عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2014 ~ 07:25 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي
  مشاركة رقم 2
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الفصل الأول

إشارات علمية عامة


1/1 قوانين الوجود:
قال تعالى في محكم التنزيل:
) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَان. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ. وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانٍَ( [الرحمن: 5 – 7](1).
) وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ( [الحجر: 19](2).
) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ( [الرعد: 8](3).
) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ( [القمر: 49](4).
) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلآّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ( [الحجر: 21](5)
) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ( [الفرقان: 2](6).
) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (
[المؤمنون: 18].
) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ( [الزخرف: 11](7).
تؤكد الآيات ما بينته المعارف الحديثة من أن كل شيء في السموات والأرض يخضع لاتزان دقيق ومحسوب، فالأجرام السماوية تنطلق في الفضاء بسرعات محسوبة في اتجاهات مقدرة، بحيث يتزن تجاذبها مع قوى الطرد الناشئة عن حركتها، فتبقى بذلك في مساراتها النسبية بعيدا عن بعضها البعض إلى أن يشاء الله، فالشمس – ببعدها المحسوب عن الأرض – تمدنا بالطاقة المحسوبة المناسبة لحفظ حياة الكائنات، ولو اقتربت الشمس قليلا من الأرض لاحترق كل من عليها، ولو ابتعدت قليلا لماتت الكائنات أو تجمدت، والقمر كذلك يؤثر على حركة المد والجزر في البحار والمحيطات، ووضعه محسوب لو اقترب عنه زاد تأثيره على مياه البحر والمحيط حتى تغرق المعمورة.
ونظم الحياة على كوكب الأرض تحكمها توازنات دقيقة: فالهواء الذي نتنفسه يظل دائما بتركيبه المناسب لحياة الكائنات، فلا يزيد فيه الأكسجين بلا حساب فتحترق الكائنات، ولا يستهلك فتتوقف الحياة، وذلك بفضل عمليات التمثيل الكلوروفيلي بالنبات، التي تعيد لنا ما يعادل 400 – 500 مليون طن أكسجين سنويا، تعوض تماما كل ما تستهلكه الكائنات الحية في التنفس، وكذلك الغلاف الجوي بطبقاته المختلفة ومكوناته – كالأوزون وغيره – التي تؤدي دورا هاما في حماية الحياة على الأرض يتجدد تركيبه دوما، أخذا وعطاء مع الهواء الجوي ومع الأشعة الكونية.
والكائنات الحية – برية وبحرية وطيورا وحشرات – يحكم بقاءها توازنات دقيقة تربط فيما بينها وبين الظواهر الجوية والجيولوجية والنباتية، وفي جسم الإنسان دور محسوب بدقة لمقادير كل عنصر من العناصر الكيميائية – حتى الشحيح منها – سواء في ضبط الأكسجين في الدم عن طريق التنفس، الذي تتحكم فيه مراكز إحساس على الشريان الأورطي والشرايين المتجهة إلى المخ فترسل إشارات عصبية تؤدي إلى الشهيق والزفير، أو في ضبط نسبة الماء في الدم، التي تتحكم فيها مجموعة من النظم المعقدة: من غدد العرق إلى الغدة النخامية التي تتحكم في عمل الكِلَى للتخلص من الماء الزائد، كل هذه الاتزانات وغيرها تعبر عنها ما سقناه من آيات الذكر الحكيم أصدق تعبير.

3/2 دورات الحياة:
لكل كائن حي – حيوانا كان أم نباتا – دورة حياة يتفاعل فيها مع التربة والماء والهواء وغيرها من الكائنات، فتأمل الإشارات البليغة إلى خروج الكائن الحي من الجماد الميت، وإلى إبداء الحياة ثم إعادتها:
) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( [آل عمران: 27](1).
) إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ( [الأنعام: 95].
) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ( [يونس: 31](2).
) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ([الروم: 19](3) ) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ( [البروج: 13](4)
كما أثبتت المعارف الحديثة أن دورة الحياة في الإنسان ترتبط بدورة العناصر المحيطة: فمن عناصر الأرض يتكون الإنسان، وعلى نتاجها يتغذى، ويتفاعل معها أخذا وعطاء في عمليات التمثيل الغذائي والإخراج وتجديد الخلايا طوال حياته، ثم إليها يتحلل بعد مماته.
وهذه أمثلة لبعض دورات الحياة والموت:
أ . دورة الخلايا الحية:
والتي تتمثل في الاستهلاك ثم التجدد المستمر لخلايا الإنسان وغيره من الكائنات الحية، فالخلايا الحية تتحول إلى مواد غير حية (الميت من الحي) لتحل محلها خلايا جديدة (الحي من الميت)، مثال ذلك: الخلايا الجلدية تتجدد كل 59 – 75 يوما، خلايا الدم الحمراء كل 120 يوما، الصفائح الدموية كل 7-10 أيام، كرات الدم البيضاء تتجدد كل 6-12 ساعة.
ب . دورة الكربون:
الكربون هو العمود الفقري للمركبات العضوية، التي تتكون منها سائر الخلايا الحيوانية والنباتية. يعتمد الإنسان في غذائه على الحيوان والنبات، بينما يعتمد الحيوان في غذائه – بدوره – على النبات، ويحصل النبات على غذائه من الهواء الجوي بتمثيل غازي ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء أثناء النهار من خلال عملية التمثيل الكلوروفيلي؛ وبذلك يتحول الهواء "الميت" إلى خلايا نباتية "حية"، يتغذى عليها الحيوان والإنسان لتكوين خلاياهم "الحية" من نواتج هضم الطعام "الميتة"، يتجدد ثاني أكسيد الكربون في الهواء الجوي بعمليات التنفس في الإنسان والحيوان والنبات "الميت من الحي" وبتحلل هذه الكائنات بعد موتها.
جـ . دورة النتروجين:
يدخل النتروجين في تركيب الأحماض الأمينية، التي منها يتركب بروتين الخلايا الحيوانية الحية. يحصل الإنسان على البروتين من غذائه على الحيوان وبعض النباتات، ويتغذى الحيوان بدوره على البروتين النباتي، وبذلك يكون النبات هو المصدر النهائي للنتروجين في الكائنات الحية، يحصل النبات على النتروجين من سماد الأرض الطبيعي أو الصناعي "الميت"، وينتج السماد الطبيعي " العضوي" من فضلات وتحلل الكائنات الحية في التربة – حيث تتحلل بروتيناتها إلى نشادر تحوله البكتريا إلى نتريت ونترات أو إلى نتروجين جوي، أما السماد الصناعي فينتج بعمليات كيميائية من النتروجين الجوي.
د . دورة الطاقة:
يستمد النبات طاقة الشمس ليصنع الغذاء الكربوهيدراتي والبروتيني في صورة خلايا نباتية "حية"، تستمد منها خلايا الإنسان والحيوان حاجتها من الطاقة، ومن تحلل بقايا الكائنات الحية في باطن الأرض منذ آلاف السنين نتجت سائر أنواع الوقود كالفحم والبترول والغاز الطبيعي (انظر 3/15 – الوقود) التي يستغلها الإنسان – مع ما يقطعه من سيقان الأشجار – لإنتاج الطاقة.

