صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > إسلاميات > هدي الإسلام

هدي الإسلام معلومات ومواضيع إسلامية مفيدة

الموريسكيون والمأساة الأندلسية

قراءة الماضي في الحاضر من خلال رواية الموريسكي للأستاذ حسن أوريد أحمد بابانا العلوي قبل الدخول في صلب الموضوع ، أود أن أذكر ببعض اللمحات التي نستضئ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-11-2013 ~ 06:38 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي الموريسكيون والمأساة الأندلسية
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012



قراءة الماضي في الحاضر من خلال رواية
الموريسكي للأستاذ حسن أوريد
أحمد بابانا العلوي
قبل الدخول في صلب الموضوع ، أود أن أذكر ببعض اللمحات التي نستضئ بها لقراءة النص الروائي ومقاربة مضامين الخطاب السردي ، من أجل فهم وتحديد معانيه أو بعبارة أخرى معاينة النص من خلال خصائص السياق المعرفي و الاجتماعي والإيديولوجي من منطلق أن الأديب يرى الكون والحياة رؤية خاصة ، وتتوفر له القدرة على التعبير عن هذه الرؤية بدقة.
فإدراك الحياة والقدرة على التعبير عن هذا الإدراك سمتان لازمتان للكاتب .
ـ1ـ
1ـ لقد حدد العلامة ابن خلدون في مقدمة تاريخه العوامل الحاكمة في التطور الإنساني عبرالعصور وهي المكان و الزمن والبشر..
ـ المكان: الجغرافيا أي الأرض والموقع والمناخ والموارد.
ـ الزمان: التاريخ أي تواريخ الشعوب والحضارات والصراعات والأفكار والعلوم..
ـ البشر : الأمم و الشعوب، والمجتمعات..
2ـ إن كل قوة اجتماعية، لابد لها من التعبير السياسي عن نفسها، ولا بدلها من إستراتيجية شاملة تناسب حجم مصالحها، سواء في المجال الإقليمي أو العالمي، وهذا ما يتطلب الحضور الدائم في الزمان والمكان
3ـ إذا كانت اللغة هي مرآة العالم فإن عمل الكاتب ينحصر في الإعراب عن المعاني أي البحث عن الحقيقة ..، أما الكتابة فهي طريقة من طرائق التفكير والتعبير تكشف عن حقيقة الحياة والوجود .
إن فن الكتابة أصدق مجال تتجلى فيه المشاعر والأحاسيس والمواقف ..، إن الكلمات ليست بأشياء بل دلالة عن الأشياء ومن تم فان الكاتب يبحث في الكلمات عن أفكار وفي الأفكار يبحث عن معاني وفي المعاني يبحث عن رؤى وصور ، وحقائق..، فالكاتب يتعرف أكثر وأعمق عبر الكتابة الروائية على الأحداث الاجتماعية...
فالرواية أداة للمعرفة العميقة والجميلة ، إنها تجعلنا أكثر إدراكا وإحساسا بكل ما حولنا: تقدم حقائق الصراعات الاجتماعية ، وأسبابها العميقة...
إن الرواية تسبر، وتكشف، وتعكس المراحل الأكثر أهمية في حياة الشعوب مثل حركة التحولات الهائلة التي تؤشر على الإنتقال من عصر إلى عصر ، ومن حضارة إلى أخرى، إنها المرآة التي يرى فيها الناس أنفسهم ، ويقرؤون أفكارهم و أحلامهم وطموحاتهم.
إن الرواية أداة معرفة، لكنها المعرفة الجميلة، إنها تخاطب العقل والوجدان معا، وتتوجه إلى الإحساس لكي تعلمه، وتحرضه على خلق المناخ الملائم للتغيير.
إن الروائي باعتباره شاهدا على عصره ، فهو جزء من حركة تاريخية ومجتمعية ، وهذا لا يتأتى إلا إذا وعى العصر الذي يعيش فيه، وألم بالتيارات والأفكار، والإنجازات التي تحققت.
إن التأثر المتبادل بين الروائي وعصره يجعل منه ممثلا لعصره، وشاهدا عليه، ويمكنه من خلق وعي جديد...
لقد قصدت من هذه التوطئة أن تكون مدخلا لعالم الرواية كعمل أدبي أهميته أنه يحقق لونا من ألوان الحركة الشعورية كغاية إنسانية حيوية قد تدفع إلى تحقيق اثارا أخرى أكبر وأبقى.
ـ2ـ
أصدر الأستاذ حسن أوريد روايته الثالثة الموريسكي Le morisque باللغة الفرنسية في بداية سنة 2011 عن دار أبي رقراق وصدرت الترجمة العربية عن نفس الدار أنجز الترجمة الأستاذ عبد الكريم الجويطي .
وموضوع الرواية الأساسي يتمحور حول مأساة الموريسكين في الأندلس بعد سقوط غرناطة سنة 1492.
تطرق المؤلف ‘إلى العديد من القضايا تظهر التداخل والتشابك بين الماضي والحاضر، سواء تعلق الأمر بالصراع المحتدم بين الإسلام والغرب أو بالعلاقات بين ضفتي المتوسط (إسبانيا والمغرب) ،أو بالحوار مع الآخر، أو بالصراعات السياسية والاجتماعية و الإثنية أو بطغيان السلطة ودور المثقفين ،أو بعلاقة الدين بالدولة، أو بأزمة العالم الإسلامي السياسية والحضارية التي أدت إلى سقوط الأندلس .
كل هذه القضايا تناولها المؤلف في ثنايا الرواية بكثيرمن الحذاقة الفنية.
قسم المؤلف روايته إلى حلقات وفصول مرتبة ترتيبا كرونولوجيا على طريقة الحوليات أو المذكرات باعتبارها مذكرات للشخصية الرئيسية في الرواية أحمد شهاب الدين أفوقاي
ومن المعلوم أن الزمن التاريخي هو الذي يتخذ من التاريخ موضوعا للحكي ، وبهذا الصدد يميز تودوروف Todorov بين زمن القصة و زمن الخطاب .
إن زمن الكتابة لا يصبح عنصرا أدبيا إلا عندما يدخل في القصة ويجسده الكاتب في عمله . إن الزمن العالم المتخيل أي زمن القصة مرتب ترتيبا كرونولوجيا .
ولا بد أيضا من التذكير بأن الكاتب يضع شخصيات أسطورية أو تاريخية ويعالجها من وجهة العصر الذي يعيش فيه وهكذا لا يمكن عزل التقنية الروائية عن لحظة الكتابة التي تعالج الزمن التاريخي معالجة تبني على الأنماط، و الأنساق الموجودة في العصر أي وفق الزمن الثقافي الذي يعيش فيه الكاتب.
إذن موضوع الرواية كما أشرت من قبل يتمحور حول مأساة الموريكسين الذين أجبروا بعد سقوط غرناطة على التنصر قهرا خلافا للعهود التي أعطيت لهم من طرف الملوك الأسبان أو الهجرة، وسوف يصدر قرار بتهجيرهم في عهد فليب الثالث سنة 1609 رغم أن السواد الأعظم كان قد تنصر وأصبح مندمجا في الحياة الإسبانية، لقد تعرض الموريسكيون إلى ألوان من الإضطهاد والعنصرية والتطهير العرقي من طرف الدولة الإسبانية ولا شك بان محنتهم مازالت تؤرق الضمائر الحية وأكبر دليل على ذلك كتاب المؤرخ الإسباني رودريجودي ثياس rodrigo de zayas "المرسكيون وعنصرية الدولة"
(et le racisme d’Etatles morisques)
اتخذ المؤلف من شخصية أحمد بن قاسم أفوقاي صاحب كتاب "ناصر الدين على القوم الكافرين" الشخصية الأساسية التي سوف ينسج حولها نصه السردي .
