عرض مشاركة واحدة
قديم 22-06-2014 ~ 11:08 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي رد: التسامح فريضة إسلامية
  مشاركة رقم 2
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


كتابه rإلى المقوقس ملك مصر ‏:‏
"‏بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبــط،] قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ ". واختار لحمل هذا الكتاب حاطب بن أبي بَلْتَعَة‏.‏ فلما دخل حاطب على المقوقس قال له‏:‏ إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك‏.‏ فقال المقوقس‏:‏ إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه‏.‏ فقال حاطب‏:‏ ندعوك إلى دين الإسلام الكافي به الله فَقْدَ ما سِواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصاري، ولعمري ما بشارة موسي بعيسي إلا كبشارة عيسي بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، فكل نبي أدرك قوماً فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدركه هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به‏.‏
فقال المقوقس‏:‏ إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه‏.‏ ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوي، وسأنظر‏.‏
وأخذ كتاب النبي r، فجعله في حُقِّ من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية، فكتب إلى رسول الله r ‏:‏ " بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد‏:‏ فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت بغلة لتركبها، والسلام عليك‏ " ‏‏.‏ ولم يزد على هذا ولم يسلم، والجاريتان مارية، وسيرين، والبغلة دُلْدُل، بقيت إلى زمن معاوية، واتخذ النبي r مارية سرية له، وهي التي ولدت له إبراهيم‏.‏ وأما سيرين فأعطاها لحسان بن ثابت الأنصاري‏([1]).‏
كتابه rإلى كسرى ملك فارس ‏:‏
وكتب النبي r إلى كسرى ملك فارس‏:‏
" ‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فـارس، سـلام على من اتبع الهدي، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك‏)([2])‏‏.‏
كتابه rإلى قيصر ملك الروم ‏:‏
كتب النبي r إلى ملك الروم هرقل ‏:‏ " ‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدي، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين] قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [.
و كان هرقل قد أرسل إلى أبى سفيان بن حرب في ركب من قريش، كانوا تجاراً بالشام، في المدة التي كان رسول الله
r مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا ترجمانه فقال‏:‏ أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي‏؟‏ قال أبو سفيان‏:‏ فقلت‏:‏ أنا أقربهم نسباً، فقال‏:‏ أدنوه مني، وقربوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه‏:‏ إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فو الله لولا الحياء من أن يأثروا على كذباً لكذبت عليه‏([3]).‏
ثم قال‏:‏ أول ما سألني عنه أن قال‏:‏ كيف نسبه فيكم‏؟‏ فقلت‏:‏ هو فينا ذو نسب، قال‏:‏ فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل كان من آبائه من ملك‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم‏؟‏ قلت‏:‏ بل ضعفاؤهم‏.‏ قال‏:‏ أيزيدون أم ينقصون‏؟‏ قلت‏:‏ بل يزيدون‏.‏ قال‏:‏ فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه‏:‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل يغدر‏؟‏ قلت‏:‏ لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها ـ قال‏:‏ ولم تمكنني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة ـ قال‏:‏ فهل قاتلتموه‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فكيف كان قتالكم إياه‏؟‏ قلت‏:‏ الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه‏.‏ قال‏:‏ ماذا يأمركم‏؟‏ قلت‏:‏ يقول‏:‏ ‏(‏اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم‏)‏، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة‏.‏
فقال للترجمان‏:‏ قل له‏:‏ سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها‏.‏ وسألتك‏:‏ هل قال أحد منكم هذا القول قبله‏؟‏ فذكرت أن لا‏.‏ قلت‏:‏ لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت‏:‏ رجل يأتسي بقول قيل قبله‏.‏ وسألتك‏:‏ هل كان من آبائه من ملك‏؟‏ فذكرت أن لا‏.‏ فقلت‏:‏ فلو كان من آبائه من ملك قلت‏:‏ رجل يطلب ملك أبيه‏.‏ وسألتك‏:‏ هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال‏؟‏ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله‏.‏ وسألتك‏:‏ أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم‏؟‏ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل‏.‏ وسألتك‏:‏ أيزيدون أم ينقصون‏؟‏ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم‏.‏ وسألتك‏:‏ أيرتد أحد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه‏؟‏ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب‏.‏ وسألتك‏:‏ هل يغدر‏؟‏ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر‏.‏وسألتك‏:‏ بماذا يأمر‏؟‏ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه‏.‏
ثم دعا بكتاب رسول الله r فقرأ، فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا، قال‏:‏ فقلت لأصحابي حين أخرجنا‏:‏ لقد أمِرَ أمْرُ ابن أبي كَبْشَة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا بأمر رسول الله r أنه سيظهر حتى أدخل الله على الإسلام‏([4]).‏
كتابه rإلى المنذر بن سَاوِي ‏:‏
وكتب النبي r إلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام، وبعث إليه العلاء بن الحضرمي بذلك الكتاب، فكتب المنذر إلى رسول الله r ‏: " ‏أما بعد، يا رسول الله، فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه، ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إلى في ذلك أمرك‏ ".‏
فكتب إليه رسول الله r ‏:‏" ‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، فإني أذكرك الله عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطيع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلم نعزلك عن عملك‏.‏ ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية‏ " ‏([5]).‏
كتابه rإلى هَوْذَة بن على صاحب اليمامة ‏:‏
وكتب النبي r إلى هوذة بن على صاحب اليمامة‏:‏ (‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهي الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك‏)‏([6])‏‏‏.‏
هذه هي رسائل النبي r، و التي تؤكد تسامحه، و اعترافه بالأخر و بحقوقه في الحرية الدينية.
لقد كانت سياسته r مع خصومه مرنة إلى أبعد الحدود؛ وبهذه السياسة الحكيمة استطاع r أن يكسب هوازن وحلفاءها إلى صف الإسلام، واتخذ من هذه القبيلة القوية رأس حربة يضرب بها قوى الوثنية في المنطقة ويقودها زعيمهم مالك بن عوف الذي قاتل ثقيفًا في الطائف حتى ضيق عليهم، وقد فكر زعماء ثقيف في الخلاص من المأزق بعد أن أحاط الإسلام بالطائف من كل مكان فلا تستطيع تحركًا ولا تجارة، فمال بعض زعماء ثقيف إلى الإسلام مثل عروة بن مسعود الثقفي الذي سارع إلى اللحاق برسول الله r وهو في طريقه إلى المدينة بعد أن قسم غنائم حنين واعتمر من الجعرانة، فالتقى به قبل أن يصل إلى المدينة، وأعلن إسلامه وعاد إلى الطائف، وكان من زعماء ثقيف محبوبًا عندهم، فدعاهم إلى الإسلام وأذن في أعلى منزله فرماه بعضهم بسهام فأصابوه, فطلب من قومه أن يدفنوه مع شهداء المسلمين في حصار الطائف([7]).
و لقد فقه المسلمون هذا ووعوه، فتركوا لرعاياهم من غير المسلمين حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر التعبدية، ولم يأمروا أحداً باعتناق الإسلام قسراً وكرهاً. و قد اقتدى الصحابة رضى الله عنهم بالرسول r، فقد أوصى أبو بكرt أسامة بن زيد بتركهم أحراراً في عقائدهم، وأمره بأن لا يقتل الرهبان، وأن يتركهم أحراراً في ديارهم وصوامعهم. وعاهد خالد بن الوليد أهل الحيرة على أن لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ولا قصراً يتحصنون فيه، وعلى ألا يُمنعوا من ضرب نواقيسهم أو إخراج الصلبان في يوم عيدهم. وكذلك فعل عمر مع الفرس، وقد أوصى سعد بن أبى وقاص بإبعاد معسكره عن قرى أهل الصلح و الذمة، وألا يجعل بلادهم ميداناً لحربه حتى لا يصابوا بشرور الحرب ([8]).
وعاهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل تفليس، وجاء في المعاهدة معهم: "... هذا كتاب من حبيب بن مســلمة لأهل طفليس - من أرض الهرمز -: بالأمان لكم ولأولادكم ولأهاليكم وصوامعكم وبِيَعكم ودينكم وصلواتكم..."([9])
كما عاهد أهل بيت المقدس وجاء في المعاهدة معهم ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عمر أمير المؤمنين أهل أيليا من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، إنه لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود..." ([10]).
و دخل عمر بن الخطاب بيت المقدس و جاء كنيسة القيامة فجلس في صحنها و حان وقت الصلاة فقال للبترك أريد الصلاة فقال له: صل موضعك فامتنع و صلى على الدرجة التي على باب الكنيسة منفرداً، فلما قضى صلاته قال للبترك: لو صليت داخل الكنيسة أخذها المسلمون بعدي و قالوا هنا صلى عمر، و كتب لهم أن لا يجمع على الدرجة للصلاة و لا يؤذن عليها ([11]).
وبعد التوقيع على العهدة العمرية رأى عمر أن يقوم بجولة في المدينة ليعرف ما أصاب سكانها من حيف أو ضيم خلال الحصار والقتال، آتاه رجل من النصارى له ذمة مع المسلمين في كرم عنب، فشكا أمره إلى الخليفة قائلا: (يا أمير المؤمنين، كرمى كان في أيديهم، فلم يستبيحوه ولم يتعرضوا له. وأنا رجل لى ذمة مع المسلمين وقعوا فيه. فدعا عمر- رضى الله عنه- ببرذون له فركبه عريان من العجلة، ثم خرج يركض في أعراض المسلمين، فكان أول من لقيه (أبو هريرة) يحمل فوق رأسه عنبا، فقال له: وأنت أيضا يا أبا هريرة! فقال: يا أمير المؤمنين، أصابتنا مخمصة شديدة (جوع) فكان أحق من أكلنا من ماله من قاتلنا، فتركه عمر ثم أتى الكرم، فنظره، فإذا هو قد أسرعت الناس فيه (مسلمون وغيرهم) فدعا عمر الذمى وقال له: كم كنت ترجو غلة كرمك هذا؟ فقال الذمى كذا، قال: فخل سبيله، ثم أخرج عمر ثمنه الذي قال، فأعطاه إياه ثم أباحه للمسلمين ([12]).
وتضمن كتابه t لأهل عانات عدم التعرض لهم في ممارسة شعائرهم وإظهارها: "ولهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار، إلا في أوقات الصلاة، وأن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم".([13])
ما هذه العظمة، و ما هذا التسامح ؟ إنها عظمة و تسامح الإسلام؛ فعمر بن الخطاب يطبق قول النبي r " فإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين "؛ لأنهم إنما قبلوا عقد الذمة لتكون دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا ([14]).
و يروى أن عمر بن الخطاب عندما ذهب ليعقد معاهدة السلام و الأمن مع القائمين على إيليا، رأى رضي الله عنه – هيكلاً لليهود قد ستره التراب و لم يبق منه إلا أعلاه، فجاء بفضل ثوبه، و أخذ بعض التراب المتراكم فيه، فاقتدى به جيش المسلمين، فزال كل ما ستر الهيكل من تراب، و بدا واضحاً ليقيم اليهود عنده شعائرهم الدينية ([15]).
ونجده tوقد شكت إليه امرأة مسيحية من سكان مصر أن عمرو بن العاص قد أدخل دارها في المسجد كرهاً عنها، فيسأل عمراً عن ذلك فيخبره أن المسلمين كثروا وأصبح المسجد يضيق بهم وفي جواره دار هذه المرأة وقد عرض عليها عمرو ثمن دارها وبالغ في الثمن فلم ترض، مما اضطر عمرو إلى هدم دارها وإدخاله في المسجد، ووضع قيمة الدار في بيت المال تأخذه متى شاءت، ومع أن هذا مما تبيحه قوانيننا الحاضرة وهي حالة يعذر فيها عمرو على ما صنع، فإن عمر لم يرض ذلك، وأمر عمراً أن يهدم البناء الجديد من المسجد ويعيد إلى المرأة المسيحية دارها كما كانت!([16])
وحين فتح خالد بن الوليد دمشق -في عهد عمر بن الخطاب -كتب لأهلها: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم، ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد الله وذمة رسول الله e والخلفاء والمؤمنين".([17])
ولما فتح خالد بن الوليد t الشام صالح الروم جاء في هذا الصلح: على أن لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة, وعلى أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلوات, وعلى أن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم ([18]) .
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: "لا تهدموا كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار".([19])
و في مصر أعطى عمرو بن العاص أهلها الأمان على كنائسهم و صلبهم. و يذكر حنا النيقى أن المسلمين في مصر وافقوا على ألا يحتلوا أية كنيسة، و على ألا يتدخلوا في شئون الأقباط بأية صورة من الصور، و يذكر أن عمرو بن العاص لم يمد يده إلى شيء من أملاك الكنائس، و لم يأت بعمل من أعمال النهب و التدمير، بل حافظ على الكنائس إلى آخر أيامه ([20]).
و بلغ من تسامح المسلمين، أن بُنيت الكنائس في مصر بعد دخول المسلمين و صارت بلداً إسلامياً، ففى القرن الأول الهجرى بنيت كنيسة " مار مرقص " بالإسكندرية سنة 39هـ، كما بنيت أول كنيسة بالفسطاط في حارة الروم في ولاية مسلمة بن مخلد على مصرين عامى 47هـ - 68هـ، و قد سمح والى مصر - عبد العزيز بن مروان - حين أنشأ مدينة حلوان ببناء كنيسة الفراشين و سمح لبعض الأساقفة ببناء ديرين ([21]). كما سمح لكاتبه أثناسيوس ببناء كنيسة في قصر الشمع، فلم يكتف أثناسيوس بواحدة بل شيد اثنتين هما كنيسة مارجرجس و كنيسة أبى قير داخل قصر الشمع و أقام ثالثة بالرها ([22]).
إن غير المسلمين يقرون على دينهم ويكونون من دينهم على ما كانوا عليه، لا يمنعون من شيءٍ منه. وقال الفقهاء المسلمون بتأمين المسلمين لحقوق رعاياهم في العبادة، فقرروا أنه " يحرم إحضار يهودي في سبته، وتحريمه باق بالنسبة إليه، فيستثنى شرعاً من عمل في إجازة، لحديث النسائي: (وأنتم يهود عليكم خاصة ألا تعدوا في السبت) ([23]).
ومن مظاهر التسامح الديني في حضارتنا الاشتراك بالأعياد الدينية بمباهجها وزينتها. فمنذ العهد الأموي كانت للنصارى احتفالاتهم العامة في الشوارع تتقدمها الصُلبان ورجال الدين بألبستهم الكهنوتية. وقد دخل البطريرك ميخائيل مدينة الإسكندرية في احتفال رائع وبين يديه الشموع والصُلبان والأناجيل، والكهنة يصيحون: قد أرسل الرب إلينا الراعي المأمون الذي هو مرقس الجديد. وكان ذلك في عهد هشام بن عبد الملك.
وجرت العادة أيام الرشيد بأن يخرج النصارى في موكب كبير وبين أيديهم الصليب وكان ذلك في يوم عيد الفصـح.
ومن الغريب أن مثل هذه المظاهر من الود ظلت حتى في الحروب الصليبية حيث كان الغرب يشن أقسى الحملات التاريخية على بلاد الإسلام باسم الصليب([24]).
لقد كان لمبدأ الحريَّة الذي قرّره القرآن في أكثر من موضع, ونصَّ عليه دستور الجماعة الإسلامية نصًّا صريحًا, وجرى عليه نبينا محمَّد e في تسيير أمور المدينة, كان لهذا المبدأ الأثر الأكبر في انتشار الإسلام فيما بعد, لأنَّ الإسلام ظهر في عصر اضطهادات دينيَّة, وأنَّه لمَّا جاء العرب ودخلوا البلاد تحت راية الإسلام, لم يفعلوا أكثر من عرض الإسلام على النَّاس, وتبصيرهم بفضائله, ثمَّ تركوهم بعد ذلك أحرارًا في اعتناقه إذا شاءوا, كان هذا مثار عجبٍ ودهشة كثير من أصحاب الديانات الأخرى, فتاقت نفوسهم إلى معرفة الإسلام, وانجذبوا إليه. ([25])
شهادات المنصفين
لا شك أن حسن الطباع, وروح التسامُح, ونبل الأخلاق, التي تحلَّى بها المسلمون في ريادتهم للحضارة الدينية, كانت العون الأكبر على سمو الحضارة الإسلاميَّة في كل البلاد, التي فتحها المسلمون, وعاش الناس حياتهم, سعادةً وهناءً. يذكر ذلك اليكسي جورافسكي الروسي في كتابه: الإسلام والمسيحيَّة فيقول: «إنَّ ظهور الدين الإسلامي وترسُّخه السريع والقوي في أراضٍ آسيوية وإفريقية واسعة, في أثناء مسيرة الفتوحات العسكرية الدينية للعرب, حدَّد بصورة حاسمة مصائر المسيحية الشرقية التي قابلت الدين الجديد (الإسلام) دون مقاومة بل وبالترحاب في كثيرٍ من المناطق».([26])
وأضاف الممي نقلاً عن جورافسكي أنَّ مردَّ ذلك الموقف إلى عدة عوامل, ذكر منها: تسامُح الإسلام إزاء القضايا المتعلِّقة بإقامة طقوس العبادة المسيحية, وبسبب حماية المسلمين للمسيحيين من تعديات وملاحقات إمبراطورية بيزنطة غير المتسامحة مطلقًا.([27])
وقد عزا المستشرق غوستاف لوبون سرعة انتشار الإسلام بين الشعوب الأخرى إلى هذه المعاملة الحسنة من قبل المسلمين لغيرهم فقال: «وساعد وضوح الإسلام البالغُ, وما أمر به من العدل والإحسان, كلَّ المساعدة على انتشاره في العالم, ونفسِّر بهذه المزايا سبب اعتناق كثير من الشعوب النصرانية للإسلام, كالمصريين الذين كانوا نصارى أيَّام حكم قياصرة القسطنطينية, فأصبحوا مسلمين حين عرفوا أصول الإسلام. كما نفسِّر السبب في عدم تنصُّر أية أمَّة بعد أن رضيت بالإسلام دينًا, سواء كانت هذه الأمة غالبة أم مغلوبة».([28])
ويُضيف غوستاف لوبون أيضًا قوله: «وسيرى القارئ, حين نبحث في فتوح العرب وأسباب انتصاراتهم, أنَّ القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن, فقد ترك العربُ المغلوبين أحرارًا في أديانهم, فإذا حدث أن اعتنق بعض الأقوام النصرانيةِ الإسلامَ, واتخذوا العربية لغة لهم, فذلك لما رأوا من عدل العرب الغالبين ما لم يروا مثله من سادتهم السابقين, ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفوها من قبل».([29])

