحمل، ثم:
3. الرحم الذي ينمو فيه الجنين حتى يرى النور.
ومن العلماء من رأى أن الظلمات الثلاث هي الغشاء الأمنيوني، ثم المشيمة، ثم الغشاءالساقط، ولكن هذه لا ينطبق عليها لفظ "ظلمة".
ومن السلف وبعض المفسرين من رأى المقصود بالظلمات الثلاث: جدار البطن والرحم والمشيمة، إلا أن ما ذكرناه أولا من مواضع هي المتعلقة فعلا بالجنين وتطوره خلقا بعد خلق، ثم ينتهي دورها بخروج المولود إلى النور.

5/7 الروح:
الروح كيان يميزالحي عن الميت ولا يجادل في وجودها أحد ولكن ما هو ذلك الروح، الذي يجعل القلب ينبض تلقائيا، وهو بعد مضغة وجنين في ظلمات الرحم، ويجعل المخ يعمل ويتلقى الرسائل ثم يلقى الأوامر إلى كل خلية من خلايا الجسم في نظام رائع متشابك، وهو أيضا الروح الذي بخروجه – لسبب أو لغير سبب مفهوم – تنتهي الحياة، لقد تحدى الله البشر أن يدركوا من أمرها شيئا:
)وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ا( [الإسراء: 85].
وقد مرت قرون ظن فيها بعض بني البشر أنهم قد أوتوا من كل شيء علما، ولكن أحدا منهم لم تأته بعد بارقة من معرفة بكنه الروح التي اختص الله تعالى نفسه بعلمها، تحد قائم مازال معجزا حتى هذا الزمان وفي كل زمان.

5/8 الجلد:
الجلد مركز الإحساس بالألم لوخز أو حرق أو ما إلى ذلك، ذلك أمر معروف، تفسيره العلمي أن أعصاب الجلد تنقل إشارات إلى مراكز الإحساس بالمخ، أما ما لم يعرفه البشر إلا حديثا فهو أن الإنسان يفقد إحساسه بالألم عندما تتلف أعصاب الجلد هذه بمؤثرات كالحرق أو الجذام، وقد أنذر القرآن الكريم الكافرين والمنافقين؛ والعاصين المصرِّين، بالخلود في نار جهنم، وهناك – كى يتجدد إحساسهم بالألم ولا يفتر عنهم العذاب – تبدل جلودهم أولا بأول، كما جاء في قول الخالق العليم:
)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا[النساء: 56](2).

5/9 البصمات:
إن الخطوط المميزة لبصمات الأصابع، والتي لا تتكرر بين إنسان وإنسان، في أي زمان أو مكان، حقيقة علمية لم يكتشفها الطب الشرعي إلا في القرن التاسع عشر، ليعتمد عليها علم الجريمة بعد ذلك في كشف الجرائم، ومن هنا كان إعجاز القرآن – في معرض الرد على منكري البعث – بالتنويه بقدرة الله تعالى في تسوية؛ ثم إعادة تسوية، أطراف الأصابع (البنان) بأدق تفاصيلها المتميزة لكل إنسان، ذلك البنان الذي يبدو – لمن لا يعلم- ضئيل الشأن، لا يستحق في القرآن ذكرا، بينما هو دليل على دقة الله في خلقه، والتي لا يدرك قدرها إلا العالمون، واختصاص البنان بالذكر في الآية آية على عِلْم مُنْزِل القرآن العظيم:
)أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ( [القيامة: 3، 4](1).

5/10 المناعة:
أظهر الطب الحديث الدور المعقد والرائع لكل من المناعة الطبيعية والمكتسبة، وتتمثل المناعة الطبيعية في الإفرازات السطحية المقاومة للبكتريا في الجلد وفي الأغشية المخاطية، وفي مواد مضادة للبكتريا في الأنسجة وسوائل الجسم؛ وفي خلايا الدم الملتهمة (من كرات الدم البيضاء وبعض أنواع البكتريا داخل الجسم) التي تقاوم البكتريا المعادية، أما المناعة المكتسبة فتتمثل في الأجسام المضادة والخلايا المضادة، وقال في ذلك عز من قائل:
)إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ( [الطارق: 4].
ولقد فهم العلامة ابن كثير في تفسيره الشهير الذي أخرجه في القرن الثامن الهجري من هذه الآية أن "كل نفس عليها من الله حافظ يحفظها من الآفات"، دون أن يعرف هذه التفاصيل الحديثة التي فصلتها تجريبيا دراسة الميكروبيولوجيا. آية أخرى للإعجاز القرآني.

5/11 السمع:
تكرر في القرآن تقديم "السمع" على "البصر" (15 آية) ولذلك مغزى طبي عميق إذ يتسق مع ترتيب اكتساب الحواس لدى الإنسان بعد ولادته في مثل قوله:
)وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( [النحل:78[.
كما يتسق تقديم السمع على البصر مع الحقائق الآتية:
- استمرار حاسة السمع؛ دون البصر، ليلا ونهارا حتى أثناء النوم.
- الأهمية النسبية للسمع عن البصر في التلقي والفهم والحفظ والتفاعل الاجتماعي.
كما عبر الحديث الصحيح عن بداية تكوين أعضاء السمع بلفظ غاية في الدقة وهو شق السمع، في قوله صلى الله عليه وسلم:
*(سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَه) (مسلم).
ومن المعروف أن قناة السمع الخارجية تتشكل في الجنين ثم تغلق، وتظل كذلك حتى الشهر السابع حيث تنشق لتبدأ حاسة السمع في العمل، وكذلك تنشق عدسة العين المغطاة حينئذ بالمحفظة العدسية الوعائية التي تتخللها أوعية دموية تضمر في الشهر السابع فتنشق في وسطها فتحة: هي حدقة العين، ثم تنشق الجفون الملتصقة.

5/12 شدة الصوت:
حواس الإنسان قد خلقها الله وحدد مداها الذي لا تحيد عنه، فنحن نرى الأشياء التي ينعكس منها ضوء طوله الموجى منحصر بين الأشعة الحمراء في الجانب الأطول والأشعة البنفسجية في الجانب الأقصر فحسب، ولكننا لا نرى الموجات الأطول (كالأشعة تحت الحمراء)، ولا الأقصر (كالأشعة فوق البنفسجية والسينية والكونية)، وكذلك السمع له حدوده فلا تدرك الأذن من الأصوات إلا ما كانت ذبذباته في المدى المسمى بالموجات الصوتية، بينما لا نشعر بموجات اللاسلكي ولا الموجات فوق الصوتية، وحساسية الأذن أيضا حساسية محدودة لشدة الصوت، فلا تميز الأصوات لو قلت شدتها عن 10-12 وات/م2 (بداية مقياس الديسيبل)؛ ولا تتحمل الأصوات التي تزيد شدتها عن 200 ديسيبل، ولو زادت لصعق الإنسان ومات على الفور، وذلك بيان صادق لقوله تعالى فيما يصف به قيام الساعة:
)وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ( [الزمر: 68[.
فالأولى صعق بشدة الصوت لمن كان حيا يومئذ، والثانية بعث وإعادة للخلق، كما خلق الإنسان أول مرة من عدم، بأمر الله تعالى وقدرته.
كما جاء في هول صيحة القيامة آيات كثيرة منها:
)إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ( [يس: 29[.
)وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ( [ص: 15].
وجاء أيضا ذكر الصعق بشدة الصيحة في قصة ثمود، قوم صالح عليه السلام، في عدة آيات منها: (هود/67، هود/94، الحجر/73، الحجر/83، المؤمنون/41، القمر/31).



(1) وهي حقيقة هائلة، لا تستطيع ملاحظاتهم وحدها حينذاك – حيث لم يكن لهم علم منظم - أن تشهد بها: حقيقة تجمع الحيوان والطير والحشرات من حولهم في أمم (الظلال)، تنتظم الكائنات الحية في مجموعات يختص كل منها بصفات تكوينية ووظيفية وطبائع مميزة... وهذا ما يكشفه علم التصنيف كلما تعمق في دراسة نوع منها (المنتخب).

(2) "يخلق الله ما يشاء": إذ بعض الحيوانات لها أكثر من أربع (صفوة التفاسير).

(3) كل شيء مخلوق ومعه الاهتداء الطبيعي الفطري للوظيفة التي خلق لها (الظلال)، أودع الله سبحانه وتعالى في كل شيء صفاته الخاصة التى تؤهله لأداء وظيفته التي خلق لها في هذه الحياة ( المنتخب ).

(4) وهذه الحقيقة الكبرى ماثلة في كل شيء الذرة. . . الخلية الحية. . . الكائنات الحية. . . المجموعة الشمسية (الظلال)، فسوى خلقه، وقدر. . . تقديرا مناسبا للحكمة، ومؤديا للأغراض التي خلقه من أجلها على أحسن حال (المفسر).

(1) بيوت النحل في ثلاثة: في الجبال وكواها، ومتجوف الأشجار، وما يعرش لها من الأجباح والخلايا والحيطان، وعَرَشَ يَعْرِش: إذا بنى عريشا من الأغصان والخشب، ومن عجيب ما ألهم الله النحل أنه يجعل بيوته مسدسة الشكل (أيسر التفاسير).

(2) الحقيقة العلمية التي يذكرها القرآن عن خروج اللبن من بين فرث ودم لم تكن معروفة لبشر، وما كان لبشر في ذلك العهد ليتصورها فضلا أن يقررها بهذه الدقة العلمية الكاملة. . . ووجود حقيقة من نوع هذه الحقيقة يكفي وحده لإثبات الوحي من الله بهذا القرآن (الظلال)، توجد في ضروع الماشية غدد خاصة لإفراز اللبن تمدها الأوعية الشريانية بخلاصة مكونة من الدم؛ والكيلوز وهو خلاصة الغذاء المهضوم، وكلاهما غير مستساغ طعما، ثم تقوم الغدد اللبنية باستخلاص العناصر اللازمة لتكوين اللبن. . . (المنتخب)، فسبحان ذي القدرة العجيبة والعلم الواسع والحكمة التي لا يقادر قدرها (أيسر التفاسير).

(1) حقيقة لم تعرف للبشر عن طريق علمهم وبحثهم إلا قريبا: هي أن كل الأحياء وأولها النبات تتألف من ذكر وأنثى، حتى النباتات التي كان مظنونا أن ليس من جنسها ذكور تبين أنها تحمل في ذاتها الزوج الآخر، فتضم أعضاء التذكير والتأنيث مجتمعة في زهرة، أو متفرقة في العود (الظلال)، النباتات الزهرية المثمرة جميعها تنتج من تزواج عناصرالذكورة والأنوثة سواء أكانت تلك العناصر في زهرة واحدة أو في زهرتين مختلفتين (المنتخب).

(1) الصلب فقار الظهر (الوسيط)، وكل شيء من الظهر فيه فقار فذلك الصلب (اللسان)، والترائب عظام الصدر مما يلي الترقوتين (الوسيط)، الدراسات الجنينية الحديثة أن نواة الجهاز التناسلي والجهاز البولي في الجنين تظهر بين الخلايا الغضروفية المكونة لعظام العمود الفقري وتلك المكونة لعظام الصدر، وتبقى الكلى في مكانها وتنزل الخصية إلى مكانها الطبيعي في الصفن عند الولادة. . . الشريان الذي يغذيها بالدم. . . كما أن العصب الذي ينقل الإحساس إليها يساعدها على إنتاج الحيوانات المنوية وما يصاحبها من سوائل. . . وواضح من ذلك أن الأعضاء التناسلية وما يغذيها من أعصاب وأوعية دموية تنشأ في موضع في الجسم بين الصلب والترائب (المنتخب).

(1) النطفة: القليل من الماء (اللسان)، ونطف الماء: قطر، والقربة تنطف أي تقطر (الصحاح) والنطفة من معانيها القطرة (الوسيط).

(1) العلق: كل ما علق (الوسيط)، وقال اللحياني: النُّشوب في الشيء يكون في جبل أو أرض أو ما أشبههما. والعلق في الثوب: ما عَلِق به، وأصاب ثوبي عَلق بالفتح، وهو ما عَلِقَه فجذبه (اللسان)، والعلقة: دودة في الماء تمص الدم!! (الصحاح)، العلقة الدودة الصغيرة، وقد أثبت الطب الحديث أن المنى محتوى على (حيوانات وديدان صغيرة) لا ترى بالعين وإنما بالمجهر الدقيق وأن لها رأسا وذنبا (الصفوة)، العلق اسم جمع واحدُهُ علقة. . . كانت. . . نطفة ثم تطورت إلى علقة تعلق بجدار الرحم (أيسر التفاسير).

(2) المضغة: القطعة الصغيرة من اللحم (الوسيط)، مخلقة: قد بدا خلقها، وغير مخلقة لم تصور (اللسان) حيوان واحد هو الذي يلقح البويضة. . . المضغة، وهي قطعة من دم غليظ لا تحمل سمة ولا شكلا ثم تخلق فتتخذ شكلها بتحولها إلى هيكل عظمي يكسى باللحم (الظلال).

(3) هنا يقف الإنسان مدهوشا أمام ما كشف عنه القرآن. . . لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيرا بعد تقدم علم الأجنة التشريحي. . . خلايا العظم غير خلايا اللحم، وقد ثبت أن الخلايا العظم هي التي تتكون أولا في الجنين، ولا تشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا العظم وتمام الهيكل العظمي. . . (الظلال)، وقد أثبت علم الأجنة والتشريح أن النطفة في طورها الثاني تعلق بجدار الرحم طيلة طورها الثاني فهي بمعنى عالقة ولا منافاة بين كونها علقة وعالقة (أيسر التفاسير).

(1) والذي عليه أكثر المفسرين أنها الأطوار الجنينية من النطفة إلى العلقة. . . ويمكن أن يكون مدلولها ما يقوله علم الأجنة. . . في أول أمره يشبه (الجنين) حيوان الخلية الواحدة ثم المتعدد الخلايا ثم شكل حيوان مائي. . . ثم ثديي. . . الشكل الإنساني، وهذا أبعد من إدراك قوم نوح، فقد كشف هذا حديثا جدا. . . وقد تكون لها مدلولات أخرى لم تكشف للعلم بعد. . . ولا نقيدها (الظلال)، أي حالا بعد حال فطَوْرًا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة (أيسر التفاسير).

(2) "في قرار مكين": ثابتة في الرحم الغائرة بين عظام الحوض، المحمية بها من التأثر باهتزازات الجسم، ومن كثير مما يصيب الظهر والبطن من لكمات وكدمات، ورجات وتأثرات. . . (الظلال).

(2) تدل على شدة العذاب. . . بدليل ما تقرره الحقيقة العلمية من أن الأعصاب المنتشرة في طبقات الجلد هي أكثر الأعصاب حساسية لمختلف المؤثرات من حرارة وبرودة (المنتخب).

(1) ذكر البنان لما فيها من غرابة الوضع ودقة الصنع، لأن الخطوط والتجاويف الدقيقة. . . لاتماثلها خطوط أخرى. . . معجزة علمية (الصفوة)، أثبت العلم الحديث أنه لا تتشابه بصمتا بنانين (المنتخب)، كما نحن قادرون على تسوية تلك الخطوط الدقيقة في الأصابع والتي تختلف بين إنسان وإنسان اختلاف الوجوه والأصوات واللهجات (أيسر التفاسير).

نور الإسلام 13-05-2014 07:28 AM

الفصل السادس
الطب البشري


6/1 الطعام:
علمنا الهدى القرآني والمدرسة النبوية – قبل أن يكون ثم مدارس وطب حديث – مضار الإسراف في الطعام، وفضل الاعتدال في المأكل والمشرب، وتنظيم أوقات الوجبات، وذلك كله أساس الصحة والنشاط؛ وعماد كل علاج، بل إن القدر الرئيسي مم يستهلكه عالم اليوم من دواء إنما يتعلق بأمراض مصدرها الجهاز الهضمي أو شاركت في استفحالها أسباب غذائية، بينما علمنا الإسلام منذ قرون، قال تعالى:
)يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( [الأعراف: 31](1).
وقال صلى الله عليه وسلم:
*(المؤمن يأكل في مِعًيٍ واحِدٍ والكافِرُ يَأْكُلُ في سَبْعَةِ أَمْعاء) (البخاري ومسلم).
*(ما مَلأَ آدَمِيٌّ وِعاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كانَ لا مَحالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ وثُلُثٌ لِشَرابِهِ وثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) (الترمذي).
*(إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا في الدُنْيا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ القِيامَة) (ابن ماجة).
*(أَصْلُ كُلِّ داءٍ البَرَدَة (أي التخمة) (السيوطي في الجامع الصغير).
كما علمنا الرسول الكريم أيضا الأسلوب الصحي لتناول الطعام، كيف نجلس:
*(لا آكُلُ مُتَّكِئًا) (البخاري).
*(مارُئِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مُتَّكِئًا قَطُّ) (أبو داود وأحمد).
وكيف نتأني في ابتلاع الطعام، وذلك لإعطاء هواء المعدة فرصة الخروج؛ فيجنب المرء ما قد يصيبه من انتفاخ في المعدة والقولون؛ أو صعوبة في الهضم وفي التنفس:
*(لا تَشْرَبُوا واحِدًا كَشُرْبِ البَعِيرِ ولَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وثُلاثَ، وسَمُّوا إذا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، واحْمِدُوا اللهَ إذا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ) (الترمذي).

6/2 الصيام:
الصوم أفضل العبادات ثوابا لدى المولى عز وجل، وهو مدرسة الصبر والجَلَد، وقد بين الطب الحديث ما للصوم من فوائد طبية: سواء كعادة غذائية سنوية كل رمضان، أو كنافلة لمن يستزيد من فضل الله ورضاه.
تمتد فوائد الصوم من: تقليل مضار السمنة وسكر الدم؛ والزلال عند السيدات، إلى تخفيف حدة أمراض القلب وتصلب الشرايين؛ وما يصحبها من تضخم حجرات القلب وتورم الساقين والقدمين، إلى راحة المعدة والقولون وتحسين الهضم وزيادة فاعلية العقاقير والمساعدة على تفتيت الحصوات، إلى تجديد الخلايا بشكل عام والقضاء على البؤر الصديدية، إلى جانب ما يصحب الصيام من تنشيط الذهن وتخفيف التوتر النفسي وضغط الدم، فلم يكن عجيبا في يومنا هذا أن تنشأ مصحات في بلاد مختلفة تعالج الناس بالصوم:
)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[البقرة: 183-185].
تؤكد هذه الآيات ما في الصيام من فوائد لا يعلمها إلا الله ومن يعلمون (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون).
المتأمل في توقيت صوم رمضان يرى الحكمة في اختيار الشهور القمرية، حيث يدور وقت الصيام تدريجيا من عام إلى عام عبر فصول السنة، فلا يستأثر بلد بصوم الصيف دوما ولا صوم الشتاء دوما.