أحمد بن قاسم افوقاي الحجري من السادة المورسكيين هاجر إلى المغرب وعمل في بلاط السلطان السعدي أحمد منصور الذهبي وتولى السفارة باسم السلطان السعدي إلى العديد البلدان الأوروبية ، وقد ألف كتابه (ناصر الدين على القوم الكافرين) وهو مختصر لرحلته (رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب) وقد صدر الكتاب عام1987 بتحقيق الأستاذ محمد رزوق. وسوف ننتطرق إلى بعثته عندما نتناول الفصل الذي خصصه المؤلف للرحلة الدبلوماسية.
وهنالك أيضا الموريسكي محمد بن عبد الرفيع المتوفي (1652م ـ 1052هـ) صاحب كتاب (الأنوار النبوية في ابناء خير البرية) يشرح فيه واقع المعاناة التي عاشها المريسكيون وتطبيقهم الخفي للشعائر الإسلامية رغم القهر والتسلط الذي مورس عليهم.
لاشك بأن سقوط الأندلس صاحبته ظروف مؤسية،و لكي نفهم حقيقة الأزمة الأندلسية لابد من الإشارة إلى أن الأندلس الكبرى تمزقت بعد سقوط الخلافة (القرن الرابع الهجري)
وظهور دول الطوائف، وبعد عبور المرابطين إلى الأندلس أصبحت ولاية تابعة للإمبراطورية المغربية لأكثر من قرن ونصف (150سنة)
ولما ضعفت حكومة الموحدين، خرجت الأندلس الجديدة التي تضم مملكة غرناطة (سائر الأراضي التي تقع جنوب نهر الوادي الكبير وتمتد من مجراه حتى البحر الأبيض المتوسط جنوبا، و شمالا حتى اشبيلية وقرطبة. وهذا هو إقليم الأندلس (Andalucia)
الأندلس الصغرى.وقد سقطت مملكة غرناطة سنة 1492 على يد فرنادو و أزابيلا، وكانا يريدان القضاء على الاسلام بتحويل الشعب المغلوب إلى المسيحية بالقهر والقوة والغصب، مستعينين بأسقف غرناطة الذي أمر بإعدام كل من أبى التنصر أو الخروج من الجزيرة، ثم توالي الاضطهاد بعد التنصر ، فأمر المسلمين بخلع ثيابهم العربية الإسلامية، وأن يرتدوا الملابس النصرانية، ويحضروا بها القداس، وأن يتركوا عوائدهم الاجتماعية ، وأن يقيموا حفلات زواجهم في الكنيسة وأن يتركوا لغتهم ويتعلموا القشتالية لتكون لغتهم القومية، وقامت محاكم التحقيق أو التفتيش بالسهر على تطبيق هذه التوجيهات.
وفي عهد فليب الثاني صدر قانون (1556) يحرم استعمال اللغة العربية وسائر ما هو عربي من العادات والتقاليد(1) ويحرم هذا القانون الأغاني القومية والخضاب بالحناء، ولا يسمح بالاستحمام في الحمامات ، بل ينص على أن تهدم سائر الحمامات العامة و الخاصة...، ورغم تظلم زعماء الموريسكين إلى المجلس الملكي ثم إلى العرش، فإن مساعيهم ذهبت هباء(2).
لقد قامت الأندلس الصغرى (مملكة غرناطة) على أنقاض الأندلس الكبرى في القرن السابع الهجري أو الثالث عشر الميلادي، في الركن الجنوبي من شبه الجزيرة الإسبانية، وقد نهضت وازدهرت مملكة غرناطة وكانت مستودعا غزيرا للتراث الأندلسي العلمي والفني.
لما سقطت الأندلس في يناير 1492 أمر الكاردينال خمينس منفذ سياسة ديوان التحقيق (م حاكم التفتيش) بجمع الكتب العربية من أهالي غرناطة وأرباضها و جمعت أكداس هائلة، ضمت الكثير من المصاحف البديعة الزخرف، وآلاف من الكتب الأدبية ، والعلوم ، وأضرمت فيها النار جميعا(3).
لقد عاش المسلمون في إسبانيا زهاء ثمانية قرون، وقد تركت الحضارة الأندلسية الإسلامية أثارا عميقة مازالت ماثلة بقوة حتى اليوم في الحياة الإسبانية ، في تكوينها الثقافي، والعنصري ، وفي تقاليدها ولغتها ، ، ويرجع ذلك إلى المدى الطويل الذي عاشه الشعبان(الإسباني و الأندلسي) في شبه الجزيرة الإيبرية.وكذلك إلى الامتزاج القوي الذي طبع حياتهما المشتركة و إلى التفاعل الحضاري القوي بين الحضارتين .
كانت الحضارة الأندلسية تمتاز بتفوقها المادي والأدبي ، ولازالت هذه المؤثرات
الحضارية ، قائمة خاصة في جنوب إسبانيا، في تلك الربوع التي كانت تضم ولايات الأندلس القديمة (4)، وحول هذه المؤثرات الحضارية يقول الأستاذ "الدون برونات" في كتابه
(الموريسكسون الإسبان ونفيهم) :" إن السياسة الإسبانية لم تكتف بنفي الموريسكيون ، وما ترتب عن ذلك من نضوب حقولنا ومصانعنا ، وخزائننا، ولم يقتصر الأمر على انتصار التعصب وبربرية (ديوان التحقيق) ، بل تعداه إلى اختفاء الشعر، وشعور الجمال الموريسكي ، والأدب الذي رفع سمعته تاريخيا.(5) "
ومن دلائل التفاعل بين الموريسكين والأسبان، أن المورسكين وجدوا في اللغة الفشتالية، متنفسا لتفكيرهم، وآدابهم وأدعيتهم وكتبهم الدينية ، وقاموا بعد فترة بابتكار لغة جديدة ولا سيما الرومانية، وكانت هذه اللغة منتشرة في قرطبة وغيرها ممن الحواضر الأندلسية، ويتقنها بعض الفقهاء والعلماء ، وتعرف هذه اللغة "بالالخميادو" (Aljamaido) وهو تحريف إسباني لكلمة "أعجمية".يقول الباحث الإسباني "متديت أي بلايو"في تعريفها بأنها "اللغة الرومانية القشتالية، تكتب بحروف عربية".
وقد كتب الموريسكيون القرآن سرا، مقرونا بشروح وتراجم (الخميادية) كما كتبوا بالخميادو سيرة الرسول ، والأمداح النبوية ،وقصص الأنبياء ، وبعض كتب الفقه والحديث.
تكتب الأخميادو دائما بالشكل الكامل حتى يمكن قراءتها بالشكل الصحيح (6) .
والأدب المكتوب بالأخيمادو وإن لم تكن له ، ثروة جمالية ، وقيمة أدبية ذات شأن ، فإن له قيمة تاريخية واجتماعية، هامة في الكشف عن التقاليد والعادات، ويرى بعض النقاد أنه ترك أثرا في اللغة الإسبانية وفي الشعر ، وفي الأفكار الدينية وغيرها (7).
لقد كتبت حول الحضارة الأندلسية ، وتاريخها ، وعلومها ، وآدابها وأعلامها العديد من المؤلفات .
ويرى الأستاذ عبد الله عيان بأن الموضوع الجوهري هو موضوع سقوط الأندلس لم يلتفت إليه البحث، ولم تتناوله الأقلام والبحوث الغربية بصورة جدية وكذلك لم تتناوله الأقلام العربية بصورة وافية، ومما يدعو للأسف أن لا ينصب جهد البحث حول أسباب و عوامل السقوط.
لقد تحدث المقري في نفخ الطيب عن جنة الأندلس وصورها في أروع الصور وأمتعها، إلا أنه لم يحاول أن يحدثنا عن أسباب محنتها وسقوطها، كما لم يحاول أي مؤرخ آخر ممن كتبوا عن الأندلس وتاريخها العظيم أن يقترب من البحث.
أما الذين كتبوا عن تاريخ الأندلس من كتاب الغرب أمثال كوندي ودوزي وسكوت ولاين بول وغيرهم.
