عرض مشاركة واحدة
قديم 30-01-2012 ~ 05:33 PM
مزون الطيب غير متواجد حالياً
افتراضي شبه نسبة المكر إلى الله | الأستاذ عبد الرحيم الشريف
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية مزون الطيب
 
الله اكبر
تاريخ التسجيل : Jan 2012


تزعم تلك الصفحات إلى أن القرآن الكريم يعني بنسبة المكر إلى الله
: المخادَعَة، وهذا جهل بمعاني اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، ودليل ضعف أدوات بحث منتقدي القرآن الكريم من غير المسلمين.




أصل المكر الالتفاف، والمكر شجر ملتف.( )
وحقيقة المكر في اللغة: صرف الآخَر عما يقصده، بحيلة.
وهو ضربان: مكر محمود، بأن يتحرى بذلك فعلَ جميلٍ، مثال ذلك قوله تعالى: " وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " [آل عمران: 54]. والضرب الثاني: المذموم، وهو إن قصَدَ فعل قبيح، ومثال ذلك قوله تعالى: " وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ " [فاطر: 43]. وقال في الأمرين: " وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ " [النمل: 50].( )
وقوله تعالى: " وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " [آل عمران: 54] المكر هنا هو قصد الإضرار بالآخَر على هيئة تخفى عليه، أو تلبيس فعل الإضرار بصورة النفع. ومكر اليهود هنا: تدبيرهم لأخذ المسيح ?، وسعيهم لولاة الأمور لأخذه. ومكر الله بهم: تمثيل لإخفاق مساعيهم رغم أنهم ظنوا نجاحها. وهو هنا مشاكلة( ). ومعنى: " وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " أقوى المدبرين في الخفاء، عند إرادة مقابل مكرهم بخذلان ذلك المكر رغم توفر كل أسباب نجاحه المادية.( )
وقوله: " أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ " [الأعراف: 99] فالمراد بالمكر هنا: إتيان العذاب بغتة وهم آمنون، راكنون إلى أسباب قوتهم المادية. والمراد بالآية الكريمة تحذيرهم بعدم الاعتماد على الأسباب المادية دون الاعتصام بحبل الله ?.
وسمي العذاب المباغت مكراً: توسعاً؛ لأن الواحد إذا أراد المكر بعدو، فإنه يوقعه بالبلاء دون أن يشعر به.. ولا يأمن ذلك العذاب المباغت إلا الخاسرون الذين بغفلتهم وجهلهم لا يعرفون قدرة ربهم فلا يخافون معصيته.
ومَن هذا سبيله، فهو أخسر الخاسرين في الدنيا والآخرة، فقد أوقع نفسه في الدنيا بالضرر، وفي الآخرة له أشد العذاب.( )
ومثله قوله تعالى: " وإذا وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا.. " [يونس: 21]. " قوله: " إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ " أي في الطعن فيها وعدم الاعتداد بها، والاحتيال في دفعها.. وقوله: " قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا " أي أعجل عقوبة، أي عذابه أسرع وصولاً إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق. وتسمية العقوبة مكراً؛ لوقوعها في مقابلة مكرهم وجوداً أو ذكراً ".( )
ومن معاني المكر في تلك الآيات: مجازاتهم على مكرهم، كما قوله تعالى: " اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ " [البقرة: 15]، أي: يجازيهم على استهزائهم.( )
هذه ثلاثة أمثلة على ئلآيات الكريمة التي استشهدوا بها في نسبة المكر إلى الله ? بمعنى المخادعة( )، تبين منها أن المراد غير ذلك.. ومن عجيب أمرهم أنهم يكثرون من النقل من كتب المفسرين عند ذكر الإسرائيليات، ويتوسعون في نقل أخطاء المفسرين ـ البشر ـ العلمية.. ولكنهم في تفسير معنى المكر، لم يرجعوا إلى تفسير واحد !!
والأعجب منه، أنهم لا يتحرجون من استخدام ذات التعبير الذي انتقدوا القرآن الكريم عليه، للدفاع عن أحد أهم أصول عقيدتهم (الصلب).
جاء في صفحة (هل صلب المسيح حقاً ؟):
" لقد مكر اليهود وخططوا لإهلاك المسيح؟ ونجحت خطتهم إلى حين. ولكن مكر الله كان خيراً من مكرهم إذ قام المسيح حياً في اليوم الثالث؟ ثم بعد أربعين يوماً ارتفع إلى السماء. إذاً لم يكن مكر الله باليهود برفعه وإنقاذه من أيديهم؟ لأن مثل هذا التأويل يتناقض مع الحقائق التاريخية المختلفة والحجج المنطقية والبينات القرآنية التي استقينا منها أدلتنا؟ إنما كان ببعثه حياً. هكذا مكر الله بهم وأحبط خطتهم بعد أن ظنوا.. أنهم بقتل المسيح وصلبه قد تخلصوا منه نهائياً. لم تكن قيامة المسيح انتصاراً على خطة اليهود فقط بل كانت انتصاراً على الموت أيضاً ".
إنَّ هذا دليل على أن الفطرة ـ إن تنحَّى عنها الهوى جانباً ـ تقبل المشاكلة، وتعدها أمراً عادياً، ولا ترى حرجاً في استعمالها.. ولكنه الحقد والتحامل على الإسلام، وعدم الموضوعية، مضافاً إليه الجهل بأساليب البيان في اللغة العربية، والعجز عن إيجاد طعن حقيقي في بلاغة القرآن الكريم.