6/3 اللحوم:
الأصل في الأشياء الإباحة، وما حرم الله شيئا إلا لحكمة؛ تخفى علينا حينا حتى نهتدي إليها، ربما بعد قرون، ويتجلى ذلك واضحا في تحريم لحوم المَيْتَة والدم ولحم الخنزير. أضرار الميتة تتلخص في أن عدم إسالة دمها يساعد على نمو البكتريا في الدم المحتبس، كما يحمل دمها مركبات نشادرية قد تؤثر على مخ آكلها، كما قد تحمل الميتة أمراضا أو قد تكون ماتت مسمومة؛ أما الدم فسريع امتصاص الميكروبات، فإذا ما تعرض للهواء تتجمع فيه البكتريا؛ وبالدم مواد مهيجة ترفع ضغط الدم. أما لحم الخنزير فيحمل العديد من الطفيليات الخطيرة، وأخطرها دودة تينيا سويلم التي يعد الخنزير العائل الوحيد لها، والتي تكمل دورة حياتها داخل جسم الإنسان، وقد تستقر في مخه فتصيبه بالجنون أو العمى، وقد تعرضه لاحتمال الانسداد المعوي من جراء كتل الديدان وما تفعله الديدان بجدران القناة الهضمية؛ ودودة أخرى خطيرة هي دودة التريخنيا التي تخترق جدران المعدة، ومنها إلى العضلات والأعضاء المختلفة، كما أن الخنزير أكثر الحيوانات احتفاظا بحمض البوليك؛ وذلك الحمض – هو ودهن الخنزير – عسر الهضم وله أبلغ الضرر على الدورة الدموية والمفاصل، ألا يعلم من خلق، بلى وهو اللطيف الخبير، القائل:
)إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [البقرة: 173].
)حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [المائدة: 3](1).
الموقوذة: المضروبة بعصا أو حجر، المتردية: التي تسقط من جبل ونحوه، النطيحة: ما نطحتها أخرى فماتت؛ ما أكل السبع: أي أكل بعضه (جزءا منه) فمات.
)قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [الأنعام: 145].
)إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [النحل: 115].
ولما كان الإسلام هَدْىَ الله العليم فلم يذهب إلى ما ذهبت إليه بعض الشرائع من إفراط في تحريم ما أحل الله، فحرموا لحوم الحيوان بإطلاقها: إما دائما وإما في إطار تحوير عبادة الصيام كما شرعها الله (كما كتب على الذين من قبلكم) إلى صيام عن الطعام الحيواني فحسب. أكد القرآن تحليل الذبائح بأنواعها عدا ما أشرنا إليه من محرمات، وقد أثبت الطب الحديث الأهمية القصوى لتناول البروتينات الحيوانية، إذ أن هذا النوع من البروتينات هو المصدر الوحيد لتكوين الأجسام المضادة التي تدافع عن الجسم وتحميه من الجراثيم والميكروبات.
من شروط الذبح الإسلامي التذكية: أي إسالة دم الذبيحة لتصفية الدم الفاسد، ويتم ذلك إما بقطع الحلقوم والمريء والودجين (أي الذبح) وذلك للبقر والغنم والطيور، أو بالطعن في اللبة (المنحر) إلى مبدأ الصدر (أي النحر) وذلك للإبل وأحيانا للبقر، أو جرح الحيوان غير المقدور عليه في الصيد (العقر) كما جاء في الأحاديث الشريفة:
*(الذَّكاةُ في الحَلْقِ واللَّبَّة) (البخاري: مرسل عن ابن عباس، والدارقطني).
*(ما أَنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ والظُّفُرَ) (الجماعة).
وليسأل القارئ نفسه من الذي هدى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأسلوب الذي أثبت الطب الحديث مؤخرا حكمته، كما جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية عام 1988 من الميلاد.

6/4 العسل:
أشاد الله ورسوله في القرآن والحديث بفوائد عسل النحل، فإلى جانب سهولة تمثيله وامتصاص سكرياته، ثبت تجريبيا قضاؤه على الكثير من الجراثيم بفضل ما به من مضادات حيوية تفرزها النحلة الشغالة، كما يستخدم في مجالات تعقيم الجروح من التقيح – والتي يساعد العسل أيضا على سرعة التئامها، وفي شفاء التهابات الأنف والحنجرة، وقد اكتشف مؤخرا أنه المادة الوحيدة في الطبيعة التي يتوافر بها عقار الأنترفرون المضاد للنمو السرطاني، كما لوحظ أنه يساعد – بإذن الله – على مقاومة أعراض الشيخوخة، وأكثر من يطلق عليهم المعمرون يواظبون على تناوله، كما تتضح فوائده يوما بعد يوم لمرضى القلب والكبد وقرحة المعدة والحمى الروماتزمية والتيفود، وفي مقاومة التسمم الخارجي والداخلي، كما أن له تأثيرا مساعدا لتخفيف أعراض الاكتئاب والأمراض النفسية وضيق التنفس؛ وكذلك لجلب النوم الهادئ، كما يستخدم في علاج بعض الأمراض الجلدية كالأرتكاريا والأكزيما، حتى ظهرت مراجع متخصصة تتناول فوائد وأوجه العلاج بعسل النحل كتبها مؤلفون غير مسلمين (تضاف إلى العديد من كتابات العلماء المسلمين) مثل:
- "عسل النحل"، تأليف إيفاكرين، طبع هاينمان، 1975.
- "العلاج بعسل النحل"، تأليف د.ن.يويريش، ترجمة محمد الحلوجي.
وصدق تعالى في قوله:
)وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ([النحل: 68، 69](1).
وصدق الرسول الكريم في حديثه:
*(عن أبي سعيدٍ أنَّ رَجُلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَه، فقال: اسْقِهِ عَسَلاً، ثم أَتَى الثانِيَةَ فقال: اسْقِهِ عَسَلاً، ثم أتاهُ الثالِثَةَ فقال: اسْقِهِ عَسَلاً، ثم أتاهُ فقال: قَدْ فَعَلْتُ، فقال: صَدَقَ اللهُ وكَذَبَ بَطْنُ أَخيكَ اسْقِهِ عَسَلاً، فَسَقاهُ فَبَرَأ) (البخاري ومسلم).
*(إِنْ كانَ في شيءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوافِقُ الدَّاءَ وما أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِي) (البخاري ومسلم).

6/5 الرضاع:
حض القرآن الكريم على الرضاعة الطبيعية للأطفال، ثم أثبت العلم الحديث أهمية لبن الأم لحسن تغذية المولود ولوقايته من العدوى ومن أمراض الحساسية والفم، ولوقاية الأم من مشاكل الثدي والعمل على استقرار الرحم بعد الولادة والمساعدة في تنظيم الحمل، ولتوفير الإحساس بالدفء والأمومة للرضيع، وجاء ذلك في القرآن بثلاث صور مختلفة في آيات ثلاث:
1- )وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا ءَاتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ([البقرة: 233](1).
2- )وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ( [لقمان: 14](2).
3- )وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ([الأحقاف: 15] (3).
وبيان ذلك علميا: أن لبن الأم به نسبة عالية من البروتينات والسعرات الحرارية؛ ومن الأملاح والأجسام المضادة للأمراض، وهو دائما معقم يخرج في درجة حرارة تناسب الرضيع صيفا وشتاء، يتغير لبن الأم في تركيبه منذ لحظة الولادة؛ فلبن الأيام الثلاثة الأولى (المسمى باللبأ أو الكلوستروم) به نسبة عالية من البروتينات والمضادات الحيوية التي تحمي المولود في هذه المرحلة المبكرة، ثم يتطور تركيبه مع احتياجات الرضيع ومع قدرته على تمثيل الغذاء – طوال فترة الرضاعة.
تفرز المرضع هرمون البرولاكتين الذي يعمل على عودة الرحم إلى طبيعته، كما أن الإفراز المستمر للبن بالإرضاع يحمي الأم من الخراريج المزمنة التي يسببها تجمع اللبن بالثدي – والتي تزيد احتمال تكون الأورام الحميدة والخبيثة.
وقد فطن العلم الحديث مؤخرا إلى هذه الحقائق، فقامت حملات وبرامج عالمية منظمة لنشر الوعي، والتأكيد على مواصلة الرضاعة الطبيعية طوال العامين الأولين من حياة الطفل – كما حددها القرآن – حفاظا على صحة الأم والطفل، إلى جانب دورها كوسيلة ثانوية لتنظيم الحمل: إما إراديا لضمان استمرار لبن الأم – حتى لا ينقطع بالحمل، أو لا إراديا حيث يعمل الإرضاع في كثير من الأحوال على تأخير عودة الدورة الطبيعية للأم.
لو تأملنا في آيات الرضاع الثلاث لتبين لنا مدى الدقة المعجزة في التعبير عن ثلاث أحوال للحمل والولادة بتعبيرات تتطابق مع كل حالة:
- الحالة الأولى حيث الحمل والولادة؛ والأم والمولود؛ في أحسن حال، يكون الرضاع لحولين كاملين،
- الحالة الثانية حيث تكون الأم ضعيفة البنية والصحة؛ ولكن الحمل والولادة قد سارا بسلام، تكون مدة الرضاعة عامين دون اشتراط كمالهما – تبعا لقدرة الأم،
- أما الحالة الثالثة؛ والتي وردت فيها كلمة "كرها" مرتين – تعبيرا عن مدى التعب والمعاناة في الحمل والوضع؛ وعادة ما تكون فيها مدة الحمل أقصر، فقد تنقص إلى ستة شهور فيحتاج الطفل إلى فترة الرضاعة القصوى لتعويض ضعفه – إذا أمكن – ليصل مجموع فترة الحمل والرضاع إلى ثلاثين شهرا، وقد يطول الحمل – بمشقة شديدة في هذه الحالة – إلى تسعة شهور، وهنا ينبغي تقليل مدة الرضاعة تيسيرا على الأم إلى أقل من 21 شهرا.
ومن ناحية أخرى قد يستنبط من قراءة الآيات مجتمعة أن الحد الأدنى للحمل ستة شهور – وهو ما ثبت علميا.

6/6 الخمر:
أضحت مشكلة الخمر أو "الكحولية" أخطر عامل يهدد صحة العالم، وأصبح في تأثيره المدمر – طبقا لاحصائيات أجريت عام 1987م – أخطر من المخدرات ومن السرطان ومن الإيدز، ذلك الشراب الذي حرمه الإسلام منذ أربعة عشر قرنا، وحرمته الشرائع السماوية قبل ذلك (وقبل أن يُحَرَّف فيها ما حُرِّف)؛ قبل أن يعرف البشر ما نعرفه الآن من حكمة تحريم الخمر من الناحية الطبية – إلى جانب الحكمة التربوية والاجتماعية والتشريعية، فثمة "موسوعة" من الأمراض مصدرها ذلك الرجس اللعين: من أمراض للجهاز الهضمي كالقرحة وتسمم الخمائر المعوية والإخلال بتمثيل الفيتامينات والتهابات الكبد وتليفه وتسمم الكلى بالبولينا، إلى أمراض الجهاز العصبي المركزي وإضعاف الذاكرة وتشويش العقل، إلى أمراض الأنف والأذن والحنجرة كالصمم العصبي الناتج عن التسمم الكحولي والتهاب الحلق والحنجرة والبلعوم والتهاب الأحبال الصوتية المؤدي إلى سرطان الحنجرة، إلى التأثير على العصب البصري، وإضعاف الجهاز المناعي، والتأثير على عضلة القلب والمساعدة على تصلب الشرايين، واحتقان الجهاز التناسلي وضمور الخصيتين، وأخيرا مرض الإدمان الكحولي، سبحانك ربي وسعت كل شيء علما وأنت القائل:
)يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ([البقرة: 219].
)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ( [المائدة: 90، 91].
ثم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم منهج المسلم في قطع الطرق وسد الذرائع الموصلة إلى الإدمان في أحاديثه:
*(كُلُّ شَرابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرامٌ) (البخاري ومسلم).
*(كل مُخَمِّرٍ خَمْرٌ وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرام) (أبو داود).
*( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وكُلُّ خَمْرٍ حَرامٌ) (مسلم).
*(كُلُّ مُسْكِرٍ حرام) (البخاري ومسلم).
*(مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لَمْ يَقْبَل اللهُ لَهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ صَباحًا) (الترمذي وابن ماجة).
*(لَعَنَ رَسولُ اللهِ في الخَمْرِ عَشَرَةً: عاصِرَها ومُعْتَصِرَها وشارِبَها ومقدمَها وحامِلَها والمَحْمولَةُ إلَيْهِ وساقِيهَا وبائِعَها وآكِلَ ثَمَنِها والمُشْتَرِي لهَا والمُشْتَرَاةُ لَه) (الترمذي).
*(إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفاءَكُمْ فيما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) (البخاري).

6/7 الحيض:
قال تعالى:
)وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ( [البقرة: 222].
الأمر بتجنب الجماع أثناء المحيض إعجاز طبي، كشفت حكمته المعارف الطبية الحديثة، لمضاره على الجنسين؛ التي ترجع إلى ضعف حمضية المهبل (اللازمة لقتل الميكروبات)، واحتمال وصول مادة البروستاجلاندين الموجودة بالمني إلى دم المرأة – وهذه المادة تؤدي إلى نقص المناعة، كما أن الجماع في ذلك الوقت يؤدي إلى تسلخات تساعد على نمو البكتريا، وانقباضات الرحم خلاله تدفع هذه البكتريا إلى تجويف الرحم، وفي الحديث:
*(عَنْ أَنَسٍ أَنَّ اليَهودَ كانوا إذا حاضَتِ المَرْأَةُ فيِهم لم يؤاكلوها ولَمْ يُجامِعُوهُنَّ في البُيوتِ فسأل أصْحابُ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) فأنْزَلَ اللهُ تعالى : (ويسألونك ...) إلى آخِرِ الآية، فقال رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): اصْنَعُوا كُلَّ شَيءٍ إلاّ النِّكاح) (مسلم).
ولنفس الحكمة أيضا هدى الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى النهي عن إتيان الدبر في الحديث:
*(لا يَسْتَحِي اللهُ مِنَ الحَقِّ لا تَأْتُوا النِّساءَ في أَعْجازِهِنَّ) (أحمد).

6/8 العدة:
في تشريع الطلاق وقَّتَ الله سبحانه وتعالى مدة العدة بثلاث حيضات، قبل أن ترتبط المرأة بزواج جديد، وحكمة ذلك أنه قد ثبت أن دم الحيض قد يأتي بعد وقوع الحمل (الاستحاضة) ويتكرر؛ قبل أن يملأ الجنين الرحم – أي في الشهور الثلاث الأولى؛ وفي مثل هذه الحالات قد تستحيض الحامل مرة واحدة "أحيانا"؛ أو مرتين "نادرا"، بينما "يستحيل" علميا أن تستحيض الثالثة، )ألا يعلم من خلق، بلى وهو اللطيف الخبير(، وهذه آيات التشريع:
)وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ([البقرة: 228](1).
)وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا(
[الطلاق: 4].

6/9 الزنا:
حرم الله الزنا وسد الذرائع المؤدية إليه؛ بالدعوة إلى الاحتشام ومنع الفتنة التي يسببها التزين المفرط أو التعطر المثير، وذلك لحكمة لم يدركها العلم حتى ظهور المجهر واكتشاف ميكروبات الأمراض التناسلية؛ التي لا تنتقل وتنتشر إلا بالعلاقات الجنسية المحرمة أو الشاذة؛ كأمراض الزهري والسيلان؛ بمضاعفاتها الخطيرة التي تؤدي بأجهزة الجسم وتفتك بالحياة، ثم مرض الإيدز: مرض نقص المناعة الذاتية وطاعون العصر – عصر الجاهلية الجديدة:
)وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاَا( [الإسراء: 32].
)الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ([[النور: 2].
)وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا( [الفرقان: 68].
ولأن الإسلام رسالة الخالق العليم الذي يعلم طبيعة خلقه؛ فلم يكتف بالموعظة وبالنهي عن الزنا وسن الحدود والعقوبات، بل سد كل السبل المؤدية إليه في المجتمع، وذلك ما يفهم أيضا من عبارة "لا تقربوا" أي ابتعدوا عنه وعن كل مقدماته، فأوجب الاحتشام في الزي:
)وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَائِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( [النور: 31].
)يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا( [الأحزاب: 59].
وأكد ذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها:
*(ياأَسْماءُ إنَّ المَرْأةَ إذا بَلَغَتِ المَحيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْها إلاَّ هذا وهذا، وأشارَ إلى وَجْهِهِ وكَفَّيْهِ) (أبو داود).
*(صنْفانِ مِنْ أَهْل النَّارِ لَمْ أَرَهَما: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِياطٌ كَأذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبونَ بِها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ، مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ ولا يَجِدْنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لَيُوجَدُ مِنْ مَسيرَةِ كذا وكذا) (مسلم).
*(لا تُقْبَلُ صلاةٌ لامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لهذا المَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فتَغْتَسِلَ غُسْلَها مِنَ الجنابَة) (أبو داود).
*(أَيُّما امْرَأَةٍ أصابَتْ بَخورًا فلا تَشْهَدْ مَعَنا العِشاءَ الآخِرَةَ) (مسلم).
وأمر تعالى بغض البصر:
)قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ....([النور: 30، 31[.
ولم يكتف ببيان النواهي والمحظورات، بل حض على الزواج الحلال ويسر سبله:
)وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ([النور: 32](1).
)وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( [الروم: 21].
)هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ( [الأعراف: 189].
)وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ([النحل: 72].
)وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [النساء: 25].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشجيع على الزواج:
*(ثَلاثَةٌ حَقٌّ على اللهِ عَوْنُهُمْ: المُجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ، والمُكاتَبُ الذي يُريدُ الأداءَ، والنّاكِحُ الذي يُريدُ العَفافَ) (الترمذي والنسائي).
*(تَزَوَّجوا الوَدودُ الوَلودَ، فإنّي مُكاثرٌ بِكُم الأُمَمَ) (أبو داود والنسائي).
*(يا مَعْشَرَ الْشَّبابِ مَن اسْتَطاعَ الباءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، ومَنْ لَمْ يَسْتَطَعْ فَعَلَيْهِ بالصَّوْمِ فإنَّهُ لَهُ وِجَاء) (الجماعة).
*(الدُّنْيا مَتاعٌ وخَيْرُ مَتاعِ الدُّنْيا المَرْأَةُ الصَّالِحَة) (مسلم).
*(. . . أمَا واللهِ إنّي لأَخْشَاكُمْ لِلّهِ وأَتْقاكُمْ لَه، لكِنِّي أَصومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتي فَلَيْسَ مِنِّي) (البخاري).
*(ما اسْتَفادَ المُؤْمِنُ – بَعْدَ تَقْوَى اللهِ – خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صالِحَة) (ابن ماجة).
وأباح الطلاق – عند تعذر استمرار العشرة، وكذلك تعدد الزوجات – للضرورة القصوى؛ وبشرط العدل التام؛ بدلا من الزنا المستتر الذي يتفشى في الأمم التي تقيد الطلاق ولا تسمح بالتعدد.

