عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2014 ~ 07:27 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي
  مشاركة رقم 3
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012



الفصل الثالث
في الأرض

3/1 شكل الأرض:
استدارة الأرض حقيقة تنطلق بإعجاز من تعبير: "تكوير الليل على النهار، والنهار على الليل" كما جاء في سورة الزمر:
) خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ( [الزمر:5](1).
فما الذي يُكوَّر إن لم يكن جسما كرويا؟ والتكوير لغة: الَلي واللف وأصله من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها، فتشير الآية بذلك إلى جسم كروي يدور، فيحدث بدورانه الليل والنهار.
ومما يذكر أن من المفسرين المسلمين، مثل البيضاوي والرازي، من استنبط من نص هذه الآية أن الأرض كروية – قبل توافر الأدلة والبراهين العملية.
من المعروف أن الأرض كرة غير تامة الاستدارة بل هي بيضاوية بعض الشيء، ويتفق هذا الوصف مع ما جاء في سورة النازعات:
) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ( [النازعات: 30، 31].
ومن معاني الدحية: البيضة.
ومن ناحية أخرى أثبت العلم الحديث أن النسبة بين قطري الأرض تتناقص باطراد، وربما كان ذلك بيانا لما يشار إليه في القرآن بتعبير "نقص الأرض من أطرافها".
) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلآَءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ( [الأنبياء: 44](2).
) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ([الرعد: 41](3).
وفي تفسير آخر للمقصود بنقص الأرض من أطرافها يرى بعض العلماء أنه إشارة إلى تباعد القارات والذي بدأ منذ كانت القارات كلها – فيما يعتقد – وحدة واحدة، ثم انشقت عن بعضها في الزمن السحيق ونشأت بينها المحيطات الشاسعة واستمرت في التباعد بمعدل بطيء مطرد حتى يومنا هذا، كما أن الشواطئ تتأكل وتتناقص باستمرار نتيجة عوامل متعددة، وفسره السلف من المفسرين بأنه إشارة إلى اتساع ديار المسلمين نقصا من ديار الكافرين، والله أعلم.

3/2 حركة الأرض حول نفسها:
تشير آيات عدة، بعبارات دقيقة، إلى حركة الأرض المستمرة في دورانها حول نفسها، ويأتي القرآن بعبارات علمية محددة المعنى دقيقة المدلول كالآتي:
أ . من "سلخ النهار من الليل":
) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ( [يس: 37](4).
فالسلخ هو: إزالة غشاء من على سطح بفعل حركة تدريجية، الحركة هنا هي حركة الأرض، والغشاء السماوي المنير الذي ينسلخ بإدبار النهار وإقبال الليل هو: الغلاف الهوائي للأرض في الجزء الذي كان مواجها للشمس، فهذا الغلاف الجوي يتلقى ضوء الشمس فيشتته (بفعل ما يحمله من جزيئات وأيونات غازية) فينتشر في أنحائه وتضيئ السماء ويعم الأرض الضياء طوال النهار، حتى تدور بعيدا عن مواجهة الشمس وهكذا دواليك: ضياء ثم انسلاخ، ثم ضياء ثم انسلاخ، أي أن الأصل في الكون – كما بينته رحلات الفضاء – هو الظلام، أما النور فأمر عارض بفعل الغلاف الجوي وقدرته على نشر ضوء الشمس.
أ‌. من "إيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل":
) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ( [فاطر: 13].
)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( [لقمان:29].
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ([الحج:61].
) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( [الحديد: 6].
) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( [آل عمران: 27].
وهذا تعبير آخر غاية في الدقة عن: حركة الجزء المظلم من الغلاف الجوي رويدا "داخل" الجزء المنير (إيلاج الليل في النهار) مع إقبال الليل، ويقابلها العكس بالعكس (إيلاج النهار في الليل) في الجزء المقابل من الكرة الأرضية مع طلوع النهار.
وقد فسر البعض(4) تبادل إيلاج الليل والنهار بأنه إشارة إلى تبادل طول وقصر ساعاتهما بين الصيف والشتاء وحسب خطوط العرض؛ وهو تفسير بعيد بعض الشيء عن الدلالة المباشرة للنص.
ج. من "غشيان الليل النهار":
وشبيه بذلك أيضا وصف الليل بأنه: "يغشي النهار":
) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( [الأعراف: 54].
بينما الأقرب إلى تصور العامة أن ضوء النهار هو الذي يغشى الأرض عند ظهور الشمس. كما تشير هذه الآية إلى سرعة الحركة "حثيثا"؛ وهوما لا ندركه بحواسنا إذا راقبنا تتابع الليل والنهار، بينما تدور الأرض حقيقة حول نفسها بسرعة حوالي 1670 كم/ساعة.

د. من عبارة "التكوير":
) خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ( [الزمر: 5](1).
تشير هذه الآية (انظر 3/1) إلى كروية الأرض و دورانها حول نفسها.
هـ . من "حركة الليل والنهار في الفلك":
) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( [الأنبياء:33](2)
) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( [يس: 40](3).
الفلك: المسار. مسار الشمس معروف، سواء مسارها النسبي بحركة الأرض، أو مسارها الفعلي في مجرتها، ومسار القمر معروف كذلك في دورانه حول الأرض فما مسار الليل والنهار؟ مسار الليل والنهار ما هو إلا حركة الأرض المنشئة لتتابع الليل والنهار، ويؤكد ذلك أن الفعل "يسبحون" جاء بصيغة الجمع وليست بصيغة المثنى (للشمس والقمر فحسب!).
و . من "تجلية الشمس":
قال تعالى: ) وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا. وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا. وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا([الشمس: 1-4].
يتبادر للعامة أن الأرض ساكنة تشرق عليها الشمس كل صباح فيتجلى كل شيء، أي أن الشمس هي التي تُجلّى وتظهر كل شيء في النهار، ولكن الآية الكريمة تقول قولا آخر صريحا يتفق مع ما يعرفه العلماء: أن النهار (الناجم عن حركة الأرض) هو الذي يظهر الشمس ويجليها للناظرين، كما تعود الآية لتؤكد ما أشرنا إليه في الفقرة السابقة عن "غشيان الليل" للشمس: أي حجبها نتيجة حركة خارجة عنها.
وفي نفس المعنى أيضا قال تعالى:
) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ( [يونس:67].
ومثلها في سورة الإسراء:
) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ فَمَحَوْنَا ءَايَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ( [الإسراء: 12](1).
أي أن من على وجه الأرض المواجه للشمس نهارا يبصر الشمس حتى يدور بعيدا عنها – بالمعنى الحقيقي – وليس – كما ذهب بعض القدماء – كناية عن إبصار الناس للأشياء.
ز . من "الدحو":
) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ( [النازعات: 30](2).
فالدحو لغة: القذف من المقر مع المد والبسط والتوسيع في السطح، لابد أن ذلك قد حدث للأرض بصورة ما مع بداية انفصالها عن الشمس، وانطلاقها لتدور كالدحية حول نفسها – وقد أصبح شكلها بيضاويا بعض الشيء، لتظل مشدودة في دورانها حول ذلك الجرم الضخم (الشمس= 109 مرات حجم الأرض) دورتها السنوية، كما تدور حول نفسها مرة كل يوم وليلة.
ح . من "حركة الجبال":
) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ( [النمل: 88](3).
ذلك أن الأرض التي نحسبها ساكنة تتحرك؛ بما تحمله من جبال وأثقال؛ بسرعة 1670 كيلو مترا في الساعة حول نفسها، و53624 كيلو متر في الساعة حول الشمس، وقد انصرف ذهن الأقدمين في فهم هذه الآية إلى "حركة مستقلة" للجبال يوم القيامة، حيث وقعت هذه الآية (88) إلى (90) من سورة النمل التي تكرر فيها ذكر القيامة، ولكن التعبير الصريح في هذه الآية يتحدث عن "الإتقان" في خلق وحركة الأرض، وليس عما يعتريها من خراب وأهوال يوم القيامة، ويدل على ذلك أيضا ما جاء في الآية (86) التي تتحدث عن نعمة خلق الليل والنهار: ) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( [النمل:86](1).
جاءت في سياق آيات القيامة: تذكيرا للناس بنعم الله وفضله في الدنيا، وحسابهم عليها في الآخرة، وتكرُّر الانتقال بين مشاهد الآخرة وآيات الخلق أمر مألوف في البيان القرآني لربط الإيمان بالمشاهد المحسوس مع أنباء الغيب البعيد.
ط . من تعبير "المشارق":
) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ( [الأعراف: 137].
) رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ( [الصافات: 5](2).
) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ( [المعارج: 40](3).
فالمشارق بصيغة الجمع: تعبر عن اختلاف وتوالى المشارق على امتداد الكرة الأرضية نتيجة لدورانها، ولو كانت الأرض ثابتة لكان ثمة مشرق واحد ومغرب واحد – زمانا ومكانا – لكل الأرض.