كما يُلاحِظ المتتبع لنسبة المكر إلى الله ? في القرآن الكريم ـ وخاصة في الأمثلة التي ساقوها ـ، أنه لن يجدها إلا في مقابلة مكر الآخرين، ولهذا لا يُعد مكر الله ? من صفاته سبحانه وتعالى.
ب) نسبة صفة الكبرياء إلى الله
يزعمون أنه لا ينبغي لله ? أن يتصف بهذه الصفة، بل يجب أن يكون متواضعاً !
في البداية يجب معرفة سبب تحريم التكبر على البشر.. ذلك " لأن الكبر والعز والعظمة والعلاء لا يليق إلا بالملك القادر. فأما العبد المملوك العاجز الذي لا يقدر على شيء، فمن أين يليق بحاله الكبر ؟ فمهما تكبر العبد، فقد نازع الله تعالى في صفة لا تليق إلا بجلاله.. فالخلق كلهم عباد الله، وله العظمة والكبرياء عليهم، فمن تكبر على عبد من عباد الله، فقد نازع الله على حقه ".( )
فالكبر المذموم عند البشر هو: أن يرى نفسه فوق الآخَر، في صفات الكمال.( ) ومن يحاول ذلك يسمى مستكبراً. وهنا ملحظ دقيق: وهو الفرق بين الاستكبار والكبر. فالأول: طلب الكبر من غير استحقاق، والثاني: قد يكون موجوداً باستحقاق. ولهذا جاز في صفة الله ، ولا يجوز: المستكبر.( )
ولما كانت صفات الله ? وأسماؤه الحسنى توقيفية، كان لزاماً أن يبين لنا تلك الصفة، فلا سبيل لمعرفتها إلا بالقرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة..
قال تعالى: " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ " [الحشر: 23].
" واعلم أن المتكبر في حق الخلق اسم ذم؛ لأن المتكبر هو الذي يظهر من نفسه الكبر، وذلك نقص في حق الخلق؛ لأنه ليس له كبر ولا علو، بل ليس معه إلا الحقارة والذلة والمسكنة. فإذا أظهر العلو كان كاذبا، فكان ذلك مذموماً في حقه. أما الحق سبحانه، فله جميع أنواع العلو والكبرياء، فإذا أظهره فقد أرشد العباد إلى تعريف جلاله وعلوه، فكان ذلك في غاية المدح في حقه سبحانه. ولهذا السبب لما ذكر هذا الاسم قال: " سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ". كأنه قيل: إن المخلوقين قد يتكبرون ويدعون مشاركة الله في هذا الوصف، لكنه سبحانه منزه عن التكبر الذي هو حاصل للخلق، لأنهم ناقصون بحسب ذواتهم. فادعاؤهم الكبر يكون ضم نقصان الكذب إلى النقصان الذاتي، أما الحق سبحانه فله العلو والعزة، فإذا أظهره كان ذلك ضم كمال إلى كمال، فسبحان الله عما يشركون في إثبات صفة المتكبرية للخلق ".( )
قال رسول الله ? فيما رواه أبو هريرة وأبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنهما ـ: " الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ".( )
فهو المتكبر فعلاً لأنه: " المستحق لصفات التعظيم، والذي يَكبر عن كل سوء، والمتعالي عن صفات المحدَثين، المتعظم عما لا يليق به ".( )
بهذا يتبين أن الكبرياء لله تعالى صفة كمال، يستحيل وجود شريك له فيها كما لا شريك له في الخلق والإحياء والإماتة.. لا إله إلا هو، سبحانه عما يشركون.
ولنقارن صفات الله ? ذي الجلال والإكرام في القرآن الكريم، بصفات الرب في الكتاب المقدس الذي وصفوه بصفات لا تليق بأفسق الناس( ). فهو يأمر بالسرقة (الخروج: 12/35)، ويغدر بنبيه موسى ليقتله غِيلة لولا شفاعة زوجته (خروج: 4/21)، ويمسك القاذورات (فضلات الإنسان) بيديه ويلطخ بها وجوه الكهنة (ملاخي: 2/3)، ويحلق شَعر رجليه بموس مستأجرة إشعيا: 7/20)، يمشي حافياً عرياناً وينوح ويلول كالنساء (ميخا: 1/8)، ويستيقظ وعيناه تدمعان كسكِّير (مزامير: 78/65)، يركب حماراً دون علم صاحبه، أي: سرَقَه (متى: 21/1-10)، ويلبس ثياباً قرمزية، ويستهزئ به سقطة الناس ويضربونه.. وهو لا يدفع الأذى عن نفسه (متى: 27/27-31)، ويأمر ببقر بطون الحوامل وقتل النساء والشيوخ والأطفال والبهائم (هوشع:13/16 ويشوع: 6/21-24 وصموئيل الأول: 15/3)، ونشر الأعداء بالمناشير (أخبار الأيام الأول: 20/3).
وكيفَ يُشاهَد الإله من الخلف ؟! هم يزعمون ذلك عن إلههم (تعالى الله عما يصفون علواً كبيراً): فموسى ينظر إلى أجزاء ربهم الخلفية، كما جاء في سفر الخروج [33/23]: " ثم أرفع يدي فتنظر ورائي وأما وجهـي فلا يُرى ".
ويُقطَعُ منه جزءٌ، ويُلقى في... وهو لا حول له ولا قوة: " ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حبل به في البطن " [لوقا: 2/21].
ويتسلَّى بالتصفير للذباب والنحل! كما قال إشعيا [7/18]: " ويكون في ذلك اليوم أن الرب يصفر للذباب الذي في أقصى ترع مصر، وللنحل الذي في أرض اشور "
لذا، هم آخر من ينادي بتنزيه الإله المعبود بحق، كونهم لا يفهمون معنى التنزيه الحقيقي؛ ففاقد الشيء لا يعطيه
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22