عرض مشاركة واحدة
قديم 02-08-2012 ~ 11:05 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي
  مشاركة رقم 4
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


في عامى 1810 و 1811 نشر شاتوبريان كتابا لاقى نجاحا ساحقا عنوانه الرحلة من باريس آلي أورشليم ومن أورشليم آلي باريس أطلق فيه العنان لخياله الصليبي في وصف الأحوال في فلسطين ، فكتب يقول إن مظهر العرب يوحي بأنهم جنود بلا قائد، ومواطنون بلا مشرعين ، وأسرة بلا أب “، وهم نموذج للإنسان المتحضر الذي سقط من جديد في هوة الهمجية و الوحشية”[31] ومن ثم فإن حالهم يستدعى سيطرة الغرب ، لأسنه من المحال أن يتولوا بأنفسهم إدارة شئونهم . أما القرآن فيقول إنه لا يتضمن “مبدأ واحدا من مبادئ الحضارة، ولا فرضا يسمو بأخلاق الإنسان ” ، فالإسلام يختلف عن المسيحية في أنه “لا يحض على كراهية الطغيان أو على حب الحرية”[32].
حاول إرنست رينان ، عالم اللغة الفرنسي الذائع الصيت أن يقدم تفسيرا عميقا ، لهذه الأساطير العنصرية والإمبريالية الجديدة ، فقال إن العبرية والعربية من اللغات المنحطة، وهما تمثلان انحرافا عن التقاليد الآرية، ومن ثم -جمحت عيوبهما تستعصي على العلاج . وقال إنه لا ينبغى دراسة هاتين اللغتين الساميتين إلا بم اعتبارهما نموذجا للتطور الذي توقف عند مرحلة قي ، وانهما تفتقران إلى الطبيعة المتقدمة والمتطورة للنظم اللغوية لدينا إ”ت ا ، ولذلك فإن كلا من اليهود والعرب يمثلون “مجموعة متدنية من عناصر الطبيعة البشرية”. ويضيف قائلا:
“يشهد المرء دلائل في كل شئ على أن العنصر السامي، فيما يبدو لنا، عنصر ناقص بسبب بساطته. وإذا كان لي أن أضرب لذلك مثلا، قلت إن مقارنته بالأسرة الهندية الأوربية تشبه مقارنة رسم بالقلم الرصاص بلوحة زيتية، فهو يفتقر إلى التنوع والثراء والحفول بالحياة، وهى شروط الكمال. إن الأمم السامية تشبه الأفراد الذين لا يتمتعون إلا بأدنى قسط من الخصوبة، فإذا انتهت طفولتهم السعيدة، لم يصلوا إلا إلى أقل حد مات الفحولة، فلقد شهدت هذه الأمم عصر ازدهارها الكامل في مطلع حياتها، ولكنها لم تستطع مطلقا أن تبلغ النضج الحقيقي”[33].
و هكذا يظهر الكاتب اليهود والعرب في بوتقة واحدة، ليخرج صورة موحدة تعلى من شأن شمائلنا “نحن ” وتؤكد تفوقها . ولقد كان لهذه النزعة العنصرية الجديدة عواقبها الوخيمة، بطبيعة الحال ، على اليهود في أوربا . إذ استقى هتلر ما يلزمه من أنماط الكراهية المسيحية القديمة في حملته العلمانية الصليبية على اليهود، فلم يكن يطيق وجود عنصر أجنبي على التربة الأوربية الارية النقية.
