عرض مشاركة واحدة
قديم 19-05-2013 ~ 06:55 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي مدى خضوعِ غيرِ المسلِمِين للقضاءِ الإسلامي في الدولة الإسلامية
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012



د.عثمان بن جمعة ضميرية

كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة الشارقة
الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

تاريخ الاستلام : 20/02/2008
تاريخ القبول : 17/07/2008




الخلاصة
القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية؛ أنَّ أحكامها تسري على كل من يقيمون في دار الإسلام من المسلمين وغير المسلمين. وهذا يتفق مع سيادة الدولة التي ينبغي أن تكون مفروضةً على كلِّ رعاياها، وعلى من يكون على أرضها أو إقليمها. وإذا كان غير المسلمين يتمتعون بمركز قانونيٍّ، قد يختلف فيه الذميُّ عن المستأمَن في بعض الجوانب والمسائل؛ فإنـَّه من الأهميـَّة بمكان أن يتحدَّد مدى خضوعِهم جميعاً للقضاء الإسلاميِّ، وبخاصَّة في هذا العصر الذي تنامتْ فيه العلاقاتُ بين الأمم والشُّعوبِ، وتزايد اختلاطُ المسلمينَ بغيرهم، واتسعتِ المعاملاتُ بينهم في دار الإسلام، بعد رفْعِ كثيرٍ من الحواجز. ولبيان هذه القاعدة العامة وما قد يَرِدُ من استثناءات، نعقد تمهيدًا، وأربعة مباحث، وخاتمة، تتناول طبيعة الدعوة وقواعد العلاقة مع غير المسلمين، وخضوع غير المسلمين للقضاء في العهد النبوي والخلافة الراشدة، ومدى خضوع الذميين للقضاء في الفقه الإسلامي، ثم مدى خضوع المستأمنين للقضاء في الفقه الإسلامي، وما عليه العمل في بعض التشريعات المعاصرة.


المقدمة :
الحمدُ للهِ الذي أرسلَ رُسُلَهُ بِالبيّناتِ، وأَنزلَ معهمُ الكتابَ والميزانَ ليقومَ النَّاسُ بالقسط، وأنزلَ الحديدَ فيهِ بأسٌ شديدٌ ومنافعُ للنَّاسِ، وَلِيَعْلمَ اللهُ مَنْ يَنْصرُهُ ورُسُلَهُ بالغيبِ، إنَّ الله قويٌّ عزيزٌّ ، والصَّلاةُ والسَّلام على نبيِّنا محمدٍ الذي بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين، ومبلِّغًا عن ربِّ العالمين، وقاضيًا بين الخصوم أجمعينَ، فبلّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، وأقام ميزانَ العدالةِ. وبعد:
فإنَّ الإنسان اجتماعيٌّ بطبعه، ينزع إلى الحياة مع الآخرين والعيش معهم، وترتبط مصالحه بمصالحهم ووجودهم. وهذا قد يكون واحداً من الأسباب التي تُفْضِي إلى الخصومة والنزاع، أو تحمِلُ بعضَ الناس على الظلم والعدوان؛ فإنَّ الظلم من شِيَمِ النفوس ما لم يكن هناك وازعٌ من دين أو سلطان.
ولذلك كان القضاءُ بين الناس لفَصْلِ الخصوماتِ وإنهاء النزاع وإعادةِ الحقوق لأصحابها وإقامةِ العدل وإنفاذِ أحكام الشرع ضرورةً دينيةً فطريَّة، وضرورةً تنظيميَّةً اجتماعيَّةً.
أهميَّة الموضوع:
والقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية؛ أنَّ أحكامها تسري على كل من يقيمون في دار الإسلام من المسلمين وغير المسلمين. وهذا يتفق مع سيادة الدولة التي ينبغي أن تكون مفروضةً على كلِّ رعاياها، وعلى من يكون على أرضها أو إقليمها.
وإذا كان غير المسلمين يتمتعون بمركز قانونيٍّ(1) ، قد يختلف فيه الذميُّ عن المستأمَن في بعض الجوانب والمسائل؛ فإنَّه من الأهميَّة بمكان أن يتحدَّد مدى خضوعِهم جميعاً للقضاء الإسلاميِّ، وبخاصَّة في هذا العصر الذي تنامتْ فيه العلاقاتُ بين الأمم والشُّعوبِ، وتزايد اختلاطُ المسلمينَ بغيرهم، واتسعتِ المعاملاتُ بينهم في دار الإسلام، بعد رفْعِ كثيرٍ من الحواجز. وهو ما يدرسُه القانونيون في علم القانون الدولي الخاص تحت عنوان: (( تنازع القوانين )) أو (( الاختصاص الدوليّ )).
خطة البحث:
ولبيان القاعدة العامة في خضوع غير المسلمين للقضاء الإسلاميِّ في دار الإسلام (الدولة الإسلامية)، وما قد يَرِدُ من استثناءات على هذه القاعدة، ولمعرفة ما عليه العملُ في بعض التشريعات المعاصرة في البلاد العربية والإسلامية، نعقد بعد هذه المقدمة تمهيدًا، وأربعة مباحث، وخاتمة:
التمهيد: طبيعة الدعوة وقواعد العلاقة مع غير المسلمين.
المبحث الأول: خضوع غير المسلمين للقضاء في العهد النبوي والخلافة الراشدة.
المبحث الثاني: مدى خضوع الذميين للقضاء في الفقه الإسلامي.
المبحث الثالث: مدى خضوع المستأمنين للقضاء في الفقه الإسلامي.
المبحث الرابع: ما عليه العمل في بعض التشريعات المعاصرة.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات.
منهج البحث:
ونعالج البحث – إن شاء الله تعالى – بطريقة علمية، تنهج منهجًا وصفيًا استقرائيًا مقارنًا، كما تعتمد المنهج التاريخي، وبذلك تتكامل أنواع المنهج في الدراسة الجامعية. فهو منهج وصفي يستند إلى التحليل باستقراء الجزئيات وتصنيفها وترتيبها، مع التوثُّق والتأكد من صحة نسبة الأقوال، وما يكتنفها من شروح وتفسيرات. وهو أيضاً منهج استنباطي يستخدم القواعد الأصولية واللغوية، وينطلق من الجزئيات إلى الحقائق العامة، وهو منهج مقارن يقابل الآراء والأقوال ببعضها ويوازن بينها، كما يوازن بين الأحكام الفقهية وما عليه العمل في بعض التشريعات والقوانين المعاصرة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، ومنه نستمد العون والتوفيق والسداد.
التمهيد : طبيعة الدعوة وموقف الناس منها:
جعل الله -- رسالةَ نبيِّنا محمدٍٍ -e- رسالةً خاتمةً، تهدفُ إلى ردِّ البشرية كلِّها إلى الله تعالى والخضوع لدِيْنِه، ليكون ذلك سبيلاً إلى تحريرها حريةً حقيقية كاملةً، حينما تتحرَّر من كلِّ عبوديةٍ لغير الله تعالى؛ فانقسم الناسُ عندئذ قسمين: فمنهم من فتح قلبَه وعَقْلَه للهدى والنور، فآمنَ بالرَّسول -e- وصدَّق بما جاء به من عند الله تعالى، ومنهم من أغلقَ قلبَه وعقلَه، وجعل على بصرِه غشاوةً، فكفر وكذَّب؛ فكانوا بذلك فريقين اثنين: ﮋ ﯸ ﯹﯺﯻ ﯼ ﯽﯾ ﮊ [سورة الأعراف،الآية30]، ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﮊ [سورة محمد، الآية3].
وعندما كتب اللهُ - تعالى- النصرَ لنبيِّه -e- وأظهر دينَه على الدِّين كلِّه، أصبح للمسلمين دولةٌ تضمُّ جميع المؤمنين بالله – تعالى- الموحِّدينَ له، ترفرف عليها رايةُ التوحيد، وتقيمُ الحقَّ والعدلَ بين الناس، وتدعو إلى الإنصاف والقِسْطِ. لم يكن من أهدافها العلوُّ في الأرض ولا مجرَّدُ بسطِ السيطرة والنفوذ، ولا إكراهُ الناس على الدين، فتركتْهم وما يختارون، عندما يخضعون لسلطان الإسلام وسيادة أحكامِه، بعد أن أزاحتِ العقباتِ من طريق الدعوة الإسلامية، وخلَّت بينها وبين الناس ليختاروا – عندما يكون لهم الاختيار – عن طواعيةٍ وإرادةٍ.
أصناف الناس وموقفهم من الدعوة الإسلامية:
وأقام الإسلامُ قواعدَ العلاقاتِ بين الناس على افتراض أنهم إمَّا مؤمنون، وإمَّا معاهَدون، وإمَّا لا عهد لهم. وفي هذا يقول عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- : (( كان المشركون على منزلتين من النبي-e- والمؤمنين، كانوا مُشْرِكي أهلِ حربٍ يقاتلُهم ويقاتلونَه، ومُشْركي أهلِ عهدٍ لا يقاتلُهم ولا يقاتلونَه ))(2).
ويقول ابن قيِّمِ الجوزيَّة – رحمه الله – : (( فاستقرَّ أمر الكفار معه -e- بعد نزول سورة براءة على ثلاثة أقسام: محاربين له، وأهلِِ عهدٍ، وأهل ذمّة. ثمَّ آلت حالُ أهل العهد والصلح إلى الإسلام، فصاروا معه قسمين: محاربين له، وأهل ذمة. والمحاربون له خائفون منه، فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلمٌ مؤمنٌ به، ومُسالمٌ له آمِنٌ، وخائفٌ محاربٌ ))(3).
أ – أمَّا المسلمون المؤمنون: فهم المعترفون بما جاء به النبي -e- والمصدِّقون بكل ما أخبر به. وصفَهم الله تعالى في كتابه الكريم، وحدَّد سِمَاتِهم فقال: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ [سورة البقرة، الآيات: 1 - 5 ].
والمسلمون أينما كانوا إخوةٌ في العقيدة والجنسيَة، غير أنَّ أحكام الإسلام الدنيوية لا نفاذ لها في غير دار الإسلام، ولهذا اختلفت أحكام الدَّارين، دار الإسلام ودار الحرب، من هذه الناحية كما هو موضَّح في أبواب متعدِّدة من كتب الفقه؛ كأبواب النكاح والطلاق والوصية والإرث والسِّيَر(4). وأمَّا الأحكام الدينية من حيث أجزيتها الأُخروية: فالمسلم خاضعٌ لها حيثما حلَّ، وهو مسؤولٌ عنها أمام من لا تخفى عليه خافيةُ(5).
ب – أمَّا المسالمون الآمنون، فهم غير المسلمين الذين يقيمون في دار الإسلام، أو الدولة الإسلامية، إقامةً دائمةً أو مؤقتةً، على أساس عقد الذمّة أو عقد الأمان، ويدخل فيهم أهل الموادَعَةِ وهم من أهل الحرب والكفر(6). وقد أفردت لهم الشريعة الإسلامية معاملةً خاصة لا يمكن إدراكُ مستواها الأخلاقيِّ السّامي إلا عند موازنتها بمعاملة الأجانب في مختلف النّظُم التي سبقتْ دعوةَ الإسلام التي بعث الله تعالى بها نبيَّه محمداً -e- أو النظم التي عاصَرَتْهَا، أو تلك التي جاءت تاليةً لها.
وغير المسلمين هؤلاء أصنافٌ متنوعة من حيث علاقتهم بالمسلمين، ولذلك يقول ابن قيِّم الجوزيَّة: (( الكفار؛ إما أهلُ حربٍ وإما أهلُ عهد. وأهلُ العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان. ولفظ (( الذمّة والعهد )) يتناول هؤلاء كلَّهم في الأصل. وكذلك لفظ (( الصلح ))؛ فإن الذمّة من جنس لفظ العهد والعقد … وهكذا لفظ (( الصلح )) عامٌّ في كل صلح، وهو يتناول صُلْحَ المسلمين بعضِهم مع بعضٍ، وصلْحَهم مع الكفار.
ولكنْ صار – في اصطلاح كثيرٍ من الفقهاء – (( أهلُ الذمّة )) عبارةً عمَّن يؤدِّي الجزية. وهؤلاء لهم ذمَّة مؤبَّدة، قد عاهدوا المسلمين على أن يجريَ عليهم حكم الله ورسوله ؛ إذْ هم مقيمون في الدار التي يجري فيها حكم الله ورسوله، بخلاف (( أهل الهدنة )) فإنهم صالحوا المسلمينَ على أن يكونوا في دارهم، لا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمّة، لكن عليهم الكفُّ عن محاربة المسلمين. وهؤلاء يسمَّون (( أهل العهد )) و(( أهل الصلح )) و(( أهل الذمّة )).
وأمَّا (( المستأمَنُ )): فهو الذي يقْدُمُ بلاد المسلمين من غير استيطانٍ لها؛ وهؤلاء أربعةُ أقسام: رسُلٌ، وتجّار، ومستجيرون حتى يُعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاؤوا دخلوا فيه وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم، وطَالِبُو حاجة من زيارة أو غيرها. وحكم هؤلاء ألا يهاجموا(7) ولا يُقتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يُعرَضَ على المستجير منهم: الإسلامُ والقرآنُ، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحبَّ اللّحاق بمأمنه أُلحق به، ولم يُعرض له قبل وصوله إليه. فإذا وصل مأمنَه عاد حربيّاً كما كان ))(8).
جـ – أمَّا الحربيون أو المحاربون، فهم القسم الثاني من الكفار والمشركين الذين سبقت الإشارة إليهم بأنهم الخائفون المحاربون للنبي -e-(9). وهم أهل إحدى المنزلتين من النبي -e- كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : (( كان المشركون على منزلتين من النبي -e- والمؤمنين؛ كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه ))(10).
فالحربيُّون هم سكان دارِ الحربِ أو بلاد الكفر الذين لا يدينون بالإسلام، ويحاربون المسلمين، أو ينتسبون إلى قوم محاربين لهم حقيقةً وواقعاً أو حكماً وتوقعاً. وبعبارة أخرى: هم غير المسلمين الذين لم يدخلوا في عقد الذمّة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم.
وهم أصنافٌ: الكفّارُ الذين يقاتلون المسلمين بالفعل ويكيدون لهم، والكفّارُ الذين أعلنوا الحرب على الإسلام وأهله، بأن ضيَّقوا على المسلمين وحاصروهم اقتصادياً، أو فتنوهم عن دينهم، أو ظاهروا أعداء الإسلام على المسلمين، والكفّار الذين ليس لهم عهد مع المسلمين ولولم يحاربوا المسلمين ولم يظاهروا عليهم، فهؤلاء كلهم يُسَمَّون في الاصطلاح الفقهي: أهلَ الكفرِ، أو أهلَ الحرب أو الحربيين. ولا يشترط أن تكون الحرب قائمةً فعلاً، وإن كانت دار الكفر- من الناحية التاريخية الواقعية - قد ناصبتِ الدولةَ المسلمةَ العداءَ والخصامَ والحربَ(11).
الخلاصة : ومما سبق نخلص إلى أنه أصبح يقيم على أرض الدولة الإسلامية: مسلمون، وغير مسلمين من الذميين والمستأمنين. والذمي يختلف عن المستأمن، فالأول من أهل دار الإسلام ويلتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات(12). وأما المستأمن فهو ليس من أهل دار الإسلام، ولم يلتزم شيئاً من أحكام الإسلام، وإنما دخل دار الإسلام ليقضي حاجة له ثمَّ يرجع إلى داره أو دولته.
وبعد هذه الإيماءة إلى أصناف الناس في العالم وأصل هذا التصنيف، نعقد المباحث الأربعة التالية لبيان مدى خضوع غير المسلمين للقضاء الإسلاميِّ، والقانون الذي يطبَّق عليهم، وما عليه العمل في بعض التشريعات (التنظيمات) العربية والإسلاميّة المعاصرة.
