الموضوع: في رحاب سورة يس
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-06-2014 ~ 07:39 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي رد: في رحاب سورة يس
  مشاركة رقم 3
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


3- الهدى المنهاجي:


وهو ينقسم إلى ست رسالات، هي كالتالي:


- الرسالة الأولى:

في بيان العمق الغيبي للقرآن الكريم، وما فيه من حكمة ظاهرة، وأخرى خفية لا تظهر للناس، بل إنها لا تتجلى للعبد إلا بعد الشروع في العمل أو بعد الانتهاء منه، وربما تراخت عن ذلك زمانا! على سبيل الابتلاء؛ حتى يدخل العبد في العمل دخول المؤمن بالغيب، المسلم لله رب العالمين! ثم إن هذا القرآن - بما هو منـزل من لدن العزيز الرحيم، عالم الغيب والشهادة – يتضمن خريطة الحياة البشرية ماضيها وحاضرها ومستقبلها بدقة متناهية، لكنها خريطة في أغلب معالمها خفية! فهي تشرف على عالم الشهادة من عالم الغيب. وواجب على العبد المؤمن أن يستشرفها باتباعه الدقيق لتعاليم القرآن!


- الرسالة الثانية:

في ضرورة اقتناع الداعية برسالته قصدا ومنهجا إلى درجة اليقين. وذلك بتحقيق الاستيقان الشهودي بمصدرها الرباني؛ بما يجعله على إيمان راسخ متين بدعوته! وإلا فأي تذبذب يقع له في الإيمان برسالته؛ فإنه يكون قطعا من الفاشلين! وليس معنى هذا التذبذب في مطلق الإيمان، كلا، فقد يكون من المؤمنين الصالحين، وإنما المقصود التذبذب في حمل أمانته، وأداء وظيفته، والغفلة عن حقيقة نصرة الله لجنده، وعدم مشاهدة معيته! فتلك أمور متى غابت عن الداعية فشل في دعوته!


- الرسالة الثالثة:

في أن استبطان حقيقة النذارة لدى الداعية وتحمل أمانتها، أنشط له في العمل المتواصل الدؤوب، وفي إشعال جذوة الحماس في قلبه! وتلك هي حقيقة النبأ العظيم الذي جاءت به كل الرسالات! قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ!)(سورة فاطر: 24) ولنا من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصوير دقيق لحاله وهو يدعو الناس، تصوير فيه من الشفقة البالغة والرحمة الشديدة؛ ما يبين الوضع النفسي والإيماني الذي وجب أن يتحلى به المؤمن الداعية إلى الله إزاء مخاطبيه! فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه عليه الصلاة والسلام قال: (مَثَلِي كمَثلِ رَجُلٍ استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفَرَاشُ وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها! وجعل يَحْجُزُهُنَّ، ويَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فيها! فذلك مَثَلِي ومَثَلُكُمْ، أنا آخذُ بِحُجَزِكُمْ عن النار: هَلُمَّ عن النارِ! هَلُمَّ عن النارِ! فتغلبوني فتقتحمون فيها!)([1]). وفي رواية جابر: (وأنا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عن النارِ، وأنتم تُفْلِتُونَ من يدي!)([2]) ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (وإني أنا النذير العريان! فالنَّجَاءَ النَّجَاءَ!)([3])


- الرسالة الرابعة:

في أن انقطاع النذارة في بيئة ما، وتوارث أجيالها للجهل بالدين، يجعلها تدخل في غفلة شديدة، وتضرب في ظلمات من التيه، يصعب جدا التخلص منها، حيث تصير إلى التطبع العميق مع المنكر واستغراب المعروف! وتنتهي إلى حال انقلاب المفاهيم! مما يثقل مسؤولية الدعاة ويعقدها! ولذلك وجب مداومة النظر في معالم الآيات الدعوية من كتاب الله عز وجل؛ لمعرفة خصائص النفس البشرية: مَنْ له قابلية للخير ومن أغلق قلبه دونه، ثم ختم عليه بالضلال المبين، فلكل من هذين الصنفين علامات في كتاب الله. ثم إن على الداعية أن يستفيد من مناهج النذارة النبوية، خاصة في المراحل الأولى من دعوته عليه الصلاة والسلام؛ لتشابه أحوال التجديد بأحوال البدء والتأسيس. أعني في مثل هذه الظروف المذكورة، من انقطاع النذارة وتوارث الأجيال للجهل والضلال.