و يسجّل هذه الشهادة بقوله: «رأينا من آي القرآن التي ذكرناها آنفًا أنَّ مسامحة محمَّد لليهود والنصارى كانت عظيمة إلى الغاية، وأنه لم يقل بمثلها مؤسسو الأديان التي ظهرت قبله, كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص، وسنرى كيف سار خلفاؤه على سنته. وقد اعترف بذلك التسامُح بعض علماء أوروبة المرتابون أو المؤمنون القليلون, الذين أنعموا النظر في تاريخ العرب»([30]).
ويضيف لوبون قوله: «لم تقلَّ براعة الخلفاء الأوَّلين السياسية عن براعتهم الحربية التي اكتسبوها على عَجَلٍ, وذلك أنَّهم اتَّصلوا منذ الوقائع الأولى بسكَّان البلاد المجاورة الأصليين الذين كان يبغي عليهم قاهروهم منذ قرون كثيرة, والذين كانوا مستعدِّين لأن يستقبلوا بترحابٍ وحُبُور أي فاتح يُخفِّف وطأة الحياة عنهم, وكانت الطريق التي يجب على الخلفاء أن يسلكوها واضحة, فعرفوا كيف يُحجمون عن حمل أحدٍ بالقوَّة على ترك دينه, وعرفوا كيف يبتعدون عن إعمال السيف فيمن لم يُسلم, وأعلنوا في كلّ مكان أنّهم يحترمون عقائد الشعوب وعُرفها وعاداتها, مكتفين بأخذهم, في مقابل حمايتها, جزيةً زهيدةً تقلُّ عما كانت تدفعه إلى ساداتها السابقين من الضرائب».([31])
كما أضاف غوستاف لوبون قوله: " وكان العدلُ بين الرعية دستور العرب السياسيّ, وترك العربُ الناسَ أحرارًا في أمور دينهم, وأظلَّ العربُ أساقفةَ الروم ومطرانَه اللاتين بحمايتهم, فنال هؤلاء ما لم يعرفوه سابقًا من الدعة والطمأنينة". و يقول روبرتسون في كتابه: تاريخ شارلكن: " إنَّ المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامُح نحو أتباع الأديان الأخرى، وإنَّهم مع امتشاقهم الحسام نشرًا لدينهم، تركوا مَن لم يرغبوا فيه أحرارًا في التمسّك بتعاليمهم الدينية". و يقول ميشود في كتابه: تاريخ الحروب الصليبيَّة: "إنَّ القرآن الذي أمر بالجهاد مُتسامح نحو أتباع الأديان الأخرى, وقد أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب, وحرَّم محمَّد قتل الرهبان لعكوفهم على العبادات, ولم يمسّ عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس " ([32]) .
ويؤكّدُ ذلك المستشرق الإنجليزي توماس آرنولد في كتابه: الدعوة إلى الإسلام إذ يقول: «ولكننا لم نسمع عن أية محاولة مدبَّرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام, أو عن أي اضطهاد منظَّم قُصِد منه استئصال الدين المسيحي. ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطَّتين لاكتسحوا المسيحيَّة بتلك السهولة التي أقصى به فرديناند Ferdinand وإيزابلا Isabella دين الإسلام من إسبانيا. أو التي جعل بها لويــــس الرابع عشر Louis XIV المذهـــــب البروتستنتي مذهبًا يُعاقَب عليه متّبعوه في فرنسا, أو بتلك السهولة التي ظلَّ بها اليهود مُبعَدين في إنجلترا مدة خمسين وثلثمائة سنة. وكانت الكنائس الشرقية في آسيا قد انعزلت انعزالاً تامًّا عن سائر العالم المسيحي, الذي لم يوجد في جميع أنحائه أحدٌ يقف في جانبهم باعتبارهم طوائفَ خارجين عن الدين. ولهذا فإنَّ مجرَّد بقاء هذه الكنائس حتَّى الآن ليحمل في طيَّاته الدليل القوى على ما قامت به سياسة الحكومات الإسلاميَّة بوجه عام من تسامُح نحوهم».([33])
وعن الجزية يقول توماس آرنولد: " وهناك شواهد كثيرة تبيَّن أن المسيحيين قلَّما كانوا في عهد الفتوح الإسلاميَّة الأولى يشكون ممَّا يضعف من قوَّة دينهم, والواقع أنَّ تمسُّكهم بدينهم القديم هو الذي عرَّضهم لدفع الجزية... لكنَّ هذه الجزية من البساطة بحيث لم تكن تثقل كاهلهم, وذلك إذا لاحظنا أنها أعفتهم من الخدمة العسكرية الإجبارية التي كانت مفروضة على إخوانهم من الرعايا المسلمين". ([34])
ويضيف توماس آرنولد في موضع آخر, عن الدولة العثمانية قوله: «وكان يكون من الغريب حقًّا, لو أنَّ الغيرة التي دفعت العثمانيين في ذلك الحين إلى هداية الناس واستمالهم للإسلام لم تحملهم قطّ على مجاوزة حدود التسامُح الذي رسمته قوانينهم الخاصّة بهم. ومع ذلك فقد قال الذين وقعوا في الأسر بينهم اثنين وعشرين عامًا: (إنَّ الأتراك لم يرغموا أحدًا على ترك دينه)».([35])
ويسجل المؤرِّخ الأمريكي لوثروب ستودارد شهادته في ذلك بقوله: «وكان الخليفة عمر يرعى حرمة الأماكن المقدسة النصرانية أيما رعاية, وقد سار خلفاؤه من بعده على آثاره, فلا ضيِّقوا على النصارى, ولا نالوا بمساءة طوائف الحجاج [النصارى] الوافدين كلّ عام إلى بيت المقدس من كلِّ فجٍّ من أفجاج العالم النصراني».([36])
وهذه شهادة المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها: شمس العرب تسطع على الغرب, حول حرِّية المُعتقد, فتقول: «(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) هذا ما أمر به القرآن الكريم, وبناءً على ذلك فإنَّ العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام. فالمسيحيُّون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة التعصُّب الديني وأفضعها, سُمح لهم جميعًا دون أيِّ عائق يمنعهم, بممارسة شعائر دينهم. وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسُّوهم بأدنى أذى».([37])
وتواصل هونكه شهادتها بقولها: «أوليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ, وبعد فضائع الإسبان واضطهادات اليهود؟
إنَّ السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجّوا بأنفسهم في شئون تلك الشعوب الداخلية. فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: (إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتَّة, وهم لا يستخدمون معنا أي عنف)». ([38])
وهذه شهادة المؤرِّخ ول ديورانت في قصة الحضارة يقول: «لقد كان أهل الذمَّة المسيحيون, والزردشتيون, واليهود, والصابئون, يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامُح لا نجد لها نظيرًا في البلاد المسيحيَّة في هذه الأيَّام, فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم, واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم... وكانوا يتمتَّعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لعلمائهم وقضاتهم وقوانينهم»([39]).
و يضيف ول ديورانت واصفاً هذه الحقيقة التاريخية الناصعة حيث يقول: «وعلى الرغم من خطَّة التسامُح الديني الذي كان ينتهجها المسلمون الأولون, أو بسبب هذه الخطة, اعتنق الدين الجديد معظم المسيحيين, وجميع الزردشتيين, والوثنيين إلا عددًا قليلاً جدًا منهم, وكثيرون من اليهود في آسيا, ومصر وشمالي أفريقية.
ثم انتهى الأمر باتِّباعهم شريعة القرآن, واعتناق الإسلام. وحيث عجزت الهلينية عن أن تثبت قواعدها بعد سيادة دامت ألف عام, وحيث تركت الجيوش الرومانية الآلهة الوطنية ولم تغلبها على أمرها, وفي البلاد التي نشأت فيها مذاهب مسيحيَّة خارجة على مذهب الدولة البيزنطية الرسمي, في هذه الأقاليم كلها انتشرت العقائد والعبادات الإسلاميَّة, وآمن السكان بالدين الجديد وأخلصوا له, واستمسكوا بأصوله إخلاصًا واستمساكًا أنساهم بعد وقت قصير آلهتهم القدامى, واستحوذ الدين الإسلاميّ على قلوب مئات الشعوب في البلاد الممتدَّة من الصين, وأندونيسيا, والهند, إلى فارس, والشام, وجزيرة العرب, ومصر وإلى مراكش, والأندلس; وتملك خيالهم, وسيطر على أخلاقهم, وصاغ حياتهم, وبعث فيهم آمالا تخفِّف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها, وأوحى إليهم العزَّة والأنفة... يوحِّد هذا الدين بينهم, وألَّف قلوبهم مهما يكن بينهم من الاختلافات والفروق السياسية».([40])
وهذه شهادة البطريرك عيشويابه الذي تولَّى كرسي البطريركية من سنة 647ــ 657هـ يقول: " إنَّ العرب الذين مكّنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون؛ إنهم ليسوا بأعداء للنصرانيّة, بل يمتدحون ملْتنا, ويوقِّرون قسِّيسينا وقدِّيسينا, ويمدُّون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا" ([41]).
وهذه شهادة المستشرقة الإيطالية لورا فيشيا فاغليري في كتابها: دفاع عن الإسلام شهادتها في ذلك بقولها: «كان المسلمون لا يكادون يعقدون الاتفاقات مع الشعوب حتَّى يتركوا لها حرِّية المعتقد, وحتَّى يحجموا عن إكراه أحد من أبنائها على الدخول في الدين الجديد, والجيوش الإسلاميَّة ما كانت تُتبَعُ بحشد من المبشرين الملحاحين غير المرغوب فيهم, وما كانت تضع المبشِّرين في مراكز محاطة بضروب الامتياز؛ لكي ينشروا عقيدتهم, أو يدافعوا عنها.
ليس هذا فحسب, بل لقد فرض المسلمون في فترة من الفترات على كلّ راغب في الدخول في الإسلام أن يسلك مسلكًا لا يساعد من غير ريب على تيسير انتشار الإسلام؛ ذلك أنهم طلبوا إلى الراغبين في اعتناق الدين الجديد أن يمثلوا أمام القاضي, ويعلنوا أنَّ إسلامهم لم يكن نتيجة لأي ضغط, وأنهم لا يهدفون من وراء ذلك إلى كسب دنيوي». ([42])
وحول التسامح, وأغراض الجزيَّة تسجِّل المستشرقة الإيطالية لورا فيشيا فاغليري شهادتها في كتابها: دفاع عن الإسلام بقولها: «مُنحت تلك الشعوب حرِّية الاحتفاظ بأديانها القديمة وتقاليدها القديمة, شرط أن يدفع الذين لا يرضون الإسلام دينًا ضريبةً عادلة إلى الحكومة, تُعرف ب (الجزية), لقد كانت هذه الضريبة أخفَّ من الضرائب التي كان المسلمون مُلزمين بدفعها إلى حكوماتهم نفسها, ومقابل ذلك مُنح أولئك الرعايا المعروفون ب (أهل الذمَّة) حمايةً لا تختلف في شيء عن تلك التي تمتعت بها الجماعة الإسلاميَّة نفسها, ولمَّا كانت أعمال الرسول r والخلفاء الراشدين قد أصبحت فيما بعد قانونًا يتَّبعه المسلمون, فليس من الغلو أن نُصِرَّ على أنَّ الإسلام لم يكتف بالدعوة إلى التسامُح الديني, بل تجاوز ذلك ليجعل التسامُح جزءًا من شريعته الدينية».([43])
وفي هذا يقول ريتشارد ستيبز عن الأتراك: إنهم «سمحوا للنصارى جميعًا: الإغريق منهم واللاتين, أن يعيشوا محافظين على دينهم,وأن يصرّفوا ضمائرهم كيف شاؤوا, بأن منحوهم كنائسهم؛ لأداء شعائرهم المقدّسة في القسطنينيّة, وفي أماكن أخرى كثيرة جدًا, على حين أستطيع أن أؤكّد بحقّ ــ بدليل أثني عشر عامًا قضيتُها في إسبانيا ــ أنَّنا لا نُرغَمُ على مشاهدة حفلاتهم البابويّة فحسب, بل إنّنا في خطر على حياتنا وأحفادنا».([44])
ثمَّ يسجل إتيين دينيه شهادته بقوله: «المسلمون على عكس ما يعتقده الكثيرون, لم يستخدموا القوة قطّ خارج حدود الحجاز؛ لإكراه غيرهم على الإسلام, وأنَّ وجود المسيحيين في أسبانيا لدليلٌ واضحٌ على ذلك, فقد ظلّوا آمنين على دينهم طوال القرون الثمانية التي مَلَكَ المسلمون بلادهم, وكان لبعضهم مناصبُ رفيعةٌ في بلاط قرطبة, ثمَّ إذا بهؤلاء المسيحيين أنفسهم يصبحون أصحاب السلطان في هذه البلاد, فكان أول همٍّ لهم أن يقضوا قضاءً تامًا على المسلمين».([45])
وينقل شكيب أرسلان جملة للأب ميشون استشهد بها المنصفون كثيرًا في كتاباتهم عن الإسلام وهي: «إنَّ من المحزن للأمم المسيحية أن يكون التسامح الديني الذي هو أعظم ناموس للمحبَّة بين شعب وشعب هو ممَّا يجب أن يتعلَّمه المسيحيون من المسلمين».([46])
ثمَّ ينقل أرسلان عن المستشرق برون قوله: «إنَّ من أحسن فضائل المسلم أنَّه متسامحٌ مع من يخالفه في الدين تسامحًا عمليًا»([47]).
ومن ذلك ما سجله رينو وهو يتحدث عن غزوات المسلمين في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط, حيث قال: «إنَّ المسلمين في مدن الأندلس كانوا يعاملون النصارى بالحسنى, كما أنَّ النصارى كانوا يراعون شعور المسلمين فيختنون أولادهم ولا يأكلون لحم الخنزير».([48])
ــ وهذاالمستشرق الإنجليزي روم لاندو يسجّل شهادته في كتابه: الإسلام والعرب حينما قال: «على نقيض الإمبراطورية النصرانية التي حاولت أن تفرض المسيحيَّة على جميع رعاياها فرضًا, اعترف العرب بالأقليات الدينية, وقبلوا بوجودها. كان النصارى واليهود والزرادشتّيون يُعرفون عندهم ب (أهل الذمَّة), أو الشعوب المتمتِّعة بالحماية. لقد ضُمنت حريَّة العبادة لهم من طريق الجزية... التي أمست تُدفع بدلاً من الخدمة العسكرية. وكانت هذه الضريبة مضافًا إليها الخراج, أقل في مجموعها من الضرائب التي كانت مفروضة في ظل الحكم البيزنطي. كانت كلُّ فرقة من الفرق التي تُعامل كملَّة, أي كطائفة نصف مستقلَّة استقلالاً ذاتيًا ضمن الدولة. وكانت كلَّ ملَّة تخضع لرئيسها الديني».([49])
أما اللورد كرومر, العميد البريطاني في مصر زمن الاحتلال البريطاني في التاريخ المعاصر الذي عاش فيها أربعًا وعشرين سنة, فيسجّل شهادته, حينما أعلن فرقًا وحيدًا بين المسلم والذمّيّ في مصر, في هذه العبارة: «الفرق الوحيد بين القبطي والمسلم هو أنَّ الأول مصريّ يعبد الله في كنيسة مسيحية, في حين أنَّ الثاني مصريّ يعبد الله في مسجد مسلم».([50])
وهكذا ترد مثل هذه الشهادات, وغيرها كثير, ممَّا تفيض به الكتابات الموضوعيـــــة المنصفة حول مثالية تعامُل المسلمين مع غيرهم. وقد أفاضت تلك الكتابات إلى تسجيل حقائق مهمّة حول واقعيَّة التعامُل مع ذلك الآخر بأنماط ذلك التعامُل, وما آتاه من ثمرات واضحة في إعجاب ذلك الآخر بروح الإسلام, وتقبُّل الانضواء تحت لوائه لدى كثيرٍ من أصحاب الديانات.
ألست ترى أن قول جوستاف لوبون " إن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، و لا ديناً سمحاً مثل دينهم " هو إنصاف للحق قبل أن يكون إنصافاً للمسلمين ؟!([51])
هذا هو الإسلام، و هذه هي تعاليمه السمحة في تقرير الحرية الدينية، هذا هو التسامح الإسلامي و الإخاء الإنساني، و لم لا و قد جاء الإسلام من أجل إصلاح الفرد و المجتمع. فانظروا يا أولى الألباب إلى هذه العظمة، و هذا السمو، و هذا الرقى في تعاليم الإسلام الخالدة.
الفصل الثاني
التسامح الإسلامي و المساواة
المساواة في اللغة: مصدر قولهم: ساواه يساويه إذا عادله، قال الرّاغب: المساواة هي المعادلة المعتبرة بالذّرع والوزن والكيل، يقال: هذا الثّوب مساو لذاك الثّوب، وهذا الدّرهم مساو لذلك الدّرهم، (وهذا التّمر مساو لهذا التّمر)، وقد يعتبر بالكيفيّة، ولاعتبار المعادلة الّتي فيه (أي في لفظ السّواء) استعمل استعمال العدل، وتسوية الشّيء (بالشّيء) جعلهما سواء، إمّا بالرّفعة وإمّا بالضّعة، والسّويّ: يقال فيما يصان عن الإفراط والتّفريط من حيث القدر والكيفيّة. وقال ابن منظور: سواء الشّي ء مثله، وجمعه أسواء ([52]).