6/10 اللواط:
ها قد لاح لحضارة أواخر القرن العشرين شبح الطاعون الأبيض: الإيدز؛ والذي ينتشر كالهشيم حيثما انتشر اللواط؛ ومثله البغاء؛ والمعاشرة الجنسية الشاذة، وقد حرم تشريع الخالق العليم كل هذه الانحرافات، وسلط القصص القرآني الأضواء مرارا على قوم لوط، وجعلهم عبرة للعالمين على امتداد الزمان:
)وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ( [الأعراف: 80، 81].
)وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ( [النمل: 54، 55].
)أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ. وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ( [الشعراء: 165، 166].
)وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ(
[العنكبوت: 28].
كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أمته عن اللواط في أحاديثه:
*(إذا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُما زانِيان). (البيهقي).
*(مَنْ وَجَدْتُموهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فاقْتُلُوا الفاعِلَ والمَفْعولَ) (الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد).

6/11 البرص:
أثبت طب الأمراض الجلدية استحالة علاج مرض البرص أو البهاق؛ لارتباطه بموت خلايا الميلانين الملونة؛ والتي يستحيل بعثها من جديد، وكل ما قد يفعله الطب هو تنشيط ما قد يتبقى من خلايا؛ لتخفيف الأمر لا لشفائه، ومن هنا فإن شفاء البرص – علميا – معجزة، وذِكْرُه في القرآن في معرض المعجزات التي أجراها الله على يد عيسى عليه السلام يتفق مع ما بينه العلم الحديث:
)وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْلأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ( [آل عمران: 49].
)إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلآَّ سِحْرٌ مُبِينٌ( [المائدة: 110].


























(1) هذه الآية الكريمة أصل من أصول الدواء، إذ أمرت بالأكل والشرب وهما قوام الحياة وحرمت الإسراف فيهما وهو سبب كافة الأمراض (أيسر التفاسير).

(1) سبق القرآن الطب الحديث بتحريم. . . (المنتخب)، المنخنقة: من خنقه عصر حلقه حتى مات. الموقوذة التي وقذت (ضربت) بالعصا حتى ماتت (الوسيط). المتردية التي تقع من جبل أو تطيح في بئر، أو تسقط من موضع مشرف فتموت (اللسان). النطيحة، ما تناطح فمات (اللسان). ذكيتم: من ذكى الشاة ذبحها (الوسيط)، والتذكية: الذبح على التمام (اللسان).

(1) العسل مفيد في كثير من الأمراض ويعطي بطريق الحقن والفم والشرج بصفته مقويا. . . وضد التسمم من مختلف المعادن، وضد التسمم الناشيء من أمراض الأعضاء، مثل التسمم البولي والصفراء وغيرها، وبه نسبة عالية من الفيتامينات وخاصة ب المركب (المنتخب)، في قوله شفاء دال على بعض دون بعض جائز هذا حتى يضم إليه بعض الأدوية أو العقاقير الأخرى، أما مع النية أي أن يشرب بنية الشفاء من المؤمن فإنه شفاء من كل داء وبدون ضميمة أي شيء آخر له (أيسر التفاسير).

(1) وتثثبت البحوث الصحية والنفسية اليوم ذلك، ولكن نعمة الله على الجماعة المسلمة لم تنتظر بهم حتى يعلموا هذا من تجاربهم (الظلال).

(2) أي فطام الولد من الرضاع في عامين، فأول الرضاع ساعة الولادة وآخره تمام الحولين، ويجوز فصله عن الرضاع خلال العامين (أيسر التفاسير).

(3) وقد استدل العلماء بهذه الآية مع التي في لقمان (لقمان/14): "وفصاله في عامين" على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو استنباط قوى صحيح (الصفوة)، أقل مدة الحمل 6 شهور لهذه الآية والآيتين الأخريين، فبإسقاط مدة الفصال عن مدة الحمل والفصال يبقى للحمل ستة أشهر، وهذا يتفق مع ما ثبت علميا من أن الطفل إذا ولد لستة أشهر فإنه قابل للحياة (المنتخب).

(1) وذلك أن الاستبراء لا يكون مؤكدا إلا بعد ثلاث حيضات، والحامل لا تحيض عادة، وإن حاضت فإن ذلك يكون مرة أو مرتين على الأكثر، إذ أن الجنين يكون قد نما بعد هذه المدة إلى درجة يملأ معها تجويف الرحم فيمنع نزول دم الحيض. . . وما كان معلوما عند العرب، وما كان للنبي الأمي أن يعلمه (المنتخب).

(1) أمر جماعة المسلمين أن يزوجوا الأيامى (من لا زوج له) من رجالهم ونسائهم بالمساعدة على ذلك والإعانة عليه، حتى لا يبقى في البلد أو القرية عزب إلا نادرا، ولا فرق بين البكر والثيب في ذلك (أيسر التفاسير).

نور الإسلام 13-05-2014 07:30 AM

الفصل السابع
في الصحة العامة

7/1 العدوى:
انتقال العدوى ـ سواء بالفيروسات أو البكتريا أو الطفيليات ـ ليس سببا في ذاته للإصابة بالمرض، بل قد ثبت أن تأثيره إنما يكون بأمر الله، إن شاء نشطت الجراثيم واستفحلت، وإن شاء سكنت أو استكانت لجهاز المناعة، وقد أظهرت الدراسة الإحصائية أن من بين آلاف يحملون مرضا معينا ـ وباء كان أم غيره ـ لا يمرض منهم سوى نسبة قليلة من الناس؛ ينشط فيهم الداء دون غيرهم من بني جنسهم، بل إن المرء قد يحمل المرض سنين طوال دونما أعراض، حتى ينشط المرض فجأة دون سبب طبي مفهوم، وهنا يظهر الإعجاز العلمي فيما هدى الله إليه نبيه ليؤكد لنا أن العدوى ليست وحدها سببا حتميا للمرض:
*(لا عَدْوَى ولا طِيَرَة ولا هامَةَ ولا صَفَرَ، وفِرّ مِنَ المَجْذومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ) (البخاري ومسلم).
*(لا عَدْوَى ولا صَفَرَ ولا هامَةَ، فقال أعْرابِيٌّ: يا رسولَ اللهِ فما بالُ الإبِلِ تكونُ في الرَّمْلِ كأنَّها الظِّباءُ فيُخالِطُها البَعيرُ الأجْرَبُ فيُجْرِبها؟ قال: فمن أَعْدَى الأَوَّلَ؟). (البخاري ومسلم).
إلا أنه صلى الله عليه وسلم أمرنا بالاحتياط والتحرز عن مخالطة المرضى في حديثه:
*(لا يورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ). (مسلم والبخاري).
كما أمر بعزل المرضى ذوي الأمراض المستعصية، لسد الأبواب أمام انتقالها إلى من لا يملك المناعة الكافية (انظر: الحجر الصحي).
ولتقليل احتمالات انتشار الأمراض لم يغفل الهدى النبوي أن يأمرنا بنظافة الأيدي قبل وبعد تناول الطعام:
*(أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا أَرادَ أَنْ يَأْكُلَ وهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ يَدَيْه) (ابن ماجة).
*(أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) أَكَلَ كَتِفَ شاةٍ فَمَضْمَضَ وغَسَلَ يَدَيْهِ) (ابن ماجة).
*(مَنْ باتَ وفي يَدِهِ ريِحُ غَمَر[1] فأصابَهُ شيءٌ فلا يَلومَنَّ إلاّ نَفْسَه) (الترمذي).
*(إذا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فلا يَغْمِسْ يَدَهُ في الإناءِ حَتَّى يَغْسِلْها ثَلاثًا، فَإنَّهُ لا يَدْرِي أَيْنَ باتَتْ يَدُه) (مسلم).
وأمر بتغطية أواني الطعام لحمايتها من الحشرات والهوام:
*(غَطُّوا الإناءَ وأَوْكُوا السِّقاء) (مسلم).
*(اتقوا الذر -الغبار- فإن فيه النسمة). والمقصود بالنسمة أصغر الكائنات أي ما نسميه الميكروبات[2].
*(أمرنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن نوكِىَ[3] أَسْقِيَتَنا ونُغَطِّيَ آنِيَتَنا) (ابن ماجة).
*(عن عائشة: كنت أصنع لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثلاثَةََ آنِيَةٍ مِنَ اللَّيْلِ مُخَمَّرَةً[4]: إناءً لِطَهُورِهِ، وإِناءً لِسِواكِهِ، وإناءً لِشَرابِه). (ابن ماجة).
كما نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب في القدح المشروخة ـ لما قد تختزنه من قاذورات في شقوقها.

7/2 الدواء:
علمنا الرسول الأمي الذي نشأ في أمة من أفقر أمم الأرض علما ومالا أن لكل مرض دواء، وأن علينا البحث والتجريب لنهتدي إلى الدواء الناجح، ثم أن علينا التداوي وعلى الله الشفاء بإذنه، ومضت قرون ساد فيها التداوي بالسحر، وغيره من ضروب الجهل، شتى بقاع الأرض، حتى نشأة علم الأدوية الحديث ـ والذي وضع أساسه علماء المسلمين، وها هي الأحاديث النبوية تنطق بحكمة وعلم من أنزل الوحي على عبده الأمين:
*(ما أنْزَلَ اللهُ داءً إِلاّ أَنْزَلَ له شِفاء) (البخاري).
*(إنَّ اللهَ أنْزَلَ الدّاءَ والدَّواءَ وجَعَلَ لِكُلِّ داءٍ دَواءً فَتَداوَوْا، ولا تتَداوَوْا بِمُحَرَّم)
(أبو داود).
*(عَادَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً به جُرْحُ فقال: رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ادْعُوا لَهُ طَبيبَ بَني فُلان، فَدَعَوْهُ فجاءَ فقالوا: يا رَسولَ اللهِ وَيُغْنِي الدَّواءُ شَيْئًا، فقال: سُبْحانَ اللهِ وهَلْ أَنْزَلَ اللهُ مِنْ داءٍ في الأَرْضِ إلاّ جَعَلَ لَهُ شِفاء تعني الطبيب؟ قال: نعم) (أحمد).
*(بَعَثَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى أبَيِّ بنِ كَعْبٍ فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَواه عَلَيْه) (مسلم).

7/3 النظافة:
النظافة من صميم العبادات في الإسلام، الذي انطلق من جزيرة العرب مهد الجاهلية وأهلها في ذلك الزمان؛ نبراسا على أن الوحي ليس نابعا من هذه البيئة؛ بل هو نور أنزله الله بعلمه، لم يترك الإسلام أمرا من أمور النظافة الشخصية إلا وجه إليه وهدى:
أ ـ الغسل: من آيات التربية الإسلامية الصحية ضرورة الاستحمام بعد الجماع، وهو في هذه الحالة فرض لا يصح أداء الصلاة أو مناسك الحج إلا به، ولغير ذلك فإن الاغتسال سنة مؤكدة لصلاة الجمعة الأسبوعية، قال تعالى:
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (. [النساء: 43].
) ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (. [المائدة: 6].
وفي الحديث الشريف :
*(حَقٌّ للهِ على كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسلَ في كُلِّ سَبْعَة أَيَّامٍ: يَغْسِلُ رَأْسَهُ وجَسَدَه) (مسلم).
*(غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ واجِبٌ على كُلِّ مُحْتَلمٍ، وسِوَاكٌ ويَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ ما قَدَرَ عَلَيْه) (متفق عليه).
*(مَنْ جاءَ مِنْكُم الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ) (البخاري ومسلم).
*(كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ يَوْمَ الفِطْرِ ويَوْمَ الأَضْحَى) (ابن ماجة)
*(وَقَّتَ لَنا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في قَصِّ الشَّارِبِ وتَقْليمِ الأَظَفارِ وحَلْقِ العانَةِ ونَتْفِ الإبِطِ أَنْ لا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعينَ يَوْمًا) (النسائي وأبو داود وأحمد).
وقد كشفت دراسات أمراض الجلد أهمية الاستحمام لإزالة إفرازات العرق وما يعلق به من قذر، وما يتكاثر به من بكتريا تصيب الجلد أو الجسم عامة؛ وتفسد الرائحة.
ب ـ الوضوء: قال تعالى:
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ( [المائدة: 6].
يؤكد الطب الحديث الفوائد الصحية العظمى للوضوء في تطهير الجسم ومنع انتشار الأمراض، فقد أثبت دور اليدين كناقل رئيسي للميكروبات، كما أثبتت البحوث التجريبية دور الوضوء الفعلي في الحد من أعداد البكتريا على سطح الجلد، والأحاديث التي تدعو إلى العناية بالوضوء وتشرح كيفيته كثيرة نسوق منها:
*(الطُّهورُ شَطْرَ الإيمان) (مسلم).
*(لا صَلاةَ لِمَنْ لا وُضوءَ له) (أبو داود).
*(مِفْتاحُ الصَّلاةِ الطُّهور) (الترمذي وأبو داود).
*(لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةٍ إلاّ بطُهور) (ابن ماجة).
*(إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثارِ الوُضوءِ، فَمَن اسْتَطاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ) (متفق عليه).
*(إذا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الخَطايا مِنْ فيهِ -فمه- فإذا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتِ الخَطايا مِنْ أنفِهِ، فإذا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الخَطايا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أشَفارِ -أطراف أجفان- عَيْنَيْهِ، فَإذا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتِ الخَطايا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفارِ يَدَيْهِ، فإذا مَسَحَ رَأْسَهُ خَرَجَتِ الخَطايا مِنْ رَأسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فإذا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الخَطايا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفارِ رجْلَيْه) (النسائي).
*(مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوْضوءَ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفارِه) (مسلم).
بل سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء أيضاً لغير الصلاة:
*(سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الجُنُبِ هَلْ يَنامُ أو يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ، قال نَعَمْ، إذا توضأ وُضوءَهُ لِلصَّلاة) (ابن ماجة).
*(إذا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أرادَ أَنْ يَعودُ فَلْيَتَوَضَّأْ) (مسلم).
*(إذا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضوءَكَ للصلاة) (متفق عليه).
كما يسن الوضوء عند الغضب وقراءة القرآن والحديث، وتلقي العلم وغير ذلك. وقد بين الطب الحديث أيضاً فوائد الاستنثار أثناء الوضوء في منع الكثير من الأمراض التي تدخل الجسم عن طريق الأنف (الاستنثار: إدخال الماء إلى الأنف ثم إخراجه)، وهذه أحاديث تدعو إلى العناية بالاستنثار:
*(إذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ في أَنْفِهِ ماءً ثُمَّ لِيَسْتَنْثِرْ) (النسائي).
*(أَسْبِغِ الوُضوءَ وخَلِّلْ بَيْنَ الأصابِعِ وبالِغْ في الاسْتِنْشاقِ إلاّ أَنْ تَكونَ صائِماً) (الترمذي).
*(عن علي رضي الله عنه أَنَّهُ دَعَا بِوَضوءٍ فَتَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ ونَثَرَ بِيَدِهِ اليْسْرَى، فَفَعَلَ هذا ثَلاثاً، ثم قال:هذا طُهورُ نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم)(النسائي).
جـ ـ الاستنجاء: تنظيف المخرجين عقب قضاء الحاجة، من المقدمات الواجبة للوضوء، وهو أمر له أهميته الكبيرة في الحد من التلوث وانتشار الأمراض المعدية، وتعالوا نستعرض الأحاديث النبوية التي تعد ثقافة متكاملة في أساليب الصحة العامة وفي حماية سطح الجلد ومنافذه من تسلل الأمراض:
*(عن أَنَسٍ بن مالِكٍ قال : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا تَبَرَّزَ لِحاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِماءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ) (البخاري).
*(ما رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ غائِطٍ قَطُّ إلاّ مَسَّ ماءً)
(ابن ماجة).
*(عن عائشة، قالت (تَعلم نساء المسلمين): مُرْنَ أَزْواجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بالماءِ، فإنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ، فإنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يَفْعَلُه) (الترمذي).
د ـ تقليم الأظافر: كشف الطب الحديث بعد قرون من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام، وأمره بتقليم الأظافر ضمن سنن الفطرة، أهمية ذلك لصحة الفرد، منعا لتخزين الأوساخ، بما تحمله من بكتريا وفطريات وفيروسات وطفيليات:
*(خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الخِتانُ والاسْتِحْدادُ ونَتْفُ الإبِطِ وتَقْليمُ الأظْفارِ وقَصُّ الشَّارِبِ) (البخاري ومسلم).
*(يا أبا هريرة قلم أظافرك فإن الشيطان يقعد على ما طال منها) (الغزالي في الإحياء).
هـ ـ الشعر: أمرنا رسولنا الكريم بالعناية بالشعر في سائر أنحاء الجسم، فأمر بإزالته من الإبطين والعانة وبقص الشارب، وقد أثبت الطب الحديث ضرورة ذلك لمنع نمو البكتريا والروائح الكريهة بسبب إفرازات الغدد العرقية في الإبطين والعانة، ولمنع تراكم آثار الطعام وإفرازات الأنف في الشوارب أو تجمع الملوثات بها، كما جاء في حديث سنن الفطرة أعلاه.
والإسلام رسالة حضارة أحدثت طفرات في الجاهلية العربية، ومنها طفرة في العناية بحسن المظهر والزينة فقال تعالى:
) يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ( [ الأعراف: 31].
وجاء في السنة النبوية:
*(كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم في المَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ ثائِرَ الرَّأْسِ واللِّحْيَةِ، فأشارَ إِلَيْهِ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ أَنْ اخْرُجْ كأَنَّهُ يَعْني إِصْلاحَ شَعَرَ رَأْسِهِ ولِحْيَتِهِ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ثم رَجَعَ فقالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَيْسَ هذا خَيْرًا مِنْ أن يَأْتي أَحَدُكُمْ ثائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطان) (مالك).
*(أَنَّ أبا قَتادَةَ الأَنْصاريَّ قالَ لِرَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ لي جُمَّةً أفأُرَجِّلُها؟ فقال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ وأَكْرِمْها) (مالك).
*(أتانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَأى رَجلاً ثائِرَ الرَّأْسِ فقال: أَمَا يَجِدُ هذا ما يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَه) (النسائي).
*(خالِفوا المُشْرِكِينَ[5] وَفِّرُوا اللِّحَى[6] واحْفُوا الشَّوارِبَ[7]) (متفق عليه).
و ـ الختان: الختان يمنع تراكم الإفرازات وما تختزنه من بكتريا قد تسبب التهابات تمتد إلى الجهاز البولي والتناسلي، والختان سنة من سنن الفطرة للرجال ـ كما جاء في حديث الفطرة الذي سقناه من قبل، أما ختان الإناث فلم يسنه الإسلام أصلا ولم يأمر به، وإنما أجازه النبي عليه الصلاة والسلام لمن يشاء ولكنه نهى عن المغالاة فيه حتى لا يؤثر على وظائف الأعضاء، أو يضر بالعلاقة الزوجية:
*(لا تُنْهِكِي فإنَّ ذلك أحْظَى للمَرْأةِ وأَحَبُّ إلى البَعْل) (أبو داود).
ز ـ السواك ونظافة الفم: في المدرسة الطبية لمحمد بن عبد الله تعلم المسلمون أهمية نظافة الفم والأسنان، قبل نشأة مدارس وعلوم طب الأسنان:
*(لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لأأَمَرْتُهُمْ بالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ وُضوء) (الترمذي).
*(السِّواكُ مَطْهَرَةٌ للفَمِ مَرْضاةٌ للرَّبِّ) (البخاري) .
*(ما جاءنِي جِبْرِيلُ إلاّ أَوْصانِي بالسِّواكِ، حَتَّى لَقَدْ خَشيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وعَلَى أُمَّتِي، ولَوْلاَ أَنِّي أَخافُ أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لَفَرَضْتُهُ لَهُمْ، وإنِّي لأَسْتاكُ حَتَّى لَقَدْ خَشيتُ أَنْ أُحْفِيَ مَقادِمَ فَمِي -أي أزيل جزءا من اللثة لكثرة السواك) (ابن ماجة).
*(إذا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ). ( أبو داود).
*(مَضْمِضُوا من اللَّبَنِ فإنَّ لَهُ دَسَمًا) (أبو داود).
خرج صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى خيبر. . . (ثُمَّ دَعا بأَطْعِمَةٍ فَلَمْ يُؤْتَ إلاّ بسُوَيْق[8] فأَكَلْوا وشَرِبُوا، ثم دَعا بِماءٍ فمَضْمَضَ فاه) (ابن ماجة).
*(كان رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى باللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثم يَنْصَرِفُ فَيَسْتاك) (ابن ماجة).
*(كان لا يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ ولا نَهَارٍ فَيَسْتَيْقِظُ إلاّ تَسَّوكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأ) (أبو داود).
*(كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قامَ باللَّيْلِ يَشوصُ فَمَهُ بالسِّواك) (متفق عليه).
تتضافر هذه الأحاديث لتؤكد المصدر الرباني لسنة النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم.
من ناحية أخرى كشفت دراسات حديثة عن المزايا الطبية لشجرة الأراك -مادة السواك- بالذات، وهو عود نباتي ينمو بالحجاز، به كيماويات مزيلة لصفار الأسنان، وزيوت عطرية مطهرة.

