صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

اقتصاديات الغنى في الإسلام

اقتصاديات الغنى في الإسلام تأليف د/ عمر بن فيحان المرزوقي أستاذ مشارك بجامعة الملك سعود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-01-2012 ~ 11:58 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي اقتصاديات الغنى في الإسلام
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


اقتصاديات الغنى في الإسلام
تأليف
د/ عمر بن فيحان المرزوقي
أستاذ مشارك بجامعة الملك سعود

اقتصاديات الغنى في الإسلام
د/ عمر بن فيحان المرزوقي*

المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين... وبعد:
نتناول في هذه المقدمة موضوع البحث والهدف منه ومنهجه ثم بيان تصور خطته.
موضوع البحث:
تسعى الشريعة إلى تحقيق الغنى والكفاية، وتوزيع الثروة وتداولها بين الناس لا أن يكون المال الذي به قوام الحياة الدنيا، منحصراً على فئة الملاك وحدهم، والفقر والحرمان من نصيب الكثرة الساحقة في المجتمع، فليس من غايتها أن يتمول بعض أفراد المجتمع تمولاً فاحشاً ويبقى أغلبهم مفتقرين، لأن ذلك تأباه سنن الاقتصاد السليم، وتعاليم الدين الحنيف، لقوله تعالى: (كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم)([1]). إذ أن القضاء على الفقر وتضييق الفوارق الاقتصادية القائمة بين أبناء الأمة، أو بعبارة أخرى الحد من طغيان الأغنياء والرفع من مستوى الفقراء، وإخراجهم من دائرة الحاجة إلى دائرة الكفاية، هدف هام من أهداف العدلالإلهي في المجال الاقتصادي، ليتحرر الإنسان من الطغيان المادي، المؤدي إلى الترف والهلاك كما في قوله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً"([2]).
ومن مذلة الفقر والحاجة والحرمان، التي تقف دائما شبحا مخيفاً يهدد أمن المجتمع واستقراره، ليعيش جميع أفراده حياة آمنة، متقاربة الجوانب، لا تتسع للترف والثراء الفاحش في جانب والفقر والعوز الشديد في جانب آخر.
وفي سبيل ذلك أوصدت الشريعة كل طرق الظلم، والغش، والإضرار بالمجتمع التي قد تؤدي إلى احتكار الثروة بصورة هائلة، على حساب فقر وحرمان الأغلبية الساحقة، كما شرعت العديد من الوسائل الكفيلة بمقاومة الفقر والحاجة وتحقيق الغنى والرخاء في مجتمع الإسلام، والتي تؤدي حتماً إلى تداول الثروة في ثنايا المجتمع ليعم نفعها الجميع، ولا يقتصر تداولها على الأغنياء دون الفقراء.

الهدف من البحث:
يتمثل الهدف من هذا البحث إجمالاً فيمحاولة بيان الوسائل الشرعية الكفيلة بتحقيقاقتصاديات الغنى في الإسلام، أو بمعنى آخر بيان دور المنهج الإسلامي في تحقيق الغنى في المجتمع المسلم.

منهج البحث:
لهذا البحث جوانب فقهية واقتصادية متعددة، الأمر الذي يفرض علينا قبل التحليل الاقتصادي الاعتماد على المنهج الاستقرائي، وذلك من خلال حصر وتتبع النصوص الشرعية المرتبطة بالموضوع وذات الدلالة الاقتصادية، لمعرفة ما إذا كانت الشريعة الإسلامية تضمن توفير الحاجات الأساسية للإنسان أم لا. مع ملاحظة أن البحث في جانب منه قد يشير إلى المقارنة مع الاقتصاد الوضعي عندما أجد فائدة لها، مع أن هذا البحث لا يهدف إلى المقارنة التفصيلية الشاملة.

خطة البحث:
لتحقيق هدف البحث فقد تم تقسيمه إلى أربعة أقسام، وذلك على النحو التالي:
القسم الأول: ويتناول دور العمل في تحقيق اقتصاديات الغنى.
القسم الثاني: ويتناول دور الزكاة في تحقيق اقتصاديات الغنى.
القسم الثالث: ويتناول دور بيت مال المسلمين في تحقيق الغنى والكفاية.
القسم الرابع: ويتناول دور التوظيف على الأغنياء إذا لم تف الزكاة وموارد الدولة بسد حاجة المحتاجين ورفع عوز المعوزين.

والله تعالى أرجو أن أكون قد وفقت فيما قدمت وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.


القسم الأول
دور العمل في تحقيق اقتصاديات الغنى


لقد دعا الإسلام في البداية إلى كسب المال بالجهد والعمل، واعتبر ذلك من أزكى وسائل الكسب والتحصيل، ما لم يكن في محرم أو شبهة، أو ينتج عنه ضرر، فقد قال تعالى: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون"([3])، وقال تعالى: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاًُ فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"([4]).

وتبين لنا السنة النبوية أن أشرف وسائل الكسب العمل، فهاهو النبي r يقول (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه)([5])، وعن المقدام بن معد يكرب الزبيدي، عن رسول الله r قال: (ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده. وما أنفق الرجل عـن نفسه وأهله وولده وخادمه فهـو صدقة)([6]). وفي الحديث: (ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)([7]).

فالأصل في الإسلام أن يشبع الإنسان حاجاته الاقتصادية والمعيشية من ثمار عمله ونتاج سعيه([8])، والاستفادة من إمكاناته الاقتصادية ولو كانت محدودة أو متواضعة. فعن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً من الأنصار أتى النبي r، يسأله، فقال: (أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، قال: آتني بهما، فأخذهما رسول الله r بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهم، فقال: من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثاً؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياها، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً، فأنبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فآتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله r عوداً بيده، ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فاشترى ببعضها ثوباً، وبعضها طعاماً، فقال رسول الله r: هذا خيراً لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع"([9]).

فالحديث يرفض بوضوح البطالة والمسألة للرجل، ما دام يملك بعض الأصول المالية، التي يمكن توظيفها توظيفاً أمثل، يخدم أغراضه الاستهلاكية وأغراضه الاستثمارية، فالسؤال من غير حاجة أو ضرورة ملجئة حرام في الإسلام، وقد قال r: (من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمراً، فليستقل، أو ليستكثر)([10])، وفي حديث آخر قال r: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)([11]).

فالإسلام يحث الناس على كسب المال الحلال، الذي يغني صاحبه عن المسألة، مهما كان نوع هذا الكسب، ومهما نظر إليه الناس نظرة استهانة أو احتقار(*). فقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله r قال: (لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه)([12])، إلى غير ذلك من النصوص النبوية الدالة على فضل السعي والعمل عند الله، وذم المسألة وقبحها عنده، فالإسلام يحذر من البطالة والمسألة، ويطاردهما بشتى الوسائل، بل ويغلق الأبواب التي ينفذ منها المال الحرام إلى جيوب الناس، فقد قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"([13])، فما لم يكن الحصول على المال ناتجاً عن رضاء متبادل أو مقابل عمل أياً كان هذا العمل يكون هذا الحصول أكلاً للمال بالباطل([14]).

ونتيجة لذلك كان الاحتكار حراماً، وكان الغصب حراماً، وكانت السرقة حراماً، وكانت المسألة بدون مبرر حراماً، فلا كسب بلا جهد ولا مال بلا عمل([15])، فقد حارب الإسلام أكل أموال الناس بالباطل، والزحف نحو الثراء غير المشروع.

القسم الثاني

دور الزكاة في تحقيق اقتصاديات الغنى


استطاع الإسلام في ماضيه الطويل الحافل أن يحقق الغنى في المجتمع الإسلامي، ويعالج الضعف المادي، الذي يمكن أن تصاب به بعض الفئات الاجتماعية، من خلال فريضة الزكاة، التي جاء الأمر الإلهي بوجوبها مقرونا بالصلاة، في آيات قرآنية كثيرة، كقوله تعالى في سورة البقرة: "وأقيمـوا الصلاة وآتوا الزكاة"([16]وقوله تعالى في سورة البينة: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"([17]).

كما أن السنة النبوية المطهرة لم تغفل وجوبها، بل جاءت مؤكدة لما جاء به القرآن الكريم، ففي صحيح البخاري، أن النبي r حينما بعث معاذا إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام قال: "فإن أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم([18]). وفي صحيح مسلم أن النبي r قال "ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يُقضى بين الناس"([19]) إذ أنها حق ثابت مقدر شرعاً في مال الغني، الذي يملي عليه الإسلام أن يشرك غيره فيما آتاه الله من فضله، وأن يجعل في ماله متسعاً يسعف به الفقير الجائع، والمريض الضائع، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير، والمال القليل، والأرملة التي لا عائل لها، واليتيم الذي لا مورد له، وفق ما تقتضيه تعاليم الإسلام، العادلة والسامية، التي لم تترك هؤلاء وأمثالهم نهباً لذوي الأغراض والاستغلال والضياع، بل حفظت لهم حقوقهم الإنسانية كاملة، ووضعت لهم نظاماً مالياً قويماً، يضمن لهم أدنى مراتب الغنى، ليواصل الفقير والضعيف نشاطه وكدحه، في ميادين العمل والإنتاج، وذلك عن طريق المشاركة الفعلية والمتجددة بين الأغنياء والفقراء، من خلال فريضة تعرف في الإسلام بالزكاة، وبنسب مختلفة، تختلف باختلاف الوعاء المزكى وتنوعه، فقد تصل إلى الخمس (20%) كما في الـركاز والكنوز المدفونة، كما تصـل إلى العشر كاملاً (10%)، كما في الزروع والثمار، التي سقتها السماء والعيون، ولا يتحمل صاحبها في سبيل ريها نفقات ولا يتكبد مشقات، وقـد تنخفض إلى نصف العشر (5%)، إذا تولـى العبد الري بالكلفة والعمل([20])، وقـد تصـل إلى ربـع العشـر (2.5%)، كما في عروض التجارة والذهب والفضة وسائر الأموال النقدية، ولو عطلهما صاحبهما عن التداول.

وقد تكون أقل من ذلك، كما في زكاة السائمة من بهيمة الأنعام، كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه: ".... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة"([21]).

والشارع الحكيم بهذا القدر الذي أوجبه من الزكاة راعى جانب الأغنياء ومصلحة الفقراء البائسين، حيث فرض القدر الذي يرفع من مستوى دخول الفقراء([22])، وتندفع به حاجتهم، التي لم تكن لتندفع بطريقة مشروعة لولا فريضة الزكاة ووجوبها([23])، ولا يرهق في الوقت نفسه كاهل الأغنياء، أو يشق عليهم، أو يلغي جانباً كبيراً من كدهم وكدحهم([24]).

ولا يقال أن هذه المقادير لا تفي بحاجات المحتاجين، ولا تحقق اقتصاديات الغنى، فالتاريخ الإسلامي يشهد بأن مقادير الزكاة حققت الغنى، وقاومت الحاجة عند العاجزين، حتى انتقى الفقر من بينهم، وعاد الناس في رغد من العيش، وبسطة من الهناء.

وسارت القوافل محملة بأموال الزكاة من إقليم اليمن إلى بيت مال المسلمين([25])، في الصدر الأول من تاريخ الإسلام، عندما انعدم الفقر بين المسلمين، وعمتهم الطمأنينة، والرفاهية، والرخاء، في قليل من السنين، حيث أنه في غضون ثلاثة أعوام لم يعد يوجد على مستوى إقليم مثل اليمن فرد يقل دخله عن الكفاية([26])، حتى يقبل الصدقة، لأنها لا تخرج من إقليم إلا بعد كفاية أهله، ويكون فيها فضل عنهم([27])، الأمر الذي يؤكد أن الإسلام جاء بنظام اقتصادي متفرد، لا هو شرقي ولا هو غربي، و أقدر على مكافحة التخلف والفقر والجوع وتخفيف آلام المعوزين والبؤساء، من برامج الضمان، أو التأمين الاجتماعي، الذي تعرفه دول العالم المعاصر، التي تقتضي بأن يدفع كل فرد غني أو فقير مبلغاً من دخله، يؤمنه عند فقره أو عجزه([28])، مما يجعل المساعدات فيها تقدم بناءاً على مساهمات الفرد السابقة، قبل أن يتعطل، أو يعجز عن العمل، لا على أساس الحاجات الفعلية له([29]).