3/3 باطن الأرض:
أشار القرآن الكريم – قبل نشأة الجيولوجيا والتعدين بقرون – إلى ما في داخل الأرض من معادن وثروات وطاقات مسخرة للإنسان: خليفة الله في الأرض، اقرأ قوله تعالى:
) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( [الحديد: 4](2).
) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ( [فاطر: 27].
) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ( [طه: 6](3).
ولعل ما جاء في سورة الزلزلة، في معرض الحديث عما يعترى الأرض من أهوال يوم القيامة، إشارة إلى ما يحمله باطن الأرض العميق من أثقال:
) إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا. وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ( [الزلزلة: 1، 2](4).
فمن أدرى محمدا صلى الله عليه وسلم بما في قلب الأرض من أثقال؟ إن غاية ما كانت تعرفه البشرية عما في باطن الأرض – في ذلك الزمان – هو ما قد يكون من بئر ماء هنا أو هناك.

3/4 مواد البناء:
أنبأ القرآن الكريم عن مصدر لمواد البناء استخدمته أمم سابقة، هو الطوب المحروق الذي يشكل من خامات الطَّفل ـ كطمي النيل أو الطفلة الصحراوية ـ ثم يحرق ليتماسك، وهذا مصدر لم يكن معروفا قبل القرن الماضي، إلى أن أثبتت الدراسات الأثرية ضمن الآثار المصرية القديمة مباني من اللَّبِن المحروق، التي يعتقد أنها قد شكلت أولا من طين مخلوط بالقشثم حرقت بعد ذلك حرقا ذاتيا ـ قبل أو بعد البناء، وأنى للعرب في الجاهلية أن يحيطوا بهذه الفنون، قال تعالى:
) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (. [القصص: 38].

3/5 الحديد:
اختص الله سبحانه وتعالى الحديد ـ دون سائر الفلزات والعناصر ـ بإشارات هامة في القرآن الكريم، منها سورة الحديد التي جاء فيها:
) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (. [الحديد: 25].
لقد أصبح الحديد العمود الفقري للمنشآت الهندسية وللحضارة، وتشير كل المؤشرات الجيولوجية والمتالورجية إلى أنه سيظل كذلك إلى ما شاء الله في هذا الكوكب الأرضي، والحديد في خاماته أكثر العناصر الفلزية القابلة للاستخلاص انتشارا (الألومنيوم كعنصر كيميائي في المركبات أوفر من عنصر الحديد، إلا أن الغالبية العظمى للألومنيوم في صورة مركبات ألومينوسليكات (مادة الطين) المستقرة صعبة الاختزال، ويصعب جدا لاعتبارات فنية واقتصادية وغيرها تحويلها إلى الفلز).
لا توجد خامات الحديد نقية في الطبيعة، بل تختلط ـ كغيرها من الخامات الفلزية ـ بالعديد من الشوائب، ولاستخلاص الحديد نقيا يتم أولا تركيز خاماته لفصل العديد من الشوائب، بغسلها بالماء والمحاليل المائية أو غير ذلك، لتطفو الشوائب على السطح وتفصل بعيدا عن الخام المركز، ويستكمل الاستخلاص بعد ذلك بتسخين الخام مع مادة مختزلة وإضافات مناسبة حتى ينصهر الخليط، فتنفصل الشوائب كطبقة من الخبث الذي يطفو فوق الفلز المصهور، ثم يسكب الخبث ليبقى مصهور الفلزنقيا، وقد صور القرآن كلتا العمليتين (غسل شوائب الخام، وفصل الخبث من الفلز) تصويرا صحيحا؛ معجزا لمن نزل فيهم بادئ الأمر، وشبه العمليتين تشبيها جميلا بفعل ماء السيل في إزالة الشوائب من وجه الأرض في الآية:
) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (. [الرعد: 17].
ينفرد الحديد عن سائر الفلزات في التنوع الشاسع في خواصه وخواص سبائكه، تبعاً لنسبة الكربون وعناصر الإشابة والمعالجة الحرارية والميكانيكية التي تجري عليه، من لدونة وسهولة في التشكيل ألواحا وأنابيب وأعمدة ومسامير وغيرها، إلى مرونة كالزنبرك، إلى صلادة الدروع وصلب العدة، وكلها "منافع للناس": آية بليغة معجزة من علم الله تحدى بها المكابرين منذ عصر البعثة إلى عصرنا الحديث.
بمعالجات حرارية معينة تكتسب سبائك الحديد والصلب لدونة وسهولة في التشكيل؛ وذلك ما هدى الله سيدنا داود عليه السلام إليه في قوله تعالى:
) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (. [سبأ: 10، 11].
سبائك الصلب خليط من الحديد مع عنصر أو أكثر. هذه العناصر المضافة تغير بنيته الداخلية فتجعله أكثر صلادة أو مقاومة للصدأ أو التآكل أو غير ذلك من خصائص نافعة مطلوبة، ويشير القرآن إلى ذلك الفن بوضوح في قصة ذي القرنين، عندما هداه الله إلى إضافة النحاس المصهور "القطر" إلى الحديد فأصبح صلدا مستعصيا:
) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا. إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا. فَأَتْبَعَ سَبَبًا ( [الكهف: 83، 84] ([1]).
ثم الآيات: ) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا. قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا. ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ ءَاتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا. فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (
[الكهف: 94ـ 97] ([2]).
تتميز الفلزات عادة باللدونة أي بقابليتها للتشكيل – في درجات الحرارة العادية أو بشيء من التسخين، إلا أنها إذا سخنت تسخينا شديدا ثم بردت تبريدا فجائيا تفقد الكثير من لدونتها فتصبح قصفة – تتكسر أو تتفتت أو تتشقق تبعا لشدة التبريد، وإلى ذلك يشير القرآن في قصة السامري الذي صنع لبني إسرائيل تمثالا عجلا من ذهب، فأمر موسى عليه السلام بتسخين التمثال تسخينا شديدا "حرقه" ثم تفتيته بالتبريد الشديد في الماء.
) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا( [طه: 97].

