عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2014 ~ 07:28 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي
  مشاركة رقم 4
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الفصل الرابع
في الكائنات الحية

4/1 عالم الحيوان:
أثبتت دراسات علم الحيوان صحة ما أشار إليه القرآن، من أن مجتمعات الحيوانات تسودها أسس ونظم حياة – كمجتمعات البشر، حتى إن علم الحيوان يقسم المملكة الحيوانية إلى رتب، والرتب إلى فصائل ثم إلى أجناس ثم إلى أنواع، وما زال العلم يكشف المزيد من هذه الأمم برا وبحرا وجوا، مصداقا لقوله تعالى:
)وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ([الأنعام: 38](1).
ومن ناحية أخرى نبه القرآن إلى أنه – بجانب ما كان معروفا من الحيوانات التى تمشي على أربع أو على رجلين أو تزحف على بطنها – فهناك ثمة أنواع أخرى قد يهتدى الإنسان لتركيبها فيما بعد، كالحشرات التى تمشي على ستة أرجل كالذباب والنمل والبعوض، أو على ثمان كالعنكبوت وغيرها كثير، مما هو أصغر وأدق، وهو مالم يتيسر إدراكه إلا بالوسائل الحديثة كالفحص المجهرى بالمجاهر البصرية والمجهر الإلكترونى، تدبر قوله تعالى:
)وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ( [النور: 45](2).
والمتأمل في سلوك الحيوانات والطيور والأسماك والحشرات وغيرها يرى كيف ألهمها الله التعايش والتفاعل مع غيرها من الكائنات؛ وإلى التكيف مع البيئة لتبقى وتتكاثر، بل يرى أيضا كيف ألهمها الله التخاطب فيما بينها بإصدار أصوات أو ذبذبات؛ أمكن تسجيل بعضها بقدر ما تتيحه أجهزة قياس الذبذبات؛ ثم الاجتهاد في فك رموزها وتفسير معانيها:
)قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ( [طه: 50] (3).
)الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى( [الأعلى: 2،3](4).
ويتجلى هدى الله لكائناته، وإعجاز قرآنه في إشاراته عند التأمل في عالم النمل وعالم النحل.

4/2 النمل:
توصل علماء الحيوان إلى معرفة الكثير من أوجه الشبه بين سلوك النمل وسلوك الجماعات الإنسانية: التعاون في بناء البيوت وفي شق الأنفاق؛ وفي ادخار الطعام في الصيف تحسبا لفصل الشتاء، وقضم طرف البذور حتى لا تعاود الإنبات وتتلف لو تسرب إليها مطر الشتاء، ثم اللغة والتخاطبُ؛ التي كشفتها تجارب حديثة، حيث راقب أحد العلماء مجموعة من النمل عثرت إحداها على جثة ذبابة، فأخذت تدور حولها وتتحسسها وتحاول رفعها لعدة دقائق، ثم تركتها وسارت بعيدا حيث قابلت أكثر من نملة، كانت تتوقف عندها كأنها تحدثها، وفي آخر المطاف عادت ومعها مجموعة حاشدة من النمل، تعاونت في رفع الذبابة من مكانها وحملها بعيدا إلى مساكنهم. قال تعالى:
)حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ. فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ( [النمل: 18،19].
ذلك ما كان من شأن سيدنا سليمان الذي علمه الله كيف يفهم لغة كثير من الكائنات:
)وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ( [النمل: 16].

4/3 النحل:
حكى القرآن عن نظامه الدقيق وعمله الدءوب، ودورة غذائه على مختلف النباتات، ليخرج العسل أنواعا وأنواعا، كما أشار إلى إلهام المولى تعالى للنحل أن تجمع الرحيق من مختلف الأزهار والثمار، ثم تحوله في داخلها إلى عسل مختلف لونه وطعمه، ليخرج من باطنها سائغا له فوائد جمة، وبه شفاء كثير من الأمراض، وهو ما عرفه الإنسان – بعد ذلك- بالدراسة الدقيقة والمتابعة المتأنية والبحوث المفصلة حول حياة النحل وإنتاج العسل (انظر أيضا: عسل النحل)، كما كشف القرآن عن تنوع مساكن النحل، والتي بينتها الحفريات القديمة: في الجبال؛ وفي جذوع الأشجار الجوفاء قبل ظهور الإنسان، ثم المناحل التي صنعها الإنسان، كل ذلك جمعته الآيتان التاليتان في كلمات وجيزة مركزة:
)وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( [النحل: 68،69](1).
تشير هذه الآية الثانية أيضا إلى عجيبة من عجائب النحل – بهدى المولى سبحانه وتعالى – والتي بينتها الدراسات، ألا وهي المسافات الشاسعة التي تقطعها النحلة بعيدا عن الخلية بحثا عن مصادر الرحيق، دون أن تضل الطريق – ذهابا أو إيابا، واهتدائها إلى تلك المصادر المناسبة بالنظر وبالشم وبالذوق، ثم تبادل النحل المعلومات عن تلك المصادر: بالتخاطب الصوتي وبالرقص الذي تحمل كل حركة فيه دلالة معينة، تنبئ عن نوع المصدر واتجاهه وبعده عن المكان.