فإنهم تناولوا هذا الموضوع بصفة عابرة، ولم يحدثنا أحد منهم عن أسباب سقوط الأندلس بصورة واضحة ومقنعة(8).
لامراء بأن البحث في عوامل السقوط، وظروفها جديرة بان تتوجه إليها جهود الدارسين، من أجل فهم العوامل المتحكمة في حركة التاريخ ، والناظمة لعملية الإستمرار والتغير وذلك وفقا لقوانين التاريخ، التي على ضوئها، يمكن استخلاص العبر، واستشراف المستقبل، بوضع رؤية استراتيجية تؤسس لدور فاعل ومؤثر في سيرورة الأحداث الكونية والصراعات السياسية والحضارية ، والجيواسترتيجية.
ـ3ـ
يتناول الفصل الأول من الرواية وضعية الموريسكين بعد سقوط غرناطة ويقول المؤلف بأنه صاغ شخصيته الروائية،من المادة المتاحة من كتاب "أفوقاي"، وذلك من أجل الوقوف عند مأساة الموريسكين التي تختلط في أذهان كثيرين بمن رحلوا بعد سقوط غرناطة، مباشرة أو قبلها.وهنالك في الآونة الأخيرة اهتمام بهذه المأساة.بخاصة في إسبانيا وتونس و لا يزال الاهتمام محتشما، في المغرب والجزائر(9).
وأوفى كتاب حول مأساة الموريسكين باللغة العربية صدر بالمغرب هو كتاب محمد قشتيلو (محنة الموريسكين في إسبانياـ 1980) يقدم لنا قصة ملخصة من المصادر الإسبانية.
يعتبر تصويرا حسنا لأدوارها وأسبابها، ونتائجها والكتاب يعتبر حدثا أدبيا و تاريخيا ، لأنه يعالج موضوعا أندلسيا قلما عولج باللغة العربية(10).
كان الموريسكيون في أغلبهم، مسيحيين جدد، كما يطلق عليهم في الأدبيات الإسبانية (لا مكان للمسيحية الصافية في قلوبهم) وتأسيسا على ذلك اعتبرتهم محاكم التفتيش مجرد مهرطقين،ومارقين عن الدين الحق.
الموريسكيون شأنهم، شأن يهود أسبانيا تعبيرا عما يمكن أن نسميه تلاقحا دينيا. فمعتقدات الموريسكين كانت مزيجا من مخلفات الإسلام، ومن تأثيرات المسيحية، ومن طقوس وثنية شأنهم في ذلك شأن اليهود المعروفين ب "الماران" الذين كانوا يمزجون بين العمق اليهودي، والتأثير المسيحي.
لقد عانى الموريسكيون الأمرين ، بعد أن استقروا في بلدان شمال إفريقيا (تونس وهران والجزائر، وتطاوين والرباط التي كانت تسمى في ذلك العصر بسلا الجديدة(11).
المأساة الموريسكية تشكل نقطة الارتكاز التي نسجت حولها الرواية من خلال شخصية شهاب الدين أفوقاي التاريخية.
إلا أن المؤلف يؤكد بأن عمله ليس حكيا لسيرة أفوقاي ولا هو تأريخ للموريسكين بالمعنى الدقيق للتأريخ ، هو رواية استقى مادتها من التاريخ ومن مأساة إنسانية، ليعبر عن قضايا راهنة أو ليلامس من خلالها قضايا راهنة.
فالموريسكيون في نحو ما من الأنحاء هو"نحن"المرحلون من ثقافتنا الأصلية..
إن آهة الموريسكيين في عملي هو انتفاضة ضد وضع جامد، يتكرر بوجوه جديدة، وهو اكتشاف للنص الأصلي لتاريخ المغرب الحديث الذي رسمه أحمد منصور الذهبي في توجهات الدولة المغربية في أساليبها، في طقوسها، في مراسمها، في مظاهر عظمتها، وأفولها، في رجالاتها ، من"المرتدين" والمرتزقة ، وشعراء البلاط، ومؤرخيها، وكتابها"(12).
وغني عن البيان أن الجانب الذاتي حاضر بقوة في هذا العمل .
ـ 4 ـ
في بلدة الحجر الأحمر مابين (1585ـ 1595) تبدأ قصة شهاب الدين أقوقاي الحجري الموريسكي كان والده فقيها تنكر في هيئة فلاح ، يحرث الأرض ، ربى أولاده على الانتماء إلى هويتهم، و ترسيخها في أعماقهم.
لقد تعرض الموريسكيون (Moriscos)تصغير كلمة (Moros) وهو الاسم الذي أطلقه أهل قشتالة على مسلمي الأندلس المتنصرين قسرا، ومعناه العرب الأصاغر احتقارا لهم ، وإمعانا في تذكيرهم بما آل إليه أمرهم من الضعة و الهوان ، تعرضوا لألوان وضروب الاضطهاد والمطاردات والمحن المروعة، حرص المؤلف أن يعرضها ويظهر فظاعتها في هذا الفصل الأول من الرواية.
ـ كان الموريسكيون متهمون بكل الفظائع والجرائم التي تحدث أو قد تحدث ، كان التقية تطبع سلوكهم ، لاشيء ينبغي أن يفضح انتماءهم للدين الإسلامي، يذهبون إلى القداس يوم الأحد ويلتزمون بكل المحرمات التي أقرتها الكنيسة، والمتعلقة باللباس والأعياد واللغة ، وإذا اكتشف أمرهم تكون العقوبة قاسية.
ـ لقد حرموا عليهم كل شئ يمت إلى عاداتهم وتقاليدهم ، وأصبح إقتراف أي شيئ من ذلك من باب الشبهة التي يجب تحاشيها.
يضعنا المؤلف في صورة تفاصيل هذه الحياة المزدوجة، التي لا تطاق، لأنها العذاب الذي لا يحتمل أو يطاق.
ـ كان والد شهاب الدين يريده أن يكون فقيها مثل أجداده.
ـ في عظة يوم الأحد استغل الراهب حادثة جريمة قتل، وألقى خطابا تحريضيا ، جاء فيه:" مادام هؤلاء المارقون يعيشون بين ظهرانينا، فلن نعيش أبدا طمأنينة، وهناء لقد حاولنا أن نهديهم إلى أنوار الدين الحق ، دين المسيح ، لكنهم يرفضون اعتناقه إنما يتظاهرون بذلك من باب المصلحة أو الخوف ، من النادر أن يصير مسيحي جديد مسيحيا حقيقا "(ص20)
ـ إنهم خونة في خدمة الخليفة العثماني grand turc)) كما أنهم يقيمون علاقات مع المغاربة (les maures de la berberies)الذين يشاطرونهم نفس العقيدة (22ص).
ــ فليس هنالك من حل سوى طردهم أو إبادتهم ليتسنى لنا العيش بسلام.
لقد سعت الكنيسة إلى أن تجعل من المسألة الموريسكية قضية دينية بالدرجة الأولي، وقامت بتهييج العواطف، وزرع الكراهية بين الجمهور لكي تحافظ على سلطتها.
ـ يصور لنا المؤلف حادث محاكمة(حمال وبناء) من المسيحيين الجدد أدينا من طرف الكنيسة بالقتل، ويعلق على ذلك بقوله:" كان إعدام المجرمين المزعومين من المسيحيين الجدد أو الموريسكين فرصة طفى فيها الصراع على السلطة بين رجال الكنيسة واللائكيين في إسبانيا فالرهان كان يتجاوز تنفيذ الحكم ،فالمستهدف هم الموريسكيون جميعهم .
ـ يقول السارد على لسان الأسقف:" لاشيء يفسد إيماننا المقدس مثل الهرطقة، إنها مثل الدودة للفاكهة ، تقضمها رويدا رويدا ، و تنتهي بإفسادها إن التسامح آفة ، ومن المحزن أن اللائكيين يتورطون مع هؤلاء الموريسكين الهراطقة (les Hérétiques)
بدعوى أن اقتصاد البلد في حاجة إليه و لكن مستقبل البلد ليس مسألة مادية فصفاء العقيدة مقدم على كل الاعتبارات ( ص26)، ويسترسل المؤلف في التأكيد على عناصر الصورة...
