عرض مشاركة واحدة
قديم 22-06-2014 ~ 11:19 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي رد: التسامح فريضة إسلامية
  مشاركة رقم 3
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


وها هو النبي r يوضح عاقبة من غدر قائلاً: (لكلغادرلواء ينصب بغدرته)([1]). كما حذر النبي r من ذلك ببيان عاقبة من غدر بالمعاهدين قائلاً: (من قتلمعاهداًلم يرح رائحة الجنة، وإن ريحهاتوجد من مسيرة أربعين عاماً) ([2]).
وفى غزوة بدر (رمضان 2هـ) حينما أراد حذيفة بن اليمان وأبوه الخروج من مكة إلى المدينة ولقيهم مشركو قريش قائلين:تريدون محمداً فقال حذيفة ما نريده ولكن نريد المدينة فأخذوا منا عهد الله ألا نقاتل مع النبي r إذا حضرنا المدينة . فعن حذيفة بن اليمان قال ما منعنى أن أشهد بدرا إلا أنى خرجت أنا وأبى حسيل فأخذنا كفار قريش فقالوا إنكم تريدون محمدا. قلنا ما نريد إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله r فأخبرناه الخبر فقال: « انصرفا نفى بعهدهم ونستعين الله عليهم »([3])
وفى صلح الحديبية (ذو القعدة 6 هـ): نجد النبي r يرد أبا جندل للمشركين وفاءاً لما صار بينهم من صلح وشروط أن من جاءه منهم رده، فقال النبي r: سيجعل الله لهم مخرجا.
كما رد النبي r أبا بصير للمشركين حينما أتي للنبي، وفاءاً بعهده. ولما كان صلح الحديبية، كان كل من أرادَ أن يهاجرَ من مكة يلحق بأبي بصير وأتباعه، لا يذهب للمدينة لما كان من العهد بين المسلمين والمشركين، إذ لا يجوز نقضه، ولا بد من ردهم، وفى ذلك دليل على حفاظ الرعية لعهد إمامها الذي أعطاه.
كما رد النبي r أحد رسل قريش بعد صلح الحديبية وقد جاءه مسلماً، فعن أبى رافع أنه قال: (بعثتني قريش إلى رسول الله r فلما رأيت رسول الله r ألقي في قلبي الإسلام فقلت يا رسول الله إني والله لا أرجع إليهم أبداً فقالرسول الله r إني لاأخيسبالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع قالفذهبت ثم أتيت النبي r فأسلمت قال بكير وأخبرني أن أبا رافع كانقبطيا)([4]).
فها هو النبي r يوضح أنه ما يكون له أن يحبس رسولاً من رسل أعدائه عنده ولو أسلموا لما بينه وبينهم من العهد الذي يجب الوفاء به.
و قد شهد أعداء الإسلام للنبى r بالوفاء وعدم الغدر. فقد شهد له هرقل ملك الروم وأحد علماء النصارى. أبو سفيان رضى الله عنه قبل إسلامه، وكان من كبار مشركي قريش ومن قادهم بعد بدر في حروبهم إلى أن أسلم.
وقد روى الإمام البخاري في حديث هرقل الطويل الذي دار بين هرقل وأبى سفيان أنه: (قال -وهو هرقل-: فهل يغدر ؟ قلت (وهو أبو سفيان): لا، ونحن الآن منه في مدة نحن نخاف أن يغدر، قال أبوسفيان: ولم يمكني كلمة أن أدخل فيها شيئاً أنتقصه به لا أخاف أن تؤثر عنى غيرها)([5])، فحينما أجابه هرقل فيما بعد فقال: (وسألتُك هل يغدر، فذكرتَ أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر)، فهذه شهادة من ملك وعالم من علماء النصارى وفى نفس الوقت من أبى سفيان عدوه قبل الإسلام، والذي لا يستطيع أن ينكر خلقه r الكريم، إذ أنها جلية بادية فيه، ومن شيم الرجال الاعتراف بالحق وعدم الكذب.
الإحسان في القتل والنهى عن التمثيل والتحريق
وقد كان هذا الخلق جلياً في هدى خاتم المرسلين، يقول النبي r: (إن الله كتب الإحسان على كلشيء، فإذا قتلتمفأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتمفأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) (([6]))، فلا يجوز القتل بالتعذيب والتنكيل، بل يجب الإحسان كما بين نبى الرحمة r شريعة الرحمن.
كما نهى rعن التحريق بالنار للأعداء. وذلك حينما أرسل النبي r أحد البعوث وأشار rإليهم بتحريق بعض الأشخاص إن وجدوهم، وحينما آن الخروج أتي النبي rصحابته فأخبرهم بأن النار هى مما اختص الله به نفسه، فبِهَا يُعَذِبُ الكفارَ والمنافقين والمشركين والعصاة، فلا يجوز لهم أن يحرقوا من ذكرهم آنفاً، ولكن إن وجدوهما فعليهم بقتلهما، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال: (بعثنا رسول الله في بعث فقال:إن وجدتم فلاناً وفلاناً فحرقوهما بالنار ثم قال حين أردنا الخروج:إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما)([7]).
كما أمر النبي rباجتناب الوجه في القتال. فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله r قال: (إذاقاتل أحدكمفليجتنب الوجه) ([8])، وقد وردت العلة في حديث آخر أن الله قد خلق الإنسان في أحسن تقويم، على صورته تبارك وتعالى، سميعاً بصيراً، فلا يجوز تشويه الخلقة ولو في القتال.
ونهي النبي r عن التمثيلبالأعداء. فقد كانr إذا أَمَّرَ أميراً في بعث من البعوث، أو سرية من السرايا، يوصيه بالوصايا، والتى منها نهيهم عن التمثيل بالأعداء، فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي أن رسول الله r كان إذا أرسل سرية أوصاها قائلاً: (اغزوا ولا تغلواولا تغدروا ولاتمثلواولا تقتلوا وليدا)([9]).
وحينما انتصر المسلمون، وأُسِرَ سهيل بن عمرو قال عمر رضى الله عنه: يا رسول الله ! أنزع ثنيتيه السفليين فيدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا بموطن أبدا، فقال r: (لا أمثل فيمثل الله بي)([10]).
و في غزوة أحد حينما مثل المشركون بجثث المسلمين ومنهم أسد الله حمزة رضى الله عنه، كلم الصحابة النبي r في هذا الأمر فقال لهم: (نصبر ولانعاقب) ([11])، فرغم ما صنعه المشركون من التمثيل بجثث المسلمين إلا أن المنهج ثابت لا يتغير، فليس التنكيل بدافع للحمية والانتقام ولو من المخالفين في الدين.
وبينما نجد النبي r ينهى عن المثلة ويشدد في أمرها، نجد هدى المشركين على النقيض من هدى خاتم المرسلين وصحابته الغر الميامين، فنجد نساء المشركين مثلاً في غزوة أحد يمثلن بقتلي المسلمين، يقطعون آذانهم وأنوفهم وفروجهم ويبقرون بطونهم، ليس ذلك فحسب، بل ويفتخر قادتهم بذلك كما قال أبو سفيان: (يوم بيوم بدر، والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوممثلة، لم آمر بها ولم تسؤني) ([12]). وقد كان ممن مَثَّلَ المشركون بهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب، فحزن عليه النبي حزناً شديداً ونزل في ذلك قوله تعالى:] وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [([13]).
النهى عن قتل من أَمَّنَهُ المسلمون
كان من هدى خاتم المرسلين، وصحابته الغر الميامين، حفظ عهد ولى أمرهم وإخوانهم من المؤمنين إذا أَمَّنُوا أحداً من المشركين، وكانوا بهم مستجيرين. فكان كل من يؤمنه الإمام سواءً كان بعقد الهدنة أو تأمين الرسل أو تأمين المشركين نافذ في أفراد الأمة أجمعين، وكذلك ما يعقده الأفراد من الإجارة للمخالفين. فقد أمر الله عز وجل بتأمين المشركين في كتابه العزيز إن طلبوا ذلك من أجل إرشادهم للحق، قال تعالى: ]وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ [([14]).
وكان ذلك جلياً في سيرة سيد المرسلين.فعن على بن أبى طالب رضى الله عنه أن رسول اللهr قال: (ذمة المسلمين واحدة، يسعى بهاأدناهم، فمنأخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل منه يوم القيامة صرفولا عدل)([15]).
ففى هذا الحديث دليل على أن من أَمَّنَهُ المسلمون، وإن لم يكن من كبرائهم، يكون آمناً، ولا يجوز قتله، فكيف بمن أَمَّنَهُ أشرافهم، وولاة أمورهم، فإن من أخفر ذمة أخيه المسلم فقد استحق اللعن من الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه حجة يوم القيامة على فعله.
و في فتح مكة حينما دخل النبي r وأصحابه مكة فَرَّ رجلان من المشركين واستجارا بأم هانئ، وأراد على رضى الله عنه أن يقتلهما، وتروي لنا القصة أم هانئ بنت أبى طالب رضى الله عنها فتقول: لما نزل رسول الله r بأعلى مكة فر إِلَىَّ رجلان من أحمائي، من بنى مخزوم، وكانت عند هُبيرة بن أبى وهب المخزومي، قالت: فدخل على بن أبى طالب، فقال: والله لأقتلنهما، فأغلقتُ عليهما بابَ بيتي، ثم جئت رسول الله r وهو بأعلى مكة، فوجدته يغتسل من جفنة إن فيها لأثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوبه، فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى، ثم انصرف إِلَىَّ فقال: مرحبًا وأهلاً يا أم هانئ، ما جاء بك ؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر على، فقال: (قد أجرْنا من أجرتِ وأمنا من أمنت، فلا يقتلهما)([16]).
لقد جاء الإسلام بشريعة عادلة ونظم إنسانية تحترم الإنسان وتكرمه وتمنحه الرعاية والحماية والأمان. وقد أبان الفقهاء أن الأمان للأجنبي يتمثل في تحقيق الدولة الإسلامية الأمن والحماية لمن لجأ إليها ([17]).
كما تظهر سماحة الإسلام في دعوته ببر المستأمن، والرفق في معاملته؛ فهذا الفقيه الإمام الشيباني - رحمه الله - يقول: " لا بأس أن يصل المسلم الرجل المشرك قريباً كان أم بعيداً، محارباً كان أم ذمياً، لحديث " سلمة بن الأكوع. قال: صليت الصبح مع النبي r فقال: هل أنت واهب لي ابنة أم قرفة؟ قلت: نعم، فوهبتها له، فبعث بها إلى خاله حزن بن أبي وهب وهو مشرك وهي مشركة . وبعث رسول الله r بخمسمائة دينار إلى مكة حين قحطوا، وأمر بدفعها إلى أبي سفيان بن حرب ليتولى توزيعها على المحتاجين من أهل مكة " ([18]).