3/6 الجبال:
من الثابت أن للجبال دورا بالغا في تثبيت القشرة الأرضية، وكبح ما بداخلها من مصهورات وأبخرة؛ وفي موازنة تأثير الوديان وقيعان المحيطات، ولولاها لتعرضت الكرة الأرضية إلى اضطرابات لا يعلم إلا الله مداها أو منتهاها.
تتركب القشرة الأرضية من طبقة صلبة تمتد إلى عمق 30-40 كم، وهذه الطبقة هي التي نعرف عنها الكثير من خلال الدراسات الجيولوجية، ونستثمرها في تعدين الخامات، وبالقشرة الأرضية طيات وتصدعات تكونت نتيجة الانكماش الشديد للقشرة الأرضية أثناء تجمدها، وتمثل هذه الطيات والتصدعات مناطق عدم استقرار شديدة الحساسية لتحركات المصهورات والأبخرة في باطن الأرض، وهي مصدر الزلازل ومخارج البراكين، ومن هنا كان بروز الجبال – كامتدادات رأسية ثقيلة – معادلا ومخففا للإجهادات الناتجة عن هذه الطيات. تأمل الإشارة المعجزة إلى هذه التصدعات في عبارة: ) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ( [الطارق: 12].
ومن ناحية أخرى فإن دوران الأرض حول نفسها ثم دورانها حول الشمس في فلك مائل على محور الأرض بكل ما تحمله الأرض من أثقال ومصهورات ومناطق اضطراب، هذا الدوران أيضا كان كفيلا ببث الاضطراب في هذا الكوكب لولا دور الجبال ككتل موزعة هنا وهناك على امتداد القشرة الأرضية، ولنتأمل الآن تأكيد الذكر الحكيم لدور الجبال في ترسية الأرض:
) وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( [النحل: 15](1).
)وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ( [الأنبياء:31](2)) خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ( [لقمان: 10].

3/7 سماء الأرض:
وصفت السماء التي تعلو كوكب الأرض بأكثر من وصف علمي معجز منها: أنها طباق تملأ الفضاء، وليست مجرد لوحة مستوية أو قبة مرصعة بالنجوم والكواكب كما كان يتبادر للإنسان البدائي قبل الكشوف العلمية، وقد جاءت السماء في مواضع مختلفة للتعبير عن هذه الطباق المتعددة كما في قوله تعالى:
) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ( [الملك: 3](3).
) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا ( [نوح: 15].
) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ( [النبأ: 12].
) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ( [المؤمنون: 17](1).
وقد يقصد بالطباق هنا: طبقات الكون الفسيح بامتداد النجوم في المجرات، والمجرات في الفضاء اللانهائي(2) وهو ما نرجحه والله أعلم، وقد يقصد به طبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض(3).
سواء كان الغلاف الجوي هو المقصود بالطباق السبع، أو كانت سماء الكون على امتدادها هي المقصودة، وسواء كان الرقم "سبعة" مقصود لذاته أو كان كناية عن التعدد، فإن الحقيقة القرآنية قائمة وماثلة ومحققة: إن كل ما يعلو الأرض من سماء أو سموات إنما هو طبقات فوق طبقات. وصدق الله العظيم الذي وصف هذا التركيب العظيم المحكم "بالبناء":
)الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( [البقرة: 22].
)ءَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ( [النازعات: 27، 28].
)وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ( [النبأ: 12].
ومن الأوصاف الأخرى المعجزة للغلاف الجوي "السماء" وصفه بلفظ "ذات الرجع" أي ترجع بخار الماء مطرا، وترجع الأجسام بالجاذبية، وترجع الأمواج اللاسلكية بانعكاسها من طبقة الأيونوسفير، كما ترتد منها الأشعة الحمراء فتدفئ الأرض ليلا، وترجع بخار الماء من المسطحات المائية مطرا تكثف: ) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ( [الطارق: 11].
ومن الإعجاز أيضا وصف الغلاف الجوي "بالسقف المحفوظ": الذي تحفظه الأرض بالجاذبية – وللجبال في ذلك شأن طبقا لبعض الآراء – ليحفظ هو بدوره أكسجين الحياة؛ وثاني أكسيد الكربون اللازم لعمليات التمثيل الكلوروفيلي وتكوين الغذاء بالنبات؛ وبخار الماء لدورة المطر، ولولا حفظ الغلاف الجوي بالجاذبية لتسرب كل الهواء إلى الفضاء الخارجي، ولما كانت حياة – كما هو الحال في كثير من الكواكب: ) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ( [الأنبياء: 32](4).
الغلاف الجوي كذلك يحول دون تسرب الحرارة من الأرض إلى الفضاء الكوني الشديد البرودة حولها، وخلال الغلاف الجوي يتشتت ضوء الشمس ويتوزع، فنرى السماء مضيئة ويعم ضياؤها ربوع الأرض، بينما الفضاء الخارجي مظلم مظلم، تُرى فيه الشمس كمصباح بعيد معلق في ظلمة السماء، ومن آيات الغلاف الجوي للأرض أخيرا أنه يحفظها من الشهب التي تحترق خلاله، ومن الأشعة الكونية التي تهلك الزرع والضرع، وصدق الله تعالى في قوله:
) وجعلنا السماء سقفا محفوظا (.
وهذا الغلاف الجوي مستمر متصل لا انفراج فيه (إلا ما قد يطرأ عليه بسبب سوء استخدام البيئة كثقب الأوزون)، كما عبر بذلك قوله تعالى:
) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (
[ق: 6](1).
ولعل من الإشارات القرآنية إلى هذا الغلاف المتصل أيضا، في معرض الحديث عن أحداث يوم القيامة، الإشارة إلى كشط السماء، أو انشقاقها، أو انفطارها كما في الآيات:
) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ( [التكوير: 11](2).
) إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ( [الانشقاق: 1].
) إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ( [الانفطار: 1].