ـ إن العقيدة التي يراد لها أن تسود على الكراهية والظلم ليست بالتأكيد رسالة المسيح المفعمة بالمحبة ...
ـ إننا نرفض ما تقوم به محاكم التفتيش ، باسم المسيح من مظالم واعتداء وقتل وحرق...
ـ إنهم يحملوننا مشاكل المماليك الإيبيرية ويعتبروننا خونة في خدمة السلطان العثماني..
ـ لقد نكث القشتليون العهود التي أبرموها قبل استسلام غرناطة ، وفيها احترام المعتقد والإبقاء على المساجد والمدارس والممتلكات..، لم يكن في نية رجال الدين احترام العهود الموقعة ..
ـ قام أسقف طليطلة بتنصير المسلمين بالإكراه، وقام الموريسكيون بثورة ضد التنصير تم قمعها بوحشية..
ـ وقد تم كذلك إحراق المكتبات بما تحتويه من مخطوطات نفيسة
ويعلق السارد على ذلك بقوله :"لقد محقت ذاكرتنا وأصبحت عاداتنا ولهجاتنا مهددة بالضياع ..، إنه لأمر فظيع أن يفقد شعب ما لغته وثقافته (ص32).
ـ استنجد الموريسكيون بإخوانهم في الدين وأرسلوا إليهم يصفون حالتهم بأنها تجاوزت كل الحدود وأنهم صاروا مثل الأيتام في مأدبة اللئام.
ـ قاوم الموريسكيون مقاومة بطولية وشرسة في ظروف قاسية في جبال (البشارات) بعد القضاء على المقاومة عوملوا معاملة قاسية ومهينة ( يمكن أن نأخذ من الكائن البشري كل شئ إلا ما ينطوي عليه قلبه .)
أصدر رئيس الأساقفة أمرا بأن يقوم شهاب الدين بترجمة النصوص العربية إلى القشتالية ، وبذلك أصبح المترجم المعتمد لدى الكنيسة، الأمر الذي سيسمح له بالتعمق في المسيحية وتنمية معارفه في اللغة العربية، إلا أن وضعه أحاطه بالشكوك لأن كل من يعرف اللغة العربية كان موضع شك من الوسط الكنسي .
سافر إلى غرناطة ليقدم إلى الأسقفية ترجمة أنجزها بتوصية من الأسقف..
كانت الزيارة مناسبة اكتشف فيها جمال قصر الحمراء وما يرمز إليه..
عند عودته دعته أخته زهرة (إنياس Agnés) أن يرافقها في جولة في الحقول كانت الطبيعة بهية والثلج مازال يكلل جبال البشارات ويمنح المنظر جلالا مهيبا(ص43)
ـ تحدث عن قصر الحمراء باعتباره رمزا يجب أن يفتخر به الموريسكيون المسلمون..
ـ قالت :لم تعد ملكا للمسلمين لقد ضاعت منهم..، إنها الآن في حوزة من سيحافظ عليها..
ـ ثم قالت أنا متعبة من أن أعيش مسلمة داخل البيت ومسيحية في الخارج..
ـ كيف تعتبرين نفسك مسيحية بينما نحن مسلمون..
ـ إنه نفس الإله والمسلمون والمسيحيون يعبدونه بشكل مختلف..
ـ أنا تعبت من التستر، والتحايل وليست لدي رغبة في مغادرة مسقط رأسي الأفضل أن أكون مسيحية .
ـ لكن أن تكون مسلما يعني أن تكون وفيا لتاريخ آلامنا ولمأساة أهلنا.
ـ ما تعرض له أهلنا ظلم ولكن المسيح ليس مسئولا ..
ـ ولكن باسمه قامت محاكم التفتيش ..
ـ أنت رجل يمكنك الحفاظ على عقيدتك ..
ـ ولكن هناك الموريسكيات حاربن للدفاع عن عقيدتهن..
ـ أنا لا أريد أن أحارب ،أريد أن أعيش أن يكون لي بيت وأسرة ...
ـ هذا أفضل وسيلة للحفاظ على التراث ، أعرف أن أجدادنا كانوا فقهاء وعلماء حملوا لواء المعرفة والعلم على مر السنين ولكي أحافظ على الحياة سأحافظ على تراثهم وبفقدانها أفقد كل شئ ..، لن يكون بإمكاننا أن نكون شيئين معا ، نبقى في ديارنا ونحافظ على ديننا.
سنجبر يوما ما على الاختيار أو تغيير المعتقد الديني أو المحافظة عليه وضرورة مغادرة البلد.
في هذا الحوار العميق يساءل المؤلف المأساة بشرطها الإنساني ..
ـ ثم يعيد طرح السؤال كيف نختار؟
ـ العقيدة أكثر أهمية من الأرض بالنسبة للمسلم حين نفقد العقيدة لا يعود للحياة معنى، أما حين نفقد الأرض ونحافظ على العقيدة، فالأمل يبقى قائما في استعادت الأرض(ص47)
ـ ليس من السهل على المرء أن يفقد أرضه ..
ـ هناك من يختار الأرض ..، وهناك من يختار أن يحافظ على العقيدة..
ليس من الإنصاف أن نطلب من الروائي أن يكون له موقفا فلسفيا بغرض إقناع المتلقي حول ما يقدمه الروائي من صور و أحداث قد تنطوي عن مأزق وحرج كبيرين أملته طبيعة السياق الذي يعالج فيه المؤلف موضوعه ..، خاصة إذا تعلق الأمر بوضعية مِؤسية
ذات أبعاد إنسانية وثقافية ، لا يمكن فصلها عن الإطار التاريخي الذي تبلورت فيه ، وتشكلت باعتبارها ظاهرة ناتجة عن صراع سياسي وحضاري و جيواستراتجي ..
وبالتالي فالأصح أن ننظر إلى المسألة من زاوية "الإشكالية" أي البحث في كيفية تصور المشكلات في منظومة فكرية ..
بحيث يصبح السؤال الذي يطرح نفسه عن أسباب المأساة الأندلسية، لأن الغاية من دراسة التاريخ هي بالأساس استخلاص العبر لتجنب تكرار الأخطاء التاريخية..
ـ 5ـ
الفصل الثاني من الرواية تجري أحداثه في مراكش ما بين(1598ـ 1602)
هاجر شهاب الدين أفوقاي إلى المغرب وعين بديوان السلطان أحمد منصور الذهبي مكلفا بترجمة المراسلات من القشتالية ..
تعرف على أنتاتي (هنتاتي) وهو شاب مثقف يقرأ كثيرا ويعمل في ديوان السلطان، كما تعرف على دوغا الذي يعمل كاتبا في البلاط وهو شاب في العشرين من العمر ابن احد القواد السابقين في جيش السلطان معروف ب "دوغالي" من أوصول برتغالية فقد حظوته لدى السلطان وتم إبعاده..
كان عبد العزيز الفشتالي المؤرخ الأديب الشهير صاحب كتاب"مناهل الصفا" أهم شخصية في الديوان وهو من المقربين من السلطان المنصور ..، كان حريصا على أناقته وشديد الاعتناء بمظهره، له ذاكرة قوية يحفظ الكثير من الشعر العربي القديم كما كان شديد الإعجاب بشعر المتنبي ، كانت تحت إمرته خادم مساعد له في تحبير الخطابات يدعى الشاوي كان رجلا متملقا لم يكن متسقا في كلامه ولا ثابتا في أحكامه ولم يكن الإسلام بالنسبة له فلسفة ولا أخلاق وإنما دين السلطان ، ولهذا السبب كان يتبناه (ص77)
كان انتاتي يحتقر الشاوي، ذات يوم نشبت مشادة بينهما :
ـ أمازلت أيها الأمازيغي ترفض اعتمار الطربوش..