المبحث الأول :خضوع غير المسلمين للقضاء في العهد النبويِّ والخلافةِ الراشدة :
إنَّ من الأمور المتفق عليها بين علماء الإسلام أنه لا يحل لمن تقلَّد الحكم بين الناس أن يحكم إلا بما أمر الله عز وجل به في كتابه، أو بما ثبت عن رسول الله -e- أنّه حكمَ به، أو بما أجمع عليه العلماء، أو بدليلٍ من أحد هذه الوجوه الثلاثة(13) ؛ فإنَّ الله -جلَّ ثناؤه- وضع رسوله موضِعَ الإبانة لِمَا افترض على خلقه في كتابه، ثم على لسان نبيِّه -e- وإنْ لم يكن ما افترض على لسانه نصًّا في كتاب الله؛ فأبان في كتابه: أنَّ رسول الله -e- يهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ، صراطِ الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض -e- ففرضَ على العباد طاعتَه، وأمرَهم بأَخْذِ ما آتاهم، والانتهاءِ عمَّا نهاهم عنه. وكان فَرْضُهُ على مَنْ عايَن رسولَه ومَنْ بعده إلى يوم القيامة واحدًا: في أنَّ على كلٍّ طاعتَهُ(14).
وبذلك كانت السنةُ النبوية – مع القرآن الكريم – مصدرَ الدِّين: عقيدةً، وعبادة، وأخلاقًا، ومنهجَ حياةٍ، وأصولَ نظرٍٍ واستدلالٍ؛ فهي في ذلك مثل القرآن، لأنها وحيٌ من الله تعالى. ولئن كان القرآن الكريم وحيًا مَتْلُوًّا، فإنَّ السنَّة النبوية وحيٌ غير مَتْلُوٍّ؛ ولذلك أوجب الله تعالى على المسلمين اتِّباعَ الرسول فيما يأمر وينهى، وقرَن طاعة الرسول بطاعته في كثير من آي القرآن الكريم، وحثَّ على الاستجابة لِمَا يدعو إليه من الحياة الكريمة.
ثم تواردت أحاديثُ النبِّي -e- تدعو إلى التمسك بالسنّة، وتوجب العملَ بها، وتبيِّن أنها سبب النجاة. ثم كان الواقع العمليُّ للجيل الأول الذي ربَّاه النبي عليه الصلاة والسلام على عينه، ومَن جاء بعده ممن سار على نَهْجِه، كان ذلك الواقع العمليُّ ترجمةً صادقةً لمحبة النبي -e- وعنوانًا بارزًا على الالتزام بالسنة النبوية، والاحتجاج بها، تحقيقًا لمقتضى الإسلام والإيمان؛ فإنَّ أصحاب السُّنَنِ أعلمُ بكتاب الله تعالى من غيرهم، ولذلك قال الفاروق عمر بن الخطاب -  - : (( إنه سيأتي أناسٌ يأخذونَكم بشبهاتِ القرآن، فخذُوهم بالسُّنن، فإنَّ أصحابَ السنن أعلمُ بكتابِ الله ))(15).
وكَتَبَ رَسُولُ الله -e- كِتَابًا بَيْنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَادَعَ فِيهِ يَهُودَ وَعَاهَدَهُمْ وَأَقَرّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَشَرَطَ لَهُمْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ. فكان مما جاء في هذا الكتاب:
(( ِبسْمِ الله الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ -e- بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأهل يَثْرِبَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ. .. إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النّاسِ. وَإِنّهُ لا يَحِلّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرّ بِمَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَآمَنَ بالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا وَلا يُؤْوِيهِ وَأَنّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ ))(16).
ثم أبان عن المرجعيَّة العليا في الأحكام وتطبيقها، أو في القضاء وما يتصل بذلك، وجعل ذلك للنبيِّ -e- فقال: (( وَإِنّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى الله عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ -e- ))(17).
وفيما يلي نعرض طائفة من أقضية النبيِّ -e- وحُكْمِه بين غير المسلمين، أو حكمِه عليهم في قضايا متنوعة، يظهر فيها خضوعُهم للقضاء الإسلاميِّ، نجعلها في فقرة أولى، ثم نُتْبِعُها بفقرة ثانية لعرض بعض أقضية الخلفاء الراشدين المهديّين، لأن عهدَ الخلافةِ الراشدة امتدادٌ لعهد النبوَّة، وتطبيقٌ للسنَّة والهدي النبويِّ دون أيِّ تأثيرٍ للمؤثِّرات الخارجيَّة .
أولاً : في العهد النبويِّ :
أ - ففي القاعدة العامة لخضوع غير المسلمين للقضاء الإسلامي: نذْكر صُلْحَ النبيِّ -e- وأصحابِه لأهل نَجْرَانَ، وكيف الحُكْمُ فيهم؛ فقد أخضعهم لحكمه أو بالتعبير المعاصر: لسيادة الدولة الإسلامية والقضاء الإسلامي. وكان رسول الله -e- بعث إليهم عَمْروَ بن حزم ليفقِّههم في الدين ، وكتب له كتاباً ، عَهِدَ إليه فيه عَهْدَه ، وأَمَرَه فيه بأمره : (( بسم الله الرحمن الرحيم : هذا بيانٌ من الله ورسوله، ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏﮊ [ سورة المائدة : الآية ١] عَهْدٌ من محمدٍ النبيِّ رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كلِّه، فـ ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ [ سورة النحل: الآية ١٢٨ ] ...
ولنجرانَ وحاشيتِها جوارُ الله تعالى وذمّةُ محمدٍ النبيِّ -e- على أنفسِهم وأموالهم وأرضِهم وملَّتهم وغائبهم وشاهدِهم وعماراتهم وبِيَعِهم وسلمهم، لا يُغيَّر أُسقف من أسقفيته ، ولا راهبٌ من رهبانيته ، وكلُّ ما تحت أيديهم من قليل أو كثير. وليس عليهم دَنِيَّة ولا دمُ جاهلية، ولا يُحْشَرون ولا يُعْشَرون، ولا يطأُ أرضَهم جيشٌ، ومَنْ سأل منهم حقَّاً فلهم النَّصَفُ غيرَ ظالمينَ ولا مظلومينَ.
ومَنْ أكل رِبَا من ذي قَبَل فذمتي منه بريئة. ولا يُؤخذ رجلٌ منهم بظلمِ آخرَ . ولهم على ما في هذا الكتاب جوارُ الله وذمةُ محمدٍ النبي -e- أبداً حتى يقضيَ الله بأمره ما نَصَحُوا وأصْلَحُوا فيما عليهم، غير مُنْقَلِبِيْنَ بظلمٍ ))(18).
ب – و في الحدود: أقام النبيُّ -e- حدَّ الزنا على اليهوديِّ و اليهوديّة اللَّذَيْن زَنَيَا؛ فقد أخرج البخاريُّ ومسلمٌ عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ اليهود جاؤوا إلى رسول الله -e- فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأةً زنيا، فقال لهم رسول الله -e- : ما تجدونَ في التوراة في شأن الرَّجم؟ فقالوا: نفضحُهم ويُجْلَدون. فقال عبد الله ابن سلام: كذبتم، إنَّ فيها الرّجمَ، فأتِوا بالتوراة فنشَرُوها، فوضع أحدُهم يدَه على آية الرَّجم فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فرفع يده فإذا فيها آيةُ الرجم، فقالوا: صدق يا محمَّد، فيها آية الرَّجم. فأمر بهما رسولُ الله -e- فرُجِمَا. قال عبد الله بن عمر: فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة(19).
جـ ـ وفي الجنايات: أخرج الشيخان عن أنس -- أنَّ جارية خرجت وعليها أَوْضَاحٌ بالمدينة، فرماها يهوديٌّ بحجر، فجيء بها إلى النبيِّ -e- و بها رَمَقٌ. فقال رسول الله -e- : (( أقَتَلَكِ فلانٌ ))؟ فأشارت برأسها أن لا. ثم قال الثانية، فأشارت برأسها أن لا. ثم سألها الثالثة، فأشارت برأسها أن نعم. فجيء باليهوديِّ فلم يزل به حتى أقرَّ، فرضَّ رسولُ الله -e- رأسَه بالحجر. وفي لفظ آخر: فقتلَه بين حَجَرين(20).
د ـ وفي الحكم فيمن سمَّ النبيَّ -e- ذميًّا كان أو حربًيا: أخرج البخاريُّ ومسلمٌ أن يهوديَّة سمَّتِ النبيَّ -e- في شاةٍ، وأكثرتْ من السمّ في الذراع، فلما وضعتْها بين يدي النبيِّ -e- تناول الذراع فلاك منه مُضْغَةً ، ومعه بِشْر بن البَراء قد أخذ منه كما أخذ النبيُّ -e- ، فأمّا بِشْر فأساغَها، و أمَّا النبيُّ -e- فلَفَظَها، ثم قال: (( إنّ هذا العظم ليُخبرني أنه مسمومٌ )) .
ثم دعا النبي -e- باليهودية فاعترفت فقال: ما حمَلك على ذلك؟ فقالت: قلتُ إن كان ملِكًا استرحنا منه، وإن كان نبيًا لم يضرَّه. فتجاوز عنها رسول الله -e- ومات بِشرٌ من أكلته التي أكل(21).
فاتفق البخاريُّ ومسلمٌ وغيرهما على أن النبيَّ -e- قد عفا عنها، وذكر أبو داود في (( السنن ))(22) أن النبي -e- أمر بقتلها بسببِ من ماتَ من المسلمين من أكل الشَّاة(23).
هـ ـ وحَكَمَ رسولُ الله -e- في بَنِي قُرَيْظَةَ و بَنِي النَّضِيْر، وردَّ حكم ذلك إلى سعدِ بنِ مُعَاذ -- أي حكّمه النبيُّ -e- فيهم وقد رضوا بالتَّحكيم. فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي سعيد الخدري -- قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ بعث رسول الله -e- إليه، وكان قريباً منه، فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله -e- : قوموا إلى سيِّدكم. فجاء فجلس إلى رسول الله -e- فقال له: إن هؤلاء نزلوا على حُكْمِكَ. قال: فإني أحْكُمُ أن تُقتل المقاتِلة، وأن تُسْبَي الذريَّة. قال: لقد حكمت فيهم بحُكْم الملِكِ(24).
و ـ وحكَمَ رسولُ الله -e- في الرُّسُل (السُّفراء) أن لا تُقتَل: فقد أخرج أبو داود عن نُعيم بنِ مسعود قال: كتب مُسَيْلمَةُ إلى رسول الله -e- ، فسمعتُه يقول للرسول حين قرأ الكتاب: ما تقولان أنتما؟ فقالا: نقول كما قال. فقال: (( أمَا والله لولا أنَّ الرُّسل لا تُقتَل لضربتُ أعناقَكما )) وفي لفظ آخر: (( لو كنتُ قاتلاً وفدًا لقتلتُكما ))(25).
ثانيًا : في عهد الخلافة الراشدة:
الخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم - هم الذين خلَفوا النبيَّ -e- في قيادة الأمَّة ، ووضعوا أُسس الدولة وقواعدَ الفقهِ والقضاء الأساسيّةَ؛ فكان دَوْرُهم في التشريع : تدعيمَ بنائه بالتفريع والتَّوسيع، وزيادةَ أدلَّته بالاجتهاد، عن طريق الإجماع والرَّأي عند الضرورة.
وقد اتَّبع الخلفاءُ الراشدون سنَّة النبيِِّ -e- الشريفةَ، ومنهج سيرتِه، في تدبير مصالح الأمَّة الدينية والدنيوية. فكانت حياتهم مرآةً لأفضل الفضائل؛ فامتازوا بزهدهم وعفَّتهم، وعدلهم ونزاهتِهم، واتَّصفوا في الحكم بالاستقامة، والاعتدالِ بين الحزم واللِّين، حسب مقتضيات السياسة الشرعية، فلهذا لُقِّبُوا بالخلفاء الرَّاشدينَ(26).
وحسْبُنا في هذا المقام الإشارة إلى بعض الأقضية في بعض الوقائع والقضايا التي حكم فيها الخلفاء الراشدون لبيان مدى خضوع غير المسلمين للقضاء الإسلامي في هذا العهد الزاهر.
أ ـ ففي القاعدة العامة في مركز الذميين: لم يفرِّق الخلفاء الراشدون في المعاملة بين أهل الملَّة المسلمين وبين أهل الذمَّة، ومثال ذلك: أن عمر -- لما قَدِم محلَّة الجَابِيَةِ من أرض الشَّام، مرَّ بقوم مَجْذومِيْنَ من النَّصارى، فأمر بأن يُعْطَوا من الصدقات، وأن يُجرَى عليهم القوتُ من بيت مال المسلمين(27).
وأخرج أبو يوسف القاضي عن أبي بكر العنسي قال : مرَّ عمر بنُ الخطاب -- بباب قومٍ وعليه سائلٌ يسأل ، شيخٌ كبير ضرير البصر ، فضرب عَضُدَه مِنْ خلْفه وقال : من أيّ أهل الكتاب أنت ؟ فقال : يهوديٌّ . قال: فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال: اسألُ الجزيةَ والحاجةَ والسنَّ. قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فَرَضَخَ له بشيء من المنزل(28)، ثمَّ أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضُرَبَاءَه، فوالله ما أنْصَفْناه أنْ أكلنا شبيبته ثمَّ نخذله عند الهرم ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮊ [ سورة التوبة: الآية ٦٠ ] والفقراءُ هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب. ووضع عنه الجزيةَ وعن ضربائه. قال أبو بكر: أنا شهدتُ ذلك من عمر ورأيت ذلك الشيخَ.
وهناك أيضاً واقعة أخرى شبيهة بهذه للإمام علي بن أبي طالب -- .
وجاء في صلح خالد بن الوليد -- لأهل الحِيْرَةِ لما عقد لهم وصالحهم في عهد أبي بكر الصديق --: (( وجعلتُ لهم: أيّما شيخ ضَعُفَ عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دِينه يتصدّقون عليه، طُرِحتْ جزيتُه وعُيِّل(30) من بيت مال المسلمين وعيالُه، ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام. فإنْ خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار الإسلام فليس على المسلمين النفقةُ على عيالهم ))(31).
وكتب عمر بن عبد العزيز -- إلى عامله على البصرة – عديّ بن أرطاة – يقول: (( وانظر مَنْ قِبَلَك من أهل الذمّة قد كَبُرَتْ سنُّه ، وضَعُفَتْ قوَّته، وولَّت عنه المكاسب، فأَجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه ))(32).
ب ـ وفي القانون الواجب التطبيق في القضاء عندما يترافع الذميون إلى القاضي المسلم في المعاملات وغيرها: تقرَّرت القاعدة في عهد الخلفاء الراشدين أن يكون لأهل الذمَّة الخيار بالاحتكام إلى القضاء الشرعيّ، وفقًا للآية الكريمة: ﮋ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﮊ [سورة المائدة: الآية ٤٢ ].
فعليه إذا احتكم أهلُ الذمة إلى القضاء الشرعيِّ، وجب الحكم بينهم بالعدل حسب الشريعة. وفي الواقع كانوا ينزلون على حكم النبي -e- في حياته – كما تقدم – وفي زمان أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – وإنما لم يُعرف أنَّ عليًّا وعثمان – رضي الله عنهما – حكما في شيء بينهم في الشام و العراق واليمن ومصر(33).