3/8 السحاب والمطر:
حدد التعبير القرآني في دقة بالغة مراحل نشأة السحاب وسقوط المطر، فيما يعرف باسم الدورة المائية، بصورة تقطع باستحالة أن تكون هذه المفاهيم نابعة من عقل بشر حين نزول القرآن. يحمل الهواء الجوي بخار الماء المنطلق من المسطحات المائية الشاسعة، محيطات وبحارا وأنهارا، ومن تنفس النبات والحيوان، وتزداد رطوبة الهواء أو تنقص حسب الظروف الحرارية والبيئية، حتى إذا بلغت حد التشبع ظهرت في صورة ضباب، أوتكثفت في صورة ندى أو صقيع، ولكنها لا تتجمع لتصير سحابا إلا إذا وجدت أنوية مشحونة بالكهرباء تتجمع حولها وتتكاثف، ولا يتسنى ذلك إلا بفعل الرياح: فالرياح هي التي "تثير" نوى التكاثف من سطح الأرض، أو بالاحتكاك بموج البحر. تأمل قوله تعالى في تأكيد أن الرياح هي التي تثير السحاب بادئ ذي بدء:
) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ( [الروم: 48](3).
) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ( [فاطر: 9](4).
ومرحلة إثارة السحاب – بتعبير الآيتين كما هو في الواقع – مرحلة مستقلة تسبق نشره في السماء وانتقاله من مكان إلى آخر، ثم تأمل الآية: )وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ( [الحجر:22](5).
والآية تحدد دور الرياح في تجميع "اللواقح" التي هي نوى التكاثف، ولقد فسرها الأقدمون خطأ بأنها تشير إلى حمل حبوب اللقاح للنبات، وذلك – وإن كان صحيحا علميا – ليس المقصود بالآية، التي تربط مباشرة بين التلقيح وبين إنزال المطر من السماء.
وللرياح دور آخر أساسي في تكوين السحاب المطير، هو تأليف السحاب المشحون بالكهرباء السالبة أو الموجبة، بعضه إلى بعض، فيتجاذب ويتجمع وينمو ليصبح "سحابا ثقالا" كما في الآيتين:
) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ( [الرعد: 12، 13].
ويلاحظ في هاتين الآيتين الترتيب الدقيق للأحداث:
(1) الشرارة المضيئة (البرق).
(2) ائتلاف السحاب الثقال.
(3) صوت الرعد.
وتأليف السحاب هذا قد نصت عليه الآية التالية المعجزة:
) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ ( [النور: 43](1).
والسحاب نوعان: نوع يمتد أفقيا "السحاب البساطى الطبقى"، وآخر يمتد رأسيا كالجبال "السحاب الركامى"، لم يدرك البشر ذلك الامتداد الرأسي لجبال السحاب إلا بالرصد بالطائرات وغيرها من وسائل الرصد الجوية الحديثة، ويميز التعبير القرآني – في بلاغة علمية معجزة للبشر عبر القرون قبل الاكتشافات الحديثة – بين النوعين بتعبيري: "يبسطه في السماء" للنوع الأول في آية (الروم: 48)، وتعبير "يجعله ركاما" للنوع الثاني في آية (النور: 43).
تحمل الرياح السحاب إلى أعلى فيبرد بخاره شيئا فشيئا، وذلك بفعل التمدد "بسبب تخلخل الضغط في طبقات الجو العليا"؛ وكذلك بتأثير الاقتراب من قمم الجمال الشاهقة الباردة، ويتجمد بخار الماء إلى ثلج كما يتجمد الماء المكثف إلى جَمْد، فتنشأ حبات البَرَد البلورية التي تتردد صعودا وهبوطا بفعل الشحنات الكهربائية وعوامل ميكانيكية، وفي أثناء ذلك تكتسب حبات البَرَد شحنات سالبة في بعضها وموجبة في بعضها الآخر، مما ينتهي بها إلى تجاذب شديد واتحاد، يصحبه تفريغ كهربائي مفاجئ يحدث وهجا شديدا هو "البرق"، وصوت فرقعة هو "الرعد"، وتؤكد آية (النور: 43) أعلاه الارتباط بين تكون البَرَد وبين شرارة البرق في السحاب الركامى ". . من برد فيصيب . . . . . يكاد سنا برقه يخطف بالأبصار" وهو ما أكده العلم الحديث.
بنمو حبات البرد تثقل إلى الحد الذي يجعلها تسقط إلى الأرض، لتصيب به من يشاء الله، أو تنصهر أثناء هطولها فتصير ماء منهمرا.
ولا يفوتنا هنا أيضا أن نلاحظ دقة التعبير في نزول الودق "المطر" من داخل السحاب " من خلاله"، وليس من سطحه السفلي المواجه للأرض كما يتبادر لمن لا يعلم.

3/9 الماء:
كلما تقدم العلم كلما استبان للإنسان حيوية الدور الذي يلعبه الماء في حياته، وأهميته لمستقبله، وها هو عصر التكنولوجيا – كما يقولون – يقف حائرا أمام مشاكل الجفاف والتصحر ومستقبل مصادر المياه، لقد أشار الخالق العليم إشارات علمية معجزة ومتكررة تتعلق بالماء، فالماء أساس الحياة لكل الكائنات على وجه الأرض، الإنسان والحيوان والنبات، وفي أعماق البحار "الأسماك والنباتات البحرية"، وفي جوف الأرض "البذور والجذور والبكتريا وديدان الأرض"، وفي عنان السماء "الطيور والحشرات"، فكل العمليات الحيوية داخل هذه الكائنات كالتنفس وتمثيل الغذاء وامتصاصه والتناسل والإخراج – إنما تتم في وسط مائي أو رطب كما قرر المولى عز وجل:
) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ( [الأنبياء: 30](1).
) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( [النور: 45](2).
المطر من السماء مصدر لكل مصادر المياه في الأرض فهو مصدر الأنهار ومصدر المياه الجوفية، ومصدر الينابيع، هذه الحقيقة التي لم يعرفها العلم الحديث إلا مؤخرا على يد بليسى عام 1570 م، سبق القرآن الكريم بها في الآية:
) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ ( [الزمر: 21](3).
بينما ظل البشر – حتى زمان قريب – يتخبطون في مصادر المياه الجوفية ومصادر الأنهار، التي ظنوها شيئا منفصلا عن مطر السماء، وحاروا أيضا في فهم حقيقة التعبير القرآني، وسادت نظريات هي أقرب إلى الخرافة منها إلى الحقيقة القرآنية التي أدركها البشر حديثا.
) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا ( [النازعات: 30، 31].
المصدر الأول للمياه على وجه الأرض هو ما تكثف فيهاعند نشأة الأرض، وظهر على هيئة مسطحات مائية لمحيطات وبحار بدأت بها دورةالتبخروالسحاب والمطر وهلم جرا، كما تنطق بذلك آيات سورة النازعات (انظر أيضا موضوع: شكل الأرض).
ومن المعارف التي أشار إليها القرآن الكريم أيضا: استحالة اختلاط مياه البحار بمياه الأنهار عند التقائهما في المصبات، كالتقاء نهر النيل بالبحر الأبيض عند كل من دمياط ورشيد، حيث كان (4) يشاهد خط فاصل يُرى رأى العين بين الماء العذب المحمل بالطمي وبين ماء البحر (الأزرق)؛ أو في أحوال أخرى عند التقاء نهرين مالح وعذب، كالتقاء نهرى "الكنج" و"الجامونا" في مدينة "الله آباد"، والتقاء نهرين يسيران متلاصقين، أحدهما عذب والآخر ملح، بين مدينتي "تشاتغام" ببنجلاديش و "أركان" ببورما، وكذلك عند التقاء بحرين مالحين مثلما يُرى عند التقاء مياه البحر الأحمر بمياه المحيط الهندي عند باب المندب، وترجع هذه الظاهرة إلى خاصية الانتشار الغشائي "الأسموزي" التي تدفع جزيئات الماء العذب إلى الانتشار "داخل الماء المالح وليس العكس" عبر السطح الفاصل بينهما "الحاجز أو البرزخ"، كما جاء في الآيات:
)وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا( [الفرقان: 53](1).
) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( [النمل: 61](2).
) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ ( [الرحمن: 19، 20].
ثم نوه الخالق العليم بحفظه للماء في هذا الكوكب الأرضي في دورة لا تنقطع:
) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ( [الملك: 30].
) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (
[المؤمنون: 18].
وهذه حقيقة قد كشف العلم الحديث مغزاها، فلولا الغلاف الجوي وما فيه من آيات مبهرات (انظر الغلاف الجوي) ودورة السحاب والمطر لضاع الماء في الفضاء ولأصبح كوكب الأرض – كبعض الكواكب الأخرى – جافا قاحلا، ولولا طبيعة الأرض التي تسمح صخورها بتخزين المياه الجوفية في خزانات شاسعة في باطنها لتسرب الماء وذهب بددا في الأعماق، وفي هذا الصدد أيضا تجدر الإشارة إلى معجزة بقاء ماء البحار والمحيطات دون تجمد، إذ يطفو الثلج المتجمد فوقها فيحفظ بقية الماء من التجمد، ويحفظ حياة الأسماك والأحياء البحرية، وتستمر فيه الملاحة، ويرجع ذلك إلى خاصية وهبها الله الماء – دون سائر المواد الأخرى – أن كثافته تقل بالتجمد "لا تزيد كغيره" أي أن كثافة الثلج أدنى من كثافة الماء السائل.
من حقائق العلوم أن هطول المطر يسبقه – كما أشرنا – تفريغ كهربائي في السحاب مصحوبا بالشرارة المعروفة باسم البرق، هذه الشرارة كانت كفيلة أيضا بإفساد الماء، بتكوينها لحمضي النتروز والنتريك نتيجة لاتحاد أكسجين ونتروجين الجو (إلى ثالث وخامس أكسيد النتروجين)؛ لولا المشيئة الربانية، ولعل ذلك تفصيل لقوله تعالى:
) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. ءَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ ( [الواقعة : 86 – 70]. والأجاج هو : الذي يلذع الفم بمرارته وملوحته.
ومن ناحية أخرى فإن دورة الماء بين البحار المالحة والبخار فالسحاب فالمطر تفصيل آخر لهذه الآية، فلو لم تتبخر مياه البحار بادئ ذي بدء لصار كل ما على الأرض في نهاية المطاف ماء أجاجا.