ومن برامج التنمية الوضعية، التي أصبحت ستاراً لزرع نوع جديد من التبعية للدول المتقدمة اقتصادياً، التي تبذل قصارى جهدها في تعميم الرأسمالية والفكر الليبرالي الغربي على سائر المجتمعات البشرية، ليظل النموذج الاقتصادي التقليدي واقتصاد السوق سائداً في كل دول العالم، لاسيما في الدول المتخلفة، من أجل ضمان استنزاف المزيد من موارد وثروات المستضعفين في الأرض، الذين كان الفقر، والبؤس، والتخلف، وبيوت الصفيح، والأكواخ، بل واللجوء إلى أماكن المقابر والأرصفة ومقالب القمامة والكباري كمأوى لبعض الأسر المعدمة فيها، نصيبها من جراء النظام الاقتصادي العالمي، إذ أنه ليس هناك من يرتاب بحق في أن عدداً غفيراً من الناس من الفقراء المدقعين، في ظل ذلك النظام، حيث تذكر التقارير أن نحو 100 مليون نسمة حول العالم بلا مأوى في عام 1980م، بينما بلغ عدد سكان الريف المعدمين في العالم في العام نفسه نحو 938 مليون نسمة([30])، في حين تزايد عدد الفقراء في العالم الذين يعيشون بمتوسط دخل يقل عن دولار واحد في اليوم عام 1998م إلى نحو 1.2 مليار نسمة([31]). الأمر الذي يدل على تفشي ظاهرة الفقر وبصورة مؤلمة في ظل ذلك النظام، بعد أن كان يظن حدوث العكس، وأن الدول الفغيرة في سبيل اللحاق بالدول الغنية، وتقل بالتالي الهوة التي تفصل بينهما في المعيشة، بمجرد اعتناقها هذه الأيديولوجيات الوضعية، حيث أن الواقع كشف أن بريق شعارات التقدم والرخاء والعدالة والكفاية والمساواة والحرية التي ترفعها هذه الأيديولوجيات البغيضة لم تسفر إلا عن مزيد من الفقر والتدهور في الدول النامية، إلى درجة أن أصبح مصطلح دولة نامية تهكمياً، فالكثير منها أصبحت متهالكة أكثر منها نامية.

في الوقت الذي يحاول فيه ذلك النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي تبرير هذا النصيب، المتردي والمخزي، بدعوى زائفة، تتمثل في زيادة نسل وسكان الدول النامية([32])، وليس هو الظالم أو المسئول، عن تفاقم الأزمات الاقتصادية المزمنة، وحالة الإملاق الملحوظة والواقعة لمئات الملايين من السكان في الدول النامية، لاسيما عندما تواطأت الدول المتقدمة الغنية ضد الدول النامية الفقيرة، ودفعها نحو مصيدة الفقر الخبيثة، وذلك من خلال إيقاعها في شرك الدين الخارجي، وجور أعبائه المرتفعة، التي أصبحت في الوقت الراهن سبب رئيس لنهب معظم مواردها الهزيلة أصلاً، فقد "كان الفقراء على سبيل المثال في عام 1988م يسددون 50 بليون دولار للأغنياء كل عام، وبات التحول الضخم للموارد صوب الشمال بمثابة عبء ليس فقط على أبناء الدول النامية فحسب، بل أصبح عبئاً على الأرض ذاتها، فالغابات يجري غمرها بالمياه بكل استهتار، والرواسب المعدنية تستخرج بإهمال، والأرض الهشة تحرث، والمصايد تستنزف، ويجري كل ذلك بغية التسديد للممولين الأجانب"([33]). بالإضافة إلى تدابير الحماية المتشددة التي تحد من إمكانية البلدان النامية للوصول إلى أسواق الدول المتقدمة، وتحول التجارة معها إلى تجارة خاسرة في بعض الأحيان، حيث تقدر الخسارة التي تحيق بالدول النامية من جراء تلك التدابير سنوياً ما بين 50 إلى 100 بليون دولار([34])، وكان من الممكن أن تشكل تلك الأموال قوة كبيرة لدفع عجلة التنمية فيها، ناهيك عن الإصلاحات الاقتصادية التي يشجع عليها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي أضرت بالفقراء، وبدرجات متفاوتة، إذ أنه لا يمكن لدولة نامية أضيرت بالفقر المدقع أن تصلح اقتصادياً بالقدر الكافي في وقت قصير، حتى يتسنى لها تعويض أعباء ديونها الهائلة والأسعار المنخفضة لبضائعها، فالاقتصاد الذي في أمس الحاجة إلى التعديل هو الاقتصاد العالمي([35])، الذي أصبح يرتكز على الأيديولوجية الرأسمالية وبريق الحرية الفردية، خاصة بعد انهيار الاشتراكية والأفكار الماركسية، وغياب أو تغييب النظام الإسلامي عن التعامل والتطبيق في العلاقات الاقتصادية الدولية.

وكأن الهيمنة والسلب والنهب والاستعمار والاستغلال والظلم واستنزاف الموارد لا يكفي للقضاء على كل الأسس الكفيلة بنهضة الدول النامية، ومنها الدول الإسلامية، وقيامها من عثرتها التي طال أمدها، عندما تمخضت قريحة الرأسمالية عن نمط آخر من أشكال الدمار الاقتصادي، من خلال تلك الدعوة المشبوهة، الرامية إلى تعقيم العالم الثالث، تحت شعار السكان والتنمية([36]). بشكل لا يستطيع أحد معه أن ينكر أن النظام الاقتصادي الوضعي مسئول إلى حد كبير عن الحياة الإنسانية المضطربة في العالم، وعن بقاء جانب كثير منه في حال من التخلف المعيب.

ولا غرو أن النظام الإسلامي شرع الزكاة، فهو نظام يرمي إلى المشاركة في الغنى والثراء، وليس المشاركة في الفقر والحاجة، وفرض حد الكفاف، مثلما يقول أنصار النظام الاشتراكي([37])، ولهذا لا جرم أن الإسلام لم يترك أصل هذه المشاركة يقوم فقط على فكرة الإحسان الضيق، كما في الرأسمالية، والذي قد يرافقه المن والأذى، وقد لا يكفي لسد حاجات الفقراء، أو يقضي على التفاوت السحيق في الثروات بين فئات المجتمع، وإنما جعله حقاً معلوماً، في الأموال الفائضة عن النفقة، وضرورات المعاش، وذلك بنص القرآن الكريم، قال تعالى: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم"([38]).
"والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"([39]).
"وآتوا حقه يوم حصاده"([40]). بشكل يضمن من جهة لقمة العيش لمن لم يتيسر له المشاركة في العملية الإنتاجية، وضاقت موارده لترفع حياته إلى المستوى الإنساني الذي يليق به، أو لمن لم يبلغ نصيبه في عائد التوزيع الوظيفي ما يشبع حاجته ويتم كفايته([41])، ويضمن من جهة أخرى إعادة دائمة لتوزيع الدخل القومي إجباريا وليس اختيارياً بين من زادت دخولهم عن حاجاتهم ومن هم دونهم([42])، وبذلك يحقق الإسلام جانباً من مبدئه العام "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"([43]). حيث تستهدف الزكاة تفتيت الثروة التي تتكدس في بعض الأيدي، التي ما كانت لها أن تعطي صدقة أو هدية لولا هذا الفريضة الشرعية([44])، فتتسع بذلك دائرة توزيع الثروة، لتشمل ذوي الحاجة، الذين لو لم يخصص لهم جزءاً منها لكانوا حرباً على أصحابها، وخطراً على أمن المجتمع وسلامته، يهدده بين حين وآخر([45]).

ولذلك لا نعجب إذا رأينا أن الإسلام يكره للناس الفقر والفاقة والحاجة، ويحتم أن ينال كل فرد قادر على العمل كفايته أو شيئاً فوق الكفاية من جهده وعرق جبينه([46])، فالإسلام كما أوضحت سابقاً يحث على العمل ويحفز إليه، باعتبار الكسب عن طريق العمل الذي يعتبر عنصراً أساسياً من عناصر الإنتاج في الإسلام هو الأسلوب الأول لمحاربة الفقر وجلب الرزق، أو ما يعرف بالدخل، ذلك أن الإسلام يبث في الناس روح الجد والكفاح "أطيب الكسب عمل الرجل بيده"([47]).
ويحث الفرد على امتلاك الموارد غير ذات النفع العام([48])، لتكون مصدر رزق له، لا يخضع فيه حتى للجماعة، ليرفع عنه ضغط الحاجة والعوز من ناحية، وسلطان الجهة التي تملك موارد الرزق من ناحية ثانية([49]).

وقد وصل مجتمع الإسلام إلى هذه الصورة المشرقة والمشرفة، في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، حيث تحقق الغنى لكل فرد من أفراد المجتمع، بكسبه وجهده، حيث لم يعثر على فقير تدفع له الزكاة، أو تنطبق عليه شروط استحقاقها، كما شهد بذلك يحيى بن سعد – في كتاب الأموال – حينما قال: كنا نطوف بالصدقات على الناس في عهد عمر بن عبد العزيز فلا نجد من يقبلها، فقد أغنى الناس عمر"([50])، فتعميم الغنى، أو إغناء البشرية جمعاء، هو ما يصبو إليه الإسلام في مجال الاقتصاد.

أما إذا قعدت بالفرد أسباب العجز، من مرض، أو شيخوخة، أو يتم، أو ترمل أو نحوه، فيجب ألا يترك يتضور جوعاً، أو يعبث في الأرض فساداً، بل يفرض له في الشريعة على القادرين وأرباب الثروات حقوقاً مالية تفي بحاجاته ومطالب وجوده، ليعيش الجميع آمنين مطمئنين.