وقد روي أنَّ عمر الفاروق -- نظر في قضية بين مسلمٍ ويهوديٍّ، ورأى الحقَّ في جانب اليهودي، فقضى له. وروي أن الإمام عليًّا -- حكم على مسلم بعقوبة الحدِّ، لأنه زنى بنصرانيةٍ، ورفع النصرانيةَ إلى أهل دينها. وكان يقول: إذا تحاكم مسلمٌ مع ذميٍّ، وجب الحكم بينهما بالعدل، لوجوب حفظ الذميِّ من ظلم المسلم، وحفظ المسلم منه(34).
جـ ـ وفي إخلال الذميين بشروط عقد الذمة: قضى عمر الفارق -- على ذميٍّ استكره مسلمةً على الزنا، بأنه خالف العهد، وأمر بصَلْبِه في بيت المقدس، قائلاً له: (( ما على هذا صالحناكم ))(35).
د ـ وفي أثر اختلاف الدين في الميراث: قضى الخلفاء الراشدون بأن لا يرث مسلمٌ كافرًا ، ولا كافرٌ مسلمًا، كما ورد عن النبيِّ -e- فلم يرث عليُّ بن أبي طالب ، ولا أخوه جعفر ، من أخويهما عَقِيْلٍ وطَالبٍ، لأن هذين كانا كافرَين. و لكنْ روي عن عمر -- أنه ورَّث المسلمَ من الكافر، و لم يورِّث الكافرَ من المسلم.
أما توارثُ غير المسلمين فيما بينهم، فقد اختلف فيه؛ فاعتبر الإمام علي -- أنَّ غير المسلمين مِلَلٌ مختلفةٌ، فلا يرثُ بعضُهم بعضًا إذا اختلفت مِلَلُهم. وكذلك قضى الفاروق عمر وعثمان - رضي الله عنهما - أن اليهودية أو النصرانية إذا توفيت يَرِثُها أهلُ دينها.
وأما ميراث أهل الذمَّة فيما بينهم، فقال عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنهما -: يرثُ الذميُّ حسب الشرع الإسلامي، وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله: (( إذا جاءك النصارى فاقسمْ بينهم على فرائضِ الإسلامِ ))(36).
المبحث الثاني : مدى خضوع الذميين للقضاء في الفقه الإسلامي
تحرير محلّ النزاع:
اتفق العلماء على أنه لا يُكشف عن أحدٍ من أهل الذمّة الذين أعطَوا الجزية فيما يتديَّنون به، على قدر ما صُولحوا عليه، ما لم يحدث ضررٌ على غيرهم.
وأجمعوا على أنَّ الذميَّ إن رافَعَهُ إلى القاضي مسلمٌ، أو رافَعَ هو مسلماً، وجب على القاضي الحكم بينهما. وبعبارة أخرى: إذا كان في الدعوى طرف مسلمٌ، سواء كان مدعيًا أو مدعىً عليه: فإن القاضي المسلم يختص بالحكم والفصل في القضية، ويحكم بما أوجبه دين الإسلام، فالقانون الواجب التطبيق في هذه الحال هو القانون الإسلاميُّ، إذْ لا يجوز للمسلم أن يحكم بغير حكم الإسلام، سواءٌ كانت القضيةُ المتنازعُ فيها من دعاوَى النكاح أو المعاملات المالية أو من غيرهما. فاختصاص المحاكم في الدولة الإسلامية بالقضايا التي يكون أحد الخصوم فيها مسلمًا هو اختصاصٌ إلزاميٌّ(37).
تلك جملةٌ اتفق العلماء عليها، واختلفوا فيما وراءها مما يتعلق بخضوع أهل الذمّة للقضاء الإسلامي.
وبعبارة أخرى: اختلف الفقهاء في مدى اختصاص القاضي المسلم فيما إذا كان طرفا الدعوى ذمِّيين.
مذاهب الفقهاء في المسألة:
وقد تناول العلماءُ – رحمهم الله تعالى – هذه المسألةَ بالبحث والبيان في مناسبات متعددة وأبواب متفرقة في كتبهم. وأوضحوا معالمها بالتفصيل، فلذلك نعرض أقوالهم وأدلَّتها بإيجاز، بحيث تظهر الفوارق الدقيقة في كلّ مذهبٍ من المذاهب.
أولاً- مذهب الحنفية:
فرَّق فقهاء الحنفية بين ما إذا كان موضوع الدعوى يتعلَّق بالنكاح، وما إذا كان يتعلَّق بغيره كالمعاملات والحدود والقِصَاص:
أ ـ ففي المعاملات والمواريث وسائر العقود والتصرُّفات؛ يخضع أهل الذمّة للقضاء الإسلامي، وتطبق عليهم أحكام الإسلام كالمسلمين، سواءٌ ترافع كلاهما إلى القاضي المسلم أو ترافع أحدهما؛ لأنهم ملتزمون بأحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات المالية، إلا في بيع الخمر والخنزير، فإن ذلك جائز فيما بينهم، لأنهم يُقَرُّون على أن تكون مالاً لهم، ولو لم يجز مبايعتُهم وتصرُّفُهم فيها والانتفاع بها لخرجت من أن تكون مالاً لهم، ولَمَا وجب على مستهلكها عليهم ضمانٌ.
وفيما عدا ذلك فإنهم يُحْمَلون على أحكام المسلمين؛ لقوله تعالى: ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﮊ [سورة المائدة، الآية 49].
وفي هذه الآية الكريمة نسخٌ للتخيير في الآية السابقة لها، وهي قوله تعالى: ﮋ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝﮊ [سورة المائدة، الآية42] على رأي بعض العلماء، أو هي خاصَّة في غير أهل الذمة، والأولى في أهل الذمة، فلا نسخ فيهما(38).
وروي عن النبي -e- أنه كتب إلى أهل نجران : (( إمّا أن تذَرُوا الربا وإما أن تأذَنُوا بحربٍ من الله ورسوله ))(39). فجعلهم النبيُّ -e- في حَظْر الربا ومنعهم منه كالمسلمين، قال الله تعالى: ﮋ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩﮊ [سورة النساء، الآية 161]. فأخبر أنهم منهيُّون عن الربا وأكل المال بالباطل، كما قال تعالى: ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸﮊ [سورة النساء، الآية 29]. فسوّى بينهم وبين المسلمين في المنع من الربا والعقود الفاسدة المحظورة، إذْ يقاس على الربا كلُّ ما يتعلق بحكم البيوع والإجارات ونحوها من العقود والمعاملات(40).
ب ـ وفي الحدود أيضاً: يجب على الإمام أن يحكم بينهم بأحكام المسلمين، فكلُّ ما وجب على الإمام أن يُقيمَه على المسلمين فيما أصابوا من الحدود، كالزنا والقذف والسرقة وقطع الطريق وجب عليه أن يقيمه على أهل الذمّة، غير ما استحلُّوا به في دينهم، كشربهم الخمر وما أشبهه، فإن ذلك يختلف حالهم فيه وحال المسلمين، فيعاقب المسلمون على ذلك، وأهل الذمّة لا يُعَاقَبون عليه، ما خلا الرجم في الزنا، فإنه لا يقام على أهل الذمّة، لأن الأسباب التي يجب بها الإحصان: أحدها الإسلام. فأما ما سوى ذلك من العقوبات الواجبات في انتهاك الحرمات، فإن أهل الذمّة كأهل الإسلام. ويجب على الإمام أن يقيمها عليهم، وإن لم يتحاكموا إليه، كما يجب عليه أن يقيمه على أهل الإسلام وإن لم يتحاكموا إليه(41).
والدليل على ذلك: حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-: أن رسول الله -e- رجم يهودياً ويهودية حين تحاكموا إليه(42). ولم يجئ أنه -e- لم يحكم عليهم إلا لأنهم تحاكموا إليه، فإنَّ ابن عمرَ ـ رضي الله عنهما ـ إنّما أخبر عن فعل النبيِّ -e- وحكمه إذْ تحاكموا إليه، ولم يخبر عن حكمهم عنده قبل أن يتحاكموا إليه... وإنما حكم النبيُّ -e- عليهما بالرجم ، لأنَّ ذلك كان الحكم في الزُّناة في شريعة موسى -u- للمُحْصَن وغير المحصن، ثمَّ نُسِخ ذلك في شريعتنا، فجُعل الرجمُ للمحصن، والجَلد لغير المحصن، ولا يكون الرجل محصناً بامرأته، ولا المرأة محصنةً بزوجها، حتى يكونا حُرَّيْن مسلمَيْن بالغَيْن، قد جامعها وهما بالغان. وممن قال بذلك كلِّه: أبو حنيفةَ وأبو يوسف ومحمدٌ – رحمهم الله تعالى –(43).
جـ ـ وكذلك يجب القصاص إذا ارتكب الذميُّ القتلَ عمدًا، إذا كان القتيل مسلمًا أو ذميًا. كما تجب الدِّيَة على الذميِّ في القتل الخطأ وشِبْه العمد، سواءٌ كان القتيلُ مسلمًا أو من أهل الذمة. وحَسْبُنا هنا هذه الإشارة دون التفصيل في مقدارها ونحو ذلك(44).
د ـ وأما في النكاح؛ فإن كلَّ نكاحٍ يجوز فيما بين المسلمين فهو جائز أيضًا فيما بين أهل الذمّة، لأنهم يعتقدون جوازه، ونحن نعتقد ذلك في حقِّهم أيضاً؛ فإن النبي -e- قال: (( بُعِثْتُ إلى كلِّ أحمرَ وأسْودَ ))(45) ، وخطابُ الواحدِ خطابٌ للجماعة، فما توافقنا في اعتقاده يكون ثابتاً في حقِّهم.
وأما ما لا يجوز من النكاح بين المسلمين، فإنَّه يتنوع إلى أنواع؛ كالنكاح بغير شهود، ونكاح المعتدَّة، ونكاح المحارم.. وفيه تفصيل وخلاف عند أئمة الحنفية: فقال أبو حنيفة – رحمه الله – إنه لا يحكم بين أهل الذمّة إلا أن يترافعا ويرضيا جميعاً، فعندئذٍ نحملُهما على أحكام الإسلام إلا في النكاح بغير شهود، والنكاح في العِدَّة من ذميٍّ، وكذلك إذا أسلموا فإنهم يُقرّون على أنكحتهم.
وقال الإمام محمد بن الحسن: إنهم يُخَلَّون وأحكامهم ما لم يترافعوا إلى قاضي المسلمين، فإذا ترافعا أو أحدهما، فإنه يحكم بينهما بحكم الإسلام إلا في النكاح بغير شهود، لأنه جائز عندهم وهم يتديَّنون به، وقد أُمِرْنا بتركهم وما يدينون إلا ما استثني من عقودهم – كالربا – وهذا غير مستثنىً منها فيصحُّ في حقِّهم، ولأن الشهادة ليست بشرط في بقاء النكاح على الصحة، بدليل أنه لا يبطل بموت الشهود، فلا يجوز أن تكون شرطَ ابتداءِ العقدِ في حقِّ الكافر، لأنَّ في الشهادة معنى العبادة. وما عداه من الأنكحة الفاسدة فإنه يفرّق بينهما فيه.
وقال القاضي أبو يوسف: يُحملون على أحكامنا وإن أبَوا، إلا في النكاح بغير شهود.
وذهب الإمام زُفَر إلى أن كل نكاح فَسَد بين المسلمين فسد في حقِّ أهل الذمّة، حتى لو أظهروه يُعترض عليهم، ويُحملون على أحكامنا وإن لم يترافعوا إلينا، وكذا إذا أسلموا يفرَّق بينهما(46).
ثانيًا- مذهب الإمام مالك:
قال الإمام مالكٌ: يخضع أهل الذمّة للقضاء الإسلامي، فيُحملون في البيوع والمعاملات والحدود على حكم الإسلام إلا في الزنا، فإنه لا يُحكم به فيما بينهم، فإن ترافعوا إلى القاضي المسلم كان مخيَّراً، إن شاء حكم وإن شاء ترك. فإن حكم بينهم حكم بحكم الإسلام، وإنما حكم النبيُّ -e- بالرجم على اليهودي لأنه لم يكن له ذمة يومئذ.
وقال: الذميُّ إذا سَرَق قُطِع، وكذلك إذا قَتل أو قَطع يدَ ذميٍّ، اقتصَّ منه، وإذا زنى لم يُحَدّ، ويُرَدّ إلى أهل دينه، فإن أعلن ذلك عزَّره الإمام.
وقال: إذا تظالم أهل الذمّة في مواريثهم: لم يُعْرَض لهم، ولا أحكم لهم فيما يحكم دينهم وإن تظالموا. لكن إن رضوا بحكمنا: حكمنا بينهم بحكمنا. وإذا طلَّق الذمي امرأته ثلاثاً فَرَفَعَتْهُ إلى الإمام: لم يَعْرِض لهما حتى يرضيا بحكمنا، فإن رضيا فالقاضي مخيَّر، وإن حكم بينهما حكم بحكم الإسلام(47).
ثالثًا- مذهب الإمام الشافعيِّ:
قال الإمام الشافعيُّ: الذي أحفظ من قول أصحابنا وقياسه أنّهم لا ينظرون فيما بين أهل الكتاب ولا يكشفونهم عن شيء من أحكامهم فيما بينهم، وأنَّهم لا يُلْزِمُون أنفسهم الحكم بينهم إلا أن يتدارؤوا هم والمسلمون، فإنْ فعلوا فلا يجوز أن يَحكم لمسلمٍٍ ولا أن يحكمَ عليه إلاَّ مسلمٌ يحكم بحكم الإسلام.
وكذلك لو ترافعوا إلى حُكّامنا هم ومستأمنٌ لا يرضى حكمَهم، أو أهل ملّة وملّة أخرى لا تَرضى حكمهم، وإن تداعوا إلى حكَّامنا فجاء المتنازعون معاً متراضين: فالحاكم بالخيار، إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم، وأَحبُّ إلينا أن لا يحكم، فإن أراد الحكم بينهم قال لهم قبل أن ينظر فيه: إني إنما أحكم بينكم بحكمي بين المسلمين، ولا أجيز بينكم إلا شهادة العدول المسلمين، وأُحرِّم بينكم ما يَحْرُم في الإسلام من الربا وثمن الخمر والخنزير، وإذا حَكَمْتُ في الجنايات حكمتُ بها على عواقلكم برضا العاقلة(48).
والحجة في ذلك: قوله تعالى: ﮋ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝﮊ [سورة المائدة، الآية42]. فهي على المتنازعين لا على بعضهم دون بعض، مع قوله تعالى: ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬﮊ [سورة المائدة، الآية49].
قال الإمام الشافعي – رحمه الله – : (( فسمعتُ من أرضى علمه يقول: وأن احكم بينهم إن حكمتَ ))(49).
رابعًا- مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: إذا تحاكم إلينا مسلمٌ مع ذمي: وجب الحكم بينهم، لأنَّ علينا حِفظَ الذميِّ من ظلم المسلم، وحِفظَ المسلم منه.
وإن تحاكم بعضهم مع بعض، أو استعدى بعضهم على بعض: خُيِّر الحاكم بين الحكم بينهم والإعراض عنهم، فإن حكم بينهم لم يحكم إلا بالإسلام، وإذا استعدتِ المرأةُ على زوجها في طلاق أو ظهار أو إيلاء: فإن شاء حكم لها وإن شاء تركها، فإنْ حضر زوجُها: حكم عليه بما يُحْكم على المسلم في مثل ذلك(50).
ويُقَرّ أهل الذمّة على الأنكحة الفاسدة بشرطين:
(أحدهما): ألا يتحاكموا إلينا، فإن تحاكموا إلينا لم نقرّهم على ما لا مساغ له في الإسلام.
و(الثاني): أن يعتقدوا إباحةَ ذلك في دينهم، فإن كانوا يعتقدون تحريمه وبطلانه: لم نقرّهم عليه، كما لا نقرُّهم على الربا وقَتْلِ بعضِهم بعضاً وسرقةِ أموال بعضهم. وقد رجم رسولُ الله -e- اليهوديين لما زنيا(51).