3/3 تطابق الخلق:
كل المخلوقات – حية وجامدة – تتركب من وحدات نمطية متطابقة، لا تختلف ولا تتفاوت مهما تعدد الخلق وتكرر، فكل ذرات الخلق حولنا تتكون من بروتونات موجبة ثابتة الكتلة والشحنة، ونيوترونات متعادلة ثابتة الكتلة، وإلكترونات سالبة ثابتة الكتلة والشحنة – في شتى العناصر والمواد، والمواد إما عنصرية " من نوع واحد من العناصر" أو مركبة. العناصر – فلزية أو غير فلزية – ذراتها جميعا متماثلة، وتترتب ذراتها في أشكال هندسية متطابقة على مسافات وبزوايا ثابتة مهما تعددت ببلايين البلايين (السنتيمتر المكعب من الحديد مثلا يحوى حوالي 8.5×10 22 ذرة، أي 85 ألف مليون مليون مليون ذرة)، وكل مركب كيميائي يتركب باتحاد ذرات من عنصرين أو أكثر بنسب ثابتة وبتوزيع فراغي محدد وخواص مميزة ثابتة، وكل عضو من أعضاء الكائنات الحية – حيوانية أو نباتية – يتركب من أنواع محددة من الخلايا مهما تعددت تلك الخلايا، وكل كائن حي يخلق وينمو ويتحلل بنفس النمط ونفس التشريح والوظائف، ولا يحيد عنه قيد أنملة أي واحد من أفراده عبر الأجيال، وهذا ما قرره القرآن المعجز في قوله تعالى: ) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ( [الملك: 3 ، 4](1)

3/4 الزوجية العامة:
تشير الآيات القرآنية إلى أن المخلوقات عامة – حية أو جامدة (كل شيء) أزواج، أي أن ظاهرة الزوجية لا تقتصر على الحيوان والنبات، كما يتضح في الآية:
) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( [الذاريات: 49](2).
والزوج لغة: النوع من كل شيء، والزوجان: اثنان أحدهما نقيض الآخر.
لو تأملنا مكونات الذرة لوجدنا للبروتون الموجب قرينا سالبا: الأنتى بروتون، وفي الذرة المتعادلة: لكل بروتون إلكترون يعادله، والإلكترونات "السالبة" قرينها البوزيترون الموجب، بل إن النيوترون المتعادل له قرين "أنتى نيوترون"، ليس هذا فحسب بل إن الأجرام السماوية المرئية المنبثة في الفضاء اللانهائي يعتقد الآن أن لمادتها قرينا غير مرئي يطلق عليه اسم: المادة المظلمة، التي بمثابة الصورة السلبية لمادة الكون، والله أعلم (انظر أيضا موضوع 4/5: زوجية الكائنات الحية).

الفصل الثاني


في الكون والفضاء


2/1 تماسك الكون:
قال تعالى في سورة الرعد:
) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ( [الرعد: 2](1).
) خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ( [لقمان: 10](2).
أي أن قوى ميكانيكية غير مرئية ترفع الأجسام السماوية بعيدا عن بعضها بأمر الله، ومصدر هذه القوى الطاردة طاقة الحركة التي انطلقت بها الأجسام منذ انفصالها عن بعضها البعض والتي تعادل بها تأثير الجاذبية. الجاذبية بدورها قوى غير مرئية تؤثر على الأجسام المادية سواء كانت أجراما سماوية أو جسيمات نووية، ويختلف التعبير القرآني في هذه الآيات – مع دقته ووضوحه – كثيرا عن تصورات البشر في الماضي القريب، حيث سادت خزعبلات عن طبيعة الأجرام السماوية والقوى التي تحكمها وتشدها إلى بعضها البعض.

