عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2012 ~ 11:28 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي
  مشاركة رقم 9
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


إعادة بناء نصوص العهد الجديد
هناك مشكلات مماثلة ، بطبيعة الحال ، تنطبق على كتاباتنا المسيحية المبكرة ، سواء أكانت تلك الموجودة في العهد الجديد أو الموجودة خارجه ، وسواء أكانت أناجيل ، وأعمالا ، رسائلا ،رؤىً ، أو أيًّا من أنواع الكتابة المسيحية الأخرى .
مهمة الناقد النصي هي "تحديد" ما يمثله الشكل الأقدم لكل هذه الكتابات . كما سنرى ، هناك مبادئ مستقرة للقيام بهذا ال"تحديد" ، وهناك طرق لتقرير أي من الاختلافات الموجودة في مخطوطاتنا هي التي تمثل الأخطاء(غير المقصودة) ، وأيها يمثل تغييرات مقصودة ، وأيها يبدو أنه يعود إلى المؤلف الأصلي . لكنها ليست مهمة يسيرة . فالنتائج ، من ناحية أخرى ،يمكن أن تكون كاشفة ،وممتعة و حتى مثيرة . لقد كان النقاد النصيون قادرين على تحديد عدد من المواضع التي لا تمثل فيها المخطوطات التي بين أيدينا نص العهد الجديد الأصليّ وذلك بيقين نسبيّ. بالنسبة لهؤلاء الذين ليس لديهم إطلاقا أيُّ معرفة مناسبة بهذا المجال ، ولكنهم يعرفون العهد الجديد جيدا ( فلنقل ، من خلال الترجمة الإنجليزية)، يمكن أن تكون بعض النتائج مفاجئة . في ختام هذا الفصل ، سأناقش فقرتين مشابهتين ـ فقرتان من الأناجيل ،في حالتنا هذه،نحن الآن على يقين تام من أنهما لم تكونا منتميتين في الأصل إلى العهد الجديد، على الرغم من أنهما أصبحتا أجزاءا مشهورة من الكتاب المقدس بالنسبة للمسيحيين عبر القرون وظلا هكذا حتى اليوم .

المرأة الزانية
قصة يسوع والمرأة الزانية ربما هي واحدة من أشهر قصص يسوع في الكتاب المقدس ؛ ولقد ظلت دائما إحدى القصص المفضلة لدى جميع أفلام هوليوود التي تناولت حياته . بل إنها حتى نجحت في أن تكون جزءا من فيلم آلام المسيح لمخرجه مل جيبسون ،رغم أن الفيلم يركز فقط على الساعات الأخيرة من حياة يسوع ( القصة تمت معالجتها في إحدى الارتجاعات الفنية (flashbacks) ). هذه القصة ،رغم شهرتها ، موجودة في فقرة واحدة فقط من العهد الجديد ،تحديدا في يوحنا 7 : 53 ـ 8 : 12 ، وهي لا تبدو أصليةً حتى في هذا الموضع .

حبكة القصة عادية . فيسوع يعلِّم في الهيكل ، ومجموعة من الكتبة والفريسيين ،أعداءه اللدودين ،يقتربون منه ، محضرين معهم امرأة " أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ" .لقد أحضروها أمام يسوع لأنهم يريدون أن يضعوه أمام اختبار. فالشريعة الموسوية ،كما يخبرونه ،تطالب بأن ترجم مثل هذه المرأة حتى الموت ؛ لكنهم يريدون أن يعرفوا ما سيقوله هو حول هذا الأمر. هل ينبغي أن يرجموها أم يظهروا تجاهها الرحمة ؟ إنه شَرَكٌ ،بطبيعة الحال. فلو أخبرهم يسوع أن يتركوها لحال سبيلها ، سيتهم بأنه قد انتهك شريعة الله ؛ ولو قال لهم أن يرجموها سيتهم بمخالفة تعاليمه الخاصة عن المحبة والرحمة و الغفران . لم يتعجل يسوع الرد ؛ بدلا من ذلك انحنى ليتمكن من الكتابة على الأرض . ولما استمروا في سؤاله ، إذا به يقول لهم ،" مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ! ". ثم يعود إلى كتابته على الأرض ،في حين يبدأ هؤلاء في المغادرة - وهم يشعرون كما هو واضح بالخزي من فعلتهم الشريرة - حتى إن أحدًا بخلاف المرأة لم يبق في المكان. فنظر يسوع إلى أعلى ، وهو يقول:" يَا امْرَأَةُ أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ " فردت عليه " لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ " فأجابها حينئذ " ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً" . إنها قصة رائعة ، مفعمة بالمشاعر و بالمدارة الماكرة التي استخدم فيها يسوع ذكاءه لينجو بنفسه- ناهيك عن المرأة المسكينة- من هذا الشَرَك .