4/4 منابع اللبن:
تأمل إعجاز الدقة في الوصف الفسيولوجي والتشريحي لمنبع اللبن في الأنعام، كالأبقار والجاموس، والتي أكدها العلم بعد قرون عديدة من التنزيل الحكيم، إذ تتوزع نواتج الهضم في الأنعام بين: الدم إلى العروق، واللبن إلى الضروع، والروث إلى المخرج، وكان ذلك أيضا قبل اكتشاف كيفية التمثيل الغذائي والدورة الدموية، بقرون عديدة:
)وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ( [النحل:66](2).
والفرث: بقايا الطعام في كرش الأنعام.
وتأمل أيضا إشارة القرآن ثم إشادة المصطفى صلى الله عليه وسلم بفضل اللبن ومنتجاته، كمصدر أساسي عظيم للتغذية؛ يطلق عليه: "الغذاء الكامل":*(من سقاه اللهُ لبناً فليقل: "اللهم بارِكْ لنا فيه وزِدْنا منه"، فإني لا أعلمُ ما يُجْزِئُ مِنْ الطعامِ والشرابِ إلاَّ اللَّبَن) (أبو داود وابن ماجة وأحمد).
*(إِن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ داءً إلاَّ وَضَعَ له شِفاءً فَعَلَيْكُ بأَلبْانِ البَقَرِ فإنَّها تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَر) (أحمد).

4/5 زوجية الكائنات الحية:
كشف المجهر الإلكتروني أن كل الكائنات الحية – مهما دَقَّت- أزواج، بل إن المكونات الحيوية – على مستوى الخلية أو أدنى – أزواج، فالكروموسومات التي تحمل الصفات الوراثية بالخلية ما هي إلا أزواج من الشرائط التي تتوزع عليها الأحماض الأمينية، والنطفة "الأمشاج" خليط من بويضة وحيوان منوي، والحيوانات المنوية نوعان: أحدهما يحمل الصفات الوراثية المذكَّرة والآخر الصفات المؤنَّثة، ومسببات الأمراض من ميكروبات وفيروسات وبكتريا لكل منها أجسام مضادة:
)وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ([الذاريات: 49].
وليس عالم الحيوان وحده أزواج، بل عالم النبات كله أزواج كذلك؛ بينما لم تعرف العرب وقت نزول القرآن من أزواج النبات سوى النخيل، ولم يعرف البشر إلا بعد اكتشاف المجاهر أن للنباتات كغيرها من الكائنات الحية: أعضاء تذكير (السِّدات) وأعضاء تأنيث (المبيض)، وأن الرياح وغيرها من العوامل تحمل حبوب اللقاح إلى الجنس المخالف ليتم التكاثر، كما جاء في الآية السابقة وفي الآية التالية:
)وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ([الرعد: 3](1).
وثبت بذلك إعجاز جديد للقرآن الكريم الذي أكد زوجية كل الكائنات.

الفصل الخامس
في خلق الإنسان



5/1 الوراثة:
تتحدد صفات الخلية الحية بما تحمله من كروموسومات، والكروموسومات بناء من البروتينات والأحماض الأمينية الأربعة: أدينين، ثيامين، جوانين، سيتوزين، مرتبة في الفراغ على هيئة شريطين حلزونيين ملتفين حول بعضهما، وتحمل الكروموسومات الشفرة التي توجه نشاط الخلية وانقسامها وما إلى ذلك، تبعا لترتيب الأحماض الأمينية على امتداد الشريطين في الفراغ، ومن المعروف أن الجنين يتكون من اتحاد خلية واحدة من الذكر (الحيوان المنوي) وخلية واحدة من الأنثى (البويضة)، ومن هنا فإن الصفات الوراثية تتحدد بكل من كروموسومات الأب وكروموسومات الأم، 50% لكل منهما، ويتم ذلك ابتداء من النطفة الأولى التي تجمع بين الحيوان المنوي والبويضة: النطفة الأمشاج أي الخليط، والمشيج: كل شيئين مختلطين، حيث تتشكل الجينات للمخلوق الجديد مصداقا للآية:
)إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا( [الإنسان: 2[،
وفي الحديث أيضا:
*(أن يهوديا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه فقالت قريش: يايهودي إن هذا يزعم أنه نبي، فقال: لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي، فقال: يا محمد مم يُخْلَق الإنسان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا يهودي من كُلٍّ يُخْلَق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة) (أحمد).
ومن ناحية أخرى فإن السائل المنوي في حد ذاته أمشاج من عدة مكونات: الحيوانات المنوية من الخصيتين، وإفراز الحويصلات المنوية، وسائل البروستاتا، وإفرازات غدد كوبر وغدد ليترى، وسنرى بعد ذلك آية أخرى من آيات الإعجاز في القرآن بإشارته إلى أن جنس المولود إنما يتحدد بنوع الحيوان المنوي الذي يصيب البويضة. وهناك صفات وراثية قد لا تظهر في الجيل الأول من الأبناء، ثم تظهر بعد جيلين أو ثلاث يطلق عليها الصفات الوراثية المتنحية، وقد هدى الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نَفْىَ ولده، لأن امرأته ولدت غلاما أسود، فقال له صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حُمْرٌ، فقال صلى الله عليه وسلم: هَلْ فيها من أَوْرَق (أي أسود) قَالَ: إن فيها أَوْرَقًا، قال: فأني تُرَى ذلك جاءَها؟ قال: يا رسولَ اللهِ عِرْقٌ نَزَعَهَا، قال: ولَعَلَّ هذا عِرْقٌ (البخاري ومسلم).