2/2 أبعاد الكون:
كلما هدى الله الإنسان إلى مزيد من المعارف الفلكية كلما تفطن إلى الجديد من أوجه الإعجاز في الإشارات الكونية بالقرآن الكريم، فقد أدرك الإنسان أن مواقع النجوم كلها مقدرة تقديرا بحساب دقيق:
) فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ( [الواقعة: 75 ، 76](3).
وفي مثل هذا المعنى أيضا:
) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ( [البروج:1](4).
وكل ما في الكون من أجرام يسبح في أفلاك:
) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( [الأنبياء: 33](5).
) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلااللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (
[يس: 40].
والسباحة لغة هي: الحركة الذاتية: وهذا تصحيح للفلسفة اليونانية القديمة التي كانت تنادي بأن الشمس والقمر والكواكب كل مغروز في أغلفة كروية شفافة حول الأرض – المركز المشترك للكون في تصورهم.
الكون الذي يمتد إليه بصرنا (إلى أقصى مدى تتيحه وسائل الرصد) مترامي الأطراف حتى أن قطر مجرتنا – بما فيها من نجوم (أحدها الشمس) وكواكب وأقمار يبلغ حوالي 100000 (مائة ألف) سنة ضوئية، أي يقطعه الضوء في 100000 سنة، أما أقرب المجرات (من ملايين المجرات في الكون) فتبعد 700000 سنة ضوئية عن مجرتنا، فسبحانك ربي كما وصفت ذاتك:
) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( [البقرة: 255].
والأرض ليست – كظن الأقدمين – محور الكون بل هي كوكب تابع للشمس، أحد نجوم مجرة درب التبانة التي تضم قرابة 100 بليون نجم منتشرة في الفضاء المتسع، يبلغ "أقصر" قطر لها كما ذكرنا 100000 سنة ضوئية، ولما كانت سرعة الضوء 300000كم/الثانية، فإن هذا القطر يعادل حوالي 10 18 كم (10 أس 18)، أي مليون مليون مليون كيلو متر، وتقع الشمس على مسافة 300000 سنة ضوئية من مركز المجرة، وهذه المجرة بما فيها ما هي إلا واحدة من بلايين المجرات التي تموج بها السماء (المرئية) والتي توصلت أقوى ما لدى البشر من تلسكوبات ووسائل رصد إلى تقديرها بأكثر من 500 بليون مجرة، علما بأن هذه الوسائل لا يمتد مجال رؤيتها أكثر من 5 بلايين سنة ضوئية في الفضاء حتى الآن.
وتتفق هذه الحقائق العلمية تماما مع التعبيرات القرآنية في وجهين.
أ . تقديم ذكر السماوات عن الأرض؛ حيثما اجتمع ذكرهما بصيغة العطف في آية (178 آية في القرآن) ، وذلك في مثل قوله تعالى:
) مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ( [الأحقاف: 3].
) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ( [الزمر: 68].
عدا موضعين اقتضى فيها سياق الموضوع غير ذلك(1)
ب . الإشارة إلى وجود صورللحياة في العوالم الأخرى:
) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (
[النحل: 49](2).
) وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( [الشورى: 29](3).
) وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( [الرعد: 15].
ويتفق ذلك أيضا مع صيغة الجمع:"العالمين" التي تنبت في أرجاء الذكر الحكيم ابتداء من فاتحة الكتاب: ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( إلى 72 موضعا آخر. كما يتمشى مع ما جاء في الحديث من دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام: "اللهم رَبَّ السمواتِ السَّبْعِ وما أظَلَّت ورَبَّ الأراضِينَ وما أقَلَّت" (الترمذي).

2/3 تطور الكون:
نقرر أولا أنه مهما تقدم العلم فلن يصل أبدا إلى القول الفصل في كيفية نشأة الكون في الماضي السحيق، ولكننا لا نغفل عن التطابق المذهل بين المعارف الفلكية الحديثة وبين ما قرره القرآن بوضوح تام، فقد أدرك العلم البشري مؤخرا – بعون الله – أن الكون يتمدد باطراد منذ نشأته، وقد سجلت مؤخرا صور لأعماق الكون على مسافة 15 بليون سنة ضوئية، أي أنها تمثل ما كان عليه الأمر في ذلك الزمان السحيق، تشير الصور إلى تمدد في مادة الكون بعد تمزقها إلى بلايين الأجزاء في سحابة دخانية كبيرة – تلك التي كونت دقائقها فيما بعد الأجرام السماوية التي نراها الآن: نجوما انفصلت عنها كواكب وأقمار، أليس بمعجز ومثير للخشوع في آن واحد أن يشير القرآن إلى هذه المفاهيم الثلاثة في آياته التي نزلت منذ أربعة عشر قرنا ألا وهي:
أ . انفصال الأجرام السماوية عن جسم واحد:
) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ( [الأنبياء: 30](1). ثم إعادة جمعها يوم القيامة:
) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ( [الأنبياء: 104].

ب . نشأة الأجرام السماوية من دخان:
) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( [فصلت: 11](2)
ج.الاتساع المستمر للكون:
) وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ( [الذاريات: 47](3).