3/10 الأنهار:
تنبع الأنهار من الجبال، إذ يصطدم بها السحاب الذي تسوقه الرياح فيزداد برودة وينعكس إلى أعلى، حيث يبرد كثيرا بفعل الارتفاع في طبقة التروبوسفير (انظر الغلاف الجوي) وبفعل القمم الباردة فتسقط حمولة السحاب مطرا يسيل على سفوح الجبال، وكلما ارتفع الجبل وشمخ كلما تهيأ له أن يكتسي بالثلوج، التي يذوب أدناها أولا بأول ليزود الأنهار بنبع دائم للمياه. تلك الثلوج تكسو الجبال الشامخة، بما فيها الجبال الاستوائية، إلا أن الارتفاع الملائم أو المطلوب لتكوين الثلوج يقل كلما ابتعدنا عن خط الاستواء، فبينما تتجمع الثلوج هنالك ابتداء من ارتفاع خمسة كيلومترات أو أكثر؛ يقل الارتفاع المطلوب تدريجيا إلى 4 كيلومترات عند المدارين ثم إلى 2 كيلومترا عند خط عرض 50 ْ (شمالا أو جنوبا) حتى ينمحي تماما ابتداء من خط عرض 70 ْ حتى القطبين، أرأيت كيف يقترن شموخ الجبال بنبوع الأنهار؟ اقرأ قوله تعالى مشيرا إلى هذا الاقتران:
) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ( [المرسلات: 27](1).
وسبح بعظمة الخالق العليم: ) وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ ( [البقرة: 255].

3/11 البحار:
أثبتت البحوث الحديثة باستخدام تلسكوبات دقيقة أن أعماق البحار والمحيطات ليست ساكنة، بل تموج بأمواج وتيارات أظلم وأكثف مما بسطحه، وصدق الله العظيم في دقة وصف القرآن الكريم للبحر، عندما اتخذه مثلا لظلام العقول الجاحدة الكافرة في هذه الآية:
) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ( [النور: 40](2).
يعزى تكون البحار والمحيطات إلى ما حدث في قديم الزمان من تغير في شكل الأرض: من كرة تامة إلى شكل بيضاوي "دحوها"، صحبه انفصال القارات ثم تباعدها وامتلاء ما بينها بالمياه، وتتفق هذه الفكرة مع الآية التي تربط بين دحو الأرض وانتشار المسطحات المائية:
) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ( [النازعات: 30، 31].
يستخرج اللؤلؤ من البحار المالحة منذ القدم، أما المياه العذبة فلم يكتشف فيها اللؤلؤ وغيره من الأحجار الكريمة إلا حديثا، ليتأكد البشر من صدق ما قرره الوحي القرآني في قوله تعالى:
) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( [فاطر: 12](3).
) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ. فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ( [الرحمن: 19 – 22](4).
يوجد اللؤلؤ في أنهار عذبة في كل من انجلترا واسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا وغيرهما، كما يستخرج الماس من رواسب بعض الأنهار الجافة المعروفة باليرقة، كما يوجد الياقوت في الرواسب النهرية في "موجوك" في بورما العليا، وكذلك في سيام بالهند وفي سرى لانكا، كما يوجد التوباز في الرواسب النهرية بالبرازيل والأورال وسيبريا، وكذلك الزركون الذي تستخدم بعض رواسبه النهرية كأحجار كريمة.

3/12 الزراعة:
من الحقائق الجيولوجية الدقيقة أن التربة الطينية الساكنة، إذا ما
ابتلت بالماء تمددت إلى أعلى وتشققت، فيهتز أسفلها ويتحرك بجذور النبات وشعيراته، فانظر الدقة المعجزة في تطابق ذلك مع وصف الآية:
) وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(
[الحج: 5](1).
وما كان لدى الأقدمين وسائل لمراقبة التربة، وما يطرأ عليها من تغيرات دقيقة. الطين جسم مسامي من حبيبات مادة "الطفل" مع نسب مختلفة من حبيبات الرمل والجير وغيرها، وعند رى الأرض يتخلل الماء المسام ليملأها، حتى إذا فاض عن حاجتها اتسعت المسام بالماء الزائد فتمددت التربة من أسفل، فاهتزت اهتزازا لا تراه العين المجردة، وتشققت. تهتز الأرض كذلك بحركة الجذور والشعيرات الجذرية في كل اتجاه سعيا وراء الماء الذي جاءها بعد همود، كما تزداد حركة دودة الأرض وتتكاثر، ودودة الأرض هذه قد تصل أعدادها في التربة إلى 50000 في الفدان، ولها دور حيوي في تهوية التربة وفتح مسامها – وكذلك في دورة النتروجين بين الجو والتربة (انظر دورات الحياة)، كل ذلك يؤدي إلى اهتزاز التربة ونموها، ثم إلى نبت جديد.
تختلف التربة الزراعية في مكوناتها من حبيبات مختلفة وما بها من مواد عضوية وكائنات حية دقيقة تؤثر جميعا في قابلية الأرض للزراعة وفي جودة محصولها، وتختلف في ذلك من موضع إلى موضع، وهذا ما قرره القرآن الكريم في قوله تعالى:
) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( [الرعد: 4](2).
كما نوه القرآن بمزايا الأرض الزراعية المرتفعة "الروابى" التي كشفها العلم الحديث؛ حيث تزداد إنتاجيتها لبعدها عن المياه الجوفية مما يضاعف شعيرات الجذور الماصة للغذاء:
) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( [البقرة: 265](3).
وكذلك قد ثبت علميا أن القمح وغيره من الحبوب يتعرض للتلف في الهواء الجوي عند تخزينه طويلا، وذلك بفعل الرطوبة وغيرها، وقد وجد أن أنجح الوسائل لحفظه إبقاءه على السنابل، وهو ما قرره الهادي العليم في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، والذي أوحى إليه الله ذلك، عندما وُكل إليه أمر الزراعة في مصر – تحسبا لسنين جدب النيل المعروفة "بسنى يوسف":
) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ ( [يوسف: 47](4)

3/13 وسائل الانتقال:
في معرض حديثه عن تسخير الدواب في النقل أنبأ المولى عز وجل أنه سيسخر لنا المزيد من الوسائل التي لم يصل إليها علمنا بعد (ويخلق ما لا تعلمون).
) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ( [النحل: 8، 9] ([3]).