5/2 المني:
أشار القرآن الكريم إلى مصدر المني في جسم الإنسان إشارة لم يفهمها الأقدمون، إلى أن قدمت المعارف الطبية الحديثة بيانا شافيا لها، جاء في الذكر الحكيم:
)فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(
[الطارق: 5-7](1).
وبيان ذلك أن الخصيتين (وكذلك مبيضا الأنثى) تنشآن في الجنين بين الخلايا الغضروفية المكونة لعظام العمود الفقري أي "الصلب"، وتلك المكونة للصدر "الترائب" (انظر: تطور الجنين)، وذلك قبل نزول الخصيتين إلى موضعهما المعتاد في الشهر السابع، وتظل الخصيتان تستمدان الماء والغذاء من الشريان المغذي لهما، المتفرع من الشريان الأورطى بحذاء الشريان الكلوي، كما يتحكم في نشاطهما: العصب الصدري العاشر الذي ينبع من النخاع بين الضلع العاشر والحادي عشر، وقد فسر الأقدمون "الصلب والترائب" خطأ على أنها صلب الرجل وترائب المرأة، ولو كان الأمر كذلك لكان التعبير: "من الصلب ومن الترائب" وليس "من بين الصلب والترائب".

5/3 جنس الجنين:
بالسائل المنوي عشرات الملايين من الحيوانات المنوية، وهذه الكائنات خلايا وحيدة متماثلة كل التماثل في كروموسوماتها الأربع والعشرين عدا واحدا: هو الكروموسوم المحدد للجنس، وهو إما مذكر يرمز له بالرمز Y أو مؤنث يرمز له بالرمز X، أما بويضة الأنثى فهي الأخرى خلية وحيدة، كروموسوماتها ثلاث وعشرون إلى جانب الكروموسوم الأخير المحدد للجنس وهودائما مؤنث X. عند التقاء الذكر بالأنثى تتدافع ملايين الحيوانات المنوية نحو البويضة، والحيوانات المنوية المذكرة Y أكثر حيوية وسرعة من المؤنثة، فإذا سبقت كان الحمل ذكرا، وإلا اجتمعت الصفات المؤنثة مع الصفات المؤنثة للحيوان المنوي X فكان الحمل أنثى، ومن هنا أثبت علم الوراثة الحديث أن جنس المولود إنما يحدده في المقام الأول الحيوان المنوي، ويتفق ذلك مع سياق الآيات التي ربطت بين المني وبين جنس المولود، بشكل يؤكد إعجازها:
)وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى([النجم: 45، 46[(1)
)أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى([القيامة:37-39[.
كما رأينا: تبدأ الحياة بالتقاء بويضة وحيوان منوي. تحمل الأنثى في كل دورة شهرية بويضة جديدة صالحة للإخصاب بالسائل المنوي، الذي يضم في القذفة الواحدة عشرات الملايين من الحيوانات المنوية التي قد يصل عددها إلى 350 مليونا، ومن كل هذه الملايين لا ينجح إلا واحد فقط في إخصاب البويضة، وهنا نجد روعة الدقة العلمية في اختيار القرآن لتعبير "نطفة مِنْ" مني يمنى، فالنطفة مقدار ضئيل للغاية (النطفة لغة: القطارة والقليل من الماء، ونطف الماء: قطر) من ذلك الماء – وليس كل الماء أو معظمه الذي يقوم بالإخصاب، كما عبرت بذلك الآيات، وأكد ذلك أيضا – بعلم من المولى عز وجل – المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه:
*(ما مِنْ كُلِّ الماءِ يكونُ الوَلَدُ، وإذا أرادَ اللهُ خَلْقَ شَيءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيء) (مسلم).
ومن ناحية أخرى فإن ارتباط جنس المولود بحيوان معين ضمن ملايين الحيوانات يقطع باستحالة التنبؤ – فضلا عن التحكم – في جنس نطفة تحملها أنثى، كما ثبت أن جنس المولود الجديد لا يتحدد ولا يظهر قبل ستة إلى سبع أسابيع، مما يؤكد عجز العلم من جهة، وإعجاز قدرة الله تعالى، الذي خص نفسه بمعرفة ما تغيض الأرحام، كما جاء في أكثر من آية:
)اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ(
[الرعد: 8].
)...وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ...( [الحج: 5].
)إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( [لقمان: 34[.
)وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير([فاطر: 11].
)إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا ءَاذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ([فصلت: 47].