7/4 الصلاة:
الصلاة ـ كعبادة ـ عماد الدين وركنه المكين، وهي مدرسة المسلم ودرعه أمام همزات الشياطين، ولها إلى جانب ذلك فوائد صحية وطبية عميقة، منها: تنشيط شرايين المخ وتقوية جدران المخ الدماغية، ومنها تجنب جلطة الساق الوريدية، وقرح الظهر التي كثيرا ما تصيب قليلي الحركة، وإذا تأملنا في اختيار أوقات الصلوات الخمس لرأينا آيات أخرى لحكمة الحكيم العليم، فأوقات الصلاة تتناسق مع أوضاع الشمس: يمتد وقت الفجر من حين تكون الشمس مائلة 190 º تحت أفق الشروق إلى وقت ظهورها، بينما يمتد المغرب من غروب الشمس حتى تميل 19 º تحت أفق الغروب، وذلك وقت العشاء، والظهر عندما تكون الشمس رأسية فوق الرؤوس تماما فيختفي الظل، بينما العصر أوانه عندما يكون ظل الشيء كمثله.
كما تتناسب أوقات الصلاة مع نظام الحياة اليومي وأحوال جسم الإنسان، فيأتي الفجر والجسم بعد لم ينفض كسل النوم، والظهر في ذروة العمل والنشاط، والعصر بعد كلال الجسم من العمل والسعي، والمغرب في نهاية صخب النهار وبداية سكون النفس والعقل، وأخيرا يأتي العشاء إيذاناً بالنوم والراحة.
) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ( [النساء: 103].
ومن العسير أن نحصي هنا الشواهد من القرآن والسنة، التي تدعو لإقامة الصلاة والعناية بها، واغتنام ما تفتحه على المرء من آيات رضا المولى في الدنيا والآخرة.

7/5 الحجر الصحي:
أحد أساليب الطب الوقائي الذي لم تعرفه البشرية إلا في القرن الماضي: سنه المصطفى عليه الصلاة والسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا بوحي من العلي القدير، للحد من انتشار مرض الطاعون فقال:
*(إنَّ هذا الطّاعُونَ رِجْزٌ سُلِّطَ على مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ -أو على بني إسرائيل- فإذا كانَ بِأَرْضٍ فَلا تَخْرُجُوا مِنْها فِرارًا مِنْهُ، وإذَا كانَ بِأَرْضٍ فلا تَدْخُلُوها) (مسلم).
*(إذا سَمِعْتُمْ بِهِ بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عَلَيْه، وإذا وَقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بِها فلا تَخْرُجُوا فِرارًا مِنْه) (البخاري ومسلم).
*(عن عائشة رضي الله عنها. . . قُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ . . . فما الطّاعُونُ؟ قال: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَعيرِ، المُقيمُ فِيها كالشَّهيدِ، والفارُّ مِنْها كالفارِّ مِنَ الزَّحْفِ) (أحمد).
ومن المدهش أيضا في الحديث الأخير وصف الرسول الكريم لأعراض الطاعون بدقة تتفق مع الوصف العلمي.
كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باعتزال مرضى الجذام في قوله:
*(وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ) (البخاري).

7/6 حماية البيئة:
من عجب أن يرشد النبي صلى الله عليه وسلم وقد عاش في بيئة وزمان لا يعرف ولم يكتشف الطفيليات وأخطارها، ولا وسائل انتشارها والحد منها، إلى فضل الإجراءات الوقائية التي عرفها الطب الوقائي الحديث بعد قرون طوال، وقد ثبت الآن أن الطفيليات كالبلهارسيا والإسكارس والأنتروبيوس والأميبا وغيرها ـ والتي تكمل دورة حياتها في جسم الإنسان ـ إنما تفسد بالجفاف وبارتفاع درجة الحرارة، فتأمل أحاديثه صلى الله عليه وسلم في منع انتشار الطفيليات والحفاظ على نظافة البيئة والموارد المائية:
*(اتقوا الملاعن الثَّلاثَةَ: البَرَازَ في المَوارِدِ وقارِعَةِ الطَّريقِ والظِّلِّ) (أبو داود).
*(اتقوا اللاعِنَيْنِ، قالوا: وما اللاعِنان يا رَسولَ الله؟ قالَ: الذي يَتَخَلَّى في طَريقِ النَّاسِ أوْ ظِلِّهِمْ) (أبو داود).
*(لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في الماءِ الرّاكِدِ ثم يَغْتَسِل منه) (النسائي).
*(لا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ في الماءِ الدَّائِمِ وهو جُنُبٌ) (مسلم).
وتأمل أيضا ما يتعلق بذلك من الأمر بالاستنجاء بعد قضاء الحاجة، كما فصلنا من قبل.
وفي التوجيه لحماية البيئة أيضا علمنا الإسلام:
‌أ. إماطة الأذى عن الطريق:
*(بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ على الطَّريقِ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللهُ لَه فَغَفَرَ لَه) (البخاري ومسلم).
*(. . . ويُمِيطُ الأَذَى عن الطَّريقِ صَدَقَة) (البخاري ومسلم).
*(الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَة فَأَفْضَلُها قَوْلُ لا إلهَ إلاّ اللهُ وأَدْناها إِماطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّريق. . . ) (مسلم).
‌ب.الرفق بالحيوان:
*(نَهَى رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمَثَّلَ بالْبَهائِمِ) (ابن ماجة)
*(نَهَى رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَبْرالْبَهائِمِ[9]) (ابن ماجة).
‌ج. حماية الأشجار:
*(مَنْ قَثَلَ صَغِيرًا أو كَبِيرًا أَوْ أَحْرَقَ نَخْلاً أَوْ قَطَعَ شَجَرَةً مُثْمِرَةً أَوْ ذَبَحَ شاةً لإهابِها لَمْ يَرْجِعْ كَفافا) (أحمد).

7/7 مرض الكلب:
إعجاز آخر للطب النبوي حين أرشدنا إلى الأسلوب العلمي الرفيع في الاحتراز من الآنية والمياه التي يَرِدُها الكلاب، خوفا من نقلها مرض الكلب -الريبس- الخطير وعدة أمراض أخرى:
*(طَهُورُ إناءِ أَحَدِكُمْ إذا وَلَغَ فيه الكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاهُنَّ بالتُّرابِ) (مسلم).
الحكمة في الغسل سبع مرات أولاهن بالتراب: أن فيروس الكلب دقيق متناه في الصغر، ومن المعروف أنه كلما صغر حجم الميكروب كلما زادت فعالية سطحه للتعلق بجدار الإناء والتصاقه به، ولعاب الكلب المحتوي على الفيروس يكون على هيئة شريط لعابي سائل، ودور التراب هنا هو امتزاز الميكروب -بالالتصاق السطحي- من الإناء على سطح دقائقه.

7/8 الذباب:
ترجع فكرة اللقاحات والأمصال إلى اكتشاف الطب الحديث أن العلاج بذات السم هو خير وسيلة للنجاة منه، لقدرة الخلايا الحية على إنتاج أجسام مضادة، وقد أثبتت دراسات أجريت على الذباب، أنه حين يحمل في جناحه بعض الجراثيم تتولد به أجسام مضادة لهذه الجراثيم (وقد رأينا من قبل أن هذا ليس شأن الذباب وحده)، وفي الحديث الشريف:
*(إذا وَقَعَ الذُّبابُ في إناءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهْ ثم لِيَطْرَحْهُ، فإنَّ في أَحَدِ جَناحَيْهِ شِفاءٌ وفي الآخَرِ داءٌ) (البخاري).
والحديث يقرر أولا ما لم يعرفه جيل الرسالة عن دور الذباب كناقل رئيسي للأمراض: آية شاهدة على الإعجاز العلمي لما هدى الله به رسوله الكريم.



































الفصل الثامن
في حقائق التاريخ


8/ 1 المنهج التاريخي:
حث القرآن الكريم البشر مرارا وتكرارا على السير في الأرض والترحال، لاستكشاف آثار الأمم السابقة استقراء للتاريخ وسنن الله فيه، وهو نهج لم يتوصل إليه علم التاريخ إلا في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، باكتشاف آثار طروادة وحجر رشيد، فانفتحت للبشرية أبواب المعرفة التاريخية، وتأمل الآيات:
) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ( [النحل: 36[.
) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( [الروم: 9].
) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلاَ تَعْقِلُونَ( [يوسف: 109[.
) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ( [الصافات: 137، 138]([10]).
وانظر أيضا آيات: آل عمران: 137، الأنعام: 11، النمل: 69، الروم: 42، فاطر: 44، غافر: 82.
8/2 التاريخ الطبيعي:
كذلك تعتمد دراسة التاريخ الطبيعي، أي دراسة تاريخ تطور الطبقات الجيولوجية للأرض، وتاريخ الحياة على وجهها وفي بحارها؛ تعتمد على التنقيب في أنحاء الأرض بحثاً عن الحفريات القديمة وفحصها وتحليلها بالوسائل العلمية، كالفحص المجهري والتأريخ بالكربون المشع وغيرها، مصداقا للآية التي تربط بين قدرة الله في نشأة الخلق أول مرة وفي إعادته مرة أخرى يوم القيامة.
) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( [العنكبوت: 20] ([11]).
8/3 فرعون موسى:
اندثر التاريخ الحافل لقدماء المصريين بانتهاء ما يسمى بالأسرة الحديثة، وتتابع الغزو اليوناني ثم الروماني، وأسدل التاريخ ستاره على أخبار ذلك الزمان مع ما ابتلعته أطلال المدن وحريق مكتبة الإسكندرية وغير ذلك من عوامل الدهر، عدا ما بقي من روايات في بعض المخطوطات المتناثرة كتاريخ هيرودوتس، وظل التاريخ سرا مغلقا مدونا في أعماق المقابر الفرعونية وعلى جدران بقايا المعابد والمسلات، بلغة لم تفك طلاسمها إلا مع بدايات القرن التاسع عشر عقب اكتشاف حجر رشيد، ثم في بدايات القرن العشرين باكتشاف مومياوات الفراعنة ـ وما يصحبها من كنوز دفينة، وهنالك عرف العالم أيضا مدى حرص الفراعنة على تحنيط جثثهم وخاصة جثث الملوك والعظماء، ظنا منهم أن ذلك يضمن لهم البعث والخلود . لقد كشف ذلك التاريخ عن إعجاز آخر للمعارف القرآنية التي أكدت في وحي الخالق العليم أن جثة فرعون موسى قد بقيت سالمة بعد هلاكه غرقا في مطاردة نبي الله موسى عليه السلام وأتباعه من بني إسرائيل:
)وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوإِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلآنَ وَقَدْعَصَيْتَ قَبْل وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ( [يونس: 90 ـ 92] ([12]).
ولا ريب أن جثة الفرعون قد انتشلت بعد انتهاء المطاردة واندحار جيش فرعون لتحنط مع مومياوات أسلافه، والتي اكتشفها الكشوف الأثرية واحدة بعد الأخرى.
ترجح الدراسات التاريخية أن فرعون الخروج هو أمنفتاح (أو مرنبتاح) الذي كان عصره بين عامي 1231ـ 1220 قبل الميلاد، والذي ترقد مومياؤه في المتحف المصري بالقاهرة، وهناك آراء أخرى تميل إلى كون فرعون الخروج تحتمس الثالث (1501 ـ 1447 قبل الميلاد)، وأيا كان الفرعون فالمومياء قد حنطت وبقيت لتكون عبرة للأجيال، ولم يكن أحد يعرف أن جثث الفراعنة كانت تحنط وأنها ستظهر كلها إلى النور في الزمان البعيد، وذلك أبلغ برهان على صدق القرآن العظيم.

