عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2014 ~ 04:31 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي رد: تاريخ النصرانية في أوروبا
  مشاركة رقم 2
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012



الثورة على الكنيسة[1]


صكوكُ الغفران:

بدأ (مارتن لوثر) نشاطَه في مقاومةِ بابا (روما) (لويس العاشر) في الفترة (1517 ـ 1524)، عندما أصدرَ هذا البابا صكوكَ الغفران، وفوّضَ (يوحنّا تنزل) بتحصيلِ ثمنِ هذه الصكوكِ، لاحتياجِه إلى المالِ ليُكملَ كنيسةَ (القديسِ بطرس) وبعضَ الغاياتِ الأخرى، فكان (يوحنا تنزل) يمرُّ في الشوارعِ والطرقاتِ حاملاً منشورَ البابا، داعياً الجميعَ إلى اغتنامِ هذه الفرصةِ بشراءِ صكوكِ غفرانِ الخطايا، لغفرانِ الخطايا الماضيةِ والمستقبليةِ أيضاً!
وكانت هذه الصكوكُ ذاتَ فئاتٍ مختلفةٍ لغفرانِ مُددٍ مُختلفة (100 يوم ـ 400 يوم)، وكلُّ مدّةٍ لها ثمنٌ مُختلف!!.. فكان الشعبُ المسكينُ الذي استولتْ على عقلِه تلك الضلالاتُ الباطلةُ يُسرعُ إلى اختطافِ هذه الغفراناتِ من يدِ (تنزل) ودفعِ النقودِ اللازمة.
فابتدأ (لوثر) يُقاومُ هذا العملَ، ويُندّدُ بفسادِه تنديداً قاسياً، حتى بلغَ ذلك مسامعَ البابا، فدعاه إلى (روما)، فلم يُلَبِّ الدعوة، بل أجابَ البابا بتأليفِ كتابينِ، سمّى الكتابَ الأوّلَ " سبى الكنيسة البابليّ " وسمّى الكتابَ الثاني " كسر ختم المسيح الدجال "، فاحتدمَ البابا غيظًا، وبادرَ بحرمانِه من غفرانِ الكنيسةِ سنةَ 1526.. غيرَ أنّ (لوثر) لم يعبأ بالحرمِ، بل أحرقَ جهاراً على رؤوسِ الملأ، جميعَ المنشوراتِ البابويةِ الخاصةِ بذلك، وسْطَ تهليلِ أتباعِه واستحسانِهم.

الثورةُ اللوثريّة:

لما استفحلَ أمرُ (لوثر) وتعاظمَ خطرُه وكثُرُ أعوانُه، دعاه الإمبراطور (كارلوس) إلى (ورمس) وأعطاه الأمان، حيث كان مجتمعًا جمهورٌ غفيرٌ من الأمراءِ والأساقفةِ وأكابرِ الأكليروس، وطلبَ إليه أن ينبذَ تعاليمَه فأبى، وإذ رآه الملك مُصرًا على رأيِه، أطلق سبيلَه وأمرَ بإحراقِ مؤلفاته.
وقد ساند (مارتن لوثر) والى (سكسونيا) المدعو (فريدريك) و(أندراوس كولوستاد) و(فيليبس ميلانكتون) أستاذُ اللغةِ اليونانيةِ فى (ويتمبرج) وغيرُهم.
وقد تقوّى بملكِ (هيس)، الذي أباحَ له (لوثر) الزواجَ بزوجةٍ أخرى فوقَ زوجتِه التي كانت على قيدِ الحياة، وخلعَ (لوثر) ثوبَ الرهبنة وتزوّجَ مِن الراهبةِ (كاترينا)، فقد كانَ معترضًا على عدمِ زواجِ القساوسة، وأنَّ ذلك دونَ سندٍ من الكتابِ المقدّس.
و قد انتشرت أفكارُه، التي هاجمَ فيها السلطةَ البابويّةَ بسببِ فسادِها، كما هاجم فيها أحيانًا السلطةَ الزمنيّة (المدنيّة)، ممّا أدّى إلى ثورةٍ الفلاحينَ الجامحةِ على الإقطاعِ وعلى ابتزازِ الكنيسةِ لأموالِهم، حيثُ دعَوْا إلى شيوعِ الممتلكات، وحقِّهم في انتخابِ جميعِ الموظّفين والحكّام، وتقليلِ الضرائبِ وإعادةِ تحديدِ إيجاراتِ الأراضي الزراعيّة، فحدثتْ فوضى هائلةٌ، إلى أن قُمعت تلك الثورةُ نهائيًّا.. ومن الجديرِ بالذكرِ أنَّ (لوثر) نفسَه كانَ ضدَّ هذه الثورة، وضدَّ الشغبِ والخروجِ على سلطةِ الحكومات ـ ممّا أدّى لسخطِ جماهيرِ الثائرينَ عليه ـ فقد كانَ يرى أنّ الدولةَ تمتلكُ سلطةً إلهيّةً لحفظِ النظامِ وفرضِ الطاعةِ حتّى بإراقةِ الدماء، وأنّ على كلِّ إنسانٍ أن يعبدَ اللهَ بأن يبقى في وظيفتِه ومهنتِه، مهما كانتْ وضيعةً وبسيطة.
كما أدّتْ كتاباتُ (لوثر) إلى ظهورِ العديدِ من الحركاتِ الدينيّةِ ذاتِ العقائدِ الغريبةِ، كلُّ منها فسّرَ الإنجيلَ على حسبِ هواه، إذ دعا (لوثر) إلى أنَّ من حقِّ كلِّ إنسانٍ أن يُفسّرَ الإنجيلَ على حسبِ اعتقادِه الشّخصيِّ مهما كانتْ ثقافتُه، وذلك حتّى يُحرّرَ الناسَ من خضوعِهم لتفسيرِ البابويّة الخاصّ.
وقد بلغتِ الشيعُ التي قامت في حياتِه من بينِ تلاميذِه 34 شيعة، وربّما يكونُ عددُها قد وصلَ حاليًّا إلى ما يقربُ من ألفِ شيعة.. وقد كانَ لبعضِ هذه المذاهبِ اتّجاهاتٌ ثوريّةٌ سياسيّةٌ واجتماعيّة، مثلِ (اللامعمدانيّة).



[1] أنا أستفيدُ هنا ببعضِ المعلوماتِ الموجودةِ في موسوعة (قصّة الحضارة) للكاتبِ (ول ديورانت) ترجمة د. (عبد الحميد يونس)، المجلّد الثاني عشر (الإصلاح الديني) الصادر ضمنَ مكتبةِ الأسرة.. هذا بالإضافةِ إلى بعضِ الوثائقِ الإلكترونيّةِ، وقراءات أخرى حولَ تسلّلِ اليهودِ إلى العقيدةِ المسيحيّة.




  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22