2/4 نسبية الزمن:
فكرة النسبية – التي اكتشفت في العصر الحديث – أشار إليها الخالق العليم مرارا في آيات معجزة تؤكد أن الزمن في الكون نسبي:
) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ( [الحج: 47](1).
) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( [المعارج: 4].
) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ( [السجدة: 5](2).
اليوم الأرضي تضبطه دورة الأرض حول نفسها دورة كاملة في زمن نسميه"يوما" ونقسمه اصطلاحا إلى 24 ساعة، ثم إلى دقائق وثوان، بينما اليوم على كوكب الزهرة يعادل 118 يوما أرضيا، وعلى كوكب عطارد=176 يوما أرضيا، بينما يوم كوكب المشترى=9 ساعات و55 دقيقة، ويوم كوكب زحل=10 ساعات و40 دقيقة. في الفضاء على اتساعه إذاً لا يصبح ليومنا الأرضي معنى ولا مغزى إلا لمن يعيش على هذا الكوكب، وهنا أيضا اضطر السلف الصالح من المفسرين، وقد غابت عنهم هذه المعارف، إلى تفسير عبارة: وإن يوما عند ربك، وما شابه، بأن المراد أنه سبحانه وتعالى حليم لا يعجل، فمقدار ألف سنة عند خلقه كيوم عنده بالنسبة إلى حلمه (صفوة التفاسير) فصرفوا المعنى عن دلالته المباشرة الغائبة عن معارفهم، ومما يثير التأمل في الآية الثانية ذلك الرقم (50000 سنة) إذ أن مجرتنا التي نعيش فيها (100 بليون نجم) يقدر أقصر نصف قطر لها – من المركز إلى خارج المجرة – خمسين ألف سنة ضوئية أي أن الضوء وغيره من الموجات الكهرومغناطيسية والأجسام النوارنية عموما تستغرق هذا الزمن ذاته لتنطلق من مركز المجرة إلى الفضاء الكوني المحيط بها أو العكس، وهنا لا يستطيع العقل والإدراك البشري القاصر أن يستطرد في الاستنتاج والتعليق، والله أعلم.
ومن ناحية أخرى ليس ثمة تناقض بين الرقم 50000 في الآية الثانية والرقم 1000 في الآيتين الأخريين، فبينما يشير الرقم الأول إلى رحلات للملائكة والروح مجهولة البداية مجهولة النهاية في فضاء الله الفسيح، يشير الرقم الآخر مباشرة إلى نسبية الزمن في الكون، وإلى اتساع أبعاده التي تقدر بآلاف السنين الضوئية.

2/5 التقويم:
الفرق بين التقويم القمري والشمسي = 10 – 11 يوما في السنة، فالسنة الشمسية=365.2422 يوما، بينما السنة القمرية=354.6036، ومن هنا فإن ثلاثمائة عام شمسي تعادل تماما ثلاثمائة وتسعة أعوام قمرية=109573 يوما بلا نقص ولا زيادة، وهنا تتجلى دقة إعجاز التعبير القرآني في قصة أهل الكهف:
) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ( [الكهف: 25](3).
أي أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة بالتقويم الشمسي تزداد تسع سنوات إضافية إن حسبت بالتقويم القمري، والله أعلم بما لبثوا.
التقويم القمري هو التقويم الطبيعي الذي ترتبط شهوره بظاهرة طبيعية هي تغير أوضاع القمر بشكل مطرد متكرر، أما غيره من التقاويم فأساسها وحدات "شهور" افتراضية لا علاقة لها بظواهر طبيعية. صحيح أن السنة القمرية لا تتطابق مع السنة الشمسية التي فيها تتم الأرض دورة كاملة حول الشمس، إلا أن الأمر لم يكن كذلك يوم خلق الله السموات والأرض، لأن الأرض في دورانها حول نفسها ظلت تبطؤ تدريجيا منذ خلقها، بتأثير التباطؤ الطبيعي (منذ انطلاقها منفصلة عن الشمس فيما يعتقد) إلى جانب تأثير جاذبية القمر على المد والجزر في المحيطات، فازداد يومها طولا يوما بعد يوم، بمعدل سريع في بداية الخلق حتى تناقص إلى معدل ضئيل (يزداد اليوم طولا بمقدار 2×10 –8 ثانية كل مائة عام في هذا الزمان)، ويعني هذا أن الأرض حين خَلْقها (الذي يعتقد أنه حدث منذ حوالي 5 بلايين سنة) كانت تنطلق بطاقة أعلى منها الآن سواء في دورانها حول نفسها أو حول الشمس وبالتالي كانت السنة الشمسية على الأرض أقصر منها الآن، ولابد أنها في يوم من الأيام (لا نعلمه ولن نعلمه ولا نملك حسابه لأن معدل تقاصر حركة الأرض وتغيره عبر الزمان منذ النشأة مجهول) كانت مساوية للسنة القمرية، وينطبق هذا المنطق مع قوله تعالى: ) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ( [التوبة:36].
نلاحظ في هذه الآية التعبير: ) يوم خلق السموات والأرض( وليس "منذ" خلقها، أي أنها كانت كذلك وقتها طبقا لحدود التعبير.

2/6 الشمس:
اكتشف العلم الحديث الصدق المعجز لآيات القرآن الكريم، تلك الآيات التي تصف الشمس بصفات حار فيها المفسرون والقدماء: كونها سراجا مشتعلا متوهجا – تقدر درجة حرارتها بقرابة 6000 ْم عند السطح، و30 مليون درجة في مركزها:
) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ( [النبأ: 13](1).
وذلك بالمقارنة بالقمر المنير البارد الذي يقتصر دوره على دور المرآة العاكسة: ) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ( [نوح: 16].
) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ( [الفرقان: 61].
فصرف المفسرون القدماء معنى "السراج المنير" إلى أن المقصود به مجرد التشبيه لشدة الضياء.
كما أشار القرآن إلى جريها المستمر في الفضاء في اتجاه محدد:
) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( [يس: 38].
والجري لغة هو: الاندفاع والإسراع في السير (المعجم الوسيط)، وقد تبين أن الشمس تجري بسرعة 1500كم/ثانية، بالنسبة للنجوم المجاورة لها في المجرة، وتتم دورتها حول المركز في حوالي 200 مليون سنة، كما حددت الدراسات الفلكية ذلك الاتجاه الذي تجري الشمس نحوه في الفضاء. إن عظم الحركة بهذه السرعة الكبيرة لجسم بهذه الضخامة (333 ألف مرة قدر كوكب الأرض) يوضح إعجاز التعبير بالفعل "تجري"، بينما مبلغ ما يراه ويظنه الرائي فوق كوكبنا الأرضي: أن الشمس تتحرك ببطء وتؤدة من المشرق إلى المغرب.
ولكلمة "مستقر" مدلول زمني أيضا، في مثل قوله تعالى: ) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ( [لقمان: 29].
وكذلك عبارة: ) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى ( [الرعد: 2](1) ، ويتفق هذا مع ما هو معروف علميا أن كل النجوم؛ والشمس إحداها؛ تمر بمراحل متتالية إلى نهاية عمرها المحدود.