المبحث الثالث : مدى خضوع المستأمنين للقضاء في الفقه الإسلامي
تطبَّق القوانين الإسلامية على المستأمَنين فيما يتعلق بالمعاملات المالية باتفاق العلماء، فإنَّ المستأمن يُمنع من التعامل بالربا لأن ذلك محرّم في القوانين الإسلامية، وكلُّ بيوعه ومعاملاته يطبق عليها النظام الإسلامي لأنه يتعامل مع المسلمين- كما تقدم قبل قليل - وحتى لو كان يتعامل مع الذميين والمستأمنين فإنه خاضع للأحكام الإسلامية لا يُحْكم بغيرها، لأن السيادة للدولة الإسلامية مفروضةٌ على كلِّ رعاياها.
وفي خضوع المستأمَن للقضاء الإسلامي وتطبيق الأحكام عليه يفصِّل الفقهاء ويميزون بين ما إذا كان موضوع الدعوى أو الحكم يتعلق بالمعاملات المالية أو الدعاوى الجنائية من جهة، وبين ما كان من ذلك واقعاً في دار الحرب من جهة أخرى، وما إذا كانت تتعلق بواقعة في دار الإسلام.
وهذه الحالات تتلخص في ثلاث نعرضها من خلال أقوال العلماء.
أولاً - مذهب الحنفية:
أَوْفَى فقهاءُ الحنفية على الغاية في الإبانة عن حكم الحالات الثلاث التي أشرنا إليها. وهي:
(الحال الأولى): إن كان موضوع الدعوى من المعاملات المالية والجنايات قد جرَتْ في دار الحرب، ثمَّ ترافع أصحابها إلى القاضي المسلم في دار الإسلام: فإنه لا ينظر فيها ولا يسمع الدعوى ولا يقضي بينهم، لأن القضاء فيها يستدعي الولاية، وليس له ولاية عليهم وهم في دار الحرب.
لذلك قالوا : إذا خرج قوم من أهل الحرب مستأمنين لتجارة – ولرسالةٍ أو سفارة من بابٍ أولى – ودخلوا دار الإسلام، وقد كان لبعضهم على بعض دَيْنٌ في دار الحرب، فلا يعرض لما كان بينهم من هذه المداينات، ولا يؤخذ أحدٌ منهم بذلك الدَّين الذي كان في دار الحرب، لأنهم خرجوا مستأمنين، فلما دخلوا بالأمان لم يصيروا من أهل دار الإسلام، وقد كانت هذه المعاملة بينهم حين لم يكونوا تحت يد الإمام، فلذلك لا يسمع الخصومة في شيء من ذلك إلا أن يلتزموا حكم الإسلام، وذلك يكون بعقد الذمة، وهم ليسوا ذمّيين.
وكذلك لو كانت هذه المعاملات بينهم وبين مسلمٍٍ وهم في دار الحرب؛ فلو أنَّ رجلاً مسلماً كان قد أدانهم في أرض الحرب أو أدانوه، أو غصبهم مالاً أو غصبوه، ثمَّ خرج الحربيُّ إلينا مستأمناً في دار الإسلام، فخاصم بعضُهم بعضاً في ذلك إلى قاضٍٍ من قضاة المسلمين، فلا ينظر في شيء من ذلك ولا يقضي به لأحدهما على الآخر، لانعدام الولاية.
وكذلك ما كان بينهم من قتل وجراحات في أرض الحرب، فإن ذلك كلَّه باطل لا يقضي فيه، لأنهم فعلوا ذلك حيث لا تجري عليهم أحكام الإسلام.
أمّا إن كان بينهم شيء من ذلك وهم حربيون ثمَّ خرجوا إلينا مسلمين فيقضي بينهم بالدَّين، لأن تلك المداينة كانت صحيحة، ولا يقضي بالغصب، لأنه صادف ملكاً مباحاً فصار مِلْكاً له، وإنما يؤمر المسلم برد المغصوب بطريق الفتوى والديانة دون القضاء، فلا يجبر عليه في الحكم، لأن المِلْك الذي ثبت له مِلْك فاسد لما فيه من نقض العهد، فأشبه المشترى بشراء فاسد، وتجب التوبة منه ولا تتحقق التوبة إلا بردِّ المغصوب(52).
ونقل الإمام أبو جعفر الطبريُّ الإجماعَ على هذه المسألة فقال: (( وأجمعوا أنَّ جناياتِ أهل الحرب بعضهم على بعض في دار الحرب، وغَصْبَ بعضهم بعضاً فيها قبل الإسلام موضوعةٌ، وأنْ ليس لحاكم المسلمين أن ينظر في ذلك إذا أسلموا أو دخلوا دار الإسلام بأمان؛ وكذلك حكم جناياتهم على المسلمين في الحروب وفي دار الإسلام وغصوبهم لهم إذا أسلموا أو دخلوا دار الإسلام ))(53).
(الحال الثانية): أن تكون تلك المعاملات المالية في دار الإسلام؛ فإن المستأمن إذا دخل دار الإسلام فإنه يخضع فيها للقضاء ويحكم عليه القاضي المسلم إذا ترافع إليه في ذلك. ولذلك قال الإمام محمد بن الحسن: وإن أدان بعضهم بعضاً في دار الإسلام، أو أدان لهم رجل من المسلمين، أومن أهل الذمة، أو أدانوه، فإنهم يؤخذون بذلك كله فيحكم لهم وعليهم، لأنهم كانوا تحت يد الإمام وولايته حين جرت هذه المعاملات بينهم، وما أمّنَّاهم ليظلم بعضهم بعضاً، بل التزمنا لهم أن نمنع الظلم عنهم، فلهذا تسمع الخصومة التي جرت بينهم في دار الإسلام كما لو جرت بين المسلمين(54).
وقال الطبري أيضاً – وهو قول الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف – : لو أن ناساً من أهل الحرب خرجوا إلينا بأمان فأدان بعضهم بعضاً ثمَّ اختصموا في ذلك إلى قاضٍ من قضاة المسلمين قضى لبعضهم على بعض بذلك وحبس بعضهم لبعض فيما يلزمهم من الدَّين. وكذلك لو اغتصب بعضهم بعضاً واستُهْلك الغصب أو كان قائماً ثمَّ خاصم المغصوب الغاصب في ذلك إلى قاضٍ من قضاة المسلمين قضى عليه بالغصب المستهلك والقائم وحبسه له به(55).
(الحال الثالثة): أن تكون القضايا الجنائية مما وقع في دار الإسلام؛ فإن المستأمن يخضع فيها لأحكام القضاء الإسلامي ويستوفى منه ما كان متعلقاً بحقوق العباد، ويدرأ عنه الحدُّ إذا كان من حقوق الله تعالى(56). ولا يعني هذا أن يفلت من العقوبة، بل إنه يوجع عقوبةً إن درئ عنه الحد أو سقط عنه.
وفي هذا يقول الإمام أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: لو أنَّ ناساً من أهل الحرب خرجوا إلينا بأمان فزنى بعضهم أو سرق: درئ عنه الحدّ وضمن السرقة؛ لأنهم لم يصالحوا ليكونوا ذمة تجري عليهم أحكام الإسلام.
ولو قتل رجلٌ منهم رجلاً من المسلمين: قُتِل به، وإن قذف رجلاً من المسلمين رجلٌ منهم: ضُرِب الحدّ. وإن زنى رجل منهم بامرأة من المسلمين: درئ عنه الحد(57) وأُوْجِع عقوبةً(58). ولو أن بعضهم قطع يد رجل من المسلمين: قطعت يده.
ولو أنَّ مسلماً قتل بعضَهم: درئ عنه القتل وضمن الدية في ماله إن كان القتل عمداً، وإن كان خطأ: كان على عاقلته الديةُ وكانت عليه الكفارة، وهو في هذا ليس بمنزلة أهل الذمة الذين يُقْتَصّ لهم، لأنه محارب لا تجري عليه الأحكام والحدود، فما أصاب الذميُّ والمسلم من هذا المستأمن من قطع يدٍ أو قتل فلا قصاص. وكذلك لو أن مسلماً قطع يد بعضهم أو رجله أو فقأ عينه أو قتل ابنه متعمداً: درئ عنه القتل والقصاص وكان عليه الأَرْش(59) في ماله، وإن فعل ذلك خطأ كان على عاقلته.
ولو أنّ مسلماً اغتصب من بعضهم غصباً أو مالاً أو عَرَضاً فاستهلكه أو كان قائماً: قضى على المسلم بردِّه وأجبر على دفع ذلك إليه. وكذلك لو استدان مسلم من بعضهم ديناً أُجبر على ردّه.
ولو أن مسلماً زنى بامرأة منهم دخلت إلينا بأمان: أُقيم عليه الحدُّ ودرئ عن المرأة.
ولو سرق مسلم من بعضهم سرقة: درئ عنه القطع وضمن السرقة. وكذلك لو أن رجلاً من هؤلاء الحربيين المستأمنين قتل رجلاً من أهل الذمة أو قطع يده متعمداً: اقتصّ منه. ولو أن الذميّ قتل الحربيّ أو قطع يده متعمداً: ضَمِنَ الأَرْش ولم يقتصَّ منه(60) .
ووقع خلاف في هذه المسألة بين أئمة الحنفية الثلاثة في القضايا الجنائية: وحاصل المسألة – كما يقول ابن الهمام – أنه إذا زنى الحربي المستأمن بالمسلمة أو الذمية فعليهما الحدُّ دون الحربيِّ في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف أولاً: لا حدَّ على واحد منهما. ثمَّ رجع فقال : عليهما الحدُّ جميعاً. وقال محمد بقوله الأول، فصار فيها ثلاثة أقوال: قول أبي حنيفة: تحدُّ المَزْنِيُّ بها المسلمة والذمية، وقول محمد: لا يحد واحد منهم، وقول أبي يوسف: يحدُّون كلهم.
وتقييد المسألة بالمسلمة والذمية لأنه لو زنى بحربية مستأمنة لا يُحَدُّ واحد منهما عند أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف يحدَّان – ذكره في (( المختلف )) – وإن زنى المسلم أو الذميُّ بالحربية المستأمنة حُدَّ الرجل في قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يُحدَّان جميعاً.
والأصل: عند أبي حنيفة ومحمد: أنه لا يجب على الحربيّ حدٌّ من الحدود سوى حدّ القذف؛ فلا يجب عليه حدّ زنا ولا سرقة ولا شرب خمر. وعند أبي يوسف: يجب الكلُّ إلا حدّ الشرب. فحدُّ الشرب لا يجب اتفاقاً، لأنه يعتقد حلَّه. وحدُّ القذف يجب عليه اتفاقاً لأن فيه حق العبد.
واختلفوا في حدِّ الزنا والسرقة؛ فعند أبي يوسف يجب الحدُّ عليهما، وعند أبي حنيفة ومحمد لا يجب الحدُّ.
وجه قول أبي يوسف: أن المستأمن التزم أحكامنا مدة مقامه في دارنا في المعاملات والسياسات كما أن الذميّ التزمها مدة عمره، ولهذا يحدّ للقذف، ويقتل قصاصاً، ويمنع من الزنا وشراء العبد المسلم والمصحف، ويجبر على بيعهما، بخلاف حد الشرب لأنه معتقد إباحته ديناً.
ووجه قول أبي حنيفة ومحمد: أنه لما لم يدخل للقرار بل لحاجةٍ يقضيها ويرجع وعلينا أن نمكّنه من الرجوع بشرطه، لم يكن بالاستئمان ملتزماً جميع أحكامنا في المعاملات، بل ما يرجع منها إلى تحصيل مقصده وهو حقوق العباد، غير أنه لابدّ من اعتباره ملتزماً الإنصاف وكفَّ الأذى، إذ قد التزمنا له بأمانه مثل ذلك، والقصاص وحدّ القذف من حقوقهم، فلزماه. أما حدّ الزنا فخالص حقِّ الله سبحانه، وكذا المغلَّب في السرقة حقّه، ولم يلتزمه، وصاحبه – تعالى – مَنَعَنا من استيفائه عند إعطاء أمانه، بخلاف المنع من شراء العبد المسلم والمصحف والإجبار على بيعهما فإنه من حقوق العباد، لأن في استخدامه قهراً وإذلالاً للمسلم وكذلك في استخفافه بالمصحف، والزنا مستثنى من كلِّ عهودهم.
والحجة للإمام محمدٍ – في الفرق بين المسلم أو الذمي إذا زنى بمستأمنة حيث يجب الحد عنده على الفاعل، وبين المسلمة أو الذمية إذا زنت بمستأمن حيث لا يجب الحد عنده عليها – : أن الأصل في الزنا فِعْلُ الرجل، والمرأةُ تَبَعٌ، لكونها محلاً للفعل، فامتناعُ الحدِّ في حقّ الأصل يوجب امتناعه في التَّبَع، بخلاف امتناعه في التبع، لا يوجب امتناعه في حق الأصل …
ولأبي حنيفة: أنَّ فعل المستأمن زنا، لكونه مخاطباً بالحرمات كحرمة الكفر والزنا في حقِّ أحكام الدنيا – على ما هو المختار، بخلاف قول العراقيين – إلا أنه امتنع حدّه، لأن إقامته بالولاية، والولاية مندفعة عنه بإعطاء الأمان إلا فيما التزمه من حقوق العباد، فقد مكّنت من فعلٍ هو زنا لا قصور فيه. وهو الموجِبُ للحدِّ عليها(61).
ثانيًا - مذهب المالكية:
يقتل المستأمَن قصاصًا إذا قَتل المسلمَ، كما هو مذهب العلماء بالاتفاق، ويُقتل أيضًا بقَتْلِ الذميِّ، ولو كانا مختلفين في الدِّين؛ لأنَّ الكفر ملَّة واحدةٌ، كما يُقتل بالمستأمن.
ولو قذف المستأمن مسلمًا في دار الإسلام: فإنه يقام عليه الحد؛ لأن القذف حقُّ العبد ، أو فيه حقٌّ للعبد، ولأنه طمع في أن لا يقام عليه الحدُّ وأن لا يؤذى، فيتساهل في القذف والعدوان على الأعراض، فكان ذلك – ضرورةً - التزامًا منه بأحكام الإسلام أو التزامًا بعدم الإيذاء.
ثم هو بقذفه للمسلمين قد استخفَّ بهم، وما أُعطي الأمان على ذلك؛ فلذلك يقام عليه الحدُّ زَجْرًا وصيانةً لأعراض المسلمين، كما أُقيم عليه حدُّ السرقة صيانةً لأموالهم.
أما حدُّ الزنا: فلا يقام عليه، كما سبق عند الحنفية، وينتقض أمانُه بذلك، فيجب إخراجه من دار الإسلام وإبلاغُه مأمَنَه من غير تعرُّض له بالقتل لكونه ناقضاً لعهده(62).
ثالثًا - مذهب الإمام الشافعي:
قال الإمام الشافعي – رحمه الله – بمثل قول شيخه الإمام محمد بن الحسن في التفريق بين ما كان حقاً لله وما كان حقاً للعبد، فقال: (( إذا خرج أهل دار الحرب إلى بلاد الإسلام بأمانٍ فأصابوا حدوداً، فالحدود عليهم وجهان: فما كان منها لله لا حقَّ فيه للآدميين، فيكون لهم عَفْوُه وإكذابُ شهودٍ شهدوا لهم به، فهو معطَّل لأنه لا حقَّ فيه لمسلم، إنما هو لله. ولكن يقال لهم: لم تؤمَّنوا على هذا، فإن كففتم وإلا رددنا عليكم الأمان وألحقناكم بمأمنكم. فإن فعلوا ألحقوهم بمأمنهم ونقضوا الأمان بينهم وبينهم. وكان ينبغي للإمام إذا أمَّنهم ألاّ يؤمِّنهم حتى يعلمهم أنهم إن أصابوا حداً أقامه عليهم.