والشريعة في ذلك تتجاوز المنهجية الاقتصادية الضيقة، التي لا تسمح باستحقاق الثروة أو الدخل المتولد في الاقتصاد إلا لعناصر الإنتاج التي ساهمت في إنتاجه، لأنها تؤمن بأن قوى السوق هي المعيار الوحيد للتوزيع بين فئات المجتمع المختلفة، حتى أصبحت الثمرة المُرَّة والنكدة لمثل هذه المنهجية هي تأجيج نار الصراع الطبقي، وإشاعة الكراهية والبغضاء والعداوة في النفوس المعسرة، أو المحرومة من الإنفاق، أو من سعة في المال، التي أقعدتها ظروف الفقر، أو البطالة، أو أي سبب آخر، عن المشاركة في النشاط الاقتصادي، ومن ثم لم تستطع إشباع حاجاتها الضرورية، أو أن تنال شيئاً مما يوزع من خلال آلية السوق، التي لا تلبي إلا الطلب المدعوم بالنقود([51]). أي طلب الأغنياء من ذوي القوة الشرائية الكبيرة، حتى بات الإنسان في ظلها سلعة، كأي سلعة اقتصادية أخرى، تعلو وتهبط بمعيار العرض والطلب، وبمقاييس الرواج والكساد، دون أن تضمن له حد الكفاية، الذي يضمنه له الإسلام، سواء عن طريق تحديد الأجر المقدر بالكفاية([52])، المعتبرة شرعاً، بصرف النظر عن اعتبارات قوى السوق، حيث يقول النبي r: "للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل ما يطيق"([53]) وفي حديث آخر يقول "إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم، فأعينوهم"([54]). وهذا المبدأ الإسلامي الذي يحقق المساواة في مظاهر الحياة المعيشية يعد منتهى ما تنشده الإنسانية اليوم، كحق طبيعي لكل إنسان. أو عن طريق الزكاة في حالة فقره، أو عجزه عن اللحاق بمزاحمة الناس في السعي من أجل الرزق والكسب الحلال، حيث لا ينحصر توزيع الزكاة على العناصر التي تقرها قوانين العرض والطلب فحسب، بل يشمل أيضاً العناصر المحتاجة التي تمثل الطبقة الفقيرة في الرعية، التي صرح الله بحقها كما في الآيات السابقة، والتي "تؤكد أن مصدر استحقاق الثروة ليس في عمل الإنتاج فحسب، بل حق الفقراء والمساكين في المال مثل حق أرباب المال"([55])، ولذلك لم تسمح الشريعة الإسلامية بإنفاق هذا الحق (دخل الزكاة) في غير مصارفه الشرعية، كشق الطرق، أو تمويل مرافق الدولة، "لأنها لا تمثل إعادة توزيع من الغني إلى الفقير، بل تمثل استثمارات، ربما يستفيد منها الغني أكثر من الفقير، فإعادة توزيع الدخل والثروة من فئة الأكثر غنى إلى الأكثر فقر هي هدف مهم للزكاة "([56])، وذلك حرصاً من الشارع الحكيم على تحقيق مستوى لائق من المعيشة للجميع، وإن تفاوت الدخل بينهم، وعلى إقامة توازن بين أفراد المجتمع المسلم، يكفل عدم تضخم المال في جانب وانحساره في جانب آخر، ليظل المجتمع كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا، أو كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، خالياً من شوائب الظلم، والاستغلال، والتسلط، والجور، ومن أرجاس البخل والدناءة، والقسوة، والأثرة، والطمع، وبخس حق الفقير والأجير، وغير ذلك مما هو معروف من شرور الرأسمالية الباغية، التي أفرزت مفاسد ومظالم، وولدت الحسد والحقد في نفوس الحفاة العراة والمظلومين والمحرومين([57])، تجاه الذين يعيشون في بذخ وترف وسرف ومجون، وينثرون الذهب على موائد الميسر، وفي ميادين السباق، وأماكن اللهو([58])، ومن بواعث الشكوى والاحتجاج، التي مهدت لظهور الأصوات المنادية بمحو الملكية الفردية، كما في المجتمعات الاشتراكية، بزعم أنها أساس الشرور، أو الظلم الاجتماعي، الذي تعاني منه المجتمعات الرأسمالية المعاصرة([59]).

وهكذا تظهر لنا عظمة منهج الإسلام ونظامه، الذي استطاع أن يقطع جذور الصراع الاقتصادي، أو الدنيوي، بين الأغنياء والفقراء، بهذه الفريضة المالية، والصدقة المفروضة، التي هي طهارة للغني المزكي من وثنية المال، وغريزة الشح، لقوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"([60]).
وفي سورة أخرى قال تعالى: "قد أفلح من تزكى"([61]).

وهي طهارة لآخذها، من نار الحقد والكراهية، على أقوام لاهون بملذات الدنيا، وزخارفها، لأن من شأن الإحسان أن يستميل القلوب، فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، ولقد أحسن من قال:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم - فطالما استعبد الإنسان إحسان.

فضلاً عن دورها في حماية آخذها، من ذل الحاجة والفاقة، والانزلاق في مهاوي الرذيلة، من أجل المحافظة على كرامة الإنسان، الذي كرمه الله، وفضله على سائر مخلوقاته، في قوله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم"([62]).
ويبلغ التكريم أقصاه في قوله تعالى "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى"([63]).

والإسلام بهذا عالج مشكلة الفقر والقلة، أو بمعنى آخر استطاع أن يحقق الغنى والرخاء، لكافة الفئات الاجتماعية، بوسيلة عملية (الزكاة)، لا يضجر منها الناس، ولا تثير فيهم العناد أو التحدي، وهم يعلمون أنها تسهم في إعادة توزيع ما في أيديهم بطريقة شرعية وإلزامية لصالح الفئات المحدودة الدخل أو الثروة في المجتمع، إلا إذا أراد المرء أن يتمرد على تعاليم دينه وخالقه.

وهو بهذا لم يسلك طريق المذاهب الاقتصادية الهدامة، واتجاهات البشر الفاسدة، التي لم تفلح في تحقيق ولو قسط يسير من العدالة الاجتماعية والاقتصادية، بل انبثق عنها ظلم صارخ، وتناقض واضح، في توزيع الدخل والثروة([64])، حتى انقسم البشر في ظلها إلى طبقتين متنازعتين، طبقة أرباب الأموال والأعمال، أو ما يسمى بالطبقة البرجوازية، وطبقة الفقراء والعمال، أو ما يعرف بالبروليتاريا([65]). حيث أن الطبقة الأولى تمتلك عوامل الإنتاج، وتتزايد عوائدها ودخولها باستمرار، على حساب الطبقة العاملة، التي لا تملك إلا قوة عملها ، وتتحمل العبء الأكبر في العملية الإنتاجية، ولا تحصل في النهاية إلا على مستويات منخفضة من الأجر([66])، يعرف بأجر الكفاف، إذا وجد الكفاف، عاجزة تلك المذاهب عن التخفيف من حدة انعدام العدالة في التوزيع، ومن ثم كبح أطماع الأولين، أو أن ترفع مستوى المعيشة عند الآخرين، إذ أن نحو اثنان وثلاثون مليوناً من سكان الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً يعيشون تحت خط الفقر، معظمهم من الأقليات والأسر التي تعولها امرأة([67])، وهذا خلل حتمي لا مفر منه في توزيع الثروة بين البشر، طبقاً لقوانين الرأسمالية وقوى السوق، وعلى الرغم من كل ما لجأت إليه النظم الرأسمالية من فرض الضرائب التصاعدية، أو زيادتها، بغية أن تصنع شيئاً للتخفيف من حدة انعدام العدالة التوزيعية في اقتصادياتها([68])، فما زال الاقتصاد الرأسمالي طريقاً للتمييز بين الطبقات(*)، ووسيلة لطغيان فئة من البشر على فئة أخرى، حتى أصبح الجائع والفقير منبوذاً وكماً ضائعاً، يتبرأ منه المجتمع والأغنياء، إلا على سبيل التفضل والإحسان الضيق، الذي تعترف به الفلسفة الرأسمالية، وليس من باب الإلزام([69])، حيث لا تلتزم النظم الوضعية بكفالة العاجزين أو المحتاجين، إلا على سبيل الإحسان العام، الذي قد تقوم به الهيئات الدينية، أو الجمعيات الخيرية، وحتى الدول التي أخذت بالفكر الاشتراكي لم تعترف أيضاً بهذا الالتزام، بل قامت بتوزيع جزء من الإنفاق للاستهلاك تبعاً للقاعدة المشهورة "من كل حسب قدرته ولكل بحسب عمله"، ومقتضى ذلك أن من لا يعمل لا يأكل، ولو كان محتاجاً أو عاجزاً عن العمل([70])، بعكس نظام الإسلام الذي لا يؤمن بمساعدة الفقراء والضعفاء عن طريق أعمال البر والإحسان فحسب، وإنما يعتبر كفالتهم من المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق الدولة والمجتمع على حد سواء، إلى درجة أنه يعطي كفالة هذه الفئة المرتبة الأولى، إذ جاءت آية الزكاة تقدم في الأولوية عند التوزيع الفقراء والمساكين، وهم جميعاً من شرائح المجتمع المحتاجين، فلا يترك الفقير لفقره، أو في صراع مرير مع الحياة، أو للأقوياء يعصفون به أو يستخفونه([71])، بل يظل أمير الركب، حتى يعود الحق إليه كاملاً غير منقوص، وفق ما تقتضيه الشريعة الربانية، التي جاءت لتفرض على القوي احترام حق الضعيف، ولتنقذ المظلوم من براثن الظالم، فالشارع الحكيم لم يحتقر تلك الفئة، أو ينظر إليها بشطر عينه، بل نوه إلى عدم القنوط منها، منوهاً بمكانتها في المجتمع، حينما قال عليه الصلاة والسلام كما في سنن النسائي "أبغوني الضعيف فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم"([72]). وفي مسند أحمد، أن سعد بن أبي وقاص قال: قلت يا رسول الله، إن الرجل يكون حامية القوم، يكون سهمه وسهم غيره سواء، قال: "ثكلتك أمك ابن أم سعد، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟".

ولا ريب أن من الظلم، بل من أعظم ألوان الظلم، أن تتواطأ فئة من الناس على استغلال فئة أخرى، أو التحكم فيها، والجور على حقوقها، أو أن يستخدم ذو القوة والنفوذ ما يملكون من مال، وجاه، وسلطان، في زيادة رخائهم الاقتصادي، على حساب أعناق الطبقات الأخرى في المجتمع، متناسين هؤلاء أن القرآن الكريم قد ذم مثل هذه العقلية، التي ترى استعلاء الطبقات الثرية، وكبريائها على ما سواها، حينما صورها في حوار بين شخصين جاء فيه: "أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا"([73])، إذ أنه لا مجال في شريعة الإسلام لإنكار حق الفقير والضعيف، واحتكار الثروة من طرف أقلية من الناس، يرتعون فيها وحدهم، من دون غالبية المجتمع، أو اتخاذها وسيلة لإيذاء الغير، أو التنكيل بهم، أو التحكم في مصائرهم.

ولا ريب أن مثل هذه العقلية متوقعة في الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية، التي تسمح لأتباعها أن يدخلوا حلبة الصراع الاقتصادي المحموم والمسعور، الذي لا مكان فيه لضعيف أو فقير، بل لمن يستطيع أن يسيطر على أدوات الإنتاج وموارد الثروة، حتى انتهى المطاف بها إلى زرع القوى الاقتصادية الظالمة، التي تمارس أساليب الاحتكار، والقهر، والظلم لطبقات المجتمع الفقيرة، التي طالما قاست وتقاسي من مرارة الرأسمالية وجورها، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، حيث لم يقتصر تسخير أدوات النظرية الاقتصادية الرأسمالية لمصلحة الطرف الأقوى أو الرأسمالي على المستوى المحلي، بل إن تلك الأدوات سخرت لتفريغ القدرات الاقتصادية في العالم الخارجي لتصبّ في مصلحة الدول الرأسمالية المتقدمة([74])، في ظل فلسفتها الرأسمالية، التي لم تكن ترى بأساً بترك أولئك النفر من البشر في العالم الذين لا ينالون من متاع الحياة نصيباً فريسة للبؤس والإملاق، ولقمة سائغة للدهر والمسغبة، محرومة من أدنى مراتب الغنى والرعاية والعناية، مما يجعلها تنحدر في هوة سحيقة، لا قعر لها من الرذيلة وسوء الأخلاق، عاجزة عن أن تكون مدداً للحضارة الإنسانية، في رقيها وتقدمها([75])، ناهيك عن الأنظمة الاشتراكية البائدة، حيث أن بيروقراطية الدولة وملكيتها سحقت طبقات الشعب في المجتمعات التي طبقت فيها، لتعيش هي وحدها في أبراج عالية، من الترف والبذخ والمجون والإسراف، بينما يعاني السواد الأعظم من نقص في الضروريات والحاجيات، فضلاً عن الكماليات([76])، إذ أنها تسعى جاهدة إلى توزيع الفقر والجوع على أغلب المجتمع، وتجمع مصادر الرزق أو الموارد كلها في يد الدولة والحزب الحاكم([77]). حيث أظهرت التقارير أن خمس المواطنين في الاتحاد السوفيتي سابقاً يعيشون تحت خط الفقر إبان الثمانينات([78])، وصدق الحق تبارك وتعالى حينما قال: "ظلمات بعضها فوق بعض"([79]). فالماركسية وإن كانت تتهم الرأسمالية في اغتصاب جهود العمال وضعاف البشر، فإنها هي الأخرى وقعت في ظلم آخر لا يغتفر، حينما منعت الملكية الفردية لعناصر الإنتاج، وتبنَّت الملكية الجماعية وتوزيع الثروة من كل على حسب قدرته إلى كل على حسب حاجته([80])، حتى تزايد بؤس المجتمع الاشتراكي وشقائه، بعد وقوعه ضحية لتجارب مريرة فاشلة، تركت فيه آثار سلبية عميقة، قد تجعله يقبل فقراً مع العولمة الرأسمالية المعاصرة، بدلاً من وقوعه مرة ثانية فريسة دسمة لنظام الاشتراكية ومفاسده([81]).

