الموضوع: لا تحزن
عرض مشاركة واحدة
قديم 14-01-2012 ~ 12:51 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي
  مشاركة رقم 10
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


وقفـــةٌ

((إنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمنْ رضي فله الرِّضا، ومنْ سخطَ فَلَهُ السَّخْطُ)) .
(( أشدُّ الناسِ بلاء الأنبياءُ ، ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ يُبتلى الرجلُ على قدرِ دينهِ ، فإنْ كان في دينهِ صلابةٌ أشتدَّ بلاؤه ، وإن كان في دينه رقَّةٌ ابتُلي على قدرِ دينه ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ ، حتى يتركهُ يمشي على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ )) .
(( عجباً لأمرِ المؤمنِ إنَّ أمرَّهُ كلَّه خيرٌ !! وليس ذاك لأحدِ إلا للمؤمنِ ، إن أصابتْه سرَّاء شكر فكان خيراً له ، وإنْ أصابتهُ ضرَّاء صبر فكان خيراً له )) .
(( واعلمْ أنَّ الأمة لو اجتمعتْ على أنْ ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبُ اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أنْ يضرُّوك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قدْ كتبهُ اللهُ عليك )).
(( يُبتلى الصالحون الأمثلُ فالأمثلُ )) .
(( المؤمنُ كالخامةِ من الزرعِ تُفيِّئُها الريحُ يَمنْةً ويَسْرةً )) .
********************************************
حتَّى في سكراتِ الموتِ تبسَّمْ

فهذا أبو الريحانِ البيرونيُّ ( ت440 ) ، مع الفسحةِ في التعميرِ فقدْ عاش 78 سنةً مُكِبّاً على تحصيلِ العلومِ ، مُنْصَبّاً إلى تصنيفِ الكتبِ ، يفتحُ أبوابها ويحيطُ بشواكلِها وأقرابِها – يعنى : بغوامضِها وجليّاتِها – ولا يكادُ يفارقُ يده القلمُ ، وعينه النظرُ ، وقلبه الفكرُ ، إلا فيما تمسُّ إليه الحاجةُ في المعاشِ منْ بُلْغة الطعامِ وعلقةِ الرياشِ ، ثم هِجِّيراهُ – أي دَيْدَنُهُ – في سائرِ الأيامِ من السنةِ : علمٌ يُسفرُ عن وجههِ قناع الإشكالِ ، ويحسرُ عن ذراعيْةِ أكمالُ الإغلاقِ .
حدَّث الفقيهُ أبو الحسنِ عليُّ بنُ عيسى ، قال : دخلتُ على أبي الريحانِ وهو يجودُ بِنفْسِهِ – أيْ وهو في نزْعِ الروحِ قارب الموتَ – قد حشرجتْ نفسُهُ ، وضاق بها صدرُهُ ، فقال لي في تلك الحالِ : كيف قلت لي يوماً حسابُ الجدَّاتِ الفاسدةِ ؟ أيْ الميراثُ ، وهي التي تكونُ من قِبل الأمِّ ، فقلتُ له إشفاقاً عليه : أفي هذهِ الحالةِ ؟ قال لي : يا هذا ، أودِّعُ الدنيا وأنا عالمٌ بهذهِ المسألة ، ألا يكون خيراً من أنْ أخلِّيها وأنا جاهلٌ بها ؟! فأعدتُ ذلك عليهِ ، وحفِظَ وعلَّمني ما وعد ، وخرجتُ من عندِهِ فسمعتُ الصراخ!! إنها الهممُ التي تجتاحُ ركام المخاوفِ .
والفاروقُ عمرُ في سكراتِ الموتِ ، يثعبُ جرحُه دماً ، ويسألُ الصحابة : هلْ أكمل صلاتهُ أمْ لا ؟! .
وسعدُ بنُ الربيع في (( أُحدٍ)) مضرَّج بدمائِهِ ، وهو يسألُ في آخرِ رَمَقٍ عن الرسولِ  ، إنها ثباتةُ الجأشِ وعمارُ القلبِ !
وقفتَ ما في الموتِ شكٌّ لواقفِ