3/14 الوقود:
في القرآن الكريم أكثر من إشارة إلى العلاقة بين الشجر الأخضر وبين الطاقة أو النار، حيرت المفسرين القدماء، وهناك أكثر من اجتهاد علمي لتفسير هذه الآيات، وكل منها يؤكد إعجاز النص القرآني، وأقرب الاجتهادات إلى الحقائق العلمية المعروفة أن الشجر هو المصدر الأساسي للتكوين الجيولوجي للفحم وزيت البترول، ومنها أن الشجر الأخضر بالذات (أوراقه) بما فيها من مادة الكلورفيل هو الوحيد القادر على امتصاص طاقة الشمس (المصدر الأم للطاقة على الأرض) أثناء عملية التمثيل الضوئي، والتي تبني فيها خلايا الشجر من ثاني أكسيد الكربون والماء، لينمو قبل استخدامه وقودا بذاته، أو بصوره المتحولة بعد أجيال طوال كالفحم أو الزيت، والشجر الأخضر أيضا مصدر نوع "لا ينضب" من الطاقة المتجددة، وهو الوقود الحيوي، الذي يتم انتاجه من النباتات ومن الفضلات النباتية، وهو مصدر دائم متجدد بإذن الله:
) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ( [يس: 80 ] ([4]).
) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ. ءَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ ( [الواقعة: 71، 72].

(1) كوَّر الشيء: لفه على جهة الاستدارة (الوسيط)، وتكوير العمامة: لفها وجمها (اللسان) وهو تعبير عجيب يقسر الناظر فيه قسرا على الالتفات إلى ما كشف حديثا عن كروية الأرض . . . وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار. وهذا السطح مكور فالنهار كان عليه مكورا والليل يتبعه مكورا كذلك . . . واللفظ يرسم الشكل ويحدد الوضع، ويحدد نوع وطبيعة الأرض وحركتها (الظلال).

(2) هذه الآية من آيات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم فهي تشير إلى أن الأرض ليست كاملة الاستدارة، ولم يتمكن العلماء من قياس أبعاد الأرض بالدقة إلا منذ 250 سنة تقريبا، . . . وتبين أن نصف القطر الاستوائي أكبر من نصف القطر القطبي بحوالي 21.5 كيلومتر (المنتخب)، وانظر تفسير الرعد/41.

(3) تتضمن هذه الآية حقائق وصلت إليها البحوث العلمية الأخيرة، إذ ثبت أن سرعة دوران الأرض حول محورها وقوة طردها المركزي يؤديان إلى تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الأرض، وكذلك عرف أن سرعة انطلاق جزيئات الغاز المؤلفة للكرة الأرضية إذا ما جاوزت قوة جاذبية الأرض لها فإنها تنطلق إلى خارج الكرة الأرضية، وهذا يحدث بصفة مستمرة فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها، لا أرض أعداء المؤمنين، وهذا احتمال في التفسير تقبله الآية الكريمة (المنتخب).

(4) سلخ الجلد: كشطه ونزعه، وسلخ الله النهار من الليل: كشفه وفصله (الوسيط)، ونسلخ. . . نكشف عنه النهار، مستعار من سلخ الشاة (المفسر)، تعبير مصور للحقيقة الكونية أدق تصوير (الظلال)،... وفي الآية رمز إلى أن الأصل هو الظلام والنور عارض (الصفوة).

(4) بطول ساعات أحدهما (الشتاء والصيف) وقصرها في الآخر (المنتخب)، حسب الفصول والأمصار... (الصفوة).يدخل ساعات من الليل في النهار فيقصر الليل ويطول النهار، ويدخل ساعات من النهار في الليل فيطول (أيسر التفاسير).وسواء كان معنى إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل هو أخذ هذا من ذاك وأخذ ذاك من هذا عند دورة الفصول. . . فإن القلب يكاد يبصر يد الله وهي تحرك الأفلاك (الظلال)،

(1) انظر تفسير آية الزمر في الهامش ببداية الفصل.

(2) الفلك: المدار يسبح فيه الجَرْم السماوى (الوسيط)، والسباحة: العوم، وسبح الفرس مد يديه في الجرى (الوسيط)، والنجوم تسبح في الفلك: إذا جرت في دورانها (اللسان)، أي أن كل من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء (الصفوة). . . كما أن دوران الأرض حول محورها يجعل الليل والنهار يتعاقبان عليها كأنهما يسبحان (المنتخب).

(3) في (أيسر التفاسير) أنه: جيء بضمير الجميع وهما اثنان الشمس والقمر لا غير، لإفادة تعميم هذا الحكم فيشمل الكواكب أيضا، وذلك تأويل لا مبرر له لأن الجمع يشمل حركة الشمس والقمر والحركة النسبية لليل والنهار الناشئ عن حركة الأرض.

(1) روي في التفسير عن بعض السلف أن المراد بالمحو: اللطخة السوداء في القمر ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس فيتميز الليل عن النهار!!! (أيسر التفاسير).

(2) يقال: دحا الصبي المدحاة أي دفعها (الوسيط).

(3) تقرر هذه الآية أن جميع الأجسام التي تخضع لجاذبية الأرض مثل الجبال تشترك مع الأرض في دورتها: اليومية حول محورها والسنوية حول الشمس، . . . مما يبرهن أن هذا القرآن موحى به من عند الله (المنتخب)، قيل: إن قوله تعالى هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) خاصة أطلعه فيه على سر من أسرار الكون ولم يبح به لعجز الناس عن إدراكه في ذلك الزمن وحقيقته: أن الأرض تدور حول الشمس دورة في كل يوم وليلة، ودورتها هي تسير معها الجبال فيها قطعا،فيرى المرء الجبال يحسبها جامدة وهي تمر مع الأرض مرّ السحاب، والمرور غير السير، فالسير يوم الفناء أما المرور يقال: مرّ بفلان يحمله معه ولا يقال سار به. ورشح هذا المعنى قوله بعد (صنع الله الذي أتقن كل شيء) (أيسر التفاسير).

(1) ونسق العرض في هذه الجولة (أواخر سورة النمل) ذو طابع خاص، وهو المزاوجة بين مشاهد الدنيا ومشاهد الآخرة، والانتقال من هذه إلى تلك في اللحظة المناسبة للتأثر والاعتبار (الظلال).