وهنا تكمن الإهانة في عالم وقع ضحية لمذاهب واتجاهات وأفكار فجة عاجزة، قذفت به تارة إلى حمأة المادية البشعة والجشعة، فقتلت فيه حب الفضيلة والأخلاق المثالية، وروح الاقتصاد الطاهر أو السليم، حتى استحال حظ ثلة من البشر إلى جمع المال، بلا مبالاة بوجوه جمعه([82])، حتى أصبح المال نفسه دين الإنسانالمعاصر، وأضحى التعاون الإنساني ضرباً من المساومة والمماكسة، وإلى التحاقد والتباغض، اللذان يزدادان يوماً بعد يوم في نفوس أهل البأساء، أو المحكوم عليهم بالفاقة المؤبدة، في ظل الرأسمالية المعاصرة، وتارة أخرى قذفت به إلى جحيم الاشتراكية البائدة، التي جعلت من الناس أحياناً عبيداً مسخرين، مكبلين بالقيود والأغلال، دون حق قائم، ولا كرامة مصونة، فضلاً عن التمتع بنسيم الحرية والاستقلال، وحيناً آخر قطعاناً ضالة، تصنف وتساق وتوجه كالآلة الصماء، لا حرية لها ولا اختيار، ولا تجد في النهاية إلا القليل الرديء والسيئ من المرعى أو الطعام([83])، والواقع الاقتصادي المعاصر الذي أفرزته النظم الاقتصادية الوضعية خير شاهد على ذلك، حيث أضحى البشر في ظلها إما ظالم أو مظلوم، وكأن لسان حاله يقول من لا يظلم الناس يظلم، فكان لابد أن تعاني الغالبية العظمى من فئات المجتمع الكادحة من العوز والفقر وضيق ذات اليد، أو بعبارة أخرى من اضطراب اقتصادي وشقاء اجتماعي، بلا ذنب أو خطأ اقترفوه، بل هم ضحايا مجموعة من القوى الاقتصادية والسياسية الظالمة، والصراع المذهبي العالمي، الذي نجم عنه وجود معسكرين أيديولوجيين دوليين(*)، يتنازعان فيما بينهما العالم، وتعزل معظمه، لاسيما ضعفائه، في زمرة الخاسرين دوماً، دون مجرد الشعور بالذنب أو الجرم، بل أن ذلك نتيجة طبيعية للأنظمة الاقتصادية غير الإسلامية، التي نظرت إلى مصالحها العاجلة، ولم تتورع في استغلال ضعف الضعفاء في العالم، وذلك باسم الحرية تارة وباسم جماعة الكادحين تارة أخرى، في ظل إقصاء النظام الاقتصادي الإسلامي، الذي يحمل بين طياته أسساً كافية لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والكفاية المعيشية، في ظل التكافل والحق والعدل والرحمة والتأسي في المعاش، لاسيما عند الحاجة أو الضرورات العارضة، دون أن يقتل المواهب والجهود الفردية كما في الاشتراكية، أو يسمح لها بالتمرد والطغيان والعدوان كما في الرأسمالية، فقد قال سبحانه وتعالى: "لا تظلمون ولا تظلمون"([84]).

القسم الثالث
دور بيت مال المسلمين في تحقيق اقتصاديات الغنى


فرض الإسلام نفقة الفقير والمعوز الذي لا معيل له على بيت مال المسلمين، والأدلة الشرعية على هذا الفرض كثيرة ومتعددة، نذكر منها ما يلي:

( أ ) الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه - أن رسول الله r قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين، ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته"([85]).

قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: "وهل كان ذلك من خصائصه r أو يجب على ولاة الأمر من بعده؟ والراجح – كما قال ابن حجر - الاستمرار، لكن وجوب الوفاء إنما هو من مال المصالح([86]).

(ب) كما روى الإمام البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي r قال "ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، إقرأو إن شئتم: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" فأيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني وأنا مولاه".
قال الإمام العيني في شرحه لهذا الحديث: قوله "ضياعاً " هم العيال الضائعون الذين لا شيء لهم وقوله: "أنا مولاه" أي ناصره ، لأن المولى هنا يعني الناصر([87]) .

(ج) أخرج أبو داود عن المقدام قال: قال رسول الله r: "من ترك كلا فإليّ، ومن ترك مالاً فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له، أعقل له وأرثه".
شرحه: من ترك كلاً أي: ثقلاً وهو يشمل الدين والعيال. والمعنى: إن ترك الأولاد فإلي ملجؤهم وأنا كافلهم، وإن ترك الدين فعلي قضاؤه، (اعقل له) أي أؤدي عنه ما يلزمه بسبب الجنابات التي تتحمله العاقلة، أي عصبته (وأرثه) أي أرث من لاوارث له، قال القاضي عياض: يريد به صرف ماله إلى بيت مال المسلمين([88])، وخلاصة ما تدل عليه تلك الأحاديث النبوية أن الإنفاق على الفقراء والعاجزين إذا لم يكن لهم أصول وفروع تترتب عليهم النفقة واجبة على الدولة، سواء كانت أموال الزكاة كافية أم غير كافية([89])، إذ أنه لا يعقل مع هذا الالتزام تجاه دين الميت وكفالة أولاده من بعده أن يكون الالتزام تجاهه في حياته أقل من هذا([90])، لأن حق العيش والحياة أقوى من حق الدين بعد الوفاة.

وحسبنا أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخشى لو أن جملاً أو عناقاً ضلت على شاطئ الفرات لأخذ بها يوم القيامة([91])، لعلمه رضي الله عنه شمول مسئولية ولي الأمر في الإسلام، إلى درجة أنه يعتبر مسئولاً عن حاجات حيوان يكون في إقليم غير الإقليم الذي يقيم فيه، فكيف تكون حينئذ المسئولية تجاه شخص ممزق الثياب، حافي القدمين، أو يتيم فقد حنان الأبوة، أو جائع قد عضه الجوع بنابه ورده الحرمان، أو أرملة تلاحقها نظرات من في قلوبهم مرض، وهي تسعى جاهدة لتجمع القوت لمن تعول، من كسب حلال طيب، وقد منعها الحياء والعفاف عن طلب السؤال.

ومثال آخر نرويه في هذا المقام، كما أورده ابن عبد الحكم قال: دخلت زوجة عمر بن عبد العزيز عليه عقب تربعه على كرسي الخلافة، فوجدته تسيل دموعه على خديه، فسألته عن سبب دموعه، فقال: "إني نظرت فوجدتني وليت أمر هذه الأمة، أسودها وأحمرها، ثم ذكرت الفقير الجائع، والغريب الضائع، والأسير المقهور، وذا المال القليل والعيال الكثير، وأشباه ذلك في أقاصي البلاد وأطراف الأرض، فعلمت أن الله تعالى يسألني عنهم، وأن رسول الله r حجيجي فيهم([92]).

وهكذا كان عمر بن عبد العزيز يبكي، خوفاً من أن يكون في دولته جائع، أو عار، أو شيخ كبير فقير وله عيال كثير.

فأي شعور أعظم من هذا الشعور، وأي مسئولية أعظم من هذه المسئولية، التي تكفل تدبير القوت لمن افتقر، ولمن عجز عن الكسب، وجعل نفقته واجبة على الدولة الإسلامية، بصرف النظر عن دينه أو ملته أو قوميته أو جنسه أو حسبه أو جاهه، لأن ذلك حق من حقوق الإنسان المقررة في الشريعة، ليس بالنسبة للمسلم في المجتمع الإسلامي فحسب، وإنما بالنسبة لغير المسلم، الذي يعيش في كنف الإسلام وأهله.

فالتكافل الاقتصادي الإسلامي لا تختص به طائفة دون أخرى([93])، بل يشمل كل الرعية، مسلماً كان أو غير مسلم، فالجميع يتمتعون على السواء بالرعاية والعناية، متى ما دعت الحاجة، وتاريخ الإسلام المجيد يسجل كثيراً من الوقائع التي تتضمن دلائل واقعة على أن غير المسلمين في دولة الإسلام كانوا يتمتعون بهذه الكفالة الاقتصادية، فقد أورد أبو يوسف في كتابه الخراج، أن خالد بن الوليد صالح أهل الحيرة على أمور منها، كفالة كل عامل ضعف عن العمل، لكبر أو مرض أو آفة، حيث يقول: "وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله، ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام"([94]).

كما أورد أبو عبيد في كتابه الأموال، أن عمر بن عبدالعزيز كتب إلى عدي بن أرطأة، عامله على البصرة " وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلا من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، كان من الحق عليه أن يقوته، حتى يفرق بينهما موت أو عتق، وذلك أنه بلغني: أن أمير المؤمنين عمر قد مر بشيخ من أهل الذمة، يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك إذ كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه([95]). الأمر الذي يضفي على التكافل الاقتصادي الإسلامي مسحة إنسانية سامية، وطابع اجتماعي كريم، لا يوجد في أي تكافل أو أي نظام اقتصادي آخر.

ولا يفهم أن ذلك الاهتمام بالمحتاجين من غير المسلمين يدخل في موالاتهم "إذ النهي عن موالاة الكافرين يقصد به النهي عن محالفتهم ومناصرتهم ضد المسلمين، كما يقصد به النهي عن الرضى بما هم فيه من كفر، أما المعاشرة الجميلة والمعاملة الحسنة، وتبادل المصالح والتعاون على البر والتقوى فهذا مما دعا إليه الإسلام([96])"، الذي يقرر أن من حق الجائع أن يطعم، ومن حق العاري أن يكسى، ولو كان هذا الجائع أو العاري غير مسلم([97])، باعتباره آدمياً يعيش في مجتمع لا يهدر قيمة وكرامة الإنسان، بسبب الضعف، أو الحاجة، أو المخالفة في الدين، ما دام لم يظهر العداء للإسلام والمسلمين، فالكل في هذه الحقوق سواء، دون تمييز بين لون ولون، أو دين ودين، حتى ينعم بالعيش الكريم كل من يعيش تحت راية الإسلام ودولته.

إذ أن تكريم الإنسان وتلبية حاجاته الأساسية والرحمة به هدف سامٍ، ترمي إليه الشريعة الإسلامية، فالرحمة بين البشر أساس الإيمان، وعلامة الإسلام، وثمرة من ثمار تأثر المسلم بتعاليم دينه، وتغلغله فيه([98])، وهي أعم من أن تختص بأحد الناس دون الناس كافة، أو تختص بالمسلم دون غيره، أو تختص بالإنسان دون الحيوان، إذ أنها تشمل سائر الأحياء، من إنسان وحيوان([99]).

كيف لا ونبي الرحمة يقرر أن إحسان رجل إلى كلب انتهى بهذا الرجل إلى أن شكره الله، وغفر له ذنوبه، وأن إساءة امرأة إلى هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض انتهت بهذه المرأة إلى غضب الله عليها([100]).

