عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2021 ~ 07:21 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي إقرأ كتاب تاريخ الدولة العلية العثمانية
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الدولة, العلية, العثمانية, تاريخ, إقرأ, كتاب


الكتاب: تاريخ الدولة العلية العثمانية
المؤلف: محمد فريد (بك) ابن أحمد فريد (باشا) ، المحامي (المتوفى: 1338هـ)
المحقق: إحسان حقي
الناشر: دار النفائس، بيروت - لبنان
الطبعة: الأولى، 1401 - 1981
الناشر: دار النفائس - بيروت
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]



بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
مُقَدّمَة تاريخية
فِيمَن ولي الْخلَافَة الاسلامية قبل مُلُوك الدولة الْعلية العثمانية
الْخُلَفَاء الراشدون
انْتَقَلت الْخلَافَة إِلَى بني عُثْمَان سنة 923 هجرية حِين فتح السُّلْطَان سليم الاول العثماني مصر كَمَا تَجدهُ مفصلا فِي هَذَا الْكتاب واول من وَليهَا بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي 12 ربيع الاول سنة 11 من هجرته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ابو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد خلف طفيف وَقع بَين الصَّحَابَة وَتُوفِّي فِي مسَاء لَيْلَة الِاثْنَيْنِ 22 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 13 بعد ان عهد بالخلافة بعده لعمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَفِي ايامه كَانَ ظُهُور مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة فَأرْسل اليه من حاربه وَقَتله وَكَذَلِكَ ادَّعَت سجَاح بنت الْحَارِث النُّبُوَّة وَبقيت على غيها وضلالها إِلَى خلَافَة مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان فَأسْلمت وَحسن اسلامها وَفِي خِلَافَته فتحت مَدِينَة الْحيرَة بالأمان على الْجِزْيَة
وَعمر بن الْخطاب اول من سمي بأمير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ ابو بكر يُخَاطب بخليفة رَسُول الله وامتدت فتوحات الاسلام فِي ايامه امتدادا عَظِيما حَتَّى وصلت جيوشهم إِلَى بِلَاد الْمغرب وَإِلَى حُدُود الْهِنْد شرقا وَإِلَى بِلَاد سيبيريا شمالا ففتحت مصر وبلاد الشَّام وَالْعراق وايران وبخارى ومرو وزالت مملكة الاعجام من الْوُجُود السياسي بعد انهزام يزدجرد آخر مُلُوك بني ساسان وَفِي خلَافَة سيدنَا عمر رَضِي الله عَنهُ
(1/25)
________________________________________
دونت الدَّوَاوِين وانشئ الْبَرِيد البوسطة لنقل المراسلات بِكُل سرعَة وَوضع التَّارِيخ الهجري وَفِي 24 ذِي الْحجَّة سنة 23 طعنه ابو لؤلؤة بسكين وَقت الصَّلَاة وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي يَوْم السبت آخر ذِي الْحجَّة سنة 23 فَكَانَت مُدَّة خِلَافَته عشر سِنِين هجرية وَسِتَّة أشهر وَثَمَانِية ايام وَدفن فِي الْحُجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة
وبويع بعده عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ واشهر مَا حدث فِي خِلَافَته فتح افريقيا وَيَعْنِي بهَا تونس والجزائر ومراكش وغزو بِلَاد الاندلس وجزيرة قبرص وَنسخ الْقُرْآن الَّذِي جمع فِي خلَافَة ابي بكر وَكَانَ مودوعا عِنْد السيدة حَفْصَة زَوْجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وارسال نسخ مِنْهُ إِلَى جَمِيع الْبِلَاد وَحرق مَا سواهُ من النّسخ وَبِذَلِك حفظ الْقُرْآن من التَّغْيِير والتبديل إِلَى يَوْمنَا هَذَا وسيبقى كَذَلِك إِلَى آخر الدَّهْر ثمَّ عزل عُثْمَان اغلب الْوُلَاة وَعين بدلهم اقاربه فولى الْكُوفَة الْوَلِيد بن عقبَة وَكَانَ اخاه من امهِ وعزل عَمْرو بن الْعَاصِ عَن مصر وولاها عبد الله بن ابي السَّرْح العامري وَكَانَ اخا عُثْمَان من الرضَاعَة وعزل ابا مُوسَى الاشعري عَن الْبَصْرَة وولاها ابْن خَاله عبد الله بن عَامر فنقم عَلَيْهِ كثير من النَّاس واتت الْمَدِينَة وُفُود من مصر والكوفة وَالْعراق وَبعد مسَائِل يطول شرحها فِي هَذِه الْمُقدمَة حصلت فتْنَة كَانَت نتيجتها قتل عُثْمَان فِي دَاره لَيْلَة 18 ذِي الْحجَّة سنة 35 فَكَانَت مُدَّة خِلَافَته اثْنَتَيْ عشرَة سنة هجرية الا اياما قَلَائِل وَدفن مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمر رَضِي الله عَنهُ وَبعد مَوته حصلت الْبيعَة لسيدنا عَليّ بن ابي طَالب كرم الله وَجهه وابتدأ
(1/26)
________________________________________
الْخلف والانقسام فِي الاسلام وَطلبت السيدة عَائِشَة بنت ابي بكر زَوْجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الاخذ بثأر عُثْمَان وانضم اليها طَلْحَة وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَسَارُوا وَمن تَبِعَهُمْ إِلَى الْبَصْرَة للاستيلاء عَلَيْهَا فلحقهم عَليّ وحصلت بَين الْفَرِيقَيْنِ وقْعَة الْجمل الْمَشْهُورَة فِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة 36 فانتصر عَليّ وَمن مَعَه وَقتل طَلْحَة وَولى الزبير وَمن بَقِي مَعَه إِلَى الْمَدِينَة وَأرْسل عَليّ السيدة عَائِشَة إِلَى الْمَدِينَة مَعَ اخيها مُحَمَّد بن ابي بكر وَبِذَلِك انْتَهَت الْفِتْنَة فِي هَذِه الْجِهَة وَجمع عَليّ جيوشه لمحاربة مُعَاوِيَة ابْن ابي سُفْيَان وَالِي بِلَاد الشَّام لامتناعه عَن مبايعته ومناداته بِأخذ ثأر عُثْمَان فحصلت بَينهمَا وقْعَة صفّين الشهيرة فِي صفر سنة 37 وَبعدهَا اتّفق عَليّ مَعَ مُعَاوِيَة على ان يعين كل مِنْهُمَا حكما من طرفه ليفصلا الْخلاف وتهادنا على ذَلِك وحررا بِهِ عهدا فِي لَيْلَة الاربعاء 13 صفر سنة 37 بَين ابي مُوسَى الاشعري بالنيابة عَن عَليّ
(1/27)
________________________________________
كرم الله وَجهه وَعَمْرو بن الْعَاصِ بن وَائِل بالنيابة عَن مُعَاوِيَة واجلا الْقَضَاء إِلَى شهر رَمَضَان من هَذِه السّنة بِمحل يُقَال لَهُ دومة الجندل وان لم يجتمعا فِيهِ اجْتمعَا فِي السّنة التالية بأذرج فَاجْتمع ابو مُوسَى وَعَمْرو بن الْعَاصِ فِي الْموعد وَمَعَ كل مِنْهُمَا اربعة انفس من اصحابه واتفقا على ان يعْزل كل مِنْهُم مُوكله وينتخب الْمُسلمُونَ من يرونه كُفؤًا لتولي شؤونهم وعَلى هَذَا الِاتِّفَاق قَامَ ابو مُوسَى فِي الْجمع وَقَالَ قد خلعت عليا وَمُعَاوِيَة فَاسْتَقْبلُوا امركم وولوا عَلَيْكُم من
(1/28)
________________________________________
رَأَيْتُمُوهُ لهَذَا الامر اهلا ثمَّ قَامَ عَمْرو وَقَالَ ان هَذَا قد قَالَ مَا سَمِعْتُمْ وخلع صَاحبه واني اخلع صَاحبه كَمَا خلعه واثبت صَاحِبي فانه ولي عُثْمَان والطالب بدمه واحق النَّاس بمقامه فَقَالَ ابو مُوسَى مَالك لَا وفقك الله غدرت وفجرت وانفض الْجمع بعد ذَلِك وَعَاد عَمْرو وَمن مَعَه إِلَى مُعَاوِيَة وسلموا عَلَيْهِ بالخلافة وَمن ذَلِك الْحِين اخذ امْر عَليّ فِي الضعْف وامر مُعَاوِيَة فِي الْقُوَّة فَأرْسل مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ فِي سنة 38 إِلَى مصر لمحاربة مُحَمَّد بن ابي بكر الْمعِين عَلَيْهَا من قبل سيدنَا عَليّ كرم الله وَجهه واستخلاصها مِنْهُ فاتى إِلَيْهَا وَقتل مُحَمَّد بن سيدنَا ابي بكر رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ اخي السيدة عَائِشَة زَوْجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَارَت مصر تَابِعَة لمعاوية ثمَّ بَث سراياه فِي الْبِلَاد التابعة لعَلي لاكراه سكانها على مبايعة مُعَاوِيَة وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى سنة 40 وفيهَا اتّفق ثَلَاثَة من الْخَوَارِج وهم عبد الرَّحْمَن ابْن ملجم الْمرَادِي وَعَمْرو بن بكر التَّمِيمِي والبرك بن عبد الله التَّمِيمِي على قتل مُعَاوِيَة وَعلي وَعَمْرو بن الْعَاصِ وتواعدوا على لَيْلَة سَبْعَة عشر رَمَضَان من هَذِه السّنة ثمَّ سَافر كل مِنْهُم إِلَى وجهته فسافر ابْن ملجم إِلَى الْكُوفَة لقتل عَليّ وَمَعَهُ وردان بن تيم الربَاب وشبيب بن اشجع وسافر البرك إِلَى دمشق لقتل مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن بكر إِلَى مصر لقتل عَمْرو بن الْعَاصِ وَفِي الْيَوْم الْمُتَّفق عَلَيْهِ وثب ابْن ملجم وَمن مَعَه على سيدنَا عَليّ عِنْد خُرُوجه لصَلَاة الْغَدَاة فِي صَبِيحَة لَيْلَة الْجُمُعَة 17 رَمَضَان سنة 40 وضربه شبيب ضَرْبَة لم تصبه ثمَّ ضربه ابْن ملجم فَأصَاب جَبهته وَمَات بعد قَلِيل وَضبط ابْن ملجم فَقَط وفر الْآخرَانِ
هَذَا اما عَمْرو بن بكر فترصد لعَمْرو بن الْعَاصِ فَلم يخرج للصَّلَاة وامر خَارِجَة ابْن ابي حَبِيبَة صَاحب شرطته ليُصَلِّي بِالنَّاسِ فَوَثَبَ عَلَيْهِ عَمْرو بن بكر وَقَتله ظَانّا انه يقتل عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَذَلِكَ لم يقتل البرك بن عبد الله مُعَاوِيَة بل اصابه بِجرح غير خطر وَقتل هَؤُلَاءِ الْخَوَارِج الثَّلَاثَة وَاخْتلف فِي الْمحل الَّذِي دفن فِيهِ عَليّ كرم الله وَجهه لَكِن الْمجمع عَلَيْهِ وَالَّذِي ذكره ابْن الاثير وابو الْفِدَاء انه دفن فِي النجف بِبِلَاد الْعرَاق وَهَذَا هُوَ الاصح
(1/29)
________________________________________
الْخُلَفَاء الامويون
40 - 132 هـ = 661 750 م
1 - مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان 661 680 م
2 - يزِيد بن مُعَاوِيَة 680 683 م
3 - مُعَاوِيَة بن يزِيد 683 683 م
4 - مَرْوَان بن الحكم 683 685 م
5 - عبد الْملك بن مَرْوَان 685 705 م
6 - الْوَلِيد بن عبد الْملك 705 715 م
7 - سُلَيْمَان بن عبد الْملك 715 718 م
8 - عمر بن عبد الْعَزِيز 718 720 م
9 - يزِيد بن عبد الْملك 720 724 م
10 - هِشَام بن عبد الْملك 724 743 م
11 - الْوَلِيد بن يزِيد 743 744 م
12 - يزِيد بن الْوَلِيد 744 744 م
13 - ابراهيم بن الْوَلِيد 744 744 م
14 - مَرْوَان بن مُحَمَّد ابْن مَرْوَان بن الحكم 744 750 م
(1/30)
________________________________________
دولة بني امية
وَبعد قتل الامام عَليّ رَضِي الله عَنهُ رَابِع الْخُلَفَاء الرَّاشِدين بُويِعَ لِابْنِهِ الْحسن فِي الْعرَاق والحجاز وَبَاقِي الْبِلَاد الاسلامية مَا عدا الشَّام ومصر ثمَّ جمع مُعَاوِيَة جَيْشًا لمحارته واستعد الْحسن كَذَلِك لِلْقِتَالِ لَكِن ثارت الْفِتْنَة بَين عساكره وتسحب كثير مِمَّن كَانَ حوله فَلَمَّا رأى ذَلِك كتب إِلَى مُعَاوِيَة انه مستعد للتنازل اليه عَن حَقه فِي الْخلَافَة بِشَرْط ان يُعْطِيهِ مَا فِي بَيت مَال الْكُوفَة وخراج دَارا بجرد من فَارس وان لَا يسب عليا فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَة على الشَّرْطَيْنِ الاولين وَلم يقبل الثَّالِث فَطلب مِنْهُ الْحسن ان لَا يسبه وَهُوَ يسمع فَأَجَابَهُ وَلم يَفِ بذلك فِيمَا بعد وَبعد ذَلِك تنازل الْحسن لمعاوية وَكتب إِلَى قيس بن سعد قَائِد جيوشه بَان يُبَايع مُعَاوِيَة وَدخل مُعَاوِيَة الْكُوفَة وَصَارَت لَهُ الْخلَافَة على جَمِيع الاقاليم بِدُونِ مشارك اَوْ مُنَازع واستمرت الْخلَافَة فِي عائلته لسنة 132 ثمَّ انْتَقَلت لبني الْعَبَّاس اما سيدنَا الْحسن فَعَاد إِلَى الْمَدِينَة واقام بهَا إِلَى ان توفّي فِي ربيع الاول سنة 49 وَكَانَت وِلَادَته فِي السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة قيل انه مَاتَ مسموما واهم مَا حصل فِي ايام مُعَاوِيَة حِصَار
(1/31)
________________________________________
مَدِينَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة فِي سنة 48 وتأسيس عقبَة بن نَافِع مَدِينَة القيروان بتونس الخضراء سنة 50 وَدخُول سعد بن عُثْمَان بن عَفَّان مَدِينَة سَمَرْقَنْد فِي سنة 56 وَفِي هَذِه السّنة بَايع مُعَاوِيَة النَّاس لِابْنِهِ يزِيد بِولَايَة الْعَهْد فَامْتنعَ الْحُسَيْن بن عَليّ ابْن ابي طَالب وَتَبعهُ بَعضهم وَلما بُويِعَ ليزِيد بعد موت ابيه اصر الْحُسَيْن على امْتِنَاعه وَسَار من الْمَدِينَة إِلَى الْكُوفَة لمحاربة يزِيد فَالتقى بعسكره فِي الْموضع الْمَعْرُوف بكربلاء وَقتل الْحُسَيْن فِي يَوْم 10 محرم سنة 61 وَبَقِي عبد الله بن الزبير بِمَكَّة
(1/33)
________________________________________
مُمْتَنعا عَن مبايعة يزِيد ثمَّ اتّفق اهل الْمَدِينَة فِي سنة 64 على خلع يزِيد فخلعوه وطردوا نَائِبه فَأرْسل يزِيد مُسلم بن عقب فحاربهم وَدخل الْمَدِينَة عنْوَة واباحها لعسكره ثَلَاثَة ايام يَفْعَلُونَ باهلها مَا يشاؤن من قتل وَنهب وهتك وَبعد ان اكره سكان الْمَدِينَة الْجَيْش مَكَانَهُ الْحصين بن نمير السكونِي فحاصرها وَرمى الْبَيْت الْحَرَام بالمنجنيق واحرقه بالنَّار ثمَّ اتاه خبر موت يزِيد فَعَاد إِلَى الشَّام وَقيل انه عرض على الزبير ان يبايعه فَامْتنعَ الزبير وَتُوفِّي يزِيد لَيْلَة 14 ربيع الاول سنة 64 وعمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَت امهِ مَيْسُونُ بنت بَحْدَل الْكَلْبِيَّة وبويع بعده لِابْنِهِ مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَلم تستمر خِلَافَته الا بضعَة اشهر ثمَّ خلع نَفسه وَاعْتَكف فِي منزله حَتَّى مَاتَ وسنه احدى وَعِشْرُونَ سنة وَجمع النَّاس قبل الانعكاف واوصاهم بَان يختاروا للخلافة من احبوا
هَذَا وَلما مَاتَ يزِيد بن مُعَاوِيَة حصلت الْبيعَة بِمَكَّة لعبد الله بن الزبير وَبَايَعَهُ كَذَلِك اهل الْعرَاق واليمن وَذَلِكَ فِي مُدَّة خلَافَة مُعَاوِيَة بن يزِيد وَلما مَاتَ مُعَاوِيَة الثَّانِي بَايع اهل الشَّام مَرْوَان بن الحكم ثمَّ بَايعه اهل مصر وَتزَوج مَرْوَان بِأم خَالِد زَوْجَة يزِيد بن مُعَاوِيَة حَتَّى يَأْمَن جَانب خَالِد فاتاه الشَّرّ من حَيْثُ كَانَ يُرِيد النَّفْع وقتلته ام خَالِد يَوْم الثَّالِث من رَمَضَان سنة 65 وعمره ثَلَاثَة وَسِتُّونَ سنة
(1/34)