وما كان من حدٍّ للآدميين: أقيم عليهم. ألا ترى أنهم لو قتلوا قتلناهم؟ فإذا كنا مجتمعين على أن نقيد منهم حدَّ القتل لأنه للآدميين، كان علينا أن نأخذ منهم كلَّ ما كان دونه من حقوق الآدميين، مثل القصاص في الشجَّة وأَرْشها، ومثل الحد في القذف.
والقول في السرقة قولان: أحدهما أن يقطعوا ويغرموا، مِن قِبَل أنّ الله عزَّ وجلَّ منع مال المسلم بالقطع، وأن المسلمين غرَّموا من استهلك مالاً غير السرقة. وهذا مال مستهلكٌ فغرّمناه قياساً عليه. والقول الثاني: أن يغرم المال ولا يقطع، لأن المال للآدميين والقطع لله )) .
ثمَّ بيَّن سبب التفريق بين النوعين من الحدود فقال رحمه الله: (( فإن قال قائل: فما فرقٌ بين حدود الله وحدود الآدميين؟ قيل: أرأيت الله عزَّ وجلَّ ذكر المحارب وذكر حدَّه ثمَّ قال: ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨﮊ [سورة المائدة ، الآية 34]. ولم يختلف أكثر المسلمين في أن رجلاً لو أصاب لرجلٍ دماً أو مالاً ثمَّ تاب أُقيم عليه ذلك. فقد فرَّقنا بين حدود الله -عزَّ وجلَّ- وحقوق الآدميين بهذا و بغيره))(63).
ولذا قال فقهاء الشافعية: إذا سرق المستأمن مالاً من مستأمن آخر، فلا يقام عليه الحدُّ، لأن كُلاًّ منهما لم يلتزم أحكام الإسلام، وأما إن سرق من مسلم أو ذميِّ: فإنه لا يقام عليه الحدُّ أيضًا؛ لأن في ماله شبهة الإباحة.
وكما أن أبا حنيفة لا يرى إقامةَ الحدِّ إذا كان فيه قتل للرسول (السفير أو المبعوث السياسي)، فإن الشافعية أيضاً قالوا: (( لا يجوز قتل رسول الكفار ))(64).
رابعًا - مذهب الحنابلة:
تقدم آنفًا أن المستأمن إذا قتل مسلمًا أو ذميًا فإنه يُقْتَصُّ منه بإجماع العلماء، ويُقتل المستأمَن بقتلِ مستأمنٍ مثله عند الحنابلة.
وأما في الزنا: فإن كان بمسلمة أو ذمية؛ فلا يقام عليه الحد، لأنه نقض العهد بذلك، فوجب قتله ولا يجب مع القتل حدٌّ سواه.
وفي القذف: فإنه يقام عليه الحدُّ، كما تقدم في المذاهب السابقة.
وأما في السرقة: فإنه كذلك لا يُقام عليه الحدُّ، لأنه غير ملتزمٍ بأحكام الإسلام في حقوق الله تعالى(65).
الخلاصة: والذي ننتهي إليه في خضوع المستأمن للقضاء الإسلامي والحكم عليه أن هناك مذاهبَ يمكن إجمالها في ثلاثة:
أحدها: أن تقام عليه الحدود كلُّها إذا رُفِعت إلى القاضي المسلم إلا حدّ الشرب. وهذا مذهب الأوزاعي وأبي يوسف في رأيه الثاني الذي ذكره في كتابه (( الخراج )).
والثاني: لا تقام الحدود عليهم إلا حدّ القذف، وإن كانوا يضمنون السرقة ويعاقبون بما دون الحدّ، وهو مذهب أبي حنيفة، وقال به أبو يوسف أولاً، كما في كتابه (( الردّ على سِيَرِ الأَوْزَاعِيِّ )).
والثالث: مذهب الإمام محمد بن الحسن والشافعي في التفريق بين ما كان حقاً لله من الحدود فلا يقام عليهم، وبين ما كان حقاً للعبد فيقام عليهم. وقريب منه مذهب الحنابلة.
وهناك تفصيلات في كل مذهب من هذه المذاهب تطلب في مظانِّها التي أشرنا إليها في ثنايا البحث.
القانون الواجب التطبيق على غير المسلمين:
تقدَّم أن غير المسلمين يخضعون للقضاء في الدولة الإسلامية، ويجب على القاضي المسلم أن يحكم بينهم – بشكل عام- إذا ترافعوا إليه، أو ترافع أحدهما.
وهنا لا بد من بيان القانون الذي يطبق عليهم. فهل يحكم القاضي عليهم بحكم الإسلام، أم يحكم بما هو في شريعتهم؟ وهل يجوز أن يتولى غير المسلمين القضاء في أمورهم الشخصية في الدولة الإسلامية؟.
ومما تقدم آنفًا في عرض مذاهب الفقهاء وأقوالهم، نخلص إلى اتفاقهم على أن القاضي المسلم لا يجوز أن يحكم بغير شريعة الإسلام، سواء كان الحكم بين المسلمين، أو بين المسلمين وغير المسلمين، أو كان بين غير المسلمين من أهل الذمة أو المستأمنين الذين يسمَّون في الأنظمة المعاصرة بالأجانب. أي سواء كان أطراف القضية من المسلمين، أو كان أحد طرفيها مسلمًا والطرف الآخر غير مسلم، أو كان الطرفان غير مسلمين. و ذلك لأن غير المسلمين لما ترافع أحدهم إلى القاضي المسلم فقد رضي بحكم الإسلام، فيلزم إجراء حكم الإسلام في حقه. وأما بالنسبة للقاضي المسلم فإنه لا يجوز أن يحكم بغير أحكام الإسلام، لأنه مخاطب بذلك ابتداء، كما في قوله تعالى: ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟﮊ [سورة المائدة، الآية48]. والنصوص في ذلك من الكتاب والسنة كثيرة متضافرة(66).
هذا، وقد ذهب الحنفية إلى جواز أن يقلَّد غير المسلمين القضاء بينهم في قضاياهم؛ لأن لهم ولاية على بعضهم، وإذا جازت شهادة بعضهم على بعض فإنه يجوز قضاؤهم على بعض، وقد جرى العرف في الدولة الإسلامية على ذلك. أما جمهور الفقهاء فقد منعوا من تولية غير المسلم للقضاء، حتى ولو كان بين غير المسلمين، لأنهم يشترطون في القاضي أن يكون مسلمًا على الإطلاق، ولأن القانون الواجب التطبيق في دار الإسلام هو أحكام الشريعة الإسلامية، ولا يقوم بتطبيقها وتنفيذها إلا المسلم.
ويمكن الجمع بين الرأيين بأن الأصل عدم تقليد غير المسلم القضاء باعتباره ولايةً عامة، ولكن لو كان ذلك نوعًا من التحكيم أو الرياسة والزعامة بين أهل دينه، في ظل الولاية الإسلامية العامة والخضوع لها: فإنه يجوز، على ما أشار إليه الماورديُّ في حكايته لقول الإمام أبي حنيفة(67) والله أعلم.
المبحث الرابع : مدى خضوع غير المسلمين للقضاء الإسلامي في العصر الحاضر
تلكم هي أقوال الفقهاء ومذاهبهم، أما ما عليه العمل في العصر الحاضر من حيث مدى خضوع غير المسلمين للقضاء الإسلامي، ومن حيث القانون الواجب التطبيق عليهم؛ فيمكن أن نعود فيه إلى أواخر عهد الدولة العثمانية، ثم نضرب بعض الأمثلة على ذلك من قوانين أو أنظمة بعض البلاد الأخرى من الدول العربية.
أ ـ أما في الدولة العثمانية: فقد كان رعاياها مؤلفين من أقوام مختلفين في العنصر والدين والمذهب، كما هي الحال في الدولة الإسلامية منذ عصورها الأولى، فنشأت في الدولة الإسلامية مسألة الأقليات غير المسلمة ومسألة الأجانب. والأجانب بالتعبير المعاصر يعني من لا يحمل جنسية الدولة أو رعويتها، وهو يقابل المستأمن في الفقه الإسلامي.
فالأقليَّات غير المسلمة كانت تتمتع في مسائل الأحوال الشخصية بامتيازات قضائية، وَفْقًا للمبدأ الإسلامي في التسامح مع أهل الذمة وعدم الإكراه في الدين. وتأيدت هذه الامتيازات بعهود ومعاهدات لاحقة عديدة. وكذلك كان الأجانب يتمتعون بامتيازات خاصة منذ القديم، وكانت تتجدد في بدء كل خلافة بمعاهدات متتابعة متشابهة.
وكانت هذه المعاهدات – بوجه عام – تحوي الإعفاء من الضرائب، والحصانة من سلطة المحاكم العثمانية، ومن التشريع المحلي في مسائل الأحوال الشخصية، وفي سائر القضايا التجارية والمختلطة.
وكانت بعض هذه المعاهدات تعطي بعض الدول الأجنبية الحقَّ بحماية رعايا دول أخرى.
وهكذا تحولت الامتيازات التي كانت تستند إلى أسباب تجارية، فأصبحت وسيلةً للتدخُّل الأجنبيِّ في أمور الدولة بزعم حماية الأقليات غير المسلمة. وهكذا تشابكت قضية الأجانب بقضية هذه الأقليات، بسبب وحدة الدين بين الفئتين، وازداد هذا التدخل في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر.
واعتباراً من سنة 1914م ألغت الدولةُ العثمانية الامتيازاتِ الأجنبيةَ، واعترفت الدول الأجنبيةُ بذلك في معاهدة لوزان المؤرَّخة في 24 تموز1923م، وفي السنة التالية أُلغيت الخلافة ومنصب شيخ الإسلام (المفتي العام) والمحاكم الشرعية، واستبدلت بالأحكام الشرعية الإسلامية قوانينُ مترجمةٌ عن القوانين الأوربية بلا تعديل يذكر(68).
ب ـ وأما في مصر: فقد كان القضاءُ الشرعيُّ قديمًا القضاءَ العادي الوحيد في مصر، ولكن إبان العهد العثماني تألفت المحاكم النظامية، وضيق اختصاص المحاكم الشرعية تدريجيًا. وعلى أثر تأسيس المحاكم المختلطة والقنصلية، نظمت المحاكم الأهلية بلائحة أولى في سنة 1883، وأعيد تنظيمها بلائحة ثانية، وكانت المحاكم القنصلية تختص بالفصل في قضايا الأحوال الشخصية بين الأجانب التابعين لدول ذات امتياز ولو كانوا مسلمين، فالعبرة في الاختصاص بجنسية المدعى عليه. ولما أُلغيت المحاكم المختلطة سنة 1949، أصبحت المحاكم الأهلية المحاكمَ العادية الوحيدة في مصر. وبصدور القوانين الجديدة وتنظيم المحاكم الأهلية والمختلطة، انحصر اختصاص المحاكم الشرعية وأحكام الشريعة بقضايا الأحوال الشخصية للمسلمين فقط، فأصبحت في صفٍّ واحد هي ومحاكم الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية والإسرائيلية المصرية، وإن يكن اختصاصُها - فيما بقي لها - أوسعَ قليلاً من اختصاص المحاكم المذكورة.
وأما غير المسلمين من المصريين، فكلُّ طائفة منهم تخضع في مسائل الأحوال الشخصية إلى قانونها الخاص وإلى مجلس مِلَّتها(69).
وقد جاء في حكم محكمة الجَماليَّة الشرعية بالقاهرة أنَّ المحاكم الشرعية هي المختصة بالنظر في قضايا نفقة الأقارب بين المسيحيين؛ لأنها الجهة القضائية العامة.
كما قضت أيضًا بأن اختصاص البطريكخانة قاصرٌ على النظر في مواد عقد النكاح وفَسْخِه وما يترتب على ذلك مباشرةً، كالمهر و الجهاز.
وكلُّ ما لا يدخل في هذه الأنواع تنظره المحاكم الشرعية، لأنها الجهة القضائية العامة(70).
وفي حكم آخر قضت محكمة كرموز الشرعيَّة أن المحاكم الشرعية هي وحدها المختصة بجميع ما يتعلق بالأحوال الشخصية بين المسلمين وغيرهم من الطوائف غير الإسلامية المقيمين بمصر متى كانوا لا يتمتعون بالامتيازات الأجنبية، وكانوا من غير الطوائف التي صدرت قوانين باعتماد نظام مجالسها المليَّة، أو الطوائف التي لم تصدر قوانين باعتماد نظام مجالسها، ولكن وزارة الداخلية تنفذ أحكام مجالسها بالطرق الإدارية.
وقضت بأنه إذا اتحد الخصمان مذهبًا ولم يكن لهما مجلس ملّي مختص: كانت المحاكم الشرعية مختصة بنظر قضايا أحوالهما الشخصية(71).
أما قضايا الأحوال الشخصية المتعلقة بالأجانب (غير المصريين)، فإنها أصبحت بعد إلغاء المحاكم المختلطة من اختصاص المحاكم الأهلية المدنية(72).
ويتلخص مركز الأجانب (وهم المستأمنون بالتعبير الفقهي الإسلامي) في مصر – قبل التقنينات الحالية – في أنه كان في بداية الأمر يسري عليهم ما يسري على غير المسلمين عامَّة، أي إن الأجنبي المستأمن يعامل معاملة أهل الذمة المصريين باعتباره غير مسلم، ثم في فترة لاحقةٍ، وفي ظل الامتيازات الأجنبية: خضع للمحاكم القنصلية، ثم للمحاكم المختلطة كمرحلة أولى في سبيل إخضاع الأجنبي لولاية القانون الوطني المصري، ثم في مرحلة أخيرة وبإلغاء الامتيازات الأجنبية: أصبح في ولاية القضاء المصريِّ.
فالمستأمن، بعد أن دخلت التشريعات الوضعية وحلَّت محل أحكام الفقه الإسلامي، أصبح يعامل في مصر بصفته هذه – أجنبياً - وهو بهذه الصفة بالنسبة لمدى خضوعه لولاية القضاء المصري يتحدد مركزه بناء على قواعد القانون الدولي الخاص، وبالتحديد طبقًا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي التي تحدِّد اختصاص المحاكم المصرية إزاء غيرها من محاكم الدول الأخرى بالنسبة للمنازعات التي تتضمن عنصرًا أجنبيًا، وبالتالي يخضع لولاية القضاء المصري إذا توفر في حقه أحد الضوابط المنصوص عليها في هذه القواعد، والتي بموجبها يخضع لولاية القضاء المصري. هذا عن مدى جواز خضوع الأجانب لولاية القضاء المصري في الماضي والحاضر. والمعمول به حاليًا هو أن القانون المصري – كغيره من القوانين - يميز في هذا الصدد بين المصريين والأجانب، لا بين المسلمين وغير المسلمين(73).
أما القانون الواجب التطبيق في قضاياهم في الوقت الحاضر؛ فيتمُّ تحديده وفقًا لقواعد القانون الدولي الخاص، سواء من خلال قواعد الإسناد التي تعتبر الوسيلة الفنية التقليدية في حلِّ تنازع القوانين؛ إذ تشير إلى القانون الواجب التطبيق على العلاقة ذات الطابع الدولي، أو من خلال إحدى القواعد الموضوعية، إذا كانت العلاقة محل النزاع مما يخضع لهذه القواعد. أي: إن القانون الواجب التطبيق في قضايا الأجانب يتحدد وفقًا لقواعد القانون الدولي الخاص(74).
ج ـ وأما في المملكة العربية السعودية: فإنَّ مذهب الإمام أحمد بن حنبل هو المذهب السائد فيها والمعمول به في المحاكم الشرعية.