وإذا كان هذا يختص بالحيوان، فمن باب أولى أن ما يختص بالإنسان لن يكون أقل من نصيب الحيوان، كما أنه إذا كان هذا يتقرر لأهل الكتاب ممن يعيشون تحت راية الإسلام، فمن باب أولى أن يتقرر لأهل الإسلام عامة ولفقرائهم خاصة، لأن الفقراء وذوي الحاجات يقدمون في العطاء على غيرهم من بيت مال المسلمين، كما ذكر ذلك ابن تيميه في قوله: "ومن المستحقين ذوي الحاجات، فإن الفقهاء قد اختلفوا هل يقدمون في غير الصدقات من الفيء ونحوه على غيرهم، على قولين في مذهب أحمد وغيره، منهم من قال: يقدمون ومنهم من قال: المال استحق بالإسلام، فيشتركون فيه كما يشترك الورثة بالميراث، والصحيح أنهم يقدمون، فإن النبي r كان يقدم ذوي الحاجات كما قدمهم في مال بني النضير، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس أحد أحق بهذا المال من أحد، إنما هو الرجل وسابقته، والرجل وغناؤه، والرجل وبلاؤه، والرجل وحاجته".([101]).

ومن ثم لا مرية أن توفير الحاجات الأساسية للفقراء والمساكين والعاجزين عن العمل وكسب كامل معيشتهم من أهم واجبات بيت مال المسلمين. وهذا ما أكده الفقهاء، حيث أورد الكاساني في كتابه بدائع الصنائع: "أن المصارف الأربعة لبيت مال المسلمين موزعة إلى: دواء الفقراء، والمرضى وعلاجهم و إلى أكفان الموتى الذين لا مال لهم، وإلى نفقة اللقيط وعقل جنايته، وإلى نفقة من هو عاجز عن الكسب وليس له من تجب عليه نفقته"([102])، كما أكد أيضاً ذلك السرخسي، في كتابه المبسوط: "وعلى الإمام أن يتقي الله في صرف الأموال إلى المصارف، فلا يدع فقيراً إلا أعطاه حقه من الصدقات حتى يغنيه وعياله، وإن احتاج بعض المسلمين وليس في بيت المال من الصدقات(*) شيء أعطى الإمام ما يحتاجون إليه من بيت مال الخراج"([103]).

ولا غرابة في ذلك، إذ أن الفكر الإسلامي قد ربط شرعية الدولة بمدى استجابتها لتوفير شروط العيش الكريم لكل إنسان في المجتمع([104])، فقد قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إن الله استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونوفر لهم أمنهم، فإن لم نفعل فلا طاعة لنا عليهم"([105]). باعتبار الدولة الإسلامية مسئولة مسئولية كلية عن الفقراء والأرامل والعجزة وغيرهم ممن لا يقدرون على إغناء أو كفاية أنفسهم، ويحق لكل فقير أن يطالبها بالإنفاق عليه، إذا لم يكن هناك من ينفق عليه، وتذكر الدراسات أن فقيراً عاجزاً عن الكسب ولا قريب له، رفع أمره إلى القضاء الشرعي في مصر عام 1922م يطلب الحكم له بنفقة على خزينة الدولة، ولمست المحكمة مدى حاجته، فقضت بحقه في معاش على خزينة الدولة، ولكن لخطورة هذا المبدأ، والخوف من مغبة انتشار هذه الروح بين الفقراء، فقد عمدت الدولة في ذلك الوقت إلى إلغاء هذا الحكم، وأصدرت أمراً يمنع على القضاء إصدار مثل هذه الأحكام.([106]).

القسم الرابع
دور التوظيف على الأغنياء في تحقيق اقتصاديات الغنى


يعترف الفقه الإسلامي بأن الزكاة ليست هي الحق الوحيد في المال، لتأمين العدالة الاجتماعية والاقتصادية وسد حاجة الفقراء والعاجزين عن الكسب، بل هي الحد الأدنى الذي لا يجوز إمساكه([107]).

ومن ثم متى عجز هذا الحد عن سد حاجة المحتاجين ورفع عوز المعوزين وعجزت موارد بيت المال كالخراج والجزية والفيء والغنائم والعشور وتركة من لا وارث له عن مواجهتها فإن لولي الأمر كما يظهر من كلام كثير من العلماء أن يوظف على الأغنياء من المسلمين بقدر ما تمليه الضرورة، وتندفع به الحاجة المالية التي دعت إليه، وممن صرحوا بهذا القول:

القرطبي حيث يقول: "واتفق العلماء أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها"([108]).

وقد أيد هذا المبدأ وأفاض في الاستدلال عليه ابن حزم حيث يرى أن على الأغنياء إعانة الفقراء إذا لم تف الزكاة والفيء بسد حاجاتهم، وأوجب على السلطان أن يلزم الأغنياء في ذلك عند امتناعهم أو تخلفهم عن أداء هذا الواجب([109])، وقد استند في ذلك إلى أدلة كثيرة منها قوله تعالى: "وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل"([110]).
وقوله تعالى: "وبالوالدين إحسانا، وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب الجنب وابن السبيل وما ملكت إيمانكم"([111]).
وقوله r: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله". ويعلق على هذا الحديث بقوله: ومن كان على فضلة ورأى المسلم أخاه جائعاً عرياناً ضائعاً فلم يغثه فما رحمه بلا شك.
وقوله r: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه". ويعقب ابن حزم على هذا الحديث فيقول: من تركه يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته فقد أسلمه.

وأكد الجويني ذلك فقال: بأن الإمام يكلف الأغنياء من بذل فضلات الأموال ما تحصل به الكفاية والغناء، فالدنيا بحذافيرها لا تعدل تضرر فقير من فقراء المسلمين في ضر([112]).

وقال أبو حامد الغزالي: "إذا خلت الأيدي من الأموال ولم يكن في مال المصالح (الدولة) ما يفي بخراجات العسكر وخيف دخول الكفار بلاد الإسلام، أو ثوران الفتنه من أهل الشر، جاز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند، لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو ضرران دفع أشد الضررين، وأعظم الشرين، وما يؤديه كل واحد منهم قليل بالإضافة إلى ما يخاطر به من نفسه وماله لو خلت خطة الإسلام عن ذي شوكة يحفظ نظام الأمور ويقطع مادة الشرور"([113]).
وفي موطن آخر قال الغزالي "أن التوظيف عن عدم كفاية الفقراء أو الجدب والقحط من المصالح التي لا مرية في إتباعها إذا ظهرت، لأن كفاية الفقراء فرضاً على الكفاية، يأثم بتركه الجميع، ويسقط بقيام البعض به التكليف"([114]).

وقد قرر هذا الشاطبي فقال: إذا خلا بيت المال وارتفعت حاجات الجند وليس فيه ما يكفيهم فللإمام أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافياً له في الحال إلى أن يظهر مال في بيت المال، ووجه المصلحة في هذا أن الإمام العادل لو لم يفعل ذلك لبطلت شوكته وصارت الديار عرضة لاستيلاء الكفار والفتن([115]).

ولا يجوز في هذا الحال الاعتراض "بأن عصمة المال مقررة في الإسلام، لأن هذه العصمة مقررة في مواجهة من يعتدي عليها من اللصوص والمزورين الغاصبين ونحوهم، لا في مواجهة الأمة ومصالحها"([116]).

وهنا يأتي دور الأغنياء والموسرين في الاشتراك في تحمل مسئولية رفع الفقر والبؤس عن كاهل الطبقات الفقيرة في المجتمع، لأن هذه ليست مسئولية ولي الأمر فحسب، بل هي مسئولية ذوي اليسار والاقتدار، حيث المال الذي في أيديهم إنما هو مال الله، كما قال تعالى: "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم"([117])، ومن ثم فلا يصعب على نفس المسلم الغني الموسر أن ينزل عن جزء من ثروته ومما دخل في ملكه دون مقابل لصالح الفقراء والمساكين، والحق تبارك وتعالى يقول: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه"([118]). ويكرر القرآن الكريم هذا المعنى في أكثر من آية قال تعالى: "وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت([119])" وقال: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلَّة ولا شفاعة"([120]).

فالمسئولية حينئذ مشتركة وإن تباينت بين الجماعة الغنية والدولة الإسلامية، حتى يتحمل كل فريق نصيبه في إقامة مجتمع الكفاية والغنى، وهذا خلاف ما نلاحظه في الأنظمة الوضعية، وخاصة النظام الاشتراكي، الذي يضع مسئولية الكفالة الاجتماعية والاقتصادية على كاهل الدولة وحدها، ناهيك عن الرأسمالية التي تلقي العبء بأكمله على الفقير إلا من باب التفضل والإحسان.

في حين أن الإسلام "فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة، ويعذبهم عليه([121]). وهذا النص يشبه ما في كنز العمال، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لو علم الله أن زكاة الأغنياء لا تكفي الفقراء لأخرج لهم من غير زكاتهم ما يقوتهم، فإذا جاع الفقراء فبظلم الأغنياء لهم"([122]).

فالإسلام يعمم مسئولية تحقيق الغنى ومقاومة الفقر على الجميع، ابتداءً من جهد الفرد نفسه لتحقيق غناه، ثم بعد استنفاد هذا الجهد وعدم تمكنه من تحقيق ذلك يأتي دور الأسرة والقرابة وزكاة أغنياء الجماعة، ثم يأتي دور بيت المال، ليمارس دوره الاقتصادي المهم، وأخيراً تأتي التوظيفات والضرائب العادلة على الأغنياء، عند الحاجة إلى ذلك، في حال عدم كفاية موارد بيت المال لمطالب الأمة، وهذا ما فهمه الرعيل الأول من أبنائها، فقد كانوا "يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"([123])، "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً"([124]). بل ومال البعض كالصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه إلى الاعتقاد بالمساواة المطلقة في المعيشة، والتصدق بكل ما فضل عنه الحاجة([125])، معتمداً في دعوته الاقتصادية على قول الحق تبارك وتعالى: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون"([126])، وعلى قول النبي r عندما قال: "يا أبا ذر" قال: قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "ما أحب أن أحداً ذاك عندي ذهب، أمسي ثالثة عندي منه دينار، إلا ديناراً أرصده لديني، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا عن يمينه وهكـذا عن شماله"، قال ثم مشينا فقال "يا أبا ذر" قال قلت: لبيك يا رسول الله: فقال "إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا "مثل ما صنع في المرة الأولى"([127]).

ولذلك كان - رضي الله عنه - يحارب خزن المال وتجميده، ويثور في وجوه الكانزين والباخلين والمانعين للزكاة، وغيرها من حقوق المال في الإسلام، وكان يقول: "لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم، إلا ما ينفقه في سبيل الله، أو يعده لغريم"([128])، وهي الدعوة التي أزعجت أمير الشام معاوية، والخليفة عثمان بن عفان، ولا يفهم من ذلك أن أبا ذر الغفاري يدعو إلى المساواة الاقتصادية المطلقة كما هو الحال في النظام الاشتراكي بمعناها الضيق، ليتساوى الجميع في الدخول والأجور والحظوظ، فتلك دعوة لا يخفى على صحابي جليل كأبي ذر أنها تصطدم مع تعاليم الدين، التي تشجب كل قول ينادي بإلغاء الملكية الفردية، ويتجاهل ما للنفس البشرية من حقوق في الحياة والحرية، حيث يبيح الإسلام كسب المال وامتلاكه، فالملكية الخاصة ليست محرمة في نظره، بل يقرها ويحيطها بمختلف الضمانات والحمايات الشرعية، فقد قال تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله"([129]).

وقال r: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله"([130])، ما دام الفرد يؤدي حق الله فيها، وهي من مصدر نظيف وعمل شريف، لا من السرقة، أو الاغتصاب، أو أي مصدر ظنين لا يعتمد على أصل طاهر أو مشروع.