5/4 تطور الجنين:
من أبلغ آيات الله المبهرات في كتابه الكريم ذلك الوصف التشريحي الدقيق لمراحل تكون الجنين منذ كان نطفة، تطورت إلى علقة ثم إلى مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم نشأت فيها العظام وكسيت لحما، حتى بدايات الحركة والحياة قبل الخروج إلى العالم، وكذلك ذكر ما يحفظ الجنين في قرار مكين. أنَّي لأمم لم تعرف شيئا من علم التشريح ولا الفحص المجهري للكائنات المتناهية الصغر، ولم تملك زمامه لقرون طوال أن تدرك مغزى ما أنبأها به العليم الحكيم.
ولنبدأ القصة من أولها: في منتصف كل دورة شهرية يفرز مبيض الأنثى خلية واحدة هي البويضة التي اكتمل نموها، فتدفعها إلى قناة فالوب، حيث يتاح لها – في الظروف الملائمة أن يصيبها حيوان منوي (وهو الآخر خلية وحيدة) لها رأس وذنب، "يتعلق" في جدار البويضة وينشب فيها، وهنا تندفع البويضة الملقحة (خليط البويضة والحيوان المنوي) إلى داخل الرحم، حيث "تتعلق" بجداره بواسطة خلايا "أكالة"، وتتخذ شكل دودة العلقة الممتلئة دما، مصداقا لقوله تعالى في أول ما نزل من القرآن: )خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ( [العلق: 2[(1).
والعلق لغة: كل ما علق، وعَلِقَ بالشيء عَلًَقاً وعَلِقَه: نَشِب فيه، ورغم ذلك لم يدرك المفسرون القدماء حقيقة الحيوان المنوي "المتعلق" بجدار البويضة، ليتكون منه الجنين "المتعلق" هو الآخر بجدار الرحم، فصرفوا المعنى إلى أن العلقة كناية عن الدم المتخثر (ربما لما كان يشاهد في حالات الإجهاض المبكر)، ثم عبرت الآيات بوضوح عن كون العلقة مرحلة محددة من مراحل نشأة الجنين، كما جاء في قوله تعالى:
)يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْمَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَمِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ([الحج:5[(2)
)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ( [المؤمنون:13، 14] (3).
منذ اللحظة الأولى لتلقيح البويضة تبدأ الخلية (الخليط) في النمو عن طريق سلسلة مستمرة من الانقسامات، ويستمر نمو العلقة – التي لا تُرى بالعين في بدايتها – إلى أن تتخذ شكل قطعة من اللحم الممضوغ، والتي يعبر عنها أبلغ تعبير لفظ "مضغة"، ثم رويدا رويدا تأخذ المضغة في التشكل وفق نظام معقد مبهر، لكل خلية فيه وظيفة محددة ودور معلوم، وهنا تتضح معالم أعضاء الجسم شيئا فشيئا، وذلك وجه لفهم الفرق بين المضغة "المخلقة" و "غير المخلقة"، وقد يفهم الفرق بوجه آخر – وذلك على مستوى الخلايا – فالخلايا نوعان: منها ما يساهم في تكوين أعضاء الجسم الداخلية والخارجية المعينة – أي أنها "تتخلق" لوظيفة محددة، ومنها ما يظل منذ البداية ثم طوال حياة الإنسان، خلايا غير متميزة تتجدد باستمرار لتلبي احتياجات الجسم عند الجروح أو الكسور فتصبح خلايا دم أو عضلات أو غيرها.
ثم يستمر نمو الجنين على ثلاثة محاور: الخلايا الخارجية تتحول إلى " الجلد والجهاز العصبي"، والخلايا الوسطى تتحول إلى "عظام"، تبدأ كمادة غضروفية تترسب حولها مادة العظم، ثم تكسى باللحم: "فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما"، أما الخلايا الداخلية فتتحول إلى عضلات وأوعية وأحشاء داخلية.
تتحدد المعالم الكاملة للجنين في نهاية الأسبوع السادس، كما يكتمل تركيب المخ بأجزائه ومعالم الجهاز الهضمي، وكذلك معالم الوجه كالعينين والأنف والأذنين، ومعالم الأطراف من يدين ورجلين وأصابعهما، وجنس الجنين ذكرا أم أنثى.
هذه هي الأطوار التي يمر بها الجنين كما فصلتها الآيات السابقة، وكما أجملها قوله الحق تعالى:
)وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا( [نوح: 14](1).