8/ 4 التوراة والإنجيل:
أوحى الله تعالى إلى نبيه الأمي بآيات تؤكد ضياع وإخفاء مصادر الكتب السماوية السابقة، وتحريف أحكامها، وتحويرها وتعديلها بأيدي الأحبار والرهبان،: قال تعالى:
)أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( [البقرة: 75].
) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ( [البقرة: 79].
)الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( [البقرة: 146].
)إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ( [البقرة: 159].
)إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( [البقرة: 174].
)ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(
[البقرة: 176].
)إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ( [آل عمران: 19].
)يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(
[آل عمران: 71].
)وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ([آل عمران: 78] ([13]).
)كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( [آل عمران: 93].
)وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ( [آل عمران: 187].
)مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاًا([النساء: 46].
)يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ( [المائدة: 15].
)يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ( [المائدة: 41].
)وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ( [الأنعام: 91].
)اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ( [التوبة: 31] ([14]).
وقد ألقى البحث التاريخي الحديث الأضواء على تطور نصوص العهد القديم والجديد، والتي تختلف اختلافا بينا عن النصوص الأصلية لكل من التوراة العبرية والإنجيل الآرامي، والتي لا يعرف لها أثر أو مكان، ولم تبدأ كتابة النصوص الحالية للتوراة إلا بعد رحيل موسى بأكثر من ألف عام، وتضم -التوراة- ـ إلى جانب ما بقي من وصايا موسى ـ التراث الشعبي والتاريخي والقضائي لبني إسرائيل عبر الأجيال، وأصبح من العسير وصفها بأنها -كتاب سماوي-، أما الإنجيل (العهد الجديد) فيضم أربع أناجيل باسم متى ومرقس ولوقا ويوحنا، ويعتقد أنها كتبت خلال القرن الثاني بعد رحيل المسيح عليه السلام، ويشك المؤرخون كثيرا ـ كما جاء في دائرة المعارف البريطانية ـ في نسبة هذه الأناجيل إلى أصحابها، وهذه الأناجيل في صياغتها إنما هي سرد لحياة عيسى عليه السلام، وقد حفلت فيما بينها باختلافات بينة، لا شك مرجعها إلى أن من كتبوها بشر مختلفون؛ في أزمان وأمكنة مختلفة، ثم جرت عليها الأيدي بالتعديل على مدى العصور، ولا يتسع المجال هنا لحصر وسرد هذه الاختلافات، سواء بين الأناجيل الأربعة بعضها البعض وأحياناً بين إصحاحات نفس الإنجيل، وكذلك العبارات والروايات التي تتعارض مع المنطق، مما لا يتسع له مجال هذا البرهان، وبينتها دراسات النصوص المسيحية المعتمدة (انظر المراجع)، ولكنا نذكر منها كمثال رئيسي بارز ما يتعلق بمولد المسيح وما يتعلق بقصة صلبه.
تناول كل من إنجيل متى وإنجيل لوقا نسب عيسى من جهة أبٍ هو يوسف النجار خطيب السيدة مريم العذراء، بينما المسيح عليه السلام ـ مثله كمثل أبينا آدم عليه السلام ـ لا أب له، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تختلف سلسلة النسب اختلافاً شبه تام بين روايتي متى ولوقا.
كذلك حفلت روايات صلب وقيام المسيح بتناقضات بين الأناجيل الأربعة، ولم يشهد الحواريون صلب المسيح ولم ينقل عن أي منهم رواية قاطعة، ومن أبرز ما يتضح من تحليل رواية الأناجيل ـ طبقاً لرواية إنجيل يوحنا ـ أن من ظنوه عيسى؛ عندما أنزلوه من الصليب على عجل قبل عطلة السبت؛ كان حيا بدليل العبارة الآتية:
(وأما يسوع فلما جاءوا إليه ليكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات، لكن واحدا من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء ـ يوحنا 19/ 33ـ 34)، وهذه الرواية تتناقض مع ما جاء في بقية الأناجيل عن مشهد الصلب.
ومن ناحية أخرى عندما التقى عيسى عليه السلام بحوارييه بعد محاولة الصلب كان بشرا حيا؛ ولم يكن روحا آتية من العالم الآخر، ولكي يؤكد لهم ذلك ـ بنص الأناجيل ـ ويطمئنهم جاء في إنجيل لوقا: (فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحا فقال لهم: ما بالكم مضطريين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم، انظروا يدي ورجلي إني أنا هو، جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي، وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه، وبينما هم غير مصدقين من الفرح ويتعجبون قال لهم أعندكم هاهنا طعام فناولوه جزءا من سمك مشوي وشيئا من شهد عسل فأخذ وأكل قدامهم ـ لوقا 24/ 37ـ 43).
أما قصة قيامة المصلوب من قبره بشهادة مريم المجدلية، فروايات الأناجيل الأربعة هي أربع روايات مختلفة عن بعضها، لا تتفق فيها رواية مع الأخرى، كما يظهر بمقارنة الإصحاحات:
متى 28، مرقس 16، لوقا 24، يوحنا 20.
وصدق الله العظيم في كتابه الكريم:
)وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا. وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(
[النساء: 156ـ 158].
ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا قومه (ولا أتباعه من السلف الصالح لبضع قرون على الأقل) يعرفون تفاصيل ما أكده القرآن الكريم وإلا لتناولها صلى الله عليه وسلم في حديثه للرد على أهل الكتاب، ومن المعروف أيضا أنه لم تظهر نسخة عربية من الكتاب المقدس (التوراة والأناجيل) إلا حوالي القرن العاشر الميلادي.
8/5 محمد بشارة موسى وعيسى:
كشف القرآن عما كان مستورا في نصوص التوراة والإنجيل عن التبشير ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم خاتما للمرسلين، قال تعالى:
)وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ( [آل عمران: 81].
)الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( [الأعراف: 157]([15]).
)وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ. أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ( [الشعراء: 196، 197] ([16]).
)قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( [الأحقاف: 10].
)وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاَءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ. وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ( [العنكبوت: 47، 48].
)وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ( [الصف: 6].
لم يكن النبي يعرف من هذه النصوص شيئا، ولو عرفه لأعلنه للملأ، وكما أوضحنا ـ كما ثبت تاريخيا ـ لم تكن ثمة ترجمة عربية لا للعهد القديم ولا العهد الجديد وقت نزول القرآن وبعده بعدة قرون؛ وإلا أثبتها أو أشار إليها التراث العربي الزاخر.




أولا ـ في العهد القديم (التوراة):
أ ـ تتضح هذه النبوءات جلية في سفر التثنية من العهد القديم الذي جاء فيه أن رسالة التوحيد ستظهر في أمة أخرى، وأن نبيها سيكون من أبناء عمومتهم:
(يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من إخوتك مثلى له تسمعون ـ تثنية 18/15).
وجاء في سفر التثنية أيضا:
(أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ـ تثنية 18/ 18).
والذي يدل على أن النبي المنتظر من أبناء إسماعيل قوله: -من إخوتكم- أي من أبناء إسماعيل لا أبناء إسحاق وإلا لكان يقال -نبي منكم أو من ذريتكم- وأنه سيكون نورا صادرا من جزيرة العرب:
(وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال: جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران (تثنية 33/1ـ 2).
وفاران اسم قديم لمكة، والتي ـ بنص التوراة ـ أتى إليها إبراهيم عليه السلام بزوجه هاجر وابنه إسماعيل:
(فبكى إبراهيم صباحا وأخذ خبزا وقربة ماء وأعطاها لهاجر . . . وكان الله مع الغلام فكبر . . . وسكن في برية فاران - تكوين 21/ 20ـ 21).
ومثله في نبوءة أشعياء:
(وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين، هاتوا ماء لملاقاة العطشان ياسكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه، فإنهم أمام السيوف قد هربوا، من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحرب ـ أشعياء 21/ 13ـ 15).
وكذلك إشارته في (أشعياء/ 42ـ 11) إلى بلاد قيدار:
(غنوا للرب أغنية جديدة لتسبيحة من أقصى الأرض، أيها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر وسكانها، لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار، لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا، ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر ـ أشعياء 42/ 10 ـ 12).
وقيدار هو ابن إسماعيل الذي ذكر أيضا باسمه في (التكوين 25/ 13). كما تشير عبارات (أشعياء 42/ 11) أيضا إلى مَنْ ينشدون من قمم الجبال تسبيحا لله: إشارةً إلى التلبية أثناء الحج بعرفة ومنى والمزدلفة، للآتين من أقصى الأرض والمنحدرين في البحر والجزائر وسكانها!
ب ـ وأنه أمي لا يعرف الكتابة:
(أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة ـ أشعياء 29/ 12).
أي أنه لن يأتي بكلام من عنده بل سيردد ما يوحَى إليه مصداقاً للآيات:
)وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( [الشورى: 52].
)وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى. وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (
[النجم: 3ـ 10].
)لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ( [القيامة: 16ـ 19] ([17]).
)كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ( [الرعد:30].
)وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ( [العنكبوت: 48].
)قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ( [الأحقاف: 9].
جـ ـ وأنه سيكون مثل موسى، كما جاء في سفر التثنية من العهد القديم:
(أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصى به ـ تثنية 18/ 18).
أي صاحب رسالة جديدة للعالمين خلافا لعيسى عليه السلام، الذي كانت رسالته خاصة ببني إسرائيل، لتصحيح ما حرفوه من تعاليم موسى:
)قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا( [الأعراف: 158].
)وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(
[سبأ: 28].
بينما جاء في الأناجيل على لسان عيسى:
(لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل
- متى 5/ 17).
(فأجاب وقال: لم أُرْسَل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة ـ متى 15/24).
(هؤلاء الإثني عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا: إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ـ متى 10/ 5 ـ 6).
كذلك تزوج موسى وقاد بني إسرائيل وأتى بشرائع وأحكام عملية، مثله في ذلك مثل محمد e، وما كان ذلك شأن عيسى.
د ـ وأنه سينطق باسم الله، كما ذكر أيضاً في سفر التثنية:
(ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه ـ تثنية 18/ 19).
وكل سور القرآن (عدا براءة) تبدأ بالبسملة، والمسلم يردد -بسم الله الرحمن الرحيم- مراراً في كل صلاة، ويبدأ بها كل عمل!
ثانيا ـ في أناجيل العهد الجديد:
أما الإنجيل فقد أتى ببشارة محمد بوصفه –المعزى- في النص العربي المتداول، وهو المقابل لكلمة Comforter الإنجليزية ، وكلاهما مترجم عن كلمة "باراكليتوس" اليونانية في الترجمة اليونانية للإنجيل:
(لكني أقول لكم الحق أنه خير لي أن أنطلق، لأنه لم أنطلق لا يأتيكم المعزى، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ـ يوحنا 16/ 7).
(إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ـ يوحنا 16/ 12ـ 13).
وقد أثبت البحث في أصل كلمة -باراكليتوس- أنها مأخوذة من العبرية -بيرقليط- بمعنى المحامي أو المدافع، وقد بين البحث في تاريخ اللغة أن هجاء هذه الكلمة في العبرية القديمة يطابق هجاء كلمة -بارقليط- التي تعني بالعبرية -المستوجب للحمد أو المحمود أو المحمد-، إذ لم تكن حروف المد بعد مستخدمة في الكتابة العبرية قبل القرن الخامس الميلادي.
كما أكدت نصوص الأناجيل (النص السابق: يوحنا 16/ 12 ـ 13) أن الرسول لن ينطق من تلقاء نفسه، بل سيبلغ ما يوحى إليه (وانظر: أولا ـ ب أعلاه)، وأنه سيأتي بعد رحيل عيسى (كما في يوحنا 16/ 7 أعلاه)، وأن رسالته ستنطلق من أمة أخرى غير بني إسرائيل:
(قال لهم يسوع: أما قرأتم قط في الكتب، الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا، لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تحمل أثماره ـ متى 21/ 42ـ 43).

8/ 6 أهل الكهف:
في كشوف أثرية حديثة، عثر على كهف بمنطقة "الرقيم" التي تبعد سبعة كيلومترات عن عَمَّان، وهي المشار إليها في الآية:
)أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا( [الكهف: 9] ([18]).
وقد وجدت بجدران الكهف عبارات التوحيد، محفورة بلغات قديمة .
تصميم فتحات الكهف يحقق ما جاء بالآية التالية عن حماية منتصفه من نفاذ أشعة الشمس، سواء من المشرق أو من المغرب:
)وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا( [الكهف: 17].
وفي قصة أهل الكهف آية علمية أخرى، هي -الضرب على الآذان- بمعنى تعطيل حاسة السمع، حتى يستمر نومهم الطويل، إذ أن السمع هو الحاسة الوحيدة التي تعمل أثناء النوم:
)فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا( [الكهف: 11].
و من آيات هذه القصة كذلك: الإشارة إلى التقليب المستمر لأهل الكهف يمنة ويسرة أثناء نومهم الطويل، آية أخرى من آيات الإعجاز، فقد أثبت علماء طب الجلد أن النوم الطويل يؤدي إلى قرح الفراش، وانسداد الأوردة الدموية؛ والضغط على أعصاب القدمين، ومن هنا يبدو إعجاز القرآن في الإشارة إلى اللطف الإلهي بتقليبهم طوال نومهم الطويل:
)وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا( [الكهف: 18[.

الفصل التاسع

في نبوءات المستقبل


9/1 إعجاز القرآن وحفظه:
أ ـ وعد الله سبحانه بحفظ القرآن الكريم وبقائه إلى آخر الزمان؛ بعهد الله وقسمه، وقد كان، فالقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي لم يعتره تعديل ولا تحريف ولا اختلاف:
)إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( [الحجر: 9]([19]).
والحفظ الذي تكفل به الله سبحانه وتعالى هو للقرآن دون سائر الكتب السماوية كما يتبين من مقارنة الآية السابقة بآية [المائدة: 44[:
)إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ(.
فالحفظ للكتب السماوية السابقة كان منوطا بأهل التوراة وأهل الإنجيل فما رعوها حق رعايتها، كما بينا من قبل (انظر10/ 4).
ب ـ النبوءة القرآنية بأن العلم سيتقدم، وسيتعرف البشر على المزيد من آيات الإعجاز في رسالة الإسلام ـ وهو ما تحقق فعلا ـ هي في حد ذاتها (أي النبوءة) إعجاز علمي تاريخي أكده ويؤكده، يوما بعد يوم، تاريخ العلوم المطرد:
)سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ( [فصلت: 53] ([20]).
)وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( [النمل: 93] ([21]).
)إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ. وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ( [ص: 87: 88].
)وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ(
[الأعراف: 52ـ 53].
)أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ( [يونس: 38ـ 39] ([22]).
وهنا أيضا لم يدرك المفسرون القدماء مغزى –تأويله- فصرفوا المعنى إلى أن المقصود هو ما سيأتيهم من الوعيد، رغم أن سياق الآيتين في سورة الأعراف وسورة يونس يتحدث عما جاء به القرآن من علم، فتسبق آية الأعراف (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ . . . ) الآية: )وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( [الأعراف:52]، وكذلك آية يونس (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ . . . ) تسبقها الآية:
)أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( [يونس: 38[. أي أن الفهم الصحيح والتأويل السليم للقرآن وآيات إعجازه، سيأتي بعدُ حين يشاء الله.
جـ ـ تحدي القرآن أن يأتي البشر ـ كل البشر أفرادا أو مجتمعين ـ أن يأتوا بما يضاهي البيان القرآني، وتنبأ بعجزهم جيلا بعد جيل، كما في التحدي الذي جاءت به آية (يونس/ 38)، وفي هذه الآيات:
)أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( [هود: 13].
) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا( [الإسراء: 88] ([23]).
)قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(
[القصص: 49].
)أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاَ يُؤْمِنُونَ. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ(
[الطور: 33، 34] ([24]).
وقد كان: فلم يكتب بشر ما يضاهي في بلاغته ـ ولو ادعاءً ـ بلاغة القرآن، وقد تكفل علماء العربية والإسلام بدراسة النص القرآني وتحليله، ومقارنته بلغة اللسان العربي وآدابه في القديم والحديث، وبرهنوا على تميز الخطاب القرآني واستعصائه على المحاكاة، وأن كل سورة وكل عبارة وكل كلمة، بل كل حرف فيه، إنما صيغت لتعبر أدق تعبير وتؤثر أعمق تأثير في السمع والعقل والفؤاد (وانظر الفصل الأول). ومازالوا يستكشفون المزيد من أسرار البيان القرآني ، ويبقى القرآن معجزة بلاغية ماثلة إلى آخر الزمان.

9/2 انتصار الدعوة:
أ ـ تنبأ القرآن مقدما بكل ما كان: من استمرار الدعوة الناشئة في أحلك الظروف وأقساها، وبحفظ الله تعالى نبيه من تآمر الكافرين على اغتياله، وبفتح مكة ودخول الكعبة وتطهيرها من الأصنام، كما تبينها الآيات المتتالية الآتية:
1-)يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ( [المائدة: 67] ([25]).
2-)إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ. وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ( [القصص: 85 ـ 86] ([26]).
3-)إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا. وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا( [الفتح: 1ـ 3] ([27]).
4-)لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا( [الفتح:27].
وهذه الآية قد نزلت وقت أن كانت الجماعة المسلمة مستضعفة: في عمرة القضاء، التي اضطر فيها المسلمون إلى قبول شروط المشركين في صلح الحديبية، وفي مناسبة نزول هذه الآية:
*(لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا: أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله؟ فنزلت الآية)
(الحاكم والطبراني في الأوسط).
5-)يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ( [الصف: 8 ـ 9].
6-)هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ( [التوبة: 33].
7-الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ( [الأنفال: 36].
8-)سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ( [القمر: 45].
وهذه الآية الأخيرة نزلت في مكة حيث لا مجال للحديث عن القتال واندحار المشركين وفرارهم.
ب ـ كما تنبأ بموت نفر من الكفار بعينهم على الكفر، وقد كان، ولم يكن ثمة ما يمنع إسلامهم، وقد أسلم من كانوا أشد منهم عداء للإسلام كعمر بن الخطاب رضي الله عنه وخالد بن الوليد، فنزلت الآيات:
*) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلآَّ قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ( [المدثر: 11 ـ 26]:
نزلت في الوليد بن المغيرة.
* )تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَد( [المسد: 1ـ 5]:
نزلت في أبي لهب وزوجه أم جميل العوراء.
* )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ( [لقمان: 6، 7] ([28]):
نزلت في النضر بن الحارث.

9/3 هزيمة الفرس:
ما جاء به القرآن من نبوءات تاريخية، هي من الغيب الذي لا يعلمه إلا خالق الكون القيوم سبحانه وتعالى، وقد تحقق نبوءة بعد الأخرى . من أشهر النبوءات اندحار الفرس أمام الروم في بضع سنين من نزول الآية:
)الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. وَعْدَ اللَّهِ لآَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لآَ يَعْلَمُونَ( [الروم: 1ـ 6] ([29]).
والبضع لغة: ما بين الثلاث والتسع، وقد كانت كل الدلائل تشير إلى العكس، أي إلى النصر النهائي للفرس.
كما اقترن ذلك بنصر المسلمين في نفس الوقت يومئذ في غزوة بدر الكبرى.

9/4 فساد البيئة:
تنبأ القرآن الكريم بما سيصيب البيئة الأرضية من تدهور وفساد بفعل البشر، وأطماعهم وسوء استخدامهم لما أنعم الله عليهم في الأرض والموارد، وغفلتهم عن حمل أمانة عمارة الأرض وإصلاحها والتعاون على الخير، التي حملهم إياها الله سبحانه وتعالى، وهذا ما تنطق به الآيات.
)ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ( [الروم: 41] ([30]).
)وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ( [الأعراف: 56].
الجمع بين البر والبحر يؤكد أن المقصود هو فساد البيئة، فلو ذكر البر فقط لربما فهم المقصود بأنه الفساد الناشئ عن الظلم والاستبداد والحروب؛ وهو ما ذهب إليه بعض المفسرين من القدماء، ولكنا نتساءل: أي فساد يصيب البحار من جراء صراعات البشر، إن المعنى المباشر ظاهر ولا مجال فيه للتأويل.
في التنبؤ بأن الإنسان مهما بلغ علمه وزادت معرفته لن يكون ـ بغير هدى الله ـ أهلا لمسئولية الحفاظ على نعم الله في الأرض قال تعالى أيضا:
)إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً( [الأحزاب: 72].

