الموضوع: في رحاب سورة يس
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-06-2014 ~ 07:38 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي في رحاب سورة يس
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


رحاب, سورة

سورة يس
"مكية، عدد آياتها: 83"
وهي تتضمن تسعة مجالس

تقديم

أما سورة "يس" فهي مدرسة أخرى تماما!

إنها سورة الدعوة والداعية! الداعية الذي عرف ربه فأحبه! عرفه بما تجلى عليه من أنوار الجلال والجمال، فانطلق يسعى حثيثا يحمل وهج الدعوة إليه، وتعريف الناس بما أنعم الله عليه من جمال المعرفة به جل جلاله! وليس كاسم الله الأعظم أدل على الله، ولا أبلغ في الكشف عن أنوار عظمته سبحانه جل علاه؛ ولذلك كانت هذه السورة تفيض بما لا ينحصر من تجليات الجلال والجمال، الصادرة عن الاسم الأعظم؛ لتزويد الداعية المخلص بما يملؤه يقينا في الله، ويعمره محبة في مولاه! ويجعله - قبل ذلك وبعده - يتحقق بمقام التوحيد الخالص، مشاهدة حسنى لا يضام فيها أبدا!

فالسورة تمد العارف الداعية إلى الله بمدد من الحكمة والمعرفة لا قِـبَلَ للسالكين به! إنها تفيض بمعاني الحياة بكل طبقاتها، وبكثير من أسرار الخلق والإحياء على اختلاف ألوانها وأشكالها، وإنها لتنبض بجلال القيومية، وبعظمة التقدير والتدبير؛ ما يجلي للعبد - من شؤون الربوبية - حقائق اليقين على منـزلة الشهود الكامل! فيسترخص دمه في طاعة الله ويهرق أنفاسه رجاء نيل رضاه!

تلك هي سورة يس، فمن أوتيها فقد أوتي خيرا عظيما وفتحا مبينا!

إنها سورة تمنح المتلقي لحقائقها منـزلةً خاصة من المعرفة بالله! وتجعله يعتلي مقاما من المشاهدات النورانية لا مثيل له! فمكابدتها تورث السائر إلى الله - جل جلاله - حقيقة المحبة! بل تورثه الفناء في بحارها، والغرق في أنوارها! فعبر مسالكها ارتقى شهيد المحبة إلى عين اليقين!

كانت رياح الشوق تحمله بأجنحتها إلى وطيس الصراع الدائر بين الحق والباطل، فجاء من أقصى المدينة يسعى ليدلي بشهادته النازفة! (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى!) فكان ثمنها إهراق دمه الْمَشُوقِ بحب الله! فنادى المرسَلين وهو يجود بدمائه الحرى: (إِنِّيَ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ!) وجاء الجواب من ملائكة الرحمن سريعا، جاءه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، مودعا عالم التراب الفاني: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ!) فلما رأى ما رأى ووجد ما وجد (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ!) قالها بعد استشهاده مباشرة، وهو ينطلق محلقا بأجنحته الخضراء في فضاءات الجنة العريضة! مشرفا من أعاليها على مَنْ خَلَّفَهُمْ تحت أدران التراب، من جموع الطغاة الجهلة بالله!

ثم ترتقي السورة بالسالك المحب عبر معارج المشاهدات والكرامات، ومباهج السياحات، لِيَتَمَلَّى بما أُذِنَ له من ملكوت الله العظيم، ويتغذى بالنظر في آيات الله الممتدة من دقائق الأنفس إلى عجائب الآفاق، وحركة النجوم السيارة والأفلاك الدوارة، المتفانية في عبادتها لله تسبيحا وتفريدا؛ بما يرسخ يقين المحب في محبوبه، ويذكي شوقه إلى لقائه! حتى إذا اكتملت له النعمة، وغمرته السكينة والرحمة، وشاهد من آيات الجمال والجلال ما بهر فؤادَه؛ خَرَّ قَلْبُهُ مسبحا بين يدي مولاه، فتجلى له نور الطابع الرباني، الخاتم لشهادة تخرجه من مدرسة المحبين، تلاوة تهدهد آلام أشواقه بوعد جميل: (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ!)

تلك كانت إشراقات من حقائق الإيمان، النابضة في سماء هذه السورة العظيمة([1]).

فما بقي الآن إلا أن نحاول تلقي إشاراتها وأنوارها. وذلك من خلال تسعة مجالس هي كما يلي:



[1]قد وردت أحاديث كثيرة في فضل سورة "يس"، وما لها من خصائص وبركات، لكن أغلبها ضعفه أهل الصناعة من علماء الحديث. إلا أن القرآن يشهد بنفسه على نفسه بفضله وعظمته. ونحن لا نستبعد أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أشار إلى شيء من ذلك - فيما يخص هذه السورة بالذات – فحض عليها حضا! خاصة وأن الكلام عنها قد ورد عن عدد من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، كما تداولته كتب الحديث والتفسير. وإن في هذا لدلالة كافية على تفردها وعظمتها!

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22