5/5 القرار المكين:
يستمر نمو الجنين في قراره المكين إلى الوقت المعلوم، ويسبح طوال ذلك في سائل مائي به كل السكريات والبروتينات والأملاح غير العضوية التي يحتاجها. يحفظ السائل غشاء متين هو الغشاء الأمنيوني، ويتلقى السائل الأمنيوني غذاءه من الأم عن طريق طبقة ثانية هي غشاء المشيمة (الذي كان بادئ الأمر: جدار البويضة الملحقة الذي تعلق بجدار الرحم ثم ظل ينمو بنمو الجنين)، يقوم غشاء المشيمة بشكل انتقائي بنقل الأغذية والأكسجين من جدار الرحم إلى السائل الأمنيوني، كما يلفظ فضلات الجنين كالبولينا وثاني أكسيد الكربون، أما الغشاء الثالث فهو الغشاء المبطن للجدار الداخلي للرحم (الغشاء الساقط) وقد تضخم إلى غشاء اسفنجي امتلأ بالدم الذي يخدم العمليات الحيوية للجنين. استقرار جنين في رحم أم تسعى وتشقى وتتعرض لشتى عوارض الحياة طوال أشهر تسع، معجزة من معجزات الخلق، والإشارة إلى ذلك بعبارة ) فِي قَرَارٍ مَكِينٍ( [المؤمنون: 13[(2) دليل على صدق القائل العليم. لقد حار القدماء في مغزى ذلك "القرار" حتى تبين لنا بالعلم أنه قرار بلغ من عظمة التصميم وحكمة الخلق ذروته، فمن ذلك وضع الرحم في عظام "الحوض الحقيقي"، وربطه بواسطة عضلات بجدارن الحوض (مع استمرار النمو الكبير للجنين)، ومؤازرته بعضلات الحوض والعجان (نسيج ضام يربط عنق الرحم بالمثانة من ناحية، وبالمستقيم من ناحية أخرى)، وغير ذلك مما يحمى الجنين، كالأغشية الثلاث التي أشرنا إليها من قبل، والسائل الأمنيوني الذي يسبح فيه الجنين فلا يتأثر بحركة الأم، والذي يمنع الأغشية من الالتصاق بالجنين عند الولادة، كما يوسع – لكونه جيبا للمياه – عنق الرحم ليخرج الوليد إلى النور بسلام.

5/6 الظلمات الثلاث:
صدق المولى عز وجل من قائل:
)يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ( [الزمر: 6]1).
وقد اختلف العلماء والمفسرون في تحديد تلك الظلمات الثلاث وأقربها إلى الصواب – الذي يتفق مع مراحل "خلق" الإنسان ومع معنى "الظلمة" – أنه:
1. المبيض الذي يختزن بويضات الأنثى إلى حين انطلاقها.
2. قناة فالوب التي يتم فيها التلقيح – بمشيئة الله – وبداية الحمل، ثم:
3. الرحم الذي ينمو فيه الجنين حتى يرى النور.
ومن العلماء من رأى أن الظلمات الثلاث هي الغشاء الأمنيوني، ثم المشيمة، ثم الغشاءالساقط، ولكن هذه لا ينطبق عليها لفظ "ظلمة".
ومن السلف وبعض المفسرين من رأى المقصود بالظلمات الثلاث: جدار البطن والرحم والمشيمة، إلا أن ما ذكرناه أولا من مواضع هي المتعلقة فعلا بالجنين وتطوره خلقا بعد خلق، ثم ينتهي دورها بخروج المولود إلى النور.

5/7 الروح:
الروح كيان يميزالحي عن الميت ولا يجادل في وجودها أحد ولكن ما هو ذلك الروح، الذي يجعل القلب ينبض تلقائيا، وهو بعد مضغة وجنين في ظلمات الرحم، ويجعل المخ يعمل ويتلقى الرسائل ثم يلقى الأوامر إلى كل خلية من خلايا الجسم في نظام رائع متشابك، وهو أيضا الروح الذي بخروجه – لسبب أو لغير سبب مفهوم – تنتهي الحياة، لقد تحدى الله البشر أن يدركوا من أمرها شيئا:
)وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ا( [الإسراء: 85].
وقد مرت قرون ظن فيها بعض بني البشر أنهم قد أوتوا من كل شيء علما، ولكن أحدا منهم لم تأته بعد بارقة من معرفة بكنه الروح التي اختص الله تعالى نفسه بعلمها، تحد قائم مازال معجزا حتى هذا الزمان وفي كل زمان.