وقال الفيروز اباديّ: يقال: استوى الشّيئان، وتساويا (تماثلا) وساوى أحدهما صاحبه، وساوى بين الشّيئين، وسوّى بينهما، وساويت هذا بهذا وسوّيته به. وهما سيّان أي مثلان، ولا سيّما زيد أي لا مثيل زيد و«ما» زائدة وفلان وفلان سواء أي متساويان([53]).
فالمساواة في اللغة: المماثلة والمعادلة، يقال: ساواه مساواةً، ماثله وعادله قدراً، أو قيمةً ومنه قولهم: هذا يساوي درهماً أي تعادل قيمته درهماً. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ ([54]).
لفظ سواء في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: ذكر أهل التّفسير أنّ «السّواء» في القرآن الكريم على خمسة أوجه ([55]):
(1) المعادلة والمماثلة، ومنه قوله تعالى: ]سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ [ ([56]).
(2) العدل، ومنه قوله تعالى:] قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [ ([57]).
(3) الوسط، ومنه قوله عزّ من قائل: ]خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ [ ([58]).
(4) الأمر البيّن ومنه قوله عزّ وجلّ: ]فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ [ ([59])
(5) القصد، ومنه قوله تعالى ]وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [ ([60]).
المساواة اصطلاحا: تعني المساواة- في المجال الأخلاقيّ- أن يكون للمرء مثل ما لأخيه من الحقوق وعليه مثل ما عليه من الواجبات دون زيادة أو نقصان. قال ابن مسكويه « وأقلّ ما تكون المساواة بين اثنين، ولكنّها تكون في معاملة مشتركة بينهما في شي ء ما أو أكثر». والمساواة قيمة لا تنقسم ولا يوجد لها أنواع، وهي أشرف نسب العلاقات بين الأشياء، لأنّها هي المثل بالحقيقة، أي أنّها تجعل كلا طرفيها للآخر سواء بسواء ([61])
من صور المساواة في الإسلام:
للمساواة في الإسلام صور عديدة:
(1) المساواة بين الرّجل والمرأة في أداء الواجبات الشّرعيّة والإثابة عليها.
(2) المساواة بين الزّوجات في حقوق الزّوجيّة (في حالة التّعدّد).
(3) المساواة بين الأجناس والأعراق في التّمتّع بالحقوق المشروعة لكلّ منهم.
(4) المساواة بين الأبناء في الهبة والوصيّة ونحوهما
(5) المساواة بين الخصوم في مجالس القضاء وفي سماع الحجّة منهم والقصاص من المعتدي أيّا كانت منزلته.
(6) المساواة في حقّ الكرامة الإنسانيّة، فلا يؤذى أحد بسبب لونه أو جنسه أو مذهبه أو عقيدته.
(7) المساواة في حقّ إبداء الرّأي من المسلم وغير المسلم ]قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [ ([62]).
(8) المساواة في حرمة الدّماء والأموال والأعراض.
(9) المساواة في إيقاع الجزاء بكلّ من ينتهك حدّا من حدود اللّه، فلا يعفى أحد من العقوبة لشرفه أو قرابته من الحاكم فتلك الّتي أهلكت الأمم السّابقة، أمّا في الإسلام فلا أدلّ على المساواة الكاملة في هذه النّاحية من قوله r: " لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها" ([63])
(10) المساواة في نيل الجزاء في الدّنيا والثّواب في الآخرة لكلّ من يعمل عملا صالحا.
(11) المساواة بين المسلمين في الحضور لأماكن العبادة كالمسجد الحرام وغيره([64]).
إن الإسلام يؤكد على التسوية بين جميع أفراد البشر مهما اختلفت طبقاتهم وأوضاعهم الاجْتِمَاعِيَّة والسِّيَاسِيَّة وانتماءاتهم العشائرية إذ لا فضل لرجل على رجل، ولا لأبيض على أسود، ولا لعربي على أعجمي، يقـول تبارك و تعالــى: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[([65]).
و عن أبى نضرة قال: حدثنى من سمع خطبة رسول الله r في وسط أيام التشريق فقال: " يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربى على أعجمى ولا لعجمى على عربى ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى "([66]).
و عن ابن عمر أن رسول الله r خطب الناس يوم فتح مكة فقال: " يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان رجل بر تقى كريم على الله وفاجر شقى هين على الله والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب ". قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[([67])([68]).
فالإسلام لا يرفع غنياً عن فقير ولا شريفاً عن زنيم لأن المال والشرف والنسب والجمال مثلاًُ أرزاق من عوارض الدنيا على البشر، فلا يقبل المنطق السليم التفضيل على أساسها خارج دائرة اختيار الإنسان، وإنما تحصل المفاضلة في دائرة اختياره من عمل ونيّة.
فالشَّرِيعَة الإسْلاميَّة تقرر التكافؤ بين الناس جميعاً في الحقوق والواجبات والمستويات، وهم كذلك كأسنان المشط الواحد لا تزيد سن عن سن ولا تنقص سن عن سن. فقد ورد أن رسول الله r عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قِدح يعدل به، فمر بسواد بن غزية([69]) حليف بني عدي بن النجار وهو مستنصل([70]) (خارج) من الصّف فطعن في بطنه بالقدح وقَالَ: « استو يا سواد » فقَالَ: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل، قَالَ: فأقدني-اقتص لي من نفسك- فكشف رسول الله e عن بطنه وقَالَ لـه: «ما حملك على هذا يا سواد»، قَالَ: « يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بل أن يمسّ جلدي جلدك»([71]).
خرج النَّبِيّ r أثناء مرضه الأخير بين الفضل بن عَبَّاس وعلي حتى جلس على المنبر ثم قَالَ: « أيها الناس من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه، ومن أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ولا يخش الشحناء من قبلي فإنها ليست من شأني، ألا وإن أحبكم إليّ من أخذ مني حقاً إن كان له أو حللني فلقيت ربي وأنا طيب النفس» ثـم نـزل فصلى الظهـر ثـم رجع إلى المنبر فعاد لمقَالَته الأولى([72]).
هذه هي المساواة التي أسسها الإسلام، و طبقها رسول الإسلام r، و الخلفاء الراشدون من بعده. و لبيان عظمة التسامح الإسلامي في المساواة ينبغى الحديث عن المساواة الإنسانية، و التي أقرت حقوقاً لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي.
المساواة في الكرامة الإنسانية
لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وسخّر له ما في السموات وما في الأرض، وأرسل رسله وأنبياءه هداةً ومبشرين ومنذرين، يدلّون الناس إلى طريق الحقّ الذي يحقّق لهم السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة. فالوحي الإلهي تكريم للإنسان، لأنه يهدف إلى ما فيه الخير لهذا الإنسان، وهو تفضيل له على سائر المخلوقات، فكرامة ([73]) الإنسان من تكريم الخالق جل جلاله، وهي أصيلةٌ في الطبيعة البشرية، لا تُكتسب لتوافر عناصر أو لتضافر عوامل أو لتواتر أسباب. ولم يكرّم دينٌ من الأديان بني آدم كما كرّمهم الإسلام، على اختلاف أعراقهم وألوانهم . قال الرسول r "كلكم لآدم وآدم من تراب"، وقال r أيضاً "لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى" ([74]).
ولقد جاء الإسلام ليؤكد أصالة الكرامة الإنسانية ([75])، وليرسّخ في الإنسان إحساسه بكرامته، وليقوي تمسكه بها، وصونه لها، وذوده عنها، لأنها جوهر إنسانيته، ولبُّ بشريته، وأسُّ ذاتيته. فلقد راعت المبادئ الإسلامية في الإنسان أنه أكرم الخلق أجمعين، وأنه يحمل الأمانة العظمى، وأنه مستخلف عن الله سبحانه وتعالى في الأرض، ليعمرها، وليقيم الموازين بالقسط، وليعبد الله وحده لا يشرك به أحداً، فكان الإسلام باعثاً للكرامة الإنسانية، وحافظاً لها، بما جاء به من مبادئ سامية تصون للإنسان حرمته، وترعى كرامته، وتنزله المنزلة التي أنزله الله إياها مكرماً مكفول الحقوق جميعاً([76]).
فالإنسان هو محور هذا الكون، فكل شيء مخلوق ليكون مسخراً لهذا الإنسان
يقول تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[([77])، و يقول تعالى:] أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [([78])، و يقول تعالى:] أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ [([79])، و يقول تعالى: ]اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [ ([80]).
و يقول تبارك و تعالى:] وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا [ ([81]) .
قال القرطبى في تفسير هذه الآية: "كرمنا" تضعيف كرم؛ أي جعلنا لهم كرما أي شرفا وفضلا. وهذا هو كرم نفي النقصان لا كرم المال. وهذه الكرامة يدخل فيها خلقهم على هذه الهيئة في امتداد القامة وحسن الصورة، وحملهم في البر والبحر مما لا يصح لحيوان سوى بني آدم أن يكون يتحمل بإرادته وقصده وتدبيره. وتخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس، وهذا لا يتسع فيه حيوان اتساع بني آدم؛ لأنهم يكسبون المال خاصة دون الحيوان، ويلبسون الثياب ويأكلون المركبات من الأطعمة. وغاية كل حيوان يأكل لحما نيئا أو طعاما غير مركب. وحكى الطبري عن جماعة أن التفضيل هو أن يأكل بيده وسائر الحيوان بالفم. وروي عن ابن عباس؛ ذكره المهدوي والنحاس؛ وهو قول الكلبي ومقاتل؛ ذكره الماوردي. وقال الضحاك: كرمهم بالنطق والتمييز. عطاء: كرمهم بتعديل القامة وامتدادها. يمان: بحسن الصورة. محمد بن كعب: بأن جعل محمدا r منهم. وقيل أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب. وقال محمد بن جرير الطبري: بتسليطهم على سائر الخلق، وتسخير سائر الخلق لهم. وقيل: بالكلام والخط. وقيل: بالفهم والتمييز. والصحيح الذي يعول عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يعرف الله ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله ([82]).
و قال ابن كثير: " يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم، وتكريمه إياهم، في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كما قال: ]لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ[([83])، أي: يمشي قائمًا منتصبًا على رجليه، ويأكل بيديه - وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه -وجعل له سمعًا وبصرًا وفؤادًا، يفقه بذلك كله وينتفع به، ويفرق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدنيوية والدينية ([84]).
و قال الشيخ عبد الرحمن السعدى: " وهذا من كرمه عليهم وإحسانه، الذي لا يقادر قدره، حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة " ([85])
ومن تكريم الإنسان في الإسلام إعطاء حق المساواة لكل فرد مع الآخرين، فلا يتفاضل أحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح ] إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [ ([86]وبهذا الحق يتساوى الناس جميعا في تطبيق أحكام الشرع الحنيف، ويحصلون جميعا على فرص متكافئة في العمل والتعليم والعلاج ونحو ذلك، لا فرق بين غني وفقير وشريف ووضيع، وقوي وضعيف، وعربي وعجمي، وفي ظل مجتمع المساواة يسود الإنصاف وتعم العدالة وتنتشر الألفة، ويتلاشى الكبر، ولا أدل على ذلك من هذا التطبيق العملي المتمثل في فرائض الصلاة والصيام والحج حيث يقف المصلون والصائمون والحجاج جميعا أمام الله سواء ([87]).
إن المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية يتسم بخاصيتي الشمول والعموم، فيكتسب بذلك عمقاً ورحابةً وامتداداً في الزمان والمكان. ولعل من دقائق المعاني التي ينبغي أن نفطن بها ونتنبه لها، أن آية التكريم من سورة الإسراء جاءت في صيغة العموم، فالآية تشير إلى تكريم الله لبني آدم، وليس لجماعة المؤمنين، أو لفئة دون غيرها من الناس، فالتكريم هنا، هو تكريم مطلق المعنى يشمل البشر كافة، وينسحب هذا المعنى إلى الماضي والحاضر والمستقبل، ويمتد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فمن خلال المنظور الإسلامي، فإن الإنسان مكرم، بصرف النظر عن أصله وفصله، ودينه وعقيدته، ومركزه وقيمته في الهيئة الاجتماعية، إن الله خلقه مكرّماً، ولا يملك أحدٌ أن يجرده من كرامته التي أودعها في جبلَّته وجعلها من فطرته وطبيعته، يستوي في ذلك المسلم الذي يؤمن بالقرآن كتاب الله وبمحمد ابن عبد اللّه رسول اللّه ونبيه، وغير المسلم من أهل الأديان الأخرى، أو من لا دين له. فالكرامة البشرية حقٌّ مشاعٌ يتمتع به الجميع من دون استثناء. وتلك ذروة التكريم وقمة التشريف ([88]).
ولقد تعدّدت مستويات الخطاب الذي يوجّهه الله إلى عباده في القرآن; فمن المؤمنين، إلى أهل الكتاب، إلى معشر المسلمين، إلى بني آدم، وإلى الناس كافّة. ولكل مستوى من الخطاب الإلهي دلالته الموحية والمدى الذي يبلغه معناه، والله سبحانه وتعالى يخبر في هذه الآية بأنه كرم بني آدم كافة، بصيغة الإطلاق والعموم.
إن المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية هو من العمق والشمول بحيث يرتقي إلى قمة عالية من العدل المطلق، ومن المساواة الكاملة، ومن الحق والإنصاف اللذين لا يشوبهما شائبة. وفي الوقت نفسه، فإن هذا المفهوم ينسجم تماماً مع طبيعة الرسالة الإسلامية الموجهة إلى البشرية قاطبة، ذلك أن الإسلام دين إنساني الدعوة عالمي الرسالة، وهو الرسالة الخاتمة من اللّه سبحانه وتعالى إلى الناس كافّة، إلى أن تقوم الساعة([89]).
لقد قامت مبادئ الإسلام وتعاليمه وقيمه كلُّها على احترام الكرامة الإنسانية وصونها وحفظها، وعلى تعميق الشعور الإنساني بهذه الكرامة. وما دامت الرسالة الإسلامية تتغيّا في المقام الأول، سعادة الإنسان وصلاحه، وتبتغي جلب المنفعة له ودرء المفسدة عنه، فإن هذه المقاصد الشريفة هي منتهى التكريم للإنسان، بكل الدلالات الأخلاقية والمعاني القانونية للتكريم.
والإسلام في إحاطته للكرامة الإنسانية بهذا السياج المانع من كل الآفات والأضرار التي يمكن أن تلحق بالكرامة الإنسانية، يتفوق على جميع القوانين الوضعية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بما لا مجال للمقارنة ([90]).
إن الكرامة الإنسانية ترتبط في المفهوم الإسلامي بالحرية وبالمسؤولية، فهي ليست كرامة بدون دلالة عملية تنعكس في سلوك الفرد ومعاملته لأعضاء الأسرة البشرية. ولعل من أعمق البحوث التي عرضت لهذا الجانب من الكرامة الإنسانية ما كتبه عباس محمود العقاد في كتابه "الإنسان في القرآن"، حيث يقول: "إن مكان الإنسان في القرآن الكريم، هو أشرف مكان له في ميزان العقيدة، وفي ميزان الفكر، وفي ميزان الخليقة التي توزن به طبائع الكائن بين عامة الكائنات، هو الكائن المكلف، وهو أصوب في التعريف من قول القائلين (الكائن الناطق) وأشرف في التقدير" ([91]).
إن لتكريم الإنسان في الإسلام قيمة عظمى تدفع المسلم للاعتزاز بكرامته وعدم التفريط فيها مما يجعله يرفض الظلم ويأبى الضيم فيعيش مرفوع الهامة قوي العزيمة رابط الجأش لا يخشى في الحق لومة لائم. كما أن قناعة المسلم بتكريم الله له ولغيره من البشر تجعله يحافظ على أرواح الناس ويبتعد عن إيذائهم أو إرهابهم لأنه مطالب بأن يكرم من كرمه الله ورسوله، ومن يكرمه ربه ينبغي ألا يهينه أحد ] وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [ ([92]). كما أن تكريم الإنسان يدفع المؤمن الحق إلى شكر المولى عز وجل على تلك النعم العظيمة التي حباه بها وفضله على كثير ممن خلق. فمن عرف إكرام الله له، لابد وأن يبتعد عن معاصيه، وإذا غلبه الشيطان فعصى، فعليه المبادرة بالتوبة([93]).
كما أن تكريم الإسلام - ومن ثم المسلمين -لأهل الذمة من المعاهدين والكتابيين وغيرهم يجعل هؤلاء يستشعرون عظمة الإسلام، ويوحد كلمة المجتمع فيصبح آمنا من الدسائس والمكائد التي يلجأ إليها من هضمت حقوقهم أو انتهكت حرماتهم، ويجعل من هؤلاء الذميين عناصر صالحة تعمل وتعطي دون خوف أو وجل.
هذه هى الكرامة ([94]) الإنسانية في ظلال الإسلام،كرامةٌ تمجده، وتعلي مرتبته فوق كل المخلوقات، كرامة مطلقة، لا تتقيد بجنس، أو مكانة اجتماعية، كرامةٌ لذاته لا لاعتقاده، و من حيث هو تكوين بشري، وقبل أن يصبح مسلماً، أو نصرانياً، أو يهودياً، أو بوذياً، وقبل أن يصبح أبيض أو أسود أو أصفر. يقول الشيخ محمد الغزالي: "إن قدر الإنسان في نظر الإسلام رفيع، والمكانة المنشودة له تجعله سيداً في الأرض وفي السماء، ذلك انه يحمل بين جنبيه نفخة من روح الله وقبساً من نوره الأقدس. وهذا النسب السماوي هو الذي رشح الإنسان ليكون خليفة عن الله في أرضه. وهو الذي جعل الملائكة، بل صنوف المخلوقات الأخرى، تعنو له وتعترف بتفوقه" ([95]).
و لأجل هذه الكرامة الإنسانية وضع الإسلام دستوراً للعلاقة بين المسلمين و غير المسلمين هى: ]لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [([96])، فالبر والقسط مطلوبان من المسلم للناس جميعًا، ولو كانوا كفارًا بدينه، ما لم يقفوا في وجهه ويحاربوا دعاته، ويضطهدوا أهله. بل إنه يبيح مؤاكلة أهل الكتاب، والأكل من ذبائحهم،كما أباح مصاهرتهم والتزوج من نسائهم المحصنات العفيفات، و البر كما يقول للفقيه الأصولي شهاب الدين القرافي: " الرفق بضعيفهم، وسدُّ خلَّة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذّلة, واحتمال أذيتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفًا منَّا بهم، لا خوفًا ولا طمعًا، والدعاء لهم بالهداية، وأن يُجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم، في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم، إذا تعرَّض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم لجميع حقوقهم... "([97]).
ويقول تعالى: ]الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[([98]).فقد أعلن الإسلام وحدة الأصل الإنساني،فقال الله تعالى:] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [([99]).
فالمجتمع الإسلامي مجتمع يقوم على عقيدة وفكرة "أيديولوجية" خاصة، منها تنبثق نظمه وأحكامه وآدابه وأخلاقه. هذه العقيدة أو الفكرة "الأيديولوجية" هي الإسلام، وهذا هو معنى تسميته "المجتمع الإسلامي" فهو مجتمع اتخذ الإسلام منهاجًا لحياته ودستورًا لحكمه، ومصدرًا لتشريعه وتوجيهه في كل شئون الحياة وعلاقاتها، فردية واجتماعية، مادية ومعنوية، محلية ودولية.ولكن ليس معنى هذا أن المجتمع المسلم يحكم بالفناء على جميع العناصر التي تعيش في داخله وهي تدين بدين آخر غير الإسلام. كلا.. إنه يقيم العلاقة بين أبنائه المسلمين وبين مواطنيهم من غير المسلمين على أسس وطيدة من التسامح والعدالة والبر والرحمة، وهي أسس لم تعرفها البشرية قبل الإسلام، وقد عاشت قرونًا بعد الإسلام، وهي تقاسي الويل من فقدانها، ولا تزال إلى اليوم، تتطلع إلى تحقيقها في المجتمعات الحديثة، فلا تكاد تصل إليها في مجتمع ما، وفي وقت ما، إلا غلب عليها الهوى والعصبية، وضيق الأفق والأنانية، وجرتها إلى صراع دام مع المخالفين في الدين أو المذهب أو الجنس أو اللون ([100])