ولما صدرت أخيرًا الأنظمة العدلية، ومنها: نظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية نصَّت المادة الخامسة والعشرون من نظام المرافعات على أنه (( تختص محاكم المملكة بنظر الدعاوى التي ترفع على غير السعودي الذي له محل إقامة عام أو مختار، فيما عدا الدعاوى العينية المتعلقة بعقار خارج المملكة )) . وهذا بعمومه وإطلاقه يدخل فيه غير المسلم.
وكذلك نصَّت المادة السادسة والعشرون على أنه (( تختص محاكم المملكة بنظر الدعاوى التي تُرفع على غير السعوديِّ الذي ليس له محل إقامة عام أو مختار، في المملكة في الأحوال الآتية:
أ – إذا كانت الدعوى متعلقة بمال موجود في المملكة أو بالتزام تعتبر المملكة محل نشوئه أو تنفيذه.
ب ـ إذا كانت الدعوى متعلقة بإفلاس أُشْهِر في المملكة ))(75).
هذا من حيث مدى خضوع غير المسلمين للقضاء في المملكة.
وأما من حيث القانون الواجب التطبيق؛ فقد جاء النص في المادة الأولى من نظام المرافعات الشرعية، والمادة الأولى أيضًا من نظام الإجراءات الجزائية على أنه (( تطبِّق المحاكمُ على القضايا المعروضة أمامها أحكامَ الشريعة الإسلامية، وفقًا لما دلَّ عليه الكتاب والسنة، وما يصدره وليُّ الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة ))(76).
هذا، والمعمول به في محاكم المملكة أنَّ حكم الإسلام لازمٌ لغير المسلمين في معظم القضايا، من غير تفريق بين أحوال شخصية وغيرها(77).
د ـ وفي دولة الإمارات العربية المتحدة: جاء اختصاص المحاكم من الناحية الدولية منسجمًا ومتفقًا مع سيادة الدولة على أرضها.
وولايةُ القضاء تتبع الإقليم في الأصل، وبالتالي فإن كل مقيم على أرض الدولة مشمول باختصاصها إلا ما استثني لسبب أو نصٍّ أو اتفاق، سواءٌ كان المقيم مواطنًا أو أجنبيًا يطأ أرض الدولة(78).
وقد تأيد هذا بحكم المحكمة الاتحادية العليا التي قررت هذا الأصل العام في سريان أحكام الشريعة الإسلامية على كل المقيمين في دارها؛ فقد جاء في (الاستئناف 748 لسنة 1991 جزائي أبو ظبي، جلسة 15/12/1991) ما يلي: (( المقرر في الفقه الإسلامي، أن الأصل في الشريعة الإسلامية هو سريانها على كل المقيمين في دار الإسلام، دون اعتداد باختلاف دياناتهم أو أجناسهم أو لغاتهم، وأن على المقيمين في هذه الدار، أن يلتزموا أحكام تلك الشريعة، باعتبار أنهم جميعًا مسلمون وذميون، معصومو الدم و المال، لأن عصمة المسلم تكون بالإسلام والإيمان، وعصمة غير المسلم تكون بالأمان المقرر بعقد الذمة، وبالموادعة وبالهدنة، وما أشبه ذلك؛ فمن آمن برسالة محمدٍ -e- ، فقد عصم دمه وماله، ومن دخل في أمان المسلمين بعقد من عقود الأمان، فقد عصم بالأمان دمه وماله، ولو بقي على غير دين الإسلام، يستوي في ذلك: أن يكون أمانه دائمًا كالذمّيّ، أو مؤقتًا، أي محدودًا بأجل معيّن كالمهادنة، والإذنِ بدخول دار الإسلام لأجلٍ محدّد. تلك حقوق سكان دار الإسلام، وبديهي أن يكون عليهم في مقابلها: التزام بأحكام الإسلام. وبالبناء على ذلك، فكل من يقيم في الديار الإسلامية، تقام عليه الحدود الإسلامية، حتى ولو كان من غير المسلمين، لأنه أقام بينهم على أن له ما لهم، وعليه ما عليهم، فيجب أن يعاقَب بما يعاقَب به المسلمون، فذلك مقتضى قانون التساوي في المعاملة، من غير تمييز، ومؤدى إعمال النصوص العقابية العامة بغير تخصيص ))(79).
وقررت المحكمة أيضًا بالحكم نفسه أنّ: (( مبدأ المساواة، يعدُّ من الضمانات الأساسية للعقوبات، ومؤدَّى هذا المبدأ: أن نصوص القانون التي تحدِّد العقوبات، تسري على جميع الأفراد، دون تفرقة بينهم؛ فإذا قرر القانون عقوبة من أجل جريمةٍ ما، فإن هذه العقوبة توقع على كل مرتكب لهذه الجريمة. والمساواة التي يوجبها القانون تتحقق بتوافر شَرْطَي العموم و التجريد في التشريعات العقابية، و بعدم التمييز بين المخاطبين بأحكامها، طالما تماثلت مراكزهم القانونية، و الشريعة الإسلامية كفلت المساواة بين المقيمين في دار الإسلام، واستثناء طائفة معينة من الخضوع لأحكامها – مع تحقق مناط تطبيقها – فيه إهدار لمبدأ المساواة بين المسلمين وغيرهم))(80).
واستثنى قانونُ الإجراءات المدنية في دولة الإمارات الدعاوى العينيةَ المتعلِّقةَ بعقارٍ خارج الدولة.
وكذلك يخرج عن اختصاص القضاء في الدولة أيضًا: أمورٌ لا يجوز النظر فيها لاعتبارات خاصة، ومنها:
أ – أعمال السيادة، وهي الأعمال التي تصدر عن السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة حكم، وذلك كالعلاقة بين الدولة والدول الأخرى في حالتي السلم والحرب، والتوقيع على المعاهدات، والتصديق عليها، وتفسيرها.
ب ـ المتمتعون بالحصانة القضائية، وهم رؤساء الدول، والبعثات الدبلوماسية والعاملون في المنظمات الدولية، فلا ترفع عليهم دعوى جنائية، وكذلك في المسائل الإدارية والمدنية إلا ما استثني في العقار غير المخصص للبعثة الرسمية ودعاوى الميراث، والدعاوى المتعلقة بنشاط مهني أو تجاري يقوم به الممثل الدبلوماسي في الدولة الموفد إليها خارج نطاق عمله الرسمي.
وفي الدعاوى الجزائية لا يثار موضوع الاختصاص الدولي للمحاكم الجزائية؛ لأن اختصاصها يتعين بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة، مهما كانت جنسية المتهم، على ما نصت عليه المادة (142) من قانون الإجراءات الجزائية(81).
مقارنة :
ولعله من المفيد هنا الإشارة سريعًا إلى ما عليه العمل في بعض القوانين الغربية في مجال تطبيق القوانين على الأجانب، لبيان ما فيها من المفارقات والموافقات، وأجتزئ بما نقله الشيخ سيد عبد الله حسين – رحمه الله- في كتابه النفيس الفريد (( المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية المدنية والتشريع الإسلامي )) ، وهو مقارنة بين القانون الفرنسي والفقه المالكي خاصة، قال فيه:
(( القانون الفرنسي: القوانين الخاصة بالبوليس والأمن العام تطبق على جميع المقيمين على الأرض الفرنسية بلا فارق بين أجنبي أو فرنسي.
والقوانين المتعلقة بالنظام العام من الأحوال الشخصية، كزواج غير واحدة، تطبق على الجميع أيضًا.
والقوانين المتعلقة بالأهلية أو الأحوال الشخصية: تطبق على الفرنسيين فقط دون الأجانب، والقوانين الخاصة بالأملاك الشخصية العقارية تسري عليها القوانين الفرنسية، والمنقول يطبق عليه القوانين الفرنسية أيضًا خصوصًا القاعدة (وضع اليد دليل الملكية) إلا إذا كان المنقول ضمن ميراث، فيطبق عليه قانون التركة، وهو محل وجودها.
والقوانين المتعلقة بأهلية الشخص: ينفذ القانون الفرنسيُّ على الفرنسيِّ فقط، ولو كان خارجًا عن أرض فرنسا، فيكون عمله قانونيًا في فرنسا.
ويرى علماء القانون تطبيقَ قانونِ الأجنبيِّ في أحواله الشخصية بشرط عدم مخالفته للقانون الفرنسي فيما يعتبر من النظام العام، كزواج المسلم بغير واحدة على أرض فرنسا، فهو ممنوع.
والقوانين الخاصة بالشروط المطلوبة في الإشهادات القضائية يعمل بما هو مطلوب قانونًا بقانون محل سماع الإشهاد.
والقوانين الخاصة بتنفيذ العقود وبالاتفاق تسري أولاً شروط المتعاقدين فيما اتفقا عليه، وإلا فيسري قانون محل التعاقد))(82).
الخاتمة :
والذي ننتهي إليه بعد هذا العرض: أنَّ جملةً من النتائج يمكن تسجيلُها باختصار:
 القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية، وفي واقع الأمة الإسلامية في عصورها السابقة هي وحدة هذه الأمة التي تنشأ عن وحدة العقيدة والدين، ووحدة التشريعات والقانون؛ لأن الإسلام دين التوحيد ودين الوحدة، وهذا ما تنطق به النصوص الشرعية المتواترة، وكان الواقع العمليُّ شاهدًا على ذلك.
 في العصور الأخيرة، ولأسباب داخلية وخارجية متضافرة، بدأ انحسار تطبيق الشريعة الإسلامية بمفهومها الشامل، فوقع التباين بين أحكام الشريعة وبين تشريعات بعض البلاد الإسلامية وأنظمتها؛ مما يوجب على كل من بيده شيء من الأمر، وفي كلِّ موقع من مواقع العمل والمسؤولية، أن يعمل على إزالة هذا التناقض، لتعود الأمة إلى سيرتها الأولى، وبذلك تأخذ النصوص الدستورية في تلك البلاد طريقها للعمل وتتفق معها سائر التشريعات والأنظمة، وبذلك – أيضًا – يتحقق شعار (( الإسلام هو الحل )).
 القضاء ولاية عامة في الدولة الإسلامية، ولا يجوز تقليده لغير المسلم فيها. وهذا الجانب أيضاً نجد فيه تباينًا بين الحكم الشرعي والواقع العملي في كثير من البلاد، حيث يتولى فيها غير المسلمين القضاء بين المسلمين أنفسهم.
 مركز الأجانب، وهم المستأمنون بالمصطلح الفقهي، وتحديده في الإسلام – كما تقدم – يشير إلى المستوى الرفيع من العدل الذي قامت به السماوات والأرض ومن أجله أنزل الله تعالى الشرائع وبعث الرسل والأنبياء، والتوازن بين الحقوق والواجبات في الدولة الإسلامية، وبين سلطة الدولة وحقوق من يقطنون فيها ويقيمون على أرضها.
 قيام الدولة العصرية على أسس غير دينية، أو استبعاد الدين من أن يكون له أثر في النظم والتشريعات عامة ماعدا بعض الجوانب كالأحوال الشخصية، كان له أثره في القضاء وفي الولاية عليه وفي القوانين والتشريعات.
 ولأن الإسلام قد انحسر عقيدة وشريعة وسلوكًا في كثير من البقاع، أصبح الواقع يضغط علينا بثقله فيجعلنا نتلمّس الأعذار والمبررات لتصحيح بعض الأوضاع المخالفة للشريعة، أو الاستجابة للقوى الضاغطة المتنوعة، وهذا له خطورته على الأوضاع والأحكام الشرعية.
 أن لا يغيب عن الأذهان والاهتمام: ما ينبغي من الدعوة لتطبيق الإسلام في كل مجال وعلى كل صعيد لتجد الأحكام الشرعية مجالاً للعمل والالتزام، تحقيقًا لمقتضى الإيمان والإسلام.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، والحمد لله رب العالمين.
هوامش البحث :
(1) يقصد بالمركز القانوني للأجنبي: مجموعة القواعد القانونية التي تضع في دولة معينة نظاماً خاصًا بالأجنبي يختلف عن الوطني من حيث التمتع بالحقوق العامة أو الخاصة. أو هو بيان الحقوق التي يتمتع بها الأجنبي بموجب تشريع الدولة التي يوجد بها. انظر: د. رمزي محمد علي دراز، فكرة تنازع القوانين، ص 9.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطلاق ، باب نكاح من أسلم من المشركات: 9/417 .
(3) انظر: زاد المعاد في خير هدي العباد، لابن قيم الجوزية: 3/160 تحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط.
(4) انظر: شرح السِّير الكبير، للسرخسي: 4/1458-1466، بدائع الصنائع، للكاساني: 9/4376-4382، فتح القدير، لابن الهمام: 4/154-155، تأسيس النظر، لأبي زيد الدَّبُوْسِيّ، ص79-80. وراجع رأي الشافعية في عدم اختلاف الأحكام باختلاف الدارين في: تخريج الفروع على الأصول، للزنجاني، تحقيق العلامة الدكتور محمد أديب صالح، ص 277 - 278.
(5) الشيخ أحمد إبراهيم، اختلاف الدين ، مجلة القانون والاقتصاد، القاهرة، السنة الأولى، عدد شعبان 1349 هـ، ص 11.
(6) انظر: السِّير الكبير مع شرح السَّرْخَسِيّ: 5/1699 وما بعدها .
(7) يقال: هاجه وأهاجه وهايجه، أي أثاره وقاتَلَه. انظر: المعجم الوسيط : 2/1002.
(8) أحكام أهل الذمّة، لابن القيم: 2/475 – 476 .
(9) انظر: زاد المعاد، لابن القيم: 3/160 .
(10) أخرجه البخاري في كتاب الطلاق ، باب نكاح من أسلم من المشركات: 9/417 .
(11) انظر: بدائع الصنائع :9/4375 ، المصباح المنير، للفيومي: 1/127، الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، لابن عبد الهادي: 3/744 ، الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم: 7/397.
(12) التزام أحكام الإسلام هو قبول ما يحكم به عليهم من أداء الحقوق وترك المحرمات وضمان المتلفات ونحو ذلك. انظر: بدائع الصنائع، للكاساني: 9/4330 ، كشاف القناع، للبهوتي: 3/108 ، مطالب أولي النهى، للرحيباني: 2/591 .
(13) أقضية رسول الله -e- ، لابن الطلاَّع المالكي:1/85.
(14) اقتباس من افتتاحية ناصرِ السنَّة الإمام محمد بن إدريس الشافعيِّ، رحمه الله، لكتابيه: الرسالة واختلاف الحديث.
(15) شرح السنة، للإمام البغوي: 1/202.
(16) انظر: السيرة النبوية، لابن هشام:1/501 وما بعدها، زاد المعاد، لابن قيم الجوزية: 3/65-66، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، د. محمد حميد الله، ص57 .
(17) المراجع السابقة نفسها.
(18) روي هذا الصلح بألفاظ وروايات متقاربة . انظر : سنن أبي داود : 4/250 - 251 مختصر المنذري ، سيرة ابن هشام : 2/594 - 595 ، فتوح البلدان : 1/77 - 78 ، طبقات ابن سعد : 1/358 ، الأموال، لأبي عبيد ، ص 218-220 ، ولابن زنجويه : 2/499 ، الخراج، لأبي يوسف ، ص 77 - 78 ، تاريخ الطبري : 3/128 - 129 ، زاد المعاد، لابن القيم : 3/636 ، إمتاع الأسماع، للمقريزي : 1/502 ، مجموعة الوثائق السياسية، د. محمد حميد الله، ص 175 - 179. وأشار المنذري إلى أن الحديث مرسل . وقال ابن كثير عنه: فيه غرابة. انظر: البداية والنهاية : 5/77 و 99. وقوله: من ذي قَبَل - بفتحتين - أي في وقت مستقبل بعد الصلح . انظر : فقه الملوك ومفتاح الرتاج شرح كتاب الخراج، للرحبي : 1/481 .