(2) وللتعبير "المشارق" دلالة أخرى دقيقة في التعبير عن الواقع في هذه الأرض التي نعيش عليها كذلك. فالأرض في دورتها أمام الشمس تتوالى المشارق على بقاعها المختلفة – كما تتوالى المغارب...وهي حقيقة ما كان يعرفها الناس في زمان نزول القرآن (الظلال).

(3) إشارة إلى التعدد اللانهائي لمشارق الأرض ومغاربها. . . فالشمس في كل لحظة غاربة عند نقطة ومشرقة في نقطة أخرى تقابلها (المنتخب).

(2) ما يدخل فيها من مطر وأموات، وما يخرج منها من معادن ونبات وغير ذلك (الصفوة).

(3) ما تحت الأرض من معادن ومكنونات (الصفوة).

(4) وتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن . . . (الظلال).

([1]) يقول المفسرون أن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني (الصفوة ـ المفسر). اختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال. . . والظاهر أنه كان نبيا يوحى إليه وكان ملكا حاكما (أيسر التفاسير).

([2]) نحاسا مذابا (القطر) يتخلل الحديد ويختلط به فيزيده صلابة، وقد استخدمت هذه الطريقة حديثا في تقوية الحديد، فوجد أن إضافة نسبة من النحاس إليه تضاعف مقاومته وصلابته (الظلال).

(1) ماد الشيء: تحرك واضطرب (الوسيط)، وقال أبو العباس في قوله تعالى: "أن تميد بكم"، فقال: تحرك بكم وتزلزل، وفي حديث على : فسكنت من الميَدَان برسوب الجبال (اللسان).

(2) وهي رواسي ذات جذور ممتدة إلى أعماق كبيرة تتناسب مع ارتفاعها، فكأنها أوتاد. . . كما أثبت العلم الحديث أن أسفل الجبال دائما هش خفيف، وأسفل المحيطات توجد المواد ثقيلة الوزن وبذلك تتوزع الأوزان (المنتخب)، رواسي، أي جبال ثوابت كيلا تميد، أي تتحرك وتضطرب بسكانها (أيسر التفاسير).

(3) السماوات السبع لا يمكن الجزم بمدلولها، استقاء من نظريات الفلك، فهي قابلة للتعديل والتصحيح، كلما تقدمت الوسائل، ولا يجوز تعليق مدلول الآية بمثل هذه الكشوف،. . . ويكفي أن نعرف أن هناك سبع سماوات، وأنها طباق بمعنى أنها طبقات على أبعاد متفاوتة (الظلال).

(1) الطريق: السبيل يذكر ويؤنث (الصحاح)، وفي (اللسان) أطرق عليه الليل: ركب بعضه بعضا (اللسان)، وقد يكون المقصود هنا سبع مدارات فلكية، أو سبع مجموعات نجمية كالمجموعة الشمسية، أو سبع كتل سديمية. . . (الظلال).

(2) إن كان المقصود سماء الكون فلعل السموات السبع هي على الترتيب : 1- الغلاف الجوي للأرض، 2- الفضاء المحيط بالأرض الذي يسبح فيه القمر مشدودا بجاذبية الأرض وتابعا لها، 3- فضاء المجموعة الشمسية الذي تسبح فيه الكواكب حول الشمس، 4- المجال الذي تجري فيه الشمس بمجموعتها داخل المجرة، 5- الفضاء الذي تشغله مجرة درب التبانة متحركة في الفضاء الفسيح، 6- فضاء الكون المرئي بما فيه من آلاف المجرات، 7- الفضاء اللانهائي الذي لم تزل تنطلق فيه المجرات متباعدة عن بعضها موسعة للكون باطراد إلى ما شاء الله، أو لعلها سبع مجموعات تنتظم فيها آلاف المجرات مما نرى ومما لا نرى (المؤلف).

(3) إن كان المقصود بالطباق طبقات الغلاف الجوي فإنها تختلف عن بعضها البعض في الترتيب وفي تدرج درجة الحرارة بها. أدنى الطبقات هي التروبوسفير، التي تمتد فوق رؤوسنا حتى ارتفاع 10-12 كيلومترا، وفي هذه الطبقة الأولى تنخفض الحرارة باطراد مع الارتفاع. يعلو هذه الطبقة طبقتان يطلق عليهما مجتمعتين الستراتوسفير: الطبقة الأدنى حتى ارتفاع 20 كيلومترا تتميز بدرجة حرارة ثابتة بينما تزداد الحرارة مع الارتفاع في الطبقة الأعلى حتى ارتفاع 45-50 كيلومترا، أما الطبقة الرابعة "الميزوسفير" فتعود فيها الحرارة للانخفاض باطراد حتى ارتفاع 80-85 كيلومترا، وهنا ينعكس التدرج الحراري منذ بداية الطبقة الخامسة "الثرموسفير"، ومن خلال هذه الطبقة الخامسة تبدأ – إذا ارتفعنا قليلا فيها – طبقة جديدة تتميز بتأين كل ما فيها من غازات نتيجة التأثير الشديد – دونما حائل – للأشعة فوق البنفسجية من الشمس، ويطلق على هذه الطبقة السادسة: الأيونوسفير، وهذه الطبقة أيضا هي التي يبرز فيها تفاعل الأوزون، وبنهاية هذه الطبقة التي تمتد حتى ارتفاع 500 كيلومترا تأخذ الغازات تدريجيا في الندرة الشديدة إلى الفضاء المطلق، وتسمى هذه الطبقة السابعة: الإكسوسفير (المؤلف).

(4) والسماء تبدأ بالغلاف الجوي الذي يحمي الأرض من الشهب والنيازك والأشعة الكونية، وتحتفظ به الأرض بقوة الجاذبية (المنتخب).

(1) الفرج: الشق بين الشيئين (الوسيط) والخلل بين الشيئين (اللسان).

(2) كشطت: أزيلت ونزعت من مكانها كما ينزع الجلد عن الشاة (الصفوة).
(3) فتثير سحابا: بما تحمله من بخار الماء المتصاعد من كتلة الماء على الأرض (الظلال).
(4) تثيرها من البحار (الظلال).
(5) ولكن السياق هنا يشير إلى أنها لواقح بالماء دون سواه . . . وليس هناك ذكر ولو من بعيد للإنبات (الظلال)، سبقت هذه الآية ما وصل إليه العلم . . . كما لم يعرف العلم إلا في أوائل القرن الحالي أن الرياح تلقح السحاب بما ينزل بسببه المطر إذ أن نويات التكاثف . . . تحملها الرياح إلى مناطق إثارة السحاب، وقوام النويات أملاح البحار وما تذروه الرياح من سطح الأرض والأكاسيد والأتربة وكلها لازمة للمطر (المنتخب).








(1) الركام ما اجتمع من الأشياء وتراكم بعضه فوق بعض (الوسيط)، ووصف السحاب بالجبال الضخمة الكثيفة . . . كما يبدو لراكب الطائرة . . . تعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس، إلا بعد ما ركبوا الطائرات (الظلال)، وإذا لم تكن تلك الطائرات في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكون ذلك دليلا على أن هذا الكلام من عند الله العليم، كما تسبق هذه الآية ركب العلم، فإنها تتناول مراحل تكوين السحب الركامية وخصائصها . . . كما أنها وحدها التي تجود بالبرد وتشحن بالكهرباء . . . وقد يتلاحق حدوث البرق في سلسلة تكاد تكون متصلة . . . فيذهب ببصر الراصد . . . عين ما يحدث للملاحين والطيارين (المنتخب).