________________________________________
وبويع للخلافة بعده لِابْنِهِ عبد الْملك وَفِي خِلَافَته خرج الْمُخْتَار بن عبيد الثَّقَفِيّ لأخذ ثأر الْحُسَيْن وَقتل شمر بن ذِي الجوشن وَعمر بن سعد بن أبي وَقاص الَّذِي كَانَ قَائِد الْجَيْش الَّذِي حَارب الْحُسَيْن وَقتل ابْن عمر الْمَذْكُور واسْمه حَفْص ثمَّ حَارب عبد الله بن زِيَاد الَّذِي كَانَ واليا على الْبَصْرَة من قبل مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان وامر بقتل الْحُسَيْن فانتقم الله للحسين وَفِي سنة 67 ارسل عبد الله بن الزبير اخاه مصعبا لمحاربة الْمُخْتَار فحاربه وَقَتله فِي رَمَضَان وَفِي سنة 71 جهز عبد الْملك بن مَرْوَان جَيْشًا وَقصد الْعرَاق لمحاربة مُصعب بن الزبير فانتصر عَلَيْهِ وَقَتله فِي جُمَادَى الْآخِرَة فَبَايعهُ اهل العراقين ثمَّ ارسل الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ إِلَى مَكَّة فِي جَيش جرار لمحاربة عبد الله بن الزبير فحاصره الْحجَّاج بِمَكَّة وَرمى الْبَيْت الْحَرَام بالمنجنيق وابى ابْن الزبير ان يسلم نَفسه وَاسْتمرّ فِي الدفاع عَن مَكَّة حَتَّى قتل فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 73 فَبَايع اهل الْحجاز واليمن عبد الْملك بن مَرْوَان وَبِذَلِك استتب
الامر لبني امية وتوحدت الْخلَافَة الاسلامية بعد الانقسام ثمَّ توفّي عبد الْملك فِي منتصف شَوَّال سنة 86 وعمره سِتُّونَ سنة
وبويع بعده لِابْنِهِ الْوَلِيد وَهُوَ سادس خلفاء بني امية وَمن اهم اعماله انه عين ابْن عَمه عمر بن عبد الْعَزِيز على الْمَدِينَة وامره بهدم مَسْجِد رَسُول الله وبيوت ازواجه وادخال الْبيُوت فِي الْمَسْجِد لتوسيعه وَشرع فِي بِنَاء الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق وَفِي ايامه فتحت بِلَاد الاندلس غربا وَمَا وَرَاء نهر جيحون سرداريا شرقا وَدخل مُحَمَّد بن قَاسم الثَّقَفِيّ بِلَاد الْهِنْد وَتُوفِّي الْوَلِيد بن عبد الْملك فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 96 وعمره اثْنَتَانِ واربعون سنة وَنصف السّنة
(1/35)
________________________________________
وبويع بعده لاخيه سُلَيْمَان سَابِع الْخُلَفَاء الامويين فَاتخذ عمر بن عبد الْعَزِيز وزيرا لَهُ وَفِي ايامه ارسل اخاه مسلمة لمحاصرة الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَأَقَامَ الجيوش حولهَا حَتَّى اتاه خبر موت سُلَيْمَان وَفِي سنة 98 فتح يزِيد بن الْمُهلب وَالِي خُرَاسَان بِلَاد جرجان وطبرستان
وَفِي صفر سنة 99 توفّي سُلَيْمَان بن عبد الْملك وبويع بعده لِابْنِ عَمه عمر بن عبد الْعَزِيز ثامن خلفاء بني امية وَمن اعماله الَّتِي يمدح عَلَيْهَا ابطاله لسب سيدنَا عَليّ بن ابي طَالب كرم الله وَجهه على المنابر بوم الْجُمُعَة وابدال السب بِقِرَاءَة قَوْله تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي الْقُرْبَى وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي يعظكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ} وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة 24 رَجَب سنة 101 وَكَانَ حسن السِّيرَة مُتبعا فِي اعماله واوامره خطة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين
وبويع بعده يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان بِعَهْد من سُلَيْمَان بن عبد الْملك اليه بعد عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ تَاسِع الامويين واهم مَا حصل فِي ايامه اقماعه الثورة الَّتِي اهاجها يزِيد بن الْمُهلب ليستقل بِملك خُرَاسَان ارسل اليه اخاه مسلمة فحاربه وَقَتله هُوَ وَجَمِيع من كَانَ مَعَه من آل الْمُهلب
ثمَّ توفّي يزِيد بن عبد الْملك فِي 25 شعْبَان سنة 105 وحصلت الْبيعَة بعده لاخيه هِشَام بن عبد الْملك عَاشر خلفاء بني امية وَفِي ايامه غزت قواد جيوشه بِلَاد فرغانة وبلاد التّرْك النازلين فِيمَا وَرَاء خوارزم وَفِي سنة 122 بَايع بعض اهل
(1/36)
________________________________________
الْكُوفَة زيد بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن ابي طَالب بالخلافة فحاربه يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ وَالِي الْكُوفَة من قبل هِشَام وَقَتله فانتهت الْفِتْنَة
ثمَّ توفّي هِشَام فِي 9 ربيع الاول سنة 125 وعمره خمس وَخَمْسُونَ سنة وَهُوَ الَّذِي بنى مَدِينَة الرصافة وبويع بعده الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَهُوَ حادي عشرهم وَلم يلْتَفت لامور الْمُسلمين وشؤونهم بل انكب على اللَّهْو وَالشرب وَسَمَاع الْغناء ومنادمة العشاق وَلذَلِك هاج عَلَيْهِ بَنو اعمامه وقرابته فَقَتَلُوهُ فِي 27 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 126 وَكَانَ عمره اثْنَتَيْنِ واربعين سنة وَبَلغت مُدَّة خِلَافَته سنة وَاحِدَة وَثَلَاثَة اشهر
ثمَّ بَايعُوا يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك وَلم تطل مدَّته بل توفّي فِي 20 ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة وَكَانَت مدَّته كلهَا حروب داخلية وَفتن مستمرة وَبعده بُويِعَ اخوه ابراهيم قَاسم فَلم يستتب لَهُ الامر بل ظهر مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان ابْن الحكم ودعا النَّاس لمبايعته فَبَايعهُ اهل قنسرين وحمص وَغَيرهمَا ثمَّ سَار فِي جَيش عَظِيم إِلَى دمشق لمحاربة ابراهيم بن الْوَلِيد فَهَزَمَهُ ثمَّ اختفى ابراهيم
(1/37)
________________________________________
دخل مَرْوَان إِلَى دمشق وَبَايَعَهُ النَّاس وَصَارَ هُوَ الْخَلِيفَة دون ابراهيم وَتمّ لَهُ ذَلِك فِي النّصْف الاول من سنة 127 وَلم تعلم مُدَّة خلَافَة ابراهيم بن الْوَلِيد فَقيل اربعة اشهر وَقيل اقل من ذَلِك ثمَّ استأمن ابراهيم فَظهر وَبَايع مَرْوَان
ظُهُور دولة العباسيين
ومروان هَذَا هُوَ رَابِع عشر خلفاء بني امية وَآخرهمْ اذ ظَهرت فِي ايامه الدعْوَة للعباسيين فِي خُرَاسَان بمسعى ابو مُسلم الْخُرَاسَانِي وَذَلِكَ انه كَانَ يُوجد بالاقطار الاسلامية احزاب قوبة ضد بني امية فَمِنْهَا حزب يَقُول باحقية اولاد سيدنَا عَليّ بن ابي طَالب بالخلافة وَآخر يَقُول بِاسْتِحْقَاق اولاد الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَظهر حزب العلويين اكثر من مرّة فِي مُدَّة الامويين فَعَاد بالخيبة لظُهُوره فِي اوائل خلافتهم وَقُوَّة شوكتهم فَقتل الْحُسَيْن سنة 61 وَقتل زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن سنة 122 وَفِي هَاتين الواقعتين قتل كثير من اولادهم واقاربهم حَتَّى ضعف حزبهم وتفرق من حَولهمْ اما بني الْعَبَّاس فاستعملوا التؤدة وَالصَّبْر وَلم يفاجئوا الامويين فِي بَدْء ظُهُورهمْ بل بثوا اعوانهم فِي جَمِيع الْجِهَات لاستمالة النَّاس إِلَى بيعتهم ووجهوا همتهم إِلَى جِهَات الشرق مثل الْعرَاق وايران وخراسان وَمَا جاورها لبعدها عَن مَرْكَز خلَافَة الامويين وَعدم تعلقهم بهم تعلق اهل الشَّام ومصر وثابروا على هَذِه الخطة إِلَى ان ضعف حَال الامويين وتضعضع شانهم وَوَقع الشقاق والانقسام بَينهم حَتَّى تولى الْخلَافَة ثَلَاثَة فِي سنة وَاحِدَة وهم الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك وَيزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك واخوه ابراهيم وَلم يقْعد العباسيين عَن هَذَا الثَّبَات موت الْقَائِم بِهَذِهِ الدعْوَة وَهُوَ مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بل قَامَ بهَا بعده وَلَده ابراهيم الامام وَلما شاع خبر مساعيهم قبض مَرْوَان على ابراهيم الْمَذْكُور وحبسه فِي حران حَتَّى مَاتَ وَكَانَ ذَلِك فِي سنة 129 فَقَامَ بالدعوة اخوه ابو الْعَبَّاس الَّذِي لقب فِيمَا بعد بالسفاح وفيهَا اظهر ابو مُسلم الْخُرَاسَانِي الدعْوَة للعباسيين بِبِلَاد خُرَاسَان وَحَارب نصر بن سيار الْعَامِل عَلَيْهَا من قبل الامويين وانتصر عَلَيْهِ
(1/38)
________________________________________
وَدخل مَدِينَة مرو وَفِي صفر سنة 132 اتى ابو الْعَبَّاس إِلَى الْكُوفَة واختفى بهَا إِلَى يَوْم الْجُمُعَة 12 ربيع الاول وَفِيه خرج إِلَى الْجَامِع وَبَايَعَهُ النَّاس بالخلافة ثمَّ اتى مَرْوَان لمحاربته فَهزمَ بالزاب وَتَبعهُ عَسَاكِر العباسيين إِلَى ان قتل فِي بوصير بِمصْر فِي اواخر ذِي الْحجَّة سنة 132 وَبِذَلِك تمّ انْتِقَال الْخلَافَة إِلَى بني الْعَبَّاس
(1/39)
________________________________________
وَلم يجْعَلُوا مقرّ ملكهم مَدِينَة دمشق بل اقام ابو الْعَبَّاس بِالْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ اخوه ابو جَعْفَر الْمَنْصُور إِلَى ان بنى مَدِينَة بَغْدَاد وَذَلِكَ لعدم ثقتهم بِأَهْل الشَّام لميلهم إِلَى بني امية لَكِن انْتِقَال مقرّ الْخلَافَة إِلَى الْعرَاق كَانَ سَببا فِي فَصم عرى الروابط بَين الْخلَافَة والولايات الْبَعِيدَة مثل الاندلس وافريقيا تونس والجزائر فانفصلت تدريجيا كَمَا ترى
وَلم يهدأ بَال الْعَبَّاس من جِهَة الامويين الا بعد ان قتل مِنْهُم نَحْو تسعين رجلا قتلوا ضربا بالعمد ثمَّ بسطت عَلَيْهِم الانطاع ومدت الموائد واكل النَّاس وهم يسمعُونَ انينهم حَتَّى مَاتُوا وامر بنبش قُبُورهم واحراق عظامهم وَلم يفلت من بني امية على مَا قيل الا من هرب إِلَى الاندلس وَكَانَ من ضمنهم عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان بن الحكم فاستولى على الاندلس وَبقيت فِي عقبه لسنة 420 ولقب الْعَبَّاس بالسفاح لِكَثْرَة سفكه الدِّمَاء وَمَات فِي ذِي الْحجَّة سنة 136 وَدفن فِي الانبار وَقد عهد بالخلافة بعده إِلَى اخيه ابي جَعْفَر الْمَنْصُور ثمَّ من بعده إِلَى عِيسَى ابْن اخيه مُوسَى وَفِي سنة 137 بَايع عَم الْمَنْصُور وَهُوَ عبد الله بن عَليّ لنَفسِهِ فارسل اليه الْمَنْصُور ابا مُسلم الْخُرَاسَانِي فَهَزَمَهُ وهرب عبد الله وَبَقِي مختفيا إِلَى سنة 139 حَتَّى ظفر بِهِ الْمَنْصُور وَقَتله وَفِي شعْبَان سنة 137 قتل المصور ابا مُسلم الْخُرَاسَانِي مَعَ انه سَبَب حُصُول العباسيين على الْخلَافَة بسعيه واجتهاده قَتله لخوفه من امتداد نُفُوذه وَالْخُرُوج عَلَيْهِ واختلاس الْخلَافَة لنَفسِهِ وَفِي سنة 141 حصلت فتْنَة الراوندية الَّذين قَالُوا بالوهية ابي جَعْفَر الْمَنْصُور
(1/40)
________________________________________
فحاربهم حَتَّى قَتلهمْ عَن آخِرهم وَفِي سنة 145 بَايع اهل الْمَدِينَة مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الْحسن بن الْحُسَيْن الملقب بِالنَّفسِ الزكية بالخلافة فارسل اليه ابو جَعْفَر عِيسَى ابْن مُوسَى فحاربه وَقَتله مَعَ كثير من اهل بَيته فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَفِي اثناء ذَلِك كَانَ اخوه ابراهيم قد قصد الْبَصْرَة وَطلب الْبيعَة من اهلها لاخيه مُحَمَّد النَّفس الزكية فَبَايعُوهُ ثمَّ ارسل من استولى على الاهواز وواسط وَلما اتاه خبر قتل اخيه سَار بجموعه قَاصِدا الْكُوفَة فلاقاه عِيسَى بن مُوسَى وَكَانَ قد عَاد من الْمَدِينَة بعد موت مُحَمَّد فحاربه حَتَّى قَتله وَبِذَلِك انْتَهَت هَذِه الْفِتْنَة وامن الْمَنْصُور جَانب العلويين وَفِي اثناء هَذِه الْفِتَن توفّي بِبَغْدَاد الامام الاعظم ابو حنيفَة النُّعْمَان رَضِي الله عَنهُ ثمَّ تفرغ الْمَنْصُور لبِنَاء مَدِينَة بَغْدَاد وانتقل اليها وَتُوفِّي فِي 6 ذِي الْحجَّة سنة 158 وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَلم يتبع مَا اوصى بِهِ الْعَبَّاس بل اوصى بالخلافة لِابْنِهِ مُحَمَّد الْمهْدي وخلع عِيسَى ابْن اخيه مُوسَى من ولَايَة الْعَهْد
وَمن اهم اعمال مُحَمَّد الْمهْدي تنظيمه الْبَرِيد وتعميمه بَين الْمَدَائِن الْعَظِيمَة وغزو الرّوم مرَّتَيْنِ بِمَعْرِِفَة ابْنه هرون الرشيد وَفِي ايامه ظهر بعض الزَّنَادِقَة فِي حلب فَجَمعهُمْ الْمهْدي وقتلهم عَن اخرهم ومزق كتبهمْ واستمرت خِلَافَته عشر سِنِين وشهرا وَتُوفِّي فِي 22 محرم سنة 169 بماسندان وعمره 43 سنة فاخذ وَلَده هَارُون الْبيعَة لاخيه مُوسَى الْهَادِي الَّذِي كَانَ يحارب بجرجان وَفِي خلَافَة مُوسَى الْهَادِي بن مُحَمَّد الْمهْدي ظهر الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن بن الْحسن
(1/41)
________________________________________
ابْن عَليّ بن ابي طَالب وَادّعى الْخلَافَة بِالْمَدِينَةِ فَاجْتمع عَلَيْهِ كثير وَبَايَعُوهُ فحاربه العباسيون وقتلوه مَعَ كثير من رفقائه واهل بَيته فِي ذِي الْحجَّة سنة 169 وفر من الْقَتْل ادريس بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن ابي طَالب إِلَى بِلَاد الْمغرب سنة 170 وعمره اربعة وَعِشْرُونَ سنة على مَا قيل وَهُوَ مؤسس عائلة الادريسيين بمراكش وَتُوفِّي مُوسَى الْهَادِي فِي 14 ربيع الاول فَتَوَلّى بعده اخوه شقيقه هرون الرشيد وعمره 22 سنة وَكَانَت وِلَادَته بِالريِّ فِي ذِي الْحجَّة سنة 148 وامهما الخيزران وَهِي ام ولد
وهرون الرشيد هُوَ خَامِس خلفاء بني الْعَبَّاس وَفِي مدَّته بلغت دولتهم اعلى دَرَجَات الْكَمَال وَفِي ايامه ظهر يحيى بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ ابْن ابي طَالب وَبَايَعَهُ خلق كثير فِي سنة 176 فارسل اليه هرون الرشيد الْفضل ابْن يحيى الْبَرْمَكِي فِي جَيش عَظِيم ففضل الْفضل المسالمة على الْحَرْب وَكَاتب يحيى وامنه على نَفسه فَطلب ان يكْتب لَهُ الرشيد بالامان بِخَطِّهِ فَفعل وعَلى ذَلِك حضر يحيى إِلَى بَغْدَاد فاكرمه الرشيد ثمَّ سجنه حَتَّى مَاتَ وَفِي هَذِه السّنة حصلت بِدِمَشْق فتْنَة عَظِيمَة بَين المضرية واليمنية قتل فِيهَا كَثِيرُونَ وَفِي سنة 179 توفّي الامام مَالك رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ ثَانِي الائمة الاربعة
وَفِي سنة 184 ولي ابراهيم بن الاغلب على افريقيا وَبقيت لَهُ فِي ذُريَّته
(1/42)
________________________________________
إِلَى ان ظهر الفاطميون واستقلوا بِملك افريقيا ومصر كَمَا ترَاهُ فِي آخر هَذِه الْمُقدمَة وَفِي سنة 187 تحول الرشيد عَن البرامكة لما راى امتداد نفوذهم وَزِيَادَة اموالهم واملاكهم وميل النَّاس اليهم وَكَثْرَة عطاياهم فخشى من ان تطمح انظارهم إِلَى مَا فَوق ذَلِك اَوْ يقصدوه وعائلته بِسوء طَمَعا فِي تولي الْخلَافَة فلهذه الاسباب اصر على الايقاع بهم فَقتل جَعْفَر بن يحيى فِي الانبار عِنْد عودة الرشيد من الْحَج فِي اول صفر سنة 187 وارسل راسه وجثته إِلَى بَغْدَاد فَنصبت بهَا اياما ثمَّ ارسل من احاط يحيى الْبَرْمَكِي وَولده الْفضل وصادرهم فِي جَمِيع اموالهم من مَنْقُول وثابت وَبِذَلِك انْقَضتْ وزارة البرامكة بعد ان بقيت فيهم سبع عشرَة سنة واما مَا يذكرهُ بعض المؤرخين ويجعلونه سَببا للايقاع بالبرامكة فَغير صَحِيح