وكانت الرسل تأتى لرسول الله r فلا يمسهم بسوء، لا هو ولا أحد من أصحابه، فقد جاءه من الرسل أصناف عدة: مشركون: كرسل قريش في صلح الحديبية، والرجل الذي طلب أبا بصير للعودة به إلى مكة لما بينه وبين قريش من العهد. و مرتدون: كرسل مسيلمة الكذاب ومنهم ثمامة بن أثال رضى الله عنه قبل إسلامه . وأهل كتاب: كرسل الملوك والوفود التى كانت تأتى للسؤال عن الإسلام
فلم يمسهم المسلمون بسوء، وإلا لصارت هذه الأمة أمة غدر لا تأمنها أمة من الأمم، ولما كان لها القبول في نفوس العالمين إن كان لها مثل هذا الخلق المشين، فعلى المسلمين اقتفاء أثرهم والاقتداء بهديهم.
كما عصم الإسلام دماء الرسل والموفدين، وصان شخصيتهم من أي أذى حتى لو اختلفت وجهات النظر في المفاوضة معهم، ولنا في رسول الله r القدوة والأسوة الحسنة في المعاملة الكريمة والحماية والرعاية العظيمة إذ " لما قدم رسولا مسيلمة الكذاب ابن النواحة وابن أثال إلى النبي r فقد قال لهما: " أتشهدان بأني رسول الله؟ قالوا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله r آمنت بالله ورسوله، لو كنت قاتلا رسولاً لقتلتكما " ([19])
ويروى عن أبي رافع مولى رسول الله r أنه قال: " بعثتني قريش إلى رسول الله r فلما رأيت رسول الله r ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبداً، فقال رسول الله r إني لا أخيس بالعهد أي لا أنقض العهد، ولا أحبس البرود أي الرسل، ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع " ([20]) . قال الإمام الشوكاني: معنى هذا الحديث دليل على أنه يجب الوفاء بالعهد للكفار يجب للمسلمين، لأن الرسالة تقتضي جواباً يصل على يد الرسل فكان ذلك بمنزلة عقد العهد، وحتى لا يؤول بأن الرسول r قد حبس الرسول أو أن إسلام رسول قريش كان خوفاً على حياته ([21]).
وقد سار على هذا النهج المحمدي الإنساني خلفاء وسلاطين وملوك وأمراء وعظماء حكام المسلمين في المحافظة على حماية الموفدين والديبلوماسيين. قال التابعي الجليل سعيد بن جبير: " جاء رجل من المشركين إلى علي بن أبي طالب t فقال: يا خليفة المسلمين، إن أراد الرجل منا أن يأتي بحاجة قتل، فقال علي t لا، لأن الله تعالى يقول: ]وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ [([22])([23]).
فقد استدل الصحابي الجليل خليفة المسلمين علي t بعدم جواز قتل المشرك القادم في حاجة إلى دار الإسلام بتلك الآية، ومن الحاجات التي يقدم إليها المشركون لدار الإسلام تبليغ الرسائل، ولقد نص الحنفية والشافعية والزيدية والحنابلة على أن الرسل لا تقتل ([24]).
و رغم أن ملك الفرس خسرو قطع الخطاب الذي أرسله إليه الرسول r وداسه بأقدامه ونجا حامله من القتل بأعجوبة، كما أن السفراء الذين أرسلهم الرسول r إلى أميري الغساسنة عوملوا أسوأ معاملة، ومبعوث الرسول r إلى حاكم باسورا الروماني قتل على يد هذا الأخير ([25]). فقد أكرم الرسول r مبعوث المقوقس عظيم القبط وقبل هداياه، وأكرم رسول هرقل. وقد أثرت هذه المعاملة الحسنة في بعض الرسل فدخلوا في الإسلام.
النهى عن قتال وترويع المدنيين ومن ألقى السلاح من المقاتلين
إن من محاسن الدين الإسلامي أن جعل الجهاد في دائرة مغلقة لا تتجاوز أهل العدوان والطغيان ممن قاتلوه، ولم تمتد لكل من خالفه، بل فرق بين من قاتله وبين من لم يقاتله، وفى هذا مثال للرفق والرحمة بالضعفاء والولدان.
وقد نهى الله عز وجل عن قتال من لم يقاتل المسلمين، كائناً من كان، ولو كان من رجال الدين من الرهبان والقساوسة والأحبار، و هذا النموذج من أعظم الأمثلة على المعاملة الحسنة لأهل الكتاب، فإنه رغم أنهم أهل كفر وشرك لا ينفعهم ما هم عليه ما لم يدخلوا في دين الله، إلا أن الله عز وجل أمرنا بحسن معاملتهم ما داموا لم يتعرضوا بشيء لأهل الإسلام، ولم يؤذوهم أو يقاتلوهم، فقد قال تعالى: ]لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [([26]).
إن الإسلام ليرفض إساءة معاملة الخلق بسبب الدين، ويدعو إلى العدل مع الناس جميعاً وإلى البر العام والرحمة والعدل في السلم والحرب، فَقَتْلُ هؤلاء من الاعتداء والظلم الذي لا يرضاه الله، قال تعالى:] وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [([27]).
فلا يجوز قتل من لا يقاتل من المشركين مثل: النساء، و الأطفال والصبيان، و الرهبان: المنقطعين للعبادة وغالباً ما تطلق على العباد من أهل الكتاب، و الزَّمْنَى: أصحاب الأمراض المزمنة التى تعوقهم من الجهاد، و الشيوخ، و العُسفاء والأجراء والفلاحون.
لا يجوز قتالهم حتى ولو شارك أهلوهم وأحباؤهم وذووهم في القتال، لذلك نجد النبي r يعلم أصحابه ألا يتعرضوا للمدنيين، ولا يؤخر ذلك البيان لهم عن وقت حاجته، بل متى وجده أنكره لعظم شأنه، فكيف بمن روعوهم واختطفوهم وقتلوهم؟! إن هذا لعجب عجاب.
و قد أنكر النبي r قتل المرأة المشركة. فعن أبو بكر بن أبى شيبة قال: غزونا مع رسول الله r فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناس فأفرجوا له فقال « ما كانت هذه تقاتل فيمن يقاتل ». ثم قال لرجل « انطلق إلى خالد بن الوليد فقل له إن رسول الله r يأمرك يقول لا تقتلن ذرية ولا عسيفا »([28]).
ففى هذا الحديث حينما رأى النبي r المرأة المقتولة أنكر ذلك على مرأى ومسمع من أصحابه أجمعين، فأنكر عليهم وأخبرهم أنها ما كانت تقاتل، فَلِمَ تُقتَل؟! ثم عجل بالإرسال لأحد قواده آمراً له بألا يقتلوا الذرية والأجراء، فإن الجهاد ليس دماء ووحشية وهمجية، وإنما الجهاد رحمة بالعباد.
و عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال: (وجدت امرأةمقتولةفي بعض مغازي رسول الله r، فنهى رسول الله r عن قتل النساء والصبيان)([29]).
وأماالرهبان والعباد في الصوامع فقد نهى النبي r عن قتلهم في قولهr: (اخرجوا بسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلواولا تقتلوا الولدان ولا أصحابالصوامع)([30]).
و قد طبق الصحابة هذا النهى في ساحة القتالففى غزوة أحد (شوال 3 هـ) أخد أبو دجانة سماك بن خرشة رضى الله عنه سيف رسول اللهr بحقه أن يثخن في القوم، فما كان يدع شيئاًً يمر به إلا هتكه، وبينما هو كذلك إذ رأى إنساناً يشجع الناس فأقبل عليه وقد حمل السيف فوق رأسه، فلما علم أنها هند بنت عتبة عدل عنها وتركها ([31])، وقال في ذلك: كرهت أن أضرب بسيف رسول اللهrامرأة لا ناصر لها([32]).
ولما تمكن المشركون من خَبِيب رضى الله عنه وباعوه، فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فمكث عندهم أسيراً حتى اجتمعوا على قتله، وقد طلب خبيب رضى الله عنه من بنات الحارث موسي ليستحد بها ففعلوا، وبينما هم في غفلة من أمرهم إذ وجدوا صبيا من صبيانهم قد أتي خبيباً وجلس في حجره، فلما رأته أحدهم فزعت فزعة عرفها خبيب في وجهها فقال لها: أتخشين أن أقتله ؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيت أسيراً مثل خبيب([33]).
فها هو خبيب رضى الله عنه رغم تمكنه من هذا الغلام إلا أنه لم يحاول المساس به أو المساومة عليه رغم وجود السلاح بحوزته، وبَيَّنَ للقوم أن هذا ليس من خلق أهل الإسلام، فكان ذلك الفعل سبباً في ثناء المشركين على خلقه رضى الله عنه، والذي تأصل لديه من خلال المنهج الأخلاقي المستمد من الكتاب والسنة.
كما نَهْى النبي r عن قتال من ألقى السلاح في فتح مكة، فحينما دخل مكة أمر أن ينادى في القوم أنه: (من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن)([34])، فها هو يأمر بالكف عمن حمل السلاح لمواجهة المسلمين ثم ألقاه رغبة في السلام، فإن الإسلام لم يعاقبه بمجرد الوقوف أمامه، بل إنه بمجرد توقفه عن قتال المسلمين فقد حرم قتاله وقتله، وصار كالمدنيين الذين لا يحملون سلاحاً فلا يجوز قتالهم.
حسن معاملة الأسرى والرقيق والسبى
لقد وضع الإسلام للحروب نظامًا متميزًا، وتفصيلًا دقيقًا لأسبابِهَا، ووسائلها وغاياتِهَا، ومن ينظر لأحكام الحرب في التشريع الإسلامي يرى أن الإسلام كان له قدم السبق في تنظيم هذه الظاهرة، فلا عجب ولا غرابة من دين اتسم بالرحمة والإنسانية أن يفرض الرحمة والإنسانية في معاملة أسرى الحرب، في وقت كانت فيه جميع الأمم الأخرى تقتل الأسرى أو تستعبدهم.
لقد أرشد الله عز وجل إلى الإحسان في معاملة الأسرى ([35]) في كتابه العزيز قائلاً: ]وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا (٩)إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [ ([36]).
فقد خلد رب العالمين هذا الأمر في كتابه المبين، وحث عباده على الإحسان في معاملة الأسرى، فَأَنَّي لأعداء الإسلام أن ينالوا من هذا الدين بالباطل ويزعمون أنه دين القهر والرعب والإرهاب، وفرض العقائد بالسيف والسنان لا بالدعوة إلى سبيل الرحمن.