(1) تقرر (الآية) حقيقة علمية: أن الماء هو المكون الهام في تركيب الخلايا ولحدوث جميع التحولات والتفاعلات، ولكل وظائف الأعضاء (المنتخب)، هذا من أغرب معجزات القرآن، فإن العلم يقرر ذلك حرفيا (المفسر).

(2) الآية لم تسبق فقط ركب العلم في بيان نشوء الإنسان من النطفة بل سبقته كذلك في بيان أن كل دابة تدب على الأرض خلقت كذلك بطريق التناسل من الحيوانات المنوية. . . وكذلك أن الماء قوام تكوين كل كائن حي وأكثر ضرورة من الغذاء وأساس تكوين الدم وكل سوائل الجسم (المنتخب).

(3) الينبوع: عين الماء (الوسيط) من: نبع تفجر (اللسان)، ولم تعرف دورة المياه في الطبيعة إلا حديثا، حيث أن الفكرة التي كانت سائدة قبل ذلك كانت تقول إن ماء العيون والأنهار يتفجر من باطن الأرض آتيا إليه من حفر وآبار في قيعان البحار (المنتخب)، وقديما قال المفسرون في تفسير الآية: وهذا دليل على أن ماء العيون من المطر . . . قال ابن عباس: ليس في الأرض ماء إلا نزل من السماء، ولكن عروق في الأرض تغيره (الصفوة)، فسلكه: أي أدخله في الأرض وأخرجه منها ينابيع بواسطة حَفْر وبدونه (أيسر التفاسير).

(4) قبل بناء السد العالى بأسوان.

(1) البرزخ: الحاجز بين شيئين (الوسيط واللسان).
(2) إن هذا الحاجز ليس جسما غير الماء. إنما هو تفاوت الثقل النسبي لاختلاف أجزاء الماء المركب منها الماء المالح والماء العذب، فالحاجز حاجز من طعميهما وليس جسما آخر فاصلا بينهما.



(1) "رواسي شامخات": ثابتات سامقات تتجمع على قممها السحب، وتنحدر منها مساقط الماء العذب... (الظلال)، كشف القرآن عن حكمة وجود الجبال قبل . . . العلم الحديث (كالأوتاد)، ونعمة أخرى: نشوء السحب فوقها، وهطول الأمطار والثلوج عليها، فتتكون بسبب ذلك الأنهار والعيون، . . . فالجبال مخازن للثلوج والأمطار . . . فلهذا قرن تعالى بها نعمة المطر، فلله ما أبدع أسرار القرآن (الصفوة).

(2) تجمع هذه الآية أهم ظواهر عواصف البحار، فالمعروف أن عواصف البحار العميقة أو المحيطات تنطلق فيها أمواج مختلفة الطول أو السعة أو الارتفاع بحيث يبدو الموج منطلقا في طبقات بعضها فوق بعض، فيحجب ضياء الشمس لما تثيره هذه العواصف من سحب سميكة تحجب ضوء الشمس ويخيم معها الظلام في سلسلة من عمليات الإعتام، . . . ولما كانت نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم في البادية، فإن ورود الدقائق العلمية على لسانه وحيا من الله دليل على أن القرآن الكريم من عند الله، وعلى أنه معجزة هذا الرسول الكريم (المنتخب).

(3) بدهى أن بعض الحلى من البحر المالح، وقد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدرا للحلي أيضا ولكن العلم والواقع أثبتا غير ذلك؛ فاللؤلؤ يستخرج من صدفيات الأنهار في المياه العذبة، والمعادن العالية الصلابة كالماس . . . في رواسب الأنهار الجافة المعروفة باسم اليرقة . . . والياقوت . . . والأحجار شبه الكريمة للزينة: التوباز، والزركون . . . يقارب خواص الماس (المنتخب).

(4) قبل اكتشاف الأحجار الكريمة في الأنهار العذبة أوَّلَ المفسرون القدامى عبارة (يخرج منهما): أي من مجموعهما، الصادق بأحدهما وهو الملح (انظر أيسر التفاسير).

(1) "اهتزت وربت" وهي حركة عجيبة سجلها القرآن قبل أن تسجلها الملاحظة العلمية بمئات الأعوام، فالتربة الجافة حين ينزل عليها الماء تتحرك حركة اهتزاز وهي تتشرب الماء وتنتفخ فتربو . . . (الظلال).

(2) تشير الآية إلى علوم الأراضي والبيئة وأثرها على صفات النبات فمن المعروف علميا أن التربة الزراعية تتكون من حبيبات معدنية مختلفة المصدر والحجم والتركيب، ومن الماء . . . والهواء . . . ومن المادة العضوية التي يرجع وجودها إلى بقايا النبات والأحياء الأخرى التي توجد على سطح التربة أو في داخلها، وفضلا عن ذلك فتوجد ملايين الكائنات الحية الدقيقة لا ترى بالعين المجردة لصغر حجمها وتختلف أعدادها من عشرات الملايين إلى مئاتها في كل جرام من التربة السطحية الزراعية . . . فالأرض كما يقول الزراعيون بحق تختلف من شبر إلى شبر (المنتخب).

(3) في تعبير القرآن الكريم بكلمة ربوة وهي الأرض الخصبة المرتفعة إشارة إلى ما كشفه العلم الحديث، لأنها بارتفاعها تبعد عن المياه الجوفية فيغوص المجموع الجذري في التربة – من غير ماء يضره – ويتضاعف عدد الشعيرات الماصة فيتضاعف المحصول . . . (المنتخب).

(4) تتفق مع ما وصل إليه العلم أن ذلك وقاية له من التلف بالعوامل الجوية والآفات، وفوق ذلك يبقيه محافظا على محتوياته الغذائية كاملة (المنتخب).

([3]) ويخلق ما لا تعلمون . . . ليظل المجال مفتوحا في التصور البشري لتقبل أنماط جديدة من أدوات الحمل والنقل والركوب والزينة، فلا يغلق تصورهم . . . ولقد وجدت وسائل . . . لم يكن يعلمها أهل ذلك الزمان، وستجد وسائل (الظلال)، ويخلق لكم ما لا تعلمون من تسخير قوى البخار والكهرباء وغيرهما، وهذه من أغرب معجزات القرآن، فإن فيها تنبؤا صريحا بما اخترع في القرنين التاسع عشر والعشرين (المفسر)، وسيخلق ما لا تعلمون من وسائل الركوب وقطع المسافات، مما سخره الله لبني الإنسان، إذا استخدم عقله وفكر به واهتدى إلى استخدام كل القوى (المنتخب)، ما لا تعلمون: من سائر الحيوانات، ومن المركوب هذه السيارات على اختلافها والطائرات والقطر السريعة والبطيئة (أيسر التفاسير).

([4]) طاقة الشمس . . . في النبات بالتمثيل الضوئي في وجود الكلوروفيل (المادة الخضراء) تحول ثاني أكسيد الكربون إلى الكربوهيدات، ومنها يتكون الخشب. . . ومنه الفحم النباتي، ومنه يتكون الفحم الحجري بالحرارة والضغط (التحلل إلى الكربون) . . . ذكر الاخضرار ليس عفوا بل إشارة إلى الكلوروفيل (المنتخب).

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22