عرض مشاركة واحدة
قديم 03-06-2014 ~ 06:28 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي رد: عرض كتاب الإنجيل والصلب للقس السابق عبد الأحد داود
  مشاركة رقم 5
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الباب التاسع
إن ملكوت الله
هو دين الإسلام وان كلام الله هو القرآن المجيد
اني لا أعلم ان عنوان هذا الباب سيكون موجباً لانقباض الأنفس في بعض المحافل العيسوية ، ولو كنتم تفتشون عن أسباب النفرة التي يحملها أحد الذوات المرتبطين بإحدى الكنائس بصورة جدية نحو الإسلامية ، وبغضه لمؤسسها عليه الصلاة والسلام، لتبين لكم أن ليس هناك من سبب ولا حجة معقولة يستند إليهما وإنما يجب الالتفات إلى اعتراض الجادين في التتبعات العلمية والتوغلات الدينية فحسب ، وإلا فماذا تفيد اعتراضات رجل عديم المطالعة والتتبع ، إذا كانت نفرته منبعثة عن تعصبه إلى اعتقادات القيت على ذهنه في طفولته ، فالتصق بها ، وجمد عليها على العمياء ، وان من يعتقد أن المسيح هو الله لابد وان يتطلب من محمد صلى الله عليه وسلم اعترافاً بألوهية المشار إليه ، والحال ان حضرة رسول الله كذب ألوهية المسيح بصورة باتة ، وبناء على هذا فان مثل الذين يحملون له البغض والخصومة كمثل السيدة الجاهلة التي بسائق فرط حبها لزوجها تدعي أنه أفضل زملائه وأعلى أقرانه رغم كونه مفضولاً لبعضهم ،وأما إذا بحث عن المسئلة بصورة عميقة عريضة فانه يتحقق أن إسناد الألوهية إلى المسيح أن هو إلا افتراء عليه ليس إلا .
وحينئذ يتحقق لدى ذلك العدو أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو حبيب الله وفخر الكائنات .
- 32 -
(ملكوت الله) في الحقيقة هو دين الإسلام
الآن وصلنا إلى أهم و أحد نقطة من هذه المسئلة العظيمة ، لقد وصلنا إلى الفصل الأول من الباب التاسع من هذا الكتاب الذي هو أحد عشر باباً ، الباب الأول من هذا الكتاب - على ما هو معلوم - موضوعه (ما هو الإنجيل ؟) وعلم منه لفظ إنجيل عبارة عن (فكرة دينية) و (وعقيدة معنوية) و (تبشير بالسعادة الحقيقية) وان السعادة الحقيقية أيضاً موجودة في ملكوت الله الذي تقرر تأسيسه في المستقبل ، فالسعادة الحقيقية ، ليست عبارة عن الإنجيل بل الإنجيل مبشر ومناد يدعو إلى السعادة الحقيقية ، وليس الإنجيل عبارة عن التبشير بالابن الوحيد الذي لا ادري ما هو ؟ إله خرافي قد أخفى في حجرة حملاً مذبوحاً ، والابن الذي ولد في الأزل ثم دخل أخيراً في بطن بنت بكر ، وبعد أن تجسد بشكل إنسان وولد عاش مدة ثم صلب وقتل من قبل اليهود .
ليس الإنجيل كتاباً(*) بل هو تعهد وضمان حول تصديق كتب التوراة والمحافظة عليها حرفياً ، ومع ذلك فهو وعظ وبيان شفهي يبشر بالقرآن الذي هو كلام السعادة الحقيقية .
ليس الإنجيل سنداً مشعراً ومبيناً أن الكنيسة ملكوت الله ، بل هو عبارة عن أمر إلهي بلغ شفهياً بوجوب انتظار ورود ملكوت الله واستحضار ما يلزم (له) على شرط بقاء الكنيسة ضمن اليهودية وعدم انفكاكها عنها .
ليس الإنجيل عهداً جديداً مشعراً بألوهية المسيح ونجاته وإنما هو عبارة إخبار وإعلان بأن سيظهر دين مبين في خصوص تأييد وحدانية الله وإبطال الكهنوت والمراسم الباطلة وكل الشفعاء إلا بأذن الله .
ليس الإنجيل كتاباً لأجل أن يكون مأخذاً ومستنداً لما ينيف على الخمسمائة من الكنائس ليكفر المسيحيون بعضهم بعضاً ، ويلعن بعضهم بعضاً ، أو للسب والشتم وللفظ المردود المسمى (أناثيما ) ولكنه عبارة عن اهتزازات صدرت عن فم سعادة عيسى عليه السلام الناصري عليه الصلاة والسلام الذي كان يجوب ارض فلسطين مهرولاً من قرية إلى أخرى ، مبشراً بأخاء قوي جداً واتحاد إسلامي يتشكل بين الملل يعيش ويدوم إلى ما شاء الله .
ليس الإنجيل كتاب دين ناقص حتى يحتاج إلى تجويز عقد الاجتماعات كل وقت في المجامع العامة الروحانية من المنتسبين إليه من بابا وكرادلة وبطاركة ومتراوبوليدين وبسقبوسين و (آيات) بن(1) (بأثواب وتيجان ترتجف لها أرواح المسيح والحواريين) لأجل وضع الأحكام الشرعية وإصدار الأوامر والفرائض الدينية الجديدة ، بوسيلة إكمال النواقص الدينية ، ولن أنسى كلام أحد معارف المرحوم احمد مدحت أفندي وهو قوله بالفارسية :
(صاحبش مرده ، وبنايش نيم مانده) أي ان العيسوية (تشبه بناء مات صاحبه وبقي ناقصاً) .
فهذا الكلام غلط في نظري بقدر ما هو صحيح في نظر قائله ، المسيح عليه السلام لم يترك بناء الدين ناقصاً لأنه لم يكن مكلفاً بتأسيس دين ، أنا حاضر ومستعد في كل حين للبرهنة على أن كل القرارات التي اتخذتها المجامع العامة الدينية(1) للكنائس في كل اجتماعاتها هي مضرة ، بل مضرة جداً ، بل هي مميتة للإنسانية والاخوة البشرية والأخلاق والرقي ، بينوا لي ماذا عمل من الأعمال أولئك الجماعة المتهورون وعلى رأسهم البابا الذين تراهم قد علا الزبد أفواههم من شدة شعور الانتقام ؟!
شقاق ونفاق من جديد وعداوات جديدة ، أنا ثيما وافروز جديدان ، وعقيدة فرضية تسمى (dogma دوغما) نعم رذالات جديدة(*) .
تتبع تاريخ الكنيسة من مجلس الفاتيكان الأخير إلى مجمع نيقية العام ، لا تجد انهم اتو بشيء ،غير تسهيل الشقاق والنفاق ، وخبط البشرية بعضها ببعض ، فها هي ذي كل أعمالهم ، الرذالات التي أبرموها .
مجلس الفاتيكان احدث (الأمر للغرض) وفي ذلك قرروا ونصوا على معاناة مريم من (الذنب المغروس)(2) وعلى أن البابا معصوم لا يخطي لأنه وكيل الحمل وكان ذلك قد كان سراً خفياً منذ الأزل ولم يكشف إلا على عهد البابا (ببوس نونوس) فكان يجب أن يقلل في السبعة والعشرين كتاباً المستحضرة من قبل خمسة أو عشرة أشخاص مجهولين ليس بينهم نبي واحد : إنها كلها غير الإنجيل الحقيقي .
- 33 -
(خفاء المعنى الحقيقي للدين)
لم يوفق العلماء والمتكلمون من المسلمين لكشف جميع حقائق القرآن الكريم وحكمياته ، بل خفى عليهم كثير منها لعدم وقوفهم على اللغات التي كتبت بها الكتب السماوية المتقدمة .
ليعلم هؤلاء جيداً ان الكتب السماوية بما أنها نزلت في الألسنة السامية بصورة روحها فيجب ان لا يعتبر أبداً أن ما ورد من الكلمات والعبارات التي سبقت في الكتب السماوية الأولى ثم وردت في القرآن العظيم الشان أنها وردت على سبيل الصدفة ، كلا بل لابد من حكمة لله تعالى في تكرير إيراد تلك العبارات وأن نظمئن ونتأكد أن كثيراً من حقائق التوراة والإنجيل التي كانت مكتوبة تحت طي الألفاظ قد انكشفت واتضحت بسبب استعمالها في القرآن(*) ومن هذا القبيل سأسعى إلى كشف الحكمة الإلهية في لفظ (الدين) .
قد فهم المستشرقون والمتكلمون المسلمون أن كلمة (دين) من الألفاظ الاصطلاحية واستعملوها بمعنى درب ، طريق ، طريقة ، مذهب(**) وتلقوا أن تعبير (دين الإسلام) هو كقولك (طريق الإسلام) أو (مذهب الإسلام) والحال لا يفهم من هذا التأويل حكمة ولا تظهر منه حقيقة .
ونصارى الغرب يستعملون كلمة (Religio يلجيو) التي كان يستعملها قدماء اللاتين المشركين ، وهي بمعنى (الارتباط ، المربوطية) ولهذا عبروا عن دين المسيحية Religio christiana .
أما مسيحيوا الشرق من الأقوام السامية فيما أن ليس لهم عبارة بمقابلة هذا الفكر الاعتباري المستند إلى (الدين) فيستعملون كلمة (توديتا ) بمعنى الثناء والاعتراف .
والعمرانيون يستعملون كلمة ( درك) بكسر الدال والراء لإفادة معنى المذهب والطريق (مرموز 24:139) .
ومما يستوجب الحيرة حقيقة أن الله تعالى خصص الألفاظ الجامعة المعاني العديدة للإسلامية وحدها(*) وقد مر البحث عن لفظي (محمد والإسلام) .