9/5 علامات الساعة:
حدث المصطفى صلى الله عليه وسلم بما أعلمه به الروح الأمين مما سيحدث من إرهاصات لقيام الساعة وعلامات لها، ومنها علامات صغرى تتوالى على امتداد الزمان حتى اقتراب القيامة؛ ثم علامات كبرى بين يدي الساعة لا تغني بعدها توبة، ولا ينفع إيمان نفس لم تكن آمنت من قبل.
جاءت أحداث التاريخ وما وقعت به من بعض العلامات الصغرى ـ التي أنبأت بها الأحاديث المطهرة ـ برهانا ساطعا على صدق الرسول وصدق الرسالة، ولنتدبر هذه الأحاديث:
*(إذا رَأيْتَ الحُفاةَ العُراةَ العالة رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطاوَلُونَ في البُنْيان فانْتَظِروا السَّاعة) (البخاري ومسلم).
*(لَيَأْتِيَنَّ على النَّاسِ زَمانٌ لا يَبْقَى أَحَدٌ إلاّ أَكَلَ الرِّبا، فإنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أصابَهُ مِنْ غُبارِه) (أبو داود وابن ماجة).
*(لا تَقومُ السَّاعةُ حتى يُقْبَضَ العِلْمُ، وتَكْثُرُ الزَّلازِلُ، ويَتَقَارَبُ الزَّمانُ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ، ويَكْثُرُ الهَرْجُ وهو القَتْلُ القَتْلُ حتى يَكْثُرُ فيكُم المالُ فَيَفيض …، وحتى يَتَطاوَلُ الناسُ في البنيان) (البخاري).
*(إنَّ مِنْ أَشْراطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، ويَكْثُرُ الجَهْلُ، ويَكْثُرُ الزِّنا، ويَكْثُرُ شُرْبُ الخَمْرِ) (البخاري ومسلم).
*(صِنْفان مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُما: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِياطٌ كَأذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِها النّاسَ، ونِساءٌ كَاسِياتٌ عارِياتٌ مُميلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كأسْنِمَة البُخْت المائلة، لايَدْخُلْنَ الجَنَّةَ ولا يَجِدْنَ ريحَها) (مسلم وأحمد).
*(مِنْ علاماتِ اقترابِ الساعةِ تَشَبُّهُ الرِّجالِ بالنِّساءِ، والنِّساءِ بالرِّجال)
(أبو نعيم في الحلية).
*(أنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ تَسْليمَ الخاصَّة[31] ،وفُشُوَّ التِّجارَةِ حَتَّى تُعِينَ المَرَأَةُ زَوْجَها على التجارة، وقَطْعَ الأَرْحامِ، وشهادَةَ الزُّورِ، وكِتْمانَ شَهادَةِ الحَقِّ وظُهورَ القَلَمِ) (أحمد).
*(لا تَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي على الحَقِّ ظاهِرِينَ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلَهُمْ حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللهِ) (مسلم والترمذي وأبو داود).

ولنقارن بوقائع التاريخ:
ـ أصبح العالم شئنا أو لم نشأ يتعامل بالربا، فالنظام النقدي العالمي المتشابك الذي ترتبط به كل دول العالم وتوجهه المؤسسات المالية الكبرى (التي يسيطر عليها اليهود) نظام ربوي، والنقد الورقي الذي تسير به كل معاملاتنا له غطاء ذهبي غير مستقر؛ وإنما يتراوح صعودا وهبوطا مع أسعار العملات وتقلبات أسواق الأوراق المالية؛ ومعنى ذلك أن القيمة الفعلية لأي مال تملكه يضاف إليها ربا أو يخسر منها يوما بعد يوم.
ـ الزنا ومعاقرة الخمر والمخدرات: تفشو كالوباء في كل المجتمعات؛ وأصبح الفن والإعلام العالمي لترويج هذه الشرور له الصوت الأعلى، بل كاد ينفرد بتوجيه عقل البشر في كل المجتمعات.
ـ قبض العلماء: أين هم في أسواق عكاظ الجاهلية المعاصرة ، التي ابتكرت وسائل للنشر والتأثير لا تتسع إلا للملحدين والمفسدين.
ـ قطع الأرحام: وقد تمزقت الأسر؛ ولم يعد لها وجود فعلي إلا في بعض المجتمعات التي لم يزل فيها بقية من دين.
ـ فشو التجارة: وقد أصبح العالم سوقا واحدا تتصل أسواقه المالية بالحاسبات والأقمار الصناعية، وتسيطر على تجارته الشركات متعددة الجنسيات التي توجه الصفقات والأسعار؛ وأيضا السياسات والحكومات.
ـ التطاول في البنيان: وقد وصلت ناطحات السحاب لمدى لم يكن يتخيله من جاء بالنبوءة صلى الله عليه وسلم، وقاد هذا الاتجاه سكان القارة الأمريكية، الذين كان أسلافهم من المهاجرين من شتى البلاد الأوربية؛ ومن قاع مجتمعاتها واشتهروا لأجيال طويلة بأنهم رعاة البقر.
ـ تشبه الرجال بالنساء والعكس: أصبح سمة بارزة في الأمم التي تسيطر على شعوب الأرض، بل أصبح الشذوذ هنالك نظاماً للزواج الطبيعي ندا لند.
ـ طائفة على الحق ظاهرة: فلم يندثر الإسلام رغم تطاول الزمان وتكالب الأعداء، بل قيض له في كل جيل من يحيي موات القلوب، ويبعث مدا جديدا للإسلام.

9/6 مشاهد القيامة:
أحداث القيامة من أمر الله تعالى لا يكشفها ولا يجليها لوقتها إلا هو، وقد حذرت الآيات القرآنية وأنذرت من أهوال ذلك اليوم، ووصفتها صفات تقربها إلى أذهاننا، وتتفق مع كل ما يكشفه الله لعباده من معارف ومفاهيم؛ فيظل القرآن دائما صادقا معجزا.
تتطابق كثير من علامات الساعة مع ما ندركه عن الكون وطبيعته؛ مثل انشقاق الغلاف الجوي:
)إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ( [الانشقاق: 1]، انشقت: تصدعت، أو انفطاره:
)إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ( [الانفطار: 1]، وانفطرت: انشقت.
ومثل تكور النجوم الغازية عندما يتقدم بها العمر فتبرد وتنكمش، وتتحول إلى ما يعرف بالقزم الأبيض وهو ما لوحظ عمليا في الدراسات الفلكية، كما جاء في آيتين عن تكور الشمس وانكدار النجوم.
)إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ( [التكوير: 1، 2] ([32]).
بينما تتفتت الكواكب الصلبة -تنتثر- عند اختلال النظام الكوني:
)وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ( [الانفطار: 2] ([33]).
وتفجير البحار كما في الآية:
)وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ( [الانفطار: 3] ([34]).
وكشط الغلاف الجوي:
) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ( [التكوير: 11] ([35]).
ومثل ضآلة الحجم الحقيقي لمادة الكون بالنسبة لاتساعه، والتي انطلقت لتملأ الكون أجراما سماوية متباعدة؛ حتى تتجمع ثانية بأمر الله يوم القيامة:
)يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ( [الأنبياء: 104] ([36]).
أكد المولى جل وعلا استحالة معرفة وقت الساعة أو التنبؤ به، وهذه الاستحالة يؤكدها العلم الحديث؛ بسبب واضح أشرنا إليه عند الحديث عن أبعاد الكون الذي يضم بلايين المجرات؛ أقربها إلى مجرتنا على بعد 700000 سنة ضوئية؛ بينما يقطع الضوء داخل مجرتنا وحدها 50000 سنة ليصل إلى حافتها (من المركز)، ومعنى ذلك ببساطة شديدة أن أعظم أجهزة الرصد على كوكب الأرض لا تستطيع أن ترى أو تكشف حدثا كونيا ضخما داخل مجرتنا؛ إلا بعد سنين أو عشرات أو مئات أو آلاف السنين من وقوعه (فما بالك بما يحدث في مجرة بعيدة)، فإذا بدأت الأحداث الكونية الممهدة للقيامة بانفجار نجم أو نجوم، أو اصطدام أجرام سماوية بجسم من داخل المجرة أو خارجها (بما يخل بتوازن المجرة بما فيها مجموعتنا الشمسية)، فإننا لن ندرك أو نبصر الحدث في حينه وسنظل غافلين عنه دهورا حتى تقع الواقعة فعلا في أرضنا وتصيبنا أهوالها.
ما الذي يدرينا أن مقدمات الساعة لم تبدأ فعلا في مكان ما في أرجاء الكون الفسيح، ومن الذي يستطيع ـ علميا في ضوء هذا التحليل ـ أن ينكر احتمال أن تأتينا تداعياتها بغتة في أي لحظة، أليست هذه آية كبرى على صدق وإعجاز القرآن الكريم الذي يؤكد مرارا استحالة التنبؤ بالقيامة، واستئثار الله تعالى بمعرفتها، وصدق الله العظيم:
)إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى( [طه: 15[.
)فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ( [محمد: 18[.
)اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ( [الشورى: 17[.
)اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ( [القمر: 1[.
)قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ( [الأنعام: 31[.
)أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ(
[يوسف: 107[.
)وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ( [الحج: 55[.
)هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ( [الزخرف: 66[.
)بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ( [الأنبياء: 40[.
)يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ( [الأعراف: 187[.
)إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( [لقمان: 34[.
)يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا( [الأحزاب: 63[.
)إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ( [فصلت: 47[.
)وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( [الزخرف: 85[.
)يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا. إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا(
[النازعات: 42ـ 44[.

وصدق الله العظيم في كتابه المعجز الكريم.

المراجع

أولا- مراجع التحقيق:
1. أيسر التفاسير ، لكلام العلي القدير، وبهامشه نهر الخير – أبو بكر الجزائري – دار السلام – 1994.
2. الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري – تحقيق عبد السلام هارون وأحمد عبد الغفور عطار – دار المعارف.
3. المصحف المفسر – محمد فريد وجدي - دار الشعب- 1977
(يشار إليه : المفسر).
4. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم – محمد فؤاد عبد الباقي – دار الحديث – 1987.
5. المعجم الوجيز – مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
6. المعجم الوسيط – مجمع اللغة العربية بالقاهرة – (يشار إليه: الوسيط).
7. المنتخب في تفسير القرآن الكريم – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – ط11 – 1985 – (يشار – إليه: المنتخب).
8. صفوة التفاسير – محمد على الصابوني – دار القرآن الكريم ببيروت – 1981 (يشار إليه: الصفوة).
9. في ظلال القرآن – سيد قطب – دار الشروق – 1977 – (يشار إليه: الظلال).
10. لسان العرب لابن منظور – دار المعارف – (يشار إليه: اللسان).
11. معجم ألفاظ القرآن الكريم – مجمع اللغة العربية بالقاهرة – ط3 – 1990.
12. موسوعة الحديث الشريف - إصدار 2.1 - حرف لتقنية المعلومات (قرص ليزر) – 1998.

ثانيا- مراجع في الإعجاز البياني للقرآن:
13. الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب - إعجاز القرآن (تحقيق السيد أحمد صقر) - دار المعارف - 1954.
14. البدراوي زهران – ظواهر قرآنية في ضوء الدراسات اللغوية بين القدماء والمحدثين – دار المعارف – طـ 2 – 1993.
15. الجرجاني، عبد القاهر – دلائل الإعجاز (تحقيق محمود محمد شاكر) – مكتبة الخانجي – 1985.
16. الزملكاني، كمال الدين عبد الواحد – البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن (تحقيق خديجة الحيثي وأحمد مطلوب) – 1974.
17. ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني (تحقيق محمد خلف الله أحمد ومحمد زغلول سلام) – دار المعارف.
18. عائشة عبد الرحمن - الإعجاز البياني للقرآن، ومسائل ابن الأزرق - دار النشر للجامعات.
19. عبد القادر أحمد عطا ـ عظمة القرآن ـ دار الكتب العلمية بيروت ـ 1984.
20. عبد القادر أحمد عطا (تحقيق) – أسرار ترتيب القرآن للسيوطي – دار الاعتصام – 1976.
21. عبد الكريم الخطيب – الإعجاز في دراسات السابقين – دار الفكر العربي - 1974.
22. عبد الله شحاتة – أهداف كل سورة ومقاصدها في القرآن الكريم.
23. عبد المتعال الصعيدي – القرآن: إعجازه وبلاغته – مكتبة الآداب.
24. عبد المتعال الصعيدي – النظم الفني في القرآن – مكتبة الآداب.
25. فتحي أحمد عامر – فكرة النظم بين وجوه الإعجاز في القرآن الكريم – منشأة المعارف – 1988.
26. فتحي عبد القادر فريد – فنون البلاغة بين القرآن وكلام العرب – مكتبة النهضة المصرية – 1984.
27. كاظم الظواهري – بدائع الإضمار القصصي في القرآن الكريم – دار الصابوني – 1991
28. مالك بن نبي – الظاهرة القرآنية (ترجمة عبد الصبور شاهين، تقديم محمود محمد شاكر) – مكتبة دار العروبة – 1958.
29. محمد أبو زهرة -المعجزة الكبرى القرآن – دار الفكر العربي – 1970.
30. محمد أحمد العزب – الإعجاز القرآني من الوجهة التاريخية – دار المعارف – 1977.
31. محمد السيد شيخون – الإعجاز في نظم القرآن – دار الهداية – 1995.
32. محمد عبد الله دراز – النبأ العظيم (تحقيق عبد الحميد أحمد الدخاخني) – دار المرابطين – الإسكندرية – 1997.
33. محمود السيد حسن – روائع الإعجاز في القصص القرآني – المكتب الجامعي الحديث – الإسكندرية.
34. مصطفى الصاوي الجويني - جماليات المضمون والشكل في الإعجاز القرآني – منشأة المعارف – 1983.