وتناقض سنة الله جل شأنه، التي تقر مبدأ التفاوت في الرزق أو في الثروات المكتسبة، بالطرق المشروعة والمباحة، لقوله تعالى: "والله فضل بعضكم على بعض في الرزق"([131]).

وقوله: "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات"([132]). فالله عز وجل، كما ذكر القرطبي في تفسيره: فاضل بين عباده في الرزق والمعاش([133])، أو بالمعنى المعاصر فاضل بينهم في الملكية والدخول الفردية.

إلا أن الإسلام وهو يقر هذا التفاوت ولا ينكره، فـ "الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر"[134]، فإنه لا يسعى إلى التساوي المطلق في الأرزاق والمعاش، ولا يدعو إلى المساواة المادية في الدخول والثروات، لأن من حكمة الله البالغة أن يتفاوت الناس في المواهب والملكات، والجهود والطاقات، فمنهم قوى وضعيف، وغني وفقير، وصحيح وسقيم، ومستطيع وعاجز، إذ أن هذا التفاوت بين الناس أمر طبيعي، وأمر كوني، لا تستقيم الحياة بدونه، ولكن هذا التفاوت وهذه الفروق إذا تركت وشأنها دون التخفيف من اتساعها وحدتها لأصبحت عوامل للهدم، ووسائل للتحطيم، وهذا ما أدركه التشريع الإسلامي، منذ زمن بعيد، فعندما اعترف بالملكية الفردية جعل فيها وظيفة اجتماعية([135])، أو بمعنى آخر فرض عليها التزامات وواجبات، فمنع اكتناز المال والاحتكار والربا والاستغلال، كما أمر بسبل للإنفاق الإجباري والاختياري، تقرب التفاوت الاقتصادي الفاحش بين المتفاوتين، وجعله ضمن حدود الاعتدال، ولا يتجاوزها بحيث يسبب الطبقية والمظالم الاجتماعية والعدوان على الآخرين.

فالإسلام ينفي من منهاجه وبشدة التفاوت الصارخ في توزيع الدخل والثروة، وهو التوزيع غير العادل، الذي تستأثر فئة معينة بالجزء الأكبر منه، مما يؤدي إلى تهميش الأغلبية الساحقة، التي لا تستطيع ضمان تغطية حاجاتها الأساسية([136]). ولهذا فهو لا يقر الغنى المطغي، أو تسلط الأقلية على مقدرات الجماعة، كما في الرأسمالية([137])، كما لا يقر الفقر المنسي، أو يحرم أحداً من وسائل المعيشة، بل يقاوم ذلك كله، ويأباه ولا يقبله، فليس في التصور الإسلامي أن يكون الظلم الاجتماعي، أو إهمال حق الفقراء والضعفاء، أو تكديس الأموال واكتنازها هو الغاية التي يسعى إليها عنصر المال، أو الملكية، أو العمل في نظر الإسلام([138])، بل العكس هو الصحيح، إذ أن إلحاق فقراء الأمة بأغنيائها ومنع تراكم الثروات المفرطة المولدة للاستبداد المضرة بأخلاق الأفراد هدف من أهداف الإسلام في مجال الاقتصاد، ولهذا فهو ينبذ اكتناز الأموال، والاحتكار، وكل أشكال الاستغلال، ويقر مبدأ تكافؤ فرص العمل، والسعي في اكتساب المعاش والتماس الرزق، من أجل تحسين ظروف الحياة لكل فئات المجتمع، فلا يقف أمام الفرد حسب، ولا نشأة، ولا أصل، ولا جنس، ولا قيد من القيود، التي تغل الجهود والسعي والاكتساب([139])، ما لم يتعارض هذا السعي وهذا الاكتساب مع الفضيلة والعبادة والصالح العام للجماعة.

ولهذا ما كان أبو ذر رضي الله عنه يحبذه عندما ينادي بالمساواة المطلقة في المعيشة والتصدق بكل ما فضل عن الحاجة هو المساواة في الادخار - وليس في الدخول التي يراها ليست بالأمر المتعذر، إذا ما انفق المسلم الفائض عن حاجته، أو ما يعرف باسم الفضل أو العفو بالمفهوم الإسلامي.

قال تعالى: "ويسألونك ماذا ينفقون قُلِ العفوَ"([140])، لتحسين أحوال من هم أقل حظاً منه([141]).

وغني عن البيان أن الإسلام إذا كان سمح بالتفاوت الاقتصادي غير الفاحش ولم يأمر بتذويب الفوارق بين الطبقات إلى الحد الذي ينهي هذا التفاوت، إلا أنه في نفس الوقت لم يحرم إذابتها كذلك، حيث يجيز للمالك أن يتصرف في ماله عن طريق الهبة أو الصدقة، ولو كانت الهبة أو الصدقة واردة على كل ماله، أو بعبارة أخرى لم يمنع التصدق على الفقراء والمساكين وسد حاجة المحتاجين، إلى الحد الذي تتساوى فيه المنفعة الحدية للنقود للغني مع المنفعة الحدية للنقود للفقير، طالما أن ذلك لم يتم جبراً، أو قسراً، أو مظهراً خادعاً كالماركسية، بل تم اختيارياً وطواعية([142])، ابتغاء ثواب ذلك من الله سبحانه، قال تعالى: "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا. إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً"([143]).

وقال: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم"([144]).

وهذا ما تميز به المجتمع الإسلامي الأول، الذي أصبح بحق مجتمع بذل وإنفاق وإيثار، فقد أنفق أبوبكر رضي الله عنه كل ماله تلبية لنداء العقيدة، وعندما قال له النبي r: "ما أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت لهم الله ورسوله([145]). كما تصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله، وعثمان بن عفان رضي الله عنه بحمولة قافلة، بما لذ وطاب من أصناف الطعام، على فقراء المدينة، معرضاً عن مكاسب التجار قائلاً: أعطاني ربي بكل درهم عشرة، ثم وزعها جميعاً على فقراء المسلمين، كما أنفق في جيش العسرة نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها([146]).

ولما نزل قوله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"([147]) سـارع أبو طلحـة الأنصاري إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله إن أحب أموالي إلي بيرحا، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال: "بخ ذلك مال رابح أو رايح"([148]).

وكان أبو ذر الغفاري ينفق المال الزائد عن حاجته وحاجة أهله، وحمل بشدة على الذين يكنزون أموالهم، ولا ينفقونها في الطرق التي تحقق شرعه وتجلب مرضاته([149]). كإطعام الجائع، وكسوة العاري، التي تعتبر مظهراً سامياً من مظاهر الأخوة الصادقة في الدين، قال تعالى: "إنما المؤمنون أخوة"([150])، وتقتضيها الولاية المتبادلة بين المؤمنين "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض"([151])، التي تتجاوز الجزاء المادي أو التكافل المتبادل، إلى التبرع بلا مقابل، أو عوض، سوى ابتغاء ثواب الله ورجائه، وامتثالاً لتعاليمه.

الخاتمة: وفيها ذكر لأهم نتائج البحث.
في ضوء ما سبق من دراسة وتحليل يتضح أن الإسلام يدعو إلى الغنى والكفاية في المعيشة، ويحارب الفقر والحاجة، ويطاردهما بشتى الوسائل.

ولعله من تمام البحث الإشارة في هذه الخاتمة إلى أهم النتائج التي توصلت إليها، وذلك على النحو التالي:
1- من أهم ما يسعى إليه النظام الاقتصادي الإسلامي هو عدالة توزيع الدخل والثروة بين فئات المجتمع، كي لا يصير أو يظل المال دولة بين الأغنياء وبدون مشاركة الفقراء.

2- يعتبر العمل العنصر الأول في تحقيق الغنى، أو جلب الرزق، أو ما يعرف بالدخل، ولذلك دعا إليه الإسلام وحث كل قادر عليه.

3- تعتبر الزكاة العنصر الثاني لمكافحة الفقر، إذا ما قعدت بالفرد أسباب العجز من مرض، أو شيخوخة، أو يتم، أو ترمل أو نحوه، إذ أن من أهدافها إغناء الفقراء في المجتمع.

4- خضوع التوزيع في الإسلام لعدة معايير أبرزها معيار الحاجة، وذلك لضمان الحاجات الأساسية لكل عضو في المجتمع، متجاوزاًَ التوزيع الإسلامي بذلك مبادئ التوزيع الوضعية التي لا تسمح باستحقاق الثروة إلا لعناصر الإنتاج التي ساهمت في تكوينها.
5- اتضح لي أثناء المقارنة أن النظم الاقتصادية الوضعية على الرغم من تطبيقها ردحاً من الزمن لم تستطع إسعاد الإنسان، أو تضمن له لقمة العيش بأمان وسلام، وليس أدل على ذلك من ضخامة وتزايد أعداد الفقراء المدقعين في العالم.

6- تدل النصوص الشرعية والوقائع التاريخية للدولة الإسلامية في عهودها الأولى على كفالة الدولة لجميع الأفراد العاجزين والمعوزين، سواء كانوا مسلمين أم معاهدين.

7- أقر علماء المسلمين القدامى كإبن حزم والغزالي فرض موارد جديدة بخلاف الزكاة، عندما تكون هناك حاجة مالية إلى ذلك، وتعجز عن تغطيتها حصيلة الزكاة وموارد بيت المال الأخرى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