وقال تعالى:] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ ([37])
وإن من يتأمل تراث الإسلام في مسألة الأسرى، ويطلع على ما دونه علماء الإسلام عن الأسرى وحقوقهم في الإسلام يلحظ بجلاء أن الإسلام يجنح باستمرار إلى تغليب الجانب الإنساني في معاملة الأسرى، والأهم من ذلك أن الإسلام أخضع معاملة الأسرى لنظام محكم وتشريع مدون، لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوزه أو التعدي عليه لا سيما تحت ضغط الحالات النفسية المتوترة التي تولدها الحروب والانتصارات.
لقد عامل الإسلام الأسرى معاملة إنسانية رحيمة، فهو يدعو إلى إكرامهم والإحسان إليهم، ومدح الذين يبرونَهُم ويثنون عليهم الثناء الجميل.
فالإسلام بسماحته قرر أنه يجب على المسلمين إطعام الأسير وعدم تجويعه، وتلبية إحتياجاته من مطعم ومشرب: فعن عمران بن حصين رضى الله عنه أنه قال: (أسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله r. وأسر أصحاب رسول r رجلاً من بنى عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله r وهو في الوثاق، قال: يا محمد ! فأتاه فقال: ما شأنك ؟ فقال: بم أخذتني ؟ وبم أخذت سابقة الحاج ؟ فقال: إعظاما لذلك أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف، ثم انصرف عنه فناداه، فقال: يا محمد ! يا محمد ! وكان رسول الله r رحيماً رقيقا. فرجع إليه فقال: ما شأنك ؟ قال: إني مسلم. قال:لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كل الفلاح، ثم انصرف فناداه فقال: يا محمد ! يا محمد ! فأتاه فقال: ما شأنك ؟ قال: إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني قال: هذه حاجتك)([38])
فها هو رسول الله r يتفقد الأسرى بنفسه، ويلين لهم في القول، ويتواضع معهم في الحديث، ويطعمهم ويسقيهم متى أرادوا كما فعل مع هذا الأسر، رغم أنهم من كانوا منذ قليل حريصين على قتلهم والحرب مشتعلة بينهم .
بل و تزوج النبي r من الأسرى، فعن عروة بن الزبير عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عم له فكاتبت على نفسها وكانت امرأة ملاحة تأخذها العين - قالت عائشة رضى الله عنها - فجاءت تسأل رسول الله r في كتابتها فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها وعرفت أن رسول الله r سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث وإنما كان من أمرى ما لا يخفى عليك وإنى وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وإنى كاتبت على نفسى فجئتك أسألك في كتابتى فقال رسول الله r « فهل لك إلى ما هو خير منه ». قالت وما هو يا رسول الله قال « أؤدى عنك كتابتك وأتزوجك ». قالت قد فعلت قالت فتسامع - تعنى الناس - أن رسول الله r قد تزوج جويرية فأرسلوا ما في أيديهم من السبى فأعتقوهم وقالوا أصهار رسول الله r فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها أعتق في سببها مائة أهل بيت من بنى المصطلق([39]). وفي هذا أعظم تكريم لمعاملة الأسرى.
ونهى r عن وطء الحبالي من السبايا حتى يضعن: فمن حسن معاملتهم أن رسول الله r نهى عن وطء السباياحتى يضعن ما في بطونهن، ولو كان سعيهم من أجل النساء والاستمتاع بهن لما كان للاحتياط في الفروج نصيب من دعوتهم، فعن العرباض بنساريةرضى الله عنه أنه قال: (أن رسول الله r نهى عن توطأالسباياحتى يضعن ما في بطونهن)([40]).
ومن الواجبات التي قررها الإسلام كسوة الأسير كسوة لائقة به تقيه حر الصيف وبرد الشتاء، فعن جابر رضى الله عنه أنه قال: (لما كان يوم بدر أُتِيَ بِأُنَاسٍ وأُتِيَ بالعباس ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي r له قميصا فوجد قميص عبد الله بن أبى يقدر عليه فكساه النبي r إياه فلذلك نزع النبي قميصه الذي ألبسه)([41]). كما ورد أنه r كسا بعض الأسارى من ملابسه.
كما أن الإسلام لم يجعل الإكراه وسيلة من وسائل الدخول في الدين بل جعل وسيلة ذلك استعمال العقل وإعمال الفكر والنظر في ملكوت السموات والأرض، قال تعالى: ]وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [ ([42])، وقد ثبت أن النَّبِـي r كان يأسر الأسرى ولم يعرف أنه أكره أحدًا منهم على الإسلام، وكذلك كان أصحابه يفعلون، ولعل هذا تفسيرٌ صريحٌ لقوله تعالي:] لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ ([43]) .
ولقد أمسك الصحابة رضوان الله عليهم يوما بأحد أعداء الدين يدعى ثمامة بن أثال، وظل موثوقًا ثلاثة أيام دون إكراه له على ترك دينه والدخول في الإسلام. فعن أبى هريره t قال بعث النبي r خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سوارى المسجد، فخرج إليه النبي r فقال « ما عندك يا ثمامة ». فقال عندى خير يا محمد، إن تقتلنى تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. حتى كان الغد ثم قال له « ما عندك يا ثمامة ». قال ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتى كان بعد الغد، فقال « ما عندك يا ثمامة ». فقال عندى ما قلت لك. فقال « أطلقوا ثمامة »، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى، والله ما كان من دين أبغض إلى من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلى، والله ما كان من بلد أبغض إلى من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلى، وإن خيلك أخذتنى وأنا أريد العمرة، فماذا ترى فبشره رسول الله r وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل صبوت. قال لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله r، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي r([44]).
وقد حث الاسلام على السَّعْيُ في فكاكهِم. فعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله r: " فكوا العانى - يعنى الأسير - وأطعموا الجائع وعودوا المريض " ([45])
وقد برزت حسن معاملة الأسرى في سيرة رسول اللهr من خلال عدة مواقف بما يوضح خلق المجاهدين المسلمين، وأن أخلاقهم لا تنفك عنهم حتى إن تمكنوا ممن كان حريصاً على قتالهم.
ففي غزوة بدر استشار النبي r في أسارى بدر فأشار عليه أبو بكر t أن يأخذ منهم فدية، فهم بنو العم والعفو عنهم أحسن، ولعل الله أن يهديهم إلى الإسلام. وقال عمر t: لا والله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها!!
فهوي النبي r ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قال عمر. فلما كان من الغد أقبل عمر فإذا رسول الله r يبكى هو وأبو بكر فقال: يا رسول الله! من أي شئ تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله r: "أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء ! لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة !" وأنزل الله تعالى قوله: ]مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[([46]).
فعن عبد الله قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله r: "ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟ " قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك، استبقهم واستتبهم، لعل الله أن يتوب عليهم. قال: وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك، وكذبوك، فقدمهم فاضرب أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، أنت في واد كثير الحطب، فأضرم الوادي عليهم نارًا، ثم ألقهم فيه. [قال: فقال العباس: قطعت رحمك] قال: فسكت رسول الله r فلم يرد عليهم شيئًا، ثم قام فدخل فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر. وقال ناس: يأخذ بقول عمر. وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. ثم خرج عليهم رسول الله r فقال: "إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم، عليه السلام، قال:] رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [([47])، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى، عليه السلام، قال:] إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[([48])، وإن مثلك يا عمر مثل موسى عليه السلام، قال: ]وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ [([49])، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام، قال: ]وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [([50])،أنتم عالة فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضربة عنق" ([51]).
وحين أقبل بالأسارى – بعد بدر - فرقهم النبيr بين أصحابه وقال: "استوصوا بهم خيراً"([52])
وهذا أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير يحدثنا عما رأى. قال: كنت في الأسرى يوم بدر، فقال رسول الله r:" استوصوا بالأسارى خيرا "([53]) . وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها. قال فأستحيي فأردها على أحدهم فيردها علي ما يمسها([54]).
و عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: " جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما - قال لما كان يوم بدر أتى بأسارى، وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي r له قميصا فوجدوا قميص عبد الله بن أبى يقدر عليه، فكساه النبي r إياه، فلذلك نزع النبي r قميصه الذي ألبسه "([55])
وهذا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ يحدثنا قال: كنت في رهط من الأنصار - جزاهم الله خيرًا -، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ، وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد: وكانوا يحملوننا ويمشون([56])
هذا هو الإسلام، و هذا هو تسامح و إخاء الإسلام، و هذه هي الأخلاق الإسلامية التي غرسها رسول الإنسانية محمد r في أصحابه وجنده ، قد أثر في إسراع مجموعة من كبراء الأسرى وأشرافهم إلى الإسلام، فأسلم أبو عزيز عقب معركة بدر، بُعيد وصول الأسرى إلى المدينة، وتنفيذ وصية r، وأسلم معه السائب بن عبيد.وعاد الأسرى إلى بلادهم وأهليهم يتحدثون عن محمد r ومكارم أخلاقه، وعن محبته وسماحته، وعن دعوته وما فيها من البر والتقوى والإصلاح والخير([57]).
كما عفى r عن ثمانين أسيرًا في الحديبية. ورأى الرسول أسارى بني قريظة موقوفين في قيظ النهار تحت الشمس فأمر من يقومون بحراستهم قائلاً: "لا تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلاح.. قيلوهم حتى يبردوا"، وقد سئل الإمام مالك - يرحمه الله: "أيعذب الأسير إن رجي أن يدل على عورة العدو؟" فأجاب قائلاً: "ما سمعت بذلك"([58]). وبذلك يحرم الإسلام تعذيب الأسرى، ويرفض إهانتهم، ويقرر عدم إهمالهم.. كما لا يجوز تعذيب الأسير، ولا إهانته للحصول على معلومات عسكرية منه..
و من سماحته r, رحمته لقتلى العدو و مواراة قتلاهم. فعندما انتصر النبي r على المشركين في معركة بدر نصراً ساحقًا، وقُتل في هذه الموقعة سبعون من صناديد الوثنية، لم يأمر النبي r بالتمثيل بجثث القتلى أو إهانتها، بل أمر رسول اللهr بدفنهذه الجثثفي بئر من آبار بدرالقديمة..
وقد ورد أنه r وقف على القتلى فقال – يعاتبهم في حرقة -: «بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس»([59])..
ونادى عليهم وهم في البئر قائلاً: «يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا فلان، ويا فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا» فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون الجواب»([60]).
ولما حاول نوفل بن عبد الله – لعنه الله – اقتحام الخندق الذي صنعه المسلمون لتحصين المدينة من حصار التحالف الوثني – في غزو الأحزاب - ومات مقتولاً في الخندق، عندما أصر على اقتحامه في فرقة من المشركين، سأل المشركون المسلمين جثته بمال يعطونه المسلمين، فأرسل المشركون إلى النبي: أن أرسل إلينا بجسده ونعطيك اثني عشر ألفاً.. فتعفف رسول الله عن هذا المال الخبيث، ونهاهم عن ذلك وكرهه !! وقال: " ادفعوا إليهم جيفتهم فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية ادْفَعُوا إِلَيْهِمْ جِيفَتَهُمْ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ"([61]).
هذه هي مبادئ و تعاليم الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، فهل تستطيع الأمم المتحضرة أن تقتدى بتعليمات و تطبيقات سيد الأنام r، حتى تحقق السلم و الأمن الدوليين، أم أنها تكتفى بمجرد الإعلانات و المواثيق المكتوبة فقط، و التى لا تطبق إلا بمعاير معينة، أو بسياسة معينة (الكيل بمكيالين).
الخاتمـة
أحمد الله تبارك و تعالى أن وفقني لإتمام هذا البحث المتواضع " التسامح فريضة إسلامية "، وأصلي و أسلم على رحمة الله للعالمين سيدنا محمد r، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فقد خلق الله كل شيء بحكمته، وأنزل الشريعة برحمته، فهو أحكم الحاكمين، وقد أنزل شرعه المطهر، ليخرج به من الظلمات إلى النور، وليتم عليهم نعمته، قال تعالى مخاطباً رسوله r : ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ ([62])، وقال تبارك و تعالى: ]مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ ([63])
فهذه الشريعة المطهرة جاءت لتحقق مصالح العباد في العاجل و الآجل؛ فهى خير كلها، و عدل كلها، و رحمة كلها، و حكمة كلها،أحكامها تدور على مقاصد عادلة، و حِكم عالية([64]).إنها الشريعة التي ارتضاها الله تبارك و تعالى فأتمها وأكملها:] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا [ ([65]).
إن الإسلام، دين الرحمة بالناس أجمعين، يقول تعالى: ]هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [ ([66])،و يقول تعالى:] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [([67])، وهو دين الخير للعالمين مؤمنهم وكافرهم، فروح الإسلام تُمكن له من إقرار السلام في الأرض، و من تأليف الأجناس و الألوان، و من إشاعة السماحة و الود و التراحم بين بنى البشر، و من تنقية جو الحياة من سموم التحاسد الفردى، و التطاحن الطبقى، و التناحر العنصرى، كما تمكنه من كف الحروب و المجازر التى تقوم على تلك الأسباب، و على الرغبة في التوسع لمجرد الاستغلال المادى أو العظمة الكاذبة ([68])
إن الإسلام في حقيقته دعوة إنسانية عالمية شاملة، تهدف أول ما تهدف إلى تأليف القلوب، فالناس كلهم إخوة، و هذه الإخوة أباحت مؤاكلة أهل الكتاب، والأكل من ذبائحهم، كما أباحت مصاهرتهم والتزوج من نسائهم المحصنات العفيفات، مع ما قرره القرآن من قيام الحياة الزوجية على المودة والرحمة،] الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ ([69])
و عن مجاهد أن عبد الله بن عمرو ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال أهديتم لجارنا اليهودى أهديتم لجارنا اليهودى سمعت رسول الله r يقول « ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه »([70]).
وماتت أم الحارث بن أبى ربيعة وهى نصرانية، فشيعها أصحاب رسول الله r.
إن في الإسلام من التسامح، والسماحة الإنسانية ما لا يملك منصف أن ينكره أ و يراوغ فيه، وهى سماحة مبذولة للكافة ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ ([71])، وليست لأتباع عقيدة معينة، وإنما هى للإنسان بوصفه إنساناً
النتائج
(1) لقد جاءت الآيات القرآنية لتؤكد على التسامح في آيات كثيرة، يقول تعالى: ] فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [ ([72]), و يقول تعالى::] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [([73]).
(2) بين النبي rأن السماحة هي خلق إسلامي، فعن عائشة قالت: قال رسول الله r: " إني أرسلت بحنيفية سمحة"([74]). كما كانت للرسول r مواقف مع غير المسلمين تبين تسامحه r على امتداد الرسالة، ففي فتح مكة يدخلهاr في عشرة آلاف مقاتل، فيقول أحد الصحابة: اليوم يوم الملحمة، فيقول r: بل اليوم يوم المرحمة. و صفح r عن مشركي مكة، و أمنهم على أموالهم وأعراضهم وضمن لهم حرية المعتقد في أقدس البقاع وأشرفها، و قال r " اذهبوا فأنتم الطلقاء ".
(3) من أعظم صور التسامح و الإخاء الإنساني في الإسلام دعوته إلى الإيمان بجميع الأنبياء دون تفريق بين نبي ونبي فكلهم جاءوا بدعوة واحدة، ورسالة واحدة، وهدف واحد. قال تبارك و تعالى:] آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [ ([75]).
(4) قرر الإسلام وحدة البشر وأعلن الإخوة الإنسانية بينهم، وأن الناس جميعا ولدوا من أب واحد وأم واحدة، يقول تبارك و تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [ ([76])، وأنهم سواسية لا فرق بينهم لا في اللون ولا في العرق ولا في البلد.
(5) لقد كرم الله- تعالى- الإنسان وشرفه بأن خلق أباه آدم uبيده ونفخ فيه من روحه، قال تعالى:] إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١)فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ ([77])، و قال تبارك و تعالى:] وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا [ ([78]).
(6) لقد أعلن الإسلام مبدأ الإنصاف، وحسن التعامل مع غير المسلمين، قال تعالى: ]وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [ ([79])،و قال تبارك و تعالى:] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [([80])، و قال تعالى: ]لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [([81]).
(7) لقد أرسى الإسلام مبدأ الحرية الدينية منذ فجر البعثة المحمدية، ومنع الإكراه وممارسة الضغط للدخول في دين ما، قال تعالى:] لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [ ([82]).
و جاء في كتابه r بين المهاجرين والأنصار واليهود (دستور المدينة) بعد هجرته إلى المدينة: " لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته" ([83])
(8) قرر الإسلام حقوق غير المسلمين، حيث حرص الإسلام على عصمة دماء غير المسلمين كحرصه على عصمة دماء المسلمين تماما. فحرمة الأنفس على إطلاقها مكفولة في الشريعة الإسلامية. يقول الله تعالى مؤكّدًا ذلك: ]مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [([84]). وعن أبي هريرة t أن النبي r قال: " ألا من قتل نفسًا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر ذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا " ([85]).