من المعلوم ان حضرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لم يقتبس كلمة (دين) هذه من اليهودية أو النصرانية أو من أحد بقية الأديان لأنهم لم يستعملوا الكلمة المذكورة بهذا المعنى ، والقرآن الشريف ليس كلام النبي إلا كرم نفسه ، ولا هو الكتاب الذي هو أوجده ، بل لما كان الكتاب المذكور هو كلام الله عز وجل كان الله هو الذي انعم بكلمة (دين) خصيصاً للإسلامية(**) وبما ان الله ديان يقتضي ان يكون له دين ، ولكن لا يكون له طريق أو مذهب ، فكما ان الديان هو الحاكم المطلق فهو الملك ودينه أيضاً بمعنى ديوانه أي مقر عرش الملكوت ، إن معنى (ديان) اللغوي عبارة عن الحاكم القاضي صاحب الديوان ، الحاكم المطلق الذي يفصل ويبت في الدعاوي(*) ويظهر من كثير من الآيات أن الكتب المقدسة من عبرانية وكلدانية قد استعملت كلمتي (دين) و (ديان) .
ففي العبرانية ( دن يفتح الدال) ( دون) ( دين) وفي الكلدانية ( دن) ( دينا بكسر الدال) ( دينا بفتح الدال والنون) .
يا رب ، الله !
(في السموات أسمعت دينا ( ) الأرض خافت وسكتت) مزمور 8:76 الترجمة للمؤلف .
كيف يمكن تفسير وإيضاح آية الزبور التي أعلاه ؟ هكذا لم يسمع الله من السموات لا (درك ) العبرانية ولا Religio يليجيو) ولا ( ) المسيحيين . ما كانت الأرض لتخاف من هؤلاء فتسكت ، ثم اسمع الله دينا فخافت الدنيا وسكتت ، فالآن ظهر لك جلياً أن لفظ (دين) مخصوص بالإسلام .
من ذاك الذي يقدر أن يدعي أن الله أسمع حكمه وديوانه في أرض كعنان وظلت الأرض لخوفها ساكتة ؟
لم يكن لملوك بني إسرائيل من فتح خارج ولايتي حلب والشام ، أما حكومة رومية المسيحية فأنها وان كانت قد حاربت إمبراطورية إيران في واديي الدجلة والفرات ولكن لم تغلب أحدهما الأخرى(*) .
فما هو الدين الذي أسمع من السموات ففزع منه أهل الأرض ؟ هل كان الإنجيل والصليب ؟ هل كان (توديتا) أو (درك) هل كان مدافع وبنادق المسيحيين ؟ هل كان الكنيسة (وريليجيو ؟) لا لا . لم يكن أحد ما ذكر قط ، لم يكن إلا (الدين) فكلمة الدين هذه هي الديوان المهيب ومحكمة الملكوت المراد بها الإسلام فقط ، الإسلام وحده ، الله اكبر ، ما اكبر هذه الحقيقة الناصعة غير القابلة الانكسار ، أليس كذلك ؟
حضرة النبي دانيال عليه السلام الذي يخبر في أماكن كثيرة من كتابه عن دين الإسلام ، يشعر على الأخص بأنه شاهد وقوع المعراج المحمدي علناً وبشر بتأسيس الدين ، يشبه الحكومات الأربعة المتعاقبة (بابل وفارس واليونان والروم) بالحيوانات الأربعة ، وان الحيوان الرابع الذي له عشرة قرون يحارب مقدسي الله ويغلبهم ، وفي النهاية ( دينايتب)(1) أي نصب الديوان(**) .
يقدم إلى حضرة الأزلي الأبدي الجالس على كرسي الديوان ( ) أي عرش الدين إنساناً (أحد أفراد بني آدم) وينال هذا الشرف الأعظم ، واحد من كل بني الإنسان (بارناشا) في حضور العرش ، وفي حال وجود الملايين من الملائكة ، ينعم على ابن الإنسان الملكوت والعزة والسلطنة ، وينال عنوان سلطان ( شلطان) بضم الشين وفتح النون ، تقع حروبه وتمحى الحيوانات .
ثم بعد بارناشا الذي هو من البشر يمحو المؤمنون المقدسون تلك الحكومات المعدودة من الحيوانات الوحشية بسيوفهم وقواتهم .
فاذا كانت رؤيا(1) دانيال صحيحه - وبالطبع انها صحيحة ولكنها محرفة - فابن الإنسان؟ ليس إلا محمداً صلى الله عليه وسلم والذي يهلك الحيوانات يجب أن يكون ابن آدم لان الحيوانات الأربعة كانوا بني آدم ، ولكنهم شبهوا بالحيوانات المهيبة لأنهم وحشيون ظالمون ملحدون ، وان الذات الذي يكسرهم ويمحوهم هو إنسان تام ، أي انه يظهر ابن إنسان مستحق لإقامة دين الله على الأرض ، وينعم عليه بالملكوت والسلطان وها هو ذا حائر على عنوان سلطان الأنبياء وخلفاءه حائزون على عنوان (السلطان) فان لم يكن هذا الذات محمداً صلى الله عليه وسلم فمن هو إذن ؟ حتى انه لو لم يكن المخبر عنه عيسى لكنتم مضطرين أن تقبلوا أنه محمد عليهما الصلاة والسلام على كل حال .
ان نبوة دانيال عليه السلام ظهرت في بابل في العصر السادس قبل الميلاد وأما محمد صلى الله عليه وسلم فقد أرسل وأمر من قبل الله تعالى بتأسيس دين الإسلام في مكة والمدينة في العصر السادس بعد الميلاد .
ولم يكن في زمن دانيال حرف واحد حول وجود المسيح ولا محمد عليهما الصلاة والسلام(*) أي أن كتب التوراة لم تخبر قبله بشيء يتعلق بخلق وحي المسيح ومحمد عليهما السلام ، ولكن كتب الكنائس تدعي دائماً أن ورح المسيح كانت موجودة عند الله .
وأما موضوع بحثنا الآن فهو هذه المسئلة : من يمكن أن يكون ابن الإنسان الذي رآه دانيال عليه السلام ، ونوه عنه بقوله : رأيت في خيالات الليل واحداً يشبه ابن الإنسان كان يأتي مع سحب السماء وجاء إلى القديمة أيامه ، فقربوه إلى حضرته ، وأعطى له حكماً وعزة وملكوتاً ، لتخدمه كل الأقوام والأمم والألسنة ، حكمه حكم ابدي أن يفنى وملكوته لا يزول (دانيال 7 : 13 : 14) ترجمة شركة بايبل بالتركية(**) .
فلو سئل الآن من هو الواحد الذي يشبه ابن الإنسان والذي جاء إلى (القديمة أيامه) وأحضروه أمامه ، سيجيبون بغير تردد قائلين : هو عيسى المسيح والحال لم يكن عيسى المسيح حينئذ يشبه ابن الإنسان ، بل كان حملاً مذبوحاً منذ تأسيس العالم (رؤيا يوحنا 8:13) .
(1) ( ) .
اضطرت على تحويل المضاف إلى مبتدأ في الآية المذكورة اليونانية العبارة في ترجمتي لها حسب اللزوم ، لان الحمل كان قد ذبح وقطع قبل أن توجد الدنيا (كزوموس ) أي عالم الهيولي ، وبناء عليه كيف يكون (بارانش ) - بالألف والنون المكسورة والشين الساكنة الذي رآه دانيال هو حمل الكنائس في حين أن الحمل لم يكن قد تجسد ولا ولد حينئذ !
سنأتي إلى تدقيق من هو ابن آدم الذي عرج إلى عرش الله وتقرب ، هناك شيء واحد يجب أن نعرفه وهو (قديم الأيام ) لدى الموسويين الذي رآه دانيال وعبر عنه بقوله :
(كنت أرى أنه نصبت عروش وجلس القديم الأيام لباسه ابيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي ، ومن قدامه نهر نار خرج من قدامه وجرى ، ألوف الألوف تخدمه في حضرته وريات ربوات وقوف قدامه ،ونصب الديوان ( جلس الدين) وفتحت الأسفار (دانيال 7 : 9-10) .
أود أن اعلم من هو المعني بوصف القديم الأيام ؟ أين درست جمعية بايبل وتعلمت قواعد الترجمة ؟ من أي لسان وبناء على أي قاعدة ترجموا عبارة (القديم الأيام) ؟ انتم تصورون الله في شكل إنسان (حاشا لله) ، هو يقول (عتيق يومياً) وفي الكلدانية (عتيق) يفيد انه هكذا قديم بحيث لا يتمكن أحد أن يجد تاريخه بناء على (عتيق الأيام) على الاصطلاح الكلداني بمعنى (أزلي ابدي) .
والمقصود من هذا لفظ (الدين) وقد ذكر لفظ الدين في ثلاثة أماكن من الباب المذكور ، (دانيال 7 : 10 و 22 و 26) .
والآية الحادية والعشرون من الباب المذكور قد ترجمتها جمعية بايبل هكذا (هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم) .
وها أنا أبين ترجمة الآية المذكورة على الوجه الآتي :
(إلى أن يأتي القديم الأيام وأعطي الدين لمقدسي المتعال ويملك القديسون الملكوت).
أسألكم بالله أيها القراء الكرام ثم أرجوكم أن تقابلوا كلا من الترجمتين مع الأصل ثم أفتوني : هل يجوز وقوع مثل هذه الرذالات ! وكأني بالقوم يدافعون بقولهم : أن اللغة التركية كذا ولهجتها كذا ، أقول لا باس فهلموا أقراوا (على الأقل) الكتب المقدسة كحبكم عيسى عليه السلام باللغات الأصلية التي كتبت بها ، أفلا يكون قد أحترمتموها أكثر ؟ ولكن هل لأحد واعظي الإنجليز أو الأمريكان فم مستعد للتلفظ بالعبرانية أو الكلدانية كما يجب ؟ على حين أنكم لو فتشتم كل الأرض لا تجدون في أي مكان كان عالماً أو إماماً أو مفتياً أو اخونديا أو ملأ يقرأ القرآن بلسان أمه ، لأن العامل في توحيد المسلمين وجعلهم أمة واحدة هو القرآن(*) لذ لك فهم يقرأون القرآن بالعربية التي هي لغته الأصلية .
الآية التي هي موضوع بحثنا مكتوبة بأسلوب الكلدانية اكثر من العبرانية
( )
حين مجيء الأزلي أعطى الدين المقدسي المتعال .
