طريق الخلاص

طريق الخلاص (http://investigate-islam.com/al5las/index.php)
-   مناظرات وحوارات (http://investigate-islam.com/al5las/forumdisplay.php?f=14)
-   -   مناظرة شعيب بن أبي سعيد لراهب في الشام (http://investigate-islam.com/al5las/showthread.php?t=4681)

عبدالناصر محمود 27-08-2013 07:41 PM

مناظرة شعيب بن أبي سعيد لراهب في الشام
 
مناظرة شعيب بن أبي سعيد لراهب في الشام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ

واسمع في ذلك أثراً غريباً حكاه ابن وهب من طريق إبراهيم بن نشيط :
قال : سمعت شعيب بن أبي سعيد يحدث : أن راهباً كان بالشام من علمائهم وكان ينزل مرة في السنة فتجتمع إليه الرهبان ليعلمهم ما أشكل عليهم من دينهم فأتاه خالد بن يزيد بن معاوية فيمن جاءه . فقال له الراهب : أمن علمائهم أنت ؟ قال خالد : إن فيهم لمن هو أعلم مني . قال الراهب : أليس تقولون : إنكم تأكلون في الجنة وتشربون ثم لا يخرج منكم أذى ؟ قال خالد : بلى ! قال الراهب : افلهذا مثل تعرفونه في الدنيا ؟ قال : نعم ! الصبي يأكل في بطن أمه من طعامها . ويشرب من شرابها ثم لا يخرج منه أذى . قال الراهب لخالد : أليس تقول إنك لست من علمائهم ؟ قال خالد : إن فيهم لمن هو أعلم مني : قال : افليس تقولون : إن في الجنة فواكه تأكلون منها لا ينقص منها شيء ؟ قال خالد : بلى ! أفلهذا مثل في الدنيا تعرفونه ؟ قال خالد : نعم ! الكتاب يكتب منه كل شيء أحد ثم لا ينقص منه شيء ، قال الراهب : أليس تقول : إنك لست من علمائهم ؟ قال خالد : إن فيهم لمن هو أعلم مني . قال خالد : فتمعر وجهه ثم قال : إن هذا من أمة بسط لها في الحسنات ما لم يبسط لأحد . انتهى المقصود من الخبر .
وهو ينبه على أن ذلك الأصل الذي يظهر من أول الأمر أنه غير معتاد له أصل في المعتاد ،و هو تنزل للمنكر غير لازم ، ولكنه مقرب لفهم من قصر فهمه عن إدراك الحقائق الواضحات .
فعلى هذا يصح قضاء العقل في عادي بانخرافه مع أن كون العادي عادياً مطرداً غير صحيح أيضاً ، فكل عادي يفرض العقل فيه خرق العادة فليس للعقل فيه إنكار ، إذ قد ثبت في بعض الأنواع التي اختص الباري باختراعها والعقل لا يفرق بين خلق وخلق ، فلا يمكن إلا الحكم بذلك الإمكان على كل مخلوق ، ولذلك قال بعض المحققين من أهل الاعتبار : سبحان من ربط الأسباب بمسبباتها وخرق العوائد ليتفطن العارفون تنبيهاً على هذا المعنى المقرر .

حكمة ربط الأسباب بالمسببات وحكمة خرق العوائد

فهو أصل اقتضى للعاقل أمرين :

أحدهما : أن لا يجعل العقل حاكماً بإطلاق ، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع ، بل الواجب عليه أن يقدم ما حقه التقديم ـ وهو الشرع ـ ويؤخر ما حقه التأخير ـ وهو نظر العقل ـ لأنه لا يصح تقديم الناقص حاكماً على الكامل ، لأنه خلاف المعقول والمنقول ، بل ضد القضية هو الموافق للأدلة فلا معدل عنه ، ولذلك قال : اجعل الشرع في يمينك والعقل في يسارك ، تنبيهاً على تقدم الشرع على العقل .
العقل غير حاكم بإطلاق . والشرع حاكم عليه بإطلاق ، خرق العوائد لا ينبغي للعقل إنكاره بإطلاق

والثاني : أنه إذا وجد في الشرع أخباراً تقتضي ظاهراً خرق لعادة الجارية المعتادة ، فلا ينبغي له أن يقدم بين يديه الإنكار يإطلاق ، بل له سعة في أحد أمرين : إما أن يصدق به على حسب ما جاء ويكل علمه إلى عالمه . وهو ظاهر قوله تعالى : "والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا" يعني الواضح المحكم ، والمتشابه المجمل ، إذ لا يلزمه العلم به ، ولو لزم العلم به لجعل له طريق إلى معرفته ، وإلا كان تكليفاً بما لا يطاق . وإما أن يتأوله على ما يمكن حمله عليه مع الإقرار بمقتضى الظاهر ، لأن إنكاره إنكار لخرق العادة فيه .

وعلى هذا السبيل يجري حكم الصفات التي وصفت الباري بها نفسه ، لأن من نفاها نفى شبه صفات المخلوقين ، وهذا منفي عند الجمهور ، فبقي الخلاف في نفي عين الصفة أو إثباتها ، فالمثبت أثبتها على شرط نفي التشبيه ، والمنكر لأن يكون ثم صفة غير شبيهة بصفات المخلوقين منكر لأن يثبت أمر إلا على وفق المعتاد .

فإن قالوا : هذا لازم فيما تنكره العقول بديهة ، كقوله :

"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ، فإن الجميع أنكروا ظاهره ، إذ العقل والحس يشهدان بأنها غير مرفوعة ، وأنت تقول :اعتقدوا أنها مرفوعة ، وتأولوا الكلام .

المصدر/ كتاب الأعتصام صفحة 463
للعلامة المحقق أبي إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الخمي الشــاطبي
رحمه الله
-------------------------------------------------------


الساعة الآن 07:54 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22