كأنك في جفنِ الردى وهو نائمُ

تمرُّ بكَ الأبطالُ كلمى هزيمةً

ووجهُك وضاحٌ وثغرُك باسمُ


قال إبراهيمُ بنُ الجراحِ : مرض أبو يوسف فأتيتُه أعودُه ، فوجدتُه مُغْمىً عليهِ ، فلمَّا أفاق قال لي : ما تقولُ في مسألةٍ ؟ قلتُ : في مثلِ هذه الحالِ ؟! قال : لا بأس ندرسُ بذلك لعلَّه ينجو به ناجٍ .
ثم قال : يا إبراهيمُ ، أيُّما أفضلُ في رمي الجمارِ : أن يرميها الرجلُ ماشياً أو راكباً ؟ قلتُ : راكباً . قال : أخطأت . قلتُ : ماشياً . قال : أخطأت . قلتُ : أيُّهما أفضلُ ؟ قال : ما كان يُوقفُ عندهُ فالأفضلُ أنْ يرميه ماشياً ، وأما ما كان لا يُوقفُ عنده ، فالأفضلُ أن يرميه راكباً ، ثم قمتُ من عندهِ فما بلغتُ باب دارِهِ حتى سمعتُ الصراخ عليه وإذا هو قدْ مات . رحمةُ الله عليه .
قال احدُ الكُتَّابِ المعاصرين : هكذا كانوا !! الموتُ جاثمٌ على رأسِ أحدِهِمْ بكُربِهِ وغُصَصِهِ ، والحشرجةُ تشتدُّ في نفسِهِ وصدرِهِ ، والأغماءُ والغشيانُ محيطٌ بهِ ، فإذا صحا أو أفاق من غشيتِهِ لحظاتٍ ، تساءل عنْ بعضِ مسائلِ العلمِ الفرعيَّةِ أو المندوبةِ ، ليتعلَّمها أو ليعلِّمها ، وهو في تلك الحالِ التي أخذ فيها الموتُ منه الأنفاس والتلابيب .
في موقفٍ نسي الحليمُ سدادهُ
ويطيشُ فيه النابِهُ البيْطارُ

يا للهِ ما أغلى العلم على قلوبِهمْ !! وما أشغلَ خواطرهُمْ وعقولَهُمْ به !! حتى في ساعةِ النزعِ والموتِ ، لم يتذكروا فيها زوجةً أو ولداً قريباً عزيزاً ، وإنما تذكروا العلم !! فرحمةُ اللهِ تعالى عليهمْ . فبهذا صاروا أئمة في العلمِ والدِّينِ .
*********************************
أسرارُ الشدائدِ

أورد المؤرخُ الأديبُ أحمدُ بنُ يوسف الكاتبُ المصريُّ في كتابِهِ المعجبُ الفريدُ (المكافأةُ وحسنُ العُقبى ) فقال : وقدْ علم الإنسانُ أن سُفورَ الحالةِ – أي انكشاف الغُمَّةِ والشدَّةِ – عن ضدِّه ، حَتْمٌ لابدَّ منه ، كما علم أنَّ انجلاء الليلُ يسفرُ عن النهار ، ولكنَّ خور الطبيعةِ أشدُّ ما يلازمُ النفس عندَ نزولِ الكوارثِ ، فإذا لم تُعالجْ بالدواءِ ، اشتدّتِ العلةُ ، وازدادتِ المحنةُ ، لأن النفس إذا لم تُعَنْ عند الشدائدِ بما يجدّدُ قُواها ، تولَّى عليها اليأسُ فأهلكها .
والتفكُّرُ في أخبارِ هذا البابِ – بابِ أخبارِ من ابتلي فصبر ، فكان ثمرةُ صبرِه حسن العقبى – ممَّا يُشجِّع النفْس ، ويبعثُها عن ملازمةِ الصبرِ وحسنِ الأدبِ مع الربِّ عزَّ وجلَّ ، بحسنِ الظنِّ في موافاةِ الإحسانِ عند نهايةِ الامتحانِ .
وقال أيضاً – في آخر الكتابِ - : « خاتمةٌ : قال بُزُرْجمْهَرُ : الشدائدُ قبل المواهبِ ، تشبهُ الجوع قبل الطعامِ ، يحسُّ بهِ موقُعُهُ ، ويلذُّ معه تناولهُ » .
وقال أفلاطونُ : « الشدائدُ تُصلِحُ من النفسِ بمقدارِ ما تفسدُ من العيشِ ، والتَّترُّف – أي الترفُ والترفُّه – يفسدُ من النفسِ بمقدارِ ما يصلحُ من العيشِ » .
وقال أيضاً : « حافظ على كلِّ صديقٍ أهدتْه إليك الشدائدُ ، والْه عنْ كلِّ صديقٍ أهدتْه إليك النعمةُ » .
وقال أيضاً : « الترفُّفهُ كالليلِ ، لا تتأملْ فيه ما تصدرُه أو تتناولُه ، والشدة كالنهارِ ، ترى فيها سعيك وسعي غيرِك » .
وقالُ أزدشير : « الشدَّةُ كُحْلٌ ترى به ما لا تراه بالنعمة » .
ويقول أيضاً : « ومِلاكُ مصلحةِ الأمرِ في الشدَّةِ شيئان : أصغرُهما قوةُ قلبِ صاحبِها على ما ينوبُه ، وأعظمُها حُسْنُ تفويضِهِ إلى مالكِهِ ورازقِهِ » .
وإذا صَمَدَ الرجلُ بفكرِهِ نَحْوَ خالقِهِ ، علم أنهُ لمْ يمتحِنْه إلا بما يوجبُ له مثوبةً ، أو يمحِّصُ عنه كبيرةً ، وهو مع هذا من اللهِ في أرباحٍ متصلةٍ ، وفوائد متتابعةٍ .
فأما إذا اشتدَّ فكرُهُ تلقاء الخليقةِ ، كثرتْ رذائلُه ، وزاد تصنُّعه ، وبرِم بمقامِه فيما قصُر عن تأمُّلهِ ، واستطال من المِحنِ ما عسى أن ينقضي في يومِهِ ، وخاف من المكروهِ ما لعلَّه أنْ يخطئهُ .
وإنما تصدقُ المناجاةِ بين الرجلِ وبين ربِّهِ ، لعلمِهِ بما في السرائرِ وتأييدِهِ البصائر ، وهي بين الرجلِ وبين أشباهِهِ كثيرةُ الأذيةِ ، خارجةٌ عن المصلحةِ .
وللهِ تعالى رَوْحٌ يأتي عند اليأسِ منهُ ، يُصيبُ به منْ يشاءُ من خلقِهِ ، وإليهِ الرغبةُ في تقريبِ الفرجِ ، وتسهيلِ الأمرِ ، والرجوعِ إلى أفضلِ ما تطاول إليه السُّؤْلُ ، وهو حسبي ونِعْم الوكيلُ .
طالعتُ كتاب ( الفرجُ بعد الشدةِ ) للتنوخيِّ ، وكرَّرتُ قراءته فخرجتُ منه بثلاثِ فوائدَ :
الأولى : أنَّ الفرج بعد الكربِ سنَّةٌ ماضيةٌ وقضيةٌ مُسلَّمةٌ ، كاليحِ بعد الليلِ ، لا شكَّ فيه ولا ريب .
الثانيةُ : أنَّ المكاره مع الغالبِ أجملُ عائدةً ، وأرفعُ فائدةً للعبدِ في دينِهِ ودنياهُ من المحابِّ .
الثالةُ : أنَّ جالب النفعِ ودافع الضرِّ حقيقةٌ إنما هو الله جلَّ في علاه ، واعلمْ أنّ ما أصابك لم يكنْ لِيخطِئك وما أخطأك لمْ يكنْ ليصيبك .
**************************************
حقارةُ الدنيا

يقولُ ابنُ المباركِ العالمُ الشهير : قصيدةُ عديِّ بنِ زيدٍ أحبُّ غليَّ من قصرِ الأميرِ طاهرِ بنِ الحسينِ لو كان لي .
وهي القصيدةُ الذائعةُ الرائعةُ ، ومنها :
أيُّها الشامتُ المُعيِّرُ بالدَّهْـ

ـرِ أأنت المبرَّؤُ الموفورُ

أمْ لديك العهدُ الوثيقُ من الأيَّـ

ـامِ بلْ أنت جاهلٌ مغرورُ

أيْ : يا من شمِت بمصائبِ الآخرين، هل عندك عهدٌ أنْ لا تصيبك أنت مصيبةٌ مثلُهم؟! أم هلْ منحتْك الأيامُ ميثاقاً لسلامتِك من الكوارثِ والمحنِ ؟! فلماذا الشماتةُ إذنْ ؟
وفي الحديثِ الصَّحيِحِ : (( لوْ أنَّ الدنيا تساوي عند اللهِ جناح بعوضةِ ، ما سقى كافراً منها شربة ماءٍ )) . إنّ الدنيا عند اللهِ تعالى أهونُ من جناحِ البعوضةِ ، وهذه حقيقةُ قيمتِها ووزنِها ، فلِم الجزعُ والهلعُ عليها ومن أجلهِا ؟!
السعادةُ : أنْ تشعر بالأمنِ على نفسِك ومستقبلك وأهلِك ومعيشتِك ، وهي مجموعةٌ في الإيمانِ والرضا اللهِ وقضائهِ وقدرهِ ، والقناعةُ : الصبرُ .
*****************************************
قيمةُ الإيمانِ

﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾ .
من النعيمِ الذي لا يدركُهُ إلاَّ الفطناءُ : نظرُ المسلمِ إلى الكافرِ ، وتذكُّرُ نعمةِ اللهِ في الهدايةِ إلى دين الإسلامِ ، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يقدِّرْ لك أنْ تكون كهذا الكافرِ في كفرِه بربِّه وتمرُّدهِ عليهِ ، وإلحادِه في آياتِه ، وجحودِ صفاتِه ، ومحاربتِه لمولاهُ وخالقِه ورازقِه ، وتكذيبِه لرسلِه وكتبه ، وعصيانِهِ أوامرهُ ، ثم تذكَّرْ أنت أنَّك مسلمٌ موحِّدٌ ، تؤمنُ باللهِ ورسولهِ واليومِ الآخرِ ، وتؤدِّي الفرائض ولو على تقصيرٍ ، فإنَّ هذا في حدِّ ذاته نعمةٌ لا تُقدَّر بثمن ولا تُباعُ بمالٍ ، ولا تدورُ في الحسبانِ ، وليس لها شبيهٌ في الأعيانِ : ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ ﴾ .
حتى ذكر بعضُ المفسرين أنَّ مِنْ نعيمِ أهلِ الجنَّةِ نظُرهم إلى أهِل النارِ ، فيشكرون ربَّهم على هذا النعيمِ : « وبضدِّها تتميزُ الأشياءُ » .
*************************************
وقفـــةٌ

لا إله إلا اللهُ : أيْ لا معبود بحقٍّ إلا اللهُ سبحانهُ وتعالى ، لتفرُّدِهِ بصفاتِ الألوهيَّةِ ، وهي صفاتُ الكمالِ .
روحُ هذه الكلمةِ وسرُّها : إفرادُ الربِّ – جلَّ ثناؤه وتقدَّستْ أسماؤُه ، وتبارك اسمُه ، وتعالى جدُّه ، ولا إله غيرُهُ – بالمحبةِ والإجلالِ والتعظيمِ ، والخوفِ والرجاءِ ، وتوابعِ ذلك من التوكّلِ والإنابةِ والرغبةِ والرهبةِ ، فلا يُحبُّ سواهُ ، وكلُّ ما يُحبُّ غيرُه فإنما يُحبُّ تبعاً لمحبتِه ، وكونِه وسيلةً إلى زيادةِ محبتِه ، ولا يُخافُ سواهُ ولا يُرجى سواهُ ، ولا يُتوكَّل إلا عليهِ ، ولا يُرغبُ إلا إليهِ ، ولا يُرهبُ إلا منهُ ، ولا يُحلفُ إلا باسمِهِ ، ولا يُنذرُ إلا لهُ ، ولا يُتابُ إلا إليهِ ، ولا يُطاعُ إلا أمرُه ، ولا يتحسَّبُ إلا بهِ ، ولا يُستغاثُ في الشدائدِ إلا به ، ولا يُلتجأ إلا إليهِ ، ولا يُسجدُ إلا لهُ ، ولا يُذبحُ إلا له وباسمِهِ ، ويجتمعُ ذلك في حرفٍ واحدٍ ، وهو : أنْ لا يُعبد إلا إياهُ بجميعِ أنواعِ العبادةِ .
******************************************
معاقون متفوقون