من هم هؤلاء المقدسون ؟ هل كانوا هم النيقياويين (أعضاء مجمع نيقية العام) أم مجلس الفاتيكان الأخير ؟ أم اللوتريين أم الزوينفيين أم الكالوينستيين أم الصليبيين ؟
هيهات ، المقدسون إنما هم الذين محوا الحيوانات وأخذوا الدين من الله ، هل تزعمون أنهم كانوا التامبيين أم الجزويتيين أم جيش النجاة جيش جرح ؟ هل تعددون كل هؤلاء أم بعضهم ؟ ثم ما هذا الدين المعطى ؟ كم من مرة أعطي للكنائس ؟ بكم صورة من قبل كم من الرجال أعطي ؟ وكيف هو اليوم وفي أي شكل ؟ من الذي يحافظ عليه في هذا اليوم ؟ أكلهم أم الروح القدس ؟ الإنجيل أم الصليب ؟ البابا أم البطريرك ؟ الراهب أم المسيونر (المبشرون) ؟ الدعاء أم الأسرار السبعة ؟
بما أن المسيحيين ليس لهم شيء من جميع معنى كلمة ( دين) فمن الطبيعي أن يتفرقوا إلى مئات الريليجيونات .
إذا دققنا هاتين الآيتين السادسة والعشرين والسابعة والعشرين من الباب السابع الذي هو تحت مطالعتنا يتبين بصورة لنا مقنعة أن الإسلام بالحقيقة هو الذي أوجد ديوان ملكوت الله وحكومته وهذه ترجمتها(*) :
(أسس الدين وسيمحون ويخربون أبدياً آخذين سلطنته وسيعطى الملكوت والسلطنة وعظمة كل الملكوتات الكائنة تحت ظل السماء شرقها وغربها للقوم الذين هم مقدسوا المتعال، ملكوته ملكوت ابدي وكل السلاطين يطيعونه ويخدمونه) (الترجمة للمؤلف) .
(والدين جلس أي تشكلت وتقررت حكومة الديوان وسيعطى الملكوت والسلطنة وعظمة كل الملكوتات إلى القوم الذين مقدسو حضرة المتعال .
كل السلطات ( شلطانيا) سيخدمونه ويطيعونه (يطيعون) الله ، مقدسوا الله ليسوا خمسمائة قوم ، بل هم أمة واحدة وملة واحدة ، هي الإسلامية ومع أنها ملة واحدة هي سلطنة ، كل ملكوت إسلامي مربوط ، بالسلطنة والخلافة لأن الخلافة الإسلامية مقر الدين والديوان .
ثم تعطى عظمة الحكومات الأخرى (ربوتا ) كلها إلى القوم المقدسين .
كل السلاطين العظام خدام الله المطيعون ، يعرفونه ويعبدونه ، يرى النبي دانيال عليه السلام في الرؤيا أن الله قد أسس تحت كل السماء ديناً (ديواناً) واحداً فقط ، وقد وعد قطعياً بان تؤخذ الحكومات غير المرتبطة بذلك الدين وتعطي المقدسين .
كلمة ديان ( ) أيضاً بمعنى قاض وحاكم (عزرا 25:7) الخ ودين ( ) بالنون المفتوحة اسم مفعول بمعنى محكوم و (بيت دين ) بمعنى محكمة وبيت الديوان cour tribunal وبعضاً تكون كلمة (دين) بمعنى دعوى ، حقوق (بعل دينا ) بعل بكسر العين فقط وتسكين الياء واللام ، بمعنى مدعي ، صاحب الدعوى صاحب العريضة .
وبما أني أحاذر من أن يسأم القراء الكرام من تتبع مواد هذا التعبير كلها ، ارجع عاجلاً إلى موضوعنا فأقول : كان من الملتزم دين واحد لائق بملكوت الله ، وكان يجب أن يكون مناسباً لحضرة الأزلي الأبدي صاحب الملكوت : إله واحد ، وملكوت واحد ، ودين واحد ، أرجو دقة النظر جيداً ليعلم أن لست متشبثاً بإيجاد تثليث في هذا الباب .
تلاميذ القرآن يفهمون - على ما أظن - أن القرآن شيء والإيمان شيء والدين شيء آخر ، يجب أن يفرق بين هذه الكلمات الثلاثة ، القرآن وحي الهي والإيمان والتصديق بالوحي المذكور ،ولكن الدين ! كم هو مقدس وذو معنى ، ذلك اللفظ السماوي ، فان ما يربط الملكوتات الإسلامية بعضها ببعض وبملجاء الخلافة هو الدين المؤمنون يحاكمون في ديوان أمير المؤمنين ومحكمته ودار فتواه حسب أوامر الكلام القديم .
وكما أن الدين يفيد معنى الحكم (بضم الحاء) والحقوق والدعوة والنزاع والديوان والحكومة والأمر والإجراء (التنفيذ) فمقر الدين كرسي الحكومة المحكمة النبوية أو المدنية.
لنتذكر ونتأمل في كلمتي (دين) و (مدينة) ( ) أو ( ) لا أريد البحث عن اسم المدينة المنورة القديم ، هل من علاقة بين الكلمتين أم لا ؟ لنقارن بين حكميات القرآن وخرافات الكنيسة .
المدينة بمعنى البلدة ، والمدني هو البلدي ، والمتشبث بأن يكون بلديا يقال له أنه يتمدين وعندما يوفق يقول أنه تمدن أو تمدين بالفعل !
لماذا ؟ إن بلدة يثرب بعد أن تشرفت بالوجود المحمدي سميت (المدينة ) ذلك الآن حضرة نبي آخر الزمان وضع في تلك البلدة مقر حكومته ومجلس ديوانه كرسي الحكم الديوان سرير السلطنة الإسلامية ، ماذا يمكن أن يكون السبب غير هذا الجواب ؟!
إذا لم يكن المدينة مقر المدينة ، فلماذا لطفت بهذا العنوان العالي ؟ فانظروا إذن كلمة (دين) أساس بينان البشرية الاجتماعي المدني وأساس اتجاهه .
ما هي المدنية ؟ بالطبع ليس لها معنى غير أهل المدينة ، ما هي المدينة ، مقر الحاكم والديوان والمكان الذي يفصل النزاع فيه وتبت فيه الدعوى رسمياً ، أي محكمة العدل والقانون الحكومة ، ومجلس الديوان .
المسلمون وضعوا اسم المدينة بالترجمة من لغة اللاتين الوثنيين Civilisatio civis وكان أهل رومية القديمة يسمون روما urbis أي بلدة .
أني لأدري أنكم لا تتذوقون طعم التعمق في معاني هذه الكلمات اللاتينية ، فأقول: أن كلمة (مدينة) تعبير مغاير للعربية ، وعلى كل حال فمدينة هي الأصح، والكلدانيون وهم شرذمة من أحفاد بابل الساكنين في إيران ، والذين بقوا أحط درجة من الترك والعرب يكتبون في جرائدهم الكلدانية الجديدة اليوم ( دينا و مدينيوتا) غير ناسين كلمتي الدين والمدنية ، عوضاً عن Civilisation المدنية .
وإذا كان لساننا قد تعود التعبير بكلمة (مدينة) فمن الطبيعي انه لا مجال لتبديله وتغييره ، ولكن لفظ (مدينة) لا يمكن أن يكون جذرها الفعل الأجوف اليائي (ذبن) بل ربما يكون الفعل الناقص (دني) وحينئذ تفيد معنى معكوساً ، لان (دني) بفتحتين بمعنى منحط أو صار وضيعاً أو تأخر ، وحينئذ يجب أن كون معنى (المدنية) هو الانتساب إلى المكان المنخفض الدون السفلي ، والحال أن المدنية عبارة عن الانتساب إلى محل الحكومة ، إلى محل العدل والعدالة ، إلى ديوان لله ، إلى مقر الدين(*) .
والآن على تعليم الإنجيل الشريف ، قد أسس الله ملكوته على الأرض ، وهذا الملكوت أيضاً عبارة عن أمة واحدة متشكلة من أمم وعروق عديدة ، فانظروا بأي واسطة يتأتى جمع الأقوام المنتسبين إلى هذا العدد من الألسنة والأقاليم والطبائع المختلفة وتوحيدهم ؟ وقد جعل الله لأجل إدارة سلطنته ديواناً تحت رئاسة حاكم ، وذاتاً أن معنى كلمة الحكومة هو الحكم .
ولكن بماذا يحكم الحاكم والحكومة ؟ بماذا يجري حكمه أي دينه وديوانه ؟ هل يحكم كيفما يشاء وهل يصدر إرادته كما يشتهي ؟ وهل يكون العامل في رسم خطة حركته ، رغبة نفسه ومشتهى هواه ؟
إذن فبأي واسطة يقدر الفضائل ويقبح الرذائل ؟ وبأي طريقة يتمكن من إجراء المثوبة والعقاب ؟ وعلى أي قانون يحكم على الناس بالإعدام ؟ أو يأمر بالإكرام ؟
مهما كان الإنسان عالماً وعادلاً بالفطرة ، لا يتمكن أن يبقى خلوا من الانفعال والتأثر بالمؤثرات الخارجية والداخلية ، يريد دائماً أن يكرم وينعم على الذين يحبهم ، ولا يؤمن عليه ارتكاب الجور والظلم والخطأ في غير محله بسائق الغضب والغيظ .
قد يضله الوجهاء وأصحاب المداهنات من أرباب الحرص على الحياه من مصاحبيه وحيل أرباب الطمع ودسائسهم ، لذلك لا يسلم الله ملكوته إلى أهواء أو هوس أحد من الناس ولا يضحي مصالح عباده لأجل ذوق أحد أو مآربه ، كل أبناء الملكوت متساوون ومعززون عنده (أي في حكمه وعدله) .
لا تكفي تدابير الفرد الذاتية لتامين حرية الأفراد والعائلات وإسعادهما فالمجالس والشورى والبارلمانتو ليست قادرة على إيجاد قوانين قويمة وثابتة ، وهؤلاء يلقون الأمم في شقاق ونفاق ، فالشورى والمجالس لا تتمكن من إدامة الدين ولا الدولة إلى زمن طويل(*) .