مراجع البحث

(1) الاستثمار أحكامه وضوابطه في الفقه الإسلامي، د. قطب مصطفى، دار النفائس، الأردن، 1420هـ.
(2) أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة، المودودي، ط3، 1991م.
(3) الإسلام والتنمية الاجتماعية، د. محمد عبد الحميد، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1416هـ.
(4) الإسلام والتنمية الاقتصادية، د. شوقي دنيا، دار الفكر العربي، القاهرة، 1979م.
(5) 5- الإسلام وعدالة التوزيع، د. محمد الفنجري، بحث نشر في ندوة الاقتصادي الإسلامي، المنظمة العربية للتربية والثقافة، 1403هـ.
(6) الاقتصاد الإسلامي، د. محمد صقر، دار النهضة، القاهرة، 1398هـ.
(7) الاقتصاد العام للرفاهية، د. مصطفى الشيحة، الدار الجامعية، بيروت، 1993م.
(8) الاقتصاد السياسي للفقر، د. باسل البستاني، الأمم المتحدة، 1999م.
(9) الأموال، أبو عبيد، تحقيق خليل هراس، مكتبة الكليات الأزهرية.
(10) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني، شركة المطبوعات المصرية.
(11) بعض المفاهيم والمبادئ في الاقتصاد الإسلامي، د. شوقي شحاته، مجلة البنوك الإسلامية، العدد 39.
(12) تفسير القرطبي، القرطبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987م.
(13) التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام، د. عبد الرحمن يسري، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية.
(14) حصيلة الزكاة وتنمية المجتمع، د. عبد الله طاهر، ندوة موارد الدولة الإسلامية، البنك الإسلامي للتنمية،1420هـ.
(15) الخراج، أبو يوسف، تحقيق محمد البنا، دار الاعتصام.
(16) دراسات في الاقتصاد المالي، د. محمد الدويدار، منشأة المعارف للنشر، الإسكندرية.
(17) دور الدولة في التوازن الاقتصادي والاجتماعي في الإسلام، د. عبد الحميد عواد، ندوة التنمية من منظور إسلامي، الأردن.
(18) دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، مصر.
(19) رؤية إسلامية للنظام الاقتصادي الغربي، د. أحمد عزاب، مجلة الدراسات الإسلامية، الجامعة الإسلامية، باكستان، 1407هـ.
(20) الزكاة تطبيق محاسبي معاصر، د. سلطان السلطان، دار المريخ للنشر، الرياض، 1406هـ.
(21) السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، ابن تيميه، تحقيق محمد البنا، دار الشعب، القاهرة.
(22) صحيح البخاري، البخاري، تحقيق قاسم الرفاعي، دار القلم.
(23) صحيح مسلم، مسلم، دار الكتب العلمية، بيروت.
(24) العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13.
(25) العدالة الاجتماعية، فؤاد العادل، دار الكتاب العربي.
(26) العدالة الاجتماعية والتنمية في الاقتصاد الإسلامي، د. عبد الحميد إبراهيم، مركز دراسات الوحدة العربية، 1997م.
(27) عالم إسلامي بلا فقر، د. رفعت العوضي، وزارة الأوقاف، قطر، 1421هـ.
(28) عناصر الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي والنظم الاقتصادية المعاصرة، د. صالح العلي، اليمامة للنشر، 1420هـ.
(29) الفقر والبيئة، وثيقة 92، معهد مراقبة البيئة العالمية، ترجمة د. محمد صابر، مصر، 1991م.
(30) فقه السنة، السيد سابق، دار الكتاب العربي، بيروت، 1997م.
(31) في المجتمع الإسلامي، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة.
(32) المبسوط، السرخسي، دار المعرفة للطباعة، بيروت.
(33) المحلى، ابن حزم، المكتب التجاري للنشر، بيروت.
(34) محاضرات في الاقتصاد العام، د. محمد الأشرم، منشورات جامعة حلب، 1982م.
(35) معالجة الزكاة لمشكلة الفقر، د. الطيب زين العابدين، المؤتمر العالمي الرابع للزكاة، الكويت، 1415هـ.
(36) المغني، ابن قدامة، تصحيح محسن محسين، مكتبة الجمهورية، مصر.
(37) المفهوم الإسلامي لاقتصاديات الرفاهية، د. أمين منتصر، جامعة أم القرى.
(38) المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، د. يوسف العالم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1414هـ.
(39) مقدمة في أصول الاقتصاد الإسلامي، د. محمد القري، دار حافظ للنشر، جدة، 1414هـ.
(40) موسوعة الاقتصاد الإسلامي، د. محمد الجمال، دار الكتاب المصري، القاهرة، 1402هـ.
(41) النظام الاقتصادي في الإسلام، د. رفعت العوضي، الجامعة الأمريكية المفتوحة.
(42) النظام الاقتصادي الإسلامي، د. عمر شابرا، مجلة المسلم المعاصر، العدد 14.
(43) النظام المالي الإسلامي، د. محي الدين طرابزوني، ندوة النظم الإسلامية، مكتب التربية لدول الخليج، 1405هـ.
(44) النظم الاقتصادية المعاصرة، د. صلاح الدين نامق، دار المعارف، القاهرة.
(45) النظرية الاقتصادية من منظور إسلامي، د. شوقي دنيا، مكتبة الخريجي، الرياض، 1984م.
(46) نظرات في الاقتصاد الإسلامي، د. محسن عبد الحميد، مطبعة الحوادث، بغداد، 1978م.

* استاذ مشارك بجامعة الملك سعود.

([1]) سورة الحشر، أية 7.

([2]) سورة الإسراء آية 16.

([3]) سورة الجمعة، آية 10.

([4]) سورة الملك، آية 15.

([5]) سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب، حديث رقم 2137.

([6]) المرجع نفسه، حديث رقم 2138.

([7]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، كتاب البيوع، باب كسب الرجل، ج9، ص154.

([8]) د. عبد الهادي النجار، الإسلام والاقتصاد، عالم المعرفة، الكويت، 1403هـ، ص26.

([9]) أبو داود، السنن، باب الزكاة، ج2، ص120.

([10]) مسلم، الصحيح، باب كراهة المسألة للناس، ج2، ص720.

([11]) ابن ماجه، السنن، باب من سأل عن ظهر غنى، ج1، ص589.

(*) لمزيد من الإطلاع انظر للباحث، النشاط الاقتصادي من منظور إسلامي، مجلة الشريعة، جامعة الكويت، عدد 45، 1422هـ.

([12]) ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل، حديث رقم2074، ج9، ص154.

([13] ) سورة النساء، آية 29.

([14] ) د. محمد البهي، الإسلام والاقتصاد، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1401هـ، ص21.

([15] ) د. عبد الرحمن زكي، العقود التجارية في ظل الشريعة، مجلة آفاق اقتصادية، المجلد22، العدد88، 1422هـ، ص101.

([16]) سورة البقرة ، آية 110 .

([17]) سورة البينة ، آية 5 .

([18]) البخاري ، ح2 ، ص 158، 159.

([19]) مسلم، كتاب الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي، ج2، ح 990، ص686.

([20]) قال r "فيما سقت السماء والعيون العشر، وفيما سقي بالنضج نصف العشر انظر سنن ابن ماجة، ح1، كتاب الزكاة، باب صدقة الزروع والثمار، حديث رقم 1816، ص581.

([21]) البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم.

([22]) حيث إن انتقال جزء من أموال الاغنياء إلى الفقراء يؤدي إلى زيادة منفعتها ، فهذه الأموال وهي في حوزة الأغنياء تكون ذات منفعة حدية منخفضة، وبانتقالها إلى الفقراء تزداد منفعتها الحدية، مما يؤدي إلى زيادة الرفاهية وارتفاع مستوى المعيشة في المجتمع ككل. انظر د. سلطان السلطان، الزكاة تطبيق محاسبي معاصر، دار المريخ للنشر، الرياض، 1406، ص 20.

([23]) د. عبد الله طاهر، حصيلة الزكاة وتنمية المجتمع، بحث نشر في كتاب ندوة موارد الدولة الإسلامية، الناشر، البنك الإسلامي للتنمية، ط1، 1420 ، ص 264.

([24]) عبد الرحمن تاج، فريضة الزكاة، مجلة الازهر، القاهرة، ح7، المجلد 25، رجب 1373، ص 1123.

([25]) كما يؤكد ذلك المداولات التي رواها ابو يوسف في كتابه الخراج بين عمر بن الخطاب ومعاذ.

([26]) د. شوقي دنيا، الإسلام والتنمية الاقتصادية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1979، ص 104.

([27]) ابن قدامه المغني، صححه محسن محيسن، شعبان اسماعيل، ح2، مكتبة الجمهورية العربية ،مصر، ص 673.

([28]) د. أمين منتصر، المفهوم الإسلامي الاقتصاديات الرفاهية، نشر جامعة أم القرى، ص 10.

([29]) د. الطيب زين العابدين، معالجة الزكاة لمشكلة الفقر، بحث نشر في كتاب أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الرابع للزكاة، بيت الزكاة، الكويت، 1415هـ، ص 108.

([30]) ألن ب درننج، الفقر والبيئة: الحد من دوامة الفقر، وثيقة 92، معهد مراقبة البيئة العالمية، ترجمة الدكتور محمد صابر، الدار الدولية للنشر مصر، ط1، 1991، ص7، 20، 36.

([31]) د. سيد الخولي، التعاون الدولي لتنمية مستدامة في مواجهة التحديات البيئية العالمية، مجلة النقد والتعاون العربي، المجلد 27، العدد 96، عام 2001م، ص14.

([32]) د. أحمد عزاب، رؤية إسلامية للنظام الاقتصادي الغربي، مجلة الدراسات الإسلامية، الجامعة الإسلامية، باكستان، المجلد 2، شوال، 1407هـ، ص 29-32.

([33]) معهد المراقبة البيئية العالمية، الفقر والبيئة، ترجمة د. محمد صابر، مرجع سابق، ص49.

([34]) المرجع السابق، ص51.
- باسل البستاني، الاقتصاد السياسي للفقر، ورقة عمل قدمت إلى اجتماع فريق خبراء بشأن تحسين مستويات المعيشة في دول المشرق العربي، القاهرة، 1997، الأمم المتحدة، 1999، ص11، 12.

([35]) معهد مراقبة البيئة العالمية، الفقر والبيئة، مرجع سابق، ص54.

([36]) د. زينب عبد العزيز، المرأة والنظام العالمي رؤية إسلامية، بحث نشر في كتاب حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام، المغرب، 1419هـ، ص 242.

([37])د. محي الدين طرابزوني، النظام المالي الإسلامي، بحث مقدم إلى ندوة النظم الإسلامية، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1405، ج2، ص102.

([38]) سورة الذاريات، آية 19.

([39]) سورة المعارج، آية 24.

([40]) سورة الانعام، آية 41.

([41]) د. شوقي شحاته، بعض المفاهيم والمبادئ في الاقتصاد الإسلامي، مجلة البنوك الإسلامية، عدد 39، ربيع الأول، 1405هـ، ص.

([42]) د. عبد الرحمن يسري، التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية، ص 53..

([43]) سورة الحشر، آية 7.

([44]) د. قطب مصطفى، الاستثمار أحكامه وضوابطه في الفقه الإسلامي، دار النفائس الأردن، 1420، ص77.

([45]) د. بدوي عوض، الميزانية الأولى في الإسلام، محاضرة ألقيت في جامعة بيروت، 1973م، ص27.

([46]) سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، دار الشروق القاهرة، ط13، ص 147 .

([47]) صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل بيده.

([48]) حيث نص الشارع الحكيم على الملكية الجماعية لعدد من الموارد الاقتصادية، التي لا يصلح الانفراد بتملكها، حيث قال r: الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلاء والنار " . انظر سنن ابي داود ، ح2، ص 784، طبعة دار إحياء السنة النبوية، المدينة المنورة.

([49]) فؤاد العادل، العدالة الاجتماعية، عقيدة – هدف معبر – دار الكتاب العربي، ص 164.

([50]) أبو عبيد القاسم بن سلام، الأموال، ص 357.

([51]) د. شوقي دنيا، النظرية الاقتصادية من منظور إسلامي، مكتبة الخريجي، الرياض، 1984، د/ محمد الجمال، موسوعة الاقتصاد الإسلامي، دار الكتاب المصري القاهرة، ط1، 1402هـ ،ص67.

([52]) حيث يترك الإسلام بعد ذلك لقوى السوق أن تتفاعل لتحديد مستوى أجر العامل. أنظر د. رفعت العوضي، عالم إسلامي بلا فقر، الناشر وزارة الأوقاف، قطر، سلسلة كتاب الأمة،1421، ص86.

([53]) صحيح مسلم ج2، كتاب الايمان ، باب اطعام المملوك مما يأكل، حديث رقم 41 ، ص 1284.

([54]) صحيح مسلم ج2 كتاب الايمان، باب اطعام المملوك مما يأكل، حديث رقم38 ، ابن ماجة، ج2 كتاب الادب، باب الاحسان إلى المحتاج، حديث رقم 3690، ص 1216.

([55]) د. محمد شفيع، أثر تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي في المجتمع، مجلة البنوك الإسلامية، عدد 3، 1404هـ، ص 6.

([56]) د. محمد القري، مقدمة في أصول الاقتصاد الإسلامي، دار حافظ للنشر، جدة ، ط1 ، 1414هـ ، ص 9.

([57]) د. يوسف العالم، حكمة التشريع الإسلامي في تحريم الربا، دار جامعة أم درمان الإسلامية، ط1، 1413هـ، ص 7.

([58]) متجاهلين هؤلاء أن القرآن الكريم يخبرنا منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان أن سبب هلاك الأمم والجماعات يعود إلى انفراد ثلة من البشر بالترف والتنعم، الذي يصحبه عادة وجود كثرة في بؤس وفقر، فهو يقول: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرنها تدميرا ".

([59]) د. يوسف العالم، المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط2، 1414هـ، ص 536.

([60]) سورة التوبة، آية 103.

([61]) سورة الأعلى، آية 14.

([62]) سورة الإسراء، آية 70 .

([63]) سورة البقرة، آية 34.