(9) إن القاعدة الذهبية الحكيمة في علاقة المسلمين بغيرهم و التي توضح هي التي أسندها الكاساني إلى حديث نبوي شريف، وهى قول النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الحديث " فإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين " ([86]).
(10) لقد طبق الإسلام مبادئ التسامح و الإخاء الإنساني في أوقات الحروب. فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله r إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: " اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً "([87]).ورأى r في بعض حروبه امرأة من الأعداء مقتولة،فغضب وأنكر وقال:ألم أنهكم عن قتل النساء؟ ما كانت هذه لتقاتل.
(11) شهد بهذا التسامح و الإخاء الإسلامي الفريد العديد من الباحثين غير المسلمين, من المستشرقين وغيرهم, فهذه المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه تقول: " (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) هذا ما أمر به القرآن الكريم, وبناءً على ذلك فإنَّ العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام. فالمسيحيُّون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة التعصُّب الديني وأفضعها, سُمح لهم جميعًا دون أيِّ عائق يمنعهم, بممارسة شعائر دينهم. وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسُّوهم بأدنى أذى. أوليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ, وبعد فضائع الإسبان واضطهادات اليهود؟
إنَّ السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجّوا بأنفسهم في شئون تلك الشعوب الداخلية. فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: (إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتَّة, وهم لا يستخدمون معنا أي عنف)". ([88])
لقد كان الإسلام طوال الأربعة عشر قرناً الماضية دين التسامح الأول في التاريخالبشري. فلقد عاش في ظل الإسلام من كانوا من غير المسلمين بحيث أجاز لهم أن يعيشوا في سلام وأمن في فيء الإسلام وأن يتمتعوا بكامل الحرية و التساوي في المعاملة مع إخوانهم من المسلمين في ظل قانونالإسلام الذي حماهم بأشخاصهم هم وممتلكاتهم.
هذا هو الإسلام، و هذا هو التسامح و الإخاء الإنساني في الإسلام، و هذه هي رسالة الرحمة للعالمين ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ ([89]).
لله الحمد على ما منَّ به عليَّ أولاً وآخراً، وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يجعل هذا البحث لوجهه خالصاً، ولعباده نافعاً، وأن ينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن ينفعنى بما كتبت وقرأت وسمعت.
و لست أزعم أني أنظر إلى بحثي هذا بعين الرضا التام، فالكمال لله وحده، والعصمة لأنبيائه ورسله، ولكن حسبي أني قد استفرغت فيه أقصى طاقتي، وبذلت فيه أقصى جهدي، فإن كنت قد أصبت فالفضل لله – تبارك وتعالى – وحده، وإن كانت الأخرى فعذري أني قصدت الخير، وشفيعي قول الحق تبارك وتعالى: ] وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [. ([90])
و لا احسبني إلا معيداً لقول العماد الأصبهاني: " إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غده، لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".
] رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [ ([91]).
]سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠)وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١)وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ ([92])
المصادر و المراجع
1. ابن الأثير، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني: الكامل في التاريخ، تحقيق: عبد الله القاضي، الطبعة الثانية، بيروت، دار الكتب العلمية، (1415هـ).
2. ابن تيمية: مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن النجدي وابنه محمد، القاهرة، طبع إدارة المساحة العسكرية، تنفيذ مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، (1404هـ).
3. ابن حنبل، أحمد: الموسوعة الحديثية (المسند)، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، الطبعة الأولى، بيروت، مؤسسة الرسالة، (1420هـ1999م).
4. ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، إيران، دار الكتب العلمية، دون ذكر الطبعة والتاريخ.
5. ابن قيم الجوزية: أحكام أهل الذمة، تحقيق سيد عمران، دار الحديث، 1426هـ-2005م.
6. ابن قيم الجوزية: اجتماع الجيوش الإسلامية، تحقيق عواد المعتق، مطابع الفرزدق، الأولى 1408هـ.
7. ابن قيم الجوزية: زاد المعاد في هدي خير العباد، حققه: شعيب وعبد القادر الأرناؤوط،الطبعة الأولى، 1399هـ، دار الرسالة
8. ابن كثير، إسماعيل بن عمر القرشي أبو الفداء: البداية والنهاية، بيروت، مكتبة المعارف.
9. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامى بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر و التوزيع، الرياض، 1997م
10. ابن منظور: لسان العرب، بيروت، دار صادر، دون ذكر الطبعة والتاريخ.
11. أبو إسحاق الشاطبى، الموافقات في أصول الشريعة، خرج أحاديثه: أحمد السيد سيد أحمد على، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2006م
12. أبو الحسن الماورديّ, الأحكام السلطانية والولايات الدينية., دار الكتب العلمية، بيروت، 1402هـ -1982م
13. أبو عبيد القاسم بن سلاّم، كتاب الأموال، تحقيــــق: محمَّد خليـــــــل هرّاس، دار الكتب العلمية، بيروت, 1406هـ -1986م
14. أحمد أمين، يوم الإسلام، دار الكتاب العربى، بيروت، 1952م.
15. أحمد الجهينى: الإسلام و الآخر، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2007م.
16. د.أحمد الريسونى، د.محمد الزحيلى، د.محمد عثمان شبير، حقوق الإنسان محور مقاصد الشريعة، كتاب الأمة،، قطر، المحرم، 1423هـ
17. أحمد بن عبد الرحمن الصويان: الحوار: أصوله المنهجية وآدابه السلوكية، الطبعة الأولى، الرياض، دار الوطن، (1413هـ).
18. أحمد محمد الحوفي: سماحة الإسلام، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2003م
19. أحمد بن محمد الفيومي: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المطبعة الأميرية، القاهرة، ط4، 1921م.
20. آدم متز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجرى، ترجمة: محمد عبد الهادى أبو ريدة، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2008م
21. آرثر ستانلي ترتون. أهل الذمَّة في الإسلام. ــ ترجمة وتعليق:حسن حبشي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994م
22. البلاذرى، فتوح البلدان، حققه: عبد الله أنيس الطباع، مؤسسة المعارف للطباعة، بيروت، 1987م
23. البيهقي، الحافظ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو أحمد. البيهقي: معرفة السنن والآثار عن الإمام أبي عبد الله محمد بن أدريس الشافعي، تحقيق: سيد كسروي حسن، بيروت، دار الكتب العلمية.
24. الذهبي, ســـير أعــــــلام النبــــــلاء، مؤسسة الرسالة ــ ط2. ــ بـــيروت
25. الراغب الأصفهانى، المفردات في غريب القرآن، تحقيق: محمد سيد كيلانى، دار المعرفة، بيروت
26. الترمذي، محمد بن عيسى: الجامع الصحيح، تحقيق محمود محمد، الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتب العلمية، (1421هـ2000م).
27. الجوهري: تاج اللغة وصحاح العربية المسمى الصحاح، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1419هـ، 1999.
28. السرخسى: شرح السير الكبير، قدم له د. عبد العظيم العناني، تحقيق: أبو عبد الله محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م.
29. السيد أحمد المخزنجي، العدل و التسامح في ضوء الإسلام، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2006م.
30. الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم: المعجم الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد،‏عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، القاهرة، دار الحرمين، (1415هـ).
31. الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم: المعجم الصغير (الروض الداني)، تحقيق: محمد شكور محمود الحاج أمرير، الطبعة الأولى، بيروت، عمان، المكتب الإسلامي، دار عمار، (1405هـ/1985م).
32. الطبرى (أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى): تاريخ الطبري تاريخ الرسل و الملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، الطبعة الثانية،القاهرة.
33. الطبرى (أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى): جامع البيان عن تأويل آى القرآن، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركى، دار هجر للطباعة والنشر و التوزيع و الإعلان، الطبعة الأولى، القاهرة، 1422هـ - 2001 م .