بطبيعة الحال ، بالنسبة لقارئٍ يقظٍ ، تثير القصة أسئلة عديدة . لو كانت هذه المرأة مقبوض عليها بتهمة الزنا ، على سبيل المثال ،فأين الرجل الذي ضبطت معه ؟ كلاهما مستوجبٌ الرجم ، وفقا لشريعة موسى (انظر لاويين 20 : 10 ). فوق ذلك ، عندما كتب يسوع على الأرض ، ماذا كان يكتب بالضبط ؟ (وفقا لتقليد قديم ، كان يسوع يكتب خطايا المشتكين ،الذين لما رأوا أن جرائمهم كانت معروفة ،غادروا يجللهم العار!)

وحتى لو كان يسوع بالفعل يعلِّم رسالة المحبة ،فهل كان يعتقد فعلا أن شريعة الله التي أعطاها لموسى لم تعد سارية المفعول و ينبغي أن لا تطاع ؟ وهل كان يعتقد على وجه الإطلاق أن الخطايا لا يعاقب المرء عليها ؟

على الرغم من رونق القصة ،وجودتها الأخاذة ، وحبكتها الفطرية ، فهناك مشكلة أخرى عويصة تواجهها . كما سيتضح ، فهذه القصة لم تكن أصلية في إنجيل يوحنا. بل لم تكن ،في الواقع ، جزءا أصيلا من أيِّ إنجيل . فلقد أضيفت بمعرفة ناسخ آخر في زمن متأخِّر . كيف نعرف ذلك ؟ في الواقع ، العلماء الذين اشتغلوا بالتقليد المخطوط ليس لديهم أي شكوك بشأن هذه الحالة على وجه الخصوص . في هذا الكتاب في وقت لاحق سنقوم بفحص أكثر عمقًا أنواع الدليل الذي يورده العلماء للحكم على هذا النوع من التغيير. سأشرح الآن قليلا من الحقائق الأساسية التي ثبت أنها مقنعة للعلماء كلهم تقريبا من مختلف الاتجاهات : القصة غير موجودة في أقدم وأفضل مخطوطاتنا لإنجيل يوحنا (18) ؛ أسلوب الكتابة المستخدم فيها أصعب كثيرًا من ذلك الذي نجده في بقية إنجيل يوحنا (بما في ذلك القصص التي قبلها والتي بعدها مباشرة)؛كما تتضمن عددا كبيرا من الكلمات والجمل التي هي بطريقة أخرى غريبة عن الإنجيل . والنتيجة التي لا مفر منها : هذه الفقرة لم تكن جزءًا أصيلا من الإنجيل .

فكيف حدث أن أضيفت هذه القصة إذن ؟ هناك العديد من النظريات حول هذا الأمر . معظم العلماء يعتقدون أنه من المحتمل أنها كانت قصة معروفة ومتداولة في التقليد الشفوي حول يسوع ،وأنها أضيفت في لحظة ما إلى هامش إحدى المخطوطات . ومن هناك اعتقد بعض النساخ أو غيرهم أن الملاحظة الموجودة في الهامش يقصد منها أن تكون جزءا من النص ولذلك أدخلوها مباشرة بعد القصة التي تنتهي عند يوحنا 7 : 52 . من الجدير بالملاحظة أن نساخا آخرين أدخلوا القصة في مواضع مختلفة في العهد الجديد ـ بعضهم بعد يوحنا 21 : 25 ،على سبيل المثال،والآخرون ،وهو أمر في غاية الطرافة ،بعد لوقا 21 : 38 . على أية حال ، أيّا كان كاتب القصة ، إلا أنه لم يكن يوحنا بالتأكيد.

لو لم تكن هذه القصة جزءا من يوحنا في الأصل،فهل كان من المفترض أن تكون جزءا الكتاب المقدس؟ لن يجيب كل إنسان على هذا السؤال بالطريقة ذاتها ،لكن بالنسبة لغالبية النقاد النصيين ، الإجابة هي لا .