5/8 الجلد:
الجلد مركز الإحساس بالألم لوخز أو حرق أو ما إلى ذلك، ذلك أمر معروف، تفسيره العلمي أن أعصاب الجلد تنقل إشارات إلى مراكز الإحساس بالمخ، أما ما لم يعرفه البشر إلا حديثا فهو أن الإنسان يفقد إحساسه بالألم عندما تتلف أعصاب الجلد هذه بمؤثرات كالحرق أو الجذام، وقد أنذر القرآن الكريم الكافرين والمنافقين؛ والعاصين المصرِّين، بالخلود في نار جهنم، وهناك – كى يتجدد إحساسهم بالألم ولا يفتر عنهم العذاب – تبدل جلودهم أولا بأول، كما جاء في قول الخالق العليم:
)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا[النساء: 56](2).

5/9 البصمات:
إن الخطوط المميزة لبصمات الأصابع، والتي لا تتكرر بين إنسان وإنسان، في أي زمان أو مكان، حقيقة علمية لم يكتشفها الطب الشرعي إلا في القرن التاسع عشر، ليعتمد عليها علم الجريمة بعد ذلك في كشف الجرائم، ومن هنا كان إعجاز القرآن – في معرض الرد على منكري البعث – بالتنويه بقدرة الله تعالى في تسوية؛ ثم إعادة تسوية، أطراف الأصابع (البنان) بأدق تفاصيلها المتميزة لكل إنسان، ذلك البنان الذي يبدو – لمن لا يعلم- ضئيل الشأن، لا يستحق في القرآن ذكرا، بينما هو دليل على دقة الله في خلقه، والتي لا يدرك قدرها إلا العالمون، واختصاص البنان بالذكر في الآية آية على عِلْم مُنْزِل القرآن العظيم:
)أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ( [القيامة: 3، 4](1).

5/10 المناعة:
أظهر الطب الحديث الدور المعقد والرائع لكل من المناعة الطبيعية والمكتسبة، وتتمثل المناعة الطبيعية في الإفرازات السطحية المقاومة للبكتريا في الجلد وفي الأغشية المخاطية، وفي مواد مضادة للبكتريا في الأنسجة وسوائل الجسم؛ وفي خلايا الدم الملتهمة (من كرات الدم البيضاء وبعض أنواع البكتريا داخل الجسم) التي تقاوم البكتريا المعادية، أما المناعة المكتسبة فتتمثل في الأجسام المضادة والخلايا المضادة، وقال في ذلك عز من قائل:
)إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ( [الطارق: 4].
ولقد فهم العلامة ابن كثير في تفسيره الشهير الذي أخرجه في القرن الثامن الهجري من هذه الآية أن "كل نفس عليها من الله حافظ يحفظها من الآفات"، دون أن يعرف هذه التفاصيل الحديثة التي فصلتها تجريبيا دراسة الميكروبيولوجيا. آية أخرى للإعجاز القرآني.

5/11 السمع:
تكرر في القرآن تقديم "السمع" على "البصر" (15 آية) ولذلك مغزى طبي عميق إذ يتسق مع ترتيب اكتساب الحواس لدى الإنسان بعد ولادته في مثل قوله:
)وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( [النحل:78[.
كما يتسق تقديم السمع على البصر مع الحقائق الآتية:
- استمرار حاسة السمع؛ دون البصر، ليلا ونهارا حتى أثناء النوم.
- الأهمية النسبية للسمع عن البصر في التلقي والفهم والحفظ والتفاعل الاجتماعي.
كما عبر الحديث الصحيح عن بداية تكوين أعضاء السمع بلفظ غاية في الدقة وهو شق السمع، في قوله صلى الله عليه وسلم:
*(سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَه) (مسلم).
ومن المعروف أن قناة السمع الخارجية تتشكل في الجنين ثم تغلق، وتظل كذلك حتى الشهر السابع حيث تنشق لتبدأ حاسة السمع في العمل، وكذلك تنشق عدسة العين المغطاة حينئذ بالمحفظة العدسية الوعائية التي تتخللها أوعية دموية تضمر في الشهر السابع فتنشق في وسطها فتحة: هي حدقة العين، ثم تنشق الجفون الملتصقة.