و قد بلغ التسامح و الإخاء الإنساني مداه، حين منح الإسلام غير المسلمين مجموعة من الحقوق، والتى تكفل لهم الكرامة الإنسانية و هذه الحقوق هى: الحق في الحماية، الحق في الحياة، و المساواة في العمل و الاكتساب، الضمان الاجتماعي, و غيرها من الحقوق في التفصيل التالي.
الحق في الحماية
إن أول هذه الحقوق هو حق تمتعهم بحماية الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي. وهذه الحماية تشمل حمايتهم من كل عدوان خارجي، ومن كل ظلم داخلي، حتى ينعموا بالأمان والاستقرار.
(أ) الحماية من الاعتداء الخارجي
أما الحماية من الاعتداء الخارجي، فيجب لهم ما يجب للمسلمين، وعلى الإمام أو ولي الأمر في المسلمين، بما له من سُلطة شرعية، وما لديه من قوة عسكرية، أن يوفر لهم هذه الحماية، قال في "مطالب أولي النهى" ـ من كتب الحنابلة ـ: "يجب على الإمام حفظ أهل الذمة ومنع مَن يؤذيهم، وفك أسرهم، ودفع مَن قصدهم بأذى إن لم يكونوا بدار حرب، بل كانوا بدارنا، ولو كانوا منفردين ببلد". وعلل ذلك بأنهم: "جرت عليهم أحكام الإسلام وتأبد عقدهم، فلزمه ذلك كما يلزمه للمسلمين"
وينقل الإمام القرافي المالكي في كتابه "الفروق" قول الإمام الظاهري ابن حزم في كتابه "مراتب الإجماع": "إن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك، صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسولهr، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة". وحكى في ذلك إجماع الأمة. وعلق على ذلك القرافي بقوله: "فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال -صوناً لمقتضاه عن الضياع- إنه لعظيم".
ومن المواقف التطبيقية لهذا المبدأ الإسلامي، موقف شيخ الإسلام ابن تيمية، حينما تغلب التتار على الشام، وذهب الشيخ ليكلم "قطلوشاه" في إطلاق الأسرى، فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسرى المسلمين، وأبى أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال: لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسارى من اليهود والنصارى، فهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً، لا من أهل الذمة، ولا من أهل الملة، فلما رأى إصراره وتشدده أطلقهم له ([101]).
ومنالمواقفالتطبيقيةلهذاالمبدأالإسلامي، ما كتبه خالد بن الوليدtفي خلافة أبي بكر الصديق t في السنة الثانية عشرة للهجرة لبعض أهالي المدن المجاورة للحيرة في العراق، وكانوا من النصارى, إذ جاء فيه: «... فلك الذمَّة والمنعة؛ فإن منعناكم فلنا الجزية؛ وإلا فلا حتَّى نمنعكم... »([102]).
ويمكن الاستشهاد بتطبيق المسلمين الصريح لهذا لمبدأ من تلك الحادثة التي وقعت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب t ذلك أنه لما حشد الإمبراطور هرقل جيشًا ضخمًا لصد قوات المسلمين في بلاد الشام, فلما علم بذلك أبو عبيدة بن الجرّاح t قائد المسلمين كتب إلى عمال المدن المفتوحة في الشام يأمرهم برد ما جُبي من أهل الذمَّة من الجزية والخراج في هذه المدن، وكتب إلى الناس يقول لهم: «إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه قد بلغنا ما جُمع لنا من الجموع، وأنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم, وإنّا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم», فلمّا قالوا ذلك لهم, وردّوا عليهم الأموال التي جبوها منهم, قالوا: «ردَّكم الله علينا، ونصركم عليهم (أي على الروم), فلو كانوا هم، لم يردُّوا علينا شيئًا، وأخذوا كل شيء بقي لنا حتَّى لا يدعوا لنا شيئًا». والتقى المسلمون والمشركون فاقتتلوا قتالاً شديدًا, وقُتل من الفريقين خلق كثيرٌ؛ ثمّ نصر الله المسلمين على المشركين, ومنح أكتافهم وهزمهم وقتلهم المسلمون قتلاً لم ير المشركون مثله؛ فلمّا رأى أهل المدن التي لم يصالح عليها أبو عبيدة ما لقي أصحابهم من المشركين من القتل بعثوا إلى أبي عبيدة فأعطاهم الصلح على مثل ما أعطى الأولين... وأقبل أبوعبيدة راجعًا. فكلما مرّ بمدينة ما لم يكن صالحه أهلها بعث رؤساؤها يطلبون الصلح, فأجابهم إليه وأعطاهم مثل ما أعطى الأولين ([103]).
(ب) الحماية من الظلم الداخلي ([104])
وأما الحماية من الظلم الداخلي، فهو أمر يوجبه الإسلام ويشدد في وجوبه، ويحذر المسلمين أن يمدوا أيديهم أو ألسنتهم إلى أهل الذمة بأذى أو عدوان، فالله تعالى لا يحب الظالمين ولا يهديهم، بل يعاجلهم بعذابه في الدنيا، أو يؤخر لهم العقاب مضاعفاً في الآخرة.
وقد تكاثرت الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الظلم وتقبيحه، وبيان آثاره الوخيمة في الآخرة والأولى، وجاءت أحاديث خاصة تحذر من ظلم غير المسلمين من أهل العهد والذمة. يقول الرسولr: " من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة" ([105]). ويروي نافع عن ابن عمر قال: «كان آخر ما تكلَّم به النبي e أن قال: «احفظوني في ذمتي».([106])
وقد تنبَّه الخلفــــاء المسلمون لهذه التوجيهات وأكَّدوا عليها في توصياتهم لولاتهم حرصًا على تطبيق شرع الله تعالى, فيما يخص أهل الذمَّة بديار الإسلام, فاشتدَّت عنايتهم بدفع الظلم عن أهل الذمَّة، وكفّ الأذى عنهم، والتحقيق في كل شكوى تأتي من قِبَلِهم. حيث كان الخليفـــة عمر بن الخطاب t يسأل الوافدين عليه من الأقاليم عن حال أهـــــل الذمَّة، خشــــية أن يكــــون أحدٌ من المسلمين قـــــد أفضى إليهم بأذى، فيقولون له: «ما نعلم إلا وفاءً»,([107]) أي بمقتضى العهد والعقد الذي بينهم وبين المسلمين، وهذا يقتضي أن كلاً من الطرفين وفَّى بما عليـــه.([108])
وأصيب عُمر t بضربة رجل من أهل الذمَّة ـ أبي لؤلؤة المجوسي ـ فلم يمنعه ذلك أن يوصي الخليفةَ من بعده, وهو على فراش الموت, فيقول: «وأوصيه بذمَّة الله وذمَّة رسول الله e أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم, ولا يكلَّفوا إلا طاقتهم»([109]).
الحق في عصمة دمه و ماله و عرضه
إن من أهم واجبات المجتمع المسلم تجاه الآخر هو إقرار حقَّه في عصمة دمه، حيث حرص الإسلام على عصمة دماء غير المسلمين كحرصه على عصمة دماء المسلمين تماما.
يقول الله تعالى مؤكّدًا ذلك: ]وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ [ ([110])،]مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [([111])
وفي سنة النبي المصطفى e إبراز لهذا المعنى بما لا يحتمل التأويل. فقد ثبت في الحديث الشريف أنَّ النبي e قال: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا».([112])
و قد اهتم الصحابة بحماية أهل الذمَّة، والحفاظ على حقوقهم من الاعتداء عليها, أو النيل منها, بغير وجه حق، سواء أكان هذا الاعتداء من المسلمين أم من غيرهم، وتجلَّى ذلك في صورٍ عديدة. ولا أدلَّ على ذلك من القصَّة المشهورة التي رواها ابن الجوزي في كتابه: مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب عن أنس بن مالك t حين قال: «كنَّا عند عمر بن الخطاب ــ رضوان الله عليه ــ إذ جاء رجلٌ من أهل مصر فقال: يا أمير المؤمنين هذا مقام العائذ بك قال: وما لك؟ قال أجرى عمرو بن العاص بمصر الخيل فأقبلت فرسي، فلمارآها الناس قام محمَّد بن عمرو فقال: فرسي ورب الكعبة. فلما دنا مني عرفته فقلت: فرسي ورب الكعبة، فقام إليَّ يضربني بالسوط ويقول: خذها وأنا ابن الأكرمين.
قال ــ يعني أنس t ــ: فوالله ما زاد عمر على أن قال: اجلس. ثمَّ كتب إلى عمرو إذا جاءك كتابي هذافأقبل وأقبل معك بابنك محمَّد. قال: فدعا عمروابنه، فقال: «أأحدثت حدثًا؟ أجنيت جناية؟» قال: لا. قال: فما بال عمر يكتب فيك؟ قال: فقدمعلى عمر.
قال أنس: فوالله إنَّا عند عمر حتى إذا نحن بعمرو وقد أقبل في إزار ورداء، فجعل عمر يلتفت هل يرى ابنه فإذا هو خلف أبيه. فقال عمر: أين المصري؟ قال: ها أنا ذا. قال: دونك الدرَّة فاضرب ابن الأكرمين. قال: فضربه حتَّى أثخنه، ثمَّ قال: أجلها على صلعة عمرو، فوالله ما ضربك إلا بفضلسلطانه. فقال: يا أمير المؤمنين، قد ضربت من ضربني.قال: أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه، حتَّى تكون أنت الذي تدعه. أيا عمرو متى استعبدتم النَّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ ثمَّ التفت إلى المصري فقال: انصرف راشدًا، فإذا رابك ريب فاكتب إليَّ». ([113])
ومن الشواهد ما فعله أبَّان بن عثمان حين كان أميرًا على المدينة، وقتل رجل مسلم رجلاً من القبط، قتله غيلة، فقتله به، وأبَان معدود من فقهاء المدينة. وما رُوي أنَّ عليًّا أُتي برجل من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمَّة، فقامت عليه البيِّنة، فأمر بقتله، فجاء أخوه فقال: إني قد عفوت، قال: فلعلهم هدَّدوك وفرَّقوك وفزَّعوك، قال: لا، ولكن قتله لا يرد علَيَّ أخي، وعوَّضوني فرضيتُ. قال: «أنت أعلم؛ من كانت له ذمِّتنا فدمه كدمنا، وديته كديتنا» ([114]).
وكما حمى الإسلام غير المسلمين من القتل، حمى أبدانهم من الضرب والتعذيب, فلا يجوز إلحاق الأذى بأجسامهم، حتَّى ولو تأخَّروا أو امتنعوا عن أداء الواجبات المالية المقرَّرة عليهم, كالجزية والخراج، هذا في حين أن الإسلام شدَّد كل التشديد مع المسلمين إذا منعوا الزكاة ([115]).
بل إنَّ الإسلام يعتبر أنَّ مجرَّد انتظار غير المسلم في الشمس تعذيبًا له، ويتضح هذا المعنى جليًا في القصَّة التي رواها أبو يوسف في: كتاب الخراج عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد أنَّه مرَّ على قومٍ قد أُقيموا في الشمس في بعض أرض الشام. فقال: «ما شأن هؤلاء؟» فقيل له: «أقيموا في الشمس». قال: فكره ذلك, ودخل على أميرهم, وقال: «إني سمعت رسول الله e يقول: «من عذَّب الناس عذَّبه الله».([116])
ثمَّ قال أبو يوسف: «وحدَّثنا بعض أشياخنا عن عروة عن هشام بن حكيم بن حزام أنه وجد عياض بن غنم قد أقام أهل الذمَّة في الشمس في الجزية فقال: يا عياض ما هذا؟ فإنَّ رسول الله e قال: «إنَّ الذين يعذّبون النّاس في الدنيا يُعذَّبون في الآخرة».([117])
وفي رواية ثالثة أنَّ عمر بن الخطّاب t هو من مرَّ وهو راجع في مسيره من الشام على قوم قد أُقيموا في الشمس, يُصبّ على رؤوسهم الزيت, فقال: ما بال هؤلاء؟ فقالوا عليهم الجزية لم يؤدُّوها, فهم يُعذّبون حتَّى يؤدُّوها. فقال عمر: فما يقولون هم وما يعتذرون به في الجزية؟ فقالوا: يقولون: لا نجد. قال: فدعوهم, لا تكلّفوهم ما لا يطيقون, فإني سمعت رسول الله e يقول: «لا تعذّبوا الناس فإنَّ الذين يعذّبون النّاس في الدنيا يُعذَّبهم الله يوم القيامة», وأمر بهم فخُلّي سبيلهم.([118])
وفي الرفق بأهل الذمَّة ما رواه البيهقي أنَّ عليٌّا t كتب إلى بعض ولاته على الخراج: « لا تضربنَّ رجلاً سوطًا في جباية درهمٍ, ولا تبيعنَّ لهم رزقًا ولا كسوة شتاء ولا صيف, ولا دابة يعملون عليها, ولا تقم رجلاً قائمًا في طلب درهم. قال: قلت: يا أمير المؤمنين إذًا أرجع إليك كما ذهبت من عندك. قال: وإن رجعت كما ذهبت. ويحك إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو يعني الفضل».([119])
أمَّا حفظ الأموال, فإن الشريعة الإسلاميَّة بُنيت على مقاصد سامية، منها عصمة أموال الناس وتأمينهم في ممتلكاتهم، فحماية أموال الناس مقصد رئيسي من مقاصد الشريعة الإسلاميَّة. وقد اتفق المسلمون في جميع المذاهب، وفي جميع الأقطار، ومختلف العصور، على أنَّ غير المسلمين لهم حق الملكية الخاصة وأموالهم معصومة وهم في حماية المجتمع المسلم, بجميع مؤسساته..
والتاريخ الإسلاميّ من لدن النبي الأكرم سيدنا محمَّد e وحتَّى الخلافة العثمانية،خير شاهد على أنَّ الإسلام كفل حقَّ عصمة أموال غير المسلمين في المجتمعات الإسلاميَّة، فلقد جاء في معاهدة النبي لأهل نجران: «ولنجران وحاشيتهم جوار الله، وذمَّة محمَّد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وبِيَعهم، وصلواتهم »... إلى أن قال: «وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير» ([120]).
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي r ثلاثين ومائة فقال النبي r: ((هل مع أحد منكم طعام)). فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها. فقال النبي r: ((بيعاً أم عطية أو قال أم هبة؟)). قال: لا بل بيع فاشترى منه شاة فصنعت, وأمر النبي r بسواد البطن أن يشوى, وأيم الله ما في الثلاثين والمائة إلا قد حز النبي r له حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاها إياه وإن كان غائباً خبأ له؛ فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا ففضلت القصعتان فحملناه على البعير أو كما قال([121]). فالإسلام لم يحل مال الكافر إلا بطيب نفس منه.
وعن العرباض بن سارية السلمي قال: نزلنا مع النبي r خيبر ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلاً مارداً (المارد العاتي) منكرا؛ فأقبل إلى النبي r فقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا؟ فغضب يعني النبي r وقال: ((يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد ألا إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن, وأن اجتمعوا للصلاة)). قال: فاجتمعوا ثم صلى بهم النبي r ثم قام فقال: ((أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر, وإن الله تعالى لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن, ولا ضرب نسائهم, ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم)) ([122]).
وعن المقدام بن معد يكربعن رسول الله r أنه قال: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لايوشك رجل شبعان على أريكته (السرير) يقول عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه, وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع, ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها)) ([123]).. فإذا كان الله حرم لقطة المعاهد فمن باب أولى دمه وعرضه وماله.
وعن ابن أبي رواد: أن جيشاً مروا بزرع رجل من أهل الذمة فأرسلوا فيه دوابهم وحبس رجل منهم دابته, وجعل يتبع بها المرعى ويمنعها من الزرع؛ فجاء الذمي صاحب الزرع إلى الذي حبس دابته فقال: كفانيك الله - أو قال كفاني الله بك - فلولا أنت كفيت هؤلاء, ولكن إنما يدفع عن هؤلاء بك([124]). فالتعرض لأهل الذمة والعهد سبب لعقاب الله وسخطه.
وعن رجل من جهينة قال: قال رسول الله r: ((لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم؛ فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم فيصالحونكم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك؛ فإنه لا يصلح لكم)). قال: فصحبت الجهني إلى أرض الروم؛ فما رأيت رجلاً أتقى للأرض أن يصيب منها شيئاً منه([125]).
وعن خالد بن الوليد t قال: غزوت مع رسول الله r خيبر فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم فقال رسول الله r: ((ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها, وحرام عليكم حمر الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير)) ([126]).
وفي عهد عمر كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح ــ رضي الله عنهما ــ أن: «امنع المسلمين من ظلمهم والإضرار بهم، وأكل أموالهم إلا بحلها». وقدمرَّبناقولعلي:t«إنمابذلواالجزيةلتكوندماؤهمكدمائنا،وأموالهمكأموالنا».وعلىهذااستقرعملالمسلمينطوالالعصور. فمَن سرق مال ذمي قُطعت يده، ومَن غصبه عُزِّر، وأعيد المال إلى صاحبه، ومَن استدان من ذمي فعليه أن يقضي دينه، فإن مَطَلَهُ وهو غني حبسه الحاكم حتَّى يؤدي ما عليه، شأنه في ذلك شأن المسلم ولا فرق.
وبلغ من رعاية الإسلام لحرمة أموالهم وممتلكاتهم أنه يحترم ما يعدُّونه ــ حسب دينهم ــ مالاً, وإن لم يكن مالاً في نظر المسلمين، فالخمر والخنزير لا يُعدَّان عند المسلمين مالاً مُتقَوَّمًا، ولا يجوز للمسلم أن يمتلك هذين الشيئين لا لنفسه ولا ليبيعهما للغير. أما الخمر والخنزير إذا ملكهما غير المسلم، فهما مالان عنده، بل من أنفس الأموال، كما قال فقهاء الحنفية، فمن أتلفهما على الذمي غُرِّمَ قيمتهما ([127]).
و عندما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد عليه قومٌ من أهل سمرقند, وشكوا إليه أنَّ القائد قتيبة بن مسلم الباهلي دخل مدينتهم على غدرٍ, وأنه أسكنها المسلمين, فكتب عمر إلى عامله على سمرقند يأمره أن ينصّب لهم قاضيًا ينظر فيما ذكروا, فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا, فنصَّب لهم القاضي جميع بن حاضر الباجي, فحكم بإخراج المسلمين, إلا أنَّ أهل سمرقند تصالحوا معهم على البقاء. ([128]) وهي واقعة تؤكّد احترام الإسلام لمبادئ إعلان الحرب, وتوكيده على حفظ حقوق الآخرين.
وقد شكا أحد رهبان النصارى في مصر إلى الوالي أحمد بن طولون أحد قوَّاده، لأنه ظلمه وأخذ منه مبلغًا من المال بغير حق، فما كان من ابن طولون إلا أن أحضر هذا القائد وأنَّبه وعزَّره وأخذ منه المال، وردَّه إلى النصراني. وقال له: لو ادعيتَ عليه أضعاف هذا المبلغ لألزمته به، وفتح بابه لكل متظلم من أهل الذمة، ولو كان المشكو من كبار القوَّاد وموظفي الدولة.([129])
أمّا عن حقِّ ذلك الآخر في حفظ عرضه, فإنَّ المجتمع المسلم بجميع مؤسَّساته مطالب بحفظ حق غير المسلم في حماية عرضه، فالتعرُّض لغير المسلم بكلمة تؤذيه في نفسه, أو في أهله, أو في حسبه, أو في عمله, أو في خادمه, أو سائقه، يعدُّ انتهاكًا لعرضه، ولذلك فإنَّ الإسلام يحمى عِرض غير المسلم وكرامته، كما يحمي عِرض المسلم وكرامته، فلا يجوز لأحدٍ أن يسبَّه، أو يغتابه، أو يسبَّ متعلَّقاته, من أهله وخادمه, حتَّى جماداته من منزله ودابته, أو يذكره بما يكره، في نفسه، أو نسبه، أو خَلْقِه، أو خُلُقه, أو غير ذلك ممَّا يتعلَّق به. ولم يهتمّ تشريع سماوي ولا أرضي بحفظ الأعراض كما اهتمَّ شرعنا الحنيف. يقول الفقيه الأصولي المالكي شهاب الدين القرافي: «... فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عِرضِ أحدهم, أو نوع من أنواع الأذيَّة، أو أعان على ذلك, فقد ضيَّع ذمَّة الله، وذمَّة رسوله e وذمَّة دين الإسلام » ([130]).
ومن مفاخر النظام الإسلاميّ ما منحه من سُلطة واستقلال للقضاء، ففي رحاب القضاء الإسلاميّ الحق، يجد المظلوم والمغبون ــ أيًّا كان دينه وجنسه ــ الضمان والأمان، لينتصف من ظالمه، ويأخذ حقه من غاصبه، ولو كان هو أمير المؤمنين, بهيبته وسلطانه ([131]).