الاثنا عشرة عددًا الأخيرة من مرقس


المثال الثاني الذي سنناقشه ربما لا يكون مألوفا لدى القارئ المتقطع للكتاب المقدس، لكنه كان ذا أثر عظيم الشأن في تاريخ التفسير الكتابي (biblical) ويفرض مشكلات على الدرجة نفسها على علماء التقليد النصي للعهد الجديد. إن هذا المثال مأخوذ من إنجيل مرقس و يتعلق بخاتمته.

في الرواية المرقسية ، يقال لنا إن يسوع يصلب و يدفن بمعرفة يوسف الأريماتي في اليوم السابق للسبت (15 : 42 – 47 ). في اليوم التالي للسبت ،عادت مريم المجدلية و نساء أخريات إلى القبر ربما لكي يدهنَّ الجسد (16 : 1- 2 ). عندما يصلن ، يجدن أن الحجر قد تم تحريكه بعيدا . ولدى دخولهن إلى القبر ، يرين شابا في ثوب أبيض ، يخبرهن أن،" لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ هَهُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. " ثم يأمر النساء أن يخبرن التلاميذ أن يسوع قد سبقهم إلى الجليل و أنهم سيرونه هناك ،" هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ " لكن النساء يهربن من القبر ولا يقلن أي شئ لأي شخص ،" لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ "(16 : 4-8 ).

ثم تأتي الأعداد الاثنا عشر الأخيرة في مرقس الموجودة في كثير من الترجمات الإنجليزية المعاصرة ، وهي الأعداد التي تواصل الحكاية. يسوع نفسه يقال عنه إنه ظهر لمريم المجدلية ، التي ذهبت و أخبرت التلاميذ ؛ لكنهم لم يصدقوها( ألعداد 9 – 11). فيظهر بعد ذلك إلى اثنين آخرين (الأعداد 12-14 )، وفي النهاية للأحد عشر تلميذا (الاثنا عشر باستثناء يهوذا الإسخريوطي) الذين اجتمعوا معا على المائدة . يوبخهم يسوع على عدم إيمانهم ،ثم يكلفهم بالخروج و أن يكرزوا بإنجيله " لكل الخليقة". من يؤمن ويعتمد " يخلُص"، ومن لا يؤمن "يُدن". ثم يأتي اثنان من أكثر الأعداد إثارة للجدل في الفقرة :

وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ.يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ. (الأعداد 17 – 18 )

يُرْفَع يسوع إلى السماء ، ويجلس على يمين الله . وأما التلاميذ فيخرجون إلى العالم مكرزين بالإنجيل ،و كلامهم يشهد على صحته ما يرافقه من آيات (الأعداد 19 – 20 ).

إنها فقرة رهيبة ،غامضة ،مثيرة للمشاعر ،و قوية . إنها واحدة من الفقرات التي يستخدمها المسيحيون الخمسينيون لإظهار أن أتباع يسوع سيكونون قادرين على التكلم ب"ألسنة" غير معروفة لهم ، كما يحدث ذلك في أثناء طقوس العبادة عندهم ؛ وهي الفقرة الرئيسية التي تستخدمها مجموعات "مدربي الثعابين الأبالاتشيين " (Appalachian snake-handlers) الذين حتى اليوم يمسكون بالثعابين السامة في أيديهم لكي يظهروا إيمانهم بكلمات يسوع بأنهم عندما يفعلون ذلك لن يصيبهم أي أذى. لكن ثمة مشكلة واحدة . مرة أخرى ، هذه الفقرة ليست جزءا أصيلا في إنجيل مرقس . فلقد أضافها أحد النساخ المتأخرون . هذه المشكلة النصية بطريقة ما هي أكثر إثارة للجدل من الفقرة التي تتحدث عن المرأة الزانية ، لأن مرقس بدون هذه الأعداد الختامية سيكون له خاتمة شديدة التناقض و يصعب فهمها .