(19) أخرجه البخاري في الحدود: 12/136 ، وفي المناقب وفي مواضع أخرى ، وأخرجه مسلم في الحدود، باب رجم اليهود وأهل الذمة في الزنا، برقم (1699): 3/13426.
(20) صحيح البخاري، كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي:12/198 ، وصحيح مسلم ، كتاب القسامة، باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره:3/1299.
(21) البخاري، صحيح البخاري ، كتاب الجزية ، باب إذا غدر المشركون بالمسلمين برقم (3169) وفي المغازي، برقم (4249) ومسلم ، صحيح مسلم، كتاب السلام، باب السم:4/175.
(22) سنن أبي داود، كتاب الديات، باب فيمن سقى رجلاً سُمًّا أو أطعمه فمات أيقاد منه؟: 12/608-609 برقم (4511) (مع بذل المجهود).
(23) انظر: أقضية النبي -e- لابن الطلاع:1/205-206.
(24) البخاري ، صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب إذا نزل العدو على حكم رجل برقم (3804) وفي المغازي، باب مرجع النبي -e- من الأحزاب برقم (4121) ومسلم ، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتل من نقض العهد:3/1388.
(25) أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب الرسل:4/65، وصححه الحاكم:3/52. وانظر: ابن حجر، تلخيص الحبير:3/104.
(26) انظر: تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء ، د. صبحي محمصاني، ص13-16.
(27) انظر: فتوح البلدان، للبلاذري، ص 175 .
(28) رَضَخَ له رَضْخَاً - من باب نفع - ورَضِيْخَاً : أعطاه شيئاً ليس بالكثير . والمال رضخ .
(29) أخرجه أبو يوسف ، ص 136 ، وأبو عُبَيْد ، ص 56-57 ، وابن زنجويه : 1/162-163 . والأثر فيه ضعف من حيث الرواية . انظر : نصب الراية : 3/453 والتعليق على الأموال، لابن زنجويه في الموضع السابق ، وقال السَّرْخَسِيّ في المبسوط : 3/19 : (( حديث شاذ )) .
(30) أي صيَّروه من العيال ينفقون عليه . انظر : لسان العرب : 11/488 .
(31) انظر : الخراج ص 155-156 ، مجموعة الوثائق السياسية، د. محمد حميد الله ص 381 .
(32) انظر : الأموال، لأبي عبيد ، ص 56 - 57 ، ولابن زنجويه : 1/163 .
(33) انظر: الأم، للإمام الشافعي: 6/126، تراث الخلفاء الراشدين، د. صبحي محمصاني، ص173.
(34) انظر:المراجع السابقة.
(35) انظر: المبسوط، للسرخسي: 9/57. وفي مصنف عبدالرزاق: 6/115و10/364: أن يهودياً أو نصرانيا نخس دابة بامرأة مسلمة فسقطت، فضرب عمر رقبته وقال: ما على هذا صالحناكم.
(36) انظر: الأموال، لأبي عبيد رقم 527، المدونة الكبرى، للإمام مالك:9/98، تراث الخلفاء الراشدين، د. محمصاني، ص 383-385 .
(37) انظر: أدب القاضي، لابن القاص الطبري: 1/141 ، مراتب الإجماع، لابن حزم، ص 50، تبصرة الحكام، لابن فرحون:1/96، فتح القدير، للكمال ابن الهمام:2/413، المجموع شرح المهذب : 18/199، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي : 2/909، فكرة تنازع القوانين ، د. رمزي محمد دراز، ص 272.
(38) أحكام القرآن، للجصَّاص: 2/436.
(39) تقدم تخريجه في المبحث الأول.
(40) انظر: المبسوط : 5/38 وما بعدها، بدائع الصنائع : 3/1503، أدب القاضي، للخصاف، ص 596 - 601 مع شرح الجصَّاص، الفتاوى الخيرية لنفع البرية، للرملي: 1/93، البحر الرائق، لابن نجيم: 6/188 ، فتح القدير : 2/483 - 485 و 7/399.
(41) انظر: الأصل، للإمام محمد: 5/221 وما بعدها ، أحكام القرآن، للجصَّاص: 2/436 ، شرح معاني الآثار، للطحاوي: 4/141 - 144، شرح السِّير الكبير: 1/306.
(42) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الحدود: 12/136، ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الحدود أيضاً: 3/1326.
(43) انظر: الأصل، للإمام محمد : 5/221 وما بعدها ، أحكام القرآن، للجصَّاص: 2/436 ، شرح معاني الآثار، للطحاوي: 4/141 ـ 144، شرح السِّير الكبير : 1/306، المبسوط : 5/38 وما بعدها، بدائع الصنائع : 3/1503، أدب القاضي، للخصاف، ص 596 - 601 مع شرح الجصَّاص، مختصر اختلاف العلماء: 3/390 وما بعدها، الفتاوى الخيرية لنفع البرية للرملي: 1/93، البحر الرائق، لابن نجيم: 6/188 ، فتح القدير : 2/483 - 485 و 7/399، إرشاد الأمة إلى أحكام الحكم بين أهل الذمّة، للشيخ محمد بخيت المطيعي، ص 18 وما بعدها. وقارن بـ معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، للطرابلسي، ص 36 .
(44) انظر المراجع السابقة.
(45) قطعة من حديث (( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ... )) أخرجه البخاري في التيمم: 1/436 وفي مواضع أخرى، ومسلم في المساجد: 1/370.
(46) انظر بالتفصيل مع الأدلة: الجامع الصغير، للإمام محمد ، ص 150-151 مع شرحه ، الأصل، كتاب السِّير، ص 188-190 ، المبسوط : 5/38-43، بدائع الصنائع : 3/1500 وما بعدها، فتح القدير: 2/483 - 485 ومعه العناية على الهداية نفسه ، تبيين الحقائق : 2/171-173، البحر الرائق : 3/222 وما بعدها ، حاشية ابن عابدين : 3/184 وما بعدها، أدب القاضي، للخصاف، ص 597-600 مع شرحه للجصَّاص، مختصر اختلاف العلماء : 3/390-393، أحكام القرآن : 2/434-438، إرشاد الأمة إلى أحكام الحكم بين أهل الذمّة، ص 6 وما بعدها.
(47) مختصر اختلاف العلماء، للجصَّاص: 3/391 . وانظر أيضاً: البيان والتحصيل : 4/181-186 و9/293 ، المقدمات الممهدات : 2/156 وما بعدها، تبصرة الحكام، لابن فرحون: 1/96 ، القوانين الفقهية، لابن جزيء ، ص 307 ، الكافي : 1/418 ، التمهيد، كلاهما لابن عبد البر: 14/385 وما بعدها ، أحكام القرآن، لابن العربي: 2/620 - 623 ، تفسير القرطبي : 6/179 و 184 - 186 ، شرح السِّير الكبير : 1/306 وفيه يقول: قال أهل المدينة: لا يقام عليهم - أهل الذمّة - الحدود، كالزنا والسرقة ، ولكن يرفعون إلى حاكمهم ليقيمها عليهم . وذلك مرويٌّ عن عليّ -t- .
(48) العاقلة جمع عاقل، وهو الذي يدفع الدية، والعاقلة تجمع على عواقل. يقال: عقلتُ القتيل عقلاً: أدَّيت ديته.قال الأصمعي: سميت الدية عقلاً تسمية بالمصدر؛ لأن الإبل كانت تعقل بفناء وليِّ القتيل، ثم كثر الاستعمال حتى أُطلق العقل على الدية، إبلاً كانت أو نقداً. انظر: المصباح المنير، للفيومي:2/422-423.
(49) الأم، للشافعي: 7/38 - 39 . وانظر أيضاً: 4/183 و 6/124 وما بعدها، أدب القاضي، لابن القاص الطبري: 1/142 - 144، المهذب مع تكملة المجموع: 18/201، روضة الطالبين: 10/327، مغني المحتاج : 4/127 - 128، حاشية البجيرمي على المنهج : 4/254 ، مختصر اختلاف العلماء، للجصَّاص: 3/392 .
(50) المغني، لابن قدامة: 10/613 ـ 614 .
(51) أحكام أهل الذمّة، لابن القيم: 1/391. وانظر بالتفصيل مع الأدلة أيضاً: أحكام أهل الملل، للخلال، ص122 وما بعدها، المبدع : 3/429-430، كشاف القناع : 3/117 و 130 - 131.
(52) انظر : الجامع الصغير مع شرحه (( النافع الكبير )) لأبي الحسنات اللكنوي، ص 256 – 257 ، السِّير الكبير: 1/359 و4/1276 و 1488 وما بعدها، 5/1880 - 1890، المبسوط: 10/93، بدائع الصنائع : 9/4379، اختلاف الفقهاء، للطبري، ص 56 و 57 .
(53) اختلاف الفقهاء، ص 59 – 60 .
(54) المراجع السابقة.
(55) اختلاف الفقهاء، للطبري ص 56 ، الفروق، للكرابيسي: 1/326 .
(56) الحق عند الفقهاء والأصوليين هو اختصاص ثابت شرعاً لتحقيق مصلحة يقتضي سلطة أو تكليفاً . وقد عني العلماء ببحث الحق وأنواعه فباعتبار من يستحق الحقّ قسموه إلى قسمين: حق الله تعالى وحقوق العبد، فحقُّ الله تعالى هو ما فُهِم من الشرع أنه لا خيرة فيه للمكلف، وهو ما يتعلق به النفع العام، وينسب إلى الله تعالى تعظيماً لخطره وشمول نفعه. وحقّ العبد: ما كان متعلقاً بمصلحة خاصة. وهناك حقوق يجتمع فيها الحقَّان وأحدهما أغلب. وقد يقع الخلاف بينهم في تكييف بعض هذه الأنواع. راجع: الحقّ في الشريعة الإسلامية، عثمان ضميرية، بمجلة البحوث الإسلامية، العدد (40) ص(349) وما بعدها.
(57) وقال الإمام مالك والحنابلة: إذا زنى المستأمن بمسلمة فيجب قتله لنقضه الأمان بما فعل. وعند الشافعي لا يقام عليه حد الزنا إلا إذا شرط عليه ذلك في عقد الأمان. وانظر: رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص399 - 401، الإفصاح : 2/299 - 300.
(58) علّل السَّرْخَسِيّ قول الإمام محمد : (( ويوجع عقوبةً )) بدلاً من قوله : (( ويعزَّر )) بأن لفظ التعزير فيه ما ينبئ عن معنى التطهير والتعظيم . قال الله تعالى: ﴿ ﯤ ﯥ﴾ [سورة الفتح، الآية 9]، والكافر ليس من أهله، ولهذا قال: يوجع عقوبة . انظر: شرح السِّير الكبير : 1/307 .
(59) الأرش: اسم للمال الواجب في الجناية على ما دون النفس . التعريفات، ص (31).
(60) انظر: الأصل، كتاب السِّير، ص 180، الخراج، ص 204-205، الرد على سير الأوزاعي، ص 94، اختلاف الفقهاء، للطبري، ص 56 - 57، مختصر اختلاف العلماء : 3/450.
(61) فتح القدير، لابن الهمام: 4/154 - 156 ، ومعه العناية على الهداية نفسه، شرح السِّير الكبير : 5/1852، وانظر: تبيين الحقائق : 3/182-183، البحر الرائق : 5/19، مختصر اختلاف العلماء : 3/450 .
(62) انظر: حاشية الدسوقي والشرح الكبير: 4/239، أحكام القرآن، لابن العربي: 2/632-633، الحطاب على مختصر خليل :6/29.
(63) الأم، للشافعي: 7/326 ، اختلاف الفقهاء، للطبري، ص 55، وانظر: مختصر اختلاف العلماء، للجصَّاص: 3/450 .
(64) روضة الطالبين، للنووي: 10/244 ، وانظر: حاشية الشرقاوي على التحرير : 2/454.
(65) انظر: كشاف القناع : 3/117، الإفصاح عن معاني الصحاح، لابن هبيرة :2/299-300.
(66) انظر: أحكام القرآن، للجصاص:2/436، تفسير القرطبي :6/186، بدائع الصنائع: 3/1500، أدب القاضي، لابن القاص الطبري: 1/141، مراتب الإجماع، لابن حزم، ص 50، تبصرة الحكام، لابن فرحون: 1/96، فتح القدير، للكمال ابن الهمام:2/413، مجموع فتاوى ابن تيمية : 28/19، المغني، لابن قدامة:10/613، أحكام أهل الذمة، لابن القيم: 1/391 وما بعدها، إرشاد الأمة إلى أحكام الحكم بين أهل الذمة ، ص 26 وما بعدها.
(67) الأحكام السلطانية، للماوردي، ص 62-65. وانظر: بدائع الصنائع: 9/4079، حاشية ابن عابدين 5/395، الفتاوى الهندية 3/397، المجموع شرح المهذب : 18/199، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي : 2/909، نظام القضاء في الشريعة الإسلامية، د. عبد الكريم زيدان، ص 24-25، فقه القضاء والدعوى والإثبات، أ.د. محمد الزحيلي، ص 82، فكرة تنازع القوانين، د. رمزي دراز، ص 284-288 .
(68) انظر: الأوضاع التشريعية في البلاد العربية، د. صبحي محمصاني، ص185-191و219.
(69) المرجع السابق، ص 245 وما بعدها، تاريخ القضاء في الإسلام، للشيخ محمود عرنوس، ص 200-201 ، مجلة المحاماة الشرعية، السنة السابعة 1354هـ العدد (109) ص 956.
(70) حكم محكمة الجمالية الشرعية في الحكم 175 في 15 جمادى الثاني 1352هـ. انظر: مجلة المحاماة الشرعية، السنة السابعة 1354هـ ص 687.
(71) فكرة تنازع القوانين في الفقه الإسلامي، د. رمزي محمد دراز، ص 691.
(72) المرجع السابق، ص 245 وما بعدها، تاريخ القضاء في الإسلام، للشيخ محمود عرنوس، ص 200-201 .
(73) انظر: فكرة تنازع القوانين في الفقه الإسلامي، د. رمزي محمد دراز، ص 297-298 .
(74) المرجع نفسه، ص 298-299 .
(75) نظام المرافعات الشرعية، ضمن الأنظمة العدلية الثلاثة، ص 11 ، اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية منشورة في مجلة العدل، العدد (15) السنة الرابعة،1423هـ ، ص 120 وما بعدها.
(76) الأنظمة العدلية الثلاثة، المصدر السابق، ص 11 و 52 .
(77) انظر: مجلة العدل، العدد السابق نفسه، ص 237-240 .
(78) انظر: أصول المحاكمات الشرعية في قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة، أ. د. محمد الزحيلي، ص 43 .
(79) انظر: قضاء الحدود والقصاص والدّية: مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الاتحادية العليا منذ إنشائها، للقاضي الدكتور حسن أحمد الحمادي، ص 56 .
(80) المرجع نفسه، ص 56-57 .
(81) انظر: أصول المحاكمات الشرعية في قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة ، أ. د. محمد الزحيلي، ص 43-47 .
(82) المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية المدنية والتشريع الإسلامي، تأليف سيد عبد الله حسين: 1/91-92 .
المصادر والمراجع
(مرتبة على حروف الهجاء دون اعتبار للألف واللام)
1 - الآثار للإمام محمد بن الحسن الشيباني، دار القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي، 1407 هـ.
2 - الآثار، لأبي يوسف القاضي، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، دار الكتاب العربي بمصر 1355 هـ.
3 - الإجماع، لابن المنذر النيسابوري، تحقيق حنيف صغير، دار طيبة، الرياض، 1402 هـ.
4 - الأحكام السلطانية، لأبي الحسن الماوردي، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1393.
5 - الأحكام السلطانية، لأبي يعلي الفرَّاء الحنبلي، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1393هـ.
6 - أحكام القرآن، لأبي بكر الرازي الجصَّاص، عن طبعة مطبعة الأوقاف بالآستانة، 1325 هـ.