لم يكن قد بقى أحد من المسلمين في أوربا، ولكن البريطانيين والفرنسيين شرعوا إبان القرن التاسع عشر في غزو أراضى المسلمين . ففي عام 1830 قام الفرنسيون باحتلال الجزائر، وقام البريطانيون عام 1839 باحتلال عدن ، وتقاسموا استعمار تونس (1881) ومصر (1882) والسودان (1898) وليبيا والمغرب (1912). ورغم ما تعهدوا به من منح البلدان العربية استقلالها بعد هزيمة الإمبراطورية التركية ، قام البريطانيون والفرنسيون عام 1920 بتقسيم الشرق الأوسط إلى مناطق تحت الانتداب أو تحت الحماية لكل من الجانبين . والعالم الإسلامي اليوم يقرن الإمبريالية الغربية وجهود التبشير المسيحية بالحملات الصليبية. وهو لا يخطئ في ذلك. فعندما وصل الجنرال أللنبى إلى القدس في عام 1917 أعلن أن الحملات الصليبية قد اكتملت ، وعندما وصل الفرنسيون إلى دمشق ، اتجه قائدهم إلى ضريح صلاح الدين في المسجد الكبير و صاح قائلا “لقد عدنا يا صلاح الدين !” وكانت جهود التبشير المسيحية تؤازر المستعمرين ، وتحاول تقويض الثقافة الإسلامية التقليدية في البلدان المفتوحة، كما حظيت الطوائف المسيحية المحلية، مثل المارونيين في لبنان بدور كبير لا يتناسب مع حجمها في إدارة البلد الخاضع للحماية . وقد يحتج المستعمرون بأنهم كانوا يأتون بالتقدم والتنوير، ولكن جهودهم كانت تستند إلى العنف والاحتقار. وقد استغرق فرض السلام في الجزائر مثلا سنوات عديدة، وكان المستعمرون ينقضون بوحشية على كل من يحاول المقاومة، ويشنون الغارات الانتقامية لهذا الغرض . ويصور لنا المؤرخ الفرنسي المعاصر م. بودريكور إحدى هذه الغارات قائلا:
وحتى جنودنا الذين عادوا من الغارة كانوا يشعرون بالخجل . . . إذ احرقوا نحو 18000 شجرة، وقتلوا النساء والأطفال والشيوخ. و كانت النساء أسوأ الجميع حظا إذ كن يتزين بالأقراط والخلاخيل والأساور الفضية فأثرن الطمع فيها، ولم تكن لها مفاتيح مثل مفاتيح لأساور الفرنسية بل كانت توضع حول المعاصم والكواحل في الطفولة، فإذا كبرت الفتاة ونمت أعضاؤها لم تتمكن من نزعها، ولم يستطع جنودنا أن يحصلوا عليها إلا بقطع أطراف النساء وتركهن في فيد الحياة وقد تشوهت أجسامهن[34].
و قد أظهر المستعمرون ازدراءهم الراسخ للإسلام ، فانتقد اللورد كرومر في مصر محاولة الشيخ محمد عبده ، المفكر المتحرر، (ت 905 ا) لإعادة صياغة بعض الأفكار الإسلامية التقليدية . وأعلن أن الإسلام عاجز عن إصلاح نفسه ، و أن العرب عاجزون عن بث حياة جديدة في مجتمعهم . وقد فسر ذلك في كتابه الأساسي الذي يقع في مجلدين وعنوانه مصر الحديثة بقوله إن “الشرقي” يتسم بنزعة طفولية لا رجاء في تغييرها، ويعتبر النقيض الكامل لما نحن عليه:
قال لي السير ألفريد ليال ذات يوم : “الدقة بغيضة للعقل الشرقي . وعلى كل إنجليزي هندي أن يذكر تلك الحقيقة دائما ” والواقع أن الافتقار إلى الدقة، وهو الذي يتفاقم بسهولة فيتخذ صورة الكذب ، هو الخصيصة الرئيسية للعقل الشرقي.
إن الأوربي يعتمد اعتمادا كبيرا على عقله وهو يذكر الحقائق بأسلوب لا لبس ولا غموض فيه ، فهو منطقي بالفطرة حتى ولو لم يدرس المنطق ، وهو بطبيعته ينزع إلى الشك ويطلب الدليل قبل أن يقبل صدق مقولة ما، وذكاؤه المدرب يشبه الآلة في عمله . أما العقل الشرقي فهو يفتقر مثل شوارعه الجميلة إلى الاتساق والتنظيم . وأما قواعد الاستدلال التى يرتكن إليها فهي غير محكمة إلى أبعد حد. ومع أن العرب القدماء قد أحكموا إلى حد بعيد علم الجدل والقياس ، فإن أحفادهم يفتقرون افتقارا بالغا إلى ملكة المنطق . وكثيرا ما يعجزون عن التوصل إلى أوضح النتائج استنادا إلى آي مقدمات بسيطة يقرون بأنها صحيحة”[35].
و هكذا، ومع أن علماء الغرب لم يتوقفوا عن محاولة رسم صورة تتسم بالمزيد من الموضوعية عن العالم العربي والعالم الإسلامي، فإن التفوق الاستعماري جعل الكثيرين يرون أن “الإسلام ” غير جدير بأن يولوه اهتماما جادا.