- الرسالة الخامسة:

في التنبيه على عدم الانشغال الكثير بمجادلة الطواغيت المستكبرين، من سَدَنَةِ الضلال وصُنَّاعِ الفجور وحماة المنكر، إلا على سبيل إقامة الحجة. وإنما يجب الاهتمام الأكبر بأهل التواضع من المستضعفين، وجموع الحيارى الغافلين، الباحثين عن الحقيقة، ممن إذا عَرَّفْتَهُ بالله وقعتْ في قلبه خشيته! وانقاد للحق؛ فكان من المهتدين بإذن الله.


- الرسالة السادسة:

في أن قضية البعث والحساب وما تضمنه اليوم الآخر من حقائق إيمانية، هي أهم قضية - بعد الإيمان بالله - وجب على الداعية أن يجعلها أساس خطابه ومناط نذارته! فالمصير الأخروي هو قضية القرآن الكبرى، فهو الأصل وأما ما سواه من الوعود الدنيوية – من صلاح المعاش ورغد العيش - فإنما هو تَبَعٌ، وليس مقصودا للقرآن دعويا إلا على سبيل الابتلاء! وعدم التزام الخطاب الدعوي بهذه المراتب قَلْبٌ لموازين القرآن! ففي غزوة الخندق كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يَرْجُزُ بصوت عال: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة!)([4]) وكان أول بيانه لقريش - وهو واقف على الصفا خطيبا - قوله صلى الله عليه وسلم: (إني نذيرٌ لكم بين يَدَيْ عذاب شديد!)([5])


4- مسلك التخلق:

لتحقيق الداعية اليقينَ بدعوته وجب عليه الاستمداد الدائم من حقائق الغيب، مما أحكمه الله في كتابه، وقراءة كل ما يقع من حوادث هذا العالم من خلال منظاره. والتزود من مراتب العلم بالله ما يملأ قلب العبد خشية، ويجعله مهموما ببلاغ النذارة! وإنما تحصل مراتب العلم بالله تدرجا؛ وذلك بالتدبر الدائم لكتاب الله، والدخول في صالح الأعمال من خالص العبادات! مع الاقتداء في كل ذلك بأسوة الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل أحواله في سنته وسيرته نصب العين أبداً.


وأما النذارة الواقعة من خطاب الداعية، فلا يمكن أن تكون ذات تأثير، إلا إذا صدرت عن قلب تَمَلَّكَهُ الخوفُ حقيقةً من الله جل جلاله! أما تَصَنُّعُ ذلك وتَكَلُُّفُهُ فلا تُرجى منه فائدة دعوية! ومن هنا فالمسلك العملي للتحقق من ذلك خُلُقاً خالصا، هو التعرف على مقام الله العظيم، ومشاهدةُ الآيات المعرفة بِقَدْرِهِ تعالى وعظمةِ سلطانه! قال جل جلاله: (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ!)(سورة إبراهيم: 14) وقال سبحانه: (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَاْلأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾(سورة الزمر: 67)


كما يتم ذلك بالمطالعة الدائمة لحقوقه - جل جلاله – المترتبة على عباده؛ بما نالهم منه تعالى من النعم التي لا تحصى! ثم ما وقعوا فيه – بدل الشكر - من العصيان لأمره ونهيه! والشرود بعيدا عن صراطه المستقيم! ثم على العبد تطبيق ذلك كله على نفسه، وإخضاعها لمقاييسه؛ ليرى حجم تقصيره في حق ربه، وعظمة ذنبه وكثرة خطيئاته، وما بَاءَ به من هذا وذاك؛ فذلك كله أدعى لتحقيق الخوف من مقام الله العظيم! وأرجى للداعية في التحقق بخطاب النذارة من دعوته، خُلُقاً مخلصا لله الواحد القهار! فما يصدر عنه آنئذٍ إلا نذير خالص تتخلله الزفرات الصادقة والآهات المكابدة! قال تعالى في حق خليله إبراهيم عليه السلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ!)(سورة التوبة :114)


[1] متفق عليه.

[2] رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

[3] متفق عليه.

[4] متفق عليه.

[5] متفق عليه.

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22