2/7 القمر:
من إعجاز القرآن في العلوم الفلكية تناوله ما اكتشف في الزمن الحديث من حقائق حول القمر، ومنها طبيعته كجرم بارد عاكس للضوء – خلافا لحال الشمس "السراج" مصدر الضوء.
) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ( [الفرقان: 61](2).
) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ( [نوح: 16].
خلافا لما اعتقده الأقدمون في مثل قولهم في تفسير هذه الآية: أن القمر ينير ما فوقه من السموات وما تحته من الأرض (انظر أيسر التفاسير).
يتبدل شكل القمر (الظاهر لنا) من هلال إلى بدر وهلم جرا، حسب أوضاعه (منازله) النسبية بالنسبة للشمس وللأرض كما تعبر عنه الآيتان الآتيتان:
) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( [يونس: 5](3).
) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ( [يس: 39].
القمر أصغر كثيرا من الشمس (قطره أصغر 436 مرة) رغم ما يظهر للرائي على سطح الأرض (يبدو قرص القمر 1.18 مرة قدر قرص الشمس)، وتعالوا نقرأ معا هذه الآيات من سورة الأنعام:
) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( [الأنعام:75 – 79].
هذا إبراهيم عليه السلام يجول ببصره في السماء لعله يهتدي إلى الخالق العظيم، الذي هو أكبر وأبقى من كل شيء، فيتدرج في التفاته من الأدنى إلى الأعظم شأنا، فيبدأ بكوكب منير يراه صغيرا يظهر حينا ثم يختفي، فيلتفت إلى القمر المنير وقد اتسق بدرا يملأ ضياؤه السماء، ولكنه هو الآخر لا يستقر على حال، فينتقل ببصره وفكره إلى الشمس فيراها أكبر من القمر ومن الكواكب، هذا ما كان من شأن إبراهيم وتدرج فكره البشري، أما النص القرآني فقد أشار إلى الشمس فحسب بعبارة "أكبر" ولم يشر بذلك إلى القمر رغم أن قرصه الظاهري أكبر قليلا من قرص الشمس وأكبر كثيرا (ظاهريا) من قرص الكوكب، ولكن الحكيم العليم منزل القرآن يعلمنا أن الشمس أكبر من القمر، وأكبر من أي كوكب من كواكب المجموعة الشمسية.
كما بينت آيات القرآن أن القمر التابع للأرض ليس هو القمر الوحيد في الكون الذي يدور حول كوكب تابع له، بل إن ثمة أقمار توابع في مجموعتنا الشمسية رصد العلم منها 59 قمرا تدور حول: المشترى (16)، زحل(16)، المريخ (2)، أورانوس (15)، نبتون (8)، بلوتو (1)، غير ما في أنحاء المجرة وفي الكون على اتساعه من أقمار مصداقا للتعبير القرآني الجامع:
) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ([نوح: 15، 16]. إذ يبدو أن القمر في هذه السموات المتعددة (فيهن) اسم لجنس القمر وليس لقمر معين.

2/8 الشهب:
في دقة علمية معجزة يكشف القرآن عن كنه الشهب – وهو ما لم يدركه البشر إلا حديثا – وأنها تنتج عن حركة الأجسام المادية بسرعة خلال الغلاف الجوي للأرض:
) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ( [الحجر: 16 – 18].
وفي ذلك المعنى أيضا جاء في سورة الصافات:
) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ. وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ. لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ. إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ([الصافات: 6 – 10].
وفي سورة الملك: ) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ( [الملك: 5].
كما أشار إلى الحقيقة الفلكية المذهلة وهي: امتلاء الفضاء بالشهب حتى إنه يقدر أن جو الأرض يدخله يوميا آلاف الملايين من الدقائق، بسرعة قد تصل إلى 27 كيلو مترا في الثانية (لشهب وزنها 1 ملليجرام)، ولا يمكن رؤيتها إلا بالتلسكوب، وسرعان ما يتحول معظمها إلى بخار بالاحتكاك بالهواء، ومنها ما يرى بالعين المجردة كما يقدّر ما يسقط على الأرض بعد احتراقه بمقدار 2500 كيلو جرام يوميا، ولنقرأ في سورة الجن:
) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ( [الجن: 8، 9].
ونلاحظ في هذه الآية – على لسان الجن – أنهم فوجئوا بزيادة لم يعهدوها في الشهب حتى كأنها ملأت سماء الأرض، وقد كشف العلم الحديث قرائن مؤكدة على أنه كان ثمة كوكب بين المريخ والمشترى، قد انفجر في زمان بعيد، وتفتتت أشلاؤه لتسبح بلا هدى في الفضاء، وتصيب كواكب المجموعة الشمسية، ويعتقد أن هذه الأشلاء وغيرها ما زالت مصدر الشهب.
وإلى جانب الشهب تدور في الفضاء أجسام على شكل مذنبات يعتقد أنها مادة ثلجية من ماء محمل بالشوائب مداراتها بيضاوية عالية الاستطالة، يقطع بعضها مدار الأرض كل عشرات السنين، أشهرها مذنب هالى، الذي يظهر كل 76 سنة تقريبا ليختفي، آخرها عام 1934، واقرأ قسم الله تعالى بها: ) فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ( [التكوير: 15، 16]. والخنس: إشارة إلى كل ما يختفي من كواكب ومذنبات.