وَفِي سنة 190 توفّي يحيى بن خَالِد بن برمك بِالْحَبْسِ وَكَذَلِكَ توفّي بِالْحَبْسِ وَلَده الْفضل فِي محرم سنة 193 وَفِي 3 جُمَادَى الثَّانِي من هَذِه السّنة توفّي الْخَلِيفَة هرون الرشيد فِي مَدِينَة طوس اثناء سَفَره فصلى عَلَيْهِ ابْنه صَالح واخذ الْبيعَة لاخيه مُحَمَّد الامين وارسل يُخبرهُ بذلك وَكَانَ الرشيد قد عهد بالخلافة بعده لوَلَده الامين ثمَّ لِلْمَأْمُونِ ثمَّ لِابْنِهِ الْقَاسِم ولقبه بالمؤتمن لَكِن جعل امْر استمراره فِي ولَايَة الْعَهْد وعزله فِي يَد الْمَأْمُون ان شَاءَ اسْتَخْلَفَهُ وان شَاءَ عهد بالخلافة لغيره فَلم يتبع الامين هَذَا الْعَهْد بل ابطل ذكر اخيه الْمَأْمُون فِي الْخطْبَة فِي سنة 195
(1/43)
________________________________________
وَأمر بِأَن يخْطب لِابْنِهِ مُوسَى ولقبه النَّاطِق بِالْحَقِّ وَكَانَ الْمَأْمُون بخراسان فَلَمَّا بلغه خبر هَذَا التَّغْيِير لم يقبله وَاجْتمعَ حوله وَبَايَعَهُ كل من تحول عَن الامين لانهماكه فِي الملاذ واحتجابه عَن النَّاس وَصَرفه اوقاته فِيمَا لَا يعود على الْخلَافَة بِخَير فَجهز الامين جَيْشًا لمحاربة اخيه الْمَأْمُون واستمرت هَذِه الْفِتْنَة إِلَى سنة 197 هـ وفيهَا تغلبت جيوش الْمَأْمُون على جيوش الامين وحوصر الامين فِي بَغْدَاد مُدَّة وَقتل اخيرا فِي 25 محرم سنة 198 وعمره ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة وبويع بالخلافة لاخيه الْمَأْمُون وَهُوَ سَابِع بني الْعَبَّاس
وَكَانَ من اعماله خلع اخيه الْقَاسِم من ولَايَة الْعَهْد بِمَا لَهُ من الْحق بِمُقْتَضى عهد ابيه الرشيد واقام مَكَانَهُ فِي سنة 210 عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن زين العابدين بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن ابي طَالب وخلع شعار بني الْعَبَّاس وَهُوَ السوَاد وَلبس الخضرة شعار العلويين وامر جنده بذلك فنقم عَلَيْهِ العباسيون باخراجهم عَن الْخلَافَة وَتَآمَرُوا على عَزله وَكَانَ بمرو فَعَزله اهل بَغْدَاد وَبَايَعُوا ابراهيم بن الْمهْدي العباسي فِي محرم سنة 202 وَلما بلغ الْمَأْمُون خبر خُرُوج اهل بَغْدَاد عَلَيْهِ سَار اليها من مرو وَمَعَهُ عَليّ الرِّضَا وَفِي صفر سنة 203 توفى على الرِّضَا فَجْأَة بِالطَّرِيقِ بِمَدِينَة طوس فصلى عَلَيْهِ الْمَأْمُون وَدَفنه بجوار قبر وَالِده الرشيد ثمَّ ارسل إِلَى اهل بَغْدَاد يُخْبِرهُمْ بِمَوْتِهِ وبعودته إِلَى مَا عهد بِهِ ابوه فَتفرق النَّاس من حول ابراهيم بن الْمهْدي ودخلها عَسْكَر الْمَأْمُون لكِنهمْ لم يظفروا بِهِ بل اختفى وَبَقِي مختفيا إِلَى ان ضبط فِي ربيع الآخر سنة 210 وَعفى عَنهُ
(1/44)
________________________________________
الْمَأْمُون وَتُوفِّي فِي رَمَضَان سنة 224 وَفِي اوائل سنة 204 عَاد الْمَأْمُون وانقطعت الْفِتَن وَترك الخضرة وَعَاد إِلَى لبس السوَاد شعار بني الْعَبَّاس وعادت الاحوال إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ وَفِي هَذِه السّنة توفّي بِمصْر الامام مُحَمَّد بن ادريس الملقب بالشافعي ثَالِث الائمة الاربعة وَفِي سنة 212 قَالَ الْمَأْمُون بِخلق الْقُرْآن وجبر النَّاس على القَوْل بذلك واضطهد كل من خَالفه وَهُوَ الَّذِي امْر مُحَمَّد بن آلوسي بن شَاكر واخويه احْمَد وَالْحُسَيْن بتحقيق طول خطّ نصف النَّهَار لمعْرِفَة مِقْدَار مُحِيط الكرة الارضية بالضبط فَقَامُوا بِهَذِهِ المأمورية العلمية خير قيام وقاسوا اُحْدُ خطوط الطول فِي سهل سنجار ثمَّ اعادوا المقاس ثَانِيًا فِي وطئة الْكُوفَة وَهَذَا دَلِيل على سبق الْعَرَب للافرنج فِي معرفَة كروية الارض وَفِي ايامه ترجمت اغلب كتب اليونان العلمية والفلسفية وَبلغ التمدن اعلى الدَّرَجَات وَفِي سنة 216 زار مصر وَتُوفِّي فِي 19 رَجَب سنة 218 بعد ان اوصى لاخيه ابي اسحق مُحَمَّد المعتصم بِاللَّه وَدفن بطرسوس وسنه سبع واربعون سنة وَمُدَّة خِلَافَته عشرُون سنة وَنصف تَقْرِيبًا فَبَايع النَّاس المعتصم الا بعض الْجنُود فَبَايعُوا الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون فاستدعى
(1/45)
________________________________________
المعتصم الْعَبَّاس فَبَايعهُ وَخرج للجند ونصحهم بمبايعة المعتصم فَبَايعُوهُ وَهِي اول مرّة تدخل الْجند فِي امْر الْخلَافَة
وَمن اعمال المعتصم بِنَاء مَدِينَة سامراء وَفتح عمورية الَّتِي كَانَ يقدسها الرّوم وَفِي اثناء عودته من عمورية بلغه ان الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون يكيد لَهُ وَيَنْوِي قَتله فامر بسجنه فسجن وَمَات بعد قَلِيل قيل ان الْمُوكل بحراسته منع عَنهُ المَاء حَتَّى مَاتَ وارسل المعتصم اُحْدُ قواد جيوشه واسْمه الافشين خيذر لمحاربة بابك الْمَجُوسِيّ الَّذِي استولى على جبال طبرستان مُدَّة عشْرين سنة تَقْرِيبًا فحاربه وَقبض عَلَيْهِ واحضره امام المعتصم فَقتله وَفِي سنة 226 غضب المعتصم على الافشين فَقتله
وَفِي 18 ربيع الاول سنة 227 توفّي المعتصم وعمره ثَمَان واربعون سنة تَقْرِيبًا وَهُوَ اول من اضيف اسْم الله تَعَالَى إِلَى لقبه وبويع بعده ابْنه الواثق بِاللَّه هرون وَلما تولى الواثق حصلت فتْنَة بِدِمَشْق فارسل اليها جَيْشًا اعاد السكينَة اليها وَكَانَ لَهُ وَزِير تركي اسْمه اشناس اعطى اليه الواثق عَلَامَات الامارة وَهِي تَاج ووشاحين وَمن ثمَّ ابْتَدَأَ وُفُود قبائل التّرْك إِلَى بِلَاد الْعرَاق ودخولهم فِي الْوَظَائِف الْعَالِيَة خُصُوصا الجندية الامر الَّذِي اوجب تدخلهم فِي امور الْخلَافَة واستيلاءهم على السلطة الفعلية وَتُوفِّي اشناس التركي سنة 229 وَمِمَّا اوجب ضعف دولة العباسيين جعلهم
(1/46)
________________________________________
بِلَاد خُرَاسَان وراثية تَقْرِيبًا فِي عائلة طَاهِر بن عبد الله
وَتُوفِّي الواثق فِي 24 ذِي الْحجَّة سنة 232 وَاخْتلف فِيمَن يعين بعده فَقَالَ فريق بمبايعة ابْنه مُحَمَّد وَقَالَ آخر بِعَدَمِ صلاحيته لصِغَر سنه واخيرا اتّفق على مبايعة المتَوَكل جَعْفَر بن المعتصم وَهُوَ عَاشر خلفاء بني الْعَبَّاس وَفِي مدَّته توفّي الامام احْمَد بن حَنْبَل اُحْدُ الائمة الاربعة فِي سنة 241 وَشرع المتَوَكل فِي نقل مَرْكَز حكومته إِلَى دمشق وَنقل اليها دواوينه وَلم يقم بهَا الا شَهْرَيْن فِي سنة 241 ثمَّ عَاد إِلَى سامراء وَقتل المتَوَكل سنة 247 قَتله بعض مماليكه بِاتِّفَاق مَعَ ابْنه الْمُنْتَصر وبغا الصَّغِير الشرابي وَقيل انه قتل فِي مجْلِس شرابه وَقتل مَعَه وزيره الْفَتْح بن خاقَان فِي لَيْلَة الاربعاء 3 شَوَّال سنة 247 وَمُدَّة خِلَافَته خمس عشرَة سنة تَقْرِيبًا وعمره نَحْو اربعين سنة ثمَّ حصلت الْبيعَة لِابْنِهِ الْمُنْتَصر لَكِن لم تطل مدَّته بل توفّي فِي يَوْم الاحد 4 ربيع الاول سنة 248 وعمره خمس وَعِشْرُونَ سنة وَنصف وَمُدَّة خِلَافَته سِتَّة شهور
وبويع بعده احْمَد المستعين بِاللَّه ابْن مُحَمَّد المعتصم وَلم يرغب رجال الدولة خُصُوصا الاتراك مبايعة اُحْدُ اولاد المتَوَكل وَبِذَلِك ازْدَادَ تدخلهم فِي انتخاب الْخُلَفَاء وعزلهم بل وقتلهم حَتَّى صَار الامر بيدهم وزادت الْفِتَن بَين الْعَرَب والاتراك فِي خلَافَة المستعين وتأيد نُفُوذ عائلة طَاهِر بن عبد الله بخراسان وَلما توفّي طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر بن عبد الله فِي رَجَب سنة 248 عين المستعين وَلَده مُحَمَّد بن طَاهِر وَكَذَلِكَ لما توف بغا التركي ولى ابْنه مُوسَى مَكَانَهُ فَصَارَت الْوَظَائِف وراثية تَقْرِيبًا فِي بعض العائلات الاجنبية وَفِي خلَافَة المستعين ظهر يَعْقُوب بن اللَّيْث الصفار وتحرك من سجستان قَاصِدا هرات للاستيلاء عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ ظهر الْحسن بن
(1/47)
________________________________________
زيد بن مُحَمَّد بن اسماعيل بن زيد بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن ابي طَالب بطبرستان واستقل بهَا إِلَى ان توفّي سنة 287 وَكَانَ يلقب بالداعي إِلَى الْحق وَحكم بعده النَّاصِر للحق الْحسن بن عَليّ وَكَانَ يعرف بالاطروش وَتُوفِّي سنة 304 وانقرض بِمَوْتِهِ ملك العلويين بطبرستان
فَكَانَت الاحوال فِي غَايَة الِاضْطِرَاب مُدَّة حكم المستعين وَكثر الْفساد وسعي كل عَامل فِي الِاسْتِقْلَال بِمَا ولي عَلَيْهِ وضعفت الْحُكُومَة حَتَّى صَارَت العوبة فِي ايدي اصحاب الدسائس وزادت الْفِتَن بَين احزاب الاتراك فِي سنة 251 حَتَّى حاصروا المستعين بقصره بسامراء فهرب مِنْهَا إِلَى بَغْدَاد فَبَايع العصاة المعتز بِاللَّه بن المتَوَكل الَّذِي ارسل اخاه ابا احْمَد طَلْحَة فِي خمسين الف تركي لمحاربة المستعين بِبَغْدَاد ثمَّ اتّفق كبار الدولة على خلع المستعين حسما للمشاكل وحقنا للدماء فخلعوه واخبروه بذلك فَقبل وَبَايع المعتز بِاللَّه وخطب لَهُ فِي بَغْدَاد يَوْم الْجُمُعَة 4 محرم سنة 252 ثمَّ قتل المستعين بامر المعتز بعد ان منع من السّفر إِلَى مَكَّة وَحبس وَفِي مُدَّة المعتز حصلت جملَة فتن بَين الْعَسْكَر الاتراك فَقتلُوا قائدهم وصيف سنة 253 وَلم يعاقبهم الْخَلِيفَة بل اعطى كل مَا كَانَ لَهُ إِلَى بغا الشرابي ثمَّ امْر بقتْله سنة 254 وَفِي هَذِه السّنة ولى احْمَد بن طولون على مصر فاستقل بهَا مَعَ حفظ السِّيَادَة الاسمية للعباسيين إِلَى ان توفّي سنة 270 وَخَلفه ابْنه خمارويه الملقب
(1/48)
________________________________________
بَابي الجيوش وَفِي سنة 255 استولى يَعْقُوب الصفار على كرمان ثمَّ على بِلَاد فَارس وَدخل شيراز وَكتب للخليفة يعْتَرف لَهُ بالسيادة وارسل اليه هَدَايَا عَظِيمَة فَاكْتفى الْخَلِيفَة وفقد بذلك جَمِيع املاكه الْوَاقِعَة شَرق بَغْدَاد تَقْرِيبًا كَمَا فقد مصر وكما اسْتَقل الامويون بالاندلس والادريسيون بالمغرب الاقصى بِحَيْثُ صَارَت الاقاليم التابعة للعباسيين لَا تزيد عَن ربع مَا كَانَ قبلهم لدولة بني امية
وَفِي 26 رَجَب سنة 255 ثار عَلَيْهِ الاتراك من الْجند لعدم مقدرته على اداء مَا يطلبونه من الاموال فاهانوه واشهدوا على خلعه وَبَايَعُوا الْمُهْتَدي مُحَمَّد بن الواثق وَهُوَ رَابِع عشر الْخُلَفَاء العباسيين وَفِي 2 شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة مَاتَ المعتز جوعا بِمَنْع الطَّعَام وَالشرَاب عَنهُ وَفِي مدَّته ابْتَدَأَ ظُهُور شخص اسْمه عَليّ بن مُحَمَّد وَادّعى الانتساب للعلويين وَجمع قبائل الزنوج النازلين بِالْقربِ من الْبَصْرَة وَصَارَ يعثو هُوَ وَرِجَاله فِي الارض إِلَى ان قتل سنة 270 وَلم تطل خلَافَة الْمُهْتَدي بل خصلت حروب بَينه وَبَين الاتراك بِسَبَب قَتله اُحْدُ قوادهم الْمَدْعُو بايكيال وظفروا بِهِ اخيرا وقتلوه فِي 18 رَجَب سنة 256 واخرجوا ابا الْعَبَّاس احْمَد بن
(1/49)
________________________________________
المتَوَكل من السجْن وَبَايَعُوهُ ولقب الْمُعْتَمد على الله وَهُوَ خَامِس عشرهم وَفِي مدَّته توفّي الامام البُخَارِيّ فِي لَيْلَة عيد الْفطر سنة 256 والامام مُسلم فِي سنة 261 واستفحل امْر يَعْقُوب الصفار فاستولى على بَلخ وكابل والاهواز ثمَّ توفّي فِي 19 شَوَّال سنة 265 وَخَلفه اخوه عَمْرو وَكتب للخليفة بِالطَّاعَةِ فولاه جَمِيع الْبِلَاد الَّتِي كَانَت تَحت يَد اخيه وَعظم شَأْن الْحسن بن زيد الْعلوِي بطبرستان وَاسْتولى على جرجان ثمَّ توفّي سنة 270 وَتَوَلَّى اخوه مُحَمَّد بن زيد وَعصى الْعَرَب فِي حمص حاكمهم التركي وقتلوه وَاسْتولى الزنوج على الْبَصْرَة وَقتلُوا كثيرا من اهلها ودخلوا مَدِينَة وَاسِط ووصلت طلائعهم إِلَى بَغْدَاد نَفسهَا فازدادت الْخلَافَة ضعفا على ضعف وتخللت الفوضى جَمِيع اجزائها واستبد القواد والحكام لعدم وجود رادع اَوْ مراقب
بَنو طولون بِمصْر
وَفِي خِلَافَته اشهر كَذَلِك احْمَد بن طولون استقلاله وَمنع ذكر اسْم الْخَلِيفَة فِي الْخطْبَة وَسَار إِلَى بِلَاد الشَّام وَفتح اكثر مدائنها وعظمت
(1/50)
________________________________________
سطوته ثمَّ مَاتَ سنة 270 وَخَلفه ابْنه خمارويه وَكَانَ ابو احْمَد طَلْحَة الْمُوفق اخو الْخَلِيفَة الْمُعْتَمد هُوَ قَائِد جُنُوده وَصَاحب الْكَلِمَة فِي الْبِلَاد حَتَّى ضيق على الْخَلِيفَة فِي الْمصرف وَتُوفِّي فِي 22 صفر سنة 278 وَحَيْثُ كَانَ بُويِعَ لَهُ بِولَايَة الْعَهْد بعد الْمُفَوض جَعْفَر بن الْمُعْتَمد اجْتمع القواد وَبَايَعُوا ابا الْعَبَّاس المعتضد بِولَايَة الْعَهْد مَكَان ابيه الْمُوفق ثمَّ عزل الْمُعْتَمد ابْنه جَعْفَر قبل وَفَاته واوصى بِولَايَة الْعَهْد لأبي الْعَبَّاس المعتضد
وَفِي آخر خلَافَة الْمُعْتَمد ظهر اصحاب مَذْهَب القرامطة بِالْكُوفَةِ وَتُوفِّي
(1/51)
________________________________________
فِي 19 رَجَب سنة 279 بعد ان حكم ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وبويع لأبي الْعَبَّاس احْمَد المعتضد بِاللَّه ابْن الْمُوفق بن المتَوَكل وَهُوَ سادس عشر خلفاءهم وَفِي مدَّته زَادَت شَوْكَة بني سامان المستقلين بِبِلَاد مَا وَرَاء النَّهر مَعَ اعترافهم بالسيادة للخليفة وَسَار اسماعيل الساماني إِلَى خُرَاسَان لمحاربة عَمْرو اخي يَعْقُوب الصفار فَهَزَمَهُ وَقبض عَلَيْهِ وحبسه حَتَّى مَاتَ وانقرض بِمَوْتِهِ ملك الصفار ثمَّ حَارب الساماني مُحَمَّد بن زيد الْعلوِي صَاحب طبرستان فَهَزَمَهُ وجرح الْعلوِي جراحا بليغة مَاتَ بِسَبَبِهَا سنة 287 وَخَلفه ابْنه النَّاصِر للحق
وَفِي ايام المعتضد قتل خمارويه بن طولون صَاحب مصر سنة 282 وَخَلفه ابْنه جَيش الملقب بالافضل ثمَّ خلعه الْجند وعينوا اخاه هرون وَضعف امْر بني طولون وقارب الزَّوَال وَفِي 22 ربيع الآخر سنة 289 توفّي المعتضد وَكَانَت خِلَافَته عشر سنوات تَقْرِيبًا وعمره سبع واربعون سنة وَخَلفه ابْنه المكتفي بِاللَّه
