صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > إسلاميات > هدي الإسلام

هدي الإسلام معلومات ومواضيع إسلامية مفيدة

شخصية الرسول وأثره .. للدكتور / مصطفى السباعي

بسم الله الرحمن الرحيم أن محمد الرسول صلى الله عليه وسلم فلن يفكر أحد أن يكون مثله أو قريباً منه