عرض مشاركة واحدة
قديم 02-06-2014 ~ 11:47 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي رد: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟
  مشاركة رقم 7
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


وقد تغافل لورد ماونت بيتن حاكم الهند العام سنة 1947 عما يدبر من الفتك بالمسلمين في دلهي وبنجاب الشرقية , فقد اتصلت به أنباء المؤامرات والخطط التي كانت تبيت ضد العنصر الإسلامي في هذه المنطقة , وأنذره الخبراء بوقوع اضطراب طائفي هائل , فنام على كل ذلك انتقاماً من أن المسلمين لم ينتخبوه حاكماً عاماً لباكستان كما فعل أهل الهند ، ولتكون هذه الاضطرابات الطائفية , والحروب الأهلية حجة على عدم أهلية أهل البلاد للاستقلال , وكونهم عيالاً على الإنجليز في الأمن والنظام ، فكان نتيجة ذلك , تلك المجزرة البشرية الهائلة التي عقمت القرون أن تلد مثلها .
ومن ذلك أن (( ريدكلف )) الذي اختاره الفريقان الهنديان حكماً في مسألة بعض مدن بنجاب هل تنضم إلى هندوستان ، أو إلى باكستان حكم حكماً جائراً ، فكان نتيجة ذلك جلاء المسلمين من فيرزوبور ، وكورداسبور ، ومتاعب عظيمة ، وخسائر كبيرة في النفوس والأموال .
أما تأييد ترومان للصهيونية ، ودولة إسرائيل في فلسطين ، ومعارضته للقضية العربية التي لا غبار عليها ، لأجل أن يكسب ود اليهود ويتمتع بنفوذهم السياسي والمالي والصحافي ، وليكسب انتخابه ، وتعاميه عن براهين الدولة العربية الساطعة ، وسكوت أمريكا على فظائع فرنسا في الجزائر ، ووقوفها بجوار هذه الدولة الجائرة في قضية الجزائر العربية الإسلامية ، وتعاونها على الإثم والعدوان ، فقضية تنبئ عن ضعف أخلاق العظماء في أوربا وأمريكا ، ودوران الحياة السياسية على الفوائد لا المبادئ .

*********************************

الفصل الثاني
الجنسية والوطنية في أوربا

انكسار الكنيسة اللاتينية سبب قوة العصبية والقومية والوطنية :
قدمنا أن الوطنية والقومية والاعتداد الشديد بالشعب والموقع الجغرافي من خصائص الطبع الأوربي الذي سرى في العنصر الأوربي مسرى الروح ، وجرى منه مجرى الدم وأصبح طبيعة ثانية له ، ولكن النصرانية قهرت هذه الطبيعة ، لأنها – على علاتها ، وبرغم ما طرأ عليها من التحريف والتبدل – لا يزال عليها مسحة من تعليم المسيح ، وفيها أثارة من علمه ، والدين السماوي مهما تحرف وتغير لا يعرف الفرق المصطنعة بين الإنسان والإنسان ، ولا يفرق بين الأجناس والألوان والأوطان ، فجمعت النصرانية الأمم الأوربية تحت لواء الدين وجعلت من العالم النصراني عشيرة واحدةِ ، وأخضعت الشعوب الكثيرة للكنيسة اللاتينية فغلبت العصبية القومية والنعرة الوطنية ، وشغلت الأمم عنها لمدة طويلة ، ولكن لما قام لوثر سنة 1483 – 1526 م بحركته الدينية الإصلاحية الشهيرة ضد الكنيسة اللاتينية ، ورأى من مصلحة مهمته أن يستعين بالألمان جنسه ونجح في عمله نجاحاً لا يستهان بقدره ، وانهزمت الكنيسة اللاتينية في عاقبة الأمر فانفرط عقدها ، استقلت الأمم ، وأصبحت لا تربطها رابطة ، ولم تزل كل يوم تزداد استقلالاً في شؤونها وتشتتاً . حتى إذا اضمحلت النصرانية نفسها في أوربا قويت العصبية القومية والوطنية ، وكان الدين والقومية ككفتي ميزان كلما رجحت واحدة طاشت الأخرى ، ومعلوم أن كفة الدين لم تزل تحف كل يوم ، ولم تزل كفة منافسته راجحة ، وقد أشار إلى هذه الحقيقة التاريخية الفاضل الإنجليزي المعروف لورد لوثين Lord Lothian السفير البريطاني السابق في أمريكا في خطبته التي ألقاها في حفلة جامعة عليكرة في يناير سنة 1938 م .
(( لما قضت حركة لوثر التي تدعى حركة إصلاح الدين على وحدة أوربا الثقافية والدينية ، انقسمت هذه القارة في إمارات شعبية مختلفة ، أصبحت منازعاتها ومنافساتها خطراً خالداً على أمن العالم )) .
وكان نتيجة الانحطاط الديني ، وانخفاض مبادئ الدين والأخلاق ، رجحان كفة الوطنية والجنسية ؛ يقول (( لورد لوثين )) في نفس هذه الخطبة :
(( إن الدين الذي هو المرشد اللازم للإنسان والوسيلة الوحيدة لحصول الغاية الخلقية ، والشرف المعنوي للحياة البشرية ، كان نتيجة الانحطاط في سلطانه أن فتن العالم الغربي بمذاهب سياسية تقوم على أساس اختلاف الأجناس والطبقات وآمن - بتأثير العلوم الطبيعية- أن الرقي المادي هو الغاية العليا ، والوطر الأكبر ، ولا يزال يزيد هذا الأمر في مشاكل الحياة وأثقالها وتكاليفها ، وكان من نتائج ذلك أيضاً أنه صعب على أوربا أن توفق بين روحها وحياتها توفيقاً ينقذها من القومية ، داهية هذا العصر الكبرى(216) )) .

طوائف العصبية الجنسية في أوربا :
كان نتيجة انحلال النظام الديني وانتعاش النعرة القومية أولاً ، أن أصبحت أوربا معسكراً واحداً ضد الشرق كله ، وخطت خطّاً فاصلا بين الغرب والشرق أو بين أوربا وبين سواها من القارات والأقاليم ، والجنس الآري وبين ما عداه من أجناس البشر ، يعد أن كل ما دون هذا الخط له الفضل على كل ما وراءه من نسل وشعب وثقافة وحضارة وعلم وأدب ، وأن الأول خلق ليسود ويحكم ، والثاني ليخضع ويدين ، والأول ليبقى ويزدهر ، والثاني ليموت ويضمحل ، وهذا بعينه ما امتاز به اليونان والروم في عهدهم ، فقد كانوا لا يعدون مهذبين إلا أنفسهم فقط ، وكانوا يسمون كل شيء غريباً ، خصوصاً كل ما كان واقعاً في شرق المحيط الأطلانتيكي – بربرياً .
وكان نتيجة هذه النفسية الجنسية والعصبية ضد كل ما جاء من الخارج ويعزى إلى أجنبي ، أن صار بعض الشعوب الأوروبية ينظر إلى الدين المسيحي وإلى المسيح كطارئ ونزيل يريدون أن ينفوه من بلادهم ويتبرأوا منه ، يمثل ذلك ما قال أحد المعلمين في ألمانية وهو البروفسور أترني :
((لأي شيء يدرس أولادنا تاريخ أمة أجنبية، ولماذا يقص عليهم قصص إبراهيم وإسحق؟ ينبغي أن يكون إلهنا أيضاً ألمانياًَ )) .
ونشأت في ألمانيا طائفة تتبرأ من سيدنا المسيح عليه السلام لكونه من بني إسرائيل ، والذين لا يزالون يدينون له بالحب والتعظيم يجتهدون أن يثبتوا أنه كان من سلالة آرية ، وظهرت في ألمانية نزعة إلى إحياء الآلهة القومية القديمة التي كان يعبدها الشعب الألماني في عهده القديم .
وليست روسيا العالمية بأقل حماسة للعصبية الجنسية والوطنية من منافسها القديم ألمانيا .
فيعتقد الناس في روسيا أن أغلب الاختراعات الكبرى في العصر الحديث إنما يرجع الفضل فيها إلى الروس .
فليس (( لافوازييه )) هو واضح القانون الخاص بتركيب الأجسام ، بل هو مدين بما ينسب إليه للعالم الروسي (( ميشيل لوموتوسوف )) وليس (( لأديسون )) فضل في استخدام الكهرباء في الإضاءة فقد سبقه (( لووجين )) الروسي بست سنوات إلى غير ذلك ، ونشرت جريدة برافدا : أن العلماء الروسيين توصلوا إلى اختراع التلغراف قبل (( مورس )) وإلى تسيير القاطرة البخارية قبل (( ستفنسن )) ، إلى غير ذلك من تحديات للتاريخ ليس الباعث عليها إلا العصبية الجنسية وتقديس (( روسيا )) .