(1/52)
________________________________________
وَهُوَ سَابِع عشر خلفاء العباسيين وَفِي ايامه افْتتح العباسيون مصر ثَانِيًا من هرون ابْن خمارويه وهزمت القرامطة عدَّة مَرَّات وَتُوفِّي اسماعيل الساماني وَتَوَلَّى بعده ابْنه ابو النَّصْر احْمَد فأقره الْخَلِيفَة ثمَّ توفّي فِي 12 ذِي الْقعدَة سنة 295 فَكَانَت خِلَافَته سِتّ سنوات وَنصف وعمره ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وبويع بعده اخوه ابو الْفضل جَعْفَر المقتدر بِاللَّه بن المعتضد وعمره ثَلَاث عشرَة سنة وَهُوَ الثَّامِن عشر وامتدت مُدَّة خِلَافَته إِلَى سنة 320 أَي بلغت خمْسا وَعشْرين سنة إِلَّا انه خلع فِي خلالها مرَّتَيْنِ الاولى فِي سنة 296 خلعه الْقُضَاة والقواد لصِغَر سنه وَبَايَعُوا عبد الله ابْن المعتز ولقبوه الراضي بِاللَّه لكنه لم يلبث الا لَيْلَة وَاحِدَة ثمَّ قتل اثناء الْفِتَن والحروب الَّتِي قَامَت بَين اتِّبَاع المقتدر واتباعه واعيد المقتدر ثَانِيًا وَالثَّانيَِة فِي سنة 317 خلعه الْجند والقواد بِسَبَب تَسْلِيمه امور الْخلَافَة للنِّسَاء والخدام واشتغاله بمالا يُفِيد الامة فحاصروه فِي دَاره وَحَمَلُوهُ واولاده ووالدته إِلَى دَار مؤنس الْخَادِم اُحْدُ القواد الَّذِي كَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي هَذِه الْفِتَن واكرهوه على ان يخلع نَفسه فَفعل وَبَايَعُوا اخاه مُحَمَّد بن المعتضد ولقبوه القاهر بِاللَّه ثمَّ اعيد بعد ثَلَاثَة ايام من خلعه وامن اخاه القاهر بِاللَّه وَبَقِي حَيا إِلَى ان خَلفه بعد قَتله سنة 320 وَلم يعد المؤرخون عبد الله بن المعتز فِي عداد الْخُلَفَاء لانه لم يحكم الا لَيْلَة وَاحِدَة لَكِن اعتبرته تَاسِع عشر خلفائهم بِمَا انه حصلت مبايعته وَتَوَلَّى الحكم فِي ايام المقتدر حصلت عدَّة حروب بَين جُنُوده وَبَين القرامطة كَانَ النَّصْر فِيهَا غَالِبا لجنود الْخَلِيفَة
ظُهُور الدولة الفاطمية بتونس
وابتدأت دولة الفاطميين بتونس فِي سنة 296 واولهم الْمهْدي ابو مُحَمَّد عبيد الله وَكَانَ الْقَائِم بالدعوة لَهُ ابو عبد الله الشيعي فاستقل بافريقيا تونس والجزائر بعد ان انتزعهما من بني الاغلب الَّذين حكمُوا مُدَّة مائَة واثنتي عشرَة سنة اولها
(1/53)
________________________________________
سنة 184 الَّتِي ولى فِيهَا هرون الرشيد ابراهيم بن الاغلب على افريقيا ثمَّ فتح الْمهْدي سجلماسة وتاهرت وبفتح الاولى أَي سجلماسة انقرض ملك بني مدرار بعد ان اسْتمرّ مائَة وَثَلَاثِينَ سنة كَمَا انْتهى ملك بني رستم بِفَتْح تاهرت بعد ان دَامَ مائَة وَسِتِّينَ سنة وَبنى مَدِينَة جَدِيدَة على الْبَحْر وسماها المهدية وَنقل مَرْكَز حكومته بعد ان حصنها وَلما استتب لَهُ الْحَال فِي افريقيا حول عبد الله انظاره إِلَى مصر وارسل اليها جملَة حملات فِي ايام المقتدر عَادَتْ بالفشل والخيبة وَفِي سنة 317 تعدى القرامطة على الْحجَّاج بالايذاء الشَّديد ونقلوا الْحجر الاسود من مَكَانَهُ وَقتلُوا الْحجَّاج فِي الْبَيْت الْحَرَام وَفِي سنة 320 حصلت وَحْشَة بَين الْخَلِيفَة ومؤنس الْخَادِم فَسَار مؤنس إِلَى الْموصل فصادره الْخَلِيفَة فِي جَمِيع املاكه ثمَّ جمع مؤنس جَيْشًا جرارا وَقصد بَغْدَاد وَحَارب جند الْخَلِيفَة وانتصر عَلَيْهِ وَقتل الْخَلِيفَة فِي المعركة فِي 28 شَوَّال سنة 320 وبويع بعده اخاه مُحَمَّد القاهر بِاللَّه ابْن المعتضد الَّذِي بُويِعَ وخلع اول مرّة فِي سنة 317 وَهُوَ الْعشْرُونَ من بني الْعَبَّاس
(1/54)
________________________________________
دولة بني بويه
وَفِي ايام القاهر كَانَ ابْتِدَاء دولة بني بويه بِبِلَاد فَارس واستيلاء عماد الدولة ابْن بويه على شيراز وَلم تطل مُدَّة القاهر بل تَأَلُّبُ عَلَيْهِ الْجند بمسعى الْوَزير ابْن مقلة بِسَبَب قَتله مؤنس الْخَادِم وَبَعض القواد الاتراك فَقتلُوا الْخَلِيفَة فِي 5 جُمَادَى سنة 322 وأخرجوا أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن المقتدر وَبَايَعُوهُ بالخلافة فِي 6 مِنْهُ ولقبوه الراضي بِاللَّه وَهُوَ الْخَلِيفَة الْحَادِي وَالْعشْرُونَ
الاخشيديون بِمصْر
وَفِي خِلَافَته ولي الاخشيد مصر سنة 333 فاستقل بهَا واستطال إِلَى بعض جِهَات الشَّام وَكَذَلِكَ منع ابْن رابق عَامل وَاسِط وَالْبَصْرَة وارسال الْخراج وَمنع البريدي ارساله من الاهواز فَضَاقَ الْحَال بِبَغْدَاد ثمَّ عَاد ابْن رابق إِلَى طَاعَة الْخَلِيفَة فعينه امير الامراء وَهُوَ حَارب البريدي وهزمه وَبعد ذَلِك بِقَلِيل ثار بجكم الْقَائِد وَقصد بَغْدَاد وَهزمَ ابْن رابق الَّذِي خرج لمحاربته وَاسْتولى بجكم على بَغْدَاد فعينه الْخَلِيفَة امير الامراء وَصَارَ هُوَ الْحَاكِم فعلا وَلما هرب ابْن رابق قصد الشَّام وَاسْتولى على دمشق وحمص وَقصد مصر فحاربه الاخشيد وصده عَنْهَا
ثمَّ توفّي الراضي بِاللَّه فِي منتصف ربيع الاول سنة 329 وَلم يُبَايع المتقي بِاللَّه ابراهيم بن المقتدر الا فِي 20 مِنْهُ بعد ان ابلغ بجكم الَّذِي كَانَ بواسط موت الْخَلِيفَة واستصوابه مبايعة المتقي فَكَانَ الْحَاكِم الْحَقِيقِيّ هُوَ امير الامراء يعْزل ويولي من يُرِيد من الْخُلَفَاء واقتصرت الْخلَافَة مَعَ كَونهَا اسمية فَقَط على بَغْدَاد وَبَعض الْبِلَاد الْمُجَاورَة لَهَا وَفِي اوائل حكمه قتل بجكم اثناء الصَّيْد فقصد ابْن البريدي بَغْدَاد وَاسْتولى عَلَيْهَا وقلده الْخَلِيفَة امارة الامراء فهاجت عَلَيْهِ الاهالي لظلمه واخرجوه من الْمَدِينَة فعين الْخَلِيفَة كورتكين اُحْدُ القواد وَلما بلغ خبر موت
(1/55)
________________________________________
بجكم إِلَى ابْن رابق بِالشَّام قصد بَغْدَاد وَحَارب كورتكين فهرب وقلد هُوَ امارة الامراء وَفِي سنة 330 قصد ابْن البريدي بَغْدَاد ثَانِيًا فهرب الْخَلِيفَة وَابْن رابق إِلَى الْموصل فَاسْتَقْبَلَهُمْ صَاحبهَا نَاصِر الدولة بن حمدَان واكرمهما ثمَّ قتل ابْن رابق فعينه الْخَلِيفَة اميرا للامراء وَعَاد مَعَه إِلَى بَغْدَاد فهرب ابْن البريدي وَفِي سنة 332 ثار قَائِد تركي اسْمه تورون فقلده الْخَلِيفَة الامارة فِي رَمَضَان وَبعد مُدَّة ضجر من مُعَامَلَته وَخرج من بَغْدَاد قَاصِدا الْموصل ليحتمي ببني حمدَان فكاتبه تورون وَاغْلُظْ لَهُ الايمان وجدد العهود والمواثيق فَعَاد الْخَلِيفَة وَفِي اثناء عودته قبض عَلَيْهِ تورون الخائن وسمل عَيْنَيْهِ وحبسه وَلما دخل بَغْدَاد بَايع المستكفي بِاللَّه ابا الْقَاسِم عبد الله بن المكتفي فِي صفر سنة 333 وَهُوَ الثَّالِث وَالْعشْرُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس
وَفِي خِلَافَته استولى سيف الدولة بن حمدَان صَاحب الْموصل على مدينتي حلب وحمص وَقصد دمشق فَرده عَنْهَا الاخشيد صَاحب مصر وَفِي محرم سنة 334 توفّي تورون امير الامراء فانتخب الْجند اُحْدُ القواد الْمَدْعُو ابْن شيرزاد وَلم تبلغ مدَّته الا ثَلَاثَة اشهر واياما ثمَّ دخل معز الدولة بن بويه إِلَى بَغْدَاد فِي جُمَادَى الاولى سنة 334 وقلده الْخَلِيفَة الامارة وامر ان يضْرب اسْمه على العملة وَبعد ذَلِك بِشَهْر عزل الْخَلِيفَة بدسيسة ابْن بويه فِي 22 جمادي الْآخِرَة سنة 334 ثمَّ سملت عَيناهُ وَبَقِي مسجونا إِلَى ان مَاتَ سنة 338 وبويع بعده الْمُطِيع لله ابْن المقتدر وَفِي مدَّته توفّي الاخشيد سنة 334 وَولي الامر بعده ابْنه الامير مَحْمُود ولصغر سنه استولى على الامر كافور السوداني اُحْدُ خدم الاخشيد ثمَّ توفّي سنة 349 فَأَقَامَ كافور أَخَاهُ عليا بن الاخشيد
(1/56)
________________________________________
فَتوفي سنة 355 واستقل كافور بِمصْر وملحقاتها من بِلَاد الشَّام إِلَى ان توفّي فِي السّنة التالية وَبعد وَفَاته اخْتلف فِيمَن يعين وَبَقِي الْخلاف مُدَّة ثمَّ اتّفق على تنصيب ابو الفوارس احْمَد بن عَليّ بن الاخشيد وخطب لَهُ فِي جُمَادَى الاولى سنة 357 وَفِي خلَافَة الْمُطِيع توفّي عبد الرَّحْمَن النَّاصِر الاموي بالاندلس فِي رَمَضَان سنة 350 وعمره ثَلَاث وَسَبْعُونَ سنة بعد ان حكم خمسين سنة وَنصفا وَهُوَ اول من تلقب بالاندلس بأمير الْمُؤمنِينَ وَكَانُوا قبلا يلقبون بالامراء وابناء الْخُلَفَاء وَاسْتمرّ الْحَال كَذَلِك إِلَى سنة 327 وَضعف العباسيون بِبَغْدَاد وَظهر الفاطميون فِي تونس وَادعوا الْخلَافَة ولقبوا بامراء الْمُؤمنِينَ فَأمر عبد الرَّحْمَن الاموي بَان يلقب بالناصر لدين الله ويخطب لَهُ بأمير الْمُؤمنِينَ وَفِي سنة 356 توفّي معز الدولة بن بويه وَكَانَت امارته اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وَقبل وَفَاته عهد بالامارة إِلَى ابْنه بختيار ولقبه عز الدولة فأقره الْخَلِيفَة اميرا للامراء وَفِي امارة معز الدولة حصلت عدَّة حروب بَينه وَبَين ابْن الْمِقْدَاد وَغَيره من الامراء خُصُوصا سيف الدولة بن حمدَان صَاحب الْموصل مِمَّا يطول شَرحه وَيدل على امتداد الفوضى إِلَى جَمِيع اجزاء الْخلَافَة حَتَّى اجترأت الرّوم وتعدت الْحُدُود مرَارًا وسبت ونهبت وَقتلت فِي بِلَاد الاسلام
الفاطميون بِمصْر
وَفِي سنة 358 ارسل الْمعز لدين الله الفاطمي جَوْهَر الْقَائِد الصّقليّ الاصل بِجَيْش كثيف لفتح مصر لما بلغه خبر الِاخْتِلَاف الَّذِي وَقع بهَا عقب موت كافور الاخشيدي فوصل اليها جَوْهَر وَفتحهَا وخطب فِيهَا للمعز فِي شَوَّال من هَذِه السّنة ثمَّ سَافر جَوْهَر إِلَى بِلَاد الشَّام فَفتح الْبِلَاد الَّتِي كَانَت تَابِعَة للاخشيديين وَقطعت الْخطْبَة للعباسيين ثمَّ عَاد إِلَى مصر وَشرع فِي بِنَاء مَدِينَة الْقَاهِرَة وَفِي شَوَّال سنة 361 سَار الْمعز من تونس إِلَى مصر فوصل الاسكندرية فِي شعْبَان سنة 362 وَدخل
(1/57)
________________________________________
الْقَاهِرَة فِي 15 رَمَضَان سنة 362 وَجعلهَا مقرّ خِلَافَته وَاسْتعْمل بعض عماله على افريقيا وصقلية
وَفِي سنة 363 سَافر بختيار عز الدولة بن بويه إِلَى الاهواز فثار عَلَيْهِ اُحْدُ قواد الاتراك واسْمه سبكتكين وَنهب دَاره واجبر الْمُطِيع لله على ان يخلع نَفسه فاستقال فِي منتصف ذِي الْقعدَة سنة 363 وَمُدَّة خِلَافَته تسع وَعِشْرُونَ سنة وَنصف وبويع بعده لِابْنِهِ عبد الْكَرِيم ابو بكر ولقب الطائع لله وَهُوَ الْخَامِس وَالْعشْرُونَ من بني الْعَبَّاس وَفِي خِلَافَته حصلت عدَّة حروب داخلية لَا اهمية لذكرها لَان الْفِتَن والحروب وتغلب الْوُلَاة بَعضهم على بعض واستقلالهم بولاياتهم صَار امرا عاديا حَتَّى يمكننا القَوْل بَان جَمِيع الولايات صَارَت مُسْتَقلَّة تتوارثها بعض العائلات وتنتقل من عائلة إِلَى اخرى بِدُونِ علم الْخَلِيفَة وَفِي خِلَافَته ملك سبكتكين اُحْدُ قواد السامانيين مَدِينَة غزنة ثمَّ سَار إِلَى بِلَاد الْهِنْد وَاسْتولى على بعض بلادها وسبكتكين هَذَا هُوَ غير سبكتكين التركي الَّذِي كَانَ بِبَغْدَاد وَمر ذكره
هَذَا وَلما ثار سبكتكين على بختيار وَاسْتولى على الامارة كَاتب بختيار الامير عضد الدولة ابْن عَمه ركن الدولة المستقل بِبِلَاد فَارس يستنجد بِهِ ضد الاتراك وَقَائِدهمْ سبكتكين فاتى عضد الدولة وَمَعَهُ جَيش جرار وَحَارب الاتراك ففر سبكتكين وَدخل عضد الدولة بَغْدَاد وعزل عز الدولة بختيار وَقبض عَلَيْهِ وَصَارَ هُوَ امير الامراء وَلم بلغ خبر الْقَبْض على بختيار إِلَى وَلَده الْمَرْزُبَان بِالْبَصْرَةِ كتب إِلَى ركن الدولة فَغَضب هَذَا على وَلَده عضد الدولة والزمه بَان يُعِيد الْملك إِلَى بختيار فاذعن إِلَى امْر ابيه واخرجه من سجنه واعاده إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وقفل هُوَ رَاجعا إِلَى بِلَاد فَارس وَفِي سنة 366 توفّي ركن الدولة بن بويه واستخلف على ممالكه وَلَده
(1/58)
________________________________________
عضد الدولة وعهد لوَلَده فَخر الدولة على هَمدَان واعمالها ولولده مؤيد الدولة على اصفهان واعمالها وجعلهما تَحت حكم اخيهما عضد الدولة وَفِي السّنة التالية سَار عضد الدولة إِلَى بَغْدَاد ثَانِيًا للانتقام من بختيار عز الدولة الَّذِي اسْتَعَانَ عَلَيْهِ بابيه فحاربه مده ثمَّ اسره وَقَتله وَصَارَ هُوَ الْحَاكِم بِبَغْدَاد وخلع عَلَيْهِ الْخَلِيفَة وَفِي سنة 369 قصد عضد الدولة بِلَاد اخيه فَخر الدولة فملكها وهرب اخاه والتجا إِلَى شمس الْمَعَالِي صَاحب جرجان وطبرستان فَتَبِعَهُ عضد الدولة وَملك بِلَاده ثمَّ غزا بلااد الاكراد وَصَارَت دولته فِي اتساع ونمو إِلَى ان توفّي فِي 8 شَوَّال سنه 372 وَبعد وَفَاته ولي بَغْدَاد وَلَده كالجار الْمَرْزُبَان ولقبوه صمصام الدولة وَكَانَ لَهُ ولد اخر اسْمه شرف الدولة كَانَ بكرمان فَلَمَّا بلغه خبر موت ابيه سَار إِلَى فَارس وملكها قبل اخيه صمصام الدولة واستقل بهَا ثمَّ فِي سنة 376 قصد شرف الدولة بَغْدَاد وَحَارب اخاه واسره وارسله مسجونا إِلَى بِلَاد فَارس واستبد هُوَ بالامر إِلَى ان مَاتَ فِي اول جُمَادَى الاخرة سنة 379 فقلد الامارة بعده اخ لَهُ اسْمه ابو النَّصْر بهاء الدولة وَكَثُرت فِي هَذِه السّنة الْفِتَن بَين الاتراك وَرِجَال بني بويه
وَفِي سنة 381 حصلت وَحْشَة بَين الامير والخليفة فَقبض الامير على الطائع لله
(1/59)
________________________________________
وعزله وَولى مَكَانَهُ الْقَادِر بِاللَّه ابي الْعَبَّاس احْمَد بن الامير اسحاق بن المقتدر بِاللَّه وَهُوَ السَّادِس وَالْعِشْرين من خلفاء بني الْعَبَّاس وَاسْتمرّ فِي الْخلَافَة لسنة 422 وَفِي هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة انقرضت دولة آل سامان اصحاب مَا وَرَاء النَّهر وَملك بِلَادهمْ يَمِين الدولة مَحْمُود الغزنوي بن سبكتكين وَذَلِكَ فِي سنة 389 وَكَانَ ابْتِدَاء ملكهم سنة 261 فَتكون مُدَّة دولتهم مَائه وثماني وَعشْرين سنة وَكَذَلِكَ انقرضت دولة بني امية بالاندلس انْتهى ملكهم اولا سنة 407 بعزل سُلَيْمَان المستظهر بِاللَّه بن الحكم بن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر ثمَّ اعيدت لَهُم الْخلَافَة سنة 414 وانتخب اهل قرطبة عبد الرَّحْمَن بن هِشَام بن عبد الْجَبَّار بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر فِي رَمَضَان وقتلوه فِي ذِي الْقعدَة وَبَايَعُوا مُحَمَّد المستكفي ثمَّ عزلوه وَبَايَعُوا هِشَام بن مُحَمَّد ابْن عبد الْملك بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر ثمَّ عزلوه فِي سنة 422 وَبِه انْتَهَت دولتهم نهائيا وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا سنة 139 فَتكون مدتهم بالاندلس مِائَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سنة
