خطبة ليوم الجمعة : اغْتِنَامُ الأَوْقَاتِ فِي مَوْسِمِ الاخْتِبَاراتِ
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بتاريخ 21 من رجب 1434هـ الموافق 31 / 5 / 2013م أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ r، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ. عِبَادَ اللهِ: فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَيَّامِ مِنْ كُلِّ عَامٍ: تُسْتَنْفَرُ الْجُهُودُ وَالطَّاقَاتُ، وَتُعْلَنُ التَّعْلِيمَاتُ، وَتَكْثُرُ التَّوْجِيهَاتُ، وَتُقَدَّمُ لِلْجَادِّينَ الْحَوافِزُ وَالتَّشْجِيعَاتُ، وَتُسَاقُ لِلْمُتَهَاوِنِينَ النُّذُرُ وَالْعُقُوبَاتُ. فَمَا سِرُّ هَذَا الاسْتِنْفَارِ؟ وَمَا الْهَدَفُ مِنْ كُلِّ تِلْكَ الإِجْرَاءَاتِ؟ وَمَا سَبَبُ تَوَحُّدِ الاهْتِمَامَاتِ؟ وَلِمَاذَا يَحْصُلُ هَذَا كُلُّهُ فِي أَكْثَرِ الْبُيُوتَاتِ؟ إِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ هُوَ الامْتِحَانَاتُ الدِّرَاسِيَّةُ لِلطُّلاَّبِ وَالطَّالِبَاتِ!. هَذِهِ الاخْتِبَارَاتُ الَّتِي تُمَثِّلُ حَصِيلَةَ فَصْلٍ دِرَاسِيٍّ؛ أَمْضَاهُ الطُّلاَّبُ وَالطَّالِبَاتُ فِي رِحَابِ الْمَدَارِسِ وَالْجَامِعَاتِ، نَهَلُوا خِلاَلَهُ عُلُوماً وَمَعَارِفَ شَتَّى، كَانَ بَعْضُهُمْ خِلاَلَ ذَلِكَ مُشَمِّرِينَ مُجْتَهِدِينَ، وَكَانَ آخَرُونَ مُفَرِّطِينَ مُهْمِلِينَ، وَهَذِهِ الاخْتِبَارَاتُ مَيْدَانٌ يَتَسَابَقُونَ فِيهِ. عِبَادَ اللهِ: مِنَ الْخَطَأِ الَّذِي يُمَارِسُهُ بَعْضُ الآبَاءِ وَالْمُعَلِّمِينَ مَعَ الطُّلاَّبِ: تَهْوِيلُ شَأْنِ الامْتِحَانَاتِ، وَزَرْعُ الرَّهْبَةِ الْمُفْرِطَةِ فِي صُدُورِهِمْ بِسَبَبِ قُدُومِمَوْسِمِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ؛ حَتَّى أَصْبَحَتْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ شَبَحاً مُخِيفاً وَكَابُوساً مُزْعِجاً؛ يُرَادُ لَهُ أَنْيَنْتَهِيَ بِأَيِّ صُورَةٍ، وَكَيْفَمَا كَانَتِ النَّتِيجَةُ؟!. فَنَجِدُ بَعْضَ الآبَاءِ وَالْمُعَلِّمِينَ دَيْدَنُهُمْ صَبَاحَمَسَاءَ التَّشْدِيدُ عَلَى الأَبْنَاءِ بِأَمْرِ الْمُذَاكَرَةِ، وَرُبَّمَا صَاحَبَ ذَلِكَشِدَّةٌ فِي الْقَوْلِ، وَأَحْيَاناً شِدَّةٌ فِي الْعَمَلِ؛ مِمَّا يُوَلِّدُ رِدَّةَ فِعْلٍ سَلْبِيَّةً لَدَى الطَّالِبِ، بَلْ تَجْعَلُ بَعْضَهُمْ يَكْرَهُ الدِّرَاسَةَ نَتِيجَةَ ذَلِكَالأُسْلُوبِ التَّرْبَوِيِّ الْخَاطِئِ، وَكَانَ الأَوْلَى بِالْوَالِدَينِ الْحِكْمَةُ فِي التَّعَامُلِ، فَلاَإِفْرَاطَ فِي الشِّدَّةِ، وَلاَ تَفْرِيطَ فِي الإِهْمَالِ، بَلْ تُقَدَّرُ الأُمُورُ بِقَدْرِهَا، وَلْيَحْرِصِ الآبَاءُ وَالْمُعَلِّمُونَ عَلَى مَا يَلِي: أَنْ يُرَسِّخُوا فِي أَذْهَانِ الطُّلاَّبِ أَنَّ هَذِهِ الاخْتِبَارَاتِ أَمْرُهَا هَيِّنٌ، وَأَنَّهَا