([64]) إذ أن 17% من مجموع سكان العالم يحتكرون نسبة 82% من الثروة العالمية وذلك في سنة 1989م، أنظر د. عبد الحميد براهيمي، العدالة الاجتماعية والتنمية في الاقتصاد الإسلامي، مركز دراسات الوحدة العربية، 1997م، ص 133.

([65]) د. صلاح الدين نامق، النظم الاقتصادية المعاصرة، دار المعارف، القاهرة، ص 188.
- د. محمد الأشرم، محاضرات في الاقتصاد العام، منشورات جامعة حلب، 1982م، ص 25.

([66]) د / مصطفى شيحه، الاقتصاد العام للرفاهية، ج1، الدار الجامعية بيروت ، 1993م ، ص169.

([67]) معهد مراقبة البيئة العالمية، الفقر والبيئة، مرجع سابق، ص31، 32.


([68]) د. محمد الجمال، موسوعة الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص 63.
- د. محمد دويدار، دراسات في الاقتصاد المالي، منشأة المعارف للنشر، الاسكندرية، ص 368.

(*)والتي كانت يعتبرها الاشتراكيون وعلى رأسهم كارل ماركس أساس الصراع في النظام الرأسمالي، وقد بنى ماركس هذا الاتهام من نظرية فائض القيمة، ذلك أن فائض القيمة الذي تستولي عليه الطبقة الرأسمالية، التي لا تشكل إلا مجموعة ضئيلة من السكان، والذي كان يجب أن يذهب إلى العمال هو السبب الأساسي للصراع الطبقي، فطالما إن الفئة الصغيرة تستولي على خيرات المجتمع "ممثلة في فائض القيمة" والفئة الكثيرة لا تجد إلا أجر الكفاف فلابد أن يكون هناك صراع.
أنظر د. صلاح الدين نامق، النظم الاقتصادية المعاصرة، دار المعارف، القاهرة، ص189.

([69]) د. أمين منتصر، المفهوم الإسلامي لاقتصاديات الرفاهية، مرجع سابق، ص 9،20.

([70]) د. أحمد حمد، نحو دستور موحد للأمة الإسلامية، مكتبة الملك فيصل القاهرة، 1987، ص89.

([71]) د. أحمد الشرباصي، الإسلام والاقتصاد، لا يوجد أسم ناشر ولا سنة نشر، ص 140.

([72]) سنن النسائي، ح6، كتاب الجهاد، باب الإستنصار بالضعيف، ص 46.

([73]) سورة الكهف، آية 34 .

([74]) د. محمد صقر، الاقتصاد الإسلامي، دار النهضة العربية القاهرة، ط1، 1398، ص54.

([75]) أبو الاعلى المدودي، أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة ، ط3، 1391هـ، ص 163.

([76]) د. محمد عبد الحميد، الإسلام والتنمية الاجتماعية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط3، 1416هـ، ص 47.

([77]) د. رؤوف شلبي، المشكلة الاقتصادية في ضوء تعاليم الإسلام الحنيف، دار الاعتصام، مصر ، ص 58.

([78]) معهد مراقبة البيئة العالمية، الفقر والبيئةن مرجع سابق، ص31.

([79]) سورة النور، آية 40.

([80]) د. صلاح الدين نامق، النظم الاقتصادية المعاصر، مرجع سابق، ص175.

([81]) د. رفعت العوضي، النظام الاقتصادي في الإسلام، الجامعة الملكية المفتوحة، ص166.

([82]) مصداقاً لقوله r " يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام، ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ح9، كتاب البيوع، باب من لم يبال من حيث كسب المال، حديث رقم 2059، ص 43.

([83]) د. زاهب الزغبي، النظام الاقتصادي في الإسلام، مجلة الازهر، ح3، السنة 50، رجب 1398، ص 826.

(*) يلاحظ أنه بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط الاشتراكية لم يبقى إلا النظام الرأسمالي الذي تسعى الدول الرأسمالية المتقدمة إلى تعميمه على كل دول العالم طبقاً لمصالحها.

([84]) سورة البقرة، أية 279.

([85]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ح12، كتاب الفرائض، ص10، المكتبة السلفية.

([86]) المرجع نفسه.

([87]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني، ح19، ص 115.

([88]) عون المعبود شرح سنن أبي داود، ح8، ص 106، مؤسسة الرسالة ، بيروت، عام 1314هـ.

([89]) د. عبد الكريم زيدان، المفصل في أحكام المرأة في الشريعة الإسلامية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت، ح4، ص 108.
د. عبد المنعم فرج، دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي في المعاملات المالية، جـ1، جامعة الدول العربية، 1975م، ص69.

([90]) د. محمد بلتاجي، الملكية الفردية في النظام الاقتصادي الإسلامي، مكتبة الشباب، مصر، 1402هـ، ص 58.

([91]) د. صبحي محمصاني، المبادئ الشرعية والقانونية في الحجر والنفقات والمواريث والوصية، ط6، دال العلم للملايين، بيروت، 1977م، ص 165.

([92]) ابن عبد الحكم، أبي محمد عبد الله، سيرة عمر بن عبد العزيز، تصحيح أحمد عبيد، ط2، الناشر مكتبة وهبة، مصر ، ص 146.

([93] ) د. عبد المنعم، دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون، مرجع سابق، ص69.

([94]) أبو يوسف، الخراج ، تحقيق، د. محمد البنا، دار الاعتصام، ص290.

([95]) أبو عبيد، الأموال ، تحقيق خليل هراس، مكتبة الكليات الأزهرية، 1395هـ، ص 57.

([96]) السيد سابق، فقه السنة، ج2، دار الكتاب العربي، بيروت، 1397هـ، ص604.

([97]) أبو الأعلى المودودي، نظام الحياة في الإسلام، الاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية، ط5، 1405هـ، ص 30.

([98]) د. يوسف القرضاوي، دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، مكتبة وهبة، مصر، ص 292.

([99]) د. عبد الواحد الفار، الثقافة الإسلامية دراسة تأصيلية لمضمون الرسالة الإسلامية، مكتبة الخدمات الحديثة، جدة، ص 19.

([100]) سنن ابن ماجة، ح2، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، حديث رقم 4256.

([101]) ابن تيميه، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي الرعية، تحقيق محمد البنا، محمد عاشور، دار الشعب، القاهرة، ص 65-6.

([102]) الكاساني، أبو بكر مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، شركة المطبوعات المصرية، القاهرة، ص 96.

(*) مما يجدر التنويه إليه أن موارد بيت المال كالخراج والجزية والفيء والغنائم... مستقلة عن مال الصدقات، كما ذكر ذلك أبو يوسف في كتابه الخراج، ص81، حيث يقول "ولا ينبغي أن يجمع مال الخراج إلى مال الصدقات، لأن الخراج فيء لجميع المسلمين، والصدقات لمن سمى الله عز وجل في كتابه".

([103]) السرخسي، شمس الدين، المبسوط ، ح3، دار المعرفة للطباعة، بيروت، ص 18.

([104]) د. عبد الحميد عواد، دور الدولة في التوازن الاقتصادي والاجتماعي في الإسلام، بحث نشر في كتاب التنمية من منظور إسلامي، نشر المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، الأردن، ح1، ص 154.

([105]) المرجع نفسه.

([106]) د. أحمد حمد، نحو دستور موحد للأمة الإسلامية، مرجع سابق، ص94.
د. عبد السلام العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية، جـ2، مكتبة الأقصى، عمان، 1395، ص250.

([107]) د. مصطفى السباعي، د. عبد الرحمن الصابوني، الأحوال الشخصية، المطبعة الجديدة، دمشق، 396، ص 382.

([108]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ح2، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1354هـ، ص 2.

([109]) ابن حزم، المحلي، ط6، مرجع سابق، ص 224.

([110]) سورة الإسراء، آية 26.

([111]) سورة النساء، آية 36.

([112]) الجويني، غياث الأمم في الثبات الظلم، تحقيق د. مصطفى حلمي، د. فؤاد أحمد، دار الدعوة، الاسكندرية، ص 173.

([113]) الغزالي، ابي حامد، المستصفي، ح1، مكتبة المثني، بغداد، ص 304.

([114]) الغزالي، شفاء الغليل، تحقيق محمد الكبيسي، مطبعة الارشاد، بغداد، 1390هـ، ص242.

([115]) الشاطبي، الاعتصام، وبه تعريف محمد رشيد رضا، ج2، المكتبة التجارية، مصر، ص121- 122.

([116]) د. محسن عبد الحميد، نظرات في الاقتصاد الإسلامي، مطبعة الحوادث، بغداد، 1978م، ص 22.

([117]) سورة النور، آية 33.

([118]) سورة الحديد، آية 7.

([119]) سورة المنافقون، آية 10.

([120]) سورة البقرة، آية 254.

([121]) ابن حزم المحلي، ج6، مرجع سابق، ص 228.
- أبو عبيد، الأموال، صححه محمد حامد، ص 596.

([122]) كنز العمال، للعلامة المتقي الهندي، ج6، رقم الأثر 15823، ص 310.

([123]) سورة الحشر، آية 9.

([124]) سورة الإنسان، آية 8 .

([125]) د. محمد عمر شابرا، النظام الاقتصادي الإسلامي، مجلة المسلم المعاصر، عدد 14، 1398هـ، ص 71.
- د. محمد الجمال، موسوعة الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص 44 .

([126]) سورة التوبة، آية 34 .

([127]) صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة، ح2، حديث رقم 32، ص687.

([128]) د. أحمد الشرباصي، يسألونك في الدين والحياة، ح3، دار الجيل ، بيروت، 194.

([129]) سورة المائدة، آية 38.

([130]) السيوطي، الجامع الصغير من حديث البشير النزير، ج2، رقم الحديث 6277.

([131]) سورة الزخرف، آية 32 .

([132]) سورة النحل، آية 71.

([133]) القرطبي، تفسير القرطبي، ج16، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987، ص 83.

([134] ) سورة الزمر، آية 52.

([135]) محمد أبو زهرة، في المجتمع الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، ص 4.

([136]) د. محمد شوقي الفنجري، الإسلام وعدالة التوزيع، بحث نشر في كتاب ندوة الاقتصاد الإسلامي، الناشر المنظمة العربية للتربية والثقافة، 1403هـ، ص 370.

([137]) د. صالح العلي، عناصر الانتاج في الاقتصاد الإسلامي والنظم الاقتصادية المعاصرة، اليمامة للنشر، دمشق، ط، 1420هـ، ص 74.

([138]) د. رؤوف شلبي، المشكلة الاقتصادية في ضوء تعاليم الإسلام، دار الاعتصام، مصر، ص 66.

([139]) د. فؤاد العادل، العدالة الاجتماعية عقيدة هدف. دار الكتاب العربي، ص163.

([140]) سورة البقرة، آية 219.

([141]) د. محمد شابرا، النظام الاقتصادي الإسلامي، مرجع سابق، ص 71.

([142]) د. أمين منتصر، المفهوم الإسلامي لاقتصاديات الرفاهية، مرجع سابق، ص31،36.

([143]) سورة الإنسان، الآية (8-10) .

([144]) سورة البقرة، آية 261.

([145]) سنن الترمذي، كتاب المناقب، حديث رقم 3675.

([146]) الاصبهاني، حلية الأولية وطبقات الأصفياء ، ج1، دار الكتاب العربي، 1405 ، ص 32.
- ابن هشام السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا، ج2، ط2، 1975، ص 518.

([147] ) سورة آل عمران، آية 92.

([148]) صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب إذا أوقف ارضا ولم يبين الحدود، حديث رقم 966، ح3، تحقيق قاسم الرفاعي، دار القلم، بيروت، مرجع سابق.

([149]) الاصفهاني، أحمد بن عبد الله، حلية الأوليات وطبقات الاصفياء ، ح1 ص 165.

([150]) سورة الحجرات، آية 10.

([151]) سورة التوبة، آية 71.
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:52 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22