اختلافات في تراجم الكتاب المقدس و تطورات هامة في المسيحية
للدكتور احمد عبد الوهاب
نبذة عن الكتاب تتوالى ترجمات الكتاب المقدس الى مختلف اللغات و تتابع في اللغة الواحدة للوصول الى اقرب المعاني " للنص الاصلي المفقود " و كل ترجمة حديثة تلقى باللوم على الترجمات السابقة و تتهمها بالخطا و القصور هذا الكتاب يعالج موضوع اختلاف تراجم الكتاب المقدس في مختلف اللغات فيعرض ما يقال عن موسى عليه السلام و عن غيره من الانبياء باعتبارهم ألهة ! مشكلة الكتاب المقدس غي الوصول الى النص الاصلي و لذلك يقول اباء الكنيسة " ان الحل العلمي الحقيقي يفرض علينا ان يتم التعامل مع الكاب المقدس كما نعامل باقي مؤلفات الحضارة الباب الاول الفصل الاول = اختلافات في تراجم الكاب المقدس = نصوص الكتاب المقدس نبدا الحديث عن نصوص الكتاب المقدس بذكر قاعدة اصولية وضعها علماء الكتاب المقدس , اللذين عكفو على ترجمته الى الفرنسية , و اخرجو للناس ما يرعف باسم " الترجمة المسكونية للكتاب المقدس " (1) . و لقد جائت هذه القاعدة عند الحديث عن نص سفر اعمال الرسل اذ يقول نصها : " من اراد ان يطالع مؤلفا قديما وجب عليه ان يثبت نصه " (2) نصوص العهد القديم : تقول دائرة المعارف الامريكية (3) " لم تصلنا اي نسخة بخط المؤلف الاصلي لكتب العهد القديم , اما النصوص التي بين ايدينا فقد نقلها الينا اجيال عديدة من الكتاب و النساخ " . و لدينا شواهد وفيرة تبين ان الكتبة قد غيرو بقصد او بدون قصد في الوثائق و الاسفار التيى علمهم الرئيسي هو كتابها او نقلها . و قد حدث التغيير بدون قصد حين أخطئو في قراءة او سمع بعض الكلمات , او في هجائها , او اخطئو في التفريق بين ما يجب فصله من الكلمات و ما يجب ان يكون تركيبا واحدا . كذلك فانهم كانو ينسخون الكلمة او السطر مرتين , و احيانا ينسون كتابة كلمات , بل فقرات باكملها . و اما تغييرهم في النص الاصلي عن قصد فقد مارسوه مع فقرات باكملها حين كانو يتصورون انها مكتوبة خطأ في صورتها التي بين ايديهم . كما كانو يحذفون بعض الكلمات او الفقرات , او يزيدون على النص الاصلي فيضيفون فقرات توضيحية .. و هكذا لا يوجد سبب يدعو الى الافتراض بأن وثائق العهد القديم لم تتعرض للانواع العادية من الفساد النسخي ’ على الاقل في الفترة التي سبقت اعتبارها اسفارا مقدسة ... لقد كتبت اسفار العهد القديم على طول الفترة من القرن الحادي عشر ق . م الى القرن الاول ق . م . و اخذ صورته النهائية في القرن الاول الميلادي . و على مدى القرون الطويلة التي كتبت فيها اسفار العهد القديم نجد ان نصوصه قد نسخت مرارا و اعيدت كتابتها باليد . و لقد حدثت اخطاء في عملية النسخ , و كان يحدث احيانا ان بعض المواد التي كتبت على هامش النص تضاف اليه .. و لقد اكد اكتشاف وثائق البحر الميت _ عام 1947 _ ضرورة ادخال بعض التغييرات على النسخة العبرية الحديثة , في سفر اشعياء . و يقول المدخل الى العهد القديم (4) في ترجمة التوراة للكاثوليك تحت عنوان : تشويه النص (5) : } لا شك ان هنالك عددا من النصوص المشوهة التي تفصل النص المسوري " العبري " الاول عن النص الاصلي . فمن المحتمل ان تقفز عين الناسخ من كلمة لكلمة تشبهها و ترد بعد بضعة اسطر مهملة كل ما يفصل بينهما . و من المحتمل ايضا ان تكون هناك احرف كتبت كتابة رديئة فلا يحسن الناسخ قراءتها فيخلط بينها و بين غيرها و قد يدخل الناسخ في النص الذي ينقله , لكن في مكان خاطئ , تعليقا هامشيا يحتوي على قراءة مختلفة او على شرح ما . و الجدير بالذكر ان بعض النساخ الاتقياء أقدمو بادخال تصحيحات لاهوتية على تحسين بعض التعابير التي كانت تبدو لهم معرضة لتفسير عقائدي خطر (6) . و اخيرا فمن الممكن ان نكتشف و نصحح بعض النصوص المشوهة باللجوء الى صيغ النصوص غير المسورية . في حال كونها امنت من التشوه .. اية صيغة من النص نختار ؟ او بعابرة اخرى ؟ كيف الوصول الى نص عبري يكون اقرب نص ممكن الى الاصل ؟ لم يتردد النقاد في تصحيح النص المسوري كما لم يعجبهم لاعتبار ادبي او لاعتبار لاهوتي (7) . و تقيد البعض الاخر , كرد فعل بالنص المسوري , الا اذا كان التشويه واضحا , فحاولو عندئذ ان يجدو بالرجوع الى التراجم القديمة قراءة فضلى . هذه الطرق غير عملية , و لا سيما الاولى منها , فهي ذاتية الى حد الخطر .. لكن الحل العلمي الحقيقي يفرض علينا ان نعامل الكتاب المقدس كما نعامل جميع مؤلفات الحضارة القديمة (8) اي نضع " شجرة النسب " لجميع ما نملكه من الشهود , بعد ان نكون قد درسنا بدقة فائقة مجمل القراءات المختلفة : النص السومري , و مختلف نصوص " وادي " قمران , و التوراة السامرية و الترجمات اليونانية السبعينية " مع مراجعها الثلاث السوريانية و الترجمات اللاتينية القديمة و ترجمة القديس ايرونيمس و الترجمات القبطية و الارمينية ... الخ . و بهذه المقارنات كلها نستطيع ان نستعيد النموذج الاصلي الكامل في اساس جميع الشهود . و هذا النموذج الاصلي يرقى عادة الى حوالي القرن الرابع قبل المسيح . و لسوء الحظ لم تنشر نصوص قمران كلها الى اليوم , و هذا العمل النقدي يقتضي من الكفائات و من الابحاث ما يستغرق عشرات السنين . (9) **** نصوص العهد الجديد : اذا كانت دقة النص مطلوبة دائما باعتبارها الاساس الذي تقوم عليه العقائد و الاحكام المستقاة من كل كتاب مقدس , فان تلك الدقة قد صارت في المسيحية من الزم اللزوميات , نظرا لتأثر مصادرها الاولى تاثيرا عميقا بالفكر اليوناني و فلسفاته , و خاصة لفظ " اللوغس " و مدلولاته المتنوعة الغامضة . يقول المدخل الى العهد الجديد (10) في ترجمة الكاثوليك تحت عنوان : بعض النظرات الى العالم اليوناني الروماني : ( اخذ الناس قبل العهد المسيحي بقليل , ينظرون الى الاباطرة نظرتهم الى كائنات الهية , ابناء الله , بل الهة . و هذا التطور قد اثرت فيه تاثيرا كبيرا معتقدات الشعوب الشرقية , موافق لمنطق الامور . فلما كانت الامبراطورية واحدة , لزم ان تظهر العبادة اساسها الواحد . فضل طيباريوس و قلوديوس و سبيسيانس ان يشجعو عبادة الامبراطور بعد موته فحسب , في حين ان قليغولا و نيرون و دوميطيانيس تركو الناس يعبدونهم اثاء حياتهم . تلك بعض اهم صفات العالم الذي كان للمسيحين الاوليين ان يعيشو فيه . و الشهادة التي يعلنونها في ايمانهم هي ان المسيح هو وحدة الرب و ليس الامبراطور , فله تجب الطاعة و لو تعرضو لان يخالفو مخالفة صريحة الدين الذي يسود الحياة كلها في بيئتهم ) . **** لقد تكلم المسيح و تلاميذه الارامية , بينما جائتنا اسفار العهد الجديدة مكتوبة جميعها بالاغريقية على مخطوطات بالية تختلف نصوصها اختلافا كبيرا . ( ليس في هذه الكتب الخط " المخطوطات " كتاب واحد بخط المؤلف نفسه . و في جميع اسفار العهد الجديد , من غير ان يستثني واحد منها , كتب باليونانية . و اقدم الكتب الخط , التي تحتوي معظم العهد الجديد او نصه الكامل , كتابان مقدسان على الرق يعودان الى القرن الرابع . و اجلهما