ثمَّ امتدت املاك مَحْمُود الغزنوي وَفتح وغزا كثيرا من بِلَاد الْهِنْد وَتُوفِّي فِي ربيع الآخر سنة 421 وَملك بعده ابْنه مَسْعُود وَكَانَت السلطة فِي اثناء خلَافَة الْقَادِر فِي قَبْضَة بهاء الدولة ابْن عضد الدولة ابْن بويه إِلَى ان مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 403 وعمره سِتّ وَسِتُّونَ سنة وَمُدَّة ملكه ارْبَعْ وَعِشْرُونَ سنة وَولي الامر بعده ابْنه سُلْطَان الدولة وَفِي اواخر سنة 411 ثار الْجند على سُلْطَان الدولة فَترك بَغْدَاد واستخلف اخاه شرف الدولة فاتحد اخاه مَعَ الْجند وَحَارب سُلْطَان الدولة وانتصر عَلَيْهِ وَصَارَ صَاحب الامر فِي الْعرَاق وخطب لَهُ بعد اخيه فِي اوائل محرم سنة 412 وَاسْتمرّ فِي الامارة إِلَى ان توفّي فِي ربيع الاول سنة 416
(1/60)
________________________________________
وبموته ضعف امْر آل بويه بِبَغْدَاد وَعظم امْر الاتراك وحصلت فتن كَثِيرَة وعمت الفوضى جَمِيع انحائها وَاسْتمرّ الْحَال كَذَلِك إِلَى ان حضر جلال الدولة بن بهاء الدولة إِلَى الْبَصْرَة فِي رَمَضَان سنة 418 فَخرج الْخَلِيفَة لملاقاته وَسلمهُ قيادة الامور
السلجوقيون
وَفِي ذِي الْحجَّة سنة 422 توفّي الْقَادِر بِاللَّه وعمره يقرب من سبع وَثَمَانِينَ سنة وخلافته احدى واربعين سنة وَشهر وبويع بعده ابْنه ابو جَعْفَر عبد الله بِعَهْد مِنْهُ ولقب الْقَائِم بامر الله وَفِي خِلَافَته ابتدأت دولة آل سلجوق وجد هَذِه العائلة يُسمى دقاق من رُؤَسَاء قبائل التّرْك الَّتِي كَانَت تَأتي من بِلَاد كشغر الْوَاقِعَة فِي غرب بِلَاد الصين تباعا وَولد لَهُ سلجوق ولنجابته قدمه ملك التّرْك اذ ذَاك واسْمه يبغو ثمَّ تَركه سلجوق وَقصد بِلَاد الاسلام واسلم هُوَ وَجَمِيع من تبعه من رجال قبيلته وَنزل بجنده بِقرب بُخَارى واخذ فِي غَزْو الْكفَّار من التّرْك فَعظم امْرَهْ وَكَثُرت جُنُوده وَخلف من الاولاد ارسلان وَمِيكَائِيل ومُوسَى قتل مِنْهُم مِيكَائِيل فِي الْحَرْب وَخلف يبغو وطغرل بك وجغرو بك ثمَّ حصلت فتن بَينهم وَبَين بغراخان ملك تركستان فِي ذَاك الْعَهْد ادت إِلَى سفك الدِّمَاء وَلما عظم امْر السلجوقيين خشى مَحْمُود الغزنوي من تعديهم على املاكه فحاربهم وَفرق قبائلهم بَين خُرَاسَان واصفهان ثمَّ اجْتَمعُوا ثَانِيًا وحاربوه وانتصروا عَلَيْهِ وعَلى وَلَده مَسْعُود من بعده واستولوا على خُرَاسَان وخطب لَهُم على منابرها فِي سنة 431 وَفِي سنة 432 انتهز طغرل بك السلجوقي فرص الحروب الداخلية الَّتِي وَقعت بَين مَسْعُود الغزنوي واخيه مُحَمَّد وَابْنه مودود فاستولى طغرل بك الْمَذْكُور على جرجان وطبرستان وَفِي السّنة التالية أَي سنة 434 ملك خوارزم وَمَا حولهَا وَفِي اثناء ظُهُور ونمو دولة
(1/61)
________________________________________
آل سلجوق بِهَذِهِ الْجِهَات كَانَت الفوضى عَامَّة فِي بَغْدَاد لقِيَام الْفِتَن بَين جنود آل بويه من الديلم والجيوش التركية حَتَّى لما توفّي جلال الدولة بن بويه فِي شعْبَان سنة 435 لم يتَّفق الْجند على تعْيين خلف لَهُ وَبقيت دَار السَّلَام بِلَا حُكُومَة ان صَحَّ تَسْمِيَتهَا بِهَذَا الِاسْم إِلَى ان قبل ابو كاليجار بن سُلْطَان الدولة بن بهاء الدولة الامارة واتى إِلَى بَغْدَاد فِي صفر سنة 436 وَلم تطل مُدَّة ابي كاليجار بل توفّي فِي جُمَادَى الاولى سنة 440 بكرمان وَتَوَلَّى بعده وَلَده الْملك الرَّحِيم وَفِي مدَّته وَقعت عدَّة فتن فِي بَغْدَاد بَين السّنة والشيعة ادت إِلَى حرق قُبُور بعض الْخُلَفَاء وامراء بني بويه وَقتل فِيهَا خلق كثير لعدم امكان الْحُكُومَة قمع الْفِتَن وَفِي هَذِه الاثناء عظم امْر طغرل بك السلجوقي فاستولى على اصفهان فِي محرم سنة 443 وَدخل تبريز سنة 446 ثمَّ قصد حلوان وَنزل بهَا سنة 447 فراسله قواد الاتراك واستدعوه إِلَى بَغْدَاد باذلين لَهُ الطَّاعَة فَقبل وَقبل الْخَلِيفَة وخطب لطغرل بك فِي 22 رَمَضَان من هَذِه السّنة ثمَّ دخل بَغْدَاد بِمن اتى مَعَه من جيوشه بعد ان اقْسمْ للخليفة الْقَائِم وللملك الرَّحِيم باحترام حُقُوقهم لَكِن لم تلبث جيوشه بِالْمَدِينَةِ
(1/63)
________________________________________
حَتَّى حصلت فتْنَة بَينهم وَبَين جنود الْملك الرَّحِيم كَانَت نتيجتها الْقَبْض على الْملك الرَّحِيم وقواد جيوشه وَبِذَلِك انْقَضتْ دولة آل بويه بعد ان استمرت مُدَّة ملكهم مائَة وَثَلَاث عشرَة سنة من تَارِيخ دُخُول معز بن بويه بَغْدَاد فِي جُمَادَى الاولى سنة 334 وابتدأت دولة آل سلجوق بِبَغْدَاد ولتوطيد اقدامهم بهَا زوج طغرل بك ابْنة اخيه إِلَى الْخَلِيفَة سنة 448 وَتزَوج هُوَ بنت الْخَلِيفَة فِي شعْبَان سنة 454
هَذَا وَفِي سنة 450 ثار ابراهيم أَخُو طغرل بك على اخيه فحاربه وَقَتله وَفِي اثناء اشْتِغَاله بمحاربة اخيه ثار بعض الْجنُود بِبَغْدَاد تَحت قيادة من يدعى البساسيري فَخرج الْخَلِيفَة مِنْهَا وخطب فِي الْجَوَامِع للمستنصر بِاللَّه الْخَلِيفَة الفاطمي لَكِن لم تدم هَذِه الْحَالة بل عَاد طغرل بك إِلَى بَغْدَاد واعاد الْخَلِيفَة اليها وَحَارب البساسيري حَتَّى قبض عَلَيْهِ وَقَتله فِي 8 ذِي الْحجَّة سنة 451 وَفِي رَجَب من هَذِه السّنة توفّي دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق اخو طغرل بك صَاحب خُرَاسَان وَتَوَلَّى مَكَانَهُ ابْنه الب ارسلان ثمَّ توفّي طغرل بك فِي لَيْلَة الْجُمُعَة 8 رَمَضَان سنة 455 عَن غير عقب وَخَلفه الب ارسلان السالف الذّكر فَصَارَ حَاكما على خُرَاسَان وَالْعراق والموصل واصفهان وتبريز وَغَيرهَا من الْبِلَاد الَّتِي فتحهَا طغرل بك قبل وَفَاته ثمَّ اضاف الب ارسلان إِلَى املاكه بلادا كَثِيرَة واطاعه صَاحب جند وبخارى وَكَذَلِكَ اصحاب ديار بكر وحلب وَفتح مَدِينَة
(1/65)
________________________________________
الرملة وَبَيت الْمُقَدّس وحاصر دمشق وَلم يفتحها وَحَارب قطلومش بن ارسلان ابْن سلجوق لعصيانه عَلَيْهِ وَقتل فِي الْحَرْب فخلفه وَلَده سُلَيْمَان الَّذِي اسس دولة سلجوقية بقونية استمرت إِلَى ان فتحهَا العثمانيون وَاسْتمرّ الب ارسلان مَالِكًا لجَمِيع هَذِه الْجِهَات المتسعة إِلَى ان قتل فِي 11 ربيع الآخر سنة 456 وَولى بعده ابْنه ملكشاه وَفِي 13 شعْبَان سنة 467 توفّي الْخَلِيفَة الْقَائِم بِاللَّه وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته خمْسا واربعين سنة تَقْرِيبًا وبويع عبد الله ابْن وَلَده مُحَمَّد ذخيرة الدّين لوفاة ذخيرة الدّين قبل ابيه الْقَائِم ولقب عبد الله الْمُقْتَدِي بامر الله وَهُوَ الثَّامِن وَالْعِشْرين من خلفاء بني الْعَبَّاس وساس ملكشاه الْأُمُور بغاية الْحِكْمَة وَفتح الْبِلَاد شرقا وغربا واقام بِبَغْدَاد مرْصدًا فلكيا وجامعا عَظِيما سمي جَامع السُّلْطَان وَعظم فِي ايامه امْر الاسلام فِي الشرق حَتَّى خطب باسمه من بِلَاد الصين إِلَى الشَّام وَمن اقاصي بِلَاد الاسلام فِي الشمَال إِلَى بِلَاد الْيمن فِي الْجنُوب وَتُوفِّي فِي نصف شَوَّال سنة 485 وبينما كَانَت هَذِه الدولة ى الاسلامية ترتقي فِي دَرَجَات الْكَمَال كَانَت الدول الاسلامية فِي الغرب آخذة فِي الانحطاط فتفرقت بِلَاد الاندلس طوائف وَملك الافرنج مَدِينَة طليطلة وَعبر يُوسُف بن تاشفين من مراكش إِلَى الاندلس
(1/66)
________________________________________
وَضم إِلَى رايته بعض ولاياته وَضعف حَال الْمُسلمين بِجَزِيرَة صقلية وتفرق اهلها واستحكم الشقاق بَينهم حَتَّى استعانوا على بَعضهم بملوك الافرنج وَلما توفّي ملكشاه اخفت زَوجته خبر مَوته إِلَى ان استحلفت القواد لابنها مَحْمُود وعمره ارْبَعْ سِنِين وشهور فانكر عَلَيْهَا ذَلِك ابْنه الاكبر بركيارق وَحَارب جنودها فَهَزَمَهُمْ وَاسْتقر لَهُ الامر وخطب لَهُ فِي بَغْدَاد يَوْم الْجُمُعَة 14 محرم سنة 487 وَفِي يَوْم السبت 15 مِنْهُ توفّي الْخَلِيفَة الْمُقْتَدِي بامر الله وعمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة ومدته نَحْو عشْرين سنة وبويع بعده ابْنه ابو الْعَبَّاس احْمَد المستظهر بِاللَّه وسنه سِتّ عشرَة سنة
هَذَا وَبعد موت ملكشاه تفرق ملكه وَلم يضم شتاته اُحْدُ من خلفائه بل ثارت بَينهم الحروب الداخلية الَّتِي ادت إِلَى تجزئتها واستحواز كل فَرد على جُزْء مِنْهَا واستمرار الحروب بَين الامراء السلجوقيين الَّذين أستقلوا بِبِلَاد الشَّام والموصل والكرد وَفَارِس وَغَيرهَا فثار تتش اخو ملكشاه على السُّلْطَان بركيارق فَقتل
(1/67)
________________________________________
فِي الْحَرْب فِي صفر سنة 488 وَبعد وَفَاته وَقع الْخلف بَين ولديه رضوَان ودقاق بِبِلَاد الشَّام واستقل اخيرا كل مِنْهُمَا بِبَعْض المدن وَفِي محرم سنة 490 قتل ارسلان ارغول اخو ملكشاه الَّذِي كَانَ اسْتَقل بخراسان بعد موت اخيه قَتله بعض غلمانه فاستولى بركيارق على بِلَاده واقطعها لاخيه سنجر
الحروب الصليبية
وبسبب هَذِه الحروب المتواصلة وانقسام الحكومات الاسلامية على بَعْضهَا طمع فيهم الافرنج وعقدوا النِّيَّة على محاربتهم محاربة دينية لاستخلاص مَدِينَة الْقُدس مِنْهُم فَأتوا برا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة قَاعِدَة مملكة الرّوم الشرقية واستولوا عَلَيْهَا ثمَّ عدوا الْبَحْر واتوا إِلَى بِلَاد الشَّام وانتصروا فِي طريقهم على الامير السلجوقي الَّذِي كَانَ مُسْتقِلّا بقونية وَمَا جاورها وفتحوا مَدِينَة انطاكية فِي جُمَادَى
(1/68)
________________________________________
71 - الاولى سنة 491 ثمَّ دخلُوا المعرة وحمص واستولوا اخيرا على مَدِينَة الْقُدس فِي لَيْلَة الْجُمُعَة 23 شعْبَان سنة 492 15 يوليه سنة 1099 وولوا جودفروا الفرنساوي ملكا عَلَيْهَا وَفِي اثناء ذَلِك كَانَ مُلُوك آل سلجوق لاهين عَن مقاومة الافرنج بالحروب الداخلية العائلية اذ ثار على باركيارق اخ لَهُ اسْمه مُحَمَّد وحاربه وهزمه فهرب بركيارق إِلَى خُرَاسَان فحاربه اخوه سنجر وهزمه ايضا فارتحل عَنْهَا قَاصِدا جرجان وَكَانَ ذَلِك فِي خلال سنتي 492 و 493 ثمَّ فِي السّنة التالية انتصر بركيارق على اخيه مُحَمَّد فِي 3 جُمَادَى الْآخِرَة فالتجأ مُحَمَّد إِلَى اخيه سنجر وحاربا اخاهما بركيارق فهزماه وتبعاه إِلَى بَغْدَاد فدخلاها وارتحل هُوَ عَنْهَا قَاصِدا الْموصل والخليفة المستظهر لَا هم لَهُ الا الْخطْبَة لمن ينتصر مِنْهُم وقطعها عَمَّن يغلب كَأَن لَا نَاقَة لَهُ فِيهَا وَلَا جمل مَعَ انه لَو اجْتهد فِي التَّأْلِيف بَين هَؤُلَاءِ الاخوة الثَّلَاثَة والاتحاد مَعَهم على محاربة الافرنج المهاجمين لبلادهم لما تمكنوا
(1/69)
________________________________________
من امتلاك قدر ذِرَاع مِنْهَا وَبَقِي الْحَال على هَذِه الْحَالة بَين اولاد ملكشاه تَارَة يتحاربون واخرى يتصالحون إِلَى ان مَاتَ بركيارق فِي 2 ربيع الاول سنة 498 وَقبل وَفَاته اسْتحْلف الْعَسْكَر لوَلَده ملكشاه الَّذِي كَانَ عمره ارْبَعْ سنوات وَثَمَانِية اشهر فَلم يقبل مُحَمَّد بن ملكشاه اخو باركيارق بذلك وَاتفقَ مَعَ بعض القواد فعزلوا ملكشاه بن باركيارق وَصَارَت السلطنة لمُحَمد بن ملكشاه بن الب ارسلان ابْن دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق وَفِي غُضُون هَذِه الحروب الداخلية ملك الافرنج مَدِينَة سروج من اعمال الجزيرة وعكا وقنسرين فِي سنة 494 وفتحوا فِي السّنة التالية مَدِينَة طرسوس وَفِي سنة 496 فتحُوا جبيل وَغَيرهَا من بِلَاد الشَّام لعدم وجود القوى الكافية لمقاومتهم ثمَّ دخلُوا مَدِينَة طرابلس فِي 11 ذِي
(1/72)
________________________________________
الْحجَّة سنة 503 ومدينة صيدا فِي سنة 504 وصالحهم اهل حلب وحماه على مِقْدَار معِين من المَال
هَذَا وَفِي 24 ذِي الْحجَّة سنة 511 توفّي السُّلْطَان مُحَمَّد السلجوقي وعهد بالسلطنة لِابْنِهِ مَحْمُود وَفِي 16 ربيع الآخر سنة 512 توفّي الْخَلِيفَة المستظهر وبويع بعده ابْنه ابو مَنْصُور فضل ولقب بالمسترشد بِاللَّه وَفِي خِلَافَته وَقعت عدَّة حروب بَين السُّلْطَان مَحْمُود السلجوقي واخيه دَاوُد وَبَعض اعمامه سفكت فِيهَا دِمَاء الْمُسلمين وتوطدت فِي اثنائها اقدام الافرنج فِي جِهَات الشَّام واسسوا بهَا امارات مسيحية فِي اورشليم وحمص وانطاكية وطرابلس ثمَّ وَقع الْخلف بَين الافرنج لتباين مقاصدهم وَاخْتِلَاف اجناسهم بَين نورمانديين وفرنساويين والمانيين وايطاليين وانكليز فضعفت سطوتهم رغما عَن توارد الْجنُود اليهم تقودها سلاطينهم واعاظم قوادهم وَمن جِهَة اخرى ظهر فِي هَذِه الظروف عماد الدّين زنكي صَاحب الْموصل وايد شوكته وسطوته فِي الْبِلَاد الْمُجَاورَة لَهُ وَاسْتولى على عدَّة امارات اسلامية ثمَّ عزم على اخراج الافرنج من بِلَاد الشَّام فقصد اولا مَدِينَة حمص وَفتحهَا عنْوَة سنة 532 واستخلص مِنْهُم اغلب بِلَاد الاسلام ثمَّ ارسل إِلَى مصر اُحْدُ قواده واسْمه اسد الدّين شيركوه بِنَاء على استنجاد شاور وَزِير الْخَلِيفَة العاضد الفاطمي لمساعدته على خصومه الَّذين كَانُوا ينازعونه الوزارة فاتى اليها شيركوه وَبعد ان هزم خصوم شاور قَتله فِي ربيع الآخر سنة 564 وَتَوَلَّى هُوَ فِي الوزارة ثمَّ مَاتَ وَتَوَلَّى يُوسُف صَلَاح الدّين ابْن اخيه نجم الدّين ايوب
(1/73)
________________________________________
وَفِي 5 ربيع الآخر سنة 541 قتل عماد الدّين صَاحب الْموصل فخلفه سيف الدّين غَازِي إِلَى ان توفّي فِي اواخر سنة 544 فَتَوَلّى بعده اخوه نور الدّين مَحْمُود