هذا لا يعني ،كما سنرى بعد لحظات، أن العلماء يميلون لقبول هذه الأعداد . أسباب اعتبارها إضافة هي أسباب قوية ، وتقريبا لا يمكن الجدال بشأنها . لكنَّ العلماء يتجادلون حول ما كانت عليه بالفعل النهاية الأصلية لإنجيل مرقس ، مع التسليم بأن هذه الخاتمة ،الموجودة في كثير من الترجمات الإنجليزية (على الرغم من أنها توسم عادة بأنها غير موثوقة )و في بعض المخطوطات اليونانية الأحدث ،غير أصلية . الدليل على أن هذه الأعداد لم تكن أصلية في إنجيل مرقس مشابه نوعيًا لذلك الخاص بالفقرة التي تتحدث عن المرأة الزانية ،ومرة أخرى لست بحاجة إلى الدخول في التفاصيل هنا .هذه الأعداد مفقودة في أقدم وأفضل مخطوطاتنا التي تخص إنجيل مرقس ، إلى جانب شواهد أخرى هامة ؛ فمثلا أسلوب الكتابة فيها يختلف عن ما نجده في أي مكان آخر في مرقس ؛ التحول أو النقلة بين هذه الفقرة و الأخرى التي تسبقها يصعب فهمه( مريم المجدلية ، مثلا ، يتم التعريف بها في العدد 9 كما لو كانت لم تذكر من قبل ، على الرغم من أنها تم التحدث عنها في الأعداد السابقة ؛ هناك مشكلة أخرى مع اللغة اليونانية يجعل حتى هذا التحول أكثر صعوبة )؛ وهناك عدد كبير من الكلمات والجمل في الفقرة ليس لها وجود في أي مكان آخر في مرقس. باختصار ، الدليل كاف لإقناع كل علماء النص تقريبا أن هذه الأعداد تمثل إضافة إلى إنجيل مرقس. في غياب هذه الأعداد ،مع ذلك ،تنتهي القصة بشكل مفاجئ للغاية . انتبه لما سيحدث عندما تحذف هذه الأعداد .يقال للمرأة أن تخبر التلاميذ أن يسوع سيسبقهم إلى الجليل و سيلتقيهم هناك ؛ لكنهن ،أي النساء ، يهربن من القبر و لا يقلن أي شئ لأي شخص " لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ ". وهنا ينتهي الإنجيل . من الواضح أن النساخ اعتقدوا أن الخاتمة كانت مفاجئة للغاية . هل النساء لم يخبرن أحدًا ؟ إذن ،هل التلاميذ لم يعرفوا على الإطلاق بحدوث القيامة ؟ وهل يسوع نفسه لم يظهر لهم أبدا ؟ يالها من خاتمة! لحل هذه المشكلة ، أضاف النساخ خاتمة من عندهم (19) .

"بعض العلماء يتفقون مع النساخ حول الاعتقاد بأن العدد 16 : 8 هو نهاية تم بترها بشكل مفاجئ جدا يتجاوز الحد المعقول بالنسبة لخاتمة إنجيل. و لا يعني هذا ،كما أشرت من قبل ، أن هؤلاء العلماء يؤمنون بأن الأعداد الاثنا عشر الأخيرة الموجودة في مخطوطاتنا الحديثة نسبيا تمثل النهاية الأصلية ـ هم يعلمون أن هذا ليس صحيحا ـ لكنهم يعتقدون أن الصفحة الأخيرة من مرقس ، التي يلتقي فيها يسوع فعليا تلاميذه في الجليل ، من المحتمل ، أن تكون قد فُقِدَت بطريقة ما، ويعتقدون أن كل نسخنا من الإنجيل تعود لتلك المخطوطة المبتورة بدون صفحتها الأخيرة . هذا التفسير جائز تماما .ومن الجائز أيضًا ،في رأي علماء آخرين ،أن مرقس لم يكن يقصد حقا أن ينهي إنجيله بالعدد 16 : 8 (20) . فهي بالتأكيد نهاية مروعة . فالتلاميذ لم يعلموا أبدا حقيقة قيامة يسوع لأن النساء لم يخبرنهم بذلك على الإطلاق . بقي سبب وحيد فقط يدفعنا للتفكير بأن هذه ربما تكون الطريقة التي اختارها مرقس لينهي بها إنجيله :ألا وهو أن مثل هذه النهاية تتوافق جيدا مع دوافع أخرى في كل مكان من إنجيله .فكما لاحظ دارسوا إنجيل مرقس طويلا ، لم يبدُ التلاميذ أبدا " أذكياء" في هذا الإنجيل (بخلاف بعض الأناجيل الأخرى). فالإنجيل يقول عنهم مرارا وتكرارا أنهم لم يفهموا يسوع (6 : 51 – 52 ؛ 8 : 21 )، وعندما يقول لهم يسوع في مناسبات عديدة أنه ينبغي أن يتألم ويموت ، يفشلون بوضوح في فهم كلماته (8: 31 – 33 ؛9 : 30 – 32 ؛10 : 33- 40 ). ربما ،في واقع الأمر ، لم يكن بإمكانهم على الإطلاق أن يفهموا( بخلاف قرّاء إنجيل مرقس ، الذين يستطيعون أن يفهموا من هو المسيح في الواقع من أول الأمر ). أيضًا ، من الطريف أن نلاحظ أنه في كل موضع من إنجيل مرقس ، عندما يتمكن شخص ما من فهم شئ ما عن المسيح ،يأمر يسوع هذا الشخص بالسكوت ـ إلا أن الشخص كثيرا ما يتجاهل الأمر ويذيع الخبر ( انظر مثلا 1 : 43 – 45 ). فياله من أمر مثير للسخرية أنه عندما يقال للنساء عند القبر أن لا يصمتن بل يتكلمن ، فإذ بهن يتجاهلن الأمر أيضًا ـ ويصمتن !