فلا الصليب يصلح الناس ولا التعميد ولا بشارة المسيح ولا ضيافة قربان القديس تقدر أن تسوس الأشرار ، ولا دم الحمل المذبوح ولا غفران الراهب المحترم يبرئ الجناة والمجرمين من الخطيئة ، ولا رؤيا يوحنا ولا التماس المسيوتر (المبشرين) مما يؤثر في إصلاح العصاة المتمردين .
قميص المسيح الذي لم تشقه عساكر الرومانيين قد مزقته مجامع فلورانس ومجامع ترانت قطعاً قطعاً ، أن ثوب روح الله المشبه بالكنيسة أصيب بالتمزيق إلى ما يتجاوز الخمسمائة قطعة ، فمن الذي سيخيط هذه القطع الشقوق ، من ذا الذي يداوي جروح الكنيسة؟ أما الرؤساء فهم الذين أحدثوا الجراح في جسم الكنيسة ، فهيهات أن يعدو الدواء الشافي للجسد الذي هو جريحهم !
والروح القدس الذي يقول الكاثوليك انه يخرج دائماً من الأب والابن على الدوام ، يقول للأرثوذكس ، لا أنا اخرج من الآب وحده ، الروح القدس يعلم البروتستانت الكلفوينيين أن العماد لا يؤثر قطعياً في الذنب المغروس ، ويقول للبروتستانت اللوتيرينيين : اجل اجل أن الإنسان الخارج من ماء الاعتماد يشابه تماماً جسد آدم قبل الخطيئة !
وهؤلاء المسيحيون يعتقدون أن الروح القدس هو دليلهم ومرشدهم ولكن البروتستانت وحدهم يغمضون أعينهم ويسألون الله مباشرة - كما يخطر ببالهم - ويدعونه منتظرين نفخ الروح القدس !
وفي الوقت الذي يقتضي أن يلهم الروح القدس قراء الكتب المقدسة أي يعلمهم جميعاً الحقيقة عينها ، نراه يسوقهم إلى الافتراقات والافتراءات !
ومن الروايات المتواترة التي سمعتها في رومية وفي لندن أن الكاردينال ما ننغ card Maning الشهير لما كان قسيس الانكليكان ، وكان في رفاقة غلادستون مثيله في الشهرة في إحدى كنائس رومية ، أثناء الرسم الروحاني وعند منح البركة Benedictio التي هي في المعنى بدون معنى أي العبادة الجارية في (لحم المسيح) عرض له حالة مؤثرة جداً ، إذ نهيج إلى أن قال مخاطباً رفيقه غلادستون (لا أتحمل بعد ، سأصير كاثوليكياً) .
ذلك بان ترانيم الإلهيات التي تغني والألحان النفيسة الآخذة بالقلب ، والأصوات الموسيقية في هذه العبادة - عبادة البركة أو التبريك ( ) الخاصة بمذهب الكاثوليك تؤثر في كل قلب ، والحال أن كل بروتستانتي فضلاً عن المسلم اليهودي ، فكل بروتستنتي يرفض العبادة المذكورة مدعياً أنها لا تؤدي لله بل للشياطين ! لماذا يا ترى ؟
لان الكاثوليك يسجدون في أثناء العبادة المذكورة للخبز سجودهم لله بعينه ، هذا الوقت الذي ترتفع فيه اللقمة بيد الراهب تكون معبود كل الساجدين ، وفي عين الزمن ينشدون نشيد :
(Adromus in eternum sanctissimum saeramentum)
(نسجد لقربان القديس إلى الأبد) وكل واحد يعبد تلك الرقاق بكمال التعظيم ، فحضرة الروح القدس أمر للكاثوليك بهذا ! ثم أن كانت كل هذه المنكرات والفظائع من اللقاءات روح القدس فكيف إذن تكون تسويلات ؟ ولماذا لا يقدر أن يأمر الذين في معابد الأمريكان التي في القسطنطينية بهذه الأوامر ؟
قارنوا بين التعليمات الدينية في مدرسة القرير التي في (قاضي كوي) وبين التعليمات التي في (كوللج روبرت) تجدون الفرق بقدر ما بين السماء والأرض !
هذه هي المظاهرات والإلهامات المعزوة إلى الروح القدس ، فهل أكون قد افترقت إذا قلت : يجب أن تعد أمثال هذه المدعيات ، كلها من اعبث الأباطيل ؟ أبداً وإصلاً ! لا يتعب الله روح قدسه قطعياً بمثل هذه الأشغال بل السفاسف ؟
لتتخانق الكنائس وليضرب بعضها بعضاً بقدر ما يريد ، فان الروح القدس لا يتدخل ، وليرتبوا لمجامع والمؤتمرات والعقائد بقدر ما يريدون ، فان الروح القدس لا يحضر بينهم ، ولو كان الدليل والهادي الوحيد هو الروح القدس لوحد جميع الأديان والمذاهب العيسوية وألف بينها ، وهذا أيضاً مفقود ، ثم لو أن الله هو الذي يدبر ويرشد الكنائس بواسطة الروح قدسه ، لكان قد ابطل الإرادة الجزئية التي وهبها للناس: وألغى المسئولية ، فأين يبقى قانون التكامل ؟ ماذا يبقى من المزية للبشر إذا تدخل الله وروحه في كل عمل من أعمالهم ، وهل يكون الإنسان حينئذ مستحقاً للثواب على الحسنات أو العقاب على السيئات ، أليس من الممكن صرف النظر عن هذه العقيدة القديمة المتفسخة ؟
أظن أن كل الوسائط العيسوية التي عددتها وكتبتها والتي اجتهدت في تفصيلها قد ظهر أنها لا تتفق وملكوت الله .
اعرض هذه الحقيقة وانتم مجبورون وجداناً على قبولها : أن الله عادل لا يعمد في إجراء عدله إلى أصول الاستبداد ، ولا يتدخل فعلاً وبالذات من بعد أن بين للعباد طريقي الخير والشر ، وهذا دستور ديني ، لان الله إذا أحال ملكوته إلى الحكام المستبدين ، والحكومات المطلقة ، يكون قد فتح الطريق وجوز بنفسه إجراء المظالم ، وإذا هو تدخل بنفسه أو بواسطته روح قدسه أو ملائكته فحينئذ يفقد العدل .
لنأت إلى الصدد والموضوع من غير توسيع هذه المحاكمات : لا يترك الله الملكوت من غير محافظة وحماية ، هذا صحيح ولكن كيف ؟ قد انعم الله بأحكام ونظامات تامة كاملة لإدارة ملكوته ، ومن الكلمات الجامعة للمعاني والأسرار (الشريعة) الاحمدية الغراء ، وسأقول إحدى الحقائق فقط مما تحتويه كلمة (الشريعة) الشريعة بمعنى الطريق والدرب ، أليس اسم (الشارع العام) بمعنى الطريق العام أو الطريق السلطاني ، فالشريعة الإلهية أيضاً مرآة أو بوصلة(*) أو دليل يهدي أبناء الملكوت خط الحركة والطريق التي يجب أن يتعقبوها والملك الذي يجب أن يسلكوه بصورة واضحة وصريحة .
صحائف القرآن، كالمرآة مشتملة على الأحكام والقوانين الشرعية ، والسالكون عليها لا يقعون في الضلالة والاثيما والافروزو الارتداد ، ولا الشقاق والافتراق ، شريعة الله باهرة بسيطة ، وضاحة كالنور ، موافقة للعقل والفن والقواعد الطبيعية ، الشريعة المحمدية هي وحدها التي تكفل السعادة الحقيقية للبشر ، هي شريعة تنظر إلى كافة أبناء الملكوت على حد سواء وتؤدبهم أو تلطفهم جميعاً طبق العدل والمساواة بدون تفريق أو محاباة .
لم يبق اليوم في الوسط شيء غير كامل أو في غير محله ، مما يفرق أو يميز بين أفكار البشر وأقوالهم وأفعالهم ، هي الشريعة تهدي إلى الصراط المستقيم ، الطريق الصحيحة وعليه فلا حاجة لتكليف الروح القدس ولا للتوسل بعبادات الرهبان العديمة الفائدة .
الدين وديوان المتعال الذي رآه دانيال عليه السلام - بعيني النبوة - في الرؤيا يؤيد دين الإسلام وينطبق عليه نقطة فنقطة .
لقد افتتح الديوان ، وحضرة الله الأزلي الأبدي على كرسي سلطنته ، محكمة السموات مزدحمة بصفوف الملائكة ، يقدم ذات يشبه البشر والإنسان إلى حضور الحاكم المطلق ، وسيعطي الحكم الإلهي في شان الوحوش ، وسيجازي الوحوش التي أوقعت المظالم في مقدسي الله على الأرض !
أليس في المحكمة حاكم وموظفون وخدام ومدعون ومدعى عليهم ؟ ألم يكمل الديوان بعد والذات المأمور بتنفيذ ما أمر به الديان وهو (الله) حاضر ؟ هل من شيء ناقص؟ لا لا ينقص ديوان الله شيء ، تفتح الأسفار(1) لاستنطاق واستجواب المدعي والمدعى عليه على أمر به الديان !
( ) نصب الديوان (الدين) وفتحت الكتب في المحاكم الإسلامية لا تزال المحكمة ناقصة غير مشروعة حتى يوجد المصحف الشريف ، الكتاب من جهة يوطد العدالة من حيث الأحكام الشرعية الصريحة الحاوية أحكام إحقاق الحق ، ومن الجهة الأخرى يحلف المشتكون والمشتكي عليهم بالكتاب الذي يؤمنون به بأنهم سيقولون الصحيح والحقيقة في حضور الحاكم ، وكذلك يحلف الذات المأمور بإجراء الحكم على عين الصورة ، ها هو ذا دين وديوان مكي ، هل في الكنائس هكذا دين الله ؟ استغفر الله ؟
الديوان الذي تصوره النبي دانيال عليه السلام ليس في صورة حمل ولا أثر صليب ! لا عيسى ولا رسمه وهيكله ! لا كتاب الإنجيل ولا اسمه ! لا مداخلة ابن الله ولا الروح القدس ! لا أب جالس على العرش ولا ابن على يمينه ولا الروح القدس ! بل الله وحده جل جلاله ، وكل ما عدا ذات واجب الوجود جل شانه هم عبيده ومخلوقاته !