ثالثا- مراجع في الإشارات العلمية في القرآن و السنة:
35. أبو الوفا عبد الآخر ويحيى ناصر – تقليم الأظفار في ضوء السنة النبوية والعلوم الطبية – مكتبة الآداب – 1996.
36. أبو بكر الجزائري -عقيدة المؤمن – دار الكتب السلفية.
37. أحمد الحوفي - معاني السماء والأرض في القرآن- – مؤسسة الخليج العربي بالقاهرة – 1987.
38. أحمد سلامة – القرآن يبوح بأسراره – مكتبة ابن سينا.
39. السيد الجميلي -الإعجاز الطبي في القرآن – دار الفكر البناني.
40. السيد الجميلي -الإعجاز الفكري في القرآن – ابن زيدون ببيروت.
41. السيد الجميلي -الإعجاز الكوني في القرآن – دار زاهد القدسي – 1988.
42. الشيخ محمد سويد – الإسلام وغزو الفضاء (دعوة الحق – العدد 72) – رابطة العالم الإسلامي – 1987.
43. جمال الدين حسين مهران - آيات من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم – الأنجلو المصرية – 1992.
44. جمال عبد المنعم الكومي – من الإعجاز العلمي في السنة: عودة الأنهار إلى شبه الجزيرة العربية – مطبعة المعرفة.
45. حسن ضياء الدين عتر – المعجزة الخالدة – دار البشائر الإسلامية.
46. حسين نصار –الإنباء بالغيب في الإعجاز القرآني – الهيئة العامة للكتاب – 1994.
47. خليفة حسين العسال – من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم – (مطبعة الفجر الجديد) – 1994.
48. رشدي فكار - لمحات عن منهجية الحوار والتحدي الإعجازي للإسلام في هذا العصر– مكتبة وهبة – 1982.
49. رفيق أبو السعود – إعجازات حديثة علمية ورقمية في القرآن – دار المعرفة – دمشق – ط4 – 1994.
50. سراج الدين زكريا – إعجاز القرآن في سلامة جسمك – نهضة مصر.
51. سعدى ياسين – البرهان على سلامة القرآن – الدار العربية للعلوم – بيروت.
52. سيد عبد الحميد مرسى – ونفس وما سواها – مكتبة وهبة.
53. صابر طعيمة – العقل والإيمان في الإسلام – دار الجيل.
54. صادق علي – القرآن والطب الحديث – دار الجيل.
55. صباح محمد باقر – بحوث طبية حول الصيام – مؤسسة الخليج والعربي.
56. طنطاوي جوهري – القرآن والعلوم العصرية: خطاب إلى جميع المسلمين.
57. عادل القلفى – كشوف جديدة في إعجاز القرآن الكريم – دار الجيل.
58. عادل طه يونس - حياة الأنبياء بين حقائق التاريخ والمكتشفات الأثرية الجديدة – مكتبة القرآن – 1990.
59. عبد الحليم كامل - وفي أنفسكم أفلا تبصرون: هذا خلق الله – دار المريخ بالرياض – 1984.
60. عبد الحميد عبد العزيز - الإعجاز الطبي في القرآن الكريم، تأملات طبية حول 10 آيات قرآنية – ابن سينا – 1992.
61. عبد الحميد عبد العزيز - الطب والإسلام، جـ1 3- أخبار اليوم – 1988، 1989، 1990.
62. عبد العال الحماصي - القرآن معجزة كل العصور، وموضوعات أخرى– دار المعارف – 1987.
63. عبد العزيز عرفة - قضية الإعجاز القرآني - دار الجيل.
64. عبد الغني الخطيب – أضواء من القرآن على الإنسان ونشأة الكون والحياة – دار الفتح – 1970.
65. عبد الفتاح محمد طيرة – خلق الإنسان: دراسة علمية مقارنة – الهيئة العامة للكتاب.
66. عبد الله شحاتة - تفسير الآيات الكونية – دار الاعتصام – 1980.
67. عبد الله عبادة – الطب في القرآن – مكتبة الخانجي..
68. عبد المجيد الزنداني - آيات الله في الآفاق- إعداد محمد إبراهيم سليم – مكتبة القرآن – 1993.
69. عبد المجيد الزنداني - الإسلام أو الضياع – إعداد محمد إبراهيم سليم – مكتبة القرآن – 1993.
70. عبد المجيد الزنداني - يا أبناء الإسلام دينكم دين الحق وكل آية في القرآن إعجاز – إعداد محمد إبراهيم سليم – دار القرآن – 1993.
71. عبد المجيد الزنداني وآخرون - الإيمان – دار القلم بدمشق طـ3 – 1984.
72. عبد المحسن صالح - من كل شيء موزون – دار عكاظ – 1984.
73. عبد المحسن صالح - ومن كل شيء خلقتنا زوجين – دار عكاظ – 1984.
74. عبد المنعم السيد العشري - تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم– الهيئة العامة للكتاب – 1985.
75. عبد المنعم قنديل – التداوي بعسل النحل – مكتبة التراث الإسلامي.
76. عبد المنعم محمد الحفني وآخرون – أوجه من الإعجاز العلمي في: عالم النحل، اللبن وتركيبه الكيميائي، الحبة السوداء – هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة – 1987.
77. عدنان الشريف – من علم الطب القرآني – دار العلم للملايين – بيروت.
78. عدنان الشريف- من علم الفلك القرآني – دار العلم للملايين – بيروت.
79. عكرمة سعيد صبري (مفتي القدس) – أضواء على إعجاز القرآن الكريم – مركز الأهرام للترجمة والنشر.
80. فتحي رضوان - الإسلام ومشكلات الفكر– دار المعارف – 1973.
81. قطب عامر فرغلي والسيد محمد زيدان – عالم النبات – هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة – 1987.
82. كارم السيد غنيم – الإشارات العلمية في القرآن الكريم بين الدراسة والتطبيق- دار الفكر العربي 1994.
83. كارم السيد غنيم – الإشارات العلمية في القرآن الكريم – دار الفكر العربي – 1995.
84. كارم السيد غنيم – عجائب العنكبوت – دار الصحوة – 1989.
85. ماهر أحمد صوفى – آيات الله في البحار – دار البيان – 1996.
86. مجد متبولي غريب - إشارات هندسية في القرآن الكريم– دار المجد للدراسات الهندسية – 1991.
87. محمد أحمد جاد المولى – انشقاق القمر معجزة لسيد البشر – دار الطباعة الأهلية – 1929.
88. محمد السيد أرناؤوط - الإعجاز العلمي في القرآن – مكتبة مدبولي – 1989.
89. محمد جمال الدين الفندي - الإسلام والكون،جـ1 – الشرق الأوسط – 1990.
90. محمد جمال الدين الفندي - الإسلام وقوانين الوجود– الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1982.
91. محمد حسن هيتو – المعجزة القرآنية – مؤسسة الرسالة.
92. محمد داود الجزائري – الإعجاز الطبي في القرآن والسنة – دار ومكتبة الهلال.
93. محمد رشدي عبيد – الإيمان بالله جل جلاله في ضوء العلم والعقل – دار البيارق – بيروت.
94. محمد رشيد رضا – الوحي المحمدي: ثبوت النبوة بالقرآن ودعوة شعوب المدنية إلى الإسلام – الزهراء للإعلام العربي.
95. محمد سميح عافية – القرآن وعلوم الأرض – الزهراء للإعلام العربي – 1994.
96. محمد صبحي السويركي – الكيمياء الحديثة في ضوء القرآن الكريم – مكتبة اليازجي – غزة (مكتبة القرآن) – 1998.
97. محمد عبد الرزاق نوفل - القرآن والعلم الحديث – دار الشعب ط6 – 1982.
98. محمد عبد الرزاق نوفل – الإسلام والعلم الحديث – دار الإسلام (دار الكتاب العربي – بيروت).
99. محمد عبد الرزاق نوفل – السنة والعلم الحديث – دار الحديث.
100. محمد عبد الرزاق نوفل - الله والعلم الحديث – دار الشروق – 1990.
101. محمد عبد القادر الفقي -القرآن الكريم وتلوث البيئة – مكتبة المنار الإسلامية – 1985.
102. محمد عبد الله الشرقاوي – القرآن والكون – دار الجيل.
103. محمد عبد المنعم خفاجي – إعجاز القرآن - دار الجيل.
104. محمد عبد المنعم خفاجي وآخرون - القرآن معجزة كل العصور – الهيئة العامة للكتاب – 1988.
105. محمد علي البار – الوجيز في علم الأجنة القرآني – الدار السعودية.
106. محمد علي البار – دورة الأرحام – الدار السعودية.
107. محمد علي البار – علم التشريح عند المسلمين – الدار السعودية.
108. محمد علي البار – هل هناك طب نبوي؟ - الدار السعودية.
109. محمد علي البار- الصوم وأمراض السمنة – الدار السعودية.
110. محمد علي الصابوني – حركة الأرض ودورانها: حقيقة علمية أثبتها القرآن – دار القلم – 1991.
111. محمد فؤاد شاكر - من إعجاز السنة المشرفة- دار النيل للطباعة – 1995.
112. محمد فياض – إعجاز آيات القرآن في خلق الإنسان – دار الشروق – 1999
113. محمد كامل عبد الصمد - الإعجاز العلمي في الإسلام: جـ1 القرآن الكريم، جـ2 السنة النبوية – الدار المصرية اللبنانية – 1990.
114. محمد كمال عبد العزيز - إعجاز القرآن في حواس الإنسان – مكتبة القرآن – 1987.
115. محمد كمال عبد العزيز - إعجاز القرآن في خلق الإنسان – ابن سينا – 1990.
116. محمد كمال عبد العزيز - لماذا حرم الله هذه الأشياء؟ لحم الخنزير ، الميتة ، الدم : نظرة طبية في محرمات القرآن– مكتبة القرآن – 1987.
117. محمد محمود إبراهيم – إعجاز القرآن في علم طبقات الأرض – جامعة أسيوط – 1972.
118. محمد محمود إسماعيل - الإشارات العلمية في الآيات الكونية في القرآن الكريم– دار الدعوة بالإسكندرية – 1990.
119. محمد محمود عبد الله – الشفاء بعسل النحل – مكتبة الزاهراء.
120. محمد محمود عبد الله – الطب في القرآن والسنة – دار الجيل.
121. محمد محمود عبد الله – صيدلية النحل – مؤسسة الخليج العربي.
122. محمد محمود عبد الله – مظاهر كونية من القرآن الكريم – مؤسسة الخليج العربي.
123. محمد محمود عبد الله – مع الطب في القرآن الكريم – مؤسسة الخليج العربي.
124. محمود شكري الآلوسى – ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان – المكتب الإسلامي – 1960.
125. محمود عبد الله حمامي – الطب القرآني – دار الشرق العربي – بيروت.
126. محمود مصطفى – الجيولوجيا من درب الإيمان: أدلة علمية وحقائق قرآنية – دار المعرفة دمشق – 1995.
127. مدحت حافظ إبراهيم – الإرشادات العلمية في القرآن الكريم – دار غريب.
128. مصطفى الدباغ - وجوه من الإعجاز القرآني – مكتبة المنار بالأردن – 1985.
129. مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد – روز ليوسف – 1974.
130. مصطفى محمود - عالم الأسرار- (كتاب اليوم 331 ) – 1992.
131. مصطفى مسلم – مباحث في إعجاز القرآن – دار المنارة.
132. منصور محمد حسب النبي - القرآن الكريم والعلم الحديث – الهيئة العامة للكتاب (عربي/ إنجليزي) – 1989/ 1990.
133. منصور محمد حسب النبي (إشراف) – موسوعة ما فرطنا في الكتاب من شيء: (1)المعارف الكونية بين العلم والقرآن – دار الفكر العربي – 1997.
134. منظمة الصحة العالمية - أحكام الذبح والذبائح – 1988.
135. منظمة الصحة العالمية - الماء والإصحاح في الإسلام – 1988.
136. موريس الخطيب - من دلائل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية – مؤسسة الخليج العربي – 1994.
137. نادية محمد عثمان - إعجاز القرآن الكريم في علمي الأجنة والأطفال – كلية البنات الإسلامية – 1987.
138. نعمت صدقي -معجزة القرآن – دار الاعتصام – 1971.
139. نعيم الحمصي – فكرة إعجاز القرآن – مؤسسة الرسالة.
140. نقابة أطباء مصر – ندوة حول المؤتمر الثاني للإعجاز الطبي في القرآن والسنة – رابطة العالم الإسلامي – 1988.
141. هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة – الإعجاز العلمي في الناصية – 1987.
142. هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة - أبحاث في العدوى والطب الوقائي – من المؤتمر العالمي الأول للإعجاز، 18 – 21 أكتوبر 1987-.
143. هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة - تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة – 1987.
144. وحيد الدين خان - الإسلام يتحدى – دار البحوث العلمية بالكويت – 1970.
145. وليد بدر حمادة – المعجزة الكبرى – دار الحكمة – دمشق.
146. يحيى سعيد المحجري – آيات قرآنية في مشكاة العلم – المختار الإسلامي – 1991.
147. يوسف مروة – العلوم الطبيعية في القرآن – دار الجيل.

رابعا- مراجع في مقارنة الأديان:
148. إبراهيم خليل أحمد – إسرائيل والتلمود – دار المنار.
149. إبراهيم خليل أحمد – الغفران بين الإسلام والمسيحية – دار المنار.
150. إبراهيم خليل أحمد – لماذا أسلم صديقي، ورأى الفاتيكان في تحديات الإسلام – مكتبة التراث الإسلامي.
151. إبراهيم خليل أحمد – محمد في التوراة والإنجيل والقرآن – دار المنار.
152. أحمد حجازي السقا – البشارة بنبي الإسلام – دار الجيل.
153. أحمد حجازي السقا – حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة – دار الفضيلة – 1991.
154. أحمد ديدات – أساقفة إنجلترا وألوهية المسيح – المختار الإسلامي.
155. أحمد ديدات – الله في العقيدة المسيحية – المختار الإسلامي.
156. أحمد ديدات – الله في اليهودية والمسيحية والإسلام – المختار الإسلامي.
157. أحمد ديدات – المناظرة الكبرى بين الشيخ أحمد ديدات والقس أنيس شوروش (ترجمة رمضان الصفناوي) ـ المختار الإسلامي 1991.
158. أحمد ديدات – خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدس (ترجمة رمضان الصفناوي) – المختار الإسلامي – 1991.
159. أحمد ديدات – محمد (صلعم) المثال الأسمي (ترجمة محمد مختار) - المختار الإسلامي – 1992.
160. أحمد ديدات – من المعمدانية : إلى الإسلام (ترجمة محمد مختار) – المختار الإسلامي – 1991.
161. أحمد ديدات – من دحرج الحجر؟ (ترجمة إبراهيم خليل أحمد) – دار المنار – 1988.
162. أحمد ديدات – مناظرة العصر (ترجمة علي الجوهري) – دار الفضيلة.
163. أحمد ديدات – مناظرتان في استوكهولم (ترجمة علي الجوهري) – دار الفضيلة.
164. أحمد ديدات - أيهما كلام الله؟ القرآن أم الكتاب المقدس– ترجمة محمد مختار ـ المختار الإسلامي – 1994.
165. أحمد ديدات - الخمر بين المسيحية والإسلام – ترجمة محمد مختار – المختار الإسلامي – 1991.
166. أحمد ديدات - القرآن معجزة المعجزات:
أ . ( ترجمة نبيل عبد السلام هارون) – مكتبة القرآن – 1992.
ب.(ترجمة المختار الإسلامي) – 1992.
167. أحمد ديدات - المسيح في الإسلام( ترجمة محمد مختار) – المختار الإسلامي – 1990.
168. أحمد ديدات -محمد e الخليفة الطبيعي للمسيح( ترجمة رمضان الصفناوي) – المختار الإسلامي – 1991.
169. أحمد ديدات - هل الكتاب المقدس كلام الله:
أ.(ترجمة إبراهيم خليل أحمد) – دار المنار- 1989.
ب.(ترجمة نورة أحمد النومان)- المختار الإسلامي.
170. أحمد ديدات، بعنوان:
أ. مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ( ترجمة علي الجوهري ) - دار الفضيلة – 1989 .
ب. وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم( ترجمة رمضان الصفناوي ) - المختار الإسلامي – 1991.
171. أحمد شلبي - مقارنة الأديان– (1) اليهودية، (2) المسيحية – النهضة المصرية ط 9 – 1990.
172. أحمد طاهر - الأناجيل – دراسة مقارنة – دار المعارف – 1991.
173. أحمد عبد الوهاب – أساسيات العلوم الذرية في التراث الإسلامي – مكتبة وهبة – 1977.
174. أحمد عبد الوهاب – إسرائيل حرفت الأناجيل واخترعت أسطورة السامية – مكتبة وهبة – 1997.
175. أحمد عبد الوهاب – البرهان المبين في تحريف أسفار السابقين – مكتبة التراث الإسلامي – 1996.
176. أحمد عبد الوهاب ومصطفى بدران – المنظومات العددية في القرآن العظيم – مكتبة وهبة.
177. أحمد عثمان – مخطوطات البحر الميت – مكتبة الشروق – 1996.
178. أحمد على المجدوب – أهل الكهف في التوراة والإنجيل والقرآن – الدار المصرية اللبنانية – 1990.
179. ابن تيمية – الإسلام والنصرانية (تحقيق محمد زينهم محمد عزب) – دار القلم للتراث.
180. ابن تيمية – الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح – دار البشائر الإسلامية – بيروت.
181. الميورقي، أبو محمد عبد الله الترجمان - تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب:
أ . تحقيق عمر وفيق الداعوق – دار البشائر الإسلامية – بيروت
ب . تحقيق مجدي الشهاوي – مكتبة ابن سينا.

182. الندوة العالمية للشباب الإسلامي – الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة – مكتبة السنة.
183. بدران محمد بدران – التوراة: العقل، العلم، التاريخ – دار الأنصار – 1979.
184. بسام عبد الوهاب الجابي – وقائع المناظرة بين الشيخ رحمة الله الهندي والقسيس فندر الإنجليزي – دار البشائر الإسلامية – بيروت.
185. حسن عز الدين الجمل – إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم – 1983.
186. حسني الأطير – سر مريم بين الإنجيل والقرآن – مكتبة الزهراء.
187. حسين محمد محمود عبد المطلب – مفهوم الإله عند اليهود وموقف الإسلام منه – دار الفردوس للطباعة – 1992.
188. رؤوف شلبي – بشائر النبوة الخاتمة – دار القلم.
189. رحمة الله بن خليل الهندي – إظهار الحق (جزء 1-2) – دار الجيل.
190. رشيد رضا – عقيدة الصلب والفداء – الفتح للإعلام العربي.
191. سعد الدين السيد صالح – مشكلات العقيدة النصرانية – دار الأرقم – الزقازيق.
192. سيد أحمد محسب مرسي – مقولات أهل الكتاب – دار الجيل.
193. سيف الله أحمد فاضل – إنجيل برنابا، ودراسات حول وحدة الدين عند موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام – دار القلم.
194. شارل جنبيير -المسيحية نشأتها وتطورها( ترجمة عبد الحليم محمود) – دار المعارف – 1985.
195. شافع توفيق محمود - صور من عقائد أهل الأرض - المركز العربي للنشر والتوزيع – 1985.
196. شهاب الدين أحمد بن إدريس الخرافي -الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة- تحقيق مجدي محمد الشهاوي – مكتبة القرآن – 1992.
197. عبد الرؤوف شلبي – يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء: دراسة مقارنة للمسيحية – دار ثابت.
198. عبد الراضي عبد المحسن – منهج أهل السنة والجماعة في الرد على النصارى – مكتبة التوعية الإسلامية.
199. عبد الرحمن دمشقية -الكتاب المقدس يتكلم (مترجم) – دار المنارة – 1994.
200. عبد السلام محمد – الكتاب المقدس في الميزان – دار الوفاء.
201. عبد الغني عبود – المسيح والمسيحية والإسلام – دار الفكر العربي – 1984.
202. عبد الغني عبود – اليهود واليهودية والإسلام – دار الفكر العربي – 1982.
203. علي الجوهري – المسيح في الإسلام – دار الفضيلة – 1990.
204. علي الجوهري – المناظرة الأولى: أول لقاء يجمع بين النصارى والمسلمين – مكتبة التراث الإسلامي.
205. علي الجوهري – حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة – دار الفضيلة.
206. علي عبد العظيم – إن الدين عند الله الإسلام – مجمع البحوث الإسلامية.
207. علي عبد الواحد وافي – الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام – نهضة مصر.
208. عوض الله حجازي – مقارنة الأديان بين اليهودية والإسلام – دار الكتاب الجامعي.
209. عبد الفتاح الفاوي – المسيحية بين النقل والعقل – مكتبة الزهراء.
210. عبد الوهاب عبد السلام طويلة – الكتب المقدسة في ميزان التوثيق – دار السلام – 1990
211. كمال الصليبي – خفايا التوراة – دار الجيل.
212. ليلى سعد الدين – مثل الذين حملوا التوارة – دار الجيل.
213. محمد جلال كشك - خواطر مسلم حول: الجهاد، الأناجيل، الأقليات – دار ثابت ط2 – 1985.
214. محمد عبد الله الشرقاوي – العقائد الوثنية في الديانة النصرانية – مكتبة الزهراء.
215. محمد عبد الله الشرقاوي – رسالة راهب فرنسا إلى المسلمين – مكتبة الزهراء.
216. محمد عبد الله الشرقاوي – في مقارنة الأديان – مكتبة الزهراء.
217. محمد عبد الله الشرقاوي (تحقيق) – الرد الجميل لألوهية عيسى بصريح الإنجيل للإمام الغزالي – مكتبة الزهراء.
218. محمد عبد الله الشرقاوي (تحقيق) – المختار في الرد على النصارى للجاحظ – مكتبة الزهراء.
219. محمد عبد الله دراز – الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان – دار القلم.
220. محمد عزت الطهطاوي – النصرانية والإسلام – مكتبة النور.
221. محمد عزت الطهطاوي – رحلتي من الكنيسة إلى المسجد – مكتبة النور.
222. محمد عزت الطهطاوي - محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن – مكتبة النور – 1986.
223. محمد علي زهران – إنجيل يوحنا في الميزان – دار الأرقم – الزقازيق.
224. محمد مجدي موافي – كل الرسل جاءت بالتوحيد والإسلام، ومحمد (صلعم) خاتمهم – مطبعة إسكندرية – القاهرة – 1997.
225. محمد وصفي - المسيح عليه السلام بين الحقائق والأوهام– دار الفضيلة – 1992.
226. محمود البرشومي – المسيح بين الإنجيل والقرآن (الكتاب الذهبي – 33) – روزاليوسف – 1987.
227. محمود حماية – التثليث بين النصرانية والوثنية – مكتبة التوعية الإسلامية.
228. مصطفى حلمي – الإسلام والأديان، دراسة مقارنة – دار الدعوة – 1990.
229. ممدوح جاد – القرآن وتصديق التوراة والإنجيل – المطبعة الفنية – 1996.
230. ممدوح جاد -المسيح في الإنجيل بشر- – المطبعة الفنية – 1993.
231. موريس بوكاي - القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة – دار المعارف – 1982.
232. يحيى محمد على ربيع - الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف – دار الوفاء – 1994.