باختصار ، ربما كان مرقس قد تعمد أن يوقف قارئه مندهشا أمام هذه النهاية المبتورة ـ وهي طريقة ذكية لجعل القارئ يتوقف ، ويأخذ نفسا متقطعا و يسأل : ما هذا ؟




الخاتمة

الفقرات التي ناقشناها فيما سبق تغطي موضعين فقط من بين آلاف المواضع التي تعرضت فيها مخطوطات العهد الجديد للتغيير على يد النساخ . في المثالين كليهما ، نحن نتعامل مع إضافات أحدثها النساخ في النص ، أضافات ضخمة العدد . ومع أن معظم التغييرات لم تكن بهذه الجسامة ، إلا أنه ثمة كثير من التغييرات الهامة (وكثير جدا من التغييرات غير الهامة ) في مخطوطات العهد الجديد الموجودة لدينا . في الفصول التالية سنرغب في رؤية كيف بدأ العلماء في اكتشاف هذه التغييرات وكيف طوروا مناهج لفهم ما كان عليه الشكل الأقدم من النص ( أو النص " الأصلي ") ؛ سنكون حريصين بشكل خاص على رؤية المزيد من الأمثلة عن المكان الذي تعرضت فيه هذه النصوص للتغيير ـ وكيف أثرت هذه التغييرات على ترجماتنا الإنجليزية للكتاب المقدس . أودّ أن أنهي هذا الفصل بملاحظة بسيطة عن أمر مثير للسخرية الشديدة يبدو أننا اكتشفناه . كما رأينا في الفصل 1 ، كانت المسيحية منذ البداية ديانة كتابية أكدت على بعض النصوص باعتبارها الكتاب المقدس الرسمي . وكما رأينا في هذا الفصل ، رغم ذلك ، نحن لا نملك في الواقع هذه النصوص الرسمية . إن الديانة المسيحية هي ديانة توجهها النصوص وهذه النصوص قد تعرضت للتحريف ، وما بقي فقط ،في شكل نسخ، يختلف من واحدة لأخرى ، وفي كثير من الأحيان يكون الاختلاف في أمور شديدة الأهمية . إن مهمة الناقد النصي هي محاولة استعادة الشكل الأقدم من هذه النصوص . هذه المهمة واضح أنها شديدة الأهمية ، حيث إننا لا يمكن أن نفسر الكلمات الواردة في العهد الجديد لو لم نكن نعرف الشكل الذي كانت عليه الكلمات . فوق ذلك ، كما آمل أن يكون واضحا الآن ، معرفة هذه الكلمات هي أمر مهم ليس فقط من أجل هؤلاء الذين يعتقدون أن هذه الكلمات موحاة من الله . بل هي مهمة من أجل أي شخص يعتقد أن العهد الجديد كتاب هام . وبالتأكيد كل شخص مهتم بالتاريخ ، والمجتمع و بثقافة الحضارة الغربية يعتقد ذلك ، لأن العهد الجديد ،إن لم يكن أكثر من ذلك ، هو منتج ثقافي ضخم ، وكتاب يوقِّره الملايين ويمثل الأساس لأكبر الديانات في عالم اليوم ."


يتبع ..

  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22