من قدام عرش اللاهوت يجري نهر مملوء بالنور ! هو النور والضوء الذي يمثل العدل والحكمة الإلهية !
هل من مشابهة بين هذه وبين محاكم (الانكيزيسيون) التفتيش ، هل المجامع الروحانية التي حكمت على آريوس ونسطوريوس ولوتر وآلاف من أمثالهم وجعلتهم اناثيما ، تشابه هذه المحكمة السماوية ؟ حاشا ثم حاشا !
هل يبحث المسيح عليه السلام عن (دين) ديوان هكذا ؟ هل نصب ديواناً ؟ أبداً واصلاً ! لم يأت المسيح عليه السلام بدين ولا كتاب ، ولهذا يمنع حلف اليمن منعاً باتاً بان يوصي تلاميذه باجتناب المحاكم والدواوين لماذا ؟ لان ملكوت الله وكلام الملكوت لم يكن قد تأسس على الأرض بعد (متى 5 :21-26 و33-36 و23: 16 الخ) .

الباب العاشر
الأدلة القطعية
على أن العيسوية ليست في ضمن ملكوت الله
العيسوية الحقيقية التي قبل التاريخ الهجري - وان لم تكن فعلاً ولكن - كانت بالقوة داخلة في ملكوت الله ، إلا أن النصارى الذين انحرفوا عن العيسوية الحقيقية الأصلية هم خارج ملكوت الله ، سواء أكانت قبل ظهور الإسلام أم بعده .
- 34 -
(كون العيسوية من الأديان الوثنية حقيقة لا تنكر)
في العصر الثالث الميلادي احدث (صابلليون) صورة ائتلاف وقدمها الروحانيين بأمل رفع الخلاف الشديد المستحكم بين الموحدين والمثلثين ، أن صابلليون مع تصديقه وإقراره بالوحدانية الإلهية قدم التكليفات على الوجه الآتي بقصد إغفال الموحدين وإضلالهم ، قال :
(الله واحد ، لا يمكن أن يكون الله مركباً من ثلاثة إلهة ، ولا أن يتحد ثلاثة أشياء فيكونوا الله ، ولكن الله عينه تجلي ويتجلى مرة بشكل آب ، ومرة بشكل ابن ، ومرة بشكل الروح القدس بالتناوب) هذا تعليم الرجل بصورة الاختصار ، ولكن رد هذا التعليم المثلثون من جهة والموحدون من جهة أخرى وبناء عليه فعقيدة صابلليون Sabelliaaasmeمردودة وغير مقبولة عند جميع المسيحيين .
فالمسيونر لناي لا يجدون صعوبة في تفهيم الثالوث للمسلمين ، يستعملون دائماً طريقة صابلليون ، ويأتون بدليل أو مثل من الشمس وعلى زعمهم انهم يعرضون التثليث على الموحدين بالمرأة يقولون : أن كلا من الشمس والضوء والحرارة واحدة من ثلاثة وثلاثة من واحدة ، فكذلك الأب والابن والروح القدس ، كأنه واحد وثلاثة ، ولا يعلمون أن الأدلة المصطنعة ليست قادرة على إثبات شيء .
وان مثل هذه الأدلة والأمثلة لا يقدر على كشف مكتوم ، ولا على مدافعة عن باطل ، ولا على إبطال حق ، أريد أن ابحث عن نقطة من مشكلات الفلسفة ، على أن الأشكال في النقطة المذكورة مضاعف (أولاً) من حيث التعبيرات المستعملة (وثانياً) من حيث المحاكمة والتعقل ، فالتعبيرات أو الاصطلاحات وهي بعض الألفاظ - فعلى فكري القاصر - أنها تغلط الفكرة المتصورة ، ومن هذه الجملة تفهم المعاني الحقيقية لمثل الكلمات خاصة ، ذات ، صفة، موضوع) وأما من حيث المحاكمة فالتعبير (القدم) بكسر القاف وفتح الدال ، والتعبير (التقدم).
أنا إذا رأيت وجود الصفة في الذات (الموصوف) وأدركت الخاصة في الموضوع فحينئذ اصدق بوجود الصفة ، وعلى عكس التقدير تكون الصفة غير موجودة ، فالشيء القائم بنفسه ذات ، موضوع ، حقيقة ، وبناء عليه أتصور العلم في العليم ، والقدرة في القدير ، والحياة في الحي فأدركها واقدرها ، ولكني لا اقدر أن أدرك العليم في العلم والقدير في القدرة والحي في الحياة ، لأنه ما لم يكن الموضوع Sabjectum معيناً ومعلوماً ، فالعلم والقدرة والحياة عبارة عن خيال أو عدم .
وعلى هذا الوجه ، اقدر أن أرى الملكوت في الملك ، والدين في الديان ، والحكم في الحاكم ، لان كلاً من الملك والديان والحاكم ، موضوع وذات ، وأما الملكوت وأمثاله فخاصة وصفة .propriam attributtimوالآن في صرف ونحو كل اللغات grammarium قد سموا الموضوع صفة والصفة اسم معنى خلاقاً لهذه القاعدة ، وقد عبروا عن كل من (العالم والقادر والحي) بكلمة صفة قد يجوز هذا الاعتبار في عالم المحدودات ، أي قد يتقدم العلم على العالم ، والقوة على القوي ، و الحياة على الحي ، لان العالمين والأقوياء والأحياء كثيرون ، ولكن الله الأزلي الأبدي يتقدم حتماً على الصفة والخاصة .
والآن نظراً إلى أصول محاكمة المثلثين أو نظراً إلى أساس تعقلهم (prineipium Ratioeinationis) في البدء كان الكلام(*) والكلام كان عند الله ، وكان الله الكلام) (يوحنا 1:1) وسأدقق بصورة مختصرة لفظة الكلام فقط من هذه الجمل التي ترجمها من الإنجيل اليوناني العبارة، وقد ترجموا لفظ ( ) بكلمة وبكلام ، وهذا بمعنى علم ، عقل ، أو ما يسميه الغربيون (Reason ratio raison) .
فإني اسأل : هل الله علم أم عليم ؟ فان كان علماً ، فما هو موضوع العلم ؟ وإذا كان موضوع العلم هو الله ، فلماذا يجعلون العلم موضوع الله ؟ لان الآية تقول (كان الكلام الله) وفي هذه الجملة الكلام موصوف ،وأما الله فصفة (حاشا) .
يقال : الحكيم بما انه يعرف البياض ، والعلامة بما انه قد ذاق العلم فيدرك العليم من العلم ، ويدرك الأبيض من البياض ، ولكني أرد هذه الأصول بشدة وحسب محاكمتي فالتعبيرات كالعلم والحياة والقدرة والبياض لا يمكن أن تتقدم على موضوعها قطعاً ، وادعي عدم وجودها ما لم يتعين الموضوع ، لان وجودها لا يدرك إلا بالموضوع .
كان السبب الوحيد في انفكاكي عن المسيحية قد وقع على هذا الأساس ؟ وعلى أساس المسيحية وقولهم (قد كان العقل الأول ، والقدرة الأزلية ، والحياة الأبدية) يتظاهر في الحال ثلاث وجودات أبدية ، ولكن بما انهم يقدمون الصفة على الموضوع فانهم يثبتون عدم وجود الثلاثة وجودات الأبدية مثلا لو كان أحد الآلهة العلم والآخر القدرة والثالث الحياة ، لكن كل من هذه الآلهة الثلاثة :أي الإله العليم ولكنه غير قادر وغير حي ، والإله القدير ولكنه غير عليم وغير حي ، والإله الحي ولكنه غير عليم وغير قادر، ألها ناقصاً وحاشا فليقدروا ذلك(*) .
وها هو اعتقاد المسيحية الحاضرة في هذا المركز :
الابن :- الكلام والكلمة . العلم والعقل الأزلي .
الأب:- القدرة . الأبوة الأبدية .
الروح القدس :- الحياة وكذا .
فلا العلم الذي هو موضوع الابن ، ولا القدرة التي هي موضوع الآب ، ولا الحياة التي هي موضوع الروح القدس بعضها عين البعض ، ونضرب الاباطيل الثلاثة في ثلاثة ينتج تسعة أباطيل ، ولابد من أنها تورث الذل والهوان لعقل الإنسان .
ولكن يا أصدقائي المسيحيين ، وزملائي الأقدمين أصغوا لفكرتي ومحاكمتي بما أن واجب الوجود قائم بنفسه ، فهو مجرد (منزه) وواحد ، أي أن ذات واحدة ، وان تعبيركم (Persona برصونا) وعلى الأخص باليونانية كلمة ( يروصويون)(1) (شخص) بما أنها تستعمل في المعنى الذي يشكل جزاً Individiam من جزئيات نوع البشر ، لا يكون له شمول على ذات الله ، لان الله ليس شخصاً ولا طبيعة ، ولا يمكن أن تقيس ذات الله بإحدى المقولات، لان المتناهي لا يقيس غير المتناهي ، ولست اقصد البحث هنا عن اصطلاحاتكم العلمية الطبيعية Natura(1) ربرصون .
العيسوية تعتقد بإله متشكل من ثلاثة أشخاص بطبيعة واحدة ، وليس من الجائز تطبيق شخص Persona ولا طبيعة natura على ذات الله ، فان كان من البديهي ، أن الأشخاص الثلاثة الذين هم في طبيعة واحدة لا يكون أحدهم عين الاثنين الآخرين ، فكذلك كان المعترفون (بان الأشخاص الثلاثة التي في الثلوث لا يمكن أن يكونوا شخصاً واحداً) هي الكنائس .
إذا قلت أن المتكلمين( أرباب علم الكلام) من المسيحيين قد ذهبوا ضحية الأصول الكاذبة التي يتعقبونها أكون قد قلت الحقيقة ، وهم يقدمون (المقولة ، الصفة) على (الموضوع Subjectum) ولما أحسوا بالضور والحرارة والحياة والشمس بقوا عاجزين عن تطبيق هذه الأصول عليها ، لأنهم في المقولات الثلاثة المذكورة لا يتمكنون من اراءة ثلاثة مواضيع ، بل موضوعاً واحداً وهو الشمس ، هل الشمس ثلاثة أشخاص ، إذن لماذا لا يكون ؟ مع أن موضوع الحرارة (الحار) وموضوع (المضيء) وموضوع الحياة (الحي) رأوا عجزهم عن إثبات وجود ثلاثة مواضيع في الشمس ، فصرفوا النظر عن ادعائهم لما يرد عليهم منطقياً ولكنهم لا يزالون يصرون على ادعاء وجود ثلاثة مواضيع في ذات الله الذي لا تدركه الأبصار .
والآن أقــول أن هــذه العــبارات الـتي لديكــم (يرصون ، يرصوبون ، ناطور . فيزيس، ( ) إن هي إلا عبارات بربرية متعسفة ، حيث أنها لم تستعمل في الوحي والإلهامات النازلة باللغات السامية ، الله ذات وليس ثلاثة ذوات(*) فان كنتم ترغبون في إيجاد ذات لكل صفة ، فأنكم في تلك الحالة تضطرون إلى تعيين اكثر من عشرين ذاتاً لا إلى ثلاث ذوات فقط فليس الله قديراً وعليماً وحياً فقط ، بل هو أيضاً ديان ورحمان ورحيم وتواب وغفور وحنان وبصير وسميع لان كل هذه الصفات مشهودة في الله تعالى ، فإذا كنتم تقولون لله الذي له علم (ابن) فلا يجب أن تقولوا لله الذي له رحمة (صديق) ولله الذي له غضب (عدو) .
وكما أن تفكير المسيحية الأول أي طلب الموضوع (الموصوف) في الصفة هو خطأ فبالطبع يكون الخطأ الثاني في الأصل معكوساً وتعريبكم هو الصحيح ، عدم ملاحظتهم أن الله تعالى غير متناه . ففي المتناهيات لابد لكل صفة من موضوع (موصوف) فالعاقل الحي، القوي، الجسور ، السميع ، الصادق ، الحبيب ، الصديق ، الناطق ... الخ مواضيع لصفات ، وصفاتها كلها وهي العقل والحياة ..الخ صفات لها مواضيع وكم هناك من عاقل وحي وصديق وناطق لإعداد لهم ، ولكن ذات الله غير المتناهية جامعة لكل الصفات (الكمالية) في ذاته الواحدة وبناء عليه فذات الله يوصف بأنه عليم قدير حي رحيم سميع ... الخ .
وأما غلط المسيحية الثالث فليس ناشئاً من أصول الحكمة بل هو ناشئ من العقيدة الباطلة أي هو عبارة عن اعتقادهم رؤيتهم في ذات الله عز وجل رؤية أبوة ونبوة ومخرج في الله وهذه العقيدة خلاف الحقيقة بالكلية ، فلا العقل والحكمة تقبل هذا ولا الكتب المقدسة تجوزه ولا حضرة ذات الله نفسه .
كل الصفات الحسنى موضوعها غير المتناهي هو ذات الله تعالى النبي دانيال عليه السلام رأى ذات الله جالساً على العرش بغير ما شريك ولا شبيه ولا ابن ! ولم ير في الرؤيا على العرش ثلاثة (يرصون) أشخاص ، إلا الله واحداً جالساً على العرش .
انصفوا بالله أيها القوم وقولوا : الإنصاف الإنصاف ، هل إله الإسلامية حقيقي وحق أم الثلاثة الأقانيم ، ملكوت الله هو الإسلامية ، ومالك الملك هو الله وحده من غير أبن ولا غير ذلك ، ولا شك في أن التوراة والقرآن لا يجوزان التثليث ، الشرك بالله بمعنى الحط من قدره ومس بعظمته عز وجل والحال أن المسيحية تشرك بالله إذ تعترف بثلاثة مواضيع، بثلاث ذوات ، بناء عليه فالمسيحية خارج ملكوت الله ولا تعترف بالله الحق ولا تسجد له(*) .
- 35 -
( سبب انشقاق المسيحية هو فقدان الدين )
والعامل في وحدة الإسلامية كمال الدين
كنت أوضحت الدين في الباب التاسع بصورة مفصلة .
أروني في المسيحية حاكماً شرعياً ذا صلاحية لفصل النزاع وحل الدعاوى ، أروني كتاب شريعة يتوسل به الحاكم لتمييز العدل وإجرائه ، اروني محكمة عيسوية مستندة إلى كتاب شريعة تحتوي على أحكام شرعية صريحة ، لا حاكم ولا شريعة ولا ديوان ، فان كان قد احدث شيء في المجمع العام الثاني سنة 381(1) ، من قبل الخمسة بطاركة الكبار فليعينو متخدين .
مثلاً إذا حدث ازدواج بين قره بت اغا والمداموازيل اليونانية المسماة أيود وكسيا فمن يكون العقد ؟ هل الراهب الأرميني أم الأرثوذكسي ؟ وعلى أي صورة من شريعة عيسى تقرر البطركيتان الاتحاد في المسئلة المذكورة ؟ أو إذا حدث بين المرقومين مسئلة طلاق ، فبناء على أي قانون عيسى تفصل البطركتيان فيها ؟
لكل كنيسة دينها وحكمها ومحكمتها ، وبما انه يخالف بعضها البعض الآخر ويخاصمه ، فذلك برهان على لزوم التقدير بأنه ليس للعيسوية دين عام .
العدل في الكنائس ليس باسم الله وعيسى والإنجيل ، ولكن لتلك الكنيسة قانون خاص ودستور عمل تجري عليه ، لو كان ملكوت الله يجري على كل العيسوية ، لكان قد انعم على جميعهم بدين واحد ومحكمة واحد .
انظروا إلى هذا الدين وهذا الديوان في محكمة الفاتيكان تحاكم كاثوليكياً قد توفي منذ مئات السنين ، ولكن في أي صورة يعينون من الجهة الواحدة ، قسيساً ليزحلته بذلاقة لسانه مقدساً معززاً ، ومن الجهة الأخرى يعينون محامياً شيطاناً Diabolus ليبرهن على عدم لياقة المتوفي للعزة ، أتدرون لماذا ؟ لأنه مات على مذهب الكاثوليك وبالنتيجة يقررون على رجل مات منذ مائتين أو ثلاثمائة سنة كبولص وبطرس أنه مقدس .
على أنكم لو حولتم محاكمة عين المتوفي إلى محكمة بطريق خانة الروم ففضلاً عن إصغائهم للمحامي الشيطان وحرمان الرجل من العزة بسبب كونه مات كاثوليكياً ، فانهم لا يترددون أيضاً في حرمانه Exeommunieatus مكرراً ، جيداً جداً ، بناء على أي دين ، وعلى أي كتاب يجرون مثل هذه الخصومة وهذا الحكم ؟ الجواب صريح وقطعي: لأنه لا دين هناك ولا ديوان .
هل الإسلامية هكذا ؟ ليفهم جيداً أني ابحث هنا عن الأصول والأساس وإلا فليس من حدي أن اجعل كل المسلمين ملائكة أو كل النصارى شياطين ، فبعض حكام المسلمين وموظفيهم أيضاً قد اجروا مظالم اخذين الشريعة تحت إقدامهم ولكن الدين والشريعة دائماً مكملة ولا تضيع صفة عدالتها ، الظلمة من المسلمين لا يتجاسرون أبداً واصلاً على إجراء الظلم بأصول الدين أعلى بأصول المحكمة الشرعية ، ولابد عند إجراء الظلم والباطل ، من مخالفة مقتضيات أحكام الدين ، والانحراف عنه .
ولكن الأمر في العيسوية ليس كذلك ، فان محكمة التفتيش الشرعية ، الكاثوليكية التي أحرقت الألوف من المرتدين (الهراطقة Heretici) وأهلكتهم بآلاف الأنواع من العذاب ، من يقدر أن يعين باسم أي إنجيل وصليب ارتكبت تلك المظالم ، أي إنجيل أمر بقتل هؤلاء ؟ والبابا وهو الرجل الذي يدعي أنه ليس رئيس الكنيسة ، لماذا يراهم مرتدين ويسمح بإلقائهم إلى لهب النار؟ أي إنجيل وأي قانون مسيحي يأمر بهذا ؟ لا يجب انتقاد الكاثوليكية فقط ، فان كل الكنائس في كل وقت مستعدة لإجراء هذه المظالم عندما تحرز قوة وتجد نفسها القدرة على الظلم لأنه لا دين(*) هناك ولا شريعة ، فأولاً كتب الأناجيل لم تكتب بالوحي الإلهي ، ثم كتب التوراة تناقض كتب الأناجيل ومن لم يكن له دين فلا يكون داخلاً في ملكوت الله ، إذن فالعيسوية محرومة من الدين وبناء عليه فهي خارج ملكوت الله .


الباب الحادي عشر
غرائب وعجائب
نحن نبحث عن ملكوت الله ، بلغ حضرة منادي الله المسيح عليه السلام بشاة الملكوت إلى الخواص والعوام من بني إسرائيل في قرى وأمصار ديار الجليل مدة اكثر من سنة ، ثم غاب عن العين ، أنا لست اطلب مجدي يوجد من يطلب ويدين (يوحنا 50:8) .
مضت الأشهر والسنون وشخص المسيح عليه السلام وبشارته وتعليمه مستوجبة الحيرة والتجسس وليس في الميدان سطر واحد مكتوب ، وكلما مر الزمان ازدادت محبة المسيح في قلوب الناس ، حتى جعلوه مخلص العالم ثم ابن الله وفي النهاية صار هو (الله) كتبت حول بشارته البسيطة بالملكوت مئات من المؤلفات الملوثة بالخرافات ، إلى أن وصلت النشريات إلى اثينة ورومية ، فخرج الامر عن موضوعه بالكلية وظهرت هناك تعاليم (فلسفية) ومؤسسات وعادات تنفر منها الأنبياء وتلعنها التوراة ، في كل مكان وجدت رهبان وأحدثت كنائس ، لم يبق في الكنائس أي اثر من اليهودية(*) نسي الله الذي تعرفه الأنبياء ، أقيم معبود يتلون ويتجلى بشكل حمل ، بشكل إنسان ، بقيافة أب ، بصورة حمامة ، بمقام (يهوه - الله) الذي انعم بالتوراة وانسحبت اليهودية على طرف وانزوت ، لم يبق في الكنائس فرد موسوي .