عدوى الجنسية في الأقطار الإسلامية :
ومما يدعو إلى الأسف والاضطراب ، أن هذه العدوى الجنسية قد سرت إلى بعض الأقطار الإسلامية التي كان يجب وكان من المترقب أن تكون زعيمة لدعوة الإسلام العالمية ، حاملة في عصرها لرسالة الأمن والسلام ، وأن تكون جبهة قوية ضد الجنسية والوطنية ، وذلك بانحلال الدين في هذه البلاد ، وبتأثير الآداب الأوربية والحضارة الغربية ، فترى في الترك النزعة الطورانية والدعوة إلى إحياء جاهليتها القديمة وآدابها وثقافتها ، والنظرة إلى الدين الإسلامي الذي انتشر على أيدي العرب وشريعة الإسلام وثقافته ولغته نظرة شبه نظرة ألمانيا الجديدة إلى الأديان التي جاء بها الأنبياء من غير النسل الآري والآداب السامية وثقافتها ، فاعتقد بعض المفكرين في تركيا الفتاة أن الإسلام دين طارئ غريب لا يصلح للترك ، وأن الأولى بهم أن يرجعوا إلى وثنيتهم الأولى قبل أن اعتنق آباؤهم الدين الإسلامي ، تقول الكاتبة خالدة أديب هانم عن (( ضياء كوك ألب )) من كبار مؤسسي تركيا الجديدة أدباً وتهذيباً :
(( كان ضياء كوك ألب يريد أن ينشئ تركيا جديدة تكون صلة بين الأتراك العثمانيين وبين أسلافهم الطورانيين ، فقد كان يريد أن يقوم بإصلاح مدني بواسطة المعلومات التي جمعها عن التنظيمات السياسية والمدنية في عهد الأتراك قبل الإسلام ، كان ضياء يعتقد ويؤمن بأن الإسلام الذي وضعه العرب لا يصلح لشأننا ، ولابد لنا من إصلاح ديني يوافق طبائعنا إذا لم نرجع إلى عهدنا الجاهلي (217))) .
ومما لا شك فيه أن هذه النزعة قد وجدت في الترك وكذلك في الإيرانيين في الزمن الأخير:
قال المرحوم الأمير (( شكيب أرسلان )) وهو الخبير الثقة فيما يتعلق بالترك فضلاً عن العرب لطول مكثه في تركيا وكان عضواً في مجلس الأمة :
(( وهناك فئة ثانية تدعى الفئة الطورانية تخالف الفئة الأولى ، - أي الفئة التي تقول بالقومية العثمانية الإسلامية – في كل هذه النظريات ، وأشهر دعاتها ضياء كوك ألب وأحمد أغائف ، ويوسف أقشورا اللذان قدما من روسيا ، وجلال ساهر ، ويحي كمال ، وحمدالله صبحي رئيس وجاق (( تورك بوردي )) ومحمد أمين بك الشاعر الملي ، وكثير من الأدباء والمفكرين ، وأكثر الطلبة والنشء الجديد . وهؤلاء يزعمون أن الترك هم من أقدم أمم البسيطة وأعرقها مجداً ، وأسبقها إلى الحضارة ، وأنهم هم والجنس المغولي واحد في الأصل ، ويلزم أن يعودا واحداً ، ويسمون ذلك بالجامعة الطورانية ، ولم يقتصروا منها على الترك الذين في سيبريا وتركستان الصين وفارس والقوقاس والأناضول والروملي ، بل مبدؤهم مد هذه الرابطة إلى المغول في الصين ، وإلى المجر والفنلانديين في أوربا ، وكل ما يقال إنه ينتمي إلى أصل طوراني ، وهم يقولون بخلاف ما يقول الأولون ، فهم ترك أولاً ومسلمون ثانياً ، وشعارهم عدم التدين وإهمال الجامعة الإسلامية ، إلا إذا كانت خادمة لنفوذ القومية الطورانية ، فتكون عندئذ واسطة لا غاية ، وقد غلا كثير من هذه الفئة في الطورانية حتى قالوا : نحن أتراك فكعبتنا طوران ، وهم يتغنون بمدائح جنكيز ، ويعجبون بفتوحات المغول ، ولا ينكرون شيئاً من أعمالهم ، وينظمون الأناشيد للأحداث في وصف الوقائع الجنكيزية ليطبعوهم على الإعجاب بها ويرقوا مستوى نفوسهم بزعمهم(218) )) .. وقال أيضاً :
(( وهذا ولما كان هذا العصر عصر القوميات كما لا يخفى اقتداء بالأمم الأوربية في الزمن الأخير كانت القومية الفارسية قد أخذت تشتد أكثر من ذي قبل ، وذلك نظير ما حصل عند الترك ، وصار كثير من ناشئة الفرس يبحثون عن دين فارس القديم ، وذلك نظير ناشئة الترك الذين أخذوا يبحثون عن عبادات أجدادهم وعن الذئب الأبيض الذي كانوا يعبدون ، حتى صوروه في بعض كتبهم الحديثة ، وقال لهم المرحوم ( موسى كاظم ) شيخ الإسلام – وهو الذي أخبرني بذلك - : إن العرب كانت عندهم عبادات كهذه تقشعر منها الأبدان ، ولكنهم اقتلعوها بالإسلام وافتخروا بأن الله لطف بهم وأنقذهم منها ورفعهم عن مستوى تلك السفالات . وأما أنتم فتريدون أن تتناسوا الاعتقاد بالبارئ تعالى وتتذكروا عبادة الذئب الأبيض ، فيا للأسف )) .
(( فكما حصل عند الترك حصل عند الفرس وصار ناشئتهم يبحثون عن أديانهم القديمة التي منها الكيومرتية ( أي تعظيم النور ) والتحرز من الظلمة . ومن هنا جاءتهم عبادة النار ، ومنها فرقة ( زرادشت ) الذي كان يدعو إلى وحدانية الله ، ويقول : إنه خالق النور والظلمة وإن الخير والشر إنما حصلا بامتزاجهما ، وإنهما لو لم يمتزجا لما كان وجود للعالم ، إلى غير ذلك من العقائد والأوابد والآثار التي كانت عند قدماء الفرس : كالثنوية ، والزردشتية ، والمانوية ، ومنهم من يبحث عن المزدكية التي كانت تدعو إلى الإلحاد والإباحية (219))) .



الديانة القومية الأوربية وأركانها :
والخطوة الثانية في هذا الطريق أن أصبحت الشعوب والدول في أوربا ، الصغيرة منها والكبيرة ، عوالم مستقلة لا ترى العالم خارج الخطوط التي خطتها الطبيعة من جبال وأنهار ، أو خطتها بيدها من غاية سياسية واستعمار ، ولا تعترف بوجود الإنسان في غير منطقتها فلا تحترمه ولا تعرفه ، واتخذت نفسها إلها تدين له بكل ما يدين به العباد المخلصون من عبادة وتقديس وأضاح هي دماء الآخرين ونفوسهم وأموالهم وبلادهم ، وقتال في سبيله ، وتفان في طاعته ، ومحيا وممات لأجله ، وهذا الدين القومي يشتمل على شيئين : إيجابي وسلبي ، أما الإيجابي فهو الاعتقاد بأن الشعب أو الأمة فوق كل شيء ، وأفضل من كل شيء ، وأن الله – إذا كانت الأمة تعترف به وتعتقد أو ترى أن من المصلحة أن تستعمل هذه الكلمة – لم يخلق أفضل من هذه الأمة ، ولا أنجب منها ، ولا أذكى ولا أقوى ولا أحق بالحكم والسيادة والولاية على الأمم ، والرعاية للعالم منها ، وأنها أمينة ووكيله ووصيه في الأرض ، ولم يخلق بلاداً أحب إليه من هذه البلاد ، ولا تربة أذكى من تربتها ، وهذا هو الدين القومي الذي لا يسمح لإنسان أن يعيش في بلاده حتى يؤمن به .
ولا تختلف شعوب أوربا الحاضرة ودولها في هذه الديانة القومية إلا في الصراحة والنفاق ، وأن بعضها تقول وتفعل ، وبعضها تفعل ولا تقول ، فإن بذرة القومية والوطنية إذا ألقيت في أرض فإنها لا تلبث أن تنشأ وتمد عروقها في الأرض ثم تصير شجرة ، فدوحة تظلل الأمة ، ولا يمكن لشعب أن يؤمن بالقومية ، ثم لا يعتدي ولا يتطاول أو لا يريد أن يعتدي ويتطاول ولا يمقت الآخرين ، ولا يزدريهم ، كما لا يمكن أن يسرف الإنسان في الخمر ، ثم لا يسكر ولا يهذي كما قال الشاعر :
ألقاه في البحر مكتوفاً وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء
خصوصاً إذا كان العلم والأدب والشعر والفلسفة والتاريخ وحتى العلوم الطبيعية متعاونة على إنشاء العاطفة القومية والنعرة الشعبية والخيلاء الجنسية والفخر بالآباء والتعظيم بالماضي ، ولا يكون رادع من خلق ولا وازع من دين ، وتولى القيادة رجال لا يعرفون غير القومية والمجد القومي غاية مرمى ، ومن مقومات هذه الحياة القومية التي لا تقوم بغيرها ، الكراهة والخوف ، وذلك هو الجزء السلبي في دين القومية ، فإن الحماسة القومية لا تظهر ولا تبقى حتى يكون للشعب ما يكرهه ويخافه ، فلا يزال القائدون يثيرون الكامن من عواطفه ، ويذكرون الخامد من حميته ويضربون على الوتر الحساس وهو الكراهة والخوف ، فلولاهما لانقشعت سحابة القومية وتراجع سيلها .
وقد حلل ذلك الأستاذ (( جود )) تحليلاً فلسفياً نفسياً فقال :
(( إن العواطف التي هي مشتركة والتي يمكن إثارتها بسهولة هي عواطف المقت والخوف التي تحرك جماعات كبيرة من الدهماء ، بدل الرحمة والجود والكرم والحب ، فالذين يريدون أن يحكموا على الشعب لغاية ما ، لا ينجحون حتى يلتمسوا له ما يكرهه ويوجدوا له من يخافه ، وإذا أردتُ أن أوحد الشعوب ينبغي أن أخترع لهم عدواً على كوكب آخر – على القمر مثلاً – تخافه هذه الشعوب ، فلم يعد من دواعي العجب أن الحكومات القومية في هذا العصر في معاملتها لجيرانها إنما تقاد بعواطف المقت والخوف ، فعلى تلك العواطف يعيش من يحكمونها ، وعلى تلك العواطف يقوى الاتحاد القومي(220) )) .