وَلما مَاتَ العاضد فِي 10 محرم سنة 567 قطع صَلَاح الدّين خطْبَة الفاطميين وَصَارَ هُوَ سُلْطَانا على مصر وتلقب بِالْملكِ النَّاصِر وخطب للخليفة العباسي وَبِذَلِك انْتَهَت دولة الفاطميين بعد ان مكثت 271 سنة تَقْرِيبًا تولى الْخلَافَة فِي اثنائها اربعة عشر خَليفَة وهم الْمهْدي والقائم والمنصور والمعز والعزيز وَالْحَاكِم وَالظَّاهِر والمستنصر والمستعلي والآمر والحافظ والظافر والفائز والعاضد وَصَارَت الْخلَافَة للعباسيين بِدُونِ مُنَازع وَلم تفترق الْخلَافَة إِلَى الْآن وستبقى كَذَلِك بِفضل الله وَلما توفّي نور الدّين زنكي فِي 11 شَوَّال سنة 569 خَلفه صَلَاح الدّين على الشَّام والجزيرة وَجَمِيع الْبِلَاد الَّتِي كَانَت تَابِعَة لنُور الدّين واشتغل بمحاربة الافرنج فانتصر عَلَيْهِم فِي عدَّة مواقع واخذ مِنْهُم مَدِينَة الْقُدس ودخلها فِي 27 رَجَب سنة 583 12 اكتوبر سنة 1187
هَذَا ولنرجع إِلَى ذكر آل سلجوق فَنَقُول ان السُّلْطَان مَحْمُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه توفّي فِي شَوَّال سنة 525 وَعين بعده ابْنه مَحْمُود فحاربه عَمه مَسْعُود واستمرت الحروب بَينهمَا مُدَّة كَانَ الْفَوْز فِيهَا لمسعود فَملك بَغْدَاد وَفِي 17 ذِي الْقعدَة سنة 529 قتل جمَاعَة من الباطنية الْخَلِيفَة المسترشد اثناء محاربة وَقعت
(1/74)
________________________________________
بَينه وَبَين مَسْعُود السلجوقي الْمُتَقَدّم ذكره وبويع بعده ابو جَعْفَر الْمَنْصُور ولقب بالراشد بِاللَّه وَلم يمْكث فِي الْخلَافَة الا نَحْو سنة ثمَّ عَزله السُّلْطَان مَسْعُود فِي منتصف الْقعدَة سنة 530 وَبَايع مَكَانَهُ مُحَمَّد بن المستظهر ولقبوه المقتفي لأمر الله وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من خلفاء بني الْعَبَّاس
وَفِي 25 رَمَضَان سنة 532 قتل الْخَلِيفَة الراشد بن المستظهر وَكَثُرت الْفِتَن والقلاقل فِي خلَافَة المقتفي وتفرق ملك السلجوقيين واشتغل امراؤهم بمحاربة بَعضهم فاستقل الْخَلِيفَة نوعا بِبَغْدَاد وَالْعراق لعدم وجود من يزاحمه من السلجوقيين اَوْ غَيرهم وَبَقِي مرتاح البال بِالنِّسْبَةِ لمن سبقه من الْخُلَفَاء إِلَى ان مَاتَ فِي فرَاشه فِي ثَانِي ربيع الاول سنة 555 وبويع بعده ابْنه يُوسُف ولقب المستنجد بِاللَّه وَفِي خِلَافَته وَخِلَافَة ابيه علا شَأْن آل زنكي واستخلصوا اغلب الْبِلَاد الَّتِي ملكهَا الافرنج واتى صَلَاح الدّين الايوبي مصر كَمَا مر وَحَارب الافرنج وردهم عَن سواحلها وَصَارَ صَاحب النّفُوذ الاوفر فِيهَا
وَفِي 9 ربيع الآخر سنة 566 توفّي المستنجد وبويع ابْنه ابو مُحَمَّد الْحسن ولقب المستضئ بِأَمْر الله وَاشْترط عَلَيْهِ عضد الدّين ابو الْفرج الَّذِي كَانَ استاذ دَار ابيه ان يكون وزيرا لَهُ وَابْنه كَمَال الدّين استاذ دَاره والامير قطب الدّين اميرا للعسكر فَقبل لمستضيء بذلك وَوَقع فِي حجرهم وفقد مَا كَانَ لِأَبِيهِ المستنجد وجده المقتفي من بعض الْحُرِّيَّة والاستقلال وَفِي خِلَافَته انقرضت دولة الفاطميين فِي مصر بِمَوْت العاضد وخطب للعباسيين بهَا فِي ثَانِي جُمُعَة من محرم سنة 567
(1/75)
________________________________________
أَي فِي 14 مِنْهُ واستقل بهَا صَلَاح الدّين بن ايوب وَلم يتْرك للعباسيين سوى الْخطْبَة وَفتح شمس الدولة توران شاه بن ايوب اخو صَلَاح الدّين بِلَاد الْيمن وَلما توفّي نور الدّين فِي 11 شَوَّال سنة 569 استولى صَلَاح الدّين على اغلب بِلَاده واقطعها لاخوته واولاد عمومته وَفتح كثيرا من الْبِلَاد الَّتِي ملكهَا الافرنج حَتَّى لم يبْق لَهُم الا مَدِينَة الْقُدس وَبَعض قرى صَغِيرَة وَفِي 2 ذِي الْقعدَة سنة 575 توفّي الْخَلِيفَة المستضيء وبويع ابْنه النَّاصِر لدين الله وَفِي خِلَافَته اسْتردَّ صَلَاح الدّين الايوبي اغلب الْبِلَاد الَّتِي كَانَت فِي يَد الافرنج واستخلص مِنْهُم الْقُدس الشريف ودخله يَوْم الْجُمُعَة 27 رَجَب سنة 583 12 اكتوبر سنة 1187 وَاسْتمرّ على الْفَتْح الْغَزْو إِلَى ان مَاتَ بِدِمَشْق يَوْم الاربعاء 26 صفر سنة 589 3 مارس سنة 1193 وبموته تَفَرَّقت املاكه وانفرط عقد انتظامها واستقل كل من اولاده وَكَانُوا سَبْعَة عشر بِجُزْء مِنْهَا فاستقل بِمصْر الْملك الْعَزِيز عماد الدّين عُثْمَان واستقل الافضل نور الدّين عَليّ بِدِمَشْق فضعف حَال الاسلام بَعْدَمَا بلغه من الْقُوَّة ايام النَّاصِر صَلَاح الدّين الايوبي ثمَّ وَقع الْخلف بَين اولاده وطمع كل مِنْهُم فِيمَا فِي يَد اخيه وَلَو بِالْحَرْبِ والقتال فاتحد الْعَزِيز صَاحب مصر مَعَ عَمه الْعَادِل صَاحب الكرك على محاربة الافضل صَاحب دمشق فحاربوه واخرجوه مِنْهَا وَبَقِي فِيهَا الْعَادِل وَعَاد الْعَزِيز إِلَى مصر مكتفيا بِالْخطْبَةِ وَالسِّكَّة ثمَّ توفّي الْملك الْعَزِيز فِي محرم سنة 595 وَخَلفه ابْنه الْملك الْمَنْصُور وَكَانَ عمره تسع سِنِين ولصغر سنه ارتأى امراء الدولة استدعاء اُحْدُ امراء بني
(1/76)
________________________________________
79 - ايوب ليَكُون وزيرا لَهُ فَاخْتَارُوا الافضل الَّذِي كَانَ صَاحب دمشق وكاتبوه فَحَضَرَ مسرعا ثمَّ قصد دمشق للانتقام من عَمه الْملك الْعَادِل واتحد مَعَ اخيه الظَّاهِر صَاحب حلب على محاربة الْعَادِل فحاصرا دمشق مُدَّة ثمَّ وَقع الْخلف بَينهمَا وَعَاد كل مِنْهُمَا إِلَى بِلَاده فتبع الْعَادِل الافضل وجيوشه إِلَى مصر وهزمه واكرهه على الْخُرُوج مِنْهَا وَصَارَ هُوَ وزيرا للْملك الْمَنْصُور بن الْعَزِيز ثمَّ غدر بالمنصور واخرجه من مصر سنة 599 واستقل هُوَ بِمصْر ودمشق وَمَا حولهَا وَصَارَ لَهُ اغلب بِلَاد اخيه النَّاصِر صَلَاح الدّين وَبَقِي ملكه فِي ازدياد وشأنه فِي ارتقاء إِلَى ان توفّي فِي 7 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 615 وعمره خمس وَسَبْعُونَ سنة قَضَاهَا فِي محاربة الافرنج وَصد غاراتهم عَن بِلَاد الاسلام وَخَلفه فِي مصر ابْنه الْملك الْكَامِل وَفِي دمشق الْملك الْمُعظم عِيسَى وَخلف من الْبَنِينَ سِتَّة عشر ولدا غير الْبَنَات
وَفِي 10 رَمَضَان سنة 615 30 نوفمبر سنة 1218 ضايق الافرنج الصليبيون ثغر دمياط وفتحوه عنْوَة وَجعلُوا الْجَامِع كَنِيسَة فابتنى الْملك الْكَامِل قلعة حَصِينَة بِالْقربِ مِنْهَا سَمَّاهَا المنصورة وَهِي مَدِينَة المنصورة مَرْكَز مديرية الدقهلية الْآن ليراقب حركات الافرنج وَيمْنَع تقدمهم دَاخل الديار المصرية فَلم يَجْسُر الصليبيون على مهاجمتها وَلَبِثُوا ينتظرون المدد من بِلَادهمْ إِلَى ان ارْتَفَعت مياه النّيل فِي صيف سنة 618 فَقطع الْمُسلمُونَ جسوره وطغى المَاء على معسكر الافرنج وَحَال بَينهم وَبَين دمياط قَاعِدَة اعمالهم وصاروا فِي ضيق شَدِيد فاخذوا يخابرون الْملك الْكَامِل على ان يردوا اليه ثغر دمياط بِشَرْط ان لَا يفتك بهم فَقبل الْكَامِل بذلك وسلمت اليه مَدِينَة دمياط فِي 19 رَجَب سنة 618 8 سبتمبر سنة 1202 واقيمت شَعَائِر
(1/77)
________________________________________
الاسلام فِي جوامعها كَمَا كَانَت عَلَيْهِ قبل
هَذَا وَفِي اول شَوَّال سنة 622 توفّي الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله وَكَانَت مدَّته نَحْو سبع واربعين سنة وَكَانَ مُسْتقِلّا بالعراق صارفا همته للمحافظة عَلَيْهِ وَلم يحارب الافرنج اصلا وَفِي مدَّته ظهر التتر وَخَرجُوا من بِلَادهمْ الْوَاقِعَة غرب بِلَاد الصين فِي سنة 617 هجرية تَحت قيادة رئيسهم جنكيزخان فقصدوا اولا بِلَاد خوارزم وفتحوها وملكوا بُخَارى وسمرقند وغزنة بعد محاربات عنيفة ثمَّ سَارَتْ فرقة إِلَى بِلَاد الروس الشمالية وملكوها وَبقيت فِي ملكهم إِلَى اواخر الْقرن الْخَامِس عشر للميلاد وَيُقَال ان الْخَلِيفَة النَّاصِر هُوَ الَّذِي استدعاهم من بِلَادهمْ لمحاربة خوارزمشاه فجر بذلك على الاسلام اجْمَعْ من المصائب مَا لم يطْرَأ عَلَيْهِ ابدا لانهم كَانُوا يقتلُون الْمُسلمين ويسبون نِسَاءَهُمْ ويخربون الْجَوَامِع ويحرقون الْكتب النفيسة ويرتكبون انواع الْمُنْكَرَات جهارا
وَبعد موت الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله بُويِعَ ابْنه ابو النَّصْر مُحَمَّد ولقب الظَّاهِر بِأَمْر الله وَلم تطل مدَّته فانه توفّي فِي 14 رَجَب سنة 623 وبويع بعد مَوته ابْنه ابو جَعْفَر الْمَنْصُور ولقب الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَفِي خِلَافَته اخذ امْر الاسلام فِي الضعْف بعد ان بلغ من الْقُوَّة مبلغا عَظِيما حَتَّى استخلصوا مَدِينَة الْقُدس من الافرنج وَسبب هَذَا الضعْف انقسام اولاد صَلَاح الدّين الايوبي واخوته ومحاربتهم بَعضهم بَعْضًا طَمَعا فِي امتلاك مَدِينَة اَوْ قَرْيَة غير ناظرين إِلَى الاجانب المحتلين بعض بِلَاد الشَّام يتربصون الفرص للانقضاض عَلَيْهِم واسترجاع مَدِينَة الْقُدس ثَانِيًا فَلَمَّا توفّي الْملك الْمُعظم ابْن الْملك الْعَادِل بن ايوب فِي ذِي الْقعدَة سنة 624 صَاحب دمشق وَخَلفه ابْنه النَّاصِر دَاوُد اتَّحد الْملك الْكَامِل صَاحب مصر واخوه الْملك الاشرف على انتزاع دمشق من يَد النَّاصِر ابْن اخيهما الْمُعظم وليتمكن الْكَامِل من التفرغ لمحاربة النَّاصِر
(1/80)
________________________________________
ويأمن جَانب الافرنج فِي اثناء محاربته لَهُ كَاتب الامبراطور فريدريك امبراطور الالمان وَصَاحب صقلية على ان يهادنه سِتّ سنوات ويسلمه مَدِينَة الْقُدس وَبَعض المدن الاخرى بِشَرْط عدم التَّعَرُّض للجامع الاقصى وَلَا لجَمِيع الْمُسلمين وَاتفقَ مَعَ الامبراطور على ذَلِك وَسلمهُ مَدِينَة الْقُدس فِي ربيع الآخر سنة 626 مارس سنة 1229 بِدُونِ حَرْب مَعَ ان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين بذل النَّفس والنفيس فِي استخلاصها مِنْهُم سنة 583 وَسلمهَا هُوَ اليهم غنيمَة بَارِدَة ليحارب ابْن اخيه وينتزع بعض بِلَاده مِنْهُ وَبعد ان تمّ تَسْلِيم الْقُدس إِلَى الافرنج بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّة الَّتِي تلْحق الْعَار بِالْملكِ الْكَامِل مدى الدَّهْر وَتسود صَحَائِف تَارِيخه جمع جيوشه حول مَدِينَة دمشق وَاسْتولى عَلَيْهَا فِي جُمَادَى الاولى فتمت لَهُ امنيته ونال بغيته بعد ان ضحى الْبِلَاد الَّتِي صرف صَلَاح الدّين عمره فِي استخلاصها من يَد الافرنج فَانْظُر ايها القاريء نتيجة الانقسام امام الْعَدو ونبذ الِاتِّحَاد والتضافر ظهريا ثمَّ قضى الْملك الْكَامِل بَقِيَّة عمره فِي محاربة اخوته واقاربه وَمَات فِي 21 رَجَب سنة 635 فعين الْجند والامراء بعده ابْنه الْملك الْعَادِل فَأتى إِلَى مصر لَكِن لم تطل مدَّته بل قبض عَلَيْهِ فِي 8 ذِي الْقعدَة سنة 637 بدسيسة اخيه الْملك الصَّالح ايوب وَوصل الصَّالح إِلَى مصر فِي 24 مِنْهُ وَاسْتقر بهَا وَاسْتمرّ الْملك الْعَادِل مسجونا إِلَى ان توفّي سنة 645 وَفِي هَذِه الاثناء تقدم التتر فِي بِلَاد الاسلام وامتلكوا جَمِيع بِلَاد فَارس ووصلت طلائعهم إِلَى الْعرَاق وَفِي 10 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 640 توفّي الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه ابو جَعْفَر الْمَنْصُور وبويع بعده ابْنه ابو احْمَد عبد الله ولقب المستعصم
(1/81)
________________________________________
بِاللَّه وَهُوَ الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بعد عبد الله بن المعتز وَالسَّابِع وَالثَّلَاثِينَ لَو اسقط ابْن المعتز من عدادهم والمستعصم بِاللَّه هُوَ آخر من ولي الْخلَافَة الاسلامية من العباسيين بِبَغْدَاد وَفِي خِلَافَته انتصر الصَّالح ايوب على الافرنج بِقرب غَزَّة سنة 642 هجرية سنة 1244 واستخلص مَدِينَة الْقُدس الَّتِي كَانَ سلمهَا الْملك الْكَامِل اليهم سنة 626 فحولوا انظارهم إِلَى الْقطر الْمصْرِيّ واتى اليه لويس التَّاسِع ملك فرنسا وَمَعَهُ جَيش عَظِيم واحتل ثغر دمياط بِدُونِ كثير عناء فِي 21 صفر سنة 647 5 مايو سنة 1249 فتحصن الصَّالح ايوب فِي المنصورة لردهم عَن الْقَاهِرَة وَفِي اثناء الاستعداد لِلْقِتَالِ توفّي الصَّالح فِي لَيْلَة الاحد 14 شعْبَان سنة 647 فاخفت زَوجته شَجَرَة الدّرّ خبر مَوته إِلَى ان حضر من الشَّام وَلَده توران شاه الَّذِي خَلفه فِي ملك مصر وَفِي اوائل محرم سنة 648 ابريل سنة 1250 انتصر الْمُسلمُونَ على الافرنج بِقرب المنصورة واخذوا ملك فرنسا اسيرا مَعَ كثير من امراء الفرنساويين وحجز الْملك فِي دَار فَخر الدّين بن لُقْمَان كَاتب الانشاء ووكل بِهِ طواشي يُسمى صبيح
(1/82)
________________________________________
دولة المماليك البحرية بِمصْر
وَبعد ذَلِك بِقَلِيل قتل توران شاه بفارسكو فِي 28 محرم سنة 648 قَتله ركن الدّين بيبرس اُحْدُ المماليك الَّذين جمعهم وَالِده السُّلْطَان الصَّالح لحراسته وَسَمَّاهُمْ البحرية وَاتَّفَقُوا على تَوْلِيَة امهِ شَجَرَة الدّرّ فَخَطب باسمها ثمَّ فِي صفر حصل الِاتِّفَاق بَين الْمُسلمين وَملك فرنسا على اطلاقه من الاسر بِشَرْط رد مَدِينَة دمياط اليهم فَدَخلَهَا الْمُسلمُونَ فِي صفر سنة 648 مايو سنة 1250 وَنزل ملك فرنسا إِلَى الْبَحْر مَعَ من بَقِي من رِجَاله فِي الْيَوْم التَّالِي عائدين إِلَى بِلَادهمْ وَبِذَلِك انْتَهَت الحروب الصليبية وَبَقِي الْبَيْت الْمُقَدّس فِي يَد الْمُسلمين إِلَى الْآن
هَذَا ثمَّ عزلت شَجَرَة الدّرّ وَولي مَكَانهَا الْمعز ايبك التركماني مَمْلُوك زَوجهَا السُّلْطَان الصَّالح وَهُوَ اول المماليك البحرية فِي 30 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 648 وَتزَوج بشجرة الدّرّ وَبِذَلِك انْتهى ملك الايوبيين بِمصْر ثمَّ قتل بايعاز شَجَرَة الدّرّ فِي 23 ربيع الاول سنة 655 فَلم يوليها المماليك بل ولوا نور الدّين عَليّ بن المعزو ايبك وحبسوا شَجَرَة الدّرّ ثمَّ قتلوها فِي 16 ربيع الآخر سنة 655 وَكَانَت تركية وَقيل ارمنية
وَفِي اثناء ذَلِك تقدم التتر نَحْو بَغْدَاد تَحت امرة هولاكو خَان حفيد جنكيزخان ودخلوها عنْوَة فِي 30 محرم سنة 656 وَقتلُوا الْخَلِيفَة المستعصم وكل من قبضوا عَلَيْهِ من بني الْعَبَّاس والامراء وَالْعُلَمَاء وَكَانَ دُخُولهمْ اليها بدسيسة
(1/83)