ولاشك أن هذا الموقف الغربي الجارح للمشاعر قد نجح في إغضاب العالم الإسلامي. ومشاعر العداء للغرب قد تبدو اليوم شائعة بين المسلمين ولكن ذلك من التطورات الجديدة كل الجدة . فإذا كان الغرب قد استند إلى الأوهام في اعتباره أن محمدا هو العدو. فإن معظم المسلمين كانوا لا يعرفون شيئا عن الغرب إلا منذ نيف ومائتي عام . كان للحملات الصليبية دور أساسي في تاريخ أوربا وأثرت تأثيرا لا ينكر في تكوين الهوية الغربية على نحو ما سبق لي أن أوضحت في كتاب آخر[36]. ولكن الحملات الصليبية، على تأثيرها الواضح والعميق في حياة المسلمين في الشرق الأدنى، لم تؤثر إلا تأثيرا طفيفا في سائر العالم الإسلامي، إذ لم تكن تعتبر إلا أحداثا بعيدة على حدود البلدان الإسلامية الأخرى ، ولم يتأثر قلب الإمبراطورية الإسلامية في العراق وإيران على الإطلاق بذلك العدوان الغربي القروسطى . ومن ثم لم ينظر المسلمون هناك إلى الغرب باعتباره العدو . وعندما كان المسلمون يتحدثون عن العالم المسيحي، لم يكونوا يقصدون الغرب بل كانوا يقصدون بيزنطه فأوربا الغربية كانت تبدو لهم آنذاك برية همجية وثنية، ولاشك أنها كانت متخلفة بأشواط طويلة عن سائر العالم المتحضر.
ولكن أوربا نهضت وانطلقت لتلحق بالركب ، دون أن يدرك العالم الإسلامي – الذي كانت همومه الخاصة تشغله – ما حدث . وكانت حملة نابليون على مصر الحدث الذي فتح عيون الكثيرين من ذوى البصر في الشرق الأدنى ، وما أكثر ما بهرهم سلوك الجنود الفرنسيين الذي ينم على البساطة و الثقة معا في الجيش الذي تكون بعد الثورة. ودائما ما كان المسلمون يستجيبون للأفكار التى تأتى بها الثقافات الأخرى، وسرعان ما استجاب الكثيرون للأفكار الغربية الأساسية الخاصة بالتحول إلى العالم الحديث . وفى مطلع القرن العشرين كان جميع المفكرين الكبار في العالم الإسلامي تقريبا قد اصبحوا من دعاة التحرر والأخذ بالنظم الغربية . وربما كان هؤلاء المتحررون يكرهون الإمبريالية الغربية ، ولكنهم كانوا يتصورون أن المتحررين في أوربا سوف يقفون في صفهم ويعارضون أمثال اللورد كرومر. كانوا معجبين بأسلوب الحياة الغربية، إذ بدا لهم أنه يقوم على كثير من المثل العليا التى تمثل صلب التقاليد الإسلامية . ومع ذلك فلقد فقدنا في السنوات الخمسين الأخيرة تلك النوايا الطيبة . وكان من أحد أسباب غضب العالم الإسلامي أنه اكتشف تدريجيا مدى العداء والازدراء لنبي الإسلام ، وللدين الإسلامي، وهى من المشاعر التى تضرب بجذورها في الثقافة الغربية، والتي يرى المسلمون أنها ما تزال تؤثر في سياسة الغرب إزاء البلدان الإسلامية حتى في الفترة التى أعقبت الاستعمار.
وتقول الكاتبة السورية رنا قباني في كتابها رسالة إلى العالم المسيحي :
أليس الضمير الغربي ضميرا انتقائيا؟ إن الغرب يتعاطف مع المجاهدين الأفغان ، الذين يساندهم جهاز الاستخبارات الأمريكية ، شأنهم في ذلك شأن جماعات الكونترا في نيكاراغوا، ولكنه لا يشعر بأي تعاطف مع المناضلين المسلمين الذين لا يحاربون من أجل معارك الحرب الباردة، بل لهم شواغلهم السياسية الخاصة . وفى الوقت الذي أكتب فيه هذا الكلام يموت الفلسطينيون كل يوم في الأراضي المحتلة – وقد بلغ عدد القتلى في آخر إحصاء 600 قتيل تقريبا، وجرح ما يربو على 30000 إلى جانب الذين زج بهم في المعتقلات دون محاكمة ووصل عددهم إلى 20000 شخص . . . ومع ذلك فمازالت عيون الغرب ترى أن إسرائيل بلد ديمقراطي ، وحصن أمامي من حصون الحضارة الغربية . ماذا عسانا أن نظن بأمثال هذه المعايير المزدوجة؟[37]
قد يكون الغرب مسئولا إلى حد ما عن نشوء الصيغة الأصولية الجديدة للإسلام ، وهى التى تقترب من زاوية معينة – وهى زاوية كريهة – من أوهامنا القديمة، إذ نجد الكثيرين في العالم الإسلامي اليوم يرفضون الغرب باعتباره كافرا وظالما ومنحلا . ويحاول بعض علماء الغرب مثل ماكسيم رودانسون ، وروى متحدة، ونيكى كيدى ، وجيل كيبيل ، إدراك معنى هذه النزعة الإسلامية الجديدة . ولكن محاولاتهم ، كالعادة، للتوصل إلى تفهم أكثر موضوعية و تعاطفا للأزمة الراهنة في العالم الإسلامي لا يأبه لها إلا الأقلية . وهناك أصوات أخرى ذات طابع عدواني فهي لا تريد الفهم بل تريد إذكاء تقاليد الكراهية القديمة.