الحل الإسلامي لمعضلة الحرب والمناقشات الشعوبية :
إن هذا الحل الذي قدمه الأستاذ (( جود )) لمشكلة الأمم ومعضلة الحروب والمنافسات الشعوبية حل عادل وتوجيه معقول ، فلا تنصرف عداوة الشعوب والأمم بعضها لبعض حتى يكون لها عدو من غيرها تشترك في عداوته وكرهه والمخافة منه . وتتعاون في الحرب معه ، ولكن هذا لا يحتاج إلى اختراع وإبداع ، ولا يلزم أن يوجد لها عدو على كوكب آخر كالقمر والمريخ ، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ؟ فالدين ينبه إلى أن هذا العدو للنوع الإنساني ولذرية آدم يوجد على الأرض نفسها ، وحق على كل إنسان أن يعاديه ويحترس منه ويتعاون مع بني نوعه في معاداته ومحاربته يقول القرآن : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } ويقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } .
وقد قسم الإسلام العالم البشري إلى قسمين فقط ، أولياء الله وأولياء الشيطان ، وأنصار الحق وأنصار الباطل ، ولم يشرع حرباً ولا جهاداً إلا ضد أنصار الباطل وأولياء الشيطان أينما كانوا ومن كانوا ، فقال : { الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } . وهذه الحروب التي لم يشهد التاريخ أيمن منها وأقل إراقة للدماء وذهاباً بالنفس ، ولا أعود منها على الإنسانية بالصالح العام والخير المشترك والسعادة جمعاء فلا يربو عدد المقتولين من الفريقين ( المسلم والكافر ) في جميع الغزوات والسرايا والمناوشات التي ابتدأت من السنة الثانية للهجرة ، ودامت إلى السنة التاسعة على ألف وثمانية عشر نفساً 1018 المسلمون منهم 259 والكفار 759(221) أما المصابون في حرب 1914 – 1918 الكونية فيبلغ عددهم على الأصح واحداً وعشرين مليون نسمة(222) 000,000, 21 عدد المقتولين منهم سبعة ملايين 000 ,00, 7 وقدر المستر مكستن (Maxton) عضو البرلمان الإنجليزي أن المصابين في الحرب الثانية الكبرى 1939 .... لا يقل عددهم عن خمسين مليون 000 ,000, 50 وقد كلف قتل رجل واحد في الحرب الأولى عشرة آلاف جنيه ، أما مجموع نفقاتها فيبلغ 000,000,000,37 جنيه أما نفقات الحرب الثانية لساعة واحدة فمليون من الجنيهات 000,000,1 (223).
ثم كانت الحروب الدينية الإسلامية حاقنة للدماء عاصمة للنفوس والأموال وفاتحة عهد السعادة والغبطة في العالم ، أما حرب التنافس والحمية الجاهلية التي تدعى الحرب الكبرى فقد كانت مقدمة حروب متسلسلة ؛ وإليك ما قال المستر لويد جورج بطل الحرب الكبرى ورئيس الوزارة الإنجليزية حينئذ :
(( لو رجع سيدنا المسيح إلى العالم لما عاش إلا قليلاً ، إنه سيرى الإنسان لا يزال بعد ألفي سنة مشغوفاً بالشر والإفساد والقتل والفتك بيني نوعه ، والنهب والإغارة ، بل إن أكبر حرب في التاريخ قد استغرقت دم جسم الإنسانية وأهلكت الحرث والنسل حتى أصابت الناس مجاعة ، وماذا يرى السيد المسيح يا ترى ؟ هل يرى الناس يتصافحون كالإخوان والأصدقاء ؟ لا . بل يراهم يتهيأون لحرب أشد هولاً من الأولى وأعظم فتكاً وتعذيباً ؛ يراهم يتسابقون في اختراع الآلات الجهنمية ويبتدعون وسائل التعذيب (224))) .
وليس اشتغال هذه الشعوب بالعداوة والحروب فيما بينها ، وما هذه القومية والوطنية الخ إلا لانصراف هذه الشعوب عن عداوة عدوها الحقيقي ونسيانها له ، فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكل ، وكما قال الشاعر الجاهلي :
وأحياناً على بكر أخينا *** إذا ما لم نجد إلا أخانا
فإذا عرفت عدوها وعرفت ضرره على نفسها ، وعرفت خطره وقوته كان ذلك مشغلة لها عن كل حرب وعداوة وشح ومنافسة وأحقاد وهمية وتراث مصطنعة . وقد قالت العرب قديماً : (( عند الحفيظة تذهب الأحقاد )) وهكذا جعل محمد صلى الله عليه وسلم من قبائل العرب المتعادية التي كانت سيوفهم تقطر من دمائهم كالأوس والخزرج في المدينة ، وبني عدنان وبني قحطان في الجزيرة ، والأجناس المتباينة في العالم ، أمة واحدة ومعسكراً واحداً إزاء الكفر والجاهلية ، إذ جعل لها في خارجها ما تكرهه وتعاديه ، وهو الباطل والطاغوت ووكلاؤه وأنصاره ، وشغلها بحربه وقرأ : { الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } فنسيت أحقادها وتراثها ولم تتذكرها إلا لما انصرفت عن عدوها وتشاغلت عن قتاله ومعاداته فكانت حروب داخلية وفتن يعرفها الجميع .


دعاية القوميين وإضرارهم بالشعوب الصغيرة :
ولا يزال القوميون في داخل البلاد وخارجها يزينون للشعوب الصغيرة القومية ويطرون أدبها ولسانها وثقافتها وتهذيبها ، ويمجدون لها تاريخها حتى تصبح نشوانة بالعواطف القومية والخيلاء والكبرياء ، وتدل بنفسها وتظن أنها مانعتها حصونها وما أعدت للحرب ، وتنقطع عن العالم وتتحرش أحياناً بالدول الكبيرة غروراً بنفسها ، أو تهجم عليها الدول فلا تلبث إلا عشية أو ضحاها ، وتذهب ضحية لقوميتها وانحصارها في دائرة ضيقة ، ولا يغني أولئك المسئولون عنها شيئاً { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ } كذلك وقع لبولندة وبلجيكا وهولاندة ويونان ودنمارك ، وهكذا وقع لإيران والعراق في الحرب الثانية .

مطامح الدول الكبيرة :
أما الدولة الكبيرة فترى من واجب قوميتها أن تبسط سيطرتها على أكبر رقعة من الأرض وترفرف أعلامها على مساحات واسعة وإن كانت قفاراً أو صحارى وتكون لها مستعمرات وممتلكات في قارات مختلفة ، وأن كان ذلك يكلفها جيوشاً وأموالاً بغير فائدة جدية تعود عليها ويصعب عليها حراستها والقيام بشئونها ، كل ذلك مما توجبه عليها شريعة القومية ، وليس لها غاية أخلاقية وتمرة أدبية غير ما تسميه (( المجد القومي والشرف القومي )) .
وقد شرح الأستاذ (( جود )) المجد القومي بقوله :
(( إن المجد القومي إنما يعني أن يكون الشعب يملك قوة يسلط بها رغبته وهواه على آخرين إذا مست الحاجة ، ويكفي لشناعة ما يسمونه ( المثل الكامل للشعب ) وهو المجد القومي إنه يناقض الصفات الخلقية والفضيلة إذا كانت بلاد لا تقول إلا صدقاً ، وتفي بوعودها وتعامل الضعفاء معاملة إنسانية فمستوى شرفها عند الأمم منحط فالشرف – كما قال المستر بلدون - : عبارة عن قوة تنال الأمة بها المجد والفخار وتستلفت إليها الأنظار وتشغل الأفكار ، ومعلوم أن هذه القوة التي تنال الأمة بها هذه الدرجة من الشرف إنما تتوقف على قنابل نارية متفجرة ومشعلة للنيرات ، وعلى وفاء الشبان وولائهم للوطن ، الذين يحبون إلقاء تلك القنابل على المدن . فالشرف الذي يمدح لأجله شعب يناقض تلك الصفات والأخلاق التي يمدح بها الفرد ، فأرى أن الشعب يجب أن يعد همجياً وغير مهذب بالمقدار الذي يملكه من الشرف ، إذا ليس من الشرف أن ينال الإنسان أو الشعب الشرف بالخديعة والمكر والظلم (225))) .
(( إن الكبر – أكثر من الطمع – هو الذي يحمل الطبقة الحاكمة في بريطانيا على اتباع خطط لا تتفق مع ما يتظاهرون به من حب الصلح والوئام ، دع رجلاً يقترح على ولاة الأمر في بريطانيا أن يهجروا قيراطاً من رمل من ممتلكاتها التي لا تغرب فيها الشمس ومن أشدها قحولة وجدباً ، تر المحافظين الأبطال في إنجلترا يقيمون العالم ويقعدونه سخطاً وحنقاً ، وترى الصحافة الإنجليزية المعتدلة تتميز غيظاً ، إذاً تعلم أن هؤلاء المحافظين ليسوا طماعين فقط بل هم مستكبرون معاندون(226) )) .

منافسة الشعوب في المستعمرات والأسواق :
وقد سبقت إلى هذا الاستعمار والامتلاك أمم وتخلفت أخرى ، ثم نهضت الأخيرة تنافسها وتطالب بأسهامها وتبحث لها عن مستعمرات وأسواق لبضائعها وشرفات تغزو عليها على المجد والفخار ، وتعد بفضلها من الإمبراطوريات الكبار ، وقامت الأولى تدفعها وتحول بينها وبين ما تشتهي ، وتزعم أنها إنما تغضب للأمم الصغيرة ونصرة المظلوم . ولكن كثيراً من الناس ، من أنفسها ومن الأجانب ، يشكون في إخلاص هذه الأمم وفي صفاء طويتها وحسن نيتها .
يقول الأستاذ (( جود )) : (( الانجليزي – جاهلاً أو متجاهلاً للمسائل التي أدت إلى قسمة ضيزى للعمران ، ضارباً صحفاً عن سخط الشعوب مثل اليابانيين – يعتقد أن الإنجليز أمة سلمية ويرمي اليابانيين بحب القتال والضراوة بالحروب . والإنجليز لا شك أمة سلمية ، ولكن مسالمتهم مسالة لص قد اعتزل حرفته القديمة ، وقد أحرز شرفاً وجاهاً بفضل غنائمه السابقة ، وهو يبغض الذين يدخلون جديداً في حرفته القديمة ، عنده فضول أموال وغنائم لا يستهلكها ، ولكنه يلقب الذي يريدون أن يساهموا في ذلك بهواة الحرب(227) )) .
وكثيراً ما تنشب الحرب بين هذه الأمم السابقة إلى السيادة والتملك وبين الأمم المتطلعة لها الطامحة إليها ، ولكن هذه الحرب لا يصح قياسها على حرب تشهر لردع الظالم والانتصار للمظلوم وإقامة القسط عملاً بقول الله عز وجل : {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }( الحجرات ) ، ولكن هذه الحرب حرب شح ومنافسة ، وحرب غيرة وحسد ، ما كانت جمعية الأمم ( الفقيدة ) التي كانت هذه الحروب تشهر تحت إشرافها ، ولا خليفتها الأمم المتحدة )) إلا كما قال الأمير شكيب أرسلان : (( مثل العروض بحراً بلا ماء ، ما وجدت إلا لتلبس الاعتداء حلة قانونية ، وتسوغ الفتوحات بتغيير الأسماء ، لا يطيعها سوى ضعيف عاجز ، ولا تستطيع أن تحكم على قوي متجاوز )) أو في لفظ فقيد الإسلام الدكتور محمد إقبال : (( جمعية لصوص ونباشين تألفت لتقسيم الأكفان )) .
قال الأستاذ ( جود ) الإنجليزي :
(( إن حرباً تشهر تحت إشراف عصبة الأمم ليست للعدل بين الأمم يقوم بها شرطة العالم للأخذ على يد الظالم وعقاب المعتدي ، ليست هذه الحرب إلا كفاحاً بين الطوائف المتنافسة في القوة . الواحدة منها حريصة على المحافظة على القسط الأكبر من ثروة العالم ومواردها ، والأخرى متهالكة على تحصيلها ، إن مثل هذه الحروب لا تختلف عن حروب نشبت بين الطوائف المتنافسة في الماضي ، ولا عن حروب النمسا وبروسيا(228) ، وعن حروب السنوات السبع(229) وعن حروب نابليون ؛ وعن حرب 1914 – 1918 . لا تختلف هذه الحرب عن هذه الحروب كلها إلا في الاسم .
أما التذرع بأن هذه الحروب إنما نصبت للدفاع عن الديمقراطية وعن عصبة الأمم ، وضد الفاشية والاعتداء فلا يغير من الموقف شيئاً(230) )) .

الفرق بين حكم الجباية ، وحكم الهداية :
روي أن عمر بن عبد العزيز خليفة المسلمين قال لعامله مرة : ((ويحك إن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعِث هادياً ولم يُبْعَثْ جابياً )) وهذه الجملة تعرب عن روح الحكومة الدينية التي تتأسس على منهاج النبوة ، وتسير على آثار الأنبياء وخطتها وسياستها ، فتكون عنايتها واهتمامها بالدين وبإصلاح أخلاق المحكومين وبما يعود عليهم بالنفع والضرر في الآخرة أكثر من اهتمامها بالجباية والخراج وأنواع المحاصيل والإيراد ،وتنظر في جميع مسائل السياسة والمالية من الوجهة الدينية وتقدم المبادئ الدينية والخلقية على المنافع والمصالح المادية ،فتمنع الخمر وتحرم الزنا وأنواع الخلاعة والفجور والعقود المالية الفاسدة النافعة للأفراد المضرة بالمجتمع ، فتحظر الربا والقمار وإن كان ذلك يرجع على الحكومة بالخسارة المادية الفادحة ،وتشرع مشاريع إصلاحية وتراقب الأخلاق وتعنى بتهذيب النفوس ،وإن كان ذلك يكفلها أموالاً طائلة وميزانية ضخمة ،ونتيجة هذا النوع من الحكومات إذا قامت في بلاد مَّا بَّينها القران وتنبأ بها للمهاجرين الأولين : {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }
أما الحكومات التي تقوم للجباية لا للهداية ، وللانتفاع لا للنفع ، فطبيعي أن تكون عنايتها مصروفة إلى أنواع الخراج والمحاصيل والغلات ، وكثيراً ما يكون ذلك على حساب الأخلاق والفضائل والنظام المنزلي ، فتبيح أنواعاً كثيرة من الخلاعة والفجور بقيود تنظمها ولا تمنعها ، فتسمح بالبغاء الرسمي ، وقد ترابي نفسها وتبيح القمار ، وكثيراً من الجنايات و الجرائم الخلقية بتغيير الأسماء وتحديد بعض الأشياء تأميناً لمصالحها ، ولا تبيح الخمر فقط بل تبيعها وتتولى تجارتها وتنظيمها وتحاكم وتعاقب من يمنعها ويجاهد ضدها ، وقد تجبر أهل بعض البلاد على اشتراء المخدرات التي تصدرها ، كما فعل بعض الحكومات الأوربية في آسيا مع أهل الصين ، فطبيعي كذلك أن تصاب هذه الشعوب المحكومة في أخلاقها وترزأ في روحها وقلبها ، بل إن أهل البلاد ينحط مستوى أخلاقهم لمجرد المخالطة بهذه الشعوب الحاكمة ومجاورتها ، ويلحقهم عدوى الأمراض الخلقية الفاشية في الأقطار الأوربية التي ولدتها الحضارة المادية هنالك ، وذلك ما أقروا به . أنفسهم وشكوا منه .
فالحكومات الأوربية تحمل معها مفاسد الحضارة الغربية وشرورها ، وكيف يرجى من هذه الحكومات أن تزدهر الفضيلة والأخلاق ويرقى مستوى أخلاق الشعب في ظلها ودولتها ، ولم يكن ذلك في بلادها وأوطانها ، وليس ذلك من رسالتها ومهمتها ، ولا مما تدين به وتعتقده (( وكل إناء بالذي فيه ينضح )) ولم تزل طريق الملوك والفاتحين غير طريق الأنبياء والهداة والمصلحين ، وإن الحقيقة التي ذكرها القرآن على لسان ملكة سبأ حقيقة راهنة لا تختلف في الأزمنة والأمكنة :
{ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً } .

*****************************

الفصل الثالث
أوربا إلى الانتحار
عصر الاكتشاف والاختراع :
إذا عرفت عصور التاريخ بما يميزها عن غيرها ، وأضيفت إليه ، أمكننا أن نسمي هذا العصر عصر الاكتشاف والاختراع ، وعصر اللاسلكي والكهرباء ؛ وفضل الأوربيين وتقدمهم في هذا الباب وعبقرية رجال الاكتشاف والاختراع وإبداعهم من القضايا التي لا تقبل المكابرة .
ولكن مهما بالغ المبالغون في إطراء الصناعات والمخترعات الحديثة في أوربا ، وبرغم إعجابنا بها والثناء على مكتشفيها ومخترعيها ، ينبغي ألا ننسى أن هذه الصناعات والمخترعات ليست غايات في نفسها مقصودة بالذات ، بل هي وسائط ووسائل لغاية أخرى نحكم عليها بالخير والشر ، والنفع والضر ، بمقياس هذه الغاية وكونها خيراً أو شراً ، ونحكم عليها بالنجاح والخيبة بالقياس إلى مطابقتها للغاية التي وضعت لها ، والنظر في النتائج التي حصلت منها ، والدور الذي لعبته في حياة الناس ومجتمعهم وأخلاقهم وسياستهم .

الغاية من الصناعات والمخترعات ، وموقف الإسلام منها :
أما الغاية فعلى ما أرى هي التغلب على العقبات والصعوبات في سير الحياة التي سببها الجهل والضعف ، والانتفاع بقوى الطبيعة المودعة في هذا الكون وخيراتها وخزائنها المبثوثة فيها ، واستخدامها لمقاصد صحيحة من غير علو في الأرض ولا فساد .
كان الإنسان يسافر في الزمن القديم ماشياً ، ثم ألهم أن يسخر لذلك الحيوان ، فاتخذ العجلات واتخذ الجياد العتاق ، ثم لم يزل يتدرج في السرعة والاختراع حتى وصل من المركبة إلى القطار ، ومنه إلى السيارة ، ومنها إلى الطيارة ، وكذلك من السفينة الشراعية إلى البواخر ، فلا بأس ، بل يا حبذا إذا كان ذلك كله تابعاً لمقاصد صحيحة يسافر الإنسان بها من مكان إلى مكان لغرض صحيح جدي مثمر ، ويحمل عليها أثقاله إلى بلد لم يكن بالغه إلا بشق النفس ؛ ويوفر الوقت والقوة وينتفع بها في الخير . وقس على ذلك سائر القوى الطبيعية والمخترعات الحديثة التي ينتفع بها الإنسان انتفاعاً مشروعاً ويستخدمها لمقاصد رشيدة نافعة .
إن موقف الإسلام في ذلك بيِّن واضح ، فقد أخبر أن الإنسان خليفة الله في الأرض قد سخر الله العالم لأغراضه الصحيحة بتصرف منه وغير تصرف فقال : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً } ، وقال : { اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ{32} وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ{33} وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } ( إبراهيم ) ، وقال : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }( الإسراء ) ليلاحظ القارئ الإطلاق في قوله : { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } ، وقوله : { وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} ، وقال : { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ{6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (النحل) . قد منَّ الله في هذه الآية على الإنسان بتمكينه لبلوغ غايته من غير شق النفس ، واستدل به على رأفته به ، ورحمته له ، وقال : { وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ{12} لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ{13} وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } ( الزخرف ) . وما أجدر الإنسان أن يقول إذا استوى على سيارة أو طيارة : { سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } ، فهو أبعد من أن يكون مقرناً لقطع من صفيح وحديد لا حياة فيها ولا حركة ، يسخرها له تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، ولا ينس أنه راجع إلى الله ومحاسب على ما أوتي من قوة وسعة ، فإن أساء استعمال هذه القدرة والتمكين عوقب على ذلك . وكذلك لا ينس أنه عبد خاضع لله منقاد لحكمه لا يملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، ولا يطغ ، فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى .
وقال : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }( الحديد ) . فالحديد فيه منافع للناس ومن أكبر منافعه أنه يستخدم لنصر الله ورسله ، ولذلك قدم عليه ذكر إرسال الرسل ، وإنزال الكتب .
فالمسلم ينتفع بكل ما خلق الله وأودع في الكون من قوة في سبيل الجهاد في سبيل الله ، وفي نشر دينه ، وإظهاره على الدين كله وإعلاء كلمته ، وفيما أباح الله له ورغبة فيه من تجارة مشروعة وكسب حلال ، وسفر بر ، ومنافع مباحة .

إنما طائركم معكم :
إن المصنوعات الجمادية لا ذنب عليها ، فإنها خاضعة لإرادة الإنسان وعقليته وأخلاقه ، فهي في ذات نفسها ليست خيراً ولا شراً ، ولكن الإنسان هو الذي يجعلها باستعماله لها خيراً أو شراً ، وكثيراً ما تكون خيراً في نفسها ، فيحولها الإنسان شراً بسوء استعماله وخبث سريرته ، وفساد تربيته ، فليس الشأن في هذه الآلات والمخترعات ، إنما الشأن فيمن يستغلها وفي الغرض الذي يستعملها له . وحقيق أن يقال – لمن أصبح يتطير في أوربا من هذه الآلات ، ومن الطيارات التي تقذف القنابل ، وتدمر المنازل ، وتنسف القرى والمدن ، والغواصات التي تغرق بواخر الركاب المسالمين والتجار الآمنين ، واللاسلكية التي تذيع الكذب والزور ، وتنشر الخلاعة والمجون ويشكو منها ، ويوجه إليها الملام - : { قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ } فإن العلوم الطبيعية تسخر للإنسان القوة المادية ، وليس من شأنها أن تعلمه أيضاً كيف يستعملها ، وفيم يضعها ، كالكبريت يعطيك ناراً ؛ ولك أن تحرق بها بيتاً على سكانه ، أو تطبخ طعاماً أو تستدفئ بالنار ، والذي يعلم كيف يستعمل الإنسان القوة وفيما يضعها هو الدين ، فالدين يرشد الإنسان كيف ينتفع بقوته انتفاعاً حقيقياً ، وكيف يشكر نعمة الله ، ويحظر على الإنسان أن يكون بقوته التي خوله الله إياها معيناً على الظلم والجريمة والإثم والعدوان ، كما قال موسى عليه السلام : {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ }(القصص) : وقال سليمان : { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } .

التخليط بين الوسائط والغايات :
أما الأوربيون فقد حرموا أنفسهم الدين ، فلم يبق لهم رادع من خلق أو وازع من دين ، أو مرشد من علم إلهي يرشدهم إلى الجادة ، ونسوا غاية خلقهم ومبدأهم ومصيرهم وقالوا : {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } فاعتقدوا بطبيعة هذه العقيدة أن ليس للإنسان وراء اللذة والراحة والانتفاع المادي والعلو في الأرض وبسط السيطرة عليها – كمملكة لا سيد لها ولا وارث – والتغلب على أهلها والاستئثار بخبراتها وخزائنها ، مقصد ولا غاية ، فاستعملوا هذه القوة والعلم في حصول اللذات والتغلب على الناس وقهر المنافسين ، وتنافسوا في اختراع الآلات التي ينالون بها وطرهم ويعجزون بها غيرهم ، ولم يزل بهم ذلك حتى اختلطت عليهم الوسائط بالغايات ، فاعتقدوا الوسائط غايات ، وافتتنوا بالمخترعات والمكتشفات كغاية في نفسها لا لغيرها ، وعكفوا عليها وتشاغلوا بها كتشاغل الصبيان باللعب والدُّمى ، واعتقدوا أن الراحة هي الحضارة ثم تقدموا وصاروا يعتقدون أن السرعة هي الحضارة .
يقول الأستاذ جود :
(( يقول دزرائيلي Disraeli إن المجتمع في عصره يعتقد أن الحضارة هي الراحة ، أما نحن فنعتقد أن الحضارة عبارة عن السرعة ، فالسرعة هي إله الشباب العصري ، وإنه يضحي على نُصبه بالهدوء والراحة والسلام والعطف على الآخرين من غير رحمة(231) )) .



عدم تعادل القوة والأخلاق في أوربا :
إن الأوربيين قد فقدوا تعادل القوة والأخلاق والتوازن بين العلم – بظاهر من الحياة الدنيا – والدين منذ قرون ، فلم تزل القوة والعلم في أوربا بعد النهضة الجديدة ينموان على حساب الدين والأخلاق ، ولم يزل الأولان في ارتفاع وارتقاء ، والآخران في انخفاض وانحطاط ، حتى بعدت النسبة بينهما ، ونشأ جيل كأنه ميزان لصقت إحدى كفتيه بالأرض وهي كفة القوة والعلم ، وخفت الثانية – وهي كفة الأخلاق والدين – حتى ارتفعت جداً ، وبينما يتراءى هذا الجيل للناظر في خوارقه الصناعية وعجائبه الكونية وتسخيره للمادة والقوى الطبيعية لمصالحه وأغراضه كأنه فوق البشر إذا هو لا يتميز في أخلاقه وأعماله ، في شرهة وطمعه ، في طيشه ونزقه ، وفي قسوته وظلمه عن البهائم والسباع ، وبينما هو قد ملك جميع وسائل الحياة ، إذا هو لا يدري كيف يعيش ! وبينما هو قد بلغ الغايات ووراء الغايات في الكماليات وفضول الحياة ، إذا هو لا يدري كيف يعيش! وبينما هو قد بلغ الغايات ووراء الغايات في الكماليات وفضول الحياة ، إذا هو لم يعرف المبادئ الأولية والبديهيات للحياة الإنسانية والمدنية والأخلاق ، فتراه يصعد إلى السماء ويريد أن يناطح الجوزاء ، وهو لم يتقن شئون الأرض ولم يصلح ما تحت قدميه ، وقد خولته العلوم الطبيعية قوة قاهرة وهو لا يحسن استعمالها ، كفل صغير أو سفيه أو مجنون يملك أزمَّة الأمور ويؤتى مفاتيح الخزائن ، فهو لا يزيد على أن يعبث بالجواهر الغالية والنفائس المخزونة ويعيث في دماء الناس ونفوسهم .

قوة الآلهة ، وعقل الأطفال :
يقول الأستاذ (( جود )) الإنجليزي : (( إن العلوم الطبيعية قد منحتنا القوة الجديرة بالآلهة ، ولكننا نستعملها بعقل الأطفال والوحوش(232) )) .
ويقول في موضع آخر :
إن هذا التفاوت بين فتوحنا العلمية المدهشة ، وطفولتنا الاجتماعية المخجلة ، نواجهه على كل منعطف ومنعرج نستطيع أن نتحدث من وراء القارات والبحار ونرسل الصور بالبرق ونركب اللاسلكية في منازلنا ، ونستمع في سيلان إلى دقات (Big Ben) – الساعة العظمى – تضرب في لندن ، ونركب فوق الأرض والبحر وتحتهما ، والأطفال يتحدثون على الأسلاك البرقية ، والآلات الكاتبة صامتة ، وتملأ الأسنان من غير إيجاع ، والزروع تنمى بالكهرباء ، والشوارع تفرش بالمطاط ، وأشعة روتنجن (x-rays) نوافذ نطل منها على داخل أبداننا ، والصور المتحركة تتكلم وتغني ، ويكشف عن المجرمين والمغتالين باللاسلكية ، والغواصات تذهب إلى القطب الشمالي والطيارات تطير إلى القطب الجنوبي ومع ذلك كله لا نقدر في وسط مدننا الكبرى أن نخصص رحبة يلعب فيها أطفال الفقراء في راحة وسلام ، ونتيجة ذلك أنا نقتل منهم ألفين (2000) ونجرح منهم تسعين ألفاً (90000) سنوياً ، قال لي فيلسوف هندي في انتقاده اللاذع لإطرائي لعجائب حضارتنا : وكان بعض سواق السيارات قد نجح في قطع ثلثمائة أو أربعمائة ميل في ساعة على رمال (pendine) ، وطارت طائرة من موسكو إلى نيويورك في فترة قليلة من الزمن قال الفيلسوف : نعم ! إنكم تقدرون أن تطيروا في الهواء كالطيور وتسبحوا في الماء كالسمك ، ولكنكم إلى الآن لا تعرفون كيف تمشون على الأرض (233))) .

ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم :
وقد أصبحت هذه المخترعات والمكتشفات الجديدة – مما كانت تعود على النوع الإنساني بخير كبير لو كان مستعملها يعرف الخير ويقدر أن يتجه إليه – أصبحت وضررها أكبر من نفعها ، وكان كما قال القرآن عن السحر : { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } . اسمع شاهداً من أهلها ينتقد هذه المخترعات ويبوح بالحقيقة وهو (( جود )) السابق الذكر :
(( وقد استطعنا أن نسافر بسرعة زائدة من مكان إلى مكان ، ولكن الأمكنة التي نسافر إليها قلما نصلح للسفر ، وقد زويت الأرض للرحالين وتدانت الأمم ووطئ بعضها عتبة بعض ، ولكن كان نتيجة ذلك أن توترت العلاقات بينها وأصبحت أسوأ مما كانت ، أما المرافق التي استطعنا بها أن نتعارف بجيراننا فقد عادت فحشرت العالم في الحرب ، اخترعنا آلة الإذاعة وتحدثنا بها إلى الشعوب المجاورة والأمم الشقيقة ، ولكن كان عاقبتها أن كل شعب يستنفد موارد الهواء لإيذاء الشعب المجاور ومعاكسته ، إذ يجتهد أن يقنعه بفضل نظامه السياسي على نظامه(234) )) .
(( انظر إلى الطيارة التي تحلق في السماء يخيل إليك أن صانعيها كانوا في علمهم ولباقتهم وصناعتهم فوق البشر ، والذي طاروا عليها أولاً لاشك أنهم كانوا في علو همتهم وعزمهم وجرأتهم أبطالاً مغاوير ، ولكن انظر الآن إلى المقاصد التي استعملت لها الطيارة وتستعمل لها في المستقبل ، إنما هي قذف القنابل وتمزيق جثث الإنسان وخنق الأحياء وإحراق الأجساد وإلقاء الغارات السامة ، وتقطيع المستضعفين الذي لا عاصم لهم من هذا الشر إرْباً إرباً ، وهذه إما مقاصد الحمقى أو الشياطين (235))) .
(( وما عسى أن يقول المؤرخ غداً كيف كنا نستعمل معدن الذهب ؟ سيذكر أنا توصلنا إلى أن نخبر عن الذهب باللاسلكي ، وسيستعرض الصور التي تمثل اللياقة والمهارة التي كان أصحاب المصارف يزنون بها الذهب ويعدونه ، وكيف تحدينا قانون الجاذبية في نقله من عاصمة إلى عاصمة ، وسيسجل أن أشباه الوحوش الذين كانوا ماهرين وجرآء في فتوحهم الصناعية كانوا عاجزين عن التعاون الدولي الذي كان يقتضيه ضبط الذهب والتقسيم الصحيح ، وكانوا لا يعنون إلا بأن يدفنوا المعادن بالسرعة الممكنة ، وكانوا يستخرجون الذهب والمعادن من بطون الأرض في جنوب إفريقية ، ويدفنونها في مصارف لندن ونيويورك وباريس(236) )) .
ويتناول هذه البحث – التفاوت بين العلم والصناعة وبين الأخلاق الإنسانية ، وإخفاق الحضارة الحديثة في أداء رسالتها – مفكر آخر يجمع بين العلم بالفلسفة والعلوم الطبيعية في تحليل أدق وأسلوب أعمق وهو الدكتور (Alexis Carrel) في كتابه – الإنسان ، ذلك المجهول – (Man the Unknown .) :
(( يظهر أن الحضارة العصرية لا تستطيع أن تنتج رجالاً يملكون الابتكار والذكاء والجرأة . وفي كل قطر تقريباً يرى الإنسان في الطبقة التي تباشر إدارة الأمور وتملك زمام البلاد انحطاطاً في الاستعداد الفكري والخلقي .
إننا نلاحظ أن الحضارة العصرية لم تحقق الآمال الكبيرة التي عقدتها بها الإنسانية وإنما أخفقت في تنشئة الرجال الذين يملكون الذكاء والإقدام الذي يسير بالحضارة على الشارع الخطر الذي تتعثر عليه ، إن الأفراد والإنسانية لم تتقدم بتلك السرعة التي تقدمت بها المؤسسات التي نبعث من عقولها ، إنها هي نقائص القادة السياسيين الفكرية والخلقية وجهلهم الذي يعرض أمم العصر للخطر(237) )) .
(( إن الوسط الذي أنشأه العلوم الطبيعية وعلم الصناعات للإنسان لا يناسب الإنسان لأنه مرتحل لم يقم على تصميم وتفكير سابق ، ولم يراع فيه الانسجام مع شخصية الإنسان ، إن هذا الوسط الذي هو وليد ذكائنا واختراعاتنا لا يطابق قاماتنا ولا أشكالنا ، نحن غير مسرورين ، نحن في انحطاط الأخلاق وفي العقول ، أن الأمم التي ازدهرت فيها الحضارة الصناعية وبلغت أوجها هي أضعف مما كانت ، وهي تسير سيراً حثيثاً إلى الهمجية ولكنها لا تدرك ذلك ، إنه لا حارس لها من المحيط الثائر الذي أقامته العلوم الطبيعية حول هذه الأمم . الحق يقال إن حضارتنا – كالحضارات التي تقدمتها – قد فرضت شروطاً للبقاء ستجعل – لأسباب لا تزال مجهولة – الحياة محالاً ، إن علمنا بالحياة وكيف يجب أن يعيش الإنسان متأخر جداً عن علمنا بالماديات ، وهذا التأخر هو الذي جنى علينا (238))) .
(( لا يجنى نفع من الزيادة في عدد المخترعات الآلية ، لا فائدة في أن نعلق أهمية كبرى على اكتشافات علوم الطبيعية والفلكيات وعلم الكيمياء ، أي خير في الزيادة في الراحة والشرف ، والجمال والمنظر وكماليات حضارتنا إذا منع ضعفنا من الانتفاع بذلك وتوجيهه إلى صالحنا . إنه لا خير في أحكام طريق للحياة يقصى فيه العنصر الخلقي وتبعد منه أشرف عناصر الأمم العظيمة ، إن الأليق بنا أن نعنى بأنفسنا أكثر من أن نعنى بصناعة بواخر أسرع وسيارات أربح، وراديوات أرخص، وتلسكوبات لفحص هيكل سديم على بعد سحيق(239)))
(( ما هو مدى التقدم الحقيقي الذي نحققه حينما تنقلنا إحدى الطائرات إلى أوربا أو إلى الصين في ساعات قلائل ؟ هل من الضروري أن نزيد الإنتاج بلا توقف حتى يستطيع الإنسان أن يستهلك كميات أكثر فأكثر من أشياء لا جدوى منها ؟ أليس هناك أي ظل من الشك في أن علوم الميكانيكا والطبيعة والكيمياء عاجزة عن إعطائنا الذكاء والنظام الأخلاقي والصحة والتوازن العصبي والأمن والسلام(240) )) .

أوربا في الانتحار :
والحاصل أن الغربيين لما فقدوا الرغبة في الخير والصلاح ، وضيعوا الأصول والمبادئ الصحيحة ، وزاغت قلوبهم وانحرفت ، وفسدت أذواقهم لم تزدهم العلوم والمخترعات إلا ضرراً ، كما أن الأغذية الصالحة تستحيل في جسم الممعود والموبوء مرضاً وفساداً ، بل لم تزدهم هذه الآلات والمخترعات إلا قوة وسرعة في الإهلاك واستعانة على الانتحار ؛ وقد أحسن المستر ايدن Eden رئيس وزراء بريطانيا السابق وصف ذلك في بعض خطبه سنة 1938 م :
(( إن أهل الأرض كادوا يرجعون في أخريات هذا القرن إلى عهد الهمجية والوحشية ، ويعيشون عيشة سكان الكهوف والمغارات ، ومن الغريب المضحك أن البلاد والدول تنفق ملايين من الجنيهات على وقاية نفسها من آلة فتاكة تخافها ، ولكنها لا تنفق على ضبطها ، وإني أتعجب في بعض الأحيان وأقوال : كيف لو زار العالم الجديد زائر من كوكب آخر وهبط إلينا فما عسى أن يشاهده ؟ سيجدنا نعد العدة لإهلاك بعضنا ، ونتبادل الأنباء عنها ويخبر بعضنا كيف نستعمل هذه الآلات الجهنمية )) .

القنبلة الذرية وفظائعها :
لعل المستر إيدن لما أفضى بهذا الحديث لم يدر بخلده أن العالم المتمدن وعلى رأسه أميركا رسول السلام وزعيم الحضارة والعالم الجديد سيتوصل أثناء الحرب إلى استعمال آلة تبز جميع الآلات والمخترعات في التدمير والتقتيل ، وتفوق ذكاء الإنسان وخياله في الهول والفظاعة ، قد كانت هذه الآلة هي القنبلة الذرية التي جربتها أمريكا مرة في صحراء نيوميكسيكو ، وثانية على رؤوس البشر في مدينة هيروشيما ، وبعدها في نجازاكي المدينتين اليابانيتين . وقد أذاع رئيس بلدة (هيروشيما) في 20 أغسطس آب 1949 م أن الذين هلكوا في اليوم السادس من أغسطس آب 1945 م من اليابانيين يتراوح عددهم بين مائتي ألف وعشرة آلاف ومائتي ألف وأربعين ألفاً ( ب- ت ) .
يقول المستر استورت (Stuart Gilder) في مقالة نشرتها صحيفة الهند الإنجليزية السيارة (Statesman) في عددها الصادر في 16 سبتمبر 1945 .
يقول البروفسور (Plesh) :
(( لا يؤمن على الناس الذين كانوا يبعدون عن المنطقة التي انفجرت فيها القنبلة الذرية بمائة ميل أن يكونوا قد تأثروا بها ، فينبغي أن يفحص عنهم فحصاً طبياً ، ولا يستغرب أن يصبح الناس يوم ويقرأوا في الجرائد أن علامات الإصابة بطاعون القنبلة الذرية قد ظهرت في الذين يسكنون على آلاف أميال من اليابان .
ويقول البروفسور ( م . ي . أولى فنيت ) معلم جامعة برمنجهام وعضو الهيئة الصناعية في إعداد القنبلة الذرية :
(( من الأمور الخرافية أن يعتقد إنسان أن بريطانيا أو دولة أخرى تستطيع أن تحافظ على سر القنبلة الذرية . إن المبادئ التي قامت عليها صناعة القنبلة الذرية مكشوفة لكل دولة ، إن بريطانيا وأميركا استفادتا بتجاريب السابقين وبلغتا إلى نهاية صناعة القنبلة الذرية ، ولكنها لا تدوم سراً حربياً إلا لأجل معدود ، لأن كل بلاد صناعية تستطيع أن تعد القنبلة الذرية في مدة خمس سنوات وإذا أفرغت جهودها ووجهت قواها إلى صناعتها فيمكن أن تبلغ إلى نهايتها في سنتين )) .
ويقول البروفسور المذكور :
(( وأنا على يقين أنه سيظهر في مدة قصيرة على مسرح العالم قنابل تفوق القنابل الأولى بعشرة آلاف طن في قوة الانفجار ، وستليها قنابل قوتها مليون طن ، ولا ينفع في التوقي منها دفاع أو احتياط ، وإن ست قنابل فقط من هذا القبيل تكفي في تدمير إنجلترا على بكرة أبيها ، وإن العلماء الروسيين ينجحون في إعداد القنابل في مدة قصيرة جداً )) .
وقد اخترعت أمريكا قنبلة أخرى تفوق القنبلة الذرية في القوة والفظاعة ، وهي (Hydrogen Bomb) وقد جرى اختبارها للمرة الثانية في المحيط الهادئ يوم 26 من مارس سنة 1954 .
وقد ذكر المستر شارلس – ي – ولسن (Charles E. Wilson) سكرتير وزارة الدفاع أن النتائج كانت هائلة لا تكاد تصدق .
وقد ذكر المستر لويس استراس (Lewis Strauss) رئيس لجنة القوة الذرية في أمريكا أن قنبلة هيدروجينية واحدة تستطيع أن تبيد مساحة مدينة نيويورك الواسعة .
وقال العالم الطبعي الشهير ونائب رئيس مجلس الأمن اللواء صاحب سنج في دهلي الجديدة :
إن أربع قنابل هيدروجينية وزن كل واحدة منها مائة طن تستطيع أن تقتل كل نسمة على وجه الأرض ، وقد شاع أخيراً أن روسيا اكتشفت القنبلة النيتروجينية (Nitrogen bomb) التي هي أدهى وأمر من القنبلة الهيدروجينية .

والذي خبث لا يخرج إلا نكدا :
وقد تضعضع أساس المدنية الأوربية ، كما ذكرنا بتفصيل ، ولم يزل بناؤه متزعزعاً ، ولم تزده الأيام ولم يزده الارتفاع إلا زيغاً واختلالاً، وفسدت بذرتها ، فلم تصلح شجرتها ولم تطلب ثمرتها {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً }.
وقد شرح ذلك في إيجاز الأستاذ السيد أبو الأعلى المودودي في أحد فصول كتابه ((تنقيحات )) بالأوردية قال :
(( ظهرت الحضارة الغربية في أمة لم يكن عندها معين صاف ولا نبع عذب للحكمة الإلهية ، لقد كان فيها قادة الدين ولكن لم يكونوا أصحاب حكمة ولا علم ولا شريعة إلهية ، ولم يكن عندهم إلا شبح ديني لو حاول أن يسير بالنوع الإنساني على صراط مستقيم في طرق الفكر والعمل لما استطاع ، ولم يكن له إلا أن يكون حجر عثرة وسداً في سبيل ارتقاء العلم ، والحكمة ، وهكذا كان ، وكان عاقبة ذلك أن الذين كانوا يريدون الرقي نبذوا الدين بالعراء ، واختاروا طريقاً لم يكن دليلهم فيها إلا المشاهدة والاختبار والقياس والاستقراء ، ووثقوا بهذه الدلائل التي هي في حاجة بنفسها إلى الهداية والنور ، وجاهدوا واجتهدوا باحتذائها في طرق الفكر والنظر والتحقيق والاكتشاف والبناء والتنظيم ، ولكن ضلت خطوتهم الأولى في كل جهة وفي كل مجال ، وانصرفت فتوحهم في ميادين العلم والتحقيق ، ومحاولاتهم في سبيل الفكر والنظر إلى غاية لم تكن صحيحة ، إنهم بدأوا وساروا من نقطة الإلحاد والمادية ، نظروا في الكون على أنه ليس له إله ، نظروا في الآفاق والأنفس على أنه لا حقيقة فيها إلا المشاهد والمحسوس ، وليس وراء هذا الستار الظاهر شيء ، إنهم أدركوا نواميس الفطرة بالاختبار والقياس ولكنهم لم يتوصلوا إلى فاطرها ، إنهم وجدوا الموجودات مسخرة واستخدموها لأغراضهم ، ولكنهم جهلوا أنهم ليسوا سادتها ومدبريها ، بل هم خلفاء سيدها الحق ، فلم يروا أنفسهم مسئولين عنها ، ولم يروا على أنفسهم عهدة وتبعة ، فاختل أساس مدنيتهم وتهذيبهم ، وانصرفوا عن عبادة الله إلى عبادة النفس ، واتخذوا إلههم هواهم ، وفتنتهم عبادة هذا الإله ، وسارت بهم هذه العبادة في كل ميدان من ميادين الفكر والعمل على طريق زائغة خلابة رائعة ، ولكن مصيرها إلى الهلاك .
هذا هو الذي مسخ العلوم الطبيعية فصارت آلة الهلاك الإنسان ، وصاغ الأخلاق في قالب الشهوات والرياء والخلاعة والإباحة ، وسلط على المعيشة شيطان الأثرة والشح والفتك ببني النوع ، ودس في عروق الاجتماع وشرايينه سموم عبادة النفس والأنانية والإخلاد إلى الراحة والتنعيم ، ولطخ السياسة بالجنسية والوطنية وفروق اللون والنسل وعبادة إله القوة ، فجعلها لعنة كبرى للإنسانية .
والحاصل أن البذرة الخبيثة التي ألقيت في تربة أوربا في نهضتها الثانية لم تأت عليها قرون حتى نبتت منها دوحة خبيثة ، ثمارها حلوة ولكنها سامة ، أزهارها جميلة ولكنها شائكة ، فروعها مخضرة ولكنها تنفث غازاً ساماً لا يرى ، ولكنه يسمم دم النوع البشري .
إن أهل الغرب الذين غرسوا هذه الشجرة الخبيثة قد مقتوها ، وأصبحوا يتذمرون منها ، لأنها خلقت في كل ناحية من نواحي حياتهم مشاكل وعقداً لا يسعون لحلها إلا وظهرت مشاكل جديدة ، ولا يفصلون فرعاً من فروعها إلا وتطلع فروع كثيرة ذات شوك ؛ فهم في معالجة أدوائهم وإصلاح شئونهم كمعالج الداء بالداء وناقش الشوكة بالشوكة ، إنهم حاربوا الرأسمالية فنجمت الشيوعية ، إنهم حاولوا أن يستأصلوا الديمقراطية فنبت الدكتاتورية ، أرادوا أن يحلوا مشاكل الاجتماع فنبتت حركة تذكير النساء (Feminism) وحركة منع الولادة ، أرادوا أن يشترعوا قوانين لاستئصال المفاسد الخلقية فاشرأبت حركة العصيان والجناية ، فلا ينتهي شر إلا إلى شر ، ولا فساد إلا إلى فساد أكبر منه ، ولا تزال هذه الشجرة تـثمر لهم شروراً ومصائب ، حتى صارت الحياة الغربية جسداً مقروحاً ، يشكو من كل جزء أوجاعاً وآلاماً ، وأعيا الداء الأطباء ، واتسع الخرق على الراقع ؛ الأمم الغربية تتململ ألماً ، قلوبهم مضطربة وأرواحها متعطشة إلى ماء الحياة ولكنها لا تعلم أين معين الحياة ، إن الأكثرية من رجالها لا تزال تتوهم أن منبع المصائب في فروع هذه الشجرة ، فهم يفصلونها ويستأصلونها من الشجرة ويضيعون أوقاتهم وجودهم في قطعها ، إنهم لا يعلمون أن منبع الفساد في أصل الشجرة ، ومن السفاهة أن يترقب الإنسان أن ينبت فرع صالح من أصل فاسد ، وفيهم جماعة قليلة من العقلاء أدركوا أن أصل حضارتهم فاسد ولكنهم لما نشأوا قروناً في ظل هذه الشجرة – وبأثمارها نبت لحمهم ونشز عظمهم – كلت أذهانهم عن أن يعتقدوا أصلاً آخر غير هذا الأصل يستطيع أن يخرج فروعاً وأوراقاً صالحة سليمة ، وكلا الفريقين في النتيجة سواء ؛ إنهم يتطلبون شيئاً يعالج سقمهم ويريحهم من كربهم ولكنهم لا يعلمونه ولا مكانه (241))) .


(216) Convocation Adress of Lord Lothian at Muslim University Aligarh .

(217) محاضرات (( خالدة أديب هانم )) في الجامعة الملية بدلهي .

(218) من حواشي الأمير (( شكيب أرسلان )) على حاضر العالم الإسلامي الجزء الأول ص 158 – 159 .

(219) حواشي حاضر العالم الإسلامي الجزء الأول ص 164 – 165 .

(220) Guide to Modern Wickedness . p . 150 .

(221) عولنا في هذه الأعداد على إحصاء مؤلف السيرة النبوية الشهيرة القاضي محمد سليمان المنصور فوري في المجلد الثاني من كتاب سيرة رحمة للعالمين ولم يغادر من الغزوات والبعوث والمناوشات صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، أما احصاءات غيره من المؤلفين فإنها تمثل عدداً أقل من هذه الأعداد .

(222) وقد حقق المستر هـ . تاونسند E. H. Tawansend في مقالة له نشرتها صحيفة هندو الانكليزية اليومية ( 31 يناير 1943 م ) أن عدد المصابين في الحرب الكبرى لا يقل عن 37,513,886 المقتولون منهم 8,543،515 .

(223) من مقالة لتاونسند في صحيفة هندو .

(224) وقد صدقت فراسته ووقع تحت أعيننا ما تنبأ به وقد فاقت هذه الحرب الجارية الماضية فتكاً بالأرواح للعمران وتدميراً للبلدان ووقائع تشيب لهولها الوالدان وغلاء في السلع وارتفاعاً في الأسعار وأصابت الناس مجاعات شديدة في كثير من الأقطار

(225) Guide to Modern Wickedness . p . 153 .

(226) Guide to Modern Wickedness . p . 180 .

(227) Guide to Modern Wickedness . p . 180 .

(228) حرب منافسة وطمع اشتركت فيها فرنسا واسبانيا وإنجلترا وهولندة لتناول غنائم انتقصت فيها أطراف النمسا وممتلكاتها ونشبت على أثر وفاة فريدريك ملك النمسا وجلوس ابنته ماريا تيريزا على العرش بوصيته ورضا الدول سنة 1740 وانتهت سنة 1748 .

(229) حروب اشتركت فيها فرنسا وروسيا وسويدن وأكثر إمارات الدول الألمانية وبروسيا وانجلترا حماية لبعضها ، واعتداء على بعضها ابتدأت سنة 1756 وانتهت سنة 1763 .

(230) Guide to Modern Wickedness . p . 191 .

(231) Guide to Modern Wickedness . p . 241.

(232) Guide to Modern Wickedness . p . 261.

(233) Guide to Modern Wickedness . p .293.

(234) Guide to Modern Wickedness . p . 247 .

(235) Guide to Modern Wickedness . p .262 .

(236) Guide to Modern Wickedness . p .262 .

(237) ( Man the Unknown )

(238) المصدر السابق .

(239) المصدر السابق .

(240) المصدر السابق .

(241) تنقيحات ، مقالة أمم العصر المريضة ص 24 – 25 – 26 .

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22