هذا هو الإسلام فهل هناك تسامح و إخاء مثل هذا ؟؟!!
المساواة في العمل و الاكتساب
لغير المسلمين حرِّية العمل والكسب، بالتعاقُد مع غيرهم، أو بالعمل لحساب أنفسهم، ومزاولة ما يختارون من المهن الحرَّة، ومباشرة ما يريدون من ألوان النشاط الاقتصادي، شأنهم في ذلك شأن المسلمين.
فقد قرَّر الفقهاء أنَّ أهل الذمَّة, في البيوع والتجارات وسائر العقود والمعاملات المالية, كالمسلمين، ولم يستثنوا من ذلك إلا عقد الربا، فإنه محرَّم عليهم كالمسلمين.
كما يمنع أهل الذمَّة من بيع الخمور والخنازير في أمصار المسلمين، وفتح الحانات فيها لشرب الخمر, وتسهيل تداولها, أو إدخالها إلى أمصار المسلمين على وجه الشهرة والظهور، ولو كان ذلك لاستمتاعهم الخاصِّ، سدًّا لذريعة الفساد وإغلاقًا لباب الفتنة.
وفيما عدا هذه الأمور المحدودة، يتمتَّع الذمِّيون بتمام حريتهم، في مباشرة التجارات والصناعات والحِرَف المختلفة. وهذا ما جرى عليه الأمر، ونطق به تاريخ المسلمين في شَتَّى الأزمان.
وكادت بعض المهن تكون مقصورة عليهم, كالصيرفة والصيدلة وغيرها. واستمرَّ ذلك إلى وقت قريب في كثير من بلاد الإسلام. وقد جمعوا من وراء ذلك ثروات طائلة معفاة من الزكاة, ومن كل ضريبة, إلا الجزية، وهي ضريبة على الأشخاص القادرين على حمل السلاح، وهي مقدار جدُّ زهيد.([132])
قال آدم ميتز: «ولم يكن في التشريع الإسلاميّ ما يُغلق دون أهل الذمَّة أيَّ باب من أبواب الأعمال، وكانت قدمهم راسخة في الصنائع التي تدرّ الأرباح الوافرة، فكانوا صيارفة وتجَّارًا وأصحاب ضياع وأطباء، بل إنَّ أهل الذمَّة نظَّموا أنفسهم، بحيث كان معظم الصيارفة الجهابذة في الشام مثلاً يهودًا. على حين كان أكثر الأطباء والكتبة نصارى. وكان رئيس النصارى ببغداد طبيب الخليفة، وكان رؤساء اليهود وجهابذتهم عنده» ([133]).
ولم يقتصر ضمان حقِّ التكسُّب والعمل في المهن المختلفة لغير المسلمين في المجتمع المسلم على هذا الحدِّ، بل إنَّ غير المسلمين شغلوا كثيرًا من المناصب المهمَّة في الدولة الإسلاميَّة، ولم يكن هذا مخالفًا للمنهج الإسلاميّ, في تنظيره ولا في تطبيقه.
فقد كان لغير المسلمين الحقُّ في تولِّي وظائف الدولة كالمسلمين. إلا ما غلبت عليه الصبغة الدينية, كالإمامة ورئاسة الدولة والقيادة في الجيش، والقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات، ونحو ذلك.
فالإمامة أو الخلافة رئاسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي e,ولا يجوز أن يخلف النبيَّ في ذلك إلا مسلم، ولا يعقل أن ينفِّذ أحكام الإسلام ويرعاها إلا مسلم.
وقيادة الجيش ليست عملاً مدنيًا صرفًا، بل هي عمل من أعمال العبادة في الإسلام، إذ الجهاد في قمَّة العبادات الإسلامية.
والقضاء إنما هو حكم بالشريعة الإسلامية، ولا يطلب من غير المسلم أن يحكم بما لا يؤمن به، ومثل ذلك الولاية على الصدقات, ونحوها من الوظائف الدينية . وما عدا ذلك من وظائف الدولة، يجوز إسناده إلى أهل الذمَّة إذا تحقَّقت فيهم الشروط التي لا بد منها من الكفاءة والأمانة والإخلاص للدولة ([134]) .
بل إنَّه بلغ التسامُح بالمسلمين أن صرَّح بعض فقهاء الأحكام السلطانية ــ مثل الماوردي في الأحكام السلطانية بجواز تقليد غير المسلم وزارة التنفيذ. ووزير التنفيذ هو الذي يبلغ أوامر الإمام ويقوم بتنفيذها ويمضي ما يصدر عنه من أحكام.
وقد كان سرجون كاتبًا لمعاوية بن أبي سفيان وهو نصراني. كما تولى الوزارة في الدولة العبَّاسيَّة بعض النصارى أكثر من مرَّة, منهم نصر بن هارون سنة (369هـ) ([135]).
وكان صاحب مصر العزيز بالله العُبيدي قد ولَّى عيسى بن نسطورس النصراني أمر مصر, كما استناب في بلاد الشام يهوديًا اسمه مُنشَّا ([136])
ويسجّل المقريزي شهادةً لوزير ملك المغرب الذي زار مصر في طريقه للحج سنة 700هـ (1301م) أيَّام سلطنة الناصر محمَّد بن قلاوون. ففي هذه الزيارة لم يستطع هذا الوزير أن يميّز بين المسلمين وأهل الذمَّة في مصر, بل إنَّه تعجّب من النعمة التي كان يرفّل بها أهل الذمَّة إذ كانوا يلبسون أفخر الملابس, ويركبون الخيل والبغال, ويتولَّون أرفع المناصب في مصر, فشقَّ عليه أمرهم, وما شاهدهم عليه,فكلَّم السلطان فيهم ([137]).
و يقول توماس آرنولد: «واختار عبدالملك عالمًا مسيحيًا من مدينة الرُّها يدعى أثناس Athansius، مؤدبًا لأخيه عبدالعزيزـ وقد رافق أثناس هذا تلميذه إلى مصر عندما عُيِّن واليًا عليها, وهناك جمع ثروة طائلة، قيل: إنه امتلك أربعة آلاف من العبيد، كما ملك كثيرًا من الدور والبساتين، وكان الذهب والفضة عنده (كأنها الحصى). وكان أولاده يأخذون من كل جندي دينارًا عندما يتسلَّم راتبه. ولما كان جيش مصر قد بلغ حينذاك (30000) جندي, فإنه من الممكن أن نكَوّن فكرة عن الثروة التي جمعها أثناس خلال الإحدى والعشرين سنة التي قضاها في هذه البلاد»([138]).
و يضيف توماس آرنولد قوله: " كذلك كان نصر بن هارون مسيحيًا, وكان كبير وزراء عضد الدولة البُويهي (949 ــ 982م) (337 ــ 371 هـ), الذي حكم العراق وجنوبي فارس. وقد ظلَّت دواوين الحكومة وخاصَّة ديوان الخراج فترة طويلة مكتظَّة بالمسيحيين والفرس. وظلَّت الحال في مصر على هذا النحو حتى زمنٍ متأخِّر جدًا, حيث كان السواد الأعظم من المسيحيين يحتكرون أمثال هذه المناصب احتكارًا يكون تامًا" ([139]).
ويؤكِّد حسين مؤنس في كتابه: عالم الإسلام أنَّ «من يقرأ النصوص التاريخيَّة طوال العصور الوسطى ليجد أنَّ المسيحيين كانوا يعيشون في إخاء تامِّ مع المسلمين, وكانت بين الجانبين مودَّة وتعاون تظهر بأجلى صورها في أواسط أهل العلم والطبّ. فلو أنَّنا تصفّحنا كتابًا مثل طبقات الأطباء لابن أبي أُصيبعة لرأينا كيف كان علماء المسلمين وأطباؤهم يتعاونون مع إخوانهم من علماء النصارى واليهود, ويأخذون عنهم ويقبلون شبَّانهم تلاميذ لهم, بل هم كانوا يتعاونون معًا في تأليف الكتب وفي الأبحاث في موضوعات الطبّ والأدوية خاصَّة. أما ما كان من الصداقة بين الشعراء وأهل الأدب المسلمين والمسيحيين, فأظهر من أن تقف عنده, ويكفي أن نقرأ كتابًا مثل شعراء النصرانية للأب لويس شيخو اليسوعي لنرى كيف نبع من بين نصارى البلاد العربيَّة والإسلاميَّة عددٌ ضخم من الشعراء لا تقلّ مراتب بعضهم عن مراتب أكبر شعرائنا الإسلاميين» ([140]).
وتشير سيّدة كاشف في كتابها: مصر الإسلامية وأهل الذمَّة إلى أنَّ الأقباط قد شغلوا مناصب بعض المباشرين في الخزينة المصرية. أي المشرفين عليها, وأنَّهم كانوا يُعرفون باسم المعلمين الأقباط, كما شغلوا مناصب المباشرين للأمراء, ولكبار الشخصيات في المجتمع المصري, ولمشايخ العربان. وبلغ بعض المعلمين الأقباط أو المباشرين شأنًا كبيرًا في مصر العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وأوائل القرن الثالث عشر الهجري, فتمتَّعوا بالثروة الطائلة, واقتنوا الجواريَ والعبيد ([141]).
وقد بلغ تسامُح المسلمين في هذا الأمر أحيانًا إلى حدِّ المبالغة والجور على حقوق المسلمين، ممَّا جعل المسلمين في بعض العصور، يشكون من تسلط اليهود والنصارى عليهم بغير حق([142]).
وهذه شهادة توماس آرنولد، حين قال::" وكثيرًا ما جمع الأطباء المسيحيون بوجه خاص ثروات ضخمة. ولقوا تكريمًا كبيرًا في بيوت العظماء, فجبريل الذي اتخذه الخليفة هارون الرشيد طبيبًا خاصًا، كان مسيحيًا نسطوريًا، بلغ إيراده السنوي 000,800 درهم من أملاكه الخاصة، فضلاً عن راتب قدره 000,280 درهم في السنة مقابل عنايته بمعالجة الخليفة؛ وكان الطبيب الثاني وهو نصراني أيضًا يتقاضى 000,22 درهم في السنة. وكان المسيحيون يجمعون أموالاً وفيرة من احترافهم الصناعة والتجارة. والواقع أن هذه الثروة هي التي طالما أثارت طمع الدهماء ـ الذي يقوم على الحسد ـ وهو شعور دفع المتعصِّبين من المسلمين إلى انتهاز هذه الفرصة، لاضطهادهم وإيقاع الظلم بهم ([143]).
وقد قال المـــؤرِّخ الغربي آدم ميتز: «من الأمور التي نعجب لها كثرة عدد العمال ــ الولاة وكبار الموظفين ــ والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلاميَّة، فكأن النصارى هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الإسلام والشكوى من تحكيم أهل الذمَّة في أبشار المسلمين شكوى قديمة» ([144]).
وينقل مصطفى السباعي عن درابر الأمريكي شهادته في ذلك بقوله: «إنَّ المسلمين الأولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة أهل العلم من النصارى النسطوريين ومن اليهود على مجرَّد الاحترام, بل فوَّضوا إليهم كثيرًا من الأعمال الجسام ورقّوهم إلى مناصب الدولة, حتَّى أنَّ هارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت مراقبة حنَّا بن ماسويه, ولم يكن ينظر إلى البلد الذي عاش فيه العالم, ولا إلى الدين الذي ولد فيه, بل لم يكن ينظر إلا إلى مكانته في العلم والمعرفة». كما ينقل السباعي عن مارك سايس قوله في وصف الأمر زمن الرشيد: «وكان المسيحيّون والوثنيّون واليهود والمسلمون على السواء يعاملون في خدمة الحكومة» ([145]). ومن آخر ما سجَّله التاريخ من ذلك ما سارت عليه الدولة العثمانية في عهدها الأخير, بحيث أسندت كثيرًا من وظائفها المهمَّة والحسَّاسة إلى رعاياها من غير المسلمين، وأنَّها جعلت أكثر سفرائها ووكلائها في بلاد الأجانب من النصارى ([146])
الحق في التأمين عند العجز و الفقر و كبر السن
إنَّ احتياجات المرء تزيد, بالضرورة, عند عجزه وشيخوخته وفقره، ويكون الإنسان بصرف النظر عن عرفه ودينه في حاجة إلى رعاية وكفالة اجتماعية من مجتمعه الذي يعيش فيه، والإسلام يقوم بمسؤوليته تجاه رعيته ويضرب أروع الأمثلة في التكافل الاجتماعي.
فالإسلام قد ضمن لغير المسلمين, في ظلِّ دولته، كفالة المعيشة الملائمة لهم ولمن يعولونهم، لأنهم رعية للدولة المسلمة, وهي مسؤولة عن كل رعاياها، قال رسول الله e: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع، وهو مسؤول عن رعيته» ([147]).
وقد سجَّل التاريخ الإسلاميّ صورًا ناصعة في تأمين احتياجات غير المسلمين في المجتمع الإسلاميّ, من ذلك في عهد النبي e ما رواه أبوعبيد في كتاب الأموال عن سعيد بن المسيب: أنَّ رسول الله e تصدَّق بصدقة على أهل بيت من اليهود، فهي تُجْرَي عليهم. ويضيف أبو عبيد أنَّ صفيَة زوج النبي e تصدَّقت على ذوي قرابة لها, فهما يهوديان ([148]) .
وقد استمرَّ هذا النهج من قِبَل الخلفاء والولاة, فقد مرَّ عمر بن الخطاب t بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر, فضرب عضده من خلفه, وقال: من أي أهل الكتاب أنت? فقال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى? قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله, فرضخ له بشيء ممَّا في المنزل, ثم أرسل إلى خازن بيت المال. فقال: أنظر هذا وضرباءه, فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم (إنما الصدقات للفقراء والمساكين). والفقراء هم المسلمون, وهذا من المساكين من أهل الكتاب, ووضع عنه الجزية وعن ضربائه». قال أبو بكر: «أنا شهدت ذلك من عمر ورأيت ذلك الشيخ» ([149]).
وعمر بن الخطاب نفسه t حينما مرّ وهو في الجابية من أرض دمشق على قومٍ من النصارى مجذومين, فرقّ قلبه لحالهم, وأمر بهم أن يعطوا من الصدقات, وأن يُجرى عليهم القوت ([150]).
وفي عقد الذمَّة الذي كتبه خالد بن الوليد t لأهل الحيرة بالعراق، وكانوا من النصارى جاء فيه: «وجعلت لهم: أيَّما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيًّا فافتقر, وصار أهل دينه يتصدَّقون عليه، طرحت جزيته وعِيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام, فإن خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار الإسلام فليس على المسلمين النفقة على عيالهم» ([151]).
وكان هذا في عهد أبي بكر الصِّدِّيق t، وبحضرة عدد كبير من الصحابة، وقد كتب خالد به إلى أبي بكر الصِّدِّيق ــ رضي الله عنهما ــ, ولم ينكر عليه أحد، ومثل هذا يُعَد إجماعًا.
وهذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز t يكتب إلى عدي بن أرطاة عامله على البصرة: «أما بعد، فإنَّ الله سبحانَه إنَّما أمر أن تؤخَذَ الجزيةُ ممّن رغِب عن الإسلام، واختار الكفر عِتيًّا وخُسرانًا مبينًا، فَضَعِ الجزيةَ على من أطاق حملَها، وخَلِّ بينهم وبين عمارة الأرض، فإنَّ في ذلك صَلاحًا لمعاش المسلمين، وقوة على عدوهم. وانظر من قِبلكَ من أهل الذمَّة، مَن قد كَبُرَتْ سنُّه وضعفت قوتُه، وولَّت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه. فلو أنَّ رجلاً من المسلمين كان له مملوك كبُرت سنُّه، وضعفت قوته، وولَّت عنه المكاسب، كان من الحق عليه أن يَقُوّته حتَّى يفرِّق بينهما موت أو عِتق، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مرَّ بشيخ من أهل الذمَّة، يسأل على أبواب الناس، فقال: «ما أنصفناك، إن كنا أخذنا منك الجزية في شَبابك، ثم ضيَّعْناك في كِبَرِك». ثم أجرى عليه من بيت المال ما يُصلحه» ([152]).
بهذاتقرَّرالضمانالاجتماعيفيالإسلام،باعتبارهمبدأًعامًايشملأبناءالمجتمعجميعًا، مسلمينوغير مسلمين،ولايجوزأنيبقى فيالمجتمعالمسلمإنسانٌمحرومٌمنالطعامأوالكسوةأوالمأوىأوالعلاج،فإنَّدفع الضَّررعنهواجبديني،مسلمًاكانأوذميًا ([153]).
وكان بعض أجلاَّء التابعين يعطون نصيبًا من صدقة الفطر لرهبان النصارى ولا يرون في ذلك حرجًا([154]). بل ذهب بعضهم ــ كعكرمة وابن سيرين والزهري ــ إلى جواز إعطائهم من الزكاة نفسها.
وروى ابن أبي شيبة عن جابر بن زيد: «أنه سُئل عن الصدقة فيمن توضع؟ فقال: في أهل ملتكم من المسلمين، وأهل ذمتهم... »([155]).
و يسجل التاريخ مشهداً للسلطان صلاح الدين الأيوبي في التكافُل الإنساني، حيث نمى إليه وهو في بيت المقدس أنَّ في المدينة شخصين إفرنجيين مسنَّين يتجاوز عمرهما المئة سنة, وكانا قد حضرا إلى القدس أيام غودفروا دي بويون, فأخذته الشفقة عليهما وقرَّر لهما معاشًا دائمًا, ليكفيهما مؤونة الحاجة طيلة ما بقي من حياتهما([156]).
مجادلتهم بالحسنى
و من أروع حقوق غير المسلمين، الحوار معهم و مجادلتهم بالحسنى؛ فالدعوة إلى الله تعالى على هدي النبي r ، ما هى إلا امتثال لأمر الله تعالى الذي أمر بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هى أحسن، كما في قوله عز وجل:] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[ ([157]). ويقول سبحانه و تعالى:] فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ[ ([158])
وقال تعالى: ]وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [([159]). قال القرطبي: " وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليناً، ووجهه منبسطاً طلقاً مع البر والفاجر والسني والمبتدع مداهنة، أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: ]فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى[([160])، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه. وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيّ حدة، فأقول لهم بعض القول الغليظ. فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى:]وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا[([161]) فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى ".([162])
وقال الحسن: "لين القول من الأدب الحسن الجميل والخلق الكريم، وهو مما ارتضاه الله، وأحبه... قال عطاء بن أبي رباح: من لقيت من الناس فقل له حسناً من القول ".([163])
ويأمر الله عباده أن يقولوا التي هي أحسن: ]وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [([164]). قال القرطبي: " نزلت في عمر بن الخطاب، وذلك أن رجلاً من العرب شتمه وسبه، وهمّ بقتله، فكادت تثير فتنة، فأنزل الله تعالى فيه وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [، و قال الحسن: "هو أن يقول للكافر إذا تشطط: هداك الله، يرحمك الله.. وعلى هذا تكون الآية عامة في المؤمن والكافر، أي قل للجميع ".([165])
قال ابن كثير:"] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [ ([166])، أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب.. فأمر تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون في قوله:]فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى[([167]).
فلقد جعل الإسلام حرية العقيدة ([168]) من أهم حقوق غير المسلمين، بل أنَّه نهى المسلمين أن ينالوا من الآلهة التي يعبدها المشركون بالسبِّ, وفي ذلك أبلغ تكريم لغير المسلمين، فاحترام شعوره نحو الأشياء التي يقدِّسها احترام لكرامته, قال تعالى:] وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [([169])
وفي ذلك يقول الإمام القرطبي عن أهل الذمَّة: «فلا يحلُّ لمسلم أن يسبَّ صلبانهم, ولا دينهم, ولا كنائسهم, ولا يتعرَّض إلى ما يؤدِّي إلى ذلك؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية».([170])
ومن صور كرامة غير المسلمين اعتراف المسلمين بما لديهم من فضائل وصفات حسنة. ومن شواهد ذلك أنه لمَّا ذُكِرت الروم عند الصحابيّ الجليل عمرو بن العاص t, قال: «لئن قلت ذلك إنَّ فيهم لخصالاً أربعًا: إنهم لأحلم الناس ثم فتنة, وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة, وأوشكهم كرة بعد فرة, وخيرُهم لمسكين ويتيم وضعيف, وخامسة حسنة جميلة, وأمنعهم من ظلم الملوك». ([171])
ويطبّق الرسول الكريم r هذا المبدأ حتَّى مع الأموات حيث كان e يأمر بالقيام للجنائز, فعن جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما - قال مر بنا جنازة فقام لها النبي r وقمنا به. فقلنا يا رسول الله، إنها جنازة يهودى. قال « إذا رأيتم الجنازة فقوموا »([172]).
وقد امتثل لذلك صحابته الكرام ــ رضوان الله عنهم ــ من بعده, فحدث أن مرَّت جنازة بسهل بن حنيف وقيس بن سعد ــ رضي الله عنهما ــ وهما قاعدان بالقادسية, فقاما, فقيل لهما: إنها من أهل الأرض, أي من أهل الذمَّة, فقالا: «إنَّ النبي e مرَّت به جنازة, فقام, فقيل له: إنها جنازةُ يهوديّ, فقال: أليست نفسًا ؟». ([173])
فالإسلام هو دين التعايش([174])، و ليس ثمّة ما هو أبلغ في الدلالة، وأوفى بالقصد من الآية الكريمة ]قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [ ([175])،
في الدلالة على عمق مبدأ التعايش في مفهوم الإسلام.
ذلك أن المساحة المشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب مساحة واسعة، وإذا كان الإسلام قد جعل في قلوب المسلمين متسعاً للتعايش مع بني الإنسان كافّة، ففيه من باب أولى، متسعٌ للتعايش بين المؤمنين باللَّه، وإن كان هذا التعايش لا يعني أننا متفقون في كل شيء، فإذا اشترطتُ ألا أبذل الحسنى إلاَّ لمن كان مثلى تماماً (مسلماً أم غير مسلم)، فمعنى ذلك أنني لا أحب إلاَّ نفسي، وأن الاختلاف معناه العداوة ([176]).
ومن أبلغ صور التسامح مع الآخر، عدم سب الآخر أو لعنه، فعن عائشة - رضى الله عنها - زوج النبي r قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله r، فقالوا: السام عليكم. قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة. قالت: فقال رسول الله r " مهلا يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله ". فقلت يا رسول الله ولم تسمع ما قالوا قال رسول الله r " قد قلت وعليكم "([177]).
وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي r فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة فلما جلس تطلَّقَ النبي r في وجهه وانبسط إليه. فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه فقال رسول الله r: يا عائشة، متى عهدتني فحَّاشاً، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره([178]). وفي شرح الحديث ينقل ابن حجر عن القرطبي قوله: "في الحديث.. جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى... والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معًا، وهي مباحة, وربما استحبت، والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا، والنبي r إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته ومع ذلك فلم يمدحه بقولٍ، فلم يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه قول حق، وفعله معه حسن عشرة...". وعقّب ابن حجر بقوله: " وهذا الحديث أصل في المداراة ".([179]) ومن المداراة مناداة المحاورين غير المسلمين بما يليق بهم من ألقاب يستحقونها، وتحيتهم تحية مناسبة، كقوله r: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ([180]).
ومن المداراة للآخرين الفعل الحسن، كعيادة مريضهم، وإكرام وفدهم، تأسياً بالنبي r في صنيعه مع عدي بن حاتم الطائي وعكرمة بن أبي جهل قبل إسلامهما. قال عدي بن حاتم: "أتيت رسول الله r وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عدي بن حاتم. وجئتُ بغير أمان ولا كتاب، فلما دُفعتُ إليه أخذ بيدي.. حتى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة، فجلس عليها ". ([181])
وكان عدي بن حاتم الطائي رجلاً نصرانياً، ذا وجاهة وشرف في قومه، وكان شديد الكراهية لرسول الله r ولكن طبيب القلوب r وضع مبضعه على موضع الداء عند عدي، حتى تحول بفضل الله من مبغض عدائي إلى محب ولي، ولنترك عدياً يحكي لنا القصة، عندما وقعت أخت عدي بن حاتم في أسر المسلمين عاملها رسول الله معاملة كريمة, وبقيت معززة مكرمة، ثم كساها النبي r وأعطاها ما تتبلغ به في سفرها, وعندما وصلت إلى أخيها في الشام شجعته على الذهاب لرسول الله r، فتأثر بنصيحتها وقدم على المدينة ([182]).
ويحكي عدي طرفاً آخر من القصة قال: "دخلت على رسول الله r فقال لي: "يا عدي ابن حاتم، أسلم تسلم" ثلاثاً. قلت: إني على دين، قال: "أنا أعلم بدينك منك" فقلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال: نعم، ألست من الركوسية([183])، وأنت تأكل مرباع([184]) قومك؟" قلت: بلى، قال: "فإن هذا لا يحل لك في دينك" قال عدي: فلم يعد أن قالها فتواضعت لها. فقال: "أما إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟" قلت: لم أرها، وقد سمعت بها، قال: "فوالذي نفسي بيده، ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة، حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز" قال عدي: قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: "نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد" قال عدي: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله r قالها([185]) .
لقد سجل التاريخ أن الأقباط قل ساعدوا المسلمين على فتح مصر، ورحبوا بهم لإنقاذهم من الاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له على أيدى الرومان، وقد بادر عمرو بن العاص إلى إعادة البابا بنيامين -بطريرك الأقباط - إلى كرسيه بعد أن ظل هاربا في الصحراء لمدة إثنى عشر عاما، كما أعاد للأقباط كنائسهم التى اغتصبها الرومان، وخطب في أول جمعة صلاها بجامعه بالفسطاط قائلا: " استوصوا بمن جاوركم من القبط خيرا، فإن لكم فيهم ذمة وصهرا، فكفوا أيديكم، واعفوا، وغضوا أبصاركم ".
وعند الفتح الإسلامي الذي أنقذ الأقباط من ظلم الرومان، استوعب الأقباط جيدا الدرس الذي تلقوه من الإمبراطورية الرومانية المسيحية، وأدركوا أن اختلاف الدين لا ينال من وحدة الدم والمصير بين أبناء مصر جميعا. وهذا ما يفسر لماذا حارب الأقباط في صفوف المسلمين ضد جميع الغزاة من الصليبيين والفرنسيين والإنجليز والإسرائيليين وغيرهم.
ومنذ التقاء الإسلام والمسيحية على أرض مصر، عاش المسلمون والأقباط كأسرة كبيرة واحدة يسودها الحب والوفاء والإخلاص في كل مناحى الحياة، وذلك باستثناء بعض عهود الضعف والتدهور التى كان الظلم فيها يقع على المسلمين والأقباط معا. وقد لاحظ عميد الاستعمار البريطانى اللورد كرومر الاندماج التام بين المسلمين والأقباط فكتب قائلا: " إنه لا يوجد شيء على الإطلاق يميز بين المسلم والقبطى في مصر، لا في الشكل، ولا في الزى، ولا في العادات أو التقاليد أو أسلوب المعيشة، الشيء الوحيد الذي يميز بينهما هو أن المسلم يعبد الله في المسجد والقبطى يعبد الله في الكنيسة "([186])
هذه هي المساواة في الإسلام، و هذا هو التسامح و الإخاء الإنساني في الإسلام، فالإسلام هو منهج للأخلاق، و منهج الأخلاق هو القرآن الكريم، و المتمثل في سلوك الرسول r]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [([187]).
الفصل الثالث
التسامح الإسلامي وقت الحرب
الحرب([188]) واقع قديم قدم الإنسانية نفسها، حيث عُرفت الحرب كأداة لتسوية الخلافات، منذ العهود الأولى لوجود الإنسان، لو عدنا إلى كتب التاريخ والمخطوطات القديمة، لوجدنا أرقاماً هائلة لأعداد الحروب، حيث يعجز العقل عن تصديق ذلك.
حيث تزودنا الإحصاءات بأن (14000) حرب اشتعلت خلال (5) آلاف سنة من التاريخ، وبلغت الخسائر بالأرواح نحو (5) مليارات من بني البشر، وخلال (3400) سنة الأخيرة، لم يعرف العالم سوى (250) عام من السلام، وجاءت الحرب العالمية الأولى على نحو (10) ملايين نسمة بالإضافة إلى (21) مليون نسمة ماتوا نتيجة الأوبئة التي خلفتها الحرب، وفي الحرب العالمية الثانية، وفي الحرب العالمية الثانية قتل نحو (40) مليون نسمة نصفهم من المدنيين ([189])
وهكذا من خلال النظر إلى هذه ألأرقام الهائلة، كان لابد من السعي لإيجاد الحلول الوقائية التي تحول دون وقوع الحروب، أو حتى التخفيف منها قدر الإمكان، ومن هنا، كانت البدايات الأولى لظهور ما سمي فيما بعد (القانون الدولي الإنساني) حيث نجد أولى قواعده في الثقافات لبني البشر، حيث نتلمَّس قواعده في مبادئ الفروسية والمروءة ومساعدة الضعيف التي كانت تسود في المجتمعات القديمة.
ثم ظهرت قواعده في الأديان السماوية بدءاً بالدين المسيحي، ثم جاءت الشريعة الإسلامية التي وضعت قواعد وأحكام محددة لتنظيم سلوك الدولة والأفراد على السواء في زمني السلم والحرب.
لقد وضع الإسلام قواعد كان لها اثر كبير في حكم سلوك المسلمين أثناء الحروب التي كانوا يدخلون فيها، حيث أثرت فيهم القواعد والأوامر التي كان يتلقاها المسلمون من الرسول r، وكذلك أوامر الخلفاء الراشدين من بعده، كما أثرت في المقابل على العدو الداخل في الحرب مع الجيوش التابعة للدولة الإسلامية لما لمسه من قواعد ومعاملة مميزة مع أتباعه الواقعين تحت أيدي الجيوش الإسلامية.
جاءت حضارتنا والعالم كله يسير على سنة الغاب. القوى يقتل الضعيف، والمسلّح يسترق الأعزل، والحرب شرعة معترف بها بين جميع الشرائع والديانات والأمم والشعوب، من غير قيدٍ ولا حدّ، ومن غير تفريق بين حرب جائزة وحرب ظالمة، فكل من استطاع أن يغلب أمة على أرضها ويكرهها على عقيدتها، ويسترق رجالها ونساءها، فعل من غير تحرج ولا تأثم. فلم ترضّ حضارتنا أن تقر هذه الشرعة الظالمة التي تردت فيها الإنسانية إلى مستوى الحيوانية الشرسة([190]).
بل أعلنت أن الأصل في العلائق بين الأمم التعارف والتعاون: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ ([191])، وبذلك كان السلم هو العلاقة الطبيعية بين الشعوب:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [ ([192])، فإذا أبت أمة إلا الحرب والعدوان على أمة أخرى، كان على هذه الأمة أن تستعد لمجابهة العدوان، فإن ترك الاستعداد يغري بالعدوان ويسرع به: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [ ([193]). فإذا عدلت تلك الأمة عن نية العدوان ورهبت السلم المسلح، كان على الأخرى أن تركن إلى السلم وتحرص عليه: ]وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ ([194] وإن أبت إلا الحرب، فالقوة تدفع القـوة، والعـدوان يـدفع بمثله: ]وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [ ([195]).
وهنا تعلن مبادئ حضارتنا تحريم الحروب للغزو ونهب الأموال، وإذلال كرامة الشعوب، إنما الحرب المشروعة ما كانت إلا لغايتين اثنتين([196]):
(1) دفاع عن عقيدة الأمة وأخلاقها.
(2) ودفاع عن حرية الشعب واستقلاله وسلامه، ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ [ ([197])، ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [([198]).
وليست حرية العقيدة هي المطلوبة للأمة التي تعلن الحرب فحسب، بل عليها أن تضمن حرية العقائد كلها، وتحمي أماكن العبادة لكل الديانات: ] وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [ ([199]) .
وأروع ما نادت به حضارتنا أن الدفاع عن الضعفاء المستذلين في الشعوب الأخرى واجب علينا كما يجـب الـدفاع عـن حريتنـا وكرامتنا:] وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [ ([200]) .
وإذا كانت هذه الغاية من حروب حضارتنا، لم يجز لها حين تعلن الحرب في سبيل الحق والخير أن تنقلب إلى أداة تصنع الباطل والشر. ومن أجل ذلك كان من مبادئ حضارتنا في الحرب أن لا تقاتل إلا من يقاتلها ويعتدي عليها: ]فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [ ([201]).
فإذا قامت الحرب كان علينا أن لا ننسى مبادئنا فنقسو ونفسد ونظلم وننشر الخراب والدمار.. كلا.. فالحرب الإنسانية الخالصة لله يجب أن تظل إنسانية في وسائلها وعند اشتداد وطيسها. ومن هنا جاءت الوصايا التي لم يسبق لها في التاريخ: " إنك ستلقى أقواماً قد فرغوا أنفسهم لله في الصوامع فذرهم وما فرغوا أنفسهم له، و لا تقتلن مولوداً, و لا امرأة، و لا شيخاً كبيراً، و لا تعقرن شجراً بدا ثمره، و لا تحرقن نخلاً، و لا تقطعن كرماً "([202]) .
أريت كيف تكون الحرب الإنسانية التي تشرع في سبيل الله لا للشر والعدوان؟.. وتستمر هذه الحرب متقيدة بهذه المبادئ الإنسانية الرحيمة حتى تنتهي بأحد أمرين: إما الصلح، وإما النصر. أما الصلح فالعهود فيه محترمة، والوفاء بما تضمنته واجب: ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [ ([203]). وأما النصر، فهو انتصار الجماعة التي غضبت للحق واستشهدت في سبيله. فلن تفعل حين انتصارها إلا ما يوطد أركان الحق في الأرض، ويمنع البغي والفساد بين الناس:] الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ [ ([204]).
ففي معركة أُحد قُتل أسد الله حمزة، عم النبي وأشهر أبطال العرب، قتله رجل يقال له وحشي، بتحريض من هند زوج أبي سفيان. ولما خر البطل، أخذت هند تفتش عن قلب حمزة حتى احتزته، ثم مضغته مبالغة في التشفي والانتقام! ثم أسلمت هند وأسلم وحشي. فماذا كان من رسول الله؟ لم يزد على أن استغفر لهند، وقبل إسلام وحشي وقال له: إن استطعت أن تعيش بعيداً عنا فافعل. هذا كل ما كان من رسول الله مع قاتل عمه حمزة ومع ماضغة قلبه!
ورأى r في بعض حروبه امرأة من الأعداء مقتولة، فغضب وأنكر وقال: ألم أنهكم عن قتل النساء؟ ما كانت هذه لتقاتل. هذا هو رسول الله المحارب يطبق مبادئه الإنسانية وهو يخوض الغمار ويقود الكتائب.
ولما فتح مكة ودخلها الرسول ظافراً على رأس عشرة آلاف من أبطاله وجنوده، واستسلمت قريش، ووقفت تحت قدميه على باب الكعبة، تنتظر حكم الرسول عليها بعد أن قاومته إحدى وعشرين سنة.. ما زاد r على أن قال: يا معشر قريش: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيراً: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اليوم أقول لكم ما قال أخي يوسف من قبل: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. إذهبوا فأنتم الطلقاء.. إنه أيها الناس محمد الرسول معلم الإنسانية الخير، لا القائد السفاح الذي يسعى لمجده وسلطانه فتسكره نشوة النصر ([205]).
وسيرة أصحابه r وخلفائه من بعده في حروبهم وفتوحاتهم كانت قبساً من هذا النور، وسيراً في هذا الطريق، وتنفيذاً لتلك المبادئ، لم يفقدوا أعصابهم في أشد الأوقات حرجاً، ولم ينسوا مبادئهم في أعظم الفتوحات انتصاراً. ولما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز، وفد إليه قوم من أهل سمرقند، فرفعوا إليه أن قتيبة قائد الجيش الإسلامي فيها دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين غدراً بغير حق. فكتب عمر إلى عامله هناك أن ينصب لهم قاضياً ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين من سمرقند أخرجوا. فنصب لهم الوالي (جميع بن حاضر الباجي) قاضياً ينظر في شكواهم، فحكم القاضي وهو مسلم، بإخراج المسلمين! على أن ينذرهم قائد الجيش الإسلامي بعد ذلك، وينابذهم وفقاً لمبادئ الحرب الإسلامية، حتى يكون أهل سمرقند على استعداد لقتال المسلمين فلا يؤخذوا بغتة. فلما رأى ذلك أهل سمرقند، رأوا ما لا مثيل له في التاريخ من عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها! قالوا: هذه أمة لا تحارب، وإنما حكمها رحمة ونعمة. فرضوا ببقاء الجيش الإسلامي، وأقروا أن يقيم المسلمون بين أظهرهم. ([206]).
ولما فتحت جيوشنا الظافرة دمشق وحمص وبقية المدن السورية، وأخذوا من أهلها مبالغ من المال صلحاً لقاء حمايتهم والدفاع عنهم، رأى قادتنا بعد أن جمع هرقل لهم الجموع لينازلهم في معركة فاصلة، أن يخلوا المدن المفتوحة ويتجمعوا في مكان واحد ينازلون به الروم مجتمعين. وخرج جيشنا من حمص ودمشق والمدن الأخرى، وجمع خالد أهل حمص وأبو عبيدة أهل دمشق، وغيرهما من القادة أهل المدن الأخرى وقالوا لهم: إنا كنا قد أخذنا منكم أموالاً على أن نحميكم وندافع عنكم، ونحن الآن خارجون عنكم لا نملك حمايتكم، فهذه أموالكم نردها إليكم! فقال أهل المدن: ردكم الله ونصركم، والله لحكمكم وعدلكم أحب إلينا من جور الروم وظلمهم. والله لو كانوا مكانكم لما دفعوا إلينا شيئاً أخذوه، بل كانوا يأخذون معهم كل شيء يستطيعون حمله!
وفي حروب التتار في بلاد الشام، وقع بأيديهم كثير من أسرى المسلمين والنصارى واليهود، ثم تدخل شيخ الإسلام ابن تيمية مع أمير التتار في أمر الأسرى وفكّ أسرهم، فأجابه الأمير إلى فك أسرى المسلمين فقط دون النصارى واليهود، فأبى شيخ الإسلام ذلك وقال له: لابد من افتكاك جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة([207])..
قال الشاعر:
ملكنـا فكان العفو منا سجية فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وما عجب هذا التفاوت بيننا فكل إناء بالذي فيه ينضح
وهكذا نجد أنّ الإسلام وضع نظاماً صارماً لأنسة الحرب. فلقد أبان الإسلام مكانة الأخلاق و أكد على أن الأخلاق من أهم المهمَّاتالتى بعث بها نبيه المصطفي r صاحب الأخلاق الزكية، و مدح الله عز وجل نبيه rبعظمة خُلُقِهِ قائلاً:] وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [([208]). و بين rأن دعوته ما قامت إلا لإتمام مكارم الأخلاق، فقال رسول الله r: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) ([209]).
لقد وضع الإسلام مجموعة من الضوابط التي تؤكد التسامح و الإخاء الإنساني في الإسلام وقت الحرب.و حدد أسباباً بتحققها يجب وقف القتال على الفور وهى: الإسلام، والجزية، والمعاهدة, والقتال في الأشهر الحرم، والهزيمة والاستسلام والأسر. فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله r إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: " اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا و لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله الذي يجرى على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفىء شىء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم " ([210])
و لما بعث الرسول r أسامة بن زيد رضى الله عنه في سرية غالب، فحاربهم أسامة رضى الله عنه بجنده حتى هزمهم، وفرَّ رجل منهم وهو ابن مرداس، فتبعه أسامة ورجل من الأنصار، ولما اقتربا من هذا الرجل الفارِّ، وأوشكا على قتله، قال الرجل: لا إله إلا الله، فكف الأنصارى وتركه، أمَّا أسامة فظن أنَّه قال لا إله إلا الله خوفًا من القتل، فطعنه برمحه، فقتله، فلما قدموا المدينة بلغ النبيr ما حدث، فقال: (يا أسامة، أقتلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟!)، فأجاب أسامة: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا (أى: قالها لينجو بها من القتل)، فكرر الرسول r قوله: (أقتلتَه بعدما قال لا إله إلا الله؟) قال أسامة: فما زال يكررها، حتى تمنيتُ أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم) ([211]).
.فليس الجهاد في الإسلام تعطشاً للدماء، بل إنه تسامح و خاء و سمو في التعامل مع الآخر. و قد وضع الاسلام مجموعة من الأخلاق الإسلامية و التي تؤكد التسامح و الإخاء الإنساني في الإسلام وقت الحرب، و هذه بعض الأخلاق الإسلامية هي:
(1) عدم الإجهاز على الجرحى
(2) عدم الإفساد في الأرض.
(3) منع التفريق بين الوالدة وولدها في السبى
(4) الوفاء بالعهد وعدم الغدر أو الخيانة
(5) الإحسان في القتل والنهى عن التمثيل والتحريق
(6) النهى عن قتل من أَمَّنَهُ المسلمون
(7) النهى عن قتال وترويع المدنيين ومن ألقى السلاح من المقاتلين
(8) حسن معاملة الأسرى والرقيق والسبى
عدم الإجهاز على الجرحى

و من التسامح الإسلامي عدم الإجهاز على الجرحي، وأرشد النبي r أصحابه في فتح مكة إلى هذا الخلق قائلاً: (ألا لا يُجهَزنّ على جريح، ولا يُتبعنّ مدبر، ولا يُقتلنّ أسير، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن)([212])، فهذا هو منهج أمة الإسلام في التسامح والتعامل مع مخالفيها.

وهذا ما فهمه صحابة رسول الله r وطبقوه فيما بعد في حروبهم مع الخوارج والمرتدين وغير المسلمين، فقد قال أبو أمامة رضى الله عنه: (شهدت صفين فكانوا لا يجيزون علىجريح، ولايطلبون موليا، ولا يسلبون قتيلا)([213]).

عدم الإفساد في الأرض

إن إصلاح الأرض وعمارتها من المقاصد الشرعية، فها هو صالح عليه السلام يقول لقومه: ]وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ[ ([214]). وقال موسي عليه السلام ]عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [([215]).
وقد نهى رب العالمين عباده الموحدين عن الإفساد في الأرض يقول عز وجل ]وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [([216]) .
وقد كان هذا الخلق جلياً في سيرة خاتم المرسلين، فما كان مجاهدوا الإسلام مفسدين في الأرض، سواءاً كان هذا الإفساد بتدمير المنشآت أو تخريب الطرقات أو قتل الدواب أو ما دون ذلك حتى لو كانوا في وقت ضعف لا يملكون قتال الأعداء إلا بهذا السبيل، فإن النبي r ما صنع ذلك بمكة رغم ما لقيه منهم من أنواع العذاب والاضطهاد.
فعن معاذ بن أنس رضى الله عنه أنه قال: (الغزوغزوان فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإماموأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر كله وأما من غزا فخراورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لم يرجع بالكفاف) ([217]).
كما نهى عن تضييق المنازل وقطع الطرق فعن معاذ بن أنس رضى الله عنه أنه قال: (غزوت مع نبى الله r غزوة كذا وكذافضيقالناس المنازل وقطعوا الطريق فبعث نبى الله r منادياً ينادي في الناس أن من ضيق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له)([218]).
منع التفريق بين الوالدة وولدها في السبي
لقد كان النبي r يرشد أصحابه لهذه الرحمة، في المواقف المختلفة من سيره ومغازيه ولذلك فإن النبي r قد قال: (من فَرَّقَ بين والدة وولدها –فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة)([219]).
كما ارشد إلى رد البيع حين التفريق بين المرأة وولدها: فحينما باع على بن أبى طالب رضى الله عنه جارية له دون ولدها قد وقعت في سهمه من السبى، وكان هذا البيع سبب في التفريق بين الأم وولدها نهاه النبي r ورد البيع([220]) الذي قد تم لمنافاة ذلك للرحمة بالأم وبالولد الذي يحتاج أمه لتحتضنه وتراعيه فينشب كما ينشب الرجال.
و بين rلجوانب الرحمة في أثناء تفقد السبى، فعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: (قدم على النبي r سبى، فإذا امرأة من السبى قد تحلب ثديها تسقي،إذا وجدت صبيا في السبى أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي r : (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على أن لاتطرحه، فقال: لله أرحم بعباده من هذهبولدها)([221]). ليذكر أصحابه بالرحمة التى وضعها الله في قلوب العباد، وأن الراحمون يرحمهم الرحمن.
الوفاء بالعهد وعدم الغدر أو الخيانة
جاء الإسلام مؤكداً على الوفاء بالعهود موضحاً وجوبها والنهى عن الغدر. و بين أن من صفات عباده المؤمنين، الوفاء بالعهود، ورعايتها حتى لا تنقض.قال تعالى: ]وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [([222]). و قال تعالى: ]وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا [([223]).. وقال جل وعلا ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [ ([224]).
وقد أبان رسول الله r هذا الخلق في سيرته . فقال النبيr (إني لاأخيسبالعهد، ولا أحبس البرد)([225])، و قال النبي r: (أربع خلال من كن فيه كان منافقا خالصا: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف،وإذاعاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ومن كانت فيهخصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها)([226]).

([1]) صفى الرحمن المباركفورى، الرحيق المختوم، ص: 307 .

([2]) صفى الرحمن المباركفورى، الرحيق المختوم، ص: 307 .

([3]) صفى الرحمن المباركفورى، الرحيق المختوم، ص: 308 .

([4]) صفى الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، ص: 309 .

([5]) صفى الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، ص: 310 .

([6]) صفى الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، ص: 310 .

([7]) د.على محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض و قائع وتحليل أحداث، مكتبة فياض، المنصورة، الجزء الثانى، ص: 958 .

([8]) د.أحمد محمد الحوفى، سماحة الإسلام، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2003م، 175.

([9]) د. محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، د. محمد حميد الله ص (454).

([10]) د. محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ص (488).

([11])عبد الرحمن بن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ضبط المتن و الحواشى: خليل شحادة، مراجعة د.سهيل زكار، دار الفكر العربى للطباعة، بيروت، لبنان، 2000م،الجزء الثانى، ص: 268.

([12])عارف العارف، المفصل فى تاريخ القدس، مطبعة المعارف، القدس، 1986م، ص: 100 .

([13]) أبو يوسف، الخراج ، ص: 175.

([14])علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1406هـ - 1986م، الجزء السادس، ص: 280 .

([15]) محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية فى الإسلام، مرجع سبق ذكره ، ص: 31.

([16]) د.مصطفي السباعي، من روائع حضارتنا، دار السلام، القاهرة، 1998، ص: 66 .

([17]) البلاذري، فتوح البلدان، ص: 166. ابن زنجويه، كتاب الأموال، الجزء الثاني، ص: 473 .

([18]) أبو يوسف، الخراج، ص: 146 .

([19]) أبو عبيد، الأموال، ص: 138.

([20]) د.أحمد محمد الحوفى، سماحة الإسلام، مرجع سبق ذكره، ص: 198.

([21]) د.حسن على حسن، أهل الذمة في المجتمع الإسلامي،سلسلة دراسات إسلامية، العدد: 120, المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، جماد الآخر 1426هـ, ص: 24.

([22]) د.حسن على حسن، أهل الذمة فى المجتمع الإسلامي، مرجع سبق ذكره، ص: 96.

([23]) أخرجه الترمذي، والنسائي .

([24]) د.مصطفي السباعي، من روائع حضارتنا، دار السلام، القاهرة، 1998، ص: 70 .

([25]) حسين مؤنس. عالم الإسـلام، ص: 172 ــ 173.

([26]) اليكسي جورافسكي، الإسلام والمسيحيَّة نقلاً عن حسن المِمّي. أهل الذّمَّة في الحضارة الإسلامية، دار الغرب الإسلامي, بيروت: 1998م،ص: 140.

([27]) حسن المِمّي، أهل الذّمَّة في الحضارة الإسلامية، ص: 141.

([28])غوستاف لوبون، حضارة العرب، ص:125.

([29])غوستاف لوبون، حضارة العرب، ص:127 ــ 128.

([30]) غوستاف لوبون، حضارة العرب، ص: 128 .

([31])غوستاف لوبون، حضارة العرب، ص: 152 .

([32])غوستاف لوبون، حضارة العرب، ص: 128 .

([33]) توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام, ص ص: 98، 99 .

([34])توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام, ص: 77 .

([35]) توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام, ص: ص: 183 ــ 184.

2لوثروب ستودارد. حاضر العالم الإسلامي، ص: 13ــ14.

([37]) زيغريد هونكه. شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربة، دار الآفاق الجديدة، 1993م، ص: 364 .

([38]) زيغريد هونكه. شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربة،ص: 364 .

([39]) ول ديورانت، قصة الحضارة., الجزء الثالث عشر, ص ص: 130ــ 131

([40]) ول ديورانت، قصة الحضارة., الجزء الثالث عشر, ص: 133.

(([41]))آرثر ستانلي ترتون. أهل الذمَّة في الإسلام. ــ ترجمة وتعليق:حسن حبشي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994م، ص ص: 158، 159 .

([42]) لورا فيشيا فاغليري. دفاع عن الإسلام. نقلاً عن: صالح العايد. حقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام. ــ ص: 32 ــ 33.

([43]) لورا فيشيا فاغليري. دفاع عن الإسلام. نقلاً عن: صالح العايد. حقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام. ــ ص: 37ــ 38.

([44]) د.يوسف القرضاوي. الأقليات الدينيّة والحلّ الإسلامي، ص: 56ــ57.

([45]) إتيين دينيه, محمَّد رسول الله، ص:332. نقلاً عن: صالح العايد. حقوق غير المسلمين، ص:42

([46]) شكيب أرسلان. التعصُّب الأوربِّي أم التعصُّب الإسلامي, في كتاب: لوثروب ستودارد. حاضر العالم الإسلامي. ــ مج 2. ــ ج 3 ص: 211

([47]) شكيب أرسلان. التعصُّب الأوربِّي أم التعصُّب الإسلامي, في كتاب: لوثروب ستودارد. حاضر العالم الإسلامي. ــ مج 2. ــ ج 3 ص: 211

([48]) مصطفى السباعي. من روائع حضارتنا، ص:71.

([49]) روم لاندو في كتابه: الإسلام والعرب. ــ ص: 119. نقلاً عن: عماد الدين خليل, قالوا عن الإسلام. ــ ص: 312.

([50]) كرومر. مصر الحديثة. نقلاً عن سيّدة إسماعيل كاشف. مصر الإسلامية وأهل الذمّة. ــ ص: 17.

([51]) مصطفى السباعي. من روائع حضارتنا. ــ ص:71.

([52]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول،دار الوسيلة للطبع و النشر، جدة، 1418هـ - 1998م، المجلد السابع، ص: 2794 .

([53]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السابع، ص: 2795 .

([54])الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية، الكويت، 1997م، الجزء السابع و الثلاثون، ص: 151 .

([55]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السابع، ص: 2795 .

([56]) الآية (25) سورة الحج .

([57]) الآية (64) سورة آل عمران .

([58]) الآية (47) سورة الدخان .

([59]) الآية (109) سورة الأنبياء .

([60]) الآية (77) سورة المائدة .

([61]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السابع، ص: 2795 .

([62]) الآية (64) سورة آل عمران .

([63]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد .

([64]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السابع، ص: 2796 .

([65]) الآية (13) سورة الحجرات .

([66]) أحمد في مسنده .

([67]) الآية (13) سورة الحجرات .

([68]) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب و من سورة الحجرات .

([69]) سواد بن غزية الأنصاري من بني عدي بن النجار، المشهور أنه بتخفيف الواو وحكى السهبلي تشديدها، شهد بدراً وأمره النَّبِيّ r على خيبر. انظر: ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة (2/95) ترجمة رقم (3582).

([70]) مستنصل: أي خارج من نَصَلَ، بمعنى خرج. انظر: ابن منظور: لسان العرب مادة نصل .

([71]) ابن هشام، السيرة النبوية، الجزء الأول، ص: 626.

([72]) ابن الأثير، التاريخ في التاريخ، الجزء الثاني، ص: 154 .

([73]) بالرجوع إلى معاجم اللغة العربية، نجد أن كرم فلان كرماً وكرامة، إذا أعطى بسهولة وجاد (جاد يجود جوداً) فهو كريم. وكرم الشيء عز ونفس، والسحاب جاد بالغيث، والأرض زكا نباتها. أما الكرامة فمعناها في اللغة الأمر الخارق للعادة غير المقرون بالتحدي. وكرم السحاب جاد بمطره، وكرم المطر كثر ماؤه، وكرّم فلانا أكرمه، وفلاناً فضله، المعجم الوسيط، دار الفكر العربي، بيروت، المجلد الثانى، ص: 784. وفي كتاب التعريفات: الكرم هو الإعطاء بسهولة، والكرامة هي ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مقارن لدعوى النبوة، والكريم من يوصل النفع بلا غرض، فالكرم هو إفادة ما ينبغي لا لغرض، فمن يهب المال لعوض جلباً للنفع أو خلاصاً عن الذم، فليس بكريم، علي بن محمد الشريف الجرجاني, التعريفات، مكتبة لبنان، 1990م، ص: 193 . إن من المعاني التي ينطوي عليها الأصل اللغوي للكرامة الزيادة والفضل، والكثرة، والسهولة، واللين، والإعطاء بلا مقابل. وفي كتاب الكليات، رزق كريم، أي كثير، وقول كريم، أي سهل لين، وقد يطلق من كل شيء على أحسنه، الكفوي، كتاب الكليات: معجم المصطلحات والفروق اللغوية، مؤسسة الرسالة، بيروت ، 1992م، ص:772 . والمكارمة: أن تهدي لإنسان شيئا ليكافئك عليه، وهي مفاعلة من الكرم. أمّا الكريم فهو الجامع لأنواع الخير والشّرف والفضائل، ويقال: تكرّم فلان عمّا يشينه: إذا تنزّه وأكرم نفسه عن الشّائنات، والمكرّم المتكرّم على كلّ أحد، والتّكرّم (أيضا) تكلّف الكرم،. وكريمة القوم، كريمهم وشريفهم، الهاء فيه للمبالغة، وفي الحديث: إذا أتاكم كريمة قوم فأكرموه» ابن منظور، لسان العرب، مادة: كرم .فالتكريم إذن، هو إسباغ كل هذه الفضائل على المكرَّم .

([74]) أخرجه أحمد فى مسنده .

([75]) بالنظر إلى الكرامة الإنسانية في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان: نجد أنها تتفق في الديباجة على مفردات موحدة، وهي الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ففي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنص الديباجة على: " لما كان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكّل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم...".
وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تبدأ الديباجة بهذه الصيغة: " إن الدول الأطراف في هذا العهد، إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكّل وفقاً للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم...". وهكذا فإن الكرامة الإنسانية في مفهوم الشرعة الدولية هي كرامة أصيلة في أعضاء الأسرة البشرية. وعبارة (الأسرة البشرية) هنا تماثل التعبير القرآني (بني آدم).

([76]) د.عبد العزيز التويجري، الحوار من أجل التعايش، دار الشروق، القاهرة، 1419هـ - 1998م، ص: 123 .

([77]) الآية (14) سورة النحل .

([78]) الآية (65) سورة الحج .

([79]) الآية (20) سورة لقمان .

([80]) الآيتان (12، 13) سورة الجاثية .

([81]) الآية (70) سورة الإسراء .

([82]) أبو عبد الله محمد القرطبى، الجامع لأحكام القرآن و المبين لما تضمنه من السنة وآي القرآن، تحقيق د.عبد الله عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1427هـ - 2006م ، القاهرة، الجزء الثالث عشر، ص ص: 125، 126 .

