عرض مشاركة واحدة
قديم 21-06-2013 ~ 02:41 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي خطبة ليوم الجمعة : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 7 من رجب 1434هـ الموافق: 17 / 5 / 2013م




الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَسْبَغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً بِلاَ عَدٍّ وَلاَ إِحْصَاءٍ، وَوَعَدَ مَنْ شَكَرَهَا الْمَزِيدَ مِنَ الْفَضْلِ وَالْعَطَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ نَحْمَدُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَوْلَى مِنَ النِّعَمِ وَمَا أَسْبَغَ مِنَ الآلاَءِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ؛ خَيْرُ مَنْ شَكَرَ عَلَى النَّعْمَاءِ، وَأَعْظَمُ مَنْ صَبَرَ عَلَى الْبَلاَءِ، مَا أَقَلَّتْ مِثْلَهُ الْغَبْرَاءُ، وَلاَ أَظْلَّتْ أَكْرَمَ مِنْهُ الْخَضْرَاءُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السَّادَةِ النُّجَبَاءِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً مَا دَامَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-؛ فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ أَكْرَمُ مَا أَسْرَرْتُمْ، وَأَجْمَلُ مَا أَظْهَرْتُمْ، وَأَفْضَلُ مَا ادَّخَرْتُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ خَلَقَكُمْ لِتَعْبُدُوهُ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لِتَشْكُرُوهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [الأنفال:28].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
مَا أَكْثَرَ نِعَمَ اللهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا! وَمَا أَجَلَّ آلاءَهُ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا! وَمَا أَعْظَمَ فَضْلَهُ الَّذِي يَجِلُّ عَنِ النَّعْتِ وَالإِحْصَاءِ! وَمَا أَكْرَمَ إِحْسَانَهُ الَّذِي بِلاَ عَدٍّ وَلاَ انْتِهَاءٍ! فَمِنْ أَيْنَ نَبْدَأُ نِعَمَ اللهِ عَلَيْنَا؟ وَإِلَى أَيْنَ نَنْتَهِي؟ أَنَبْدَأُ مِنَ السَّمَاءِ الَّتِي جَعَلَهَا رَبُّنَا - عَزَّ وَجَلَّ- مُزَيَّنَةً بِالْكَوَاكِبِ، شَمْسٌ تَزِيدُ عَلَى كُتْلَةِ الأَرْضِ بِثَلاَثِمِائَةِ أَلْفِ ضِعْفٍ، تُشْرِقُ وَتَغِيبُ كُلَّ يَوْمٍ، نَسْتَمِدُّ مِنْهَا الضِّيَاءَ وَالدِّفْءَ وَالطَّاقَةَ؟! وَقَمَرٌ يَسْتَمِدُّ نُورَهُ مِنَ الشَّمْسِ لِيُبَدِّدَ دَيَاجِيرَ الظَّلاَمِ، وَيُنِيرَ لِلأَنَامِ، وَيُؤَثِّرَ فِي ظَاهِرَةِ الْمَدِّ وَالْجَزْرِ فِي الْبِحَارِ؟! وَكَوَاكِبُ وَمُذَنَّبَاتٌ، وَغِلاَفٌ جَوِّيٌّ يَحْمِي الأَرْضَ وَيَقِيهَا الأَشِعَّةَ الضَّارَّةَ، وَالنُّجُومَ الْمُحْتَرِقَةَ السَّاقِطَةَ؟!.
أَمْ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي نَعِيشُ فَوْقَهَا بِمَا هَيَّأَهُ اللهُ لَنَا فِيهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحَيَاةِ وَسُبُلِ الْعَيْشِ، أَنْهَارٌ وَبِحَارٌ، وَنَبَاتٌ وَأَشْجَارٌ، وَبَرَدٌ وَأَمْطَارٌ، وَأَفْيَاءٌ وَظِلاَلٌ، وَوِدْيَانٌ وَجِبَالٌ، وَطَيْرٌ وَحَيْوَانٌ، وَكُلُّ مَا تَرَاهُ الأَبْصَارُ، وَتُدْرِكُهُ الأَسْمَاعُ، وَتَهْفُو إِلَيْهِ النُّفُوسُ، وَتَشْرَئِبُّ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ، وَتَشْتَاقُ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ؟! )وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ( [يس:33-36]. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها * وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها * أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها * وَالْجِبالَ أَرْساها * مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ( [النازعات:27-33].
عِبَادَ اللهِ:
وَإِنَّ فِي الإِنْسَانِ وَخَلْقِهِ لَنِعَماً وَآيَاتٍ، وَدَلاَئِلَ كَثِيرَةً وَمُعْجِزَاتٍ؛ ) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( [النحل:78].
مُخٌّ مِنْ أَنْسِجَةٍ بَيْضَاءَ طَرِيَّةٍ، فِيهِ اثْنَا عَشَرَ مِلْيُونَ خَلِيَّةٍ عَصَبِيَّةٍ، وَفِي الأَعْصَابِ مَلاَيِينُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ، تَعْمَلُ كَشَبَكَةِ اتِّصَالاَتٍ مُعَقَّدَةٍ، تُرَاسِلُ كُلَّ أَنْحَاءِ الْجِسْمِ، تَأْخُذُ عَنْهَا الْمَعْلُومَاتِ، وَتُرْسِلُ إِلَيْهَا بِالأَوَامِرِ وَالإِرْشَادَاتِ.
وَقَلْبٌ مُكَوَّنٌ مِنْ أَلْيَافٍ تَتَقَلَّصُ لِتُكَوِّنَ الْحَرَكَةَ، يَنْبِضُ فِي الْعَادَةِ سَبْعِينَ مَرَّةً فِي كُلِّ دَقِيقَةٍ، وَتَضُخُّ كُلُّ نَبْضَةٍ سَبْعِينَ مِلِّيلِتْراً مِنَ الدَّمِ، فَيَتِمُّ ضَخُّ خَمْسَةِ لِتَرَاتٍ فِي كُلِّ دَقِيقَةٍ. إِنَّهُ مِضَخَّةٌ تَضُخُّ الدَّمَ إِلَى الأَوْعِيَةِ الدَّمَوِيَّةِ ثُمَّ إِلَى جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْجِسْمِ، وَهَذِهِ الأَوْعِيَةُ الدَّمَوِيَّةُ لَوْ رُبِطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لَتَكَوَّنَتْ لَدَيْنَا قَنَاةٌ طُولُهَا أَكْـثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ مِتْرٍ!! يَنْبِضُ فِي كُلِّ ثَانِيَةٍ وَيَسْتَمِرُّ سِنِينَ مَدِيدَةً! بَيْنَمَا آلاَتُ الْحَدِيدِ عَلَى قُوَّتِهَا تَحْتَاجُ دَائِماً إِلَى صِيَانَةٍ!.
وَمَعِدَةٌ عَلَى شَكْلِ عَضَلَةٍ قَوِيَّةٍ جِدّاً تَهْضِمُ الطَّعَامَ وَلاَ تَمْتَصُّهُ لِنَفْسِهَا، وَمِنَ الْعَجَبِ أَنْهَا تَهْضِمُ اللَّحْمَ وَلاَ تَهْضِمُ نَفْسَهَا!. وَكَبِدٌ يَزِنُ كِيلُوَيْنِ؛ غَنِيٌّ جِدّاً بِالدَّمِ، يَنْقُلُ الدَّمُ إِلَيْهِ مَوَادَّ لِلتَّخْزِينِ أَوْ لِتَحْوِيلِهَا إِلَى مَوَادَّ أُخْرَى، وَقَدْ تَمَّ التَّعَرُّفُ إِلَى الآنِ عَلَى خَمْسِمِائَةِ وَظِيفَةٍ لِلْكَبِدِ. وَطِحَالٌ وَمَرَارَةٌ، وَأَمْعَاءٌ دَقِيقَةٌ تَمْتَصُّ الْغِذَاءَ لِيُوَزَّعَ إِلَى الْجِسْمِ، وَأَمْعَاءٌ غَلِيظَةٌ تَسْتَقْبِلُ الْفَضَلاَتِ بَعْدَ انْتِهَاءِ عَمَلِيَّةِ الْهَضْمِ. وَهَيْكَلٌ عَظْمِيٌّ يَتَأَلَّفُ مِنْ مِائَتَيْنِ وَسِتَّةِ عِظَامٍ، بَعْضُهَا يُحَافِظُ عَلَى الْقَلْبِ وَالرِّئَتَيْنِ، وَبِهَا يَقُومُ جِسْمُ الإِنْسَانِ وَمَفَاصِلُهُ. وَرِئَتَانِ تَأْخُذَانِ الأُوكْسِجِينَ وَتَنْقُلاَنِهِ إِلَى الدَّمِ لِيَنْقُلَهُ الدَّمُ إِلَى خَلاَيَا الْجِسْمِ، وَتُخْرِجَانِ ثَانِيَ أُكْسِيدِ الْكَرْبُونِ الضَّارِّ مِنَ الْجِسْمِ.
وَكُلْيَتَانِ طُولُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِضْعَةُ سَنْتِيمِتْرَاتٍ، وَتَزِنُ مِائَةً وَعِشْرِينَ إِلَى مِائَةٍ وَثَمَانِينَ جِرَاماً، تَقُومَانِ بِتَصْفِيَةِ الدَّمِ مِنَ السُّمُومِ وَالشَّوَارِدِ الضَّارَّةِ، وَهُمَا بِهَذَا الْحَجْمِ الصَّغِيرِ تَقُومَانِ بِوَظَائِفَ تَعْجِزُ عَنْهَا آلاَتٌ حَدِيثَةٌ تَكْبُرُهَا بِمِئَاتِ الأَضْعَافِ. وَمَشَاعِرُ وَأَحَاسِيسُ وَعَوَاطِفُ، وَأَعْضَاءٌ وَأَطْرَافٌ وَمَفَاصِلُ، وَخَلاَيَا وَأَنْسِجَةٌ وَأَجْهِزَةٌ؛ لاَ يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا وَدِقَّتَهَا إِلاَّ اللهُ، هَذِهِ وَغَيْرُهَا أَكْثَرُ مِمَّا لاَ نُحِيطُ بِهَا عِلْماً، وَلاَ نَسْتَطِيعُ لَهَا عَدّاً.
وَتَزْعُمُ أَنَّكَ جِرْمٌ صَغِيرٌ وَفِيكَ انْطَوَى الْعَالَمُ الأَكْبَرُ
وَصَدَقَ اللهُ إِذْ يَقُولُ: )اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ( [إبراهيم: 32-34].
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
ذَلِكَ غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ، وَيَسِيرٌ مِنْ كَثِيرٍ؛ مِنْ نِعَمِ اللهِ الَّتِي لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى، فَمَا وَاجِبُنَا نَحْوَ تِلْكَ النِّعَمِ؟، وَمَا حَقُّ الْمُنْعِمِ بِهَا عَلَيْنَا؟.
إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا- يَا عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَقُومَ بِشُكْرِ الْمُنْعِمِ بِهَا جَلَّ وَعَلاَ؛ إِذْ شُكْرُ اللهِ عَلَيْهَا مِنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ، وَمَنْ آكَدِ الْمُؤَكَّدَاتِ. وَحَقِيقَةُ الشُّكْرِ: ظُهُورُ أَثَرِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ ثَنَاءً وَاعْتِرَافاً، وَعَلَى قَلْبِهِ شُهُوداً وَمَحَبَّةً، وَعَلَى جَوَارِحِهِ انْقِيَاداً وَطَاعَةً. وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ الصَّادِقَ لَيَعِيشُ شَاكِراً لأَنْعُمِ اللهِ، صَابِراً عَلَى أَقْدَارِ اللهِ، يَبْدَأُ يَوْمَهُ مُقِرّاً بِنِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ، وَمُعْتَرِفاً بِفَضْلِهِ الَّذِي أَسْدَاهُ إِلَيْهِ؛ بِقَوْلِهِ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ» [رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t مَرْفُوعاً].
وَيَقُولُ بَعْدَ كُلِّ صَلاَةٍ مَا رَوَاهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ t أَنَّ النَّبِيَّ r أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ». فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ. قَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ].
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:
وَتَأَمَّلُوا – يَا رَعَاكُمُ اللهُ – حَدِيثَ النَّبِيِّ r، ثُمَّ انْظُرُوا إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الآلاَءِ وَالنِّعَمِ؛ فَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ - أَيْ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي قَوْمِهِ - مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ: فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ] يَالَلَّهِ! مَنْ كَانَ فِي عَافِيَةٍ فِي بَدَنِهِ، وَأَمْنٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ وَطَنِهِ، وَعِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ لِيَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا ضُمَّتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا!! فَمَاذَا نَكُونُ نَحْنُ وَعِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَمْوَالٌ مَرْصُودَةٌ، وَخَيْرَاتٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، وَقُوتُ أَشْهُرٍ أَوْ سَنَوَاتٍ، وَأَمْنٌ وَأَمَانٌ، وَعَافِيَةٌ فِي الأَبْدَانِ؟! فَتَأَمَّلُوا - أَيُّهَا الْكِرَامُ - مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، ثُمَّ قَارِنُوهُ بِمَا كَانَ مِنْ عَيْشِ النَّبِيِّ r وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ r ذَاتَ يَوْمٍ - أَوْ لَيْلَةٍ - فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟» قَالاَ: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَأَنَا - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا»، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ r: «أَيْنَ فُلاَنٌ؟» قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ، إِذْ جَاءَ الأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ r وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ [أَيِ: السِّكِّينَ]، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ r: «إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ» فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ r لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَنَحْنُ الْيَوْمَ نَرْفُلُ بِآلاَءِ اللهِ وَنَنْغَمِسُ فِي نِعَمِهِ، فَقَدْ كَثُرَتِ الْخَيْرَاتُ، وَازْدَادَتِ الْبَرَكَاتُ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا، وَتَنَوَّعَتْ أَسْبَابُهَا، مَآكِلُ وَمَشَارِبُ، وَمَلاَبِسُ وَمَرَاكِبُ، وَمَسَاكِنُ وَاسِعَةٌ وَآلاَتٌ، وَعُلُومٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَأَدَوَاتٌ، وَأَرْضٌ وَسَمَاءٌ، وَنَبَاتٌ وَحَيَوَانٌ، كُلُّهَا مُسَخَّرَةٌ لِهَذَا الإِنْسَانِ، ثُمَّ عَافِيَةٌ فِي الأَبْدَانِ، وَأَمْنٌ فِي الأَوْطَانِ، فَاكِهَةُ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَفَاكِهَةُ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، بَلْ عَلَى مَدَارِ الْعَامِ، أَلاَ تَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ وَالإِطْرَاءَ، وَتَسْتَوْجِبُ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ؟! )وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ( [إبراهيم:34].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْوَحْيَيْنِ، وَنَفَعَنَا بِهَدْيِ سَيِّدِ الثَّقَلَيْنِ، وَأَلْهَمَنَا شُكْرَ نِعْمَتِهِ، وَتَغَمَّدَنَا بِوَاسِعِ رَحْمَتِهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَمُسْدِي النِّعَمِ لِعِبَادِهِ الشَّاكِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قُدْوَةُ الشَّاكِرِينَ وَأُسْوَةُ الصَّابِرِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ شَكَرُوا عَلَى النَّعْمَاءِ وَصَبَرُوا عَلَى الْبَلاَءِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ: يَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ أَفْضَلَ مَا يَزِيدُ النِّعَمَ وَيُكَثِّرُهَا، وَيَدْفَعُ النِّقَمَ وَيُقَلِّلُهَا: شُكْرُهَا عَلَى الدَّوَامِ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي طَاعَةِ اللهِ وَمَرْضَاتِهِ؛ فَقَدْ وَعَدَ – سُبْحَانَهُ – الشَّاكِرِينَ بِالْمَزِيدِ، وَتَوَعَّدَ الْكَافِرِينَ بِالنِّعَمِ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ( [إبراهيم:7].
كَمَا أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى النِّعْمَةِ تَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ ذِكْرِهَا، وَالثَّنَاءَ عَلَى الْمُنْعِمِ بِهَا، وَالتَّحَدُّثَ بِهَا عَلَى وَجْهِ الاِعْتِرَافِ وَالإِقْرَارِ، لاَ عَلَى سَبِيلِ الْغُرُورِ وَالاِفْتِخَارِ؛ إِذْ إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَ بِذَلِكَ فَقاَلَ: )وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ( [الضحى:11]. وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r عَلَى الْمِنْبَرِ: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ، والتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ شُكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ]. وَقَالَ عَلِيٌّ t: «إِنَّ النِّعْمَةَ مَوْصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَزِيدِ، وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ، وَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ». وَمِمَّا يَحْفَظُ النِّعَمَ مِنَ الزَّوَالِ: الْبعْدُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَخَشْيَةِ عَلاَّمِ الْغُيُوبِ، وَنِسْبَتُهَا إِلَى الْمُنْعِمِ جَلَّ وَعَلاَ؛ لاَ إِلَى نَفْسِهِ غُرُوراً وَكُفْراً؛ كَمَا فَعَلَ قَارُونُ حِينَ نَسَبَ فَضْلَ اللهِ عَلَيْهِ وَنِعْمَتَهُ لَدَيْهِ نَسَبَهَا إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ بِغُرُورٍ: ) إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي( [القصص: 78] فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: )فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ( [القصص:81].
فَلْنُحَافِظْ – يَا عِبَادَ اللهِ – عَلَى النِّعْمَةِ مِنَ التَّبَدُّلِ، وَلْنَحْفَظْهَا مِنَ الزَّوَالِ؛ وَلْنَحْذَرْ تَغْيُّرَ الأَحْوَالِ، فَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَغْدَقَ اللهُ عَلَيْهَا مِنَ النِّعَمِ، وَأَسْبَغَ لَهَا مِنَ الآلاَءِ، فَلَمَّا كَفَرَتْ بِأَنْعُمِهِ، وَجَحَدَتْ بِآلاَئِهِ: أَزَالَهَا عَنْهَا، وَأَذَاقَهَا الْبَأْسَاءَ وَالْضَّرَّاءَ، )وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ( [النحل:112].
قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: عَلَيْكُمْ بِمُلاَزَمَةِ الشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ، فَقَلَّ نِعْمَةٌ زَالَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ قِيلَ:
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَـارْعَهَا فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَـمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَـادْ فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاَةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام


المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22