عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2014 ~ 04:31 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي رد: تاريخ النصرانية في أوروبا
  مشاركة رقم 3
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012



آثار عميقة[1]
أفكارٌ غريبة:

كانَ من الأفكارِ التي نشرها (لوثر)، أنَّ الإيمانَ وحْدَه لا الأعمالَ الصالحة، هو ما ينقذُ الإنسانَ، فكلُّ الأعمالِ هي قدرٌ جبريٌّ من الله، حيثُ يبدو أنَّ الإنسانَ عديمُ الإرادة، والخلاصُ في الإيمانِ الصادقِ بأنَّ المسيحَ قد افتدى جميعَ الناس!.. ويمكنُ أنْ نتخيّلَ كيف يمكنُ أن يبتهجَ المجرمونَ والمنحرفونَ لمثلِ هذه الفكرة!
عامّةً إنَّ شيئًا لم يتغيّر: فبدلا من ارتكابِ الخطإ والنجاةِ بالاعترافِ أو بصكوكِ الغفران، يمكنُ النجاةُ بالإيمانِ الخالصِ وحْدَه!
كما دعا (لوثر) أتباعَه إلى اللهوِ والرقصِ يومَ الأحد، ورأى أنَّ الرقصَ يعقدُ الصداقةَ بينَ الفتيةِ والفتيات!
وكان (لوثر) يتفاخرُ بنفسِه بأنه هو الذي أصلحَ الكنيسة، فقد قال "إنّي أقولُ بدونِ افتخار، إنّه منذُ ألفِ سنةٍ لم يُفسَّرِ الكتابُ أحسنَ تفسيرٍ ولم يُدركْ أحسنَ إدراكٍ أكثرَ ممّا فسّرتُه وأدركْتُه".

آثارٌ عميقة:

ظلَّ (لوثر) مُعاديًا ومقاومًا بابا (روما) مدةَ 28 سنة، وأنكرَ أكثرَ التعاليمِ الأرثوذكسيّة، وتشبّثَ بأكثرِ العقائدِ تشدّدًا في ديانةِ القرونِ الوسطى.
وفى أخرِ حياتِه مرضَ بالفالج وتُوفّيَ في 18 نوفمبر سنة 1546م.
وكادَ (لوثر) أن يصبحَ في تعصّبِ محكمةِ التفتيش، بيدَ أنَّ أقوالَه كانتْ أغلظَ من أفعالِه، وأدينَ تاريخيًا بأنّه كتبَ مقالاتٍ انطوتْ على أقذعِ الألفاظِ في تاريخِ الأدب، وعلّمَ ألمانيا كراهيةً لاهوتيّةً صبغتْ أرضَها بلونِ الحقدِ الأسودِ مئةَ عامٍ عقبَ وفاتِه.
وقد أدّتْ أفكارُ (لوثر) إلى قيامِ حروبٍ دمويّةٍ كثيرة، سُفك فيها دماءُ ما ينوفُ عن مئةِ ألفِ نفسٍ، وخربتْ فيها سبعُ مُدنٍ ومئةُ ديرٍ، وأحرقتْ ثمانمئةُ كنيسة.
وقد أثّرتْ أفكارُه تأثيرًا بطيئًا وغيرَ مباشرٍ على الفلسفة: على يقينيّةِ (كانت)، وقوميّةِ (فيخته) ومذهبِ (شوبنهاور) في الإرادةِ، واستستلامِ الروحِ للدولة عند (هيجل).
يمكنُ القولُ بأنَّ حركةَ الإصلاحِ الدّينيِّ التي بدأها (مارتن لوثر) هي نقطةُ انقلابٍ في تاريخِ البشريّة، فقد أدّتْ تبعاتُها في النهايةِ إلى تقليلِ دورِ الكنيسةِ في الحياةِ السياسيّةِ، وبالتالي تقليلِ دورِ الدينِ في حياةِ الشعوب، كما عمِلَتْ على ظهورِ الحركاتِ القوميّةِ في أوروبّا، للتّخلّصِ من سيطرةِ روما، كما حدثَ في (ألمانيا) و(إنجلترا).. ليسَ هذا فحسب، بل إنّها قد اقترنتْ بثورةٍ اجتماعيّةٍ على الإقطاع، كما توسّعتْ في استخدامِ المطبعةِ (كما سيردُ ذكرُه في الفصل التالي)، مّما مهّدَ لبدايةِ عصرِ الديمقراطيّةِ فيما بعد.

اليهود:

عانى اليهودُ في (أوروبا) قبلَ (لوثر)، وكانوا يُواجَهونَ باللعناتِ باعتبارهم مَن صلبَ المسيح، لذلك فهم يستحقّونَ طردَهم من (فلسطينَ) عقابًا لهم على ذلك.. ولكنَّ ذلك تغيّرَ تمامًا بعدَ مجيءِ (لوثر)، فقد نشرَ في كتابه "المسيحُ وُلِدَ يهوديًّا": "إنَّ الرّوحَ القُدسَ شاءتْ أن تنزلَ كلُّ أسفارِ الكتابِ المقدّسِ عن طريقِ اليهودِ وحدَهم.. إنَّ اليهودَ هم أبناءُ الربّ، ونحنُ الضيوفُ والغرباء، وعلينا أن نكونَ كالكلابِ التي تأكلُ ما يتساقطُ من فتاتِ مائدةِ أسيادِها"!!
وجاءت نقطة التحوّل الجوهريّة، عندما ضمّ (لوثر) توراة اليهود إلى الكتاب المقدّس تحت اسم العهد القديم، وعرف الإنجيل باسم العهد الجديد، فأصبح المسيحيون الأوربيون يقرأون التوراة، ويُبدون اهتماما أكبر باليهود، وبتغيير الاتجاه السائد المُعادي لهم في أوروبا.
ليس هذا فحسب، بل نجحَ اليهودُ كذلك، في خِضَمِّ كلِّ هذه التأويلاتِ للكتابِ المقدّسِ وكلِّ هذه العقائدِ والشّيع، في التسلّلِ إلى العقيدةِ المسيحيّة، وأقنعوا معظمَ المسيحيّينَ أنَّ عودةَ المسيحِ لن تكونَ إلا عندما يستعيدُ اليهودُ بيتَ المقدس، ويحاربون أعداءَهم في معركةِ (هرمجدون)، وهو ما يؤمنُ به الشعبُ الأمريكيُّ حتّى الآن، مما يفسّرُ تعاطفَه وتأييدَه الجامحَ (لإسرائيل)، وكانتْ أمريكا قد اكتُشفتْ في تلكَ الفترة، وأدّتْ الحروبُ الدينيّةُ واضطهادُ البروتستانت إلى هروبِ عددٍ كبيرٍ منهم إلى العالمِ الجديد، بالإضافةِ إلى بعضِ المسلمينَ واليهودِ الذينَ فرّوا من محاكمِ التفتيشِ الإسبانيّة الكاثوليكيّة.



[1] أنا أستفيدُ هنا ببعضِ المعلوماتِ الموجودةِ في موسوعة (قصّة الحضارة) للكاتبِ (ول ديورانت) ترجمة د. (عبد الحميد يونس)، المجلّد الثاني عشر (الإصلاح الديني) الصادر ضمنَ مكتبةِ الأسرة.. هذا بالإضافةِ إلى بعضِ الوثائقِ الإلكترونيّةِ، وقراءات أخرى حولَ تسلّلِ اليهودِ إلى العقيدةِ المسيحيّة.





  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22