مَرْحَلَةٌعَادِيَّةٌ كَغَيْرِهَا مِنَ الْمَرَاحِلِ، وَبِقَدْرِ جُهْدِ الطَّالِبِ يَجْنِي وَيَقْطُفُ ثَمَرَةَ ذَلِكَ الْجُهْدِ. وَأَنْ يُبَيِّنُوا لِلطُّلاَّبِ أَنَّ هَذِهِ الاِخْتِبَارَاتِ لَيْسَتِ الْمَحَطَّةَالنِّهَائِيَّةَ وَلاَ الرَّئِيسَةَ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ، فَكَمْ مِنْ نَاجِحٍ فِي الْحَيَاةِ لَمْ يُكْتَبْ لَهُالتَّفَوُّقُ فِي الدِّرَاسَةِ وَاجْتِيَازُ الْمَرْحَلَةِ الاِبْتِدَائِيَّةِ!!، إِنَّمَا الْخَسَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ هِيَفِي تَرْكِ مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالَى وَالتَّعَرُّضِ لِسَخَطِهِ، وَخُسْرَانِ الآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: )قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ( [الزمر:15]. ثُمَّ لِتَجْعَلُوا - مَعْشَرَ الآبَاءِ وَالْمُعَلِّمِينَ- جَانِبَ التَّوْفِيقِ الإِلَهِيِّ وَالدُّعَاءَ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَرَاسِخاً فِي نُفُوسِهِمْ، فَفِي ذَلِكَ خَيْرٌ عَظِيمٌ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى؛ فَعَنْ أَنْسٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «اللَّهُمَّ لاَ سَهْلَ إِلاَّ مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ سَهْلاً إِذَا شِئْتَ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ]؛ لأَِنَّ الطَّالِبَ مَهْمَا بَذَلَ مِنْ جُهْدٍ؛ فَلَنْ يُثْمِرَ إِنْ خَلاَ مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ وَعِنَايَتِهِ، وَهَذَا مَا يَغِيبُ عَنْ أَذْهَانِ كَثِيرِينَ، فَتَجِدُ الاِهْتِمَامَ مَقْصُوراً عَلَى الأَسْبَابِ الْحِسِّيَّةِ فَحَسْبُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ شُعَيْبٍ ج: )وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ( [هود:88]، وَمِمَّا أُثِرَ عَنِ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى فَأَوَّلُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فِي أَيَّامِ الاِخْتِبَارَاتِ كَثِيراً مَا يَخْرُجُ الطَّالِبُ فِيهَا مِنَ الْمَدْرَسَةِ مُبَكِّراً، وَهُنَا مَكْمَنُ الْخَطَرِ، حَيْثُ يَسْتَغِلُّ بَعْضُهُمْ هَذَا الْوَقْتَ الَّذِي يَمْتَدُّ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ سَاعَاتٍ، فَيَحْصُلُ فِيهَا مَا يَحْصُلُ مِمَّا لاَ يَلِيقُ مِنَ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ، وَالتَّجَمْهُرِ أَمَامَ الْمَدَارِسِ، وَالاِسْتِعْرَاضِ بِالسَّيَّارَاتِ، وَمُعَاكَسَةِ الطَّالِبَاتِ بِالتَّرَصُّدِ لَهُنَّ عِنْدَ خُرُوجِهِنَّ مِنْ مَدَارِسِهِنَّ، فَالْمَرْءُ الْعَاقِلُ لاَ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ ابْنُهُ أَدَاةَ إِفْسَادٍ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَلاَ يَرْضَى أَنْ تَلْهَجَ الأَلْسِنَةُ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ لأَِذَاهُ، فَنَاصِحِ ابْنَكَ -أَيُّهَا الْوَالِدُ الْكَريِمُ- وَحَذِّرْهُ مِنْ مَغَبَّةِ إِيِذَاءِ النَّاسِ؛ فَعَنْ ثَوْبَانَ t عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «لاَ تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ؛ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ» [أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ]. مَعْشَرَ الْعُقَلاَءِ: كَثِيرًا مَا يُطْلَبُ مِنَ الْمَرْءِ أَنْ يُنْجِزَ بَعْضَ الأَعْمَالِ، أَوْ أَنْ يَقُومَ بِبَعْضِ الْمُهِمَّاتِ فَيَعْتَذِرَ بِأَنَّ هَذَا فَوْقَ الطَّاقَةِ، وَرُبَّمَا يَجْعَلُهُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ، فَحِينَتَرْجُو مِنْ شَخْصٍ أَنْ يَقْرَأَ كِتَاباً، أَوْ أَنْ يَسْهَرَ قَلِيلاً فِي عَمَلِ خَيْرٍ، أَوْ يَبْذُلَ جُهْداً فِيصَلاَةٍ أَوْ عِبِادَةٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ يَخْدُمُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا، تَجِدُهُ يَحْتَج ُّبِأَنَّ وَقْتَهُ وَإِمْكَانَاتِهِتَقْعُدُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ. لَكِنْ إِذَا جَاءَتِ الاِخْتِبَارَاتُ، إِذَا بِذَلِكَ الْمَرْءِ نَفْسِهِ يَقْرَأُ فِي الْيَوْمِالْوَاحِدِ مِئَاتِ الصَّفَحَاتِ، وَيَسْهَرُ إِلَى الْفَجْرِ يَحْفَظُ عَشَرَاتِ الْمَعْلُومَاتِ، فَيُنْجِزُ أَشَقَّالْمُهِمَّاتِ، فَهَلْ تَغَيَّرَ ذَلِكَ الْمَرْءُ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟! أَمْ مَاذَا حَصَلَ؟! كُلُّ مَا فِي الأَمْرِ -عِبَادَ اللهِ-أَنَّ الْمَرْءَ فِي أَيَّامِ الاِخْتِبَارَاتِ يَسْتَثِيرُ هِمَّتَهُ الْكَامِنَةَ، وَيُبْرِزُ مَوَاهِبَهُ الْمَدْفُونَةَ،وَيُخْرِجُ طَاقَتَهُ الَّتِي غَطَّاهَا رُكَامُ الْكَسَلِ وَالْفُتُورِ وَالتَّوَانِي. إِنَّ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا مِنَ الطَّاقَاتِ وَالْمَلَكَاتِ وَالْقُدُرَاتِ مَا لاَ يُمْكِنُالاِسْتِهَانَةُ بِهَا، وَمَا نَسْتَطِيعُ بِهَا لَوِ اسْتَثْمَرْنَاهَا أَنْ نُحَقِّقَ أَقْصَى دَرَجَاتِ النَّجَاحِ، فَتَصَوَّرْ -أَخِي الطَّالِبَ- لَوْ أَنَّكَ بَذَلْتَ فِي حَيَاتِكَ مِثْلَ الْجُهْدِ الَّذِي تَبْذُلُهُ فِي الاِخْتِبَارَاتِأَوْ نِصْفَهُ؛ إِلَى أَيْنَ كُنْتَ سَتَصِلُ؟! وَمَاذَا سَتُحَقِّقُ مِنَ الطُّمُوحَاتِ؟!. مَعْشَرَ الطُّلاَّبِ: إِنَّ مَا يُعَانِيهِ الطَّالِبُ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالنَّصَبِ لِتَحْصِيلِ قَدْرٍ مَحْدُودٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَلِمُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ لاَ تَتَجَاوَزُ الاِخْتِبَارَ، إِنَّ هَذَا يُشْعِرُنَا أَنَّ طَلَبَالْعِلْمِ لَيْسَ أَحْلاَماً وَلاَ أَمَانِيَّ، إِنَّمَا هُوَ بَذْلٌ وَاجْتِهَادٌ، وَالرَّاغِبُ فِيهِ لاَ بُدَّ أَنْيَتَنَازَلَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مَرْغُوبَاتِهِ وَمَحْبُوبَاتِهِ، وَلَئِنْ كَانَ هَذَا هُوَ شَأْنَ الْعِلْمِ -عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّهُ أَيْضاً شَأْنُ كُلِّ مَطْلُوبٍ سَامٍ فِي الْحَيَاةِ، فَلاَ تُحَقَّقُ الأَهْدَافُ وَالآمَالُ إِلاَّبِالْبَذْلِ وَالْجُهْدِ وَالنَّصَبِ، وَمَنْ ظَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَوَاهِمٌ؛ رَأَى الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t رَجُلاً يَلْعَبُ بِالْحَصَى وَيَقُولُ: اللَّهُمَّزَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا هَذَا، لَقَدْ أَعْظَمْتَ الْخِطْبَةَ، وَأَسَأْتَ الْمَهْرَ». فَيَا أَيُّهَا الرَّاغِبُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَيَا أَيُّهَا الرَّاغِبُونَ فِي الْعِلْمِ، وَيَا أَيُّهَاالرَّاغِبُونَ فِي النَّجَاحِ وَالتَّفَوُّقِ، لَنْ تَبْلُغُوا آمَالَكُمْ إِلاَّ بِالْجُهْدِ وَالنَّصَبِ، فَهَلْ أَنْتُمْبَاذِلُونَ؟!. دَبَبْتَ لِلْمَجْدِ وَالسَّـاعُونَ قَدْ بَلَغُـوا جَهْــــدَ النُّفُوسِ وَأَلْقَـوْا دُونَهُ الأُزُرَا وَكَـابَدُوا الْمَجْدَ حَتَّى مَـلَّ أَكْثَرُهُمْ وَعَـانَقَ الْمَجْـدَ مَنْ أَوْفَى وَمَنْ صَبَرا لاَ تَحْسِبِ الْمَجْـدَ تَمْراً أَنْـتَ آكِلُهُ لَنْ تَبْلُـــغَ الْمَجْـدَ حَتَّى تَلْـعَقَ الصَّبِرَا هَاكَ بَعْضَ النَّصَائِحِ عَلَى وَجْهِ الاِخْتِصَارِ؛ عَلَّهَا أَنْ تَجِدَ حَيِّزاً فِي قَلْبِكَ وَعَقْلِكَ، ثُمَّ تَطْبِيقاً فِي سُلُوكِكَ وَعَمَلِكَ: قَوِّ صِلَتَكَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمُحَافَظَتِكَ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا وَقِرَاءَتِكَ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَاحْرِصْ عَلَى بِرِّ وَالِدَيْكَ وَطَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْهُمْ قَبْلَ الاِمْتِحَانِ وَأَثْنَاءَ الذَّهَابِ إِلَيْهِ وَبَعْدَهُ، وَإِيَّاكَ وَالْقَلَقَ وَالضَّعْفَ وَعَدَمَ الثِّقَةِ، وَلاَ تَجْعَلْ لِوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ إِلَيْكَ سَبِيلاً، وَلْيَكُنِ التَّفَاؤُلُ فِي كُلِّ أَعْمَالِكَ دَلِيلاً. أَيُّهَا الشَّاكِي وَمَا بِكَ دَاءٌ كُنْ جَمِيلاً تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلاً ثُمَّ إِذَا دَخَلْتَ صَالَةَ الاِمْتِحَانِ فَأَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ التَّبَرُّؤِ مِنْ حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ، وَلاَتَغْتَرَّ بِحَافِظَتِكَ وَجُهْدِكَ، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ مُلْتَجِئاً إِلَيْهِ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِكَثْرَةَ الدُّعَاءِ وَالإِلْحَاحَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ وَعَدَكَ رَبُّكَ الإِجَابَةَ إِنْ أَنْتَ أَقْبَلْتَ إِلَيْهِبِصِدْقٍ، قَالَ سُبْحَانَهُ: )وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ( [غافر:60]. تَعَرَّفَ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَلْيَكُنْ إِقْبَالُكَ عَلَى اللهِوَحِرْصُكَ عَلَى طَاعَتِهِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ دَافِعاً لَكَ لِلاِسْتِمْرَارِ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهَا إِلَى يَوْمِتَلْقَاهُ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ t: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ يَدْعُو اللهَ فِيالرَّخَاءِ، ثُمَّ نَزَلَتْ بِهِ شِدَّةٌ فَدَعَا اللهَ؛ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ: يَا رَبِّ، هَذَا صَوْتٌ مَعْرُوفٌ،فَيَشْفَعُونَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ لاَ يَدْعُو مِنْ قَبْلُ وَدَعَا زَمَنَ الشِّدَّةِ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ: يَارَبِّ، هَذَا صَوْتٌ غَيْرُ مَأْلُوفٍ، لاَ يَشْفَعُونَ فِيهِ»، فَحَذَارِ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَدْعُو اللهَ فِي شِدَّتِهِ وَيَنْسَاهُ عِنْدَ رَخَائِهِ، وَكُنْ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا( [الأنبياء:90]. أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُوَفِّقَنَا جَمِيعاً لِمَرَاضِيهِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا مَسَاخِطَهُ وَمَنَاهِيَهُ، وَأَنْ يَجْعَلَ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً، وَعَاقِبَتَهُ سَعَادَةً وَخَيْراً، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الْخُطبة الثّانية أَمَّا بَعْدُ: مَعْشَرَ الطُّلاَّبِ: احْذَرُوا الْغِشَّ، فَهُوَ حِيلَةُ الْعَاجِزِينَ، وَسَبِيلُالْفَاشِلِينَ، وَصِفَةٌ ذَمِيمَةٌ لاَ تَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِينَ، تَزْوِيرٌ مَمْقُوتٌ، وَخُلُقٌ سَمِجٌ، وَتَطَبُّعٌ إِجْرَامِيٌّ، فَكَيْفَ يَرْجُو الْغَاشُّ السَّدَادَ وَالنَّجَاحَ؛ وَالنَّبِيُّ r يَتَبَرَّأُ مِنْ فِعْلِ الْغَاشِّ وَوَسِيلَتِهِ إِلَى النَّجَاحِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]؟. إِنَّ الْغِشَّ جَريِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُجْتَمَعِ؛ لأَنَّهُ سَيُخَرِّجُ طُلاَّباً زُوراً وَبُهْتَاناً، وَلأَنَّنَا سَنُخَرِّجُأَطِبَّاءَ مُزَوِّرِينَ، وَمُهَنْدِسِينَ غَشَشَةً، بَلْ وَمُعَلِّمِينَ كَذَبَةً، فَيَمُوتُ كَثِيرٌ مِنَ الإِبْدَاعِ، وَيَلِي الأَمْرَ غَيْرُ أَهْلِهِ، فَتَشِيعُ الْخِيَانَةُ، وَيَنْتَشِرُ الضَّعْفُ،فَيُعْلَى عَلَيْنَا وَلاَ نَعْلُو، وَنُهْزَمُ وَلاَ نَنْتَصِرُ؛ لأَنَّ مَرَاكِزَ الْعُلُوِّ، وَمَرَاكِزَالإِنْتَاجِقَدْ تَوَلاَّهَا غَشَّاشُونَ مُزَوِّرُونَ لاَ كَفَاءَةَ لَدَيْهِمْ. نَعَمْ، هَذَا هُوَ مَآلُ التَّزْوِيرِ وَالْغِشِّ فِي الاِخْتِبَارِ، فَلاَ تَحْسَبُوهُ هَيِّناً يَا عِبَادَ اللهِ،فَإِنَّهُ عَظِيمٌ جِدُّ عَظِيمٍ، وَإِنَّ مَنْ يَكْشِفُ غَاشّاً فِي قَاعَةِ الاِمْتِحَانِ أَحْسَبُهُ أَنْجَدَالأُمَّةَ مِنْ مِعْوَلِ هَدْمٍ سَيَهْدِمُ بِنَاءَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ بِجَهْلِهِ وَكَسَلِهِوَتَفْرِيطِهِ، ثُمَّ بِغِشِّهِ وَتَزْوِيرِهِ. فَيَا مَعَاشِرَ الطُّلاَّبِ وَالدَّارِسِينَ: إِنَكُمْ إِنْ تَكُونُوا صِغَاراً فِي مُجْتَمَعِ الْيَوْمِ؛ فَأَنْتُمْ كِبَارُهُ غَداً، وَبِقَدْرِ تَحْصِيلِكُمْ وَتَفَوُّقِكُمُ الدِّرَاسِيِّ تُوكَلُ إِلَيْكُمُ الْمَسْؤُولِيَّاتُ وَتُنَاطُ بِكُمُ الأُمُورُوَالإِدَارَاتُ، وَعِنْدَئِذٍ تَنْصُرُونَ دِينَكُمْ، وَتَخْدُمُونَ بَلَدَكُمْ، وَتُحَقِّقُونَ طُمُوحَاتِكُمْ. إِنَّ الأُمَّةَ الْخَامِلَةَ أَصْفَارٌ لاَ قِيمَةَ لَهَا، لَكِنْ إِنْ بَعَثَ اللهُ لَهَا وَاحِدًا؛ مُؤْمِناً صَادِقَالإِيمَانِ؛ دَاعِياً إِلَى اللهِ صَارَتِ الأَصْفَارُ مَعَ الْوَاحِدِ أُلُوفاً مُؤَلَّفَةً، وَالتَّارِيخُمَلِيءٌ بِالشَّوَاهِدِ فِي شَتَّى الْعُلُومِ وَصُنُوفِ الْمَعَارِفِ، فَحَرِيٌّ بِكُمْ -أَحِبَّتِي الطُّلاَّبَ- الاِجْتِهَادُ فِي التَّحْصِيلِ وَالْمُذَاكَرَةِ، وَإِخْلاَصُ النِّيَّةِ للهِسُبْحَانَهُ؛ حَتَّى تَنَالُوا أَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَتَحُوزُوا عَلَى أَسْمَى الْجَوَائِزِ وَالتَّكْرِيمَاتِ؛ لِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكُمْ أَهْلٌ لِلتَّفَوُّقِ وَالاِبْتِكَارِ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ دِينَنَا هُوَ مَصْدَرُ عِزِّنَا وَتَمَيُّزِنَا، فَلاَ تَعَارُضَ بَيْنَ الاِسْتِقَامَةِ وَالتَّفَوُّقِ، وَلاَ تَنَاقُضَ بَيْنَ الْحِجَابِ وَالنُّبُوغِ وَالإِبْدَاعِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ( [العنكبوت:69]. يَا شَبَابَ الْيَوْمِ يَا رَكْبَ الْعُلاَ حَقِّقُوا لِلدِّينِ آمَـــالَ الطِّلاَبِ بِكُـــــمُ أُمَّتُكُــــمْ قَـدْ عَلَّقَـتْ كُــلَّ آمَالٍ لَهَـا بَعْـــدَ ارْتِقَـابِ أَنْتُــمُ آمَالُهَـا لاَ تُصْبِحُـــوا أَنْتُمُ آلاَمَهَـا مِنْ كُـــلِّ بَـابِ أَقْبِلُـوا للهِ فِي صِــدْقٍ تَرَوْا كُلَّ سَعْـدٍ فِي حَيَاةٍ وَحِسَابِ لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام |
الساعة الآن 10:31 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir