عرض مشاركة واحدة
قديم 03-05-2013 ~ 03:35 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي كيف تعامل الرسول صل الله عليه وسلم مع الناس (9)
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012



كيف تعامل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع الناس؟
(مواقف عملية)
فاطمة محمد عبدالمقصود العزب






كيفية التعليم

إذا أردنا منهجًا متميِّزًا في تعليم الناس أو دعوتهم إلى الحق، فلن نجد أعظم ولا أفضل من المنهج النبوي الفريد في التعليم والتربية، وهي ليست كلمات نظرية كتلك التي نقرؤها في كتب التربية، ومناهج التدريس، بل هي مواقف عملية ودروس تربوية، تصلح أن تكون فنًّا أو أصولاً يتبعها المربُّون لإصلاح وتربية الصغار والكبار على السواء.
ولنتأمل بعضًا من طرق ووسائل تعليمه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأمته:
لله أرحم بعباده من هذه بولدها:

كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحدث أمامه أحداث معينة، فينتهز مشابهة ما يرى لمعنًى معينٍ يريد تعليمه للصحابة، ومشاكلته لتوجيه مناسب يريد بثَّه لأصحابه، وعندئذ يكون هذا المعنى، وذلك التوجيه أوضح ما يكون في نفوسهم - رضوان الله عليهم - ومن ذلك ما رواه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قدِم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبْيٌ، فإذا امرأة في السبي قد تحلب ثدياها تسعى، إذا وجدت صبيًّا في السبي، أخَذته فألصَقته ببطنها، وأرضعته، فقال لنا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أترون هذه طارحةً ولدَها في النار؟)) قلنا: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال: ((لله أرحمُ بعباده من هذه بولدها))[1].
"فانتهز - صلَّى الله عليه وسلَّم - المناسبة القائمة بين يديه مع أصحابه، المشهود فيها حنان الأم الفاقدة على رضيعها إذ وجدته، وضرب بها المشاكلة والمشابهة برحمة الله - تعالى - ليعرف الناس رحمة رب الناس بعباده"[2].
إنما أنا لكم بمنزلة الوالد:

إنَّ استعمالَ لطيف الخطاب ورقيق العبارات، يؤلِّف القلوب، ويستميلها إلى الحق، ويدفع المستمعين إلى الوعي والحفظ، فقد كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يمهِّد لكلامه وتوجيهِه بعبارة لطيفة رقيقة، وبخاصة إذا كان بصدَد تعليمهم ما قد يُستحيَا من ذِكره، كما فعل عند تعليمهم آداب الجلوس لقضاء الحاجة؛ إذ قدم لذلك بأنه مثل الوالد للمؤمنين، يعلِّمهم شفقة بهم، فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما أنا لكم بمنزلةِ الوالد أعلِّمكم؛ فإذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القِبلة، ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه))[3].
لقد راعى المعلِّم الأول - صلَّى الله عليه وسلَّم - جملة من المبادئ التربوية الكريمة، كانت غايةً في السمو الخلُقي والكمال العقلي - وذلك في تعليقه على ما صدر من بعض الصحابة - جعلت التوجيه يستقر في قلوبهم، وبَقِي ماثلاً أمام بصائرهم؛ لِما ارتبط به من معانٍ تربوية كريمة [4].
أرأيتم ((التعليم بالمحاورة)):

إنه يريد لفتَ أنظارهم إلى أنَّ كل حركة يتحركونها، وكلَّ عمل يقومون به، حتى ما يرون أنه من العادات أو من دواعي الغريزة - يجب استغلاله للتزوُّد لذلك اليوم، وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسعى دائمًا لترسيخ تلك المعاني في نفوس الصحابة[5]، فنراه يقول في موطن آخر: ((وفي بُضْع أحدكم صدقة)) قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزرٌ؟ فكذلك إذا وضَعها في الحلال كان له أجر))[6].
ويقول في موطن ثالث: ((وإنَّك مهما أنفقت من نفقة، فإنها صدقة، حتى اللُّقمةُ التي ترفعها إلى فِي امرأتك))[7].
ما بال أقوام:

من هدي رسول الله: ألا يستخدمَ القول المباشر في تعليم الناس، إنما يخاطبهم بعموم القول؛ كيلا يشعر أحد بالحرَج، وتهتز ثقته بنفسه، وينعزل عن جماعته وإخوته وأمته؛ لذا كان رسول الله يستخدم ذلك القول اللطيف في كثير من الأحيان: ((ما بال أقوام)).
ولنَرَ كيف ردَّ الرسول وعلَّم صحابته وردَّهم إلى الصواب بذلك الأسلوب الذي لا يتعمَّد إساءة أو تخصيصًا لأحد بالذنب؛ لِما في ذلك من مراعاة شعور المخطئ، والتأكيد على عموم التوجيه.
حدث هذا في مواقف عدة، أشهرها: عندما جاء نفرٌ من الصحابة يريدون معرفة كيفية عبادة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصلاته، فسألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمله في السر، فأخبرتهم زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يصوم أحيانًا ويُفطر أحيانًا، وينام بعضًا من الليل، ويصلِّي بعضه، فقال بعضهم لبعض: هذا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد غُفِر الله له ما تقدَّم من ذنبه، ثم اتخذ كل واحد منهم قرارًا!
فقال أحدهم: أنا لن أتزوَّج، وقال الآخر: وأنا سأصوم دائمًا، وقال الثالث: وأنا لا أنام الليل.
فبلغ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ما قالوه، فقام على مِنبره، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
ما بالُ أقوامٍ، ((هكذا مبهمًا، لم يقل ما بال فلان وفلان)).
((ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا، لكنِّي أُصلي، وأنام، وأصوم، وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنَّتي، فليس مني))[8].
لينتَهُنَّ عن ذلك!

وفي يوم آخرَ لاحَظ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن رجالاً من المصلين معه يرفعون أبصارهم إلى السماء في أثناء صلاتهم، وهذا خطأ؛ فالأصل أن ينظر أحدهم إلى موضع سجوده، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم))، فلم ينتهوا عن ذلك واستمرُّوا يفعلونه، فلم يفضَحهم أو يسمِّهم بأسمائهم، وإنما قال: ((لينتَهُنَّ عن ذلك، أو لتُخطفنَّ أبصارُهم))[9].
اللهم بلغت:

ومن ذلك ما حدَث مع عبدالله بن اللُّتبيَّة حين استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدقات بني سُليم، فقبل الهدايا من المتصدقين، فعن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً على صدقات بني سُليم، يدعى: ابنَ اللُّتْبِيَّة، فلما جاء حاسبَه، فقال: هذا مالُكم، وهذا هدية، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فهلاَّ جلست في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتُك إن كنت صادقًا؟))، ثم خطبنا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ((أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاَّني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمِّه حتى تأتيه هديتُه؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقِي الله بحمله يوم القيامة، فلا أعرفنَّ أحدًا منكم لقِي الله يحمل بعيرًا له رغاءٌ، أو بقرة لها خُوارٌ، أو شاة تَيْعرُ))، ثم رفع يديه حتى رُؤِيَ بياض إِبْطيه، يقول: ((اللهم بلغتُ)) بصَرُ عيني، وسمْعُ أُذني[10].
أتحبه لأمك:

ولننظر إلى طريقته التربوية الرائعة التي يجب أن تكون منهاجًا في التعامل مع الشباب والمراهقين، حين جاءه شابٌّ يريد أن يأذن له في الزنا، إنها طريقة الحوار والمصارحة، والتي نغفل عنها كثيرًا في تعاملنا ودعوتنا للآخرين:
لقد أتى فتى شابٌّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ائذنْ لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مَهْ، مَهْ، فقال: ادنُهْ، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: أتحبُّه لأمِّك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمَّتك، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يدَه عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبَه، وطهِّر قلبَه، وحصِّن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيءٍ[11].
هكذا كانت طريقته - صلَّى الله عليه وسلَّم - مليئةً بالحب والرحمة والشَّفقة بأمته وبجميع البشر.
فسلامًا وصلاة عليك أيها المبعوث رحمةً للعالمين، وجعلنا نسير على خطاك؛ كي نكون من أهل الفلاح في الدنيا والآخرة.

[1] البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم (5999).

[2] الرسول المعلم؛ عبدالفتاح أبو غدة، ص (160).

[3] أبو داود، كتاب الطهارة، باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة (1/ 3)، رقم (8).

[4] السيرة النبوية؛ د علي الصلابي.

[5] السيرة النبوية؛ د علي الصلابي.

[6] مسلم، كتاب الزكاة (53).

[7] البخاري مع الفتح، كتاب الوصايا (2742).

[8] متفق عليه.

[9] رواه البخاري.

[10] البخاري، كتاب الحيل، باب احتيال العالم ليُهدى له، رقم (6979).

[11] الراوي: أبو أمامة الباهلي، المحدث: الألباني، المصدر: السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم (1/ 712).
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22