في ملحقِ عُكاظٍ العددُ 10262 في 7 / 4 / 1415 هـ ، مقابلةٌ مع كفيف يُدعى : محمود بن محمدٍ المدنيَّ ، درس كتب الأدبِ بعيونِ الآخرين ، وسمع كتب التاريخِ والمجلاتِ والدورياتِ والصحف ، وربما قرأ بالسماعِ على أحدِ أصدقائِه حتى الثالثةِ صباحاً حتى صار مرجعاً في الأدب والطُّرفِ والأخبار .
كتب مصطفى أمين في زاويةِ ( فكرة ) في الشرقِ الأوسطِ كلاماً ، منه : اصبرْ على كيد الكائدين ، وظلمِ الظالمين ، وسطوةِ الجبابرةِ ، فإنَّ السوط سوف يسقطُ ، والقيد سوف ينكسرُ ، والمحبوس سوف يخرجُ ، والظلام سوف ينقشعُ ، لكن عليك أن تصبر وتنتظر .
وَلَرُبَّ نازلةٍ يضيقُ بها الفتى
ذرْعاً وعِند الله منها المخرجُ

قابلتُ في الرياضِ مفتي ألبانيا ، وقد سُجن عشرين سنةً مِن قبل الشيوعيين في ألبانيا مع الأعمالِ الشاقَّةِ ، والحبسِ والكيدِ ، والنكَّالِ والظلمِ ، والظلامِ وجوعِ ، وكان يصلِّى الصلواتِ الخمس في ناحيةٍ من دورةِ المياه خوفاً منهمْ ، ومع هذا صَبَرَ واحتسب حتى جاءهُ الفرجُ ، ﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ ﴾ .
هذا ( نلسون مانديلا ) رئيس جنوبِ أفريقيَّة ، سُجن سبعاً وعشرين سنةً ، وهو ينادي بحريَّةِ أمَّتهِ ، وخلوصِ شعبهِ من القهرِ والكبتِ والاستبدادِ والظلمِ ، وهو مُصِرٌّ صامدٌ مواصلٌ مستميتٌ ، حتى نال مجدهُ الدنيويَّ . ﴿ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ﴾ ﴿ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ ﴾ .
وأشجعُ مني كُلّ يومٍ سلامتي
وما ثبتتْ إلا وفي نفسِها أَمْرُ

﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ﴾ .
**********************************
لا تحزن إذا عرفت الإسلام