2/9 رحلات الفضاء:
ينخفض الضغط الجوي بسرعة كلما ارتفعنا في الفضاء ـ وخاصة إذا كان الارتفاع مسرعا، وتجاوز ثلاثة كيلو مترات أو أعلى، مما يسبب صعوبة في التنفس وضيقا في الصدر، عبر عنه القرآن المعجز في الآية:
) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ( [الأنعام: 125].
والصعود في الفضاء يخل بتوازن العينين، فتهتز المرئيات كما تهتز بالسُّكْر المبين، وذلك ما لمسه رواد الفضاء فعلا عندما خرجوا من الكبسولة الفضائية في تجارب السباحة في الفضاء، أليس معجزا أن يقرر القرآن ذلك في الآيات:
) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ( [الحجر: 14، 15] ([1]).
رغم أن القرآن الكريم، وحي خالق السموات والأرض، يقرر أنه قد يكون في وسع الإنسان من حيث المبدأ أن ينطلق في الفضاء بإذن الله، متى آتاه الله "السلطان" أي القدرة اللازمة من طاقة وتقنية:
) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلآَّ بِسُلْطَانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَانِ( [الرحمن: 33ـ 35] ([2]).
إلا أن هذه الآيات أيضا تنبه إلى الأخطار التي يواجهها الصاعد في الفضاء من شهب ونيازك صلبة ومنصهرة، وأشعة حارقة ومدمرة كالأشعة النووية عامة والأشعة الكونية خاصة، تلك الأخطار التي لم يدركها البشر قبل عصر الفضاء . ومن ناحية أخرى فإنه مهما وقى الإنسان نفسه من هذه الأخطار فهناك استحالة علمية للابتعاد في الفضاء أكثر من مسافة سنين ضوئية (انظر: النسبية) تتناسب مع عمر البشر المحدود، لأنه طبقا للنظرية النسبية لا يتجاوز جسم مادي سرعة الضوء، فلو انطلق إنسان بسرعة الضوء ـ جدلا ـ وقضى عمره كله في هذه الرحلة عاش مائة عام فإنه لن يتجاوز واحدا من الألف من قطر هذه المجرة، فما بالك بأقطار سموات الكون، وما بها من بلايين المجرات ([3]








(1) الحسبان: التدبير الدقيق (الوسيط)، والحساب؛ أي بحساب (اللسان)، أي أن حركة الشمس والقمر تجري طبقا لنظام دقيق منذ خلقهما الله تعالى، ولم نتعرف على دقائق هذا النظام إلا حديثا، حوالي 30 سنة؟ . . . بحسابات رياضية في غاية العمق والدقة وخاصة في حالة القمر (المنتخب).

(2) وزن الشيء: قدره (الوسيط)، ومعنى موزون: القدر المعلوم وزنه وقدره عند الله تعالى (اللسان)، أي أن كل نبت. . . في خلقه دقة وإحكام وتقدير (الظلال)، وتقرر هذه الآية حقيقة علمية لم تعرف إلا بعد الدراسات المعملية للنبات، وهي: إن كل صنف من النبات تتماثل أفراده من الوجهة الظاهرية تماثلا تاما، وفي التكوين الداخلي نجد أن التناسق تام والتوازن دقيق في كافة أجهزة النبات المختلفة، وكذلك بين الخلايا (المنتخب).

(3) كل شيء عند الله بمقدار وحساب صغيرا أو كبيرا (المنتخب).

(4) القَدَر: مقدار الشيء وحالاته المقدرة (الوسيط)، لقد وصل العلم الحديث إلى أطراف من هذه الحقيقة. . . في إدراك التناسق بين أبعاد النجوم والكواكب. . . ووضع الأرض لتكون صالحة والعلاقة بين الأحياء وبين الظروف حولها (الظلال).

(5) أي ولا ننزله إلا حسب حاجة الخلق والمصالح كما نشاء ونريد (الصفوة).

(6) قدَّر: تمهل وتفكر في تسوية أمر وتهيئته (الوسيط)، والتقدير: التروية والتفكير في تسوية أمر وتهيئته (اللسان) قدر حجمه وشكله وقدر وظيفته وعمله وزمانه ومكانه وقدر تناسقه مع غيره من أفراد هذا الوجود الكبير . . . وينفي فكرة المصادفة نفيا باتا (الظلال)، وأثبت العلم الحديث أن كل الموجودات تسير وفق نظام دقيق (المنتخب).

(7) الماء . . . فهو مقدر موزون لا يزيد فيغرق، ولا يقل فتجف الأرض وتذبل الحياة (الظلال)، أي بمقدار ووزن معلوم بحسب الحاجة والكفاية، قال البيضاوي: أي بمقدار ينفع ولا يضر (الصفوة).

(1) دورة الحياة والموت هي معجزة الكون وسر الحياة نفسها، والسمات الرئيسية أن الماء وثاني أكسيد الكربون والنتروجين والأملاح غير العضوية في التربة تتحول بالشمس والنبات الأخضر وأنواع من البكتريا إلى مواد عضوية هي مادة الحياة في الحياة والنبات، ثم الشق الثاني من الدورة . . . تحلل . . . وما تذكره الآية الكريمة هو الإعجاز بعينه (المنتخب)، . . . وتتسع الدائرة فيموت الحي كله، ولكن خلاياه تتحول ذرات تدخل في تركيب آخر ثم تدخل في جسم حي . . . وهكذا دورة دائبة في كل لحظة من لحظات الليل والنهار (الظلال) يخرج الميت من الحي: النطفة من الإنسان الحي، والبيضة من الدجاجة، الحي من الميت: الإنسان من النطفة والنبتة من الحبة (أيسر التفاسير).