و لكن الصيغة الأصولية الجديدة للإسلام لم تنشأ نتيجة لكراهية الغرب فحسب ، بل ولا تعتبر حركة متسقة بأي معنى من المعاني، فما يشغل الأصوليين في المقام الأول هو تنظيم أوضاعهم الداخلية والقضاء على التمزق الثقافي الذي تعرض له الكثيرون في الآونة الأخيرة . والحق أنه من المتعذر إصدار أحكام عامة عن نشأة الصورة المتطرفة لهذا الدين ، فهي لا تقتصر على الإختلاف من بلد إلى بلد، بل تختلف كذلك من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية. إذ يشعر الأشخاص أنهم فد انفصلوا عن جذورهم ، بعد أن تغلغلت الثقافة الغربية في نسيج حياتهم. بل إن أثاث منازلهم نفسه قد تعرض لتغيير كبير حتى أصبح من الشواهد المقلقة على السيطرة، وعلى الخسارة الثقافية. واللجوء إلى الدين عند الكثيرين معناه محاولة العودة إلى الجذور واستعادة هوية تتعرض لخطر داهم. وكل منطقة تشهد نمطا مختلفا تمام الاختلاف من أنماط الإسلام ، وهو نمط يميز طابعها الخاص ويتأثر تأثرا عميقا بالتقاليد والظروف المحلية ، وهى التى لا ترتبط بصورة خاصة بالدين . ويقول مايكل جيلسينان في كتاب أصبح من أمهات الكتب وعنوانه التعرف على الإسلام والدين والمجتمع في الشرق الأوسط : إن الاختلافات فيما بين المناطق الشاسعة إلى الحد الذي لا يجدى معه استخدام مصطلح “الإسلام ” أو “الأصولية” في تعريف المحاولة الراهنة للإفصاح عما يمر به أبناء الشرق الأوسط في فترة ما بعد الاستعمار. ولاشك أن الظاهرة أشد تعقيدا بمراحل مما توحي به أجهزة الإعلام . ومن المحتمل أن الكثيرين من المسلمين في تلك المنطقة يخامرهم نفس الشعور بالخوف وفقدان الهوية الذي تعرض له شهداء قرطبة الذين كانوا يحسون أن قوة أجنبية كانت تنخر ثقافتهم وقيمهم التقليدية.
لقد دأبنا على وضع أنماط وقوالب جديدة للتعبير عن كراهيتنا “للإسلام ” التي يبدو أنها أصبحت راسخة في وجداننا، ففي السبعينيات تملكتنا صور أثرياء النفط ، وفى الثمانينيات كانت الصورة صورة “آية الله ” المتعصب ، أما منذ مسألة سلمان رشدي فقد أصبحت صورة “الإسلام ” هي صورة الدين الذي يهدر دم الإبداع وحرية الفنان . ولكن الواقع لا تمثله أي صورة من هذه الصور، بل يتضمن عناصر أخرى لا حصر لها. ولكن ذلك لا يمنع الناس من إصدار الأحكام العامة التى تفتقر إلى الدقة . وتستشهد رنا قباني ببعض الأقوال العدائية التى وردت على لسان فاى ويلدون ، وكونور كروز أوبريان . ففي كتاب بعنوان “الأبقار المقدسة” ، وهو الذي أصدرته فاى ويلدون لإبداء وجهة نظرها في مسألة سلمان رشدي، كتبت تقول:
يعمل القرآن على قمع التفكير، وهو ليس قصيدة يمكن أن يبنى عليها المجتمع بناء سالمة أو عاقلا، بل إنه يضع الأسلحة والقوة في أيدي شرطة مصادرة الفكر، وما أيسر أن ندفع أفراد هذه الشرطة على الانطلاق ، وهم يقذفون الرعب في القلوب .. . وأرى أنه نص محدود، بل ويفرض الحدود والقيود من حيث تفهم التعريف الذي أضعه لله[38].
وينحصر تعليقي على هذه الأقوال في أنها لا تتفق مع خبرتي في دراسة القران وتاريخ الإسلام ، ولو أن كلامي هذا سيجلب لي تهمة النفاق من وجهة نظر كونور كروز أوبريان ، الذي يحيى التقاليد التى تعتبر أي احترام للإسلام بمثابة خيانة ثقافية . إذ كتب يقول إن المجتمع الإسلامي يبدو باعثا على النفور العميق . . . هو يبدو منفرا لأنه منفر. . . فإذا قال أحد أبناء الغرب إنه معجب بالمجتمع الإسلامي مع مواصلة التمسك بالقيم الغربية فهو إما منافق أو جهول ، أو ربما كان يجمع بين بعض عناصر النفاق والجهل معا.
ويختتم أوبريان كلامه قائلا “إن المجتمع العربي مريض ، ولقد ظل في مرضه ردحا طويلا من الزمن . ففي القرن الماضي كتب المفكر العربي (هكذا) جمال الدين الأفغاني يقول (إن كل مسلم مريض، وعلاجه الوحيد في القرآن ). ولكن المرض يتفاقم ، للأسف ، كلما ازدادت جرعة الدواء”[39].
و لكن هذا الاتجاه الصليبي لا يسير فيه جميع النقاد، بل إن كثيرا من العلماء في هذا القرن قد حاولوا توسيع تفهم الغرب للإسلام ، مثل لويس ماسينيون ، و هـ . أ. ر. جيب ، وهنري كوربان ، وآن مارى شيمل ، ومارشال ح . س . هودجسون ، و ويلفريد كانتويل سميث . إذ حذوا حذو بيتر المبجل و جون سيجوفيا، ولجئوا إلى البحث العلمي لدحض تعصب زمانهن. ولقد نجح الدين ، على امتداد قرون طويلة، في إذكاء التفاهم الجاد بين أفراد مجتمع من المجتمعات . وقد يفشل الناس أحيانا في التعبير عن مثلهم الدينية العليا بالصورة التى يبغونها، ولكنهم قد ساعدوا على إقامة أفكار العدالة والخير والاحترام والتعاطف مع الآخرين ، بحيث أصبحت تمثل المعيار الذي نستطيع أن نقيس به ضروب سلوكنا . وتثبت الدراسة الجادة للإسلام أن المثل القرآنية العليا قد ساهمت مساهمة كبرى، على امتداد 1400 سنة، في انتعاش الحياة الروحية للمسلمين . بل إن بعض العلماء، مثل الباحث الكندى المبرز “ويلفريد كانتويل سميث ” ، يقول إن الشريحة المسلمة من المجتمع الإسلامي لا تزدهر إلا إذا كان الإسلام قويا وحيويا، و نقيا وخلاقا وسليما”[40] ويرجع جانب من المشكلة الغربية إلى أن الغرب ظل، على امتداد قرون طويلة، ينظر إلى محمد باعتباره نقيض الروح الدينية و عدوا للحضارة المهذبة . وربما يكون علينا إذن ، أن نحاول أن ننظر إليه.
[1] تورد المؤلفة هنا أبياتا قبيحة لا يليق نشرها بالعربية عن رسول الإسلام ، و قد سبق للأستاذ حسن عثمان أن أثار إليها في ترجمته قائلا : “ولقد حذفت من الأنشودة (رقم 28) أبياتا وجدتها غير
جديرة بالترجمة، وردت عن النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام . و قد أخطأ في ذلك دانتي خطا جسيما تأثر في بما كان ساندا في عصره ، في المؤلفات أو بين العامة، بحيث لم يستطع أهل الغرب
وقتئذ تقدير رسالة الإسلام الحقة وفهم حكمته الإلهية (ص 365من الترجمة ، دار المعارف ، القاهرة ، 1959) . و لا يعتقد المترجمان أن حذت الآبيات ينتقض من الهدف الذي تسعى المؤلفة إلى إبرازه
، فهي أبيات قبيحة لا تليق بشاعر كبير؟ إن كان التراث العربي في الهجاء حافلا بأمثالها

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22