ـ اعتمر أجدادي دوما العمامة والأتراك ليسوا أجدادي..
ـ أنت جاحد ، بفضل سيدي تعلمت العربية وصار بإمكانك التخاطب بلغة متحضرة .
ـ روحي بقيت أمازيغية..
ـ إنكم خونة ..
ـ ليس هناك خيانة أكبر من انتزاع الأرض من مالكيها وطمس ذاكرتهم بالأكاذيب والأراجيف.
ـ الله وحده يعرف حقيقة الأصول العرقية ..، ثم ما أهمية ذالك ؟
كان أنتاتي أمازيغيا قحا متشبعا بالفكر الفلسفي و المنهج النقدي ..، يرفض الاتجاهات المحافظة والدغمائية...
وهكذا فالبلاطات وحدها قادرة على تجميع العناصر المتنافرة.وإذا كانت الصدفة وحدها تحدد تركيبة البلاط فليست الصدفة وحدها هي المتحكمة في التركيبة ، فالحسابات السياسية تتدخل لتزكية هذا العنصر وعزل ذاك ..
ـ لقد تجردت من رؤيتي المثالية عن السياسة وعن البلاط:
إنهما كم هائل من الحسابات ومن الضربات ومن الدسائس (ص80)
يتناول المؤلف بالنقد سياسة السلطان أحمد منصور الذهبي الذي حكم المغرب في الفترة الممتدة من (1578ـ 1603).
كان السلطان المنصور في أوج مجده بعد الانتصار في معركة وادي المخازن على البرتغاليين..، ومن الأحداث الهامة في عهده حملته على السودان تحت إمرت القائد جودر باشا ..
حرص السلطان على القيام بذلك ـ رغم معارضة رجال الدولة والعلماء ـ ، لتعزيز مكانته وأيضا من أجل الحصول على الذهب ..
ويعتبر الإنجاز الكبير الذي أراد أن يخلد به ملكه هو بناؤه لقصر البديع وهو عجيبة من عجائب الدهر، استلهم نمط قصر الحمراء ..، فالقصر بأحواضه البديعة لا نظير له في بلاد المغرب الإسلامي..
وفي عهده تم إ صلاح نمط الحكم كما أدخلت مساطر إدارية جديدة منقولة عن النمط الإداري العثماني ..
كان يستحضر في ذهنه عظمة الحكم الإسلامي في الأندلس ، وأراد أن يبعث النموذج من خلال جعل نظامه تجسيدا يماثل البلاطات الأندلسية..
أما في المجال العسكري فقد تأثر بنظام الإنكشارية العثماني (ص82)
كان المنصور شديد الحرص على مراسم الديوان يخرج في جولات محاطا بأبهة ، يزور أضرحة الأولياء يقدم العطايا ، ويرمي بقطع الذهب على الفقراء وهم يتزاحمون من حوله .
كان يحب أن يقارن بأمراء الشرق ..، يريد أن يتجاوز كل ما حققته الأسر الأمازيغية التي حكمت المغرب من قبل ..
ـ حين يستولي الملل على ساكنة مراكش أو يحس السلطان بروح التمرد تسري فيها كان ينظم مهرجانا كبيرا، في أحواز المدينة لجيشه، يستولى به على الألباب، فلا حديث إلا عن عظمة الجيش وقوته الضاربة وتنظيمه المحكم"(ص83).
كان السلطان صارما لا يقبل الاعتراض على قراراته ،أمر قائد حملة السودان جودر باشا، بنقل العالم أحمد بابا التنبوكتي الذي( عارض الحملة )إلى مراكش في ظروف جد قاسية كسرت فيها ذراعه، اثر سقوطه من فوق ناقته..
وفي نفس السياق يروي المؤرخ الافراني في (نزهة الحادي) أن الكبير قضاة فاس الأحمدي، في طريقه إلى مراكش، ليشارك في احتفالات عيد الأضحى، رأى صفا من الرجال والنساء والأطفال مكبلين، وراعه منظر امرأة فاجأها المخاض وهي مقيدة، وآلمه عجزه عن فعل أي شئ ..
فالحراس، لا يكترثون بمعاناة المرأة وهي تضع، ولا مبالين بتوسلات القاضي..
في مراكش ابلغ القاضي السلطان بما رآه، وفوجئ بمقاطعته له، فأدرك جرم فعله فارتمى على قدمي السلطان طالبا صفحه.
ـ قال له السلطان موبخا: لو لم تكن من المقربين لي باعتبارك أستاذا لي لعاقبتك أشد العقاب على كلامك المتهور"لو لا ما رأيت ما أمكنك أن تجئ مع أصحابك عشرة أيام في أمن ودعة، فان أهل المغرب مجانين مارستانهم هي المحن، من السلاسل والأغلال."(ص84)
ـ كان انتاتي الذي التحق ببلاط السلطان بعد معركة وادي المخازن معتقدا في صديقيه السلطان وتوجهاته ، إلا أن مجريات الأمور أكدت له أنه كان مخطئا.
ووجد نفسه رهينة..، فهو مجرد صورة تزين البلاط وتحفة من بقايا مصمودة ، لعله انتقام السلطان السعدي ..
حينما تكون موازين القوى غير متكافئة ، من الأفضل أن يلعب الواحد ، دور الأبله ...
ـ كان يعرف جيدا ما يدور ،كما أن معرفته بالناس ، وبالخبايا تجعل تحليلاته صائبة أو محتملة الصحة ..(ص88) كان منبعا للعلم والمعرفة ، لكنه لم يكن راضيا بذلك ، فهو يؤمن بأن لاشيء يعلو على الفعل والممارسة..
"ألوذ بالكتب، لأنني لا املك خيارا أخر"(ص90)
يقول بأنه قرأ مقدمة ابن خلدون وخرج بخلاصة بان الدهماء هي التي تصنع التاريخ...
يسترسل المؤلف في سرد الأحداث وسبر ادوار الشخصيات مازجا بين الوقائع التاريخية بالتخيل السردي ...
طرأت تصدعات وشروخ في بنية النظام ، وبدأ الضعف يدب إلى أوصال الدولة السعدية. تمرد المأمون ابن السلطان وخليفته على فاس واضطر السلطان إلى القيام بحملة عسكرية لردع ابنه العاق كان الابن المتمرد(المأمون) هو المرآة التي تنعكس فيها أنانية السلطان
(فالابن مرآة الأب )، والأب يرفض رؤية نفسه في المرآة لأنه غير قادر على رؤية الواقع
كما هو..
يذهب إلى فاس ليحطم المرآة، التي تعكس الواقع على حقيقته...، كان المنصور رغم عبقريته ،لم ينفك يكرر نفسه، بينما العالم من حوله يتغير ، كان غير قادر على التفكير السديد والرؤية الواضحة لم ينتبه إلى ذلك، وهو الآن يقف أمام المرآة التي تعكس
حقيقته ...(ص104)
كان اضطراب الأوضاع مؤشرا على النهاية، كما كان يعكس الصراع على السلطة بين أبناء السلطان الثلاثة، ولا أحدا منهم كان مؤهلا لقيادة البلاد.
إن ما يدور من صراعات سياسية في أعماق المغرب أثارت لدى شهاب الدين أشجانا ذكرته بالأندلس التي هاجر منها ،كانت لديه صورة مثالية عن المجتمعات الإسلامية وعن دار الإسلام
ـ كنت منفيا وسأبقى منفيا إلى الأبد ، ولن يكون بإمكاني أن أتحدث بعاطفة جياشة، عن المغرب وتاريخه، ومستقبله كأي مغربي صميم..(ص106)
ـ كان انتاتي يجسد العبقرية الأمازيغية، وكان شهاب الدين يجسد العبقرية الأندلسية ، انقرض النموذجان..
ـ لن يعود بالإمكان استعادة نموذج الموحدين...