([83]) الآية (4) سورة التين .

([84])ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420هـ - 1999 م، الجزء الخامس، ص: 97 .

([85])عبد الرحمن السعدى، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الجزء الأول، ص: 463 .

([86]) الآية (13) سورة الحجرات .

([87]) صالح بن عبد الله حميد,عبد الرحمن ملوح،موسوعة نضرة النعيم فى مكارم أخلاق الرسول،مرجع سبق ذكره, المجلد الرابع,ص: 1140، 1141 .

([88]) د.عبد العزيز التويجري، الحوار من اجل التعايش، مرجع سبق ذكره، ص ص: 126، 127 .

([89]) د.عبد العزيز التويجري، الحوار من أجل التعايش، مرجع سبق ذكره، ص: 127 .

([90]) د.عبد العزيز التويجري، الحوار من أجل التعايش، مرجع سبق ذكره، ص: 127 .

([91]) عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، موسوعة عباس محمود العقاد الإسلامية، دار الكتاب العربي، بيروت، 1971, المجلد الرابع، ص: 232.

([92]) الآية (18) سورة الحج .

([93])صالح بن عبد الله حميد,عبد الرحمن ملوح،موسوعة نضرة النعيم فى مكارم أخلاق الرسول،مرجع سبق ذكره, المجلد الرابع,ص: 1174

([94]) إن كرامة الأمة الإسلامية قد مسها الضر، فهي كرامة مثلوبة، ومهضومة، ومجروحة، تضافرت عوامل كثيرة لتؤدي إلى هذه الحالة من الضعف والعجز والتراجع الحضاري. فأين مكانة الأمة الإسلامية بين الأمم ؟ ! أين تأثيرها فى القرارات الدولية ؟ أين هيبتها و قدسيتها بين الأمم ؟ أين الجيل الفريد والقلة المؤمنة التي صنعها الرسول r علي عينه، و التى فتحت في ثمانين عامًا أكثر مما فتحت الإمبراطورية الرومانية في ثمانية قرون ؟!!!!!! كل ذلك بسبب الفُرقة و التشرذم الذى يأكل جسد الأمة الإسلامية . إن استرجاع هذه الكرامة للأمة الإسلامية، يكمن في عودتها إلى دينها، و اتحادها . فالوحدة الإسلامية هى سبيل المنعة والقوة، وهى سبيل النصر والتمكين والعزة والكرامة، ولقد سجلت أمة الإسلام في التاريخ مكانة مرموقة وسؤدداً عظيماً يوم أن تمسك المسلمون بدينهم، واعتزوا بتعاليم ربهم وتمسكوا بسنة نبيهم r، والتمسوا العزة في دين الله فأعزهم الله سبحانه، وأظهرهم على أعدائهم، فحافظوا على قيادتهم للإنسانية، وريادتهم للبشرية ما بقوا متحدين، متآلفين على قلب رجل واحد، فهابهم أعداؤهم، وحسبوا لهم ألف حساب وحساب، وحين وقع الخلاف بين أبناء الأمة، وتنازعوا فيما بينهم ضاعت هيبتهم من قلوب أعدائهم، وأصابهم الوهن والضعف، فتداعت عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها وذهبت ريحهم وتبددت قوتهم، وأصبحت بلاد العالم الإسلامي لقمة سائغة، يتطاول عليها القاصي والداني، ويتجرأ عليها الضعفاء قبل الأقوياء. فأي خير فيه مسلمو هذا العصر وأعداء الإسلام يعبثون في مهد الإسلام فساداً يحتلون مقدساته، وربما لا نفيق إلا واليهود قد سيطروا على مكة والمدينة من جديد بينما نحن نخوض معارك داحس وغبراء، وبسوس القرن العشرين.. لذلك يخاطبنا رب العزة تبارك و تعالى بضرورة الاعتصام والوحدة والبعد عن الاختلاف والفرقة حتى يعود للأمة مجدها وعزتها وسؤددها، يقول تعالى: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الآية (103) سورة آل عمران . فما أحوج المسلمين أن يختاروا لأنفسهم وعقيدتهم وأمتهم، موقف الإباء والاعتزاز الذى اختاره الله لهم فى قوله تعالى: ] وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [ الآية (8) سورة المنافقون .4, و أن يطرحوا " الوهن " الذى حذرهم منه الرسول r، والذى كان وما يزال سبب تراجع الأمة الإسلامية عن دورها الكبير كخير أمة أخرجت للناس وسبب سقوطها فى مستنقع الفقر والعجز والتخلف فأصبحت الأمة تعيش حالة" غثاء السيل ".

([95]) محمد الغزالى، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام و إعلان الأمم المتحدة، نهضة مصر للطباعة الطبعة الرابعة، القاهرة، 2005م، ص: 11

([96]) الآية (8) سورة الممتحنة .

([97]) شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي, الفروق، تحقيق: عمر حسن القيام، مؤسسة الرسالة, بيروت، 1424هـ -2003م،الجزء الثالث، ص: 15.

([98]) الآية (5) سورة المائدة .

([99]) الآية (1) سورة النساء .

([100]) د. يوسف القرضاوى، غير المسلمين فى المجتمع الاسلامى، مكتبة وهبة، الطبعة الثالثة، القاهرة، 1413هـ - 1992م، ص: 5.

([101]) د. يوسف القرضاوى، غير المسلمين فى المجتمع الاسلامى، ص ص: 9، 10.

([102]) أبو جعفر الطبري، تاريخ الطبري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، الطبعة الثانية، ., الجزء الثالث، ص: 344

([103])أبو يوسف. كتاب الخراج, بيروت: دار المعرفة,كتاب الخراج.، ص ص : 139، 140.

([104]) د. يوسف القرضاوى، غير المسلمين فى المجتمع الاسلامى، ص:10.

([105]) أخرجه أبو داود فى سننه، كتاب الخراج، باب فى تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات.

([106])أبو الحسنالماورديّ, الأحكام السلطانية والولايات الدينية., دار الكتب العلمية ، بيروت، 1402هـ -1982م، ص: 143.

([107])تاريخ الطبري.، الجزء الرابع، ص: 218.

([108]) د.يوسف القرضاوي، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي.، ص: 11.

([109])ابن الجوزي, مناقب عمر بن الخطَّاب،تحقيق: أبو أنس المصري السلفي حلمي بن محمَّد بن إسماعيل, دار ابن خلدون, الإسكندرية، 1416هـ -1996م، ص: 209 .

([110]) الآية (33) سورة الإسراء .

([111]) الآية (32) سورة المائدة .

([112]) أخرجه البخاري فى صحيحه، كتاب الجزية، باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم .

([113])ابن الجوزي. مناقب عمر بن الخطاب., مرجع سبق ذكره، ص ص:96، 97.

([114]) د.يوسف القرضاوي، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي.، ص ص: 12، 13 .

([115]) د.يوسف القرضاوي، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي.، ص ص : 13، 14 .

([116]) أبو يوسف، كتاب الخراج., ص: 125.

([117]) أبو يوسف، كتاب الخراج., ص: 125.

([118]) أبو يوسف، كتاب الخراج., ص: 125.

([119])أبو يوسف، كتاب الخراج., ص: 125.

([120]) د.يوسف القرضاوى، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي.، ص ص: 14، 15 .

([121]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، و أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأشربة،باب إكرام الضيف .

([122]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات, وإسناده ضعيف .

([123]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنَّة،باب في لزوم السنةوإسناده صحيح.

([124]) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"، وإسناده صحيح.

([125]) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" .

([126]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأطعمة،باب النهي عن أكل السباع .

([127]) د.يوسف القرضاوي، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي.، ص: 15 .

([128]) البلاذرى، فتوح البلدان، حققه: عبد الله أنيس الطباع، مؤسسة المعارف للطباعة، بيروت، 1987م،ص: 593 .

([129]) د. يوسف القرضاوي. غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، ص: 30.

([130]) د.يوسف القرضاوي، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي.، ص: 16 .

([131]) د.يوسف القرضاوي، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي.، ص: 32، 33 .

([132]) د.يوسف القرضاوي. غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. ــ ص ص: 22، 23.

([133]) آدم متز، الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى، ترجمة: محمد عبد الهادى أبو ريدة، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2008م، ص: 75

([134]) د.يوسف القرضاوي. غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. ــ ص ص: 23، 24.

([135]) د.يوسف القرضاوي. غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. ــ ص: 24.

([136]) الذهبي, ســـير أعــــــلام النبــــــلاء، مؤسسة الرسالة، بـــيروت، الطبعة الثانية، 1405هـ -1985م،الجزء الخامس عشر، ص: 168

([137]) المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق: محمد مصطفى زيادة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر،الطبعة الأولى،القاهرة,1958م، الجزء الأول، ص ص: 909،910.

([138]) توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام، ترجمه إلى العربية د.حسن إبراهيم حسن، د.عبد المجيد عابدين، إسماعيل النحراوى، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1971م، ص ص: 81، 82 .

([139]) توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام، ج ص: 82 .

([140]) د.حسين مؤنس،عالم الإسلام، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة, 1410هـ -1998م، ص: 254.

([141]) سيِّدة إسماعيل كاشف، مصر الإسلامية وأهل الذمّة الهيئة المصرية العامّة للكتاب, القاهرة: 1993م ، ص: 17.

([142]) د.يوسف القرضاوي. غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. ــ ص: 25.

([143]) توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام، ص ص: 82، 83 .

([144]) آدم متز، الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى، مرجع سبق ذكره، ص: 86 .

([145])مصطفى السباعى، من روائع حضارتنا، دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة، 1998م، ص ص: 70، 71 .

([146]) يوسف القرضاوي. غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، ص: 25.

([147])أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستقراض، باب العبد راع فى مال سيده و لا يعمل إلا بإذنه . ومسلم في صحيحه،كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل و عقوبة الجائر و الحث على الرفق بالرعية.

([148])أبو عبيد القاسم بن سلاّم، كتاب الأموال، تحقيــــق: محمَّد خليـــــــل هرّاس، دار الكتب العلمية، بيروت, 1406هـ -1986م، ص: 605

([149])أبو يوسف، كتاب الخراج، ص:126.

([150]) البلاذري. فتوح البلدان،ص: 135.

([151])أبو يوسف, كتاب الخراج, ص: 144.

([152]) أبو عبيد. كتاب الأموال، ص ص:50, 51.

([153]) د.يوسف القرضاوي،غير المسلمين في المجتمع الإسلامي, ص: 17.

([154]) أبو عبيد، كتاب الأموال, ص: 606.

([155]) د. يوسف القرضاوي. غير المسلمين في المجتمع الإسلامي, ص: 52.

([156]) سعيد أحمد برجاوي. الحروب الصليبية في المشرق، دار الآفاق الجديدة، الطبعة الأولى، بيروت، 1414هـ -1984م، ص:397.

([157])الآية (125) سورة النحل .

([158])الآية (15) سورة الشورى .

([159]) الآية (83) سورة البقرة .

([160]) الآية (44) سورة طه .

([161]) الآية (83) سورة البقرة .

([162]) الجامع لأحكام القرآن، الجزء الثانى، ص: 16 .

([163]) جامع البيان، الجزء الأول، ص: 392 .

([164]) الآية (53) سورة الإسراء .

([165]) الجامع لأحكام القرآن، الجزء العاشر، ص: 277 .

([166]) الآية (125) سورة النحل .

([167]) الآية (44) سورة طه .

([168])للمزيد حول الحرية الدينية: انظر: الفصل الأول من هذه الدراسة المتواضعة .

([169]) الآية (108) سورة الأنعام .

([170])القرطبي, الجامع لأحكام القرآن، تحقيق د.عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2006م, الجزء الثامن, ص: 491.

([171]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب تقوم الساعة و الروم أكثر الناس .

([172]) أخرجه البخاري فى صحيحه، كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودى .

([173]) أخرجه البخاري فى صحيحه، كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودى .

([174]) بالرجوع إلى الدلالة اللغوية للتعايش، التي هي الأصل في اشتقاق الاصطلاح، نجد في المعجم الوسيط، تعايشوا: عاشوا على الألفة والمودّة، ومنه التعايش السلمي، وعَايَشَه: عاش معه. والعيش معناه الحياة، وما تكون به الحياة من المطعم والمشرب والدخل."المعجم الوسيط"، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الجزء 2، ص: 640 - 639، طبعة دار الفكر. و لقد عرف، في السياسة الدولية، مصطلح (التعايش السلمي) الذي يعني قيام تعاون بين دول العالم على أساسِ من التفاهم وتبادل المصالح الاقتصادية والتجارية. وقد ظهر هذا المصطلح بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى معسكرين راحا يتناحران على أساس عقائدي. ومما ساعد على إبراز الدعوة إلى سياسة (التعايش السلمي) الفزعُ الذَّري بعد أن أصبحت القنبلة النوويّة، وهي أداة الدمار الشامل، مشاعةً بين دول المعسكرين. وبعد قيام الجبهة الثالثة وهي مجموعة دول الحياد الإيجابي، أو عدم الانحياز، أكدت الرغبةَ في أن يكون التعايش السلميّ هو السبيل إلى تنسيق العلاقات الدولية في العالم، وإلى نبذ الحرب الباردة وسياسة حافة الهاوية والتلويح باستخدام معدّات الدمار الشامل .انظر أحمد عطية اللَّه، "القاموس السياسي"، الطبعة الثالثة 1968، دار النهضة العربية، القاهرة،ص: 310. وتذهب (الموسوعة السياسية) إلى أن أول من أطلق شعار التعايش السلمي (PEACIFULCOEXISTENCE)، هو نيكيتا خروتشوف، الذي كان لا يعني به تراجعَ بلده الاتحاد السوفياتي عن تحقيق أهدافه المعلنة، بقدرما كان يعني به محاولته تحقيق تلك الأهداف بطريقة تنسجم مع مقتضيات التغيّرات التي طرأت على المسرح الدولي، كوجود ما يُعرف بتوازن الرعب، كما تذهب إلى أن الغرب يُؤْثِرُ أن يكون المقصود بالتعايش السلمي هو ما يُطلق عليه: (عِشْ وَدَعْ غيَرك يَعِشْ أيضاً) انظر"الموسوعة السياسية"، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 1974, ص: 108.

([175]) الآية (64) سورة آل عمران .

([176]) د.حسان حتحوت، رسالة إلى العقل العربى المسلم، دار المعارف، الطبعة الأولى، القاهرة، 1998م، ص: 154 .

([177]) أخرجه البخاري فى صحيحه، كتاب الأدب، باب الرفق فى الأمر كله .

([178]) أخرجه البخاري فى صحيحه، كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس .

([179]) فتح الباري، كتاب الادب، باب لم يكن النبى فاحشا و لا متفحشا .

([180]) أخرجه البخاري فى صحيحه، و أخرجه مسلم فى صحيحه

([181]) أخرجه الترمذي فى سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة فاتحة الكتاب .

([182]) د.على محمد الصلابى، السيرة النبوية عرض و قائع و تحليل أحداث، مكتبة فياض، المنصورة، الجزء الثانى، ص: 971 .

([183]) الركوسية: قوم لهم دين بين النصارى والصابئين لسان العرب 3/1718 مادة ركس

([184]) المرباع هو: ما يأخذه رئيس القبيلة وهو ربع الغنيمة. ابن منظور، لسان العرب مادة ربع .

([185]) أخرجه أحمد في مسنده .

([186]) د. ادوارد الذهبى،حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، مؤتمر الإسلام و الغرب، ص: 353.

([187]) الآية (21) سورة الأحزاب.

([188]) الحربنقيض السلم انظر ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1997، مادة "حرب"

([189]) د. إسماعيل عبد الرحمن – الأسس الأولية للقانون الإنساني الدولي من كتاب القانون الدولي الإنساني تقديم الدكتور: احمد فتحي سرور – دار المستقل العربي – القاهرة – الطبعة الأولى – 2003- ص 15 .

([190]) د. مصطفى السباعي، من روائع حضارتنا، دار السلام للطباعة، القاهرة، 1998م، ص: 73 .

([191]) الآية (13) سورة الحجرات .

([192]) الآية (208) سورة البقرة .

([193]) الآية (60) سورة الأنفال .

([194]) الآية (61) سورة الأنفال .

([195]) الآية (190) سورة البقرة .

([196]) د. مصطفى السباعي، من روائع حضارتنا، دار السلام للطباعة، القاهرة، 1998م، ص: 74 .

([197]) الآية (193) سورة البقرة .

([198]) الآية (39) سورة الأنفال .

([199]) الآية (40) سورة الحج .

([200]) الآية (75) سورة النساء .

([201]) الآية (194) سورة البقرة .

([202]) هذه وصية أبو بكر الصديق ليزيد بن أبي سفيان لما بعثه إلى الشام، انظر السرخسي، شرح السير الكبير، قدم له د. عبد العظيم العناني، تحقيق: أبو عبد الله محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م، الجزء الأول، ص: 31، 32

([203]) الآية (91) سورة النحل .

([204]) الآية (41) سورة الحج .

([205]) د. مصطفى السباعي، من روائع حضارتنا، دار السلام للطباعة، القاهرة، 1998م، ص: 75 .

([206]) د. مصطفى السباعي، من روائع حضارتنا، دار السلام للطباعة، القاهرة، 1998م، ص: 78 .

([207]) د. مصطفى السباعي، من روائع حضارتنا، دار السلام للطباعة، القاهرة، 1998م، ص: 79 .

([208]) الآية (4) سورة القلم .

([209]) صحيح الجامع للألباني (2349)، السلسلة الصحيحة برقم (45)

([210])أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير باب تأمير الإمام الأمراءعلى البعوث ووصيته إياهم بآداب

([211])أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب المغازي باب بعث النبى rأسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة

([212]) رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي، سبيل الهدي والرشاد (5/218) ذكر ومن أغلق عليه بابه فهو آمن.

([213]) صححه الألبانى فى إرواء الغليل (2463).

([214]) الآية (61) سورة هود .

([215]) الآية (129) سورة الأعراف .

([216]) الآية (56) سورة الأعراف .

([217]) أخرجه الإمام أبو داود فى سننه كتاب الجهاد باب فيمن يغزو ويلتمس الدنيا ، وحسنه الألباني

([218]) أخرجه الإمام أبو داود فى سننه كتاب الجهاد باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته، وحسنه الألباني

([219])رواه الإمام الترمذى فى سننه كتاب السير باب في كراهية التفريق بين السبي

([220])أخرجه الإمام أبو داود فى سننه كتاب الجهاد باب فى التفريق بين السبى

([221]) أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب الأدب باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته

([222]) الآية (8) سورة المؤمنون .

([223]) الآية (34) سورة الإسراء .

([224]) الآية (91) سورة النحل .

([225]) أخرجه الإمام أبو داود في سننه كتاب الجهاد باب فى الإمام يستجن به فى العقود

([226])أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب إثم من عاهد ثم غدر

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22