المجلد الفاتيكاني , سمي كذلك لانه محفوظ في مكتبة الفاتيكان . و هذا الكتاب الخط مجهول المصدر , و قد اصيب باضرار لسوء الحظ , و لكنه يحتوي على العهد الجديد ما عدا : الرسالة الى العبرانيين 25/12_14/9 , و الرسالتين الاولى و الثانية الى طيموتاوس , و الرسالة الثانية الى ططيس , و لارسالة الى فيلمون , و الرؤيا . (11) . و العهد الجديد كامل في الكتاب الخط الذي يقال له المجلد السينائي لانه عثر عليه في دير القديسة كاترينا , لا بل اضيف الى العهد الجديد : الرسالة الى برنابا , و جزء من الراعي لهرمس . و هما مؤلفان لن يحفظا في قانون العهد الجديد في صيغته الاخيرة (12) . ***** لقد اساء النساخ كثيرا الى نصوص العهد الجديد . و كان اكبر خطاياهم ما فعلته ايديهم من تغير و تبديل . ( ان نسخ العهد الجديد التي وصلتنا ليست كلها واحدة , بل يمكن للمرء ان يرى فيها فوارق مختلفة الاهمية , لكن عددها كثيرا جدا على كل حال ... ان نص العهد الجديد قد نسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت , و ما من واحد منهم معصوم من مختلف الاخطاء التي تحول دون ان تتصف اية نسخة كانت , مهما بذل فيها من الجهد , بالموافقة التامة للمثال الذي اخذت عنه . يضاف الى ذلك ان بعض النساخ حاولو احيانا , عن حسن نية , ان يصوبوا ما جاء في مثالهم و بدا لهم انه يحتوي اخطاء واضحة , او قلة دقة في التعبير اللاهوتي . و هكذا ادخلو الى النص قراءات جديدة تكاد ان تكون كلها خطأ . و من الواضح انما ادخله النساخ من التبديل على مر القرون تراكم بعضه على بعضه الاخر , و كان النص الذي وصل اخر الامر الى عهد الطباعة مثقلا بمختلف الوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات ) (13) . و لقد تبين لعلماء المسيحية استحالة الوصول الى النص الاصلي مهما بذلو من مجهودات و لم يبق اذا سوى صرخة حسرة تقول " يا سوء طالعنا " . ( المثال الاعلى الذي يهدف اليه علم نقد النصوص هو ان يمحص هذه الوثائق المختلفة لكي يقيم نصا يكون اقرب ما يكون من الاصل الاول . و لا يرجى في حال من الاخوال الوصول الى الاصل نفسه ... كان الاباء لسوء طالعنا يستشهدون به في اغلب الاحيان عن ظهر قلبهم " من الذاكرة " و من غير ان يراعو الدقة مراعاة كبيرة , فلا يمكننا و الحالة هذه الوثوق التام فيما ينقلون الينا ) (14) . لقد اصبح الحل الذي يراه اباء الكنيسة و علماء المسيحية ازاء مشكلة النص , هو قبول الوضع الحالي بكل ما عليه من مآخذ , باعتباره احسن ما استطاعتمجهوداتهم البشرية الوصول اليه . على ان يستمر هذا الوضع مقبولا الى الوقت الذي تظهر فيه وثائق جديدة تساعد على اعادة النظر فيه و تطويره ليكون اقرب ما يكون الى ذلك الاصل المجهول , بعد تنقيته من التحريف الذي لحق به ! ( هدف اصحاب النقد الباطني ان يوضحو بجلاء نوع التدخل الذي قام به الناسخ , و الاسباب التي دعته الى هذا التدخل , فيسهل بعد ذلك الارتقاء الى القراءة القديمة التي تفرعت منها سائر الروايات المحرفة . و بوسعنا اليوم ان نعد نص العهد الجديد نصا مثبتا اثباتا حسنا , و ما من داع لاعادة النظر فيه الا اذا عثر على وثائق جديدة ) (15) . ان الانسان لا يجاوز الحقيقة اذا قال تعقيبا على هذة لااقوال التي جاءت من مصادر مسيحية موثوقة : ان العهد الجديد الحالي هو عهد جديد الوقت ! انه معرض للتغيير و التبديل حسبما تاتي به الايام ! |
الساعة الآن 01:32 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir