عرض مشاركة واحدة
قديم 22-08-2012 ~ 11:04 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي هل تغير موقف الفاتيكان الدبلوماسي من القدس؟
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


هل تغير موقف الفاتيكان الدبلوماسي من القدس؟
إميل أمين

هل تغير موقف الفاتيكان الدبلوماسي من القدس؟ religion1.689768.jpg
هل تغير موقف حاضرة الفاتيكان من المدينة المقدسة «القدس» وهو الموقف الثابت منذ عقود طوال والرافض لفكرة سيادة الاحتلال الإسرائيلي عليها من جهة ولتهويدها منذ نشأة فكرة إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين؟ علامة استفهام بدأت في حقيقة الأمر تشغل بال كثير من المراقبين للعلاقات الفاتيكانية العربية والفلسطينية تحديدا من جهة، وعلاقة الكرسي الرسولي بإسرائيل من ناحية ثانية.. ما السبب الذي أدى إلى تصاعد موجة القلق الأخيرة؟ في أواخر شهر يناير (كانون الثاني) الماضي حدث تقدم جوهري على صعيد إنهاء الخلافات العالقة ماديا واقتصاديا بين إسرائيل والفاتيكان حول ممتلكات الكنيسة الكاثوليكية في الأراضي المقدسة، وقد اتفق الطرفان وقتها على أن يكون تاريخ الحادي عشر من يونيو (حزيران) الماضي، موعدا نهائيا لعقد لقاء في الفاتيكان للتوصل إلى اتفاق قانوني بشأن القضايا العالقة في هذا السياق.. ما الذي يطالب به الكرسي الرسولي بداية؟ بحسب ما يدور في أروقة وزارة خارجية الفاتيكان، وما هو كذلك معلن بالفعل، يطالب الكرسي الرسولي بالاعتراف التام والكامل بالحقوق القانونية والموروثة للمنظمات الكاثوليكية، وبتأكيد الإعفاءات الضريبية التي كانت تستفيد منها الكنيسة لدى إنشاء إسرائيل في مايو (أيار) 1948 والتي طلبت الأمم المتحدة من الدولة العبرية احترامها.
ومن المعروف أنه منذ عام 1999 استأنف الفاتيكان وإسرائيل مفاوضات لعقد اتفاق حول الممتلكات الكنسية والإعفاءات الضريبية والوضع القانوني للكنيسة الكاثوليكية، وعهد اتفاق عام 1993 إلى اللجنة المشتركة مهمة تسوية هذه المسائل وخصوصا في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في يونيو من عام 1967.
ومع حلول الموعد المتفق عليه أي يونيو الماضي، بدأت تسريبات كثيرة حول شكل الاتفاقية التي ينتوي الطرفان التوقيع عليها، ومعها بدأت المخاوف من أن تكون تلك الاتفاقية حاملة لأي إيحاءات بأن الفاتيكان قد غير موقفه والملتزم بالقرارات الدولية في ما يتعلق بوضع القدس.. ما موقف الفاتيكان الرسمي من الاحتلال الإسرائيلي للمدينة المقدسة وبخاصة الجزء الشرقي منها؟ من دون الدخول في لجة الوقائع التاريخية يمكن القول إن موقف الفاتيكان منذ عهد البابا بولس السادس (1963 - 1978) وحتى البابا بندكتوس السادس عشر، كان واضحا وقويا في رفضه للاحتلال الإسرائيلي للمدينة المقدسة، وقد سبق إعلان هذا الموقف في الاتفاق الذي تم توقيعه بين السلطة الفلسطينية والفاتيكان، فقد أعلن الطرفان أن حلا عادلا قائما على القرارات الدولية هو أمر أساسي لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط وأنه من غير المقبول أخلاقيا وقانونيا اتخاذ قرارات وأعمال من جانب واحد، تؤدي إلى تغيير الطابع الخاص للقدس، ولذلك طالب الطرفان بضرورة المحافظة على الوضع الخاص للقدس بضمانات دولية تضمن حرية الأديان والمساواة بين الأديان التوحيدية الثلاثة ومؤسساتها وأفرادها أمام القانون، وتأكيد الهوية الخاصة والطابع المقدس للمدينة وتراثها الديني والثقافي الذي يهم العالم أجمع.
والشاهد أنه إذا كان هذا هو حال التزام الفاتيكان فهل يمكن أن يتغير تجاه مؤسسة بهذا الثقل الروحي والأدبي على نحو ما يزعج الكثيرين من العرب والفلسطينيين؟ قطعا إن المخاوف هنا محورها أن يتضمن الاتفاق اعترافا بالوضع القانوني غير الشرعي الذي فرضته إسرائيل كقوة احتلال عسكري غداة احتلالها مدينة القدس في الخامس من يونيو عام 1967 على المناطق والكنائس المسيحية التابعة للكنيسة الكاثوليكية. هذه المخاوف عبر عنها البعض بطريقة رسمية بالفعل فقد تحدث السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية مبديا قلق الجامعة العربية من اعتزام الفاتيكان توقيع مثل هذا الاتفاق، وموضحا أنه مجحف بحق الشعب الفلسطيني، وبالقضية الفلسطينية وبحق القدس وسكانها من مسلمين ومسيحيين، ودعا الفاتيكان إلى ألا يخضع لأي ضغوط يتعرض لها من أجل تغيير موقفه اتجاه القدس. بدوره دعا نبيل شعث مفوض العلاقات الخارجية لحركة فتح إلى أن يؤكد الكرسي الرسولي موقفه التاريخي لصالح حقوق الشعب الفلسطيني بما يتفق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأوضح شعث أن سينودس الشرق الأوسط أشار في 2010 إلى سياسات إسرائيل غير القانونية التي تهدد السلام والوجود المسيحي في فلسطين.
والثابت أن الانزعاج الحادث من توقيع مثل هذا الاتفاق عما قريب قد دعا السلطة الوطنية الفلسطينية رسميا إلى تكليف وفد دبلوماسي عالي المستوى للذهاب إلى الفاتيكان ومقابلة المسؤولين هناك، ومن ثم التأكد من أن موقف الفاتيكان والكرسي الرسولي كان وما زال مع الحقوق الفلسطينية غير قابلة للتصرف، وتحديدا ما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وأن تأكيدات الكرسي الرسولي بأن لا تشمل الاتفاقية المرتقب توقيعها مع إسرائيل في المستقبل أملاك الكنيسة الكاثوليكية أو أي مؤسسات تتبع لها في القدس الشرقية. حتى هنا لم نستمع إلى التصريحات الرسمية الصادرة عن حاضرة الفاتيكان فماذا عن رؤية القائمين على الدبلوماسية الفاتيكانية هناك؟
في واقع الحال لم يتأخر الرد طويلا فقد أكد مفاوض الفاتيكان المونسنيور إيتوري باليستريرو أن موقف الكرسي الرسولي لم يتغير، بخصوص القدس الشرقية وذلك إثر جولة عمل جديدة للجنة المشتركة بين الفاتيكان والدولة العبرية. وأوضح أنه «منذ وقت معين، تقرر أن يتم التطرق في الاتفاق الذي سيوقع إلى بعض الأملاك فقط غير الموجودة في القدس الشرقية والضفة الغربية». وأضاف أن «البلبلة والقلق» في صفوف الفلسطينيين مردهما إلى الاستخدام غير المبرر لأداة عمل تم تجاوزها منذ زمن، وفي أي حال لا تزال في طور التبلور.
يلفت النظر في تصريحات المونسينيور باليستريرور أنه «يشدد على أن موقف الفاتيكان من القدس الشرقية لم يتبدل، وذلك تأكد في الاتفاق الأساسي بين الكرسي الرسولي، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتم تكراره في ظروف مختلفة وسيتكرر مجددا في الاتفاق الشامل مع منظمة التحرير الفلسطينية والذي هو الآن قيد الإعداد».. هل كان ذلك كافيا لإشاعة جو من التطمينات في الأجواء الفلسطينية التي ساورتها الشكوك وأزعجتها التسريبات الإعلامية غير الموفقة من قبل بعض وسائل الإعلام التي لم تتوخ الدقة والحذر في مسألة بهذا القدر من الحساسية والأهمية؟ ربما لقطع الطريق على أي التباس كان لا بد لمجلس رؤساء الكنائس في الأرض المقدسة من إصدار بيان لتوضيح حقيقة الأمور وقد جاء البيان بالفعل عن البطريرك فؤاد الطوال رئيس المجلس والبطريرك ميشال صباح رئيس لجنة العدالة والسلام.. ماذا عن أهم ما أشارا إليه ويمكن أن يقرر حقيقة مثل هذا الاتفاق دون تهوين أو تهويل؟
يلفت البيان الصادر عن الجهة الكنسية العربية الكاثوليكية التي هي قائمة على الأراضي المقدسة بالفعل إلى أن هذا الاتفاق ليس حدثت مفاجئا تقرر بين عشية وضحاها، ولكنه جزء من مسيرة طويلة ضمن بنود الاتفاق الأساسي المعقود عام 1993 بين الكرسي الرسولي وإسرائيل، وأن هذا الاتفاق بدأ الحديث فيه ومناقشته منذ عشر سنوات تقريبا، وأصبح الآن في مراحله الأخيرة. كما يلفت إلى أمر مهم للغاية وهو أنه لم يتم الاتفاق بعد على جميع النقاط، ما يعني أن الاتفاق ليس وشيكا كما يظن البعض، وأن اللجنة المشتركة ستعود إلى الاجتماع في يناير (كانون الثاني) 2013، وذلك بحسب بيان الكرسي الرسولي الصادر يوم 12 يونيو 2012.