ما أشقى النفوس التي لا تعرفُ الإسلام ، ولم تهتدِ إليه ، إنَّ الإسلام يحتاجُ إلى دعايةٍ منْ أصحابهِ وحَمَلتِهِ ، وإعلان عالميٍّ هائل ، لأنهُ نبأ عظيمٌ ، والدعايةُ له يجبُ أن تكون راقيةً مهذبةً جذابةً ، لأنَّ سعادة البشريةِ لا تكونُ إلا في هذا الدينِ الحقِّ الخالدِ ، ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ .
سكن داعيةٌ مسلمٌ شهيرٌ مدينة ميونخ الألمانية ، وعند مدخلِ المدينةِ تُوجدُ لوحةٌ إعلانيةٌ كبرى مكتوبٌ عليها بالألمانيةِ : « أنت لا تعرفُ كفراتِ يوكوهاما » . فنصب هذا الداعيةُ لوحةً كبرى بجانب هذه اللوحةِ كتب عليها : « أنت لا تعرفُ الإسلام ، إنْ أردت معرفتهُ ، فاتصل بنا على هاتفِ كذا وكذا » . وانهالتْ عليه الاتصالاتْ من الألمانِ منْ كلِّ حَدَبٍ وصوب ، حتى أسلم على يدهِ في سنةِ واحدة قرابة مائة ألفِ ألمانيٍّ ما بين رجلٍ وامرأةٍ وأقام مسجداً ومركزاً إسلامياً ، وداراً للتعليمِ .
إن البشرية حائرٌ بحاجةٍ ماسَّةِ إلى هذا الدينِ العظيمِ ، ليردَّ إليها أمنها وسكينتها وطمأنينتها ، ﴿ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ .
يقول أحدُ العُبَّادِ الكبارِ : ما ظننتُ أنَّ في العالمِ أحداً يعبدُ غير الله .
لكنْ ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ ، ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾ ، ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ .
وقد أخبرني أحدُ العلماءِ أن سودانيّاً مسلماً قدم من البادية إلى العاصمةِ الخرطومِ في أثناءِ الاستعمارِ الإنكليزيِّ ، فرأى رجل مرورٍ بريطانيّاً في وسطِ المدينةِ ، فسأل هذا المسلمُ : منْ هذا ؟ قالوا : كافرٌ . قال : كافرٌ بماذا ؟ قالوا : باللهِ . قال : وهلْ أحدٌ يكفرُ بالله ؟! فأمسك على بطنِهِ ثمَّ تقيَّأ ممَّا سمع ورأى ، ثم عاد إلى الباديةِ . ﴿ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ .!
يقولُ الأصمعيُّ : سمع أعرابيٌّ يقرأُ : ﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾ ، قال الأعرابيَّ : سبحان اللهِ ، ومن أحوج العظيم حتى يقسم ؟!
إنه حسنُ الظنِّ والتطلُّعُ إلى كرمِ المولى وإحسانِه ولطفه ورحمته .
وقد صحَّ في الحديثِ أنَّ الرسول  قال : (( يضحك ربُّنا )) . فقال أعرابيٌّ : لانعدامُ منْ ربٍّ يضحكُ خيراً .
﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا ﴾ ، ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ﴿ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ﴾ .
منْ يقرأُ كتب سيرِ الناسِ وتراجم الرجالِ يستفيدُ منها مسائل مطَّرِدةً ثابتةً منها :
1. أنَّ قيمة الإنسانِ ما يُحسنُ ، وهي كلمةٌ لعليِّ بن أبي طالبٍ ، ومعناها : أنَّ علم الإنسانِ أو أدبهُ أو عبادتهُ أو كرمهُ أو خلقهُ هي في الحقيقةِ قيمتُهُ ، وليستْ صورتُه أو هندامُهُ ومنصبُهُ : ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى{1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى ﴾ . ﴿ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ .
2. بقدرِ همَّةِ الإنسانِ واهتمامِهِ وبذلِهِ وتضحيِتَه تكونُ مكانُتُه ، ولا يعطى لهُ المجْدُ جُزافاً .
لا تحسبِ المجد تمراً أنت آكلُهُ ..
﴿ وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً ﴾ . ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ .
3. أنَّ الإنسان هو الذي يصنعُ تاريخه بنفسِهِ بإذنِ الله ، وهو الذي يكتبُ سيرتهُ بأفعالِهِ الجميلةِ أو القبيحةِ : ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾ .
4. وإنَّ عمر العبدِ قصيرٌ ينصرمُ سريعاً ، ويذهبُ عاجلاً ، فلا يقصره بالذنوبِ والهمومِ والغمومِ والأحزانِ : ﴿ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ . ﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ ﴾ .
كفى حزناً أنَّ الحياة مريرةٌ
ولا عملٌ يرضى بهِ اللهُ صالحُ


• منْ أسبابِ السعادةِ :
1) العملُ الصالحُ : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾.
2) الزوجةُ الصالحةُ : ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ .
3) البيتُ الواسعُ : وفي الحديثِ : (( اللهمّ وسِّعْ لي في داري )) .
4) الكسْبُ الطيبُ : وفي الحديثِ : (( إنَّ الله طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّباً )) .
5) حُسْنُ الخُلقُ والتودُّدُ للناسِ : ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ﴾ .
6) السلامةُ من الدَّيْنِ ، ومن الإسرافِ في النفقةِ : ﴿ لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ﴾ . ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ .
• مقومات السعادةِ :
قلبٌ شاكرٌ ، ولسانٌ ذاكرٌ ، وجسمٌ صابرٌ .
وعليك بالشكر عن النعم والصبر عند النقم والاستغفار من الذنوب .
لوْ جمعتُ لك علْم العلماءِ ، وحكمة الحكماءِ ، وقصائد الشعراءِ عنِ السعادةِ ، لما وجدتها حتى تعزم عزيمةً صادقة على تذوُّقِها وجَلْبِها ، والبحثِ عنها وطرْدِ ما يضادُّها : « منْ أتاني يمشي أتيتهُ هرولةً » .
ومن سعادةِ العبدِ : كتمُ أسرارِهِ وتدبيرِه أمورهُ .
ذكروا أنّ أعربيّاً استُؤمن على سرٍّ مقابل عشرةِ دنانير ، فضاق ذرعاً بالسرِّ ، وذهب إلى صاحبِ الدنلنيرِ ، وردَّها عليهِ مقابل أنْ يُفشي السرَّ ، لأنَّ الكتمان يحتاجُ إلى ثباتٍ وصبرٍ وعزيمةٍ : ﴿ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ﴾ ، لأنَّ نِقاط الضعفِ عند الإنسانِ كشفُ أوراقِهِ للناسِ ، وإفشاءُ أسرارِه لهمْ ، وهو مرضٌ قديمٌ ، وداءٌ متأصِّلٌ في البشريةِ ، والنفسُ مُولعةٌ بإفشاءِ الأسرارِ ، ونقْلِ الأخبار . وعلاقةُ هذا بموضوعِ السعادةِ أنَّ منْ أفشى أسراره فالغالبُ عليه أن يندم ويحزن ويغْتمَّ .
وللجاحظِ في الكتمانِ كلامٌ خلاَّبٌ في رسائلِهِ الأدبيةِ ، فليعُدْ إليها منْ أراد . وفي القرآن : ﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ﴾ ، وهذا أصلٌ في كتمانِ السرِّ ، والأعرابيُّ يقول : وأكتمُ السرَّ فيه ضربةُ العنقِ .
***************************************
لن تموت قبل أجلِك

﴿ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ .
هذه الآيةُ عزاءٌ للجبناءِ الذين يموتون مراتٍ كثيرةً قبل الموتِ ، فلْيعلموا أنَّ هناك أجلاً مسمى ، لا تقديم ولا تأخير ، لا يعجِّلُ هذا الموت أحدٌ ، ولا يؤجِّله بشرٌ ، ولو اجتمع أهل الخافقيْن ، وهذا في حدِّ ذاتهِ يجلبُ للعبدِ الطمأنينة والسكينة والثبات : ﴿ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ﴾ .
واعلمْ أنَّ التعلُّق بغيرِ اللهِ شقاءٌ : ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ﴾ .
( سِيَرُ أعلامِ النبلاءِ ) للذهبيِّ ثلاثةٌ وعشرون مجلداً ، ترجم فيها للمشاهيرِ من العلماءِ والخلفاءِ والملوكِ والأمراءِ والوزراءِ والأثرياءِ والشعراءِ ، وباستقراءِ هذا الكتابِ تجدُ حقيقتين مهمتين :
الأولى : أنَّ منْ تعلَّق بغيرِ اللهِ منْ مالٍ أو ولدٍ أو منصبٍ أو حرفةٍ ، وكلهُ اللهُ إلى هذا الشيءِ ، وكان سبب شقائِهِ وعذابِهِ ومحْقِهِ وسحقِهِ : ﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ . فرعونُ والمنصِبُ قارونُ والمالُ ، وأُميَّةُ بنُ خلفٍ والتجارةُ ، والوليدُ والولدُ : ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ﴾ .
أبو جهل والجاهُ ، أبو لهبٍ والنسبُ ، أبو مسلم والسلطةُ ، المتنبئ والشهرةُ ، والحجَّاج والعلوُّ في الأرضِ ، ابنُ الفراتِ والوزارةُ .
الثانيةُ : أنَّ منِ اعتزَّ باللهِ وعمل له وتقرَّب منه ، أعزَّه ورفعه وشرَّفه بلا نسبٍ ولا منصبٍ ولا أهلٍ ولا مالٍ ولا عشيرةٍ : بلالُ والأذانُ ، سلمانُ والآخرةُ ، صُهيبٌ والتضحيةُ ، عطاءٌ والعِلْمُ ، ﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ﴾ .

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22