34. القرطبى (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي): الجامع لأحكام القرآن،، تحقيق د.عبد الله عبد المحسن التركى، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 2006.
35. توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام,ترجمه إلي العربية: د.حسن إبراهيم حسن، د.عبد المجيد عابدين، اسماعيل النحراوي، مكتبة النهضة المصرية، 1971م.
36. حسن المِمّي: أهل الذّمَّة في الحضارة الإسلامية، دار الغرب الإسلامي, بيروت: 1998م
37. د.حسن على حسن: أهل الذمة في المجتمع الإسلامي، سلسلة دراسات إسلامية، العدد (120)، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، جماد الآخر 1426هـ - يوليو 2005م.
38. د.حسين مؤنس،عالم الإسلام، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة, 1410هـ -1998م
39. زيغريد هونكه. شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربة، دار الآفاق الجديدة، 1993م
40. سيد قطب: في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة، 1405هـ - 1985م، الطبعة الحادية عشرة.
41. سيد قطب، السلام العالمى و الإسلام، دار الشروق، الطبعة الرابعة عشرة، القاهرة، 2006 م
42. سيِّدة إسماعيل كاشف، مصر الإسلامية وأهل الذمّة الهيئة المصرية العامّة للكتاب, القاهرة: 1993م
43. شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: د. عمر عبد السلام، الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتاب العربي، (1407هـ /1987م).
44. صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول،دار الوسيلة للطبع و النشر، جدة، 1418هـ - 1998م
45. د. صبحي الصالح: الإسلام ومستقبل الحضارة، الطبعة الثانية، دمشق، بيروت، دار قتيبة، ودار الشورى، (1990م).
46. صفى الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، دار الوفاء، الطبعة التاسعة عشرة، المنصورة، 2007م
47. عبد الرحمن الميداني: الأخلاق الإسلامية وأسسها، دار القلم، دمشق.
48. عبد الرحمن بن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ضبط المتن و الحواشى: خليل شحادة، مراجعة د.سهيل زكار، دار الفكر العربى للطباعة، بيروت، لبنان، 2000م.
49. د.عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبد الرحمن اللويحق، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى، 1423هـ - 2002م
50. عبد العزيز عبد الله الحميدي: التاريخ الإسلامي مواقف وعبر، دار الدعوة، الإسكندرية،، الطبعة الأولى 1418هـ- 1998م
51. د.عبد العزيز عثمان التويجرى، الحوار من أجل التعايش، دار الشروق، 1998م
52. د.عبد الله دراز، الدين، بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، دار القــلم، الكويت، الطابعة الثانية، 1390هـ=1970م
53. عبد المتعال الصعيدى: الحرية الدينية في الإسلام، دار المعارف، القاهرة، 2001م.
54. علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 1986م
55. د. على جمعة: التسامح الإسلامى في نصوص الشرع الشريف، مؤتمر التسامح في الحضارة الإسلامية، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة،1425هـ - 2004م.
56. علي عبد الواحد وافي: المساواة في الإسلام، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2007م.
57. علي عبد الواحد وافي: حقوق الإنسان في الإسلام، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، سلسلة قضايا إسلامية، العدد: 159، القاهرة، مايو 2008م.
58. علي بن محمد الجرجاني: التعريفات، تحقيق د. عبد المنعم الحفني، دار الرشاد، القاهرة.
59. د.على محمد الصلابى، السيرة النبوية عرض و قائع و تحليل أحداث، مكتبة فياض، المنصورة، 1428هـ - 2007م
60. عمر سليمان الأشقر، تاريخ الفقه الإسلامي، دار النفائس، لبنان، 1991م
61. محمد أبو زهرة: العلاقات الدولية في الإسلام، دار الفكر العربي، بيروت، 1415هـ - 1995م
62. محمد بن إسماعيل البخاري: صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت، 1415هـ 1995م، مطبوع مع فتح الباري لابن حجر العسقلاني.
63. د. محمد الراوي: الدعوة الإسلامية دعوة عالمية، مكتبة العبيكان، 1995م
64. محمد الغزالى: التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، دار نهضة مصر للطباعة و النشر، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2005م
65. محمد الغزالى: حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، نهضة مصر للطباعة و النشر، القاهرة، 2005م
66. محمد الغزالى: فقه السيرة، دار الشروق، القاهرة، 2000م.
67. مسلم بن الحجاج مسلم: صحيح مسلم، دار الخير، دمشق، بيروت، ط1، 1414هـ:، 1994م، مطبوع مع شرح صحيح مسلم للنووي.
68. محمد الخضري: تاريخ التشريع الإسلامي، المكتبة التجارية الكبرى، مطبعة السعادة، الطبعة السادسة، 1373هـ- 1954م
69. د.محمد الدسوقي: نحو رؤية إسلامية في القانون الدولي الإنساني, المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، سلسلة قضايا إسلامية، العدد: 156، القاهرة، فبراير 2008م
70. د. محمد الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام، دار الكلم الطيب، دمشق، الطبعة الثانية، 1418هـ=1997م
71. محمد الطاهر ابن عاشور: تفسير التحرير والتنوير، تونس، دار سحنون.محمد حسين فضل الله: في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، دار الملاك، ط1، 1414هـ، 1994م.
72. محمد الطاهر ابن عاشور, مقاصد الشريعةالإسلامية، تحقيق محمدالطاهر الميساوي, دار النفائس، الطابعة الثانية، عمان, الأردن, 2001 م.
73. محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية، دار النفائس، الطبعة الخامسة، 1405هـ- 1985م
74. د. محمد سيد طنطاوي: أدب الحوار في الإسلام، د.ط، القاهرة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، (1997م).
75. د. محمد سيد طنطاوي: هذا هو الإسلام، حوار هادئ مع قداسة بابا الفاتيكان، هدية مجلة الأزهر، مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة، ذي القعدة، 1427هـ.
76. محمد عمارة: الأقليات غير المسلمة في العالم الإسلامي، مؤتمر حقيقة الإسلام في عالم متغير، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية،القاهرة، 2003
77. محمد كمال المويل: الحوار في القرآن الكريم، الطبعة الأولى، دمشق، دار الفارابي للمعارف، (1320هـ/2000م).
78. محمد ناصر الدين الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة، المكتب الإسلامي، الرابعة 1405هـ.
79. محمد ناصر الدين الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، المكتب الإسلامي، الأولى 1399هـ
80. محمد ناصر الدين الألباني: صحيح السيرة النبوية، المكتبة الإسلامية، عمان، الطبعة الأولى.
81. محمد بن يعقوب الفيروز آبادي: القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط6، 1419هـ، 1998م.
82. محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبيل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تحقيق وتعليق الشيخ عادل احمد عبد الموجود الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الأولى 1414 ه‍ - 1993
83. د.محمود حمدى زقزوق: الإسلام و قضايا الحوار، مكتبة الأسرة و القاهرة، 2007م.
84. د.محمود حمدى زقزوق: التسامح في الإسلام، المؤتمر العام السادس عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية " التسامح في الحضارة الإسلامية "، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة،1425هـ - 2004م.
85. د.محمود حمدى زقزوق: حقائق إسلامية في مواجهة حملات التشكيك، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية،القاهرة، 1427هـ
86. د.محمود حمدى زقزوق، مقاصد الشريعة الإسلامية و ضرورات التجديد، سلسلة قضايا إسلامية، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، شوال 1424هـ - 2003م.
87. د.محمود محمد عمارة: من أجل حوار لا يفسد للود قضية، سلسلة البحوث الإسلامية، الكتاب التاسع، السنة الثامنة و الثلاثون، الأزهر الشريف، 1428هـ - 2007م.
88. د.مصطفي السباعي، من روائع حضارتنا، دار السلام، القاهرة، 1998
89. د. مصطفى محمود عفيفي، الحقوق المعنوية للإنسان بين النظرية و التطبيق، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى
90. ول ديورانت، قصة الحضارة.,مكتبة الأسرة، القاهرة، 2001م.
91. د. وهبة الزحيلي: آثار الحرب في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة، دار الفكر، 1981م.
92. د.يوسف القرضاوى: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع و التفرق المذموم، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2001م.
93. د. يوسف القرضاوى، غير المسلمين في المجتمع الاسلامى، مكتبة وهبة، الطبعة الثالثة، القاهرة، 1413هـ - 1992م
الفهرس