5/12 شدة الصوت:
حواس الإنسان قد خلقها الله وحدد مداها الذي لا تحيد عنه، فنحن نرى الأشياء التي ينعكس منها ضوء طوله الموجى منحصر بين الأشعة الحمراء في الجانب الأطول والأشعة البنفسجية في الجانب الأقصر فحسب، ولكننا لا نرى الموجات الأطول (كالأشعة تحت الحمراء)، ولا الأقصر (كالأشعة فوق البنفسجية والسينية والكونية)، وكذلك السمع له حدوده فلا تدرك الأذن من الأصوات إلا ما كانت ذبذباته في المدى المسمى بالموجات الصوتية، بينما لا نشعر بموجات اللاسلكي ولا الموجات فوق الصوتية، وحساسية الأذن أيضا حساسية محدودة لشدة الصوت، فلا تميز الأصوات لو قلت شدتها عن 10-12 وات/م2 (بداية مقياس الديسيبل)؛ ولا تتحمل الأصوات التي تزيد شدتها عن 200 ديسيبل، ولو زادت لصعق الإنسان ومات على الفور، وذلك بيان صادق لقوله تعالى فيما يصف به قيام الساعة:
)وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ( [الزمر: 68[.
فالأولى صعق بشدة الصوت لمن كان حيا يومئذ، والثانية بعث وإعادة للخلق، كما خلق الإنسان أول مرة من عدم، بأمر الله تعالى وقدرته.
كما جاء في هول صيحة القيامة آيات كثيرة منها:
)إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ( [يس: 29[.
)وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ( [ص: 15].
وجاء أيضا ذكر الصعق بشدة الصيحة في قصة ثمود، قوم صالح عليه السلام، في عدة آيات منها: (هود/67، هود/94، الحجر/73، الحجر/83، المؤمنون/41، القمر/31).



(1) وهي حقيقة هائلة، لا تستطيع ملاحظاتهم وحدها حينذاك – حيث لم يكن لهم علم منظم - أن تشهد بها: حقيقة تجمع الحيوان والطير والحشرات من حولهم في أمم (الظلال)، تنتظم الكائنات الحية في مجموعات يختص كل منها بصفات تكوينية ووظيفية وطبائع مميزة... وهذا ما يكشفه علم التصنيف كلما تعمق في دراسة نوع منها (المنتخب).

(2) "يخلق الله ما يشاء": إذ بعض الحيوانات لها أكثر من أربع (صفوة التفاسير).

(3) كل شيء مخلوق ومعه الاهتداء الطبيعي الفطري للوظيفة التي خلق لها (الظلال)، أودع الله سبحانه وتعالى في كل شيء صفاته الخاصة التى تؤهله لأداء وظيفته التي خلق لها في هذه الحياة ( المنتخب ).

(4) وهذه الحقيقة الكبرى ماثلة في كل شيء الذرة. . . الخلية الحية. . . الكائنات الحية. . . المجموعة الشمسية (الظلال)، فسوى خلقه، وقدر. . . تقديرا مناسبا للحكمة، ومؤديا للأغراض التي خلقه من أجلها على أحسن حال (المفسر).

(1) بيوت النحل في ثلاثة: في الجبال وكواها، ومتجوف الأشجار، وما يعرش لها من الأجباح والخلايا والحيطان، وعَرَشَ يَعْرِش: إذا بنى عريشا من الأغصان والخشب، ومن عجيب ما ألهم الله النحل أنه يجعل بيوته مسدسة الشكل (أيسر التفاسير).

(2) الحقيقة العلمية التي يذكرها القرآن عن خروج اللبن من بين فرث ودم لم تكن معروفة لبشر، وما كان لبشر في ذلك العهد ليتصورها فضلا أن يقررها بهذه الدقة العلمية الكاملة. . . ووجود حقيقة من نوع هذه الحقيقة يكفي وحده لإثبات الوحي من الله بهذا القرآن (الظلال)، توجد في ضروع الماشية غدد خاصة لإفراز اللبن تمدها الأوعية الشريانية بخلاصة مكونة من الدم؛ والكيلوز وهو خلاصة الغذاء المهضوم، وكلاهما غير مستساغ طعما، ثم تقوم الغدد اللبنية باستخلاص العناصر اللازمة لتكوين اللبن. . . (المنتخب)، فسبحان ذي القدرة العجيبة والعلم الواسع والحكمة التي لا يقادر قدرها (أيسر التفاسير).

(1) حقيقة لم تعرف للبشر عن طريق علمهم وبحثهم إلا قريبا: هي أن كل الأحياء وأولها النبات تتألف من ذكر وأنثى، حتى النباتات التي كان مظنونا أن ليس من جنسها ذكور تبين أنها تحمل في ذاتها الزوج الآخر، فتضم أعضاء التذكير والتأنيث مجتمعة في زهرة، أو متفرقة في العود (الظلال)، النباتات الزهرية المثمرة جميعها تنتج من تزواج عناصرالذكورة والأنوثة سواء أكانت تلك العناصر في زهرة واحدة أو في زهرتين مختلفتين (المنتخب).