وهكذا في ظرف عصرين أو ثلاثة من الميلاد وضعوا أسس الاعتقادات الباطلة ، وأوجدوا أشكالاً وأنواعاً من الكنائس .
- 36 -
( هو حمل(*) ولكنه يقدر أن يغضب ويغتاظ !! )
نحمد الله على وجود تصوير النبي دانيال عليه السلام لشكل ملكوت الله وشوكته وإلا فلو وكل الأمر إلى رحمة كتب الأناجيل وعلى الأخص إلى تفاسير الكنائس لعسر جداً علينا فهم الملكوت ، قارنوا الباب السادس من رؤيا يوحنا بالباب السابع للنبي دانيال ، وحي يوحنا يقول أن كل العالم يخاف ويرهب من غضب الحمل ! لا أدري هل كان مؤلف الوحي يصور يوم الحشر ، أما أي واقعة عظيمة ! يبحث عن الحمل الحديد الغضوب المتوهر ، كان في يمين الرب حمل غضوب ، يخاف منه العالم ، يرجعون الى الجبال إلى البحار إلى الصخور صارخين مستغيثين قائلين ( أخبئونا من حدة الحمل) لابد في التشبيه من وجه الشبه نعم يصح تشبيه الجسور بالأسد وتشبيه الجبان بالحمل ، ولكن إذا كان التشبيه على العكس فحينئذ تكون (كوميديا ، أضحوكة) فالحمل يمكن ان يكون تمثالاً للمطيع الوديع او الجبان الضعيف ، أما إذا وصف بالصفات التي ليست في طبيعته فذلك يوجب السخرية والاستهزاء .
تصوروا حملاً تخافه وترتجف منه كل الكائنات ، ثم تفكروا أن أحد الحملان المحبوبة اللطيفة التي تلعب وتقفز في الحقول يقدر أن يكون غضوباً ومنتقماً ، يا للعجائب ؟!
ثم هلموا لنقرأ هذا (لما فتح الختم السادس رأيت زلزلة عظيمة حدثت والشمس صارت سوداء كمسح من شعر ، والقمر صار كالدم ، ونجوم السماء سقطت إلى الأرض كما تطرح شجرة التين إسقاطها إذا هزتها ريح عظيمة ، والسماء انفلقت كدرج ملتف وكل جبل وجزيرة تزحزحا من موضعهما وملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حر أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال ، وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش ، وعن غضب الخروف لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف) (رؤيا يوحنا 6) .
ما اهيبه من منظر وما أعمقه من خيال ، خيال اخذ علم الفلك تحت أقدامه ،رسام عقر العقل وخرق المنطق ، كتاب قلب الحقيقة وغير دين الله ، كأن الإجرام السماوية تقع كالتين الذي لم ينضج على كرة الأرض التي هي بالنسبة إلى النجوم بقدرة الذرة ، الجبال والجزائر تقفز وتتحرك من مكانها ، ذلك لان الحمل قد احتد وغضب !
فهاهي الجمل التي يقرؤها كل المسيحيين قائلين ما أبدعها ! هذه آيات الله وهم ولهانون بحسنها .
لماذا غضب الحمل إلى هذه المرتبة ؟ لم يسيء إليه أحد من سكان الأرض فالحمل كان مذبوحاً قبل خلق الكائنات ، والمسيحية والكنائس هي التي أحبته ولم يزالوا يعبدونه ويسجدون له ، ويحبونه إلى درجة انهم يأكلون لحمه ، كما يأكلون على المائدة كذلك في المحاريب ، افمن من اجل هذه احتد الحمل ؟ إذن فأي ذنب للملوك والأمراء والأغنياء والعبيد والأحرار ؟ أما إن كان هناك ذنب فكله رقاب القصابين والقساوسة ، على أننا نرى أن الوحي لا يبحث عن الرهبان !
أيها المسلمون المساكين ! أين تذهبون من غضب الحمل الشاغل عرش السموات ؟!
نظراً إلى فكرتي وقناعتي الوجدانية يجب أن نصلح مثل رؤيا يوحنا قبل كل شيء ، ويجب أن نعتقد أن ليس على عرش السموات إلا الله الواحد ، وان لا نعبد إلا إياه ، وان لا نرى هناك حملاً ولا خروفاً وان أدياننا وديان العالمين هو الله الأحد جل جلاله.
- 37 -
(يزعمون وجود حمل
يتمكن من أن يرفع خطايا الناس ويترحم عليهم)
الكهنة والقسيسون جسموا المعصية واعظموها بقدر ما بالغوا في أصول مغفرتها وكأن (الذنب المغروس) الموروث من آدم لا يرفعه إلا الاعتماد . فالقسيس الذي لا يرى لزوماً للوضوء والاغتسال مرة في عمره ، يملك تلك القوة السحرية على تنظيف لطخات الذنوب ومحوها بحيث يقدر أن يمسح بنحو مائة درهم من ماء العماد ذلك الذنب المغروس ويقذف به من مائة ألف تقل ومجذوم .
أما مغفرة الذنوب المرتكبة بعد الاعتماد فهي تابعة لأصول ومراسم كثيرة ومن جملة ذلك أن الاعتراف للراهب بالجرم فرض ، وليس من عابد صليب -باستثناء البروتستانت- معفو ما لم يقل له الراهب ( (أنا) غفرت لك كل خطاياك) (Ego absolvo te .......)(*) .
وهناك واسطة أخرى لمغفرة الذنوب ورفعها وهي : حضرة البابا ، الرئيس المحقق للكل المسيحية .
لو سلمنا أن المسيح نصب بطرس وعينه لرئاسة كل الكنائس ، ولكن تلك الرئاسة ليست إلى الأبد ، بل كانت مؤقتة إلى ظهور الملكوت وأنا ادعي مصراً انه من العبث أن تدوم العيسوية الحاضرة موجودة ، فان جميع فرق مسيحي اليوم ، خارجون على تعاليم المسيح عليه السلام .
ولن يتمكن من أن يكون دليل هذه المسيحية الملطخة بالخرافات غير حضرة البابا ، وعلى كل حال فان وكيل بطرس الذي يدير دفة سفينة المسيحية إلى ميناء الآخرة ، لابد وان يغرقها أو ينجيها ، أما إذا لفتنا نظر الدفة إلى كتب الأناجيل وتاريخ الكنيسة فلا تبقى أي شبهة في أن حضرة البابا رئيس روحاني كل المسيحية ولي القناعة التامة بأن حضرة البابا هو رئيس المسيحيين المحق ، لان (مقام الباباوية) هو الذي ساق الجماعة العيسوية إلى هذا التيار وهذه الهلكة .
إن حضرة البابا لا يغفر خطايا المسيحيين الذين على وجه الأرض فقط ، بل يمسح وينظف ذنوب وخطايا النصارى المتوفين أيضاً (بإرادة كاهنية) واحدة أيضاً وليس هذا القدر فقط بل يمنع الرؤساء الروحانيين من الأرثوذكس والبروتستانت - الذين يعدهم ملحدين - من أن يخرجوا من نار الأعراف (أي المطهر) .
أي مسيحي يقدر أن يعترض أو ينبس بنبث شفة ضد الارادات الواهبة المغفرة التي تصدر عن تلقاء هذه الذات العديمة المثال على كرة الأرض الحائزة على صلاحية واسعة.
إن حضرة البابا يبلغ فرمانه Indulgentia الذي هو العفو العام عن جميع المسيحيين الذين لم يرهم ولم يعرفهم ، الأحياء منهم والأموات ، في الدنيا وفي الآخرة .
وهناك شفعاء لا يحصون عدداً ذوو صلاحية لمنح المغفرة لأولاد الكنيسة والحال أثناء إجراء المراسم الكهنوتية لقربان القديس تجري فيوضات الغفران بكثرة وغزارة ويفيض بحر الإيمان كالسيول على المؤمنين الذي يأكلون لحم المسيح ويشربون دمه ، ويترنم الكاهن والمغنون في أثناء مراسم هذه المنقبة قائلين ثلاث مرات :
(Agous Dei, qui tollis peccata mundi misrere nobis)
(يا حمل الله ! أنت الذي تعفو (الآن أو ترفع خطايا العالم ، ارحمنا)
(نريد أن نفهم)
عجباً من هو هذا الحمل ؟ هل هو الحمل المذبوح الذي في عرش اللاهوت ؟ هل هو الحمل الذي اختبأ في الخبز الذي يمضغ في أفواه القسيس والعابدين ؟؟ أم هو ذلك الحمل المملوء غضباً الذي صوره كتاب رؤيا يوحنا ؟ هذا الحمل أحد الأعاجيب التي سوف يريكموها حضرات المسيوتر (المبشرون) .
أقول للمبشرين الذين يدعون المسلمين إلى المسيحية (أن حلمكم الـ ... هو ليس .. أو الحمل عيسى الذي يعرفه متى أو مرقس أو لوقا .
الكنائس تجعل عيسى المسيح حملاً مذبوحاً ، وكاهناً شافعاً ،وابن الله ، ثم تجعله (الله) - حاشا لله - وتجعله (كلمة الله) والذبح العالي الذي هو ضمن كسرات الخبز وضمن الشراب اللذين يقدسهما القسيس ، وتجعله راعياً أيضاً ؟ فهل سمعتم أضحوكة كهذه العبارات؟ هذه الأضحوكة هي معبود النصارى .
حمل ولكن في عين الوقت راع ، فيا للعجب العجاب .
إذا كان راعي القطيع حمل ، فيا فرحة الذئاب واللصوص .
لا محل في ملكوت الله لمثل هذا الهذيان والعقائد المغضبة المعلمة للكفر .
- 38 -
بعض النماذج من تعاليم ملكوت الله الأساسية
كنت قد بدأت بتفسير القرآن ، العظيم باللغة الإنجليزية حتى كتبت إلى آخر سورة البقرة ولكني أدركت أن من كان مثلي عاجزاً فارغ اليد قليل النصيب من العلوم القرآنية ، لا يتمكن وحده من الاجتراء على إيجاد اثر مفيد فانثنيت عن عزمي إن الله ولي الذين آمنوا ، أفلا يحفظ ملكوته ومقدساته ودينه وقرآنه(*) .