(2) وإن تحول الطعام الذي يموت بالطهي والنار إلى دم حي في الجسم الحي، وتحول هذا الدم إلى فضلات ميتة بالاحتراق، لأعجوبة يتسع العجب منها كلما زاد العلم بها (الظلال).

(3) وفي كل لحظة يجف عود أو شجرة . . . وفي كل لحظة تدب الحياة في جنين . . . والجثة التي ترمى في الأرض . . . هي مادة جديدة للحياة وغذاء جديد للنبات (الظلال).

(4) البدء والإعادة وإن اتجه معناهما الكلي إلى النشأة الأولى والآخرة، إلا أنهما حدثان دائبان كل لحظة . . . والكون كله في تجدد مستمر وبلى مستمر (الظلال).

(1) تفاوت الشيئان: اختلفا في التقدير، وتفاوت الخلق: اختلف ولم يكن سويا (الوسيط)، أي ما تري اختلافا ولا اضطرابا (اللسان).

(2) العامة تخطئ فتظن الزوج: اثنان، وليس ذلك من مذاهب العرب، إذ كانوا لا يتكلمون بالزوج موحدا في مثل قولهم: زوج حمام، بل يثنونه فيقولون: عندي زوجان من الحمام، أي ذكر وأنثى، أو زوجان من الخفاف، أي اليمين والشمال، ويدل على ذلك أيضا قول الله تعالى:) وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى( : اثنين، وقوله: ) فاسلك فيها من كل زوجين اثنين (، وقوله تعالى ) ثمانية أزواج ( المراد: ثمانية أفراد (اللسان)، وفي الآية حقيقة عجيبة تكشف عن قاعدة الخلق في هذه الأرض. وربما في الكون . . . وهي ظاهرة في الأحياء، ولكن كلمة "شيء" تشمل غير الأحياء أيضا . . . وحين نتذكر أن هذا النص عرفه البشر منذ 14 قرنا فإن ذلك أمر عجيب عظيم (الظلال).

(1) بغير عمد مرئية لكم ولكن رفعها بقدرته وبما شاء من سنن (أيسر التفاسير).

(2) وفي هذا التعبير إشارة إلى أن هناك أعمدة غير مرئية وهي سنة نظام الجاذبية التي خلقها بقدرته، وجعل الأجرام السماوية متماسكة بها (أيسر التفاسير).

(3) لم يكن المخاطَبون (وقت نزول القرآن) يعلمون عن مواقع النجوم إلا القليل، أما في هذا العصر فقد ظهرت معجزة القرآن (الصفوة)، وتبين الآيتان مدى أهمية هذا القسم العظيم، فلو كان بعد الشمس عن الأرض أقل أو أكثر مما هو عليه الآن فإن الحياة تصبح قاسية متعذرة . . . وإذا ما اقترب نجم من النجوم من الشمس فإن ذلك يؤدي إلى اختلال في التوازن وإلى الهلاك وإلى الفناء (المنتخب).

(4) البرج واحد من بروج الفلك، وإنما قيل للبروج بروج لظهورها وبيانها وارتفاعها (اللسان).

(5) الفلك: المدار يسبح فيه الجرم السماوي (الوسيط)، وتسبح في الفلك: إذا جرت في دورانها (اللسان).

(1) مثل آية (إبراهيم/48):"يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات" حيث اقتضى سياق الحديث عن تبديل الأرض غير الأرض ثم ذكر السموات أيضا، وكذلك الآية (طه/4):"تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلا" التي جاءت في معرض تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يتلقى الوحي من العزيز الحميد الذي خلق هذه الأرض التي عليها يحيا كما خلق السموات العلا على امتدادها.

(2) تسبق هذه الآية ركب العلم في تقرير وجود أحياء تدب على بعض الكواكب في مجموعتنا الشمسية أو خارج نطاقها، وهذا ما يحاول العلم الآن الوصول إلى حقيقته (المنتخب).

(3) ودع عنك تصور الأحياء الأخرى في السماء . . . هذه الأحياء التي تدب في السموات والأرض
(الظلال)، . . . وما نشر فيهما من الكائنات الحية المتخالفة في الصور والأشكال (المفسر)، . . . وما نشر فيهما من الدواب المرئية وغيرها . . . (المنتخب).

(1) الرتق: المرتوق، من رتق الشيء رتقا: سده أو لحمه (الوسيط)، وارتتق أي التأم (الصحاح)، والرتق ضد الفتق (اللسان)، وفتق الشيء فتقا شقه (الوسيط)، والنظرية القائمة اليوم . . . أن . . . المجموعات النجمية كانت سديما ثم انفصلت (ورغم أن) هذه ليست سوى نظرية تقوم اليوم وقد تنقض غدا، ولكننا نتقبل النظريات الفلكية التي لا تخالف هذه الحقيقة المجملة التي قررها القرآن... السابق عليها بأجيال (الظلال)، وتقرر هذه الآية معاني علمية أيدتها النظريات الحديثة، وهناك نظريات عديدة كل منها تفسر بعض الظواهر وتعجز عن تفسير الأخرى، لذلك فليس بين هذه النظريات ما هو مقطوع به لدى العلماء بالإجماع (المنتخب) المراد أن السموات والأرض كانت شيئا واحد ملتزقتين ففصل بينهما (أيسر التفاسير).