________________________________________
الْوَزير مؤيد الدّين بن العلقمي فانتهت دولة العباسيين بِبَغْدَاد بعد ان استمرت خَمْسمِائَة واربع وَعشْرين سنة وتشتت من نجا من العباسيين ثمَّ وصل التتر إِلَى بِلَاد الشَّام واخربوها واضمحل الاسلام وَتَفَرَّقَتْ اجزاؤه إِلَى ان ظَهرت دولة العثمانيين بالاناضول فاعادت اليه رونقه السَّابِق وضمت مَا تفرق من ممالكه وَصَارَت هِيَ الدولة الوحيدة الاسلامية امام الْعَالم الاوروبي وسترى فِي هَذَا الْكتاب مَا لاقته فِي سَبِيل تقدمها من الْمَوَانِع وذللته من العقبات مَعَ بَيَان اسباب ارتقائها وانحطاطها وَمَا وصلت اليه فِي هَذِه الايام من التَّأَخُّر والتقهقر
ثمَّ اخذ التتر يتقدمون إِلَى جِهَات الشَّام ففتحوا اغلب مدنه ونهبوها وَقتلُوا اهلها حَتَّى خيف على مصر من وُصُول اذاهم اليها وَلذَلِك اجْمَعْ الامراء على عزل سلطانها نور الدّين على لصِغَر سنه وَعدم مقدرته على صد هجمات التتر فعزل فِي يَوْم السبت 17 ذِي الْقعدَة سنة 657 وَولي مَكَانَهُ المظفر سيف الدّين قطز المعزي وَهُوَ مَمْلُوك الْمعز أيبك التركماني ثمَّ قتل قطز الْمَذْكُور بعد سنة قَتله ركن الدّين بيبرس البندقداري فِي 15 ذى الْقعدَة سنة 658 وَخَلفه فى الْملك وتلقب بِالظَّاهِرِ وَهُوَ من مماليك الْملك الصَّالح نجم الدّين ايوب وَفِي ايامة وَفد الى مصر الإِمَام احْمَد بن الْخَلِيفَة الظَّاهِر بِأَمْر الله فِي 19 رَجَب سنة 659 واثبت نسبه بِحُضُور الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام شيخ الاسلام فَبَايعهُ الظَّاهِر بيبرس بالخلافة ولقب الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَبَايَعَهُ الْخَلِيفَة بالسلطنة وفوض اليه امور الْبِلَاد فَعَادَت بذلك الْخلَافَة إِلَى الاسلام بعد انقطاعها نَحْو ثَلَاث سنوات ثمَّ جمع الظَّاهِر جَيْشًا وارسله مَعَ الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر إِلَى بَغْدَاد فحاربه التتر فِي الانبار فِي اواخر سنة 659 وهزموا من كَانَ مَعَه من الْجند وَلم يُوقف للخليفة على اثر بعد ذَلِك
وَبعد انْقِطَاع خَبره اتى إِلَى مصر فِي سنة 660 الامام احْمَد بن عَليّ بن ابي بكر ابْن الْخَلِيفَة المسترشد ابْن الْخَلِيفَة المستظهر وَثَبت نسبه بِحُضُور الْعلمَاء فَبَايعهُ
(1/84)
________________________________________
الظَّاهِر على ان تبقى الاحكام بِيَدِهِ ولقب بالحاكم بِأَمْر الله ثمَّ امْر الظَّاهِر بِأَن ينقش اسْم الْخَلِيفَة مَعَ اسْمه على العملة وَيذكر اسْمه فِي الْخطْبَة قبل اسْم السُّلْطَان واقام الْخَلِيفَة بِمصْر وَصَارَت الْقَاهِرَة مقرا للخلفاء العباسيين إِلَى ان انْتَقَلت الْخلَافَة إِلَى العثمانيين فِي سنة 923 كَمَا سَيَجِيءُ وَالْحَاكِم بامر الله هُوَ اول العباسيين بِمصْر لَان احْمَد الْمُسْتَنْصر لم يقم بهَا بل كَانَ يقْصد ارجاع الْخلَافَة لبغداد كَمَا كَانَت فحال التتر دون مشروعه وطالت خلَافَة الْحَاكِم بامر الله بِمصْر مُدَّة اربعين سنة تَقْرِيبًا وَتُوفِّي فِي 18 جُمَادَى الاولى سنة 701 هجرية وَدفن بمشهد السيدة نفيسة رَضِي الله عَنْهَا
وبويع بعده ابْنه المستكفي بِاللَّه ابو الرّبيع سُلَيْمَان وَهُوَ ثَانِي العباسيين بِمصْر وَفِي اثناء هَذِه الاربعين سنة ظَهرت الدولة العثمانية بِبِلَاد الاناضول سنة 699 وتعاقب سِتَّة سلاطين على مصر وملحقاتها فَتوفي الظَّاهِر بيبرس فِي 18 محرم سنة 676 بِقرب دمشق وَدفن بهَا وَتَوَلَّى بعده ابْنه الْملك السعيد ابو الْمَعَالِي مُحَمَّد وَمِمَّا يذكرهُ التَّارِيخ للسُّلْطَان الظَّاهِر انه اسْتردَّ اغلب بِلَاد الشَّام الَّتِي كَانَت بَاقِيَة مَعَ الافرنج واهمها انطاكية ويافة وحلب وطرسوس وطبرية وصفد وَغَيرهَا وَضم
(1/85)
________________________________________
لملكه مَدَائِن دمشق وبعلبك وَبَيت الْمُقَدّس وَكثير غَيرهَا ثمَّ خلع الْملك السعيد فِي ربيع اول سنة 678 وَتَوَلَّى اخوه الْملك الْعَادِل سيف الدّين ابْن الظَّاهِر بيبرس وَكَانَ الْقَائِم بتدبير مَمْلَكَته الواسعة قلاوون الالفي من مماليك الصَّالح نجم الدّين ايوب فَخلع السُّلْطَان فِي 12 رَجَب سنة 678 وتقلد هُوَ الْملك اغتصابا وتلقب بالمنصور سيف الدّين واستقامت لَهُ الاحوال وَلم يَجْسُر اُحْدُ على خلعه كَمَا خلع اولاد الظَّاهِر بيبرس لاقتنائه عدَّة آلَاف من المماليك واسكانهم فِي ابراج القلعة وَلذَلِك اطلق عَلَيْهِم اسْم البرجية وَتُوفِّي السُّلْطَان قلاوون فِي 6 ذِي الْقعدَة سنة 689 وَولي بعده ابْنه صَلَاح الدّين خَلِيل ولقب بالاشرف وَهُوَ الَّذِي هدم قُبُور الْخُلَفَاء الفاطميين وَبنى مَكَانهَا الخان الْمُسَمّى الْآن بالخان الخليلي بِقرب المشهد الْحُسَيْنِي وَقتل الاشرف فِي الْمحرم سنة 693 وَتَوَلَّى بعده اخوه الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ابْن قلاوون فِي 18 مِنْهُ وعمره تسع سِنِين وكسور ثمَّ خلع النَّاصِر بعد سنة فِي 11 محرم سنة 694 وَتَوَلَّى بعده كتبغا اُحْدُ مماليك ابيه قلاوون وتلقب بالعادل
(1/86)
________________________________________
وَهُوَ الْعَاشِر من مُلُوك الاتراك وخلع فِي نصف صفر سنة 696 وَخَلفه حسام الدّين لاجين وَهُوَ ايضا من مماليك قلاوون وتلقب بالمنصور وَقتل فِي 10 ربيع الآخر سنة 698 واعيد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَاسْتمرّ فِي الْملك هَذِه الدفعة إِلَى سنة 708 وفيهَا خلع نَفسه من المملكة لاستئثار الامراء بالاحكام قهرا عَنهُ وَترك الديار المصرية واقام بالكرك وبويع بعده ركن الدّين بيبرس وتلقب بالمظفر وَذَلِكَ فِي 23 شَوَّال سنة 708 وَفِي السّنة التالية اتّفق بَاقِي الامراء على عَزله واعادة الْملك النَّاصِر ثَالِثا وَكَتَبُوا لَهُ بذلك فَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة ودخلها فِي موكب حافل يَوْم الْخَمِيس 2 شَوَّال سنة 709 وَاسْتمرّ هَذِه الدفعة فِي الْملك إِلَى ان توفّي لَيْلَة الْخَمِيس 20 ذِي الْحجَّة سنة 741 وَهُوَ الَّذِي امْر بِحَفر الخليج الناصري الَّذِي يخترق الْقَاهِرَة الْآن وَخلف اُحْدُ عشر ولدا غير الْبَنَات تولى مِنْهُم السلطنة ثَمَانِيَة وَهُوَ ابو بكر وَاحْمَدْ وكجك وَشَعْبَان واسماعيل وحاجي وَحسن وَصَالح وَفِي آخر مدَّته غضب على الْخَلِيفَة المستكفي ونفاه إِلَى مَدِينَة قوص بالصعيد فِي سنة 738 واقام بهَا إِلَى ان توفّي فِي شعْبَان سنة 740 موصيا بالخلافة بعده لِابْنِهِ ابي الْعَبَّاس احْمَد لَكِن لم يتبع السُّلْطَان النَّاصِر هَذَا الْعَهْد بل بَايع ابو اسحق ابراهيم ابْن اخ المستكفي ولقبه الواثق بِاللَّه وَلما توفّي النَّاصِر وَتَوَلَّى بعده ابْنه الْملك
(1/87)
________________________________________
الْمَنْصُور سيف الدّين ابو بكر خلع الواثق بِاللَّه فِي الْمحرم سنة 742 وَبَايع ابا الْعَبَّاس احْمَد بن المستكفي الَّذِي كَانَ عهد اليه ابوه بالخلافة ولقب الْحَاكِم بامر الله وَبَقِي فِي الْخلَافَة إِلَى ان مَاتَ سنة 754
هَذَا ولنذكر مَا حصل فِي ملك مصر فِي هَذِه الاثناء فَنَقُول ولي مصر وملحقاتها بعد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون ابْنه الْمَنْصُور ابو بكر ثمَّ قتل فِي صفر سنة 743 وَتَوَلَّى بعده اخوه الاشرف عَلَاء الدّين كجك وخلع فِي هَذِه السّنة وَتَوَلَّى بعده اخوه النَّاصِر شهَاب الدّين احْمَد فِي شَوَّال سنة 742 وخلع كَذَلِك فِي محرم سنة 742 وَتَوَلَّى بعده اخوه الْملك الصَّالح عَلَاء الدّين ابو الْفِدَاء اسماعيل رَابِع اولاد النَّاصِر وَلم يخلع كإخوته بل توفّي فِي 11 ربيع الاول سنة 746 وَتَوَلَّى بعده اخوه الْملك الْكَامِل شعْبَان خَامِس اولاد النَّاصِر وخلع ثمَّ قتل فِي اوائل جُمَادَى الْآخِرَة سنة 747 وَتَوَلَّى بعده اخوه المظفر حاجي ثمَّ قتل كغالب اخوته فِي رَمَضَان سنة 748 وبويع بعده اخوه الْملك النَّاصِر ابو المحاسن حسن فِي 14 رَمَضَان وَهُوَ صَاحب الْجَامِع الْعَظِيم الْكَائِن بِالْقربِ من القلعة وعزل اولا فِي 17 جمادي الْآخِرَة سنة 752 وبويع اخوه الْملك صَلَاح الدّين ثامن اولاد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ 18 مِنْهُ وَهُوَ آخر من ولي السلطنة من اولاده وَفِي مدَّته توفّي الْخَلِيفَة الْحَاكِم سنة 754 وحصلت الْبيعَة لِابْنِهِ ابي بكر المعتضد بِاللَّه وَهُوَ خَامِس
(1/88)
________________________________________
الْخُلَفَاء العباسيين فِي مصر وَبقيت خِلَافَته لسنة 763 وَفِي خلالها عزل الْملك صَلَاح الدّين صَالح فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شَوَّال سنة 755 وحجز فِي دَار الْحَرِيم إِلَى ان توفّي سنة 762 واعيد اخوه الْملك النَّاصِر حسن الَّذِي سبق عَزله فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 752 ثمَّ قتل فِي يَوْم الاربعاء 9 جُمَادَى الاولى سنة 762 وَتَوَلَّى الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن اخي الْملك المظفر حاجي بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهُوَ الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من مُلُوك التّرْك بِمصْر
وَبعد سنة من تَوليته توفّي الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه ابو بكر فِي لَيْلَة الاربعاء 18 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 763 وعهد قبل وَفَاته بالخلافة لوَلَده مُحَمَّد فَبَايعهُ السُّلْطَان وتلقب بالمتوكل على الله وَفِي خِلَافَته عزل السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد فِي 4 شعْبَان سنة 764 وَولي الْملك الاشرف ابي الْمَعَالِي زين الدّين شعْبَان بن مجد الدّين حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون ثمَّ قتل الْملك الاشرف فِي ذِي الْقعدَة سنة 778 وَتَوَلَّى ابْنه الْملك الْمَنْصُور عَلَاء الدّين عَليّ وعمره سبع سِنِين واشهر وَتُوفِّي فِي 23 صفر سنة 783 وَلم يتَجَاوَز الثَّالِثَة عشرَة من عمره وَولي بعده اخوه الْملك الصَّالح امير حَاج وَهُوَ آخر بني قلاوون خلعه الاتابكي برقوق بِاتِّفَاق مَعَ الْخَلِيفَة المتَوَكل والقضاة وَشَيخ الاسلام فِي يَوْم الاربعاء 19 رَمَضَان سنة 784
دولة المماليك الجراكسة
وَتَوَلَّى السلطنة الاتابكي برقوق ولقب بِالظَّاهِرِ سيف الدّين ابي سعيد وبتوليته انْتهى
(1/89)
________________________________________
ملك بني قلاوون بعد ان لَبِثت السلطنة فِي قلاوون وَذريته مُدَّة مائَة سنة وَثَلَاث سنوات وابتدأت دولة المماليك الجراكسة وَفِي سلطنته قبض على الْخَلِيفَة المتَوَكل فِي سنة 785 وخلعه وسجنه وَبَايع الْخَلِيفَة الواثق بِاللَّه عمر ثمَّ عَزله فِي سنة 788 وَبَايع اخاه زَكَرِيَّا ابراهيم وعزله فِي يَوْم الاحد 5 جُمَادَى الاولى سنة 791 واعاد الْخَلِيفَة المتَوَكل ثَانِيًا بعد ان لبث فِي السجْن مُقَيّدا بالحديد نَحْو خمس سِنِين وَبعد ذَلِك بِشَهْر خلع الامراء الظَّاهِر برقوق فِي 5 جُمَادَى الثَّانِيَة واعيد الْملك الصَّالح امير حَاج آخر بني قلاوون ثَانِيًا وتلقب بالمنصور وَبعد بضعَة شهور عزل ثَانِيًا فِي صفر سنة 792 وَبَقِي محجوزا فِي دَار الْحَرِيم إِلَى ان مَاتَ فِي 19 شَوَّال سنة 814 وَعَاد الْملك الظَّاهِر برقوق وَدخل الْقَاهِرَة فِي يَوْم الاربعاء 14 صفر سنة 792 وَبَقِي فِي دَار السلطنة إِلَى ان مَاتَ فِي فرَاشه فِي 15 شَوَّال سنة 801 وَتَوَلَّى بعده ابْنه الْملك النَّاصِر زين الدّين ابو السعادات فرج وَفِي مدَّته وصل تيمورلنك إِلَى بِلَاد الشَّام وَفتح حلب ودمشق وارتكب فيهمَا هُوَ وَعَسْكَره مَا لَا يُوصف من انواع الْمَظَالِم وانتصر على السُّلْطَان بايزيد العثماني ابْن مُرَاد كَمَا ستراه مفصلا فِي هَذَا الْكتاب ثمَّ حصل خلف بَين السُّلْطَان النَّاصِر وَبَعض امرائه فاختفى فِي سنة 808 وَولي اخوه الْملك الْمَنْصُور عز الدّين ابو الْعِزّ عبد الْعَزِيز
(1/90)
________________________________________
وَجلسَ على سَرِير الْملك فِي 26 ربيع الاول سنة 808 وَبعد شَهْرَيْن ظهر اخوه النَّاصِر وَاسْتولى على الامارة ثَانِيًا وَقبض على اخيه الْمَنْصُور عز الدّين وسجنه فِي الْحَرِيم وَجلسَ هُوَ على السرير فِي 4 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 808
وَبعد ذَلِك توفّي الْخَلِيفَة مُحَمَّد المتَوَكل فِي 28 رَجَب سنة 808 وبويع بعده بكر اولاده ابو الْعَبَّاس وتلقب المستعين بِاللَّه وَفِي سنة 815 عصي الامراء على الْملك النَّاصِر بِبِلَاد الشَّام بزعامة الامير نوروز الحافظي والامير شيخ المحمودي فَسَار النَّاصِر لمحاربتهم فانتصروا عَلَيْهِ فِي محرم وسجنوه ثمَّ قَتَلُوهُ بِدِمَشْق فِي لَيْلَة السبت 6 صفر وَلعدم اتِّفَاقهم على من يعين خلفا لَهُ مِنْهُم اتَّفقُوا اخيرا حسما للنزاع على تعْيين الْخَلِيفَة المستعين بِاللَّه سُلْطَانا فَجمع بَين السلطة الدِّينِيَّة والدنيوية وَبَايَعُوهُ فِي 17 محرم سنة 815 بِشَرْط ان يكون الامير نوروز نَائِبا على جَمِيع بِلَاد الشَّام والامير شيخ المحمودي نَائِبا بِمصْر لَكِن لم يلبث الامير الشَّيْخ ان طمع فِي الْملك فعزل المستعين من السلطنة وابقاه فِي الْخلَافَة فَقَط كَمَا كَانَ قبلا وَتَوَلَّى الامير شيخ السلطنة فِي اول شعْبَان سنة 815 وتلقب بالمؤيد ابي النَّصْر وَهُوَ من مماليك الظَّاهِر برقوق ثمَّ عزل المستعين من الْخلَافَة وارسله إِلَى الاسكندرية فَأَقَامَ بهَا إِلَى ان توفّي فِي 21 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 833 وَلما عزل
(1/91)
________________________________________
بُويِعَ بعده اخوه دَاوُد ولقب المعتضد بِاللَّه