كشاف رؤوس موضوعات البرهان



الآثار، في دراسة التاريخ
الاتزان
الأجسام المضادة:
في المناعة
في الذباب
الأحجار الكريمة:
في الماء العذب والملح
الأرض:
باطنها
الجبال واستقرارالأرض
حركتها حول نفسها
حركتها حول الشمس
دحوها
شكلها
وضعها في الكون
الاستحاضة، وتشريع العدة
الاستحمام
الاستنثار
الاستنجاء
الأسنان، نظافتها
الإشارات العلمية ـ عامة
الأظافر، تقليمها
الاعتدال في الطعام
إعجاز القرآن، نبوءاته
الإقناع العقلي
الأناجيل:
تحريفها
نبوءة محمدe فيها
انتصار الدعوة، نبوءتها
الأنعام، منبع اللبن فيها
الأنف، نظافته
الأنهار، نبوعها من الجبال
أهل الكهف:
تقليبهم أثناء النوم
مدة نومهم
موضع الكهف
الإيدز
باطن الأرض
البحر:
عدم امتزاجه بالماء العذب
اللؤلؤ منه
موجه
البَرَد
البَرَص، معجزة شفائه
البرق
البصمات
البلهارسيا
البنان
البيان القرآني، إعجازه
البيئة:
حمايتها
فسادها
التاريخ الطبيعي
تحرير العقل
تحريم بعض اللحوم



التذكية في ذبح الحيوان التربة الزراعية:
تغيرها بالري
تنوعها
فضل الارتفاع
تطابق الخلق
تطور الكون
تغطية الطعام
تقليم الأظافر
التقويم الشمسي والقمري
تلوث البيئة
تماسك الكون
التوراة:
تحريفها
نبوءة محمدe بها
الجاذبية

الجبال:
واستقرار الأرض
نبوع الأنهار منها
الجذام
الجلد، مراكز الاحساس فيه
جنس المولود
الجنين:
أغلفته
تطوره
جنسه
قراره المكين
الجوامد، زوجيتها
الجيولوجيا



الحبوب، حفظها على السنابل الحجر الصحي
الحديد:
استخلاصه
دوره في الحضارة
سبائكه
حركة الأرض
حركة الشمس
الحفريات والتاريخ الطبيعي
حفظ الرسالة
الحقائق التاريخية في القرآن
الحيض، تحريم الجماع فيه

الحيوان:
أزواج
التخاطب بينه
تذكيته في الذبح
مجتمعات
الختان
الخرافة ـ نبذها
الخلايا:
دورتها
مخلقة وغير مخلقة
الخمر
الدواء
دورات الحياة
ديدان الأرض، دورها في التربة
الذباب، ونقل المرض
الذبح، حكمة الأسلوب الإسلامي
الرائحة، بصمة للإنسان
الرسول في القرآن
الرسول والوحي
الرضاعة الطبيعية
الرعد
الرقيم في قصة أهل الكهف
الروح
الروم، نبوءة انتصارهم
الرياح

الزراعة:
تغيرات التربة بالري
حفظ الحبوب على السنابل
ديدان الأرض فيها
الزمن، نسبيته
الزنا، والأمراض التناسلية
زوجية الجوامد
زوجية الكائنات الحية
الساعة:
استحالةالتنبؤ بها
علاماتها
سبائك الحديد
السحاب:
البَرَد منه
تأليفه
إثارته
تلقيحه بالرياح
الركامي والطبقي
السماء الدنيا:
ذات الرجع
السقف المحفوظ
طبقات
السمع:
تعطيله في نوم أهل الكهف
تقديمه على البصر
سنن الفطرة
السواك
الشجر الأخضر، علاقته بالوقود
الشذوذ الجنسي
الشَّعْر
شكل الأرض
الشمس:
حركتها في الفضاء
طبيعتها
الشهب والنيازك
الصحة العامة
الصعق، بالصوت
الصلاة
الصلب والترائب
الصوت، شدته المحتملة
الصوم
الطاعون
الطاقة، دورتها
الطعام:
الاعتدال فيه
السنة في تناوله
الطفيليات
الطوب، من الطين
الظلمات الثلاث، للأجنة
العدد، في الإعجاز القرآني
العدة ، في الطلاق
العدوى
عسل النحل:
تنوعه
فوائده الطبية
علامات الساعة
العلقة
العلم والعلماء
عيسى عليه ا السلام، ما قتلوه وما صلبوه
غزو الفضاء
الغُسل
غسل اليدين
الغلاف الجوي:
سقف محفوظ
طبقاته
الفرس، نبوءة هزيمتهم
فرعون موسى
الفضاء:
أخطار الصعود فيه
الحركة فيه
القرآن، إعجاز بيانه
القرار المكين، للجنين
القمر:
أقمار الكون
أوضاعه
طبيعته
القوانين والسنن الكونية
القيامة ( انظر الساعة):
استحالة التنبؤ بها
علاماتها
مشاهدها



الكائنات الحية: زوجيتها
الماء أساسها
الكربون، دورته
الكروموسومات
الكلاب، والصحة العامة
الكواكب:
أقمارها
الحياة عليها
طول أيامها
الكون:
أبعاده
اتساعه المستمر
تجاذب أجرامه
تطوره
تماسكه
ضخامته
وضع الأرض فيه
اللبن:
غذاء كامل
منبعه في الأنعام
لبن الأم
اللحوم المحرمة
اللواط
اللؤلؤ، في الأنهار والبحار
الماء:
أساس الحياة
بقاؤه بقدرة الله
دورته
عذوبته بأمر الله
كله من المطر
الملح والعذب، لا يختلطان
محمد (صلى الله عليه وسلم):
الخطاب القرآني إليه
بشارته في التوراة والإنجيل
مرض الكَلِب
مستقبل الإعجاز
مشاهد القيامة
المضغة
المضمضة
المطر:
تكوينه
مصدر كل المياه
منابع اللبن في الأنعام
المناعة
المنهج التاريخي
المني:
تحديده لجنس الجنين
مصدره في التشريح
النطفة منه
مواد البناء
المياه الجوفية
النبات، زوجيته
نبذ الخرافة
النبوءات التاريخية
النتروجين، دورته
النجوم
النحل:
العسل منه
نسبية الزمن
نشأة الكون
النطفة
النظافة
نظافة الفم و الأسنان
النمل
نوم أهل الكهف
الوراثة
وسائل الانتقال
الوضوء
الوقود، مصدره من النبات الأخضر




[1] دسم

[2]قاموس الفيروز أبادي: النسمة أصغر الحيوان.

[3]نربط فوهة

[4]أي مغطاة

[5]المجوس

[6]أي أتركوها

[7]استقصوا قصها

[8]طعام من دقيق الحنطة والشعير

[9] جعلها هدفا للرمي

([10]) بالبحر الميت وهو مكان الهالكين من قوم لوط (أيسر التفاسير).

([11]) ترى هنالك في الأرض ما يدل على النشأة الأولى. . . كالحفريات التي يتتبعها بعض العلماء اليوم ليعرفوا منها خط الحياة، كيف نشأت ؟ وكيف انتشرت ؟ وكيف ارتقت؟ . . . وكيف وجد فيها أول كائن حي، ويكون ذلك توجيها من الله للبحث عن نشأة الحياة الأولى، والاستدلال بها عند معرفتها على النشأة الآخرة (الظلال)، تحث على السير في الأرض ليكشفوا عن كيفية بدء خلق الأشياء من حيوان ونبات وجماد، فإن آثار الخليقة الأولى منطبعة بين طبقات الأرض وعلى ظهرها، وهي لذلك سجل حافل بتاريخ الخليقة منذ بدئها حتى الآن (المنتخب).

([12]) يظهر أن الآية الكريمة تشير إلى أن جسم فرعون سيبقى محفوظا ليراه الناس (منذ) . . . في أواخر القرن ال13 قبل الميلاد الأسرة 19 (يعتقد أنه) منفتاح بن رمسيس (المنتخب).

([13]) وانظر مصداق ذلك أيضاً في كتاب: القرآن معجزة المعجزات لأحمد ديدات، في ذكره لطبعات حديثة من الإنجيل برسم القرآن، ونظام السور والآيات فيه، وكذلك ما جاء في الوقائع المنشورة لمؤتمر التنصير العالمي، بكلورادو 1986.

([14]) سئل حذيفة رضي الله عنه عن قول الله تعالى: ] اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [ هل عبدوهم؟ قال : لا ولكن أحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه.

([15]) قال كعب في ذكر صفاته (صلى الله عليه وسلم) في التوراة: مولده مكة وهجرته بطابة وملكه بالشام، وأمته الحمّادون يحمدون الله على كل حال. . . إلا أن قال: يصلون حيثما أدركتهم الصلاة، صفهم في الصلاة كصفهم في القتال.

([16]) كعبد الله بن سلام فقد قال: والله إني لأعلم أن محمدا رسول أكثر مما أعلم أن فلانا ولدي (أيسر التفاسير).

([17]) كان رسول الله e يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك لسانه وشفتيه مخافة أن ينفلت منه يريد أن يحفظه، فأنزل الله الآية . . . قال ابن عباس : فكان رسول الله e بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق واستمع، فإذا ذهب قرأه كما وعد الله عز وجل (الصفوة)، كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه يريد أن يحفظه، فأنزل الله تعالى . . . الآية . . . رواه الترمذي (أيسر التفاسير).

([18]) ذهب معظم المفسرين ـ قبل اكتشاف المنطقة ـ إلى أن الرقيم هو لوح كان مكتوبا فيه أسماء أهل الكهف وأنسابهم وقصتهم.

([19]) معجزة شاهدة بربانية هذا الكتاب . . . الأحوال والظروف والملابسات والعوامل، التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون، ما كان يمكن أن تتركه مصونا محفوظا لا تتبدل فيه كلمة، ولا تحرف فيه جملة، لولا أن هناك قدرة خارجة عن إرادة البشر، أكبر من الأحوال والظروف والملابسات والعوامل، تحفظ هذا الكتاب من التغيير والتبديل، وتصونه من العبث والتحريف . . . (مثل) ما صنعته الفرق في الحديث وما ترتب عليه من جهد لغربلة السنة، وفي تأويل معاني القرآن، ولكنها عجزت عن تحريف (نص) القرآن، ثم أعداء هذا الزمن . . . والكيد للمسلمين ودين الله، وقدروا على تزوير التاريخ. . . ولكنهم لم يقدروا على شيء واحد ـ والظروف الظاهرية كلها مهيأة له ـ لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ (الظلال)، قالت العلماء: لما وكل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى أهل الكتاب في قوله ] بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [ أضاعوه فزادوا فيه ونقصوا منه، ولما تولى الله تعالى حِفْظَ القرآن حَفِظَه فلم يُزَدْ فيه حرف ولم يُنْقَص منه حرف (أيسر التفاسير).

([20]) ولقد صدقهم الله وعده، فكشف لهم عن آياته في الآفاق خلال القرون الأربعة عشر التي تلت هذا الوعد، وكشف لهم عن آياته في أنفسهم، وما يزال يكشف لهم في كل يوم عن جديد (الظلال)، سنريهم دلائلنا بصحته في نواحي الأرض وفي أنفسهم أي وفي مجتمعهم (المفسر)، وما ظهر لحَدّ الآن من كشوفات في الآفاق وفي الأنفس مما أشار إليه القرآن ما هو أعجب . . . شاهد قوي على صدق القرآن وأنه الحق من عند الله (أيسر التفاسير).

([21]) آياته، أي: في أنفسكم وفي غيركم (أيسر التفاسير).

([22]) لقد كذبوا بالوحي بالقرآن وصدق ما فيه من الوعد والوعيد : لقد كذبوا بهذا وليس لديهم من علم يقوم عليه التكذيب، ولما يأتهم تأويله الواقعي بوقوعه (الظلال)، بل كذب هؤلاء المشركون وسارعوا إلى الطعن به قبل أن يفقهوه ويتدبروا ما فيه، والناس دائما أعداء ما جهلوا (الصفوة)، من غير أن يتدبروا ويعلموا ما فيه، فلم ينظروا فيه بأنفسهم، ولم يقفوا على تفسيره وبيان أحكامه بالرجوع إلى غيرهم (المنتخب)، بل كذبوا بشيء لم يعرفوه ولم يجئهم تأويله بعد (المفسر).

([23]) ظهيرا، أي عونا ونصيرا.

([24]) أم يقولون تقوله؟ : أي اختلق القرآن وكذبه من تلقاء نفسه (أيسر التفاسير).

([25]) حديث: (كان النبي يُحْرَس بالليل فلما نزلت هذه الآية ترك الحرس، وقال: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله) (الترمذي).


([26]) -لرادك إلى معاد- لرادك إلى الأرض التي اعتدتها، وهي مكة، أو من مصدر -عاد- (المفسر)، وعد من الله بفتح مكة (الصفوة)، وهو العودة إلى مكة . . . وإلى الجنة بعد وفاتك لأنك دخلتها ليلة عُرج بك إلى السماء (أيسر التفاسير).

([27]) نزلت بعد صلح الحديبية سنة ست من الهجرة وهو في طريقه عائد مع أصحابه إلى المدينة النبوية، وقد خالط أصحابه حزن وكآبة حيث صُدوا عن المسجد الحرام . . . (أيسر التفاسير).

([28]) في بعض الروايات أنها في النضر بن الحارث يشتري كتب أساطير الفرس ويجلس في طريق الذاهبين إلى رسول الله e . . .، ولكن النص أعم . . . إذا صح أنه وارد فيه . . . (الظلال)، وروي أن النضر بن الحارث كان يشتري المغنيات، فلا يظفر بأحد يريد الإسلام، إلا انطلق إلى قينته المغنية، فيقول لها : أطعميه واسقيه الخمر وغنيه، ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه. . . (الصفوة)، النضر بن الحارث الكلدي يشتري لهو الحديث أي الغناء إذ كان يشتري الجواري المغنيات ويفتح ناديا للهو والمجون ويدعو الناس إلى ذلك ليصرفهم عن الإسلام حتى لا يجلسوا إلى نبيه ولا يقرأوا كتابه (أيسر التفاسير).

([29]) الأولى انتصار الفرس في بلاد الشام بقيادة خسرو ابرويز أو خسرو الثاني، المعروف بكسرى، على الروم بقيادة هيراكليوس الصغير المعروف بهرقل عام 614م واستولى على أنطاكية ثم دمشق، ثم حاصروا بيت المقدس وأحرقوها ونهبوها وذبحوا، ودمروا كنيسة القيامة، ورد هرقل الكرة عليهم في معركة على أرض أرمينية عام 622م (الأول من الهجرة)، كان فاتحة انتصارات الروم (المنتخب)، وفي حديث رواه ابن جرير بإسناده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: كانت فارس ظاهرة على الروم، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ؛ وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، وهم أقرب إلى دينهم . فلما نزلت : ألم. غلبت الروم (الآية) قالوا: يا أبا بكر إن صاحبك يقول: إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين. قال: صدق . قالوا: هل لك أن نقامرك (قبل تحريم الرهان) فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين . فمضت السبع ولم يكن شيء، ففرح المشركون بذلك، فشق على المسلمين، فذكر ذلك للنبي e فقال: ما بضع سنين عندكم، قالوا: دون العشر، قال: اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل . قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس، ففرح المؤمنون بذلك (الظلال).

([30]) قال البيضاوي: المراد بالفساد الجدب وكثرة الحرق والغرق، ومحق البركات وكثرة المضار (الصفوة)، كالجدب والأمراض المجتاحة، وحوادث الغرق، وطغيان الأنهار، والزلازل، بما كسبت أيدي الناس من الذنوب (المفسر)، الحرق والقحط والآفات وكساد التجارة والغرق، بسبب جرائم وآثام الناس (المنتخب).

[31]أن يخص إنسانا بالسلام بدلا من إفشائه.

([32]) كورت الشمس: جمع ضوؤها وصار كالكرة (الوسيط)، قال أبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة تلف فتمحى، وقال قتادة: كورت ذهب ضوؤها، وهو قول الفراء (اللسان)، قد يعني برودتها وانطفاء شعلتها وانكماش ألسنتها الملتهبة، واستحالتها من غاز حراراته 12000 ° . . . إلى حالة تجمد مثل قشرة الأرض . . . قد يكون هذا، وقد يكون غيره (الظلال).

([33]) نثر الشيء: رمى به متفرقا، وانتثر : تفرق (الوسيط).

([34]) تفجير البحار: يحتمل غمرها لليابسة، كما يحتمل تفجير مائها إلى عنصريه الأكسجين والإيدروجين، فتتحول مياهها إلى هذين الغازين، كذلك يحتمل تفجير ذرات هذين الغازين (الصواب: الإيدروجين فقط) كما يقع في تفجير القنابل . . . والهيدروجينية اليوم، أو أن يكون بهيئة أخرى غير ما يعرف البشر (الظلال).

([35]) كشطه كشطا: أزاله عنه، يقال كشط الجلد عن الذبيحة (الوسيط)، وكشف الغطاء عن الشيء: قلعه ونزعه وكشفه عنه (اللسان).

([36]) طوى الشيء طيا: ضم بعضه على بعض، أو لف بعضه فوق بعض (الوسيط).


الساعة الآن 09:56 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22