الموضوع الصفحة

المقدمة........................................... ...................................

2
فصل تمهيدى: التسامح و الإخاء الإنساني في القرآن و السنة.......................
5
التسامح لغةً .................................................. ...............

5
التسامح اصطلاحاً.......................................... ....................

5
تاريخية مفهوم التسامح .................................................. ......

6
المصطلحات ذات الصلة بالتسامح ...............................................

8
الرحمة .................................................. .......................

8
العفو .................................................. .......................

11
الحلم .................................................. .......................

13
الرفق .................................................. ......................

16
آيات القرآن الكريم التي تدعو إلى التسامح ......................................

19
الأحاديث النبوية التي تدعو إلى التسامح ......................................

21
من فوائد التسامح و السماحة ...............................................

24
الفصل الأول: التسامح الاسلامي و الحرية الدينية ...............................

26
الحرية الدينية في القرآن الكريم ..................................................

29
الحرية الدينية في السنة النبوية .................................................. .

37
شهادات المنصفين .................................................. ............

48
الفصل الثانى: التسامح الإسلامي و المساواة .....................................

55
المساواة في اللغة .................................................. .............

55
المساواة اصطلاحاً .................................................. ...........

56
من صور المساواة في الإسلام .................................................. .

56
المساواة في الكرامة الإنسانية .................................................. ..

58
الحق في الحماية .................................................. ..............

67
الحق في عصمة دمه و ماله و عرضه .............................................

69
المساواة في العمل و الاكتساب ..................................................

74
الحق في التأمين عند العجز و الفقر و كبر السن ...................................

78
مجادلتهم بالحسنى .................................................. .............

81
الفصل الثالث: التسامح الإسلامي وقت الحرب ...............................

86
عدم الإجهاز على الجرحى .................................................. ...
93
عدم الإفساد في الأرض................................................... .......

93
منع التفريق بين الوالدة وولدها في السبى..........................................

94
الوفاء بالعهد وعدم الغدر أو الخيانة ..............................................
94
الإحسان في القتل والنهى عن التمثيل والتحريق ..................................

96
النهى عن قتل من أَمَّنَهُ المسلمون.................................................
98
النهى عن قتال وترويع المدنيين ومن ألقى السلاح من المقاتلين ......................

100
حسن معاملة الأسرى والرقيق والسبى ............................................
102
الخاتمة .................................................. .......................

109
النتائج .................................................. .....................

110
قائمة المراجع .................................................. ................

114

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك


([1]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب إثم الغادر للبر والفاجر

([2]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب الجزية والموادعة باب الوصاة بأهل ذمة رسول الله r

([3]) أخرجه أحمد في مسنده، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6781) من حديث حذيفة بن اليمان.

([4]) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الجهاد باب فى الإمام يستجن به فى العقود

([5]) أخرجه البخاري فى صحيحه كتاب الجهاد والسير باب دعاء النبى r الناس إلى الإسلام والنبوة

([6]) صحيح مسلم (1955)

([7]) أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب الجهاد والسير باب التوديع

([8]) أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب العتق باب إذا ضرب العبد فليتق الوجه

([9]) صحيح مسلم كتاب كتاب الجهاد والسير باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصية إياهم بآداب الغزو وغيرها

([10]) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه.

([11]) السلسلة الصحيحة (2377)

([12]) أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب الجهاد والسير باب ما يكره من النزاع والخلاف فى الحرب وعقوبة من عصى إمامه

([13]) الاية (126) سورة النحل

([14])الآية (6) سورة التوبة

([15])أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب فضائل المدينة باب حرم المدينة

([16]) أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب الصلاة باب الصلاة فى الثوب الواحد متلحفا

([17]) د.محمد الصادق عفيفي، الإسلام والعلاقات الدولية:، دار الرائد العربي، بيروت 1406هـ. ، ص: 317.

([18]) السير الكبير، الجزء الأول، ص: 69.

([19]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد . أحمد في مسنده .

([20]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد . أحمد في مسنده .

([21])نيل الأوطار: الشوكاني، جـ8، ص30.

([22])الآية (6) سورة التوبة

([23]) القرطبى، الجامع لأحكام القرآن، الجزء الثامن، ص: 139.

([24]) السرخسي، الجزء العاشر، ص: 92.

([25]) زاد المعاد، الجزء الأول، ص: 30.

([26]) الآيتان (8، 9) سورة الممتحنة .

([27]) الآية (190) سورة البقرة .

([28]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب قتل النساء في الحرب.

([29]) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد ، باب قتل [النساء في الحرب

([30])أخرجه أحمد في مسنده

([31]) سبيل الهدي والرشاد، الجزء الرابع، ص: 192.

([32]) تاريخ الطبري، الجزء الثاني، ص: 510 .

([33]) السيرة لابن هشام، الجزء الثالث، ص: 246.

([34]) أخرجه مسلم في صحيحه, كتاب الجهاد و السير, باب فتح مكة .

([35])الأسير: هو المأخوذ فى الحرب، فهو المقاتل من الكفار يظفر به المسلمون حياً . المعجم الوسيطالأسرى جمع أسيرٍ، ويجمع أيضاً على أسارى وأسارى. والأسير لغةً: مأخوذٌ من الإسار، وهو القيد، لأنّهم كانوا يشدّونه بالقيد. فسمّي كلّ أخيذٍ أسيراً وإن لم يشدّ به. وفي الاصطلاح: عرّف الماورديّ الأسرى بأنّهم: الرّجال المقاتلون من الكفّار، إذا ظفر المسلمون بهم أحياءً. وهو تعريفٌ أغلبيٌّ، لاختصاصه بأسرى الحربيّين عند القتال، لأنّه بتتبّع استعمالات الفقهاء لهذا اللّفظ يتبيّن أنّهم يطلقونه على كلّ من يظفر بهم من المقاتلين ومن في حكمهم، ويؤخذون أثناء الحرب أو في نهايتها، أو من غير حربٍ فعليّةٍ، ما دام العداء قائماً والحرب محتملةٌ. الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية، الكويت، 1986م، الجزء الرابع، ص ص: 194، 195 .

([36]) الآيات (8: 10) سورة الإنسان .

([37]) الآية (70) سورة الأنفال .

([38]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النذور، باب لا وفاء لنذر في معصية الله .

([39])أخرجه أبو داود في سننه كتاب العتق باب في بيع المكاتب

([40])أخرجه الترمذى في سننه كتاب السير، باب ما جاء في كراهية وطء الحبالى من السبايا

([41])أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب الكسوة للأسارى

([42]) الآية (99) سورة يونس .

([43]) الآية (256) سورة يونس .

([44]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي 4372, باب وفد بني حنيفة و حديث ثمامة

([45])أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب فكاك الأسير

([46])الآية (67) سورة الأنفال

([47])الآية (36) سورة إبراهيم

([48])الآية (118) سورة المائدة

([49])الآية (88) سورة يونس

([50])الآية (26) سورة نوح

([51]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، الجزء الرابع، ص ص: 88، 89 .

([52]) ابن كثير، البداية و النهاية، الجزء الثالث، ص: 307 .

([53]) ابن هشام، السيرة النبوية، الجزء الأول، ص: 644 .

([54]) ابن هشام، السيرة النبوية، الجزء الأول، ص: 644 .

([55]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب كسوة الاسارى

([56]) الواقدى، المغازى، الجزء الأول، ص: 119 .

([57]) علي محمد الصلابي، السيرة النبوية، الجزء الثاني، ص: 41 .

([58]) وهبة الزحيلي، آثار الحرب في الفقه الإسلامي، دار الفكر، دمشق، 1998م، ص: 414 ..

([59]) ابن القيم الجوزية، زاد المعاد ، الجزء الثالث، ص: 187 .

([60]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازى، باب دعاء النبى على كفار قريش .

([61]) أخرجه أحمد في مسنده .

([62])الآية (107) سورة الأنبياء .

([63])الآية (6) سورة المائدة .

([64])يقول ابن قيم الجوزية: " إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله ص أتم دلالة وأصدقها وهي نوره الذي به أبصر المبصرون وهداه الذي به اهتدى المهتدون وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل وطريقه المستقيمالذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل فهي قرة العيون وحياة القلوب ولذة الأرواح فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها وحاصل بها وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم وهي العصمة للناس وقوام العالم وبها يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم رفع إليه ما بقى من رسومها فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة " ابن قيم الجوزية, إعلام الموقعين عن رب العالمين، دراسة وتحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة 1388هـ/1968م، الجزء الثالث، ص: 3 .

([65]) الآية (3) سورة المائدة .

([66]) الآية (20) سورة الجاثية .

([67]) الآية (107) سورة الأنبياء .

([68]) د.سيد قطب، السلام العالمى و الإسلام، دار الشروق، الطبعة الرابعة عشرة، القاهرة، 2006 م، ص: 159 .

([69]) الآية (5) سورة المائدة .

([70]) أخرجه الترمذى في سننه، كتاب البر و الصلة، باب ما جاء في حق الجوار .

([71]) الآية (107) سورة الأنبياء .

([72]) الآية (85) سورة الحجر .

([73]) الآية (125) سورة النحل .

([74]) أخرجه أحمد في مسنده .

([75]) الآية (285) سورة البقرة .

([76]) الآية (1) سورة النساء .

([77]) الآيتان (71, 72) سورة ص .

([78]) الآية (70) سورة الإسراء .

([79]) الآية (46) سورة العنكبوت .

([80]) الآية (125) سورة النحل .

([81]) الآية (8) سورة الممتحنة .

([82]) الآية (256) سورة البقرة .

([83]) ابن كثير، البداية و النهاية، الجزء الثالث، ص: 375 .

([84])الآية (32) سورة المائدة .

([85])أخرجه البخاري فى صحيحه، كتاب الديات، أخرجه النسائى فى سننه، كتاب القسامة .

([86]) علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 1986م، الجزء السادس، ص: 280 .

([87]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد و السير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصية إياهم بآداب الغزو وغيرها .

([88]) زيغريد هونكه. شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربة، دار الآفاق الجديدة، 1993م، ص: 364 .

([89]) الآية (107) سورة الأنبياء .

([90])الآية (82) سورة النساء .

([91]) الآية (286) سورة البقرة .

([92]) الآيات ( 180: 182) سورة الصافات .

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22