هَذَا وَلما استبد الْمُؤَيد بِملك مصر عَصَاهُ الامير نوروز نَائِب بِلَاد الشَّام فحاربه الْمُؤَيد وَقبض عَلَيْهِ وَقَتله وَبِذَلِك صَار لَهُ ملك مصر وَالشَّام مَعًا كَمَا كَانَ لسلفائه وَتُوفِّي الْمُؤَيد فِي 9 محرم سنة 823 14 يناير سنة 1421 وَدفن بجامعه الَّذِي انشأه دَاخل بَاب زويلة امام حمام السكرية وَولي ابْنه الْملك المظفر ابو السعادات احْمَد وعمره سنة وَاحِدَة وَثَمَانِية اشهر وَعين الاتابكي ططر نَائِبا عَنهُ فَعَزله فِي 29 شعْبَان سنة 824 29 اغسطس سنة 1421 وَتَوَلَّى هُوَ مَكَانَهُ ولقب بِالظَّاهِرِ سيف الدّين ابي سعيد ططر وَهُوَ من مماليك الظَّاهِر برقوق ثمَّ سجن الْملك المظفر ابْن الْمُؤَيد بالاسكندرية إِلَى ان مَاتَ سنة 833 وعمره نَحْو احدى عشرَة سنة وَلم تطل مُدَّة الظَّاهِر ططر بل توفّي فِي 4 ذِي الْحجَّة سنة 824 31 نوفمبر سنة 1421 وَتَوَلَّى بعده ابْنه مُحَمَّد وعمره احدى عشرَة سنة وتلقب بِالْملكِ الصَّالح نَاصِر الدّين ثمَّ عَزله الامير برسباي الدقماقي اُحْدُ مماليك الظَّاهِر برقوق فِي 8 ربيع الآخر سنة 825 1 ابريل سنة 1422 وسجنه إِلَى ان مَاتَ سنة 833 وَتَوَلَّى هُوَ مَكَانَهُ وتلقب بِالْملكِ الاشرف ابي النَّصْر وَهُوَ الثَّامِن من مُلُوك الجراكسة وَالثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من مُلُوك التّرْك وَهُوَ الَّذِي استخلص جَزِيرَة قبرص من الافرنج سنة 825 وَبنى الْجَامِع الْكَائِن باول الغورية وَآخر بجبانة المجاورين وَهُوَ الَّذِي دفن بِهِ وانشأ جَامعا وخانقاه بسرياقوس وَتُوفِّي فِي 13 ذِي الْحجَّة سنة 841 7 يونيه سنة 1438 وَتَوَلَّى بعده ابْنه يُوسُف وعمره ارْبَعْ عشرَة سنة وتلقب بِالْملكِ الْعَزِيز ابي المحاسن جمال الدّين ولصغر سنه تولى ادارة الامور الاتابكي جقمق اُحْدُ مماليك الظَّاهِر
(1/92)
________________________________________
برقوق فطمع فِي الْملك وخلع الْملك الْعَزِيز فِي 19 ربيع الاول سنة 842 9 سبتمبر سنة 1438 وَتَوَلَّى هُوَ مَكَانَهُ وتلقب الْملك الظَّاهِر ابي سعيد جقمق وَهُوَ عَاشر ملك من مماليك الجراكسة
وَفِي ايامه توفّي امير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه فِي 4 ربيع الاول سنة 845 وبويع بعده اخوه سُلَيْمَان ثَالِث من تولى الْخلَافَة من اولاد المتَوَكل وتلقب بالمستكفي بِاللَّه وَقد بَايع امير الْمُؤمنِينَ المعتضد فِي مُدَّة خِلَافَته وَهِي ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ سنة وكسور سِتَّة سلاطين المظفر احْمَد بن الْمُؤَيد شيخ وَالظَّاهِر ططر وَابْنه الاشرف برسباي وَابْنه وَالظَّاهِر جقمق وَتُوفِّي المستكفي فِي 2 محرم سنة 855 وبويع بعده اخوه حَمْزَة رَابِع اولاد المتَوَكل ولقب الْقَائِم بِأَمْر الله وَفِي خِلَافَته مرض الْملك الظَّاهِر جقمق فاستقال من السلطنة فِي 21 محرم سنة 857 وَولي ابْنه عُثْمَان وتلقب بِالْملكِ الْمَنْصُور ابي السعادات فَخر الدّين ثمَّ توفّي الظَّاهِر جقمق فِي 4 صفر سنة 857 14 فبراير سنة 1453 وَلم تدم سلطنة الْمَنْصُور عُثْمَان الا نَحْو شهر وَنصف اذ عَزله الاتابك اينال العلائي اُحْدُ مماليك الظَّاهِر برقوق فِي 8 ربيع الاول سنة 857 19 مارس سنة 1453 بعد حَرْب استمرت بَين مماليك الطَّرفَيْنِ مُدَّة اسبوع وَتَوَلَّى اينال مَكَانَهُ وتلقب بِالْملكِ الاشرف ابي النَّصْر سيف الدّين
وَفِي رَجَب سنة 859 خلع السُّلْطَان الْخَلِيفَة المستكفي وَبَايع اخاه يُوسُف خَامِس اولاد المتَوَكل فِي 13 من هَذَا الشَّهْر ولقبه بالمستنجد بِاللَّه ابي المحاسن وَهُوَ ثَالِث
(1/93)
________________________________________
عشر خلفاء العباسيين بِمصْر وَفِي خِلَافَته توفّي السُّلْطَان الاشرف اينال فِي 15 جُمَادَى الاولى سنة 865 26 فبراير سنة 1461 وَتَوَلَّى بعده ابْنه احْمَد وتلقب بِالْملكِ الْمُؤَيد ابي الْفَتْح شهَاب الدّين وعزل بعد اربعة اشهر عَزله بعض الامراء المماليك فِي 17 رَمَضَان سنة 865 26 يونيه سنة 1461 وولوا بعده خوشقدم مَمْلُوك الْمُؤَيد شيخ واصله رومي الْجِنْس وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر ابي سعيد سيف الدّين ثمَّ توفّي خوشقدم فِي 10 ربيع الاول سنة 872 9 اكتوبر سنة 1467 تَارِكًا وَلدين لَكِن لم يتَّفق الامراء على تعْيين احدهما بل ولوا الامير بلباي مَمْلُوك الْمُؤَيد شيخ وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر ابي النَّصْر سيف الدّين وَكَانَ جركسي الاصل وَلم يمْكث فِي السلطنة الا نَحْو شَهْرَيْن ثمَّ وَقعت فتْنَة بَين مماليك السُّلْطَان اينال ومماليك الْمُؤَيد شيخ الَّذين مِنْهُم بلباي ادت إِلَى خلع بلباي فِي 7 جُمَادَى الاولى سنة 872 4 ديسمبر سنة 1467 وتولية تمربغا الرُّومِي الْجِنْس مَمْلُوك الظَّاهِر جقمق فَبَايعهُ الْخَلِيفَة والقضاة والامراء وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر ابي سعيد ثمَّ اخْتلف طوائف المماليك واقتتلوا ثمَّ اتَّفقُوا على عزل تمربغا فعزلوه فِي 6 رَجَب سنة 872 31 يناير سنة 1468 وولوا قايتباي الجركسي الاصل ولقب بِالْملكِ الاشرف ابي النَّصْر سيف الدّين فهدأت الاحوال فِي مدَّته وانقطعت الْفِتْنَة تَقْرِيبًا وطالت مدَّته نَحْو ثَلَاثِينَ سنة انشأ فِي اثنائها كثيرا من الْمدَارِس والتكايا والجوامع بِبِلَاد مصر وَالشَّام وَمَكَّة وَالْمَدينَة وَتُوفِّي فِي يَوْم الاحد 27 ذِي الْقعدَة سنة 901 7 اغسطس سنة 1496 وَدفن بالجامع الَّذِي انشأه بالقرافة وَلم يزل مَوْجُودا للآن شهيرا بِحسن هندسته ولطافة نقوشه وَفِي سلطنته توفّي الْخَلِيفَة المستنجد بِاللَّه فِي يَوْم السبت 24 محرم سنة 884 فَكَانَت مُدَّة خِلَافَته خمْسا وَعشْرين سنة تولى السلطنة فِيهَا خَمْسَة سلاطين وهم الْمُؤَيد احْمَد بن اينال وَالظَّاهِر خوشقدم وَالظَّاهِر بلباي وَالظَّاهِر تمربغا والاشرف قايتباي
وَفِي يَوْم 26 محرم سنة 884 بُويِعَ عبد الْعَزِيز بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد المتَوَكل
(1/94)
________________________________________
على الله ولقب المتَوَكل على الله ابو الْعِزّ وَبَقِي فِي الْخلَافَة تسع عشرَة سنة واياما وَتُوفِّي فِي 30 محرم سنة 903 وبويع بعده ابْنه يَعْقُوب ولقب المستمسك بِاللَّه ابو الصَّبْر وَفِي خلَافَة عبد الْعَزِيز بن يَعْقُوب توفّي السُّلْطَان قايتباي كَمَا مر وَتَوَلَّى ابْنه مُحَمَّد قبل وَفَاة ابيه بِيَوْم حَيْثُ اتّفق الامراء والخليفة والقضاة على عزل ابيه بِسَبَب مَرضه وَعدم مقدرته على ادارة الاحوال وتلقب بِالْملكِ النَّاصِر ابي السعادات نَاصِر الدّين وَكَانَت فِي ايامه فتن وحروب بَين طوائف المماليك كَانَت نتيجتها قَتله فِي 15 ربيع الاول سنة 904 وتولية اُحْدُ مماليك ابيه الجراكسة مَكَانَهُ واسْمه قانصوه وَكَانَ يَدعِي انه اخ احدى حظيات السُّلْطَان قايتباي وام وَلَده مُحَمَّد السُّلْطَان السَّابِق وَلما ولي السلطنة بعد قتل ابْن سَيّده وَابْن اخته حسب دَعْوَاهُ تلقب بِالْملكِ الظَّاهِر ابي سعيد واستمرت الْفِتَن فِي ايامه مُدَّة سنة وكسور واخيرا ثار عَلَيْهِ بعض الامراء وحاربوه وانتصروا عَلَيْهِ فِي 29 ذِي الْقعدَة سنة 905 فهرب واختفى فاتفقوا على خلعه وتولية الامير جَان بلاط الجركسي مَمْلُوك قايتباي وَبَايَعُوهُ فِي 2 ذِي الْحجَّة سنة 905 وتلقب بِالْملكِ الاشرف ابي النَّصْر وَفِي السّنة التالية شقّ الامير طومان باي عَلَيْهِ عَصا الطَّاعَة وَذهب إِلَى دمشق وَاتفقَ مَعَ بعض الامراء على خلع السُّلْطَان جَان بلاط فعملوا بذلك محضرا بِحُضُور عُلَمَاء وامراء دمشق وَتسَمى بِالْملكِ الْعَادِل ثمَّ قصد مصر فوصلها فِي جُمَادَى الاولى سنة 906 وَدخل الْقَاهِرَة فِي 11 مِنْهُ فتحصن جَان بلاط فِي القلعة وحاصره الْعَادِل سَبْعَة ايام ثمَّ دَخلهَا عنْوَة فِي 18 مِنْهُ وَقبض على جَان بلاط واحضر الْخَلِيفَة والقضاة فقرروا بعزل جَان بلاط وتجديد الْبيعَة إِلَى طومان باي الْعَادِل ثمَّ ارسل جَان
(1/95)
________________________________________
بلاط إِلَى سجن اسكندرية واقام بِهِ إِلَى ان خنق بِأَمْر الْعَادِل فِي 4 شعْبَان سنة 906 وَفِي اواخر رَمَضَان سنة 906 حصلت فتْنَة بَين طوائف المماليك ففر طومان باي واختفى ثمَّ ضبط فِي ذِي الْقعدَة وَقتل وعقب فراره تولى الامير قنصوه الغوري وتلقب بِالْملكِ الاشرف فِي مستهل شَوَّال سنة 906 وَفِي سلطنته عزل الْخَلِيفَة المستمسك بِاللَّه يَعْقُوب حوالي سنة 921 وبويع ابْنه مُحَمَّد وتلقب بالمتوكل على الله وَهُوَ سادس عشر الْخُلَفَاء العباسيين وَآخرهمْ بالديار المصرية وَفِي خِلَافَته قصد السُّلْطَان الْغَازِي سليم العثماني بِلَاد الشَّام ومصر ليفتحهعا بِسَبَب التجاء اخيه كركود إِلَى مصر واحتمائه عِنْد الغوري كَمَا ترَاهُ مفصلا فِي هَذَا الْكتاب وحصلت موقعة هائلة بَين عَسَاكِر الغوري والعثمانيين بمرج دابق بجوار حلب فِي يَوْم الاحد 25 رَجَب سنة 922 24 اغسطس سنة 1516 فانتصر العثمانيون وَقتل الغوري فِي اثناء الْقِتَال وَدخل السُّلْطَان سليم مصر عقب ذَلِك فِي اوائل محرم سنة 923 وعقب وَاقعَة مرج دابق اخذ امير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل ضمن الاسرى فاكرمه السُّلْطَان سليم غَايَة الاكرام وَبَقِي مَعَه إِلَى ان ارسله إِلَى الاستانة وَهُنَاكَ حصلت الْمُبَايعَة مِنْهُ إِلَى السُّلْطَان سليم العثماني فانتقلت الْخلَافَة الاسلامية إِلَى مُلُوك بني عُثْمَان من ذَلِك التَّارِيخ وَلما وصل خبر موت الغوري إِلَى مصر اتّفق الامراء بعد جِدَال وشقاق على تَوْلِيَة الامير طومان باي الثَّانِي فَبَايعُوهُ بالقلعة يَوْم الْخَمِيس 14 رَمَضَان سنة 922 11 اكتوبر سنة 1416 وَحضر الْبيعَة امير الْمُؤمنِينَ يَعْقُوب المستمسك بِاللَّه الْمَعْزُول لوُجُود ابْنه الْخَلِيفَة الحالي بحلب ضمن اسرى السُّلْطَان سليم وَكَانَ تولى الْخلَافَة بتوكيل مُطلق من وَلَده المتَوَكل والقضاة وَالْعُلَمَاء وَقَامَ طومان باي بمحاربة العثمانيين عدَّة اشهر ثمَّ هرب والتجأ إِلَى الشَّيْخ حسن بن مرعي اُحْدُ مَشَايِخ عربان الْبحيرَة فاظهر لَهُ الصداقة ثمَّ سلمه إِلَى السُّلْطَان سليم فشنقه على بَاب زويلة فِي
(1/96)
________________________________________
يَوْم الِاثْنَيْنِ 21 ربيع الاول سنة 923 13 ابريل سنة 1517 وَبِذَلِك استتب الْملك لدولة بني عُثْمَان الْعلية الشان حفظهَا الله ملحوظة بعنايته الصمدانية إِلَى آخر الزَّمَان
(1/97)
________________________________________
الْخُلَفَاء العباسيون فِي بَغْدَاد
1 - ابو الْعَبَّاس السفاح 750 754 م 132 136 هـ
2 - ابو جَعْفَر الْمَنْصُور 754 775 م 136 158 هـ
3 - مُحَمَّد الْمهْدي بن ابي جَعْفَر الْمَنْصُور 775 785 م 158 169 هـ
4 - مُوسَى الْهَادِي بن مُحَمَّد الْمهْدي 785 786 م 169 170 هـ
5 - هرون الرشيد بن مُحَمَّد الْمهْدي 786 809 م 170 193 هـ
6 - الامين بن هرون الرشيد قتل 809 813 م 193 198 هـ
7 - الْمَأْمُون بن هرون الرشيد 813 833 م 198 218 هـ
(1/99)
________________________________________
8 - مُحَمَّد المعتصم بِاللَّه بن هرون الرشيد وَهُوَ اول من اضيف اسْم الله إِلَى اسْمه 833 842 م 218 227 هـ
9 - هرون الواثق بِاللَّه بن المعتصم بِاللَّه 842 847 م 227 232 هـ
10 - جَعْفَر المتَوَكل على الله بن المعتصم بِاللَّه قتل 847 861 م 232 247 هـ
11 - الْمُنْتَصر بِاللَّه بن المتَوَكل على الله قتل 861 862 م 247 248 هـ
12 - احْمَد المستعين بِاللَّه بن مُحَمَّد المعتصم بِاللَّه خلع ثمَّ قتل 862 866 م 248 252 هـ
13 - المعتز بِاللَّه بن المتَوَكل على الله قتل صبرا 866 870 م 252 255 هـ
14 - مُحَمَّد الْمُهْتَدي بن الواثق بِاللَّه قتل 870 870 م 255 256 هـ
15 - احْمَد ابو الْعَبَّاس الْمُعْتَمد على الله بن المتَوَكل على الله 870 892 م 256 279 هـ
16 - احْمَد ابو الْعَبَّاس المعتضد بِاللَّه بن الْمُوفق بن المتَوَكل على الله 892 902 م 279 289 هـ
(1/100)
________________________________________
17 - عَليّ المكتفي بِاللَّه بن المعتضد بِاللَّه 902 908 م 289 295 هـ
18 - جَعْفَر ابو الْفضل المقتدر بِاللَّه بن المعتضد بِاللَّه خلع مرَّتَيْنِ ثمَّ قتل فِي الْحَرْب 908 932 م 295 320 هـ
19 - عبد الله بن المعتز الراضي بِاللَّه ولي الْخلَافَة يَوْمًا وَاحِدًا 909 م 296 هـ
20 - مُحَمَّد القاهر بِاللَّه بن المعتضد بِاللَّه 932 934 م 320 322 هـ
21 - احْمَد ابو الْعَبَّاس الراضي بِاللَّه بن المقتدر 934 940 م 322 329 هـ
22 - ابراهيم المتقي بِاللَّه بن المقتدر بِاللَّه 940 945 م 329 333 هـ
23 - عبد الله ابو الْقَاسِم المستكفي بِاللَّه بن المكتفي سملت عَيناهُ وسجن حَتَّى مَاتَ 945 946 م 333 334 هـ
24 - الْمُطِيع لله ابْن المقتدر خلع نَفسه 946 974 م 334 363 هـ
25 - عبد الْكَرِيم ابو بكر الطائع لله بن الْمُطِيع 974 991 م 363 381 هـ
(1/101)
________________________________________
26 - احْمَد ابو الْعَبَّاس الْقَادِر بِاللَّه بن الامير اسحق بن المقتدر بِاللَّه 991 1031 م 381 422 هـ
27 - عبد الله ابو جَعْفَر الْقَائِم بامر الله بن الْقَادِر بِاللَّه 1031 1075 م 422 467 هـ
28 - عبد الله الْمُقْتَدِي بامر الله حفيد الْقَائِم بامر الله لَان اباه مَاتَ قبله 1075 1094 م 467 487 هـ
29 - احْمَد ابو الْعَبَّاس المستظهر بِاللَّه بن الْمُقْتَدِي بامر الله 1094 1118 م 487 512 هـ
30 - ابو مَنْصُور فضل المسترشد بِاللَّه بن المستظهر بِاللَّه قَتله الباطنيون 1118 1135 م 512 529 هـ
31 - ابو جَعْفَر الْمَنْصُور الراشد بِاللَّه بن المستظهر بِاللَّه خلعه السُّلْطَان مَسْعُود 1135 1136 م 529 530 هـ
32 - مُحَمَّد المقتفي لامر الله بن المستظهر بِاللَّه 1136 1160 م 530 555 هـ
33 - يُوسُف المستنجد بِاللَّه بن المستظهر بِاللَّه 1160 1170 م 555 566 هـ
(1/102)
________________________________________
34 - ابو مُحَمَّد الْحسن المستضيء بامر الله بن المستنجد بِاللَّه 1170 1180 م 566 575 هـ
35 - النَّاصِر لدين الله بن المستضيء بامر الله 1180 1225 م 575 622 هـ
36 - ابو النَّصْر مُحَمَّد الظَّاهِر بامر الله بن النَّاصِر لدين الله 1225 1226 م 622 623 هـ
37 - ابو جَعْفَر الْمَنْصُور الْمُسْتَنْصر بِاللَّه بن الظَّاهِر بامر الله 1226 1242 م 623 640 هـ
38 - ابو احْمَد عبد الله المستعصم بِاللَّه بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه قَتله التتر 1242 1258 م 640 656 هـ
(1/103)
________________________________________

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22