ـ تغير التاريخ منذ 1492 من هذه الصدمة صرنا تحفا من الماضي...
ـ ينبغي أن أتقبل وضعيتي ، بعيدا عن الشعور العاطفي...(ص107)
في ضريح الإمام الجزولي ، اقترب احد مريدي الزاوية من شهاب الدين ، وهمهم له بكلام مبهم، يتطلب منه بعض الوقت لتركيب معناه: (مات السلطان)..
ـ يتواصل الناس داخل الزاوية بكلمات مقتضبة أو باشارات مشفرة لايستطيع من ليس من المريدين أن يفقه معناها ...
فالحياة في الزاوية ، تجري بدون أن تكترث ظاهريا بما يجري حولها.
ـ هل في هذا تجسيد لانفصال السلطة الدنيوية عن السلطة الروحية ؟، فبين الاثنين يدور صراع خفي فلكل واحد دائرته وعالمه وإيقاعه و لكن ليس هناك انفصال واضح فكل واحد في حاجة إلى حيز الأخر كما لو أن كل منهما لا يكتفي بالدائرة المخولة له .
ـ مواجهة غامضة لا تفصح عن نفسها..
أما الزوايا فميزتها القدرة على ترويض الزمن..
وهذا ما يفسر المسار التأهيلي للمريدين ، الذي يعلمهم الصبر والنفس الطويل والبحث عن التسويات مع السلطة القائمة ، ومن ثم فإن عزلة أهل الزوايا أمر ظاهري فقط.(111ص)
مات السلطان احمد منصور الذهبي كان حازما وماكرا ومغرما بالجمال..
ـ ستكون هناك نسخ تحاكيه ..، سلاطين أشداء ذو بطش ومكر سيعيدون حرفيا تقنيات حكمه وذلك بأساليب مغايرة .. (ص113)
لقد استفحلت الأزمة السياسية بعد موت المنصور ، وتوسعت الاضطرابات وفتح المجال أمام المغامرات، فتعددت مراكز القرار وتعددت الفرق والشيع، وغاب الأمن وكثر
الدمار ..،وكادت الشخصية المغربية أن تضمحل ويعفو رسمها على حد تعبير المؤرخ الناصري مؤلف كتاب الاستقصا ..
ولاشك بأن تأزم الأوضاع السياسية والاجتماعية في المغرب أصاب الموريسكيين الذين هاجروا إلى المغرب بخيبة أمل كبيرة ..
ـ6ـ
يبدأ الفصل الثالث من الرواية في أمستردام عام1611 وقد خصصه المؤلف لرحلة شهاب الدين إلى أوربا للدفاع عن قضية المهجرين الموريسكين من ديارهم من طرف الدولة الاسبانية..، كان افوقاي يتقن الاسبانية والبرتغالية وله معرفة واسعة بعلم التنجيم والفلك والجغرافيا وله إلمام بالديانتين المسيحية واليهودية ..
دون مذكراته في كتابه (رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب) الذي ضاع أثره ولم يبق إلا ملخصه ..
اهتم المستشرقون بزيارة احمد ابن قاسم الحجري لأنهم اخذوا عنه الكثير إذ ساهم في تعليم علما ء أوربا العربية ، كما أشار إلى ذلك في رحلته وفي رسائله التي تبادلها مع البعض
منهم..(13)
وحول الدور الذي لعبه السفير المغربي في تجذرالاستشراق الاوربي عموما و الهولنديون خصوصا ،اعتمد الدارسون الأوربيون في هذا الموضوع على رسالة بعث بها المستشرق اربينيوس (Erpinius)من باريس (28/09/1611) إلى المستشرق كازابون ورد فيها " وراء كل ما كنت أتوقع فقد وصل إلى زيارتي تاجر مغربي مسلم اسمه احمد هو رجل متحضر وذكي وكان قد درس الأدب في شبابه، ويتكلم العربية الفصحى بصورة جيدة ولكن متواضعة، كنا نتكلم بالعربية وكان يتكلم الاسبانية إضافة إلى العربية ، وقد كنا نقاش دائما في أمور الدين " (14)
ـ ويقول افوقاي بان المهمة التي سافر من اجلها إلى فرنسا كانت تدور حول محاولة إرجاع "شيء مما قد اخذ على وجه النهب والتعدية للأندلسيين الذين وكلوني على مسائلهم.."(15)
كان الحجري معتزا بكونه مسلم ويفتخر بانتمائه للحضارة العربية الإسلامية ..
قال بأنه خرج من الأندلس مهاجرا إلى الله تعالى ورسوله ..
وصل إلى المغرب سنة 1597 كان مهددا بأخطار كثيرة بسبب دفاعه عن الأقلية الموريسكية وكان يعتبر نفسه مجاهدا يتألم لمعاناة المورسكيين الذين مسهم الخوف العظيم حتى أصبح بعضهم يخاف البعض (16)
وتكمن أهمية رحلته من موقعه باعتباره جسرا يربط بين الحضارتين الإسلامية و المسيحية. ومن هذه الزاوية فان شخصيته تتقاطع فيها الثقافتين..
لقد ألف الرحلة بعد أن مرت على عودته من أوربا مدة طويلة وذلك بطلب من عالم مصري وذكر انه قرأ الإنجيل وغيره من كتب القوم كما قام بمناظرة ومناقشة بعض العلماء والمفكرين خلال رحلته الأوربية. أما الهدف من الرحلة فكان استرداد ما نهب من المورسكين المهجرين في عرض البحر من طرف ربابنة السفن الفرنسية والهولندية ..
وقال بأنه استطاع أن يحقق بعض أمل من وكله من جميع الأندلسيين ..(17)
ـ 7ـ
بعد هذا الاستطراد أعود إلى النص الروائي، يقول المؤلف بان المهجرين من الأندلس في شتنبر(1609/1018هـ ) استقروا في الضفة ليسرى لمدينة سلا (الرباط) فقدوا كل شيء والقليل الذين حملوه معهم نهب من طرف قراصنة الفرنج
حتى الذين تمسحوا فقد رحلوا، و عجزوا عن فهم ما تعرضوا له من آلام وتنكيل ..(ص117)
أغلبهم يجهل الإسلام ولا يتكلم اللغة العربية...أعرض عنهم سكان سلا القديمة الواقعة في الضفة اليمنى من النهر، بسبب تصرفاتهم الخشنة..
رافق شهاب الدين في رحلته الأوربية بعض ممثلي المطرودين، اللغة الوحيدة التي يعرفون هي القشتالية.. لا يعتبرون أنفسهم مسحيين أو مسلمين..
كلفه السلطان مولاي زيدان بترؤس الوفد المتوجه لبعض الدول الأوربية لأخطارهم بالضرر الذي لحق بالمورسكيين و التدخل لدى السلطات الإفرنجية لأجل استرداد ممتلكاتهم التي نهبها القراصنة الإفرنج..(ص118).
ـ غادرنا باريس إلى أمستردام: المدينة جميلة و نظيفة تعج بالناس، الدين يكدون من أجل عيشهم..فالتجارة مزدهرة مع العالم الخارجي، و الأوراش البحرية كثيرة.تستنشق المدينة ملئ رأيتها هواء الحرية..
الهولنديون لا يعترفون بسلطة البابا و لهم تصور خاص عن الرب وعن العلاقات الإنسانية، التي هي أقرب إلى الإسلام. وهم متسامحون مع الديانات الأخرى..
يعيش اليهود في أمان بدون أن يتم تعريضهم لأي مضايقات..كم كانت اسبانيا ستكون
عظيمة ، لو إنها احتضنت يهودها و مسلميها.(ص124).
ـ كنا نحمل طيلة السفر مأساة المورسكيين ككرة نار حارقة.
ـ باريس عاصمة الإفرنج أكبر من عاصمة البابا العالي ، المباني مبنية بحجر منحوت على علو يصل إلى أربع طبقات، تعج المدينة بالناس الدين ينهضون باكرا للعمل ويسهرون إلى ساعات متأخرة...
ـ ساورنا الخوف عند وصولنا إلى بلاد الإفرنج إنهم مسيحيون مثل الفشتاليين ، و القراصنة الإفرنج هم من نهب المورسكيين المرحلين..
تأرجحنا بين الهيئات الدبلوماسية استقبلنا من طرف موظفين كبار استمعوا لنا بأدب، وعلمنا أنهم استقبلوا مبعوثين من الباب العالي من أجل توحيد المواقف ضد الإسبان إلا أن الإفرنج على ما يبدو لم يقرروا بعد الانضمام إلى معسكر ضد الأخر .(ص131).
لا يتخذ الإفرنج من الكتابات المقدسة مرجعا لهم بل يستوحون المرجعية الفكرية من الإغريق و الرومان.
يثير الإسلام اهتماما كبيرا لديهم ، إلا أن معرفتهم بالإسلام غير عميقة ثم إنهم غير قادرين على التخلص من أفكارهم المسبقة عن الإسلام..
ـ من مناقشاته مع العلماء الإفرنج خرج شهاب الدين بخلاصتين:
يجب تجنب مناقشة أمور العقيدة إنها فعل إيمان لا يستجيب لقواعد العقل .
ـ كانت رؤية رجال الدين الاسبان فقيرة. فهم يعتقدون أنهم يملكون حقيقة الدين المستوحاة من التأويلات الأصولية للكتابات المقدسة، ونفس الأمر ينطبق على بعض العلماء المسلمين الذين يعتقدون إنهم يملكون الحقيقة المطلقة فقط لأنهم مسلمون.
ـ الإيمان هو نتيجة تفكير و تأمل يؤدي إلى النظر إلى الأشياء نظرة نسبية.
ـ الشعائر ينبغي أن تترجم إلى سلوك أخلاقي وبدون هذا لن يكون لأركان العقيدة ولا للشعائر من معنى..(ص132).
عاد شهاب الدين إلى مراكش بعد رحلته الأوربية المليئة بالمكابدات و المناظرات و المناقشات التي تمحورت حول مسائل دينية و ثقافية..
كانت المغرب سنة 1613 فريسة لصراع الأخوين مولاي زيدان و مولاي المأمون على الحكم طلب هذا الأخير العون من الأسبان ووعدهم بمنحهم المدينة الشاطئية العرائش مقابل ذلك وبعد أن استعاد بدعمهم سلطته على فاس ، كان عليه أن يفي بوعده رغم استنكار العلماء ووجهاء البلد و السكان.. ،إلا أن فقهاء السلطان أصدروا فتوى تبرر القرار...(ص161).
إن الأوضاع العاصفة التي شهدها المغرب خلال هذه الحقبة سوف يؤدي إلى ظهور أبو محلي الداعية الصحراوي الذي استغل فعل المأمون ودعى إلى التمرد إدعى بأنه
المهدي ...،كان البعض يرى فيه رجلا مؤمنا و البعض الأخر يرون فيه مدعيا لا يتورع عن فعل أي شيء من أجل الحصول على مغانم سياسية..
نذر نفسه للدعوة منذ شبابه سافر كثيرا احتك بالعديد من التيارات الدينية وأظهر التصوف.
كان حسن الخطابة غزير الكتابة.. هجر المناطق الصحراوية القاحلة إلى السهول الغنية حيث انضم إليه العديد من الناس، فالتصدع الذي أصاب المغرب جعل الناس يتعلقون ببصيص الأمل حيث ما وجدوه.(ص162)
دخل أبو محلي مراكش منتصرا بتواطئ مع بعض رجال السلطان مولاي زيدان، توجه إلى دار الملك و استقر بها و دعي له في صلاة الجمعة في كل مساجد المدينة .
حرص على الظهور بمظهر السلطان ضرب النقود باسمه وبدأ في استقبال الوفود
الأجنبية ..، و كان الهولنديون والإنجليز من أكثر المترددين عليه.
اتخذ أم السلطان مولاي يزيد زوجة له..(ص166).
و لكن سرعان ما تبددت الأوهام و اضطربت الأوضاع فأنفض الناس من حوله إن إدارة شؤون الناس يتطلب اكتر من الخطابة هم في حاجة للأمن و الخبز و الأمل ..،خيب أبو محلي الآمال المعقودة عليه ..
زحفت عليه جافل السلطان أصابته رصاصة قاتلة ..فصل رأسه عن جسده و علقه على أسوار مراكش..
كان مثل الثوري الحالم أو المتمرد المغامر الذي أغرته جاذبية السلطة وسحرها و مكر السياسة و حبائلها، فسقط في أتونها واحترق في لهيبها..
-8-
سلا الجديدة (1637-1615) يخصص المؤلف هدا الفصل للحديث عن المورسكيين الذين استقروا بسلا الجديدة ( أي الرباط) جددوا بناء الرباط و القصبة واختص الهرنا تشيون المدجنون بسكنى القصبة بادر..
المورسكيين بتأسيس أسطول للجهاد البحري يعترض السفن الاسبانية و المعادية..
لقد كون المورسكيين مراكز جهادية بحرية للانتقام ممن اضطهدوهم و أخرجوهم من ديارهم..
ـ حل شهاب الدين بسلا الجديدة بعد أن توصل برسالة من رودريغيز يحضه فيها إلى المجيء بسرعة لان صراعا نشب بين الهرنتشروس و الاندلوسيين يهدد وحدة الجماعة ، و ينبغي وقفه نظرا لخطورة الفرقة في هذا الظرف المضطرب الحاسم..
ـ سأل رودريغيز عن الوضع في المغرب
ـ منذ واقعة أبو محلي ضعف السلطان
ـ لم يقم برد فعل تجاه الاسباني في المعمورة القريبة من سلا الجديدة
ـ لا يمتلك الوسائل
ـ إستمع شهاب الدين لقد ارتبطنا بقرصان هولندي اسمه يان يانس
و أقنعناه بالعمل معنا فالقرصنة بالنسبة له وسيلة لتكوين الثروة أما بالنسبة لنا فهي سلاح و معركة..، تتطلب القرصنة وسائل ضخمة ومعرفة ودراية دقيقتين..(ص174).
ـ عليك أن تحرض الناس على الجهاد و تقنعهم بأن القرصنة جهاد ضد الكفار و ليست باللصوصية..،ينبغي أن تكون هناك قضية مشتركة تتعالى على المصالح.
ـ إنها طريقة لاستعمال الدين من أجل مصالح سياسية ..
ـ ليكن لن نكون الأولين و لا الآخرين الذين يفعلون دلك..(ص175).
ـ إن الانتقام الجيد من العدو يتمثل في سلبه أسلحته.
ـ لا تهم أسباب رودريغيزوفنيش او الرايس موراطو هم في حاجة إلى غطاء ديني لعملهم هناك بالتأكيد حسا بالانتقام يحركهم..(ص178).
ـ كانت القصبة مليئة الهرنا تشيروس و القراصنة الأثرياء في حين كانت المدينة الملاصقة لها تضم الاندلسين من الطبقات الفقيرة وهم في الغالب من الحرفيين..
في الضفة الأخرى توجد سلا القديمة بنمط عيشها المختلف عن نمط القادمين الجدد رغم ان سكانها هم أيضا من الأندلس ..
كانوا ملاكي أراضي و رجال علم ،العلاقة بين العدوتين لم تكن مستقرة حرصر روديس
قائد المدينة أن يؤلف بين الجماعات الثلاثة في مواجهة الأسبان الذين طردوهم من ديارهم..(ص179).
كان نشاط القراصنة البحرية يدر أرباحا كبيرة و يعتبره المورسكيين مبرر وجود سلا الجديدة فهي لا تعيش إلا من النشاط المربح للقرصنة.
رفضت مدينة سلا الجديدة دفع ضريبة العشر فكانت القطيعة مع السلطان ...
فتح الاستقلال الذاتي الباب على الصراعات بين المجموعات وعلى المنافسة من أجل السلطة..
كان هناك تتنافسين بين الهورنا تشيروس سكان القصبة و كانوا أصحاب نفوذ كبير و الأندلسيين الدين يمتهنون الحرف و سكان سلا القديمة...
أعلنت الجمهورية في ماي 1627 بإدارة ثلاثية : مكونة من فارغاس المعروف بباركاش ممثلا للأندلسيين وسايرون الذي تحول اسمه إلى باكو ممثلا الهورنا تشيروس و القصرى قائد الجيش..(ص193).
أبعد القائد الشعبي روديس من طرف القيادة الجديدة وتم التضييق عليه ومحاصرته.. ثار الاندلسيون في شتنبر 1629 ضد الظلم الذي لحق بهم نتيجة سيطرة الهورنا تشيروس الاقتصادية و المالية و السياسية ..، وفي سلا القديمة حوكم فنيش حليف روديس
وصدر عليه الحكم وأدخل الحبس..
كان الخلاف قائما بين جماعتين غنيتين و أخرى فقيرة عرضة للإرتياب....(ص194).
قتل روديس في خضم هذه الأحداث و الصراعات المحتدمة ولم يتم العثور على جثته...
رثاه شهاب الدين بقوله: كان أفضلنا سوف يعيش في قلوبنا لأنه حمل أمالنا..،مات لكي نعيش وكل خطوة نخطوها في معركتنا من أجل الكرامة هي إثبات له وانبعاث لنا ...،كان أفضلنا لأنه ترجم هذه الجراح و الآلام إلى أفعال في الفعل وحده كان يجد الإلهام..
ينبغي للإيمان أن يلهم الفعل و المحبة ...
إنه هنا و في كل مكان،روحه تحلق وستحلق دوما.
نم في أمان روديس أوروديغيز (ص 196ـ197)
بعد مقتل روديس حدثت أحداث حسام ،أهمها طرد الهورنا تشيروس من القصبة مما ترتب عنه هجرتهم إلى جرائر و تونس ....،ظهور منافسة قوية بين اسبانيا و انجلترا لوضع اليد على هذا الميناء لأنه موضع الأطماع ومصدر مخاوف....
كان الرهان أكبر بين سكان سلا الجديدة الموريسكيين ...
استقر شهاب الدين بواحة توز في الجنوب التونسي هربا من صخب المدن الكبيرة و نفاق البشر...
بعد أداء فريضة الحج عاد إلى القرية التونسية الهادئة البعيدة عن الاضطرابات و الفتن التي انتشرت بأرجاء المغرب
تحرر من الأهواء و الأوهام و جلس يتأمل إنبلاج نور فجر جديد..
أما من منظور التاريخ فإنها نهاية مرحلة و بداية مرحلة أخرى..
ـ 9ـ
لقد ألهمت الأندلس حضارة و ثقافة في كل عصر من العصور العديد من الكتاب و المبدعين فطفقوا يعالجون جانبا من حلقات تاريخها الزاخر بالآثار و المظاهر الثقافية و التشكيلات الاجتماعية و الصراعات السياسية و الدينية و الحضارية.
ونذكر بهذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر الكاتب الروائي أمين معلوف الذي كتب روايته "ليون الإفريقي" بالفرنسية تناول فيها شخصية حسن الوزان مؤلف كتاب وصف إفريقيا أما الرواية الثانية التي تتطرق لموضوع الأندلس فهي للكاتب الفرنسي جاك أتالي بعنوان الصفوة المستنيرة (La confrérie des Eveillés)،يتحدث فيها كل من ابن رشد و ابن ميمون...
الرواية الثالثة في نفس المجال فهي للأديب و الكاتب الجزائري واسني الأعرج بعنوان البيت الأندلسي وهذه الرواية تحفر وتنقب في تلافيف الذاكرة الأندلسية من أجل الكشف عن الأسرار الثاوية في الأعماق..
و البحث عن كل الأسباب في الأشياء المخبأة و عن التفاصيل الصغيرة في ركام الأسرار الخفية التي لا نريدها أن تظهر أبدا و لا يلمسها الذين يأتون بعدنا.
ـ إنذثر اليوم كل شيء أو يكاد و حل المحو المبكر على ذاكرتنا و حاضرنا و استقر الخوف فينا بدل الحب و الفشل بدل السماح و الغفلة بدل النباهة و الطغيان بدل الرشد و القشرة بدل اللب و الدين بدل العقل(18)
إن رواية الموريسكي التي عرضنا أهم مضامينها تندرج ضمن هذا السياق تربط الماضي بالحاضر، وتثير العديد من القضايا والملابسات التي بدون شك سيكون لها أثر على الراهن ...
لقد عاش المغرب حين سقوط غرناطة أزمة تميزت بالمد الأوربي والإنكماش المغربي كما أن الصراع بين المغرب و العثمانيين سيضعف من شوكة العالم الإسلامي ، في وقت كان يخوض فيه الإسلام والمسيحية حربا ضارية...
إن تطورات الأوضاع خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر ستؤدي إلى تحول في الدورة الحضارية، بحيث ستصبح أوربا الغربية القوة الحضارية الفاعلة والمؤثرة في حركة التاريخ الكوني...
فقد أدت النهضة الأوربية إلى انقلاب جذري على أساليب الحياة التي كانت سائدة في القرون الوسطى...
كما أدت حركة الإصلاح الديني إلى ظهور تيارات فكرية وثورات اجتماعية
كانت المرحلة تؤشر على بداية عصر جيد يتطلب وعيا بقوانينه التاريخية وإدراكا بحقائقه السياسية، والاجتماعية الثقافية..
إن التاريخ هو سلسلة أحداث، ووقائع متوالية ، يؤثر السابق باللاحق، و يؤطره في صور شتى...
قد تذوب الأحداث تحت تأثير منطق السرد الروائي، وعندها تظهر الرواية التاريخية كأنها من صنع عقل المؤرخ أو خيال القاص...
الأمر الذي يتطلب منا أن نميزبين التاريخ كدراسة لواقع الماضي، والتاريخ كوسيلة لتقييم الحاضر وتحديد المستقبل(19)
وذلك من منطلق أن النظر إلى أحوال الماضي، يندرج ضمن الرؤية الواعية ، لفهم حقائق الحاضر، ووقائعه، والتطلع إلى ملامح المستقبل.
وإذا كانت الدولة مجرد تركيب إنساني ، وعاطفي وروحي فالتفاعل بين جميع هذه العناصر،هو وحده الكفيل بتحقيق التوازن...
وان كل أمة ، وكل حضارة، وكل عقيدة، وإنما تأتي لترفع في الطريق مصباحا كبيرا أو صغيرا ينير الطريق ، وينير ساحة الكون كله للعلم بحقائق الوجود .
الهوامش
1ـ عبدالله عنان أندلسيات ـ كتاب العربي الكتاب رقم 20 ـ ص 159.
2ـ ن ـ م ص160.
3ـ ن م ص169
4ـ ن ـ م ص 174
5 ـ ن ـ م ص 164
6 ـ ن ـ 162
7ـ ن ـ م ص 163
8ـ ن ـ م ـ ص182
9 ـ حسن اوريد ـ الموريسكي ـ ترجمة عبد الكريم الجويطي دار أبي رقراق ط 1/2011
ص 8
10ـ اندلسيات ص 181
11ـ الموريسكي ص9/8
12ـ ن م ص 9/10
13 ـ عبد المجيد القدوري سفراء مغاربة في أوربا 1610ـ1922 منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط /ط ـ 1 /1995/ ص 17
14ـ م ـ سـ ص15
15ـ م ـ س ص 16
16ـ م ـ س ص18
17ـ م ـ س ص 19
18ـ واسيني الأعرج البيت الاندلسي منشورات دار الجمل ط 1 2010/ص31
19ـ عبد الله العروي العرب والفكري التاريخي ط 2/ص 78

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:45 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22