(1) الصلب فقار الظهر (الوسيط)، وكل شيء من الظهر فيه فقار فذلك الصلب (اللسان)، والترائب عظام الصدر مما يلي الترقوتين (الوسيط)، الدراسات الجنينية الحديثة أن نواة الجهاز التناسلي والجهاز البولي في الجنين تظهر بين الخلايا الغضروفية المكونة لعظام العمود الفقري وتلك المكونة لعظام الصدر، وتبقى الكلى في مكانها وتنزل الخصية إلى مكانها الطبيعي في الصفن عند الولادة. . . الشريان الذي يغذيها بالدم. . . كما أن العصب الذي ينقل الإحساس إليها يساعدها على إنتاج الحيوانات المنوية وما يصاحبها من سوائل. . . وواضح من ذلك أن الأعضاء التناسلية وما يغذيها من أعصاب وأوعية دموية تنشأ في موضع في الجسم بين الصلب والترائب (المنتخب).

(1) النطفة: القليل من الماء (اللسان)، ونطف الماء: قطر، والقربة تنطف أي تقطر (الصحاح) والنطفة من معانيها القطرة (الوسيط).

(1) العلق: كل ما علق (الوسيط)، وقال اللحياني: النُّشوب في الشيء يكون في جبل أو أرض أو ما أشبههما. والعلق في الثوب: ما عَلِق به، وأصاب ثوبي عَلق بالفتح، وهو ما عَلِقَه فجذبه (اللسان)، والعلقة: دودة في الماء تمص الدم!! (الصحاح)، العلقة الدودة الصغيرة، وقد أثبت الطب الحديث أن المنى محتوى على (حيوانات وديدان صغيرة) لا ترى بالعين وإنما بالمجهر الدقيق وأن لها رأسا وذنبا (الصفوة)، العلق اسم جمع واحدُهُ علقة. . . كانت. . . نطفة ثم تطورت إلى علقة تعلق بجدار الرحم (أيسر التفاسير).

(2) المضغة: القطعة الصغيرة من اللحم (الوسيط)، مخلقة: قد بدا خلقها، وغير مخلقة لم تصور (اللسان) حيوان واحد هو الذي يلقح البويضة. . . المضغة، وهي قطعة من دم غليظ لا تحمل سمة ولا شكلا ثم تخلق فتتخذ شكلها بتحولها إلى هيكل عظمي يكسى باللحم (الظلال).

(3) هنا يقف الإنسان مدهوشا أمام ما كشف عنه القرآن. . . لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيرا بعد تقدم علم الأجنة التشريحي. . . خلايا العظم غير خلايا اللحم، وقد ثبت أن الخلايا العظم هي التي تتكون أولا في الجنين، ولا تشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا العظم وتمام الهيكل العظمي. . . (الظلال)، وقد أثبت علم الأجنة والتشريح أن النطفة في طورها الثاني تعلق بجدار الرحم طيلة طورها الثاني فهي بمعنى عالقة ولا منافاة بين كونها علقة وعالقة (أيسر التفاسير).

(1) والذي عليه أكثر المفسرين أنها الأطوار الجنينية من النطفة إلى العلقة. . . ويمكن أن يكون مدلولها ما يقوله علم الأجنة. . . في أول أمره يشبه (الجنين) حيوان الخلية الواحدة ثم المتعدد الخلايا ثم شكل حيوان مائي. . . ثم ثديي. . . الشكل الإنساني، وهذا أبعد من إدراك قوم نوح، فقد كشف هذا حديثا جدا. . . وقد تكون لها مدلولات أخرى لم تكشف للعلم بعد. . . ولا نقيدها (الظلال)، أي حالا بعد حال فطَوْرًا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة (أيسر التفاسير).

(2) "في قرار مكين": ثابتة في الرحم الغائرة بين عظام الحوض، المحمية بها من التأثر باهتزازات الجسم، ومن كثير مما يصيب الظهر والبطن من لكمات وكدمات، ورجات وتأثرات. . . (الظلال).

(2) تدل على شدة العذاب. . . بدليل ما تقرره الحقيقة العلمية من أن الأعصاب المنتشرة في طبقات الجلد هي أكثر الأعصاب حساسية لمختلف المؤثرات من حرارة وبرودة (المنتخب).

(1) ذكر البنان لما فيها من غرابة الوضع ودقة الصنع، لأن الخطوط والتجاويف الدقيقة. . . لاتماثلها خطوط أخرى. . . معجزة علمية (الصفوة)، أثبت العلم الحديث أنه لا تتشابه بصمتا بنانين (المنتخب)، كما نحن قادرون على تسوية تلك الخطوط الدقيقة في الأصابع والتي تختلف بين إنسان وإنسان اختلاف الوجوه والأصوات واللهجات (أيسر التفاسير).

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22