والملاحظ أن بيان مجلس رؤساء الكنائس في الأرض المقدسة كان متيقظا للخوف الكبير الذي جثم على صدر المقدسيين أول الأمر وآخره، وبقية الفلسطينيين وسائر العالم العربي والإسلامي، والمتمثل في احتمالية أن تكون مثل هذه الاتفاقية تعترف ضمنا بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية المحتلة. ولهذا فإنها استدعت من التاريخ القريب 13 مايو (أيار) 2012 جزءا من نص رسالة وزير خارجية حاضرة الفاتيكان المطران مامبرتي والموجهة إلى السيد أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامية والتي قال فيها «إن الكنيسة في عنايتها الخاصة بالقضايا المالية لمؤسساتها، تطلب من إسرائيل أن تتعامل مع هذه المؤسسات بصورة عادلة حيثما وجدت إسرائيل عمليا، من غير تمييز بين إسرائيل الدولة ذات السيادة، وإسرائيل كسلطة احتلال، إذن من دون الدخول في الاعتبارات السياسية وهذا يعني من دون أن يكون لهذا الاتفاق أي تبعات سياسية..» ما خلاصة تلك التصريحات والبيانات؟
بحسب ما أشار إليه المونسينيور ايتوري باليستريرو في المؤتمر الصحافي الذي عقد في حاضرة الفاتيكان بتاريخ 12 يونيو الماضي أنه «ليس صحيحا أن الكرسي الرسولي بنقض اتفاقية جنيف المختصة بحماية المدنيين في زمن الحرب، وأن هذا الخلط وهذا الخوف نجما عن استخدام غير صائب لوثيقة عمل كانت في حالة الصياغة لم تكن نهائية، وهي الآن لاغية وحل محلها نسخة أخرى».
ويعن للباحث في شأن حاضرة الفاتيكان وتاريخ الكنيسة الكاثوليكية تحديدا أن يبحر في عمق الرؤية الفاتيكانية لإسرائيل الدولة والقدس المدنية، ويترك للقارئ أن يستنتج ما يعن له عن جوهر تلك العلاقة وبعيدا عن التصريحات الجوفاء. الثابت تاريخيا أنه عشية انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في الأول من مايو عام 1897 في بازل بسويسرا صدر عن الفاتيكان بيان جاء فيه «لقد مرت ألف وثمانمائة وسبع وعشرون سنة على تحقيق نبوءة السيد المسيح بأن القدس سوف تدمر، أما فيما يتعلق بإعادة بناء القدس، بحيث تصبح مركزا لدولة إسرائيلية يعاد تكوينها، فيتحتم علينا أن نضيف أن ذلك يتناقض مع نبوءات المسيح نفسه».
وفي عام 1904 توجه «تيودور هيرتزل» برسالة إلى الفاتيكان طالبا دعمه فرد عليه البابا بيوس العاشر بالقول نحن لا نستطيع أبدا أن نتعاطف مع هذه الحركة، أي الصهيونية، فنحن لا نستطيع أن نمنع اليهود من التوجه إلى القدس ولا يمكن أبدا أن نقره. لاحقا استقبل البابا بيوس العاشر تيودور هيرتزل في الفاتيكان، وقال له: لن أقبل أن تقع القدس وفلسطين في أيدي اليهود، وإنني أفضل أن أرى القدس تحت حكم المسلمين على أن أراها تحت حكم اليهود لأن اليهود لم يعترفوا بيسوع بن مريم.
وفي عام 1919 صاغ البابا بندكتوس الخامس عشر شعاره لا لسيادة اليهود على الأرض المقدسة، وأعلن الفاتيكان معارضته لوعد بلفور منذ صدوره، واستقبل البابا البعثة العربية الفلسطينية التي زارت الفاتيكان عام 1921 وتبنى رفض منح اليهود أي وضع مميز في فلسطين.
وفي عام 1946 أرسل الفاتيكان مبعوثا إلى واشنطن ليبلغ الولايات المتحدة أن الكاثوليك في العالم لا يمكن إلا أن يجرحوا في كرامتهم الدينية إذا سلمت فلسطين لليهود أو وضعت عمليا تحت السيطرة اليهودية.
ورفض الفاتيكان عام 1947 قرار تقسيم فلسطين وفي 1948 دعا البابا بيوس الثاني عشر في رقيم له إلى ضمانات دولية لضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة المنتشرة في كل إرجاء فلسطين، وليس في القدس فقط، وإلى حرية العبادة واحترام التقاليد والعادات الدينية، وجدد البابا دعمه لعرب فلسطين مسيحيين ومسلمين، فأسس في عام 1949 البعثة البابوية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، مستبقا خطوة الأمم المتحدة على هذا الصعيد، وثابر الفاتيكان في الوقت نفسه على رفض الاعتراف بقيام الكيان الصهيوني. على أنه وإن كانت قد جرت في قنوات العلاقات العربية الإسرائيلية والفاتيكانية لاحقا مياه كثيرة، إلا أن الكرسي الرسولي من الواضح أنه لم ولن يبدل موقفه من وضع القدس، لا سيما أن تلك المدينة المقدسة هي في صلب العقيدة المسيحية الكاثوليكية وليس على هوامشها.
* كاتب مصري

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22