7 - أحكام القرآن، لأبي بكر بن العربي المالكي، تحقيق البجاوي، مطبعة عيسى الحلبي، 1394 هـ.
8 - أحكام القرآن، لِلْكِيَا الهَرَّاسي الطبري الشافعي، دار الكتب الحديثة بالقاهرة ، 1974م.
9 - أحكام القرآن، للإمام الشافعي، تحقيق أستاذي الشيخ عبد الغني محمد عبد الخالق، 1371 هـ.
10 - أحكام أهل الذمة، لابن قيم الجوزية، تحقيق د. صبحي الصالح، دار العلم للملايين، 1401هـ.
11 - أحكام أهل الملل من الجامع لعلوم الإمام أحمد، للخلاّل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414هـ.
12 - الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، للقراقي المالكي، نشره عزت العطار، القاهرة 1938م.
13 - اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، لأبي يوسف القاضي، مطبعة الوفاء بمصر، 1358هـ.
14 - اختلاف الفقهاء، للإمام الطبري، كتاب البيوع، تحقيق فردريك كرن، دار الكتب العلمية، بيروت.
15 - اختلاف الفقهاء، للإمام الطبري، كتاب الجهاد والجزية، تحقيق يوسف شاخت، ليدن، 1933م.
16 - أدب القاضي، لابن القاص الطبري الشافعي، تحقيق د. حسين الجبوري، الطائف، 1409هـ.
17 - إرشاد الأمة إلى أحكام الحكم بين أهل الذمة، للشيخ محمد بخيت، المطبعة السلفية،1349هـ.
18 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للشيخ الألباني، المكتب الإسلامي، 1399هـ.
19 - الأصل (أو المبسوط)، للإمام محمد بن الحسن الشيباني، دار القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي.
20 - أصول السرخسي، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، لجنة إحياء المعارف النعمانية بحيدرآباد، 1372م.
21 - أصول المحاكمات الشرعية في قوانين دولة الإمارات،محمد الزحيلي، جامعة الشارقة، 1425هـ.
22 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، للحازمي، دار الوعي بحلب، 1403 هـ.
23 - أقضية رسول الله -e-، لابن الطلاَّع القرطبي المالكي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1402هـ.
24 - الأم، للإمام الشافعي، طبعة الشعب ، مصورة عن طبعة بولاق، 1321 هـ.
25 - الأوضاع التشريعية في الدول العربية، د. صبحي محمصاني، دار العلم للملايين، بيروت 1989م. بجامعة أم القرى، 1408 هـ.
26 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نُجَيم المصري الحنفي. دار المعرفة، بيروت ، 1311.
27 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين الكاساني، مطبعة الإمام بمصر،1394.
28 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد الحفيد، مصورة عن طبعة مصطفى الحلبي.
29 - بذل المجهود في حل سنن أبي داود، للسهانفوري، تحقيق تقي الين الندوي الإمارات العربية المتحدة، 1427هـ.
30 - البناية شرح الهداية، لبدر الدين العيني.دار الفكر، بيروت، 1400 هـ.
31 - البيان والتحصيل، لابن رشد الجد، بعناية الشيخ عبد الله الأنصاري، دولة قطر، 1404.
32 - تاريخ القضاء في الإسلام، للشيخ محمود عرنوس، مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة.
33 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الحكام، لابن فرحون، الكليات الأزهرية، 1406هـ.
34 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي، مصورة عن طبعة بولاق 1313هـ.
35 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، للمباركفوري مؤسسة قرطبة، 1406 هـ.
36 - تحفة المحتاج شرح المنهاج، للهيتمي مع حواشيها، تصوير دار صادر، بيروت.
37 - تخريج الفروع على الأصول، للزَّنجاني. تحقيق الدكتور محمد أديب صالح، 1399 هـ.
38 - التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة. دار التراث العربي، القاهرة 1977م.
39 - التعامل بالربا بين المسلمين وغير المسلمين، د. نزيه حمّاد. بمجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الكويت، عدد ربيع الآخر، 1987م.
40 - تلخيص الحبير، لابن حجر العسقلاني، شركة الطباعة الفنية، 1384 هـ.
41 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر، وزارة الأوقاف بالمغرب،1387هـ.
42 - تنقيح الأصول، لصدر الشريعة مع التلويح على التوضيح، مطبعة صبيح، 1377.
43 - جامع البيان ، للطبري، دار المعارف بمصر + طبعة مصطفى الحلبي.
44 - جامع الفصولَيْن، لابن قاضي سماونة، المطبعة الأزهرية، 1300 هـ.
45 - الجامع لأحكام القرآن، الطبعة الثانية، مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية.
46 - الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، محمد ابو زهرة. دار الفكر العربي، 1976.
47 - الجوهر النقي في التعليق على سنن البيهقي، لابن التركماني مطبوع من السنن.
48 - حاشية البجيرمي على المنهج في الفقه الشافعي، بولاق، 1309هـ.
49 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، مطبعة عيسى الحلبي.
50 - الحجة على أهل المدينة، للشيباني. طبعة إحياء المعارف النعمانية، 1385 هـ.
51 - الخراج، لأبي يوسف القاضي، المطبعة السلفية بالقاهرة، 1392 هـ.
52 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي، دار الفكر، بيروت، 1403 هـ.
53 - الربا والمعاملات المصرفية، د. عمر المترك. دار العاصمة، الرياض، 1417.
54 - رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين مطبعة مصطفى الحلبي، 1386 هـ.
55 - الرد على سِيَر الأوزاعي، لأبي يوسف، لجنة إحياء المعارف النعمانية بالهند، 1357هـ.
56 - روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي، المكتب الإسلامي، دمشق، 1405 هـ.
57 - زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم تحقيق الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة.
58 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1400هـ.
59 - سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى الحلبي 1972 م.
60 - سنن أبي داود،مطبوع مع معالم السنن للخَطَّابي، مكتبة السنة المحمدية، 1369هـ.
61 - سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي، للمباركفوري، مؤسسة قرطبة بمصر، 1406 هـ.
62 - سنن الدارقطني، تحقيق عبد الله هاشم اليماني، المطبعة المصرية بالفجالة.
63 - السنن الكبرى، للبيهقي، بيروت، مصورة عن طبعة الهند، 1346 هـ.
64 - سنن النسائي مع حاشية السندي والسيوطي، بعناية عبد الفتاح أبو غدة، 1406 هـ.
65 - السياسة الشرعية، لابن تيمية، دار الكتب العربية، بيروت 1386 هـ.
66 - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، دار المعرفة في بيروت، 1398 هـ.
67 - شرح السِّير الكبير، للسرخسي، مطبعة شركة الإعلانات الشرقية، 1971 م.
68 - الشرح الصغير على أقرب المسالك، للدِّردير، مطبعة عيسى البابي الحلبي.
69 - شرح الكوكب المنير، لابن النجار تحقيق د. محمد الزحيلي، د. نزيه حماد، مركز البحث العلمي.
70 - شرح صحيح مسلم، للنووي دار الكتاب العربي، عن طبعة المطبعة المصرية.
71 - شرح مسند أبي حنيفة، للقاري دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ.
72 - شرح مشكل الآثار، للطحاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1415 هـ.
73 - شرح معاني الآثار، للطحاوي، مطبعة الأنوار بالقاهرة ، 1387 هـ.
74 - شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، عالم الكتب، بيروت.
75 - شرح منهاج الطالبين للمحلّي بحاشيتي قليوبي وعميرة مطبعة الحلبي، 1375.
76 - صحيح البخاري، مع فتح الباري لابن حجر، الطبعة السلفية بالقاهرة،
77 - صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى الحلبي 1374 هـ.
78 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، لابن قيم الجوزية، مطبعة المدني، 1381 هـ.
79 - العزيز شرح الوجيز، المعروف بالشرح الكبير، للرافعي، بيروت، 1417 هـ.
80 - عقود الجواهر المنيفة في أدلة الإمام أبي حنيفة، للزَّبِيْدي، مطبعة الشبكشي بالأزهر.
81 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني دار الفكر، بيروت، 1412هـ.
82 - الفتاوى الهندية في مذهب الإمام أبي حنيفة، لنظام الدين وجماعة من العلماء، بولاق، 1310.
83 - فتح الباري، لابن حجر، تحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز، المطبعة السلفية بالقاهرة.
84 - فتح القدير شرح الهداية، لابن الهُمَام، الطبعة الأولى، مطبعة بولاق، 1315هـ.
85 - فكرة تنازع القوانين في الفقه الإسلامي، د.رمزي دراز، دار الجامعة بالإسكندرية،2004م.
86 - الفواكه البدرية في الأقضية الحكمية، لابن الغرس الحنفي، مطبعة النيل، 1326 هـ.
87 - في ظلال القرآن، لسيد قطب، دار الشروق، بيروت، 1397 هـ.
88 - القَبَس شرح الموطأ، لابن العربي، تحقيق د.محمد عبد الله ولد كريم، 1992 م.
89 - قضاء الحدود و القصاص والدّيـة: مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الاتحادية العليا منذ إنشائها، للقاضي الدكتور حسن أحمد الحمادي، المجمع الثقافي، أبو ظبي، 1420 هـ.
90 - القواعد الكبرى، لابن عبد السلام، تحقيق د. نزيه حماد،عثمان ضميرية، دار القلم بدمشق 1422هـ.
91 - القوانين الفقهية، لابن جزئ الغرناطي، شركة الطباعة الفنية بالقاهرة، 1395هـ.
92 - كشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي. مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، 1394 هـ.
93 - كشف الأسرار عن أصول البزدوي، للعلاء البخاري،دار الكتاب العربي، بيروت.
94 - اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية، بمجلة العدل، تصدر عن وزارة العدل بالسعودية،
95 - المبدع شرح المقنع، لابن مفلح المقدسي، المكتب الإسلامي، بيروت.
96 - المبسوط، لشمس الدين السرخسي، دار المعرفة، بيروت، مصور عن الطبعة الأولى بمصر.
97 - مجلة البحوث الإسلامية، تصدر عن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
98 - مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر، لداماد أفندي الحنفي، استانبول 1328.
99 - المجموع شرح المهذب، للنووي، مع تكملته، مطبعة الإمام، ومطبعة العاصمة.
100 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، قاسم، مكتبة المعارف بالمغرب، 1400 هـ.
101 - المحلّى، لابن حزم الظاهري، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار التراث بالقاهرة.
102 - مختصر اختلاف العلماء للطحاوي، للرازي الجصّاص، دار البشائر، 1416 هـ.
103 - المدونة، للإمام مالك بن أنس، دار صادر، بيروت، مصورة عن مطبعة السعادة.
104 - مراتب الإجماع، لابن حزم ومعه نقد مراتب الإجماع لابن تيمية، نشر مكتبة القدسي.
105 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للقاري المكتبة الإمدادية، ملتان، 1386هـ.
106 - مسائل الإمام أحمد وإسحاق.للمروزي، مصور بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
107 - مسائل الإمام أحمد. رواية ابنه عبد الله، مكتبة الدار، المدينة، 1406 هـ.
108 - مسائل الإمام أحمد. رواية أبي داود السجستاني، طبعة القاهرة، 1353 هـ.
109 - مسائل الإمام أحمد، رواية ابن هانئ النيسابوري، المكتب الإسلامي،1400 هـ.
110 - المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري، دار المعرفة، عن طبعة الهند، 1334 هـ.
111 - المستصفى من علم الأصول، للغزالي، مكتبة المثنى بغداد، مصور عن طبعة بولاق.
112 - المسند، للإمام أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي،دمشق وبيروت، 1405 هـ.
113 - المسند، للإمام الشافعي، بترتيب محمد عابد السندي، صححه عزت العطار سنة 1370هـ.
114 - المصباح المنير للفيومي،تحقيق عبد العظيم الشناوي، دار المعارف بمصر،1977م.
115 - المصنَّف في الحديث والآثار، لابن أبي شيبة، الدار السلفية بالهند، 1403 هـ.
116 - المصنَّف، لعبد الرزاق بن همام الصنعاني، نشر المجلس العلمي بالهند، 1403 هـ.
117 - مصنفة النظم الإسلامية، د. مصطفى كمال وصفي. مكتبة وهبة، 1397.
118 - معالم التنزيل، للبغوي تحقيق عثمان ضميرية وآخرين، دار طيبة، الرياض، 1414 هـ.
119 - المعجم الأوسط، تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف بالرياض، 1415 هـ.
120 - المعجم الكبير، للطبراني، تحقيق حمدي السلفي، وزارة الأوقاف بالعراق، 1391 هـ.
121 - المعيار المعرب عن فتاوى علماء إفريقيا والمغرب، للونشريسي، دار الغرب الإسلامي.
122 - معين الحكام، للطرابلسي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1393 هـ.
123 - المُغْرِب في ترتيب المُعْرِب، للمطرزي، وزارة الثقافة، سورية، 1399هـ.
124 - المغني شرح مختصر الخرقي، لابن قدامة ومعه الشرح الكبير، بيروت، 1404 هـ.
125 - مفردات القرآن للراغب الأصفهاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1381هـ.
126 - المقارنات التشريعية، سيد عبد الله حسين، دار السلام بالقاهرة، 1421هـ.
127 - المقدمات الممهدات، لابن رشد، بعناية إبراهيم الأنصاري، دولة قط، 1408 هـ.
128 - منهاج الأصول، للبيضاوي مع شرحه نهاية السول للإسنوي، المطبعة السلفية،1354هـ.
129 - الموافقات في أصول الشريعة، للشاطبي تحقيق عبدالله دراز، دار المعرفة، بيروت.
130 - الموطأ، رواية الليثي، للإمام مالك بن أنس، دار إحياء الكتب العربية،1398هـ.
131 - الموطأ، رواية محمد بن الحسن، مع التعليق الممجَّد، دار القلم بدمشق، 1412
132 - الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، للنحّاس، مكتبة عالم الفكر، 1407 هـ.
133 - ندوة النظم العدلية الثلاثة، رئاسة محاكم الطائف بالمملكة العربية السعودية،1424هـ.
134 - نصب الراية لأحاديث الهداية، للزيلعي، المكتبة الإسلامية، بيروت،عن طبعة الهند.
135 - نهاية المحتاج شرح المنهاج، للرَّملي، مطبعة مصطفى الحلبي، 1386 هـ.
136 - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، تحقيق الطناحي، المكتبة الإسلامية، بيروت.
137 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، للشوكاني، مطبعة مصطفى الحلبي، 1391 هـ.
138 - الوجيز في مذهب الإمام الشافعي، للغزالي، تصوير دار المعرفة، بيروت، 1399.
* * *






Non-Muslims under Islamic
Jurisdiction in the Islamic State
Dr. Osman J. Damerieh
University of Sharjah
Sharjah U.A.E


ABSTRACT
The general principle in Islamic Shari’a is that its rules apply to all people living in dar al Islam (territory ruled by Islamic law), both Muslims and non-Muslims. This principle is in agreement with the laws of sovereignty that should be imposed upon all citizens living in its lands or regions. The dhimah (or protection) of non-Muslims living near a legal center might differ only with regard to certain matters or issues. It is important, however, to determine the extent to which all are subject to Islamic law, especially at a time when relations are growing between peoples and nations, Muslims are mixing more and more with non-Muslims, and trade is increasing between Muslims and non-Muslims in various Islamic countries and regions.
This study consists of an introduction, four areas of focus, and a conclusion. Included in the study are discussions on the nature of the da'wah (Islamic call), the bases for relations with the non-Muslims, the submission of non-Muslims to fiqh (Islamic law) during the time of the Prophet Muhammad (PBUH) and his successors, the extent to which those protected are subject to Islamic law, and what is required of contemporary legislation.

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22