اطمئنوا أيها المسلمون ، إن صاحب الملكوت لم يترككم وان يترككم ولكن ليظهر عدله وجلاله ، وانه سيخلصكم عاجلاً وان نجاتكم ستكون من قبله فقط ، ليكن إيمانكم قوياً متيناً ، لا تيأس يا حضرة أمير المؤمنين يا حافظ سرير شوكة دين الله لا تيأس !
إلى الأمام يا أولاد المصطفى الغياري الناريون خدام اتحاد وترقي المسلمين المجتهدين في أحياء الإسلامية ، يغفر الله خطاياكم ، وهو حاضر كل وقت لإرشادكم وتعليمكم في أوروبا يسمونكم (جمعية اتحاد الإسلام) ليوجدوا لكم أعداء ،وبعض المسلمين يقولون عنكم (هؤلاء فرانماسون لا دينيون) يسعون لإحباط أعمالكم ولكن هذا عبث انتم ستنجحون وستسعون لإحياء عالم البشرية .
كونوا مطمئنين أن كل العالم لا يتمكن من إيقاع الضرر بكم ما لم تفترقوا عن الدين ، إن السلاح الذي انتم في حاجة إليه هو الإيمان والأخلاق الاحمدية ، وبهذين السلاحين تتمكنون من مقابلة جميع أعدائكم .

( بعض تعاليم القرآن السامية )


1- (الله لا اله إلا هو) اشعيا 45 : 5 : 6 : 17 : 21 : 22 و 46 : 9 وزكريا 9:14 يوحنا 3:17 الخ .
2- {من ذا الذي يشفع عنده إلا بأذنه} سورة البقرة {قل لله الشفاعة جميعاً} سورة الزمر . المنجي هو الله (اشعيا 8:42 و11:43 و2:12 هوشع 9:11 تثنية 39:32) .
3- لا يغفر الخطايا إلا الله(*) {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي إنما ألهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} ســورة الكهـف { فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين} سورة فصلت و(اشعيا 18:1 - مزامير 7:51) الخ .
4- ملكوت الله كرسيه {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما} سورة البقرة (دانيال 9:7 حزاقيل 26:1) .
5- في حق التثليث {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم} سورة النساء {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من اله إلا اله واحد} سورة المائدة .
6- في شان عيسى عليه {إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} سورة النساء و {لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله} سورة النساء.
7- في شــأن الإنجيــل {وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين} .
8- في شان الكهنوت {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} سورة التوبة .
واليوم يصر المسيحيون إصرارهم في عهد البعثة المحمدية على اتخاذ الكهنة والرهبان والمسح بن مريم أرباباً من دون الله ، على انهم قد أمروا بان لا يعبدوا غير الله الواحد الأحد ، ولا اله غيره ليتخذوه شريكاً له .
ان اعتقادي هكذا : أن الفائدة الوحيدة فيما كتبناه - أن كان ثمة فائدة - إنما ستكون عبارة عن سوق المسيحيين إلى مظالعة القرآن وتدبره في صميم قلبهم ، وان آيات هذا الكتاب ، كتاب الله وأحكامه قطعية ومهيبة وبعيدة عن المنازعات اللغوية الفارغة ، ولغته سامية وصريحة بحيث لو لم يكن مبلغه قد قال عن نفسه انه نبي لقررت أنه أعلا درجة من الأنبياء .
أن الـذي أوقع العيسـوية في الضلال هم الأحبار والرهبان والمجامع العامة ، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا أن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم} سورة التوبة .
لعل أحد أصحاب الخير من الذين هم افضل من ينبري للقيام بتأليف كتاب في خصوص إيراد البراهين على حقية هذه الآية الجليلة وأني بكل سرور أقول لم اكن في وقت ما من أولئك الأحبار والرهبان الذين ماؤا أدمغتهم وبطونهم بالذهب والفضة ، ولكن هذه الآية موافقة ومطابقة للواقع ، وان هذه الآية وحدها تكفي لإثبات حقية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته . اروني أي قوبانية أو شركة أو ملياردير هوأترى من المسيونر أو اللازرايست ؟ فالفاتيكان أثر من الكوفرنال ، وبطريكخانة الروم اثر من سراية قرال اثينة ، أليس كذلك ؟
الحمدلله تعالى لقد أوصلنا الفصل إلى منتهاه ، أمل أن قد تمكنت - إلى درجة ما - من بيان ما هو الإنجيل ، ولكني كتبت هذا الفصل كمقدمة لتأليفي الزهيد ، وان مقتنع بكل قواي العقلية وإلحاح وجداني أن سأتمكن من البرهنة بصورة قطعية على أن كتب الأناجيل ليست من الكتب المنزلة بالوحي .
وعلى سؤال ما هو الإنجيل ؟ يكون الجواب عبارة عن :-
(أن الإنجيل كتاب - بعد تنزيل وحذف خمسة وتسعين بالمائة منه - الهي ، أعلنه ووعظ به المسيح عليه السلام مشافهة .
لم يصل إلى علمنا أن أحداً ابصر الإنجيل الشريف (مكتوباً) اعني الإنجيل الذي بلغه المسيح عليه السلام شفاها :-
تأييد الوحدانية الإلهية : أن سيكون أبناء ملكوت الله عبارة عن الموحدين أي عبارة عن دين الإسلام ، رفع الشفعاء ورفع الأحبار والرهبان وأمثال هذه الشعوذات ، إنما وسيلة النجاة عبارة عن الإيمان الكامل بالله والصدق بالعمل الصالح ، وإما الاستغفار فعبارة عن إمكان حصوله (بالتوبة) من الخالق من قبل العبد رأساً وبغير وساطة ما ولا توسط مخلوق.
وأما المباحث الأخرى التي وعدنا بنشرها في هذا الخصوص ، فسنبسطها مفصلاً في كتابنا الذي سننشره قريباً باسم (إنجيل حقنده افشاءات عظيمة) أي افشاءات عظيمة في شان الإنجيل .


الخاتـمــــــة
ان حاجة المسلمين الشديدة اليوم إلى تأليف هيئة مجهزة بالعلم والمال باسم (جمعية نشر الإسلام) وهذه الهيئة تفتح المدارس وتنسقها من جهة وتخرج تلاميذ علماء قديرين ذوى أخلاق حسنة من الجهة الأخرى ، وبواسطتهم يستنير العالم الإسلامي وتقوى روابط الاخوة والوحدة بين أجزائه إذ لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، ولم يصلح أولها إلا بتدبر القرآن والعمل بموجبه ، فلو اقبل المسلمون على كتاب الله وحده ولم يلتفتوا إلى روايات عن السلف أو اجتهاد زيد وعمرو لتخلصوا من الاختلءت المذهبية {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم $ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} .
وكان من الواجب على الأقوام التي أسلمت أن يتعربوا ليفهموا دينهم من القرآن مباشرة بلا واسطة ، لذلك أجد أعداء الإسلام ، مغتاظين جداً من وحدة اللغة العربية وهم يحبذون دائماً أن يكتب كل أهل قطر بلسانهم الدارج يقصدون بذلك أن نزول هذه الوحدة اللسانية فلا يعودوا يفهمون القرآن من لغته العربية الأصلية ، فإذا ترجموه إلى لغاتهم فعندئذ ترى لكل قوم قرآناً كما هي حالى الأناجيل .


( انتــــــهى )
كتاب الإنجيل والصليب
صفحة الموضوع


2 إهداء المؤلف للكتاب .
3 اعتذار المؤلف .
6 مقدمه .
13 الفصل الأول ما هو الإنجيل .
14 الكنيسة العامة بقيت 325 سنة بغير ما كتاب .
16 كاتبوا الرسائل لم يكونوا على علم ما بهذه الأناجيل الأربعة .
17 لاعلم لمؤلفي بعض هذه الرسائل بما كتبه البعض الآخر .
18 اغلاط مجمع نيقية العام .
23 مكانة الإنجيل في مذاهب الكاثوليك قليلة جداً .
24 كلمة الإنجيل - اصلها اللغوي ومعناها .
26 المواعظ الأربعة التي يسمونها أناجيل .
28 كلمة (إنجيل) معناها (فكرة معنوية) و (طريقة مؤقتة) .
33 الباب الثاني - غرض الإنجيل وموضوعه (الإسلام) و (احمد) .
38 كيف ترجموا هذه الآية .
42 الإسلام .
45 الباب الثالث (أيادوكيا) بمعنى (احمد) .
47 المعنى اللغوي المستعمل لكلمة (أيودوكيا) .
53 (تنبيه مفيد جداً للمسلمين) .
62 الباب الرابع - الإيضاح القطعي للمعنى الحقيقي للإنجيل .
63 التكامل الديني نظير التكامل القومي تماماً .
68 نص المواعظ (الأناجيل) الأربعة الصريحة - في أتباع المسيح عليه السلام للتوراة وأنبياءها وعدم نقض شيء منها ، ولا من روايات وتفاسير العبرانيين لها .
73 إصلاح قوم بني إسرائيل .
76 كان الإنجيل عبارة عن التبشير بملكوت الله .
84 الباب الخامس - حضرة المسيح لم يحرز التوفيق .
89 الباب السادس - غاية الإنجيل .
92 غاية الإنجيل الشريف عبارة عن ملكوت الله .
100 (كلام الملكوت) بمعنى إرادة الله .
104 صفات ملكوت الله وخواصه .
110 كلام الملكوت هو كتاب الله وقانونه الأساسي .
131 كلام ملكوت الله يأمره باخوة معنوية وباتحاد مادي .
138 الباب السابع - ملكوت الله يكمل اليهودية .
139 ملكوت الله ليس اليهودية .
143 السلام عليكم يا إخواني اليهود .
154 الباب الثامن - ملكوت الله ليس النصرانية .
159 ملكوت الله على تفسير بولص .


كتبه وسهر عليه أخوك :
الملاك الطائر ( صخرة الخلاص ) راجيا من الله أن يتقبله عنده ، وأن ينفع به الأخوان في تصديهم للسيل العارم ، سيل التنصير .


أخوكم / فيصل أبو خالد

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22