(2) إن نظرية الخلق تقول: إن المجرة كانت من غبار وغاز، ومن هذين تكونت بالتكثف النجوم، وبقيت
لها بقية، ومن هذه البقية كانت السدم، ولا يزال من هذه البقية منتشرا في هذه المجرة الواسعة
(الظلال).

(3) أوسع الشيء: صيره واسعا، (وأوسع الرجل: صار ذا سعة وغنى) (اللسان)، والتوسيع: خلاف التضييق (الصحاح)، وتشير الآية إلى معان علمية كثيرة منها اتساع السماء اتساعا لا يدركه العقل . . . تقاس فيه المسافات بملايين السنين الضوئية، والآية تشير إلى تلك السعة المذهلة التي عليها الكون منذ خلقه، كما أنها تشير أيضا إلى أن التوسعة مستمرة على الزمن، وهو ما أثبته العلم الحديث أيضا، وعرف بنظرية التمدد التي أصبحت حقيقة علمية في أوائل هذا القرن، وحاصلها أن السدم خارج المجرة التي نعيش فيها تبتعد عنا بسرعات متفاوتة، بل إن الأجرام السماوية في المجرة الواحدة تبتعد بعضها عن بعض (المنتخب).

(1) يسبق القرآن بهذه الآية الكريمة ركب العلم بتقرير أن الزمن نسبي، وأن فكرة الزمن العالمي المطلق الذي كان يسلم به الأقدمون قبل نظرية النسبية هي فكرة خاطئة (المنتخب).

(2) فأيام الأرض مقياس زمني ناشئ عن دورة هذه الأرض حول نفسها أمام الشمس مرة . . . وهو
قياس يصلح لنا نحن أبناء هذه الأرض الصغيرة الضئيلة (الظلال).

(3) تشير الآية إلى حقيقة فلكية، أن 300 سنة شمسية = 309 سنة قمرية، وقد سبقت الآية (في ذلك) علم الفلك (المنتخب)، يخبر الله تعالى أن الفتية لبثوا في كهفهم . . . ثلاثمائة سنين بالحساب الشمسي وزيادة تسع سنين بالحساب القمري (أيسر التفاسير).

(1) السراج: المصباح الزاهر (اللسان)، والمسرجة: ما يوضع فيها الفتيلة والدهن للإضاءة (الوسيط)، الوهاج: الشديد الوهج، من أوهج النار: أوقدها (الوسيط)، وتوهجت النار: توقدت (اللسان)، وفي "السراج" توقد وحرارة وضوء، وهو ما يتوافر في الشمس واختيار كلمة "سراج" دقيق كل الدقة ومختار (الظلال)، وقد ثبت علميا أن درجة حرارة سطح الشمس المشع 6000ْ مطلقة، أما في المركز فتزيد على 30 مليون درجة . . . وتشع الطاقات فوق البنفسجية (9%) والضوئية (46%) والحرارية وتحت الحمراء (45%) ولذلك عبرت الآية بالسراج الذي يطلق الضوء والحرارة معا (المنتخب).

(1) أيضا آيات (فاطر: 13، الزمر:5) تشير إلى أن للشمس أجلا تنتهي عنده، وقد تكون كما يقول علماء الفلك أن الشمس تحرق وقودها من الهيدروجين إلى هليوم، وقد تكون نهايتها بكارثة كونية(المنتخب)، يجريان إلى نهاية الحياة الدنيا فيخسف القمر وتنكدر الشمس (أيسر التفاسير).

(2) أي أن الشمس سراج وهاج، أما القمر فينير بضياء الشمس المرتد من سطحه (المنتخب).

(3) منازل القمر: مداراته التي يدور فيها حول الأرض؛ يدور كل ليلة في أحدها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه (الوسيط)، وهي أوضاعه المختلفة بالنسبة للأرض والشمس وهي التي تنتج عنها أوجه القمر (المنتخب)، والمراد بها سُمُوت بلوغ القمر فيها للناس؛ كل ليلة في سمت منها كأنه ينزل بها (أيسر التفاسير).

([1]) سُكِّر بصره: أي غشي عليه أو حبس عن النظر أو حير وشخص (الوسيط)، وفي التهذيب : قرئ: سُكِرت وسكِّرت، ومعناها أغشيت، وسدت بالسحر فيتخايل بأبصارنا غير ما نرى، وقال أبو عمر والعلاء: مأخوذ من سكر الشراب . الزجاج : يقال سكرت عينه تسكر إذا تحيرت وسكنت عن النظر، أي حبست عن النظر وحيرت (اللسان).

([2]) ثبت حتى الآن ضخامة المجهودات والطاقات المطلوبة للنفاذ من نطاق جاذبية . . . لمدة محدودة جدا بالنسبة لعظم الكون . . . ويدل ذلك على أن النفاذ المطلق من أقطار السموات والأرض التي تبلغ ملايين السنين الضوئية لإنس أو جن مستحيل (المنتخب).

([3]) يلحظ بعض الباحثين أن الصعود والحركة في السماء يعبر عنها في القرآن بالفعل "عرج" كما في آية الحجر السابقة وكذلك في قوله تعالى:
) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ( [سبأ: 2]. و) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( [المعارج: 3، 4]. ومن معاني العرج: الميل أو الانعطاف (المعجم الوسيط)، وذلك يتفق مع ما هو معروف من أن الحركة في الفضاء تتخذ دوما مساراً منحنياً، والأمر يستحق مزيداً من البحث في أصل ومدلولات "العروج" في لغة العرب، وطبيعة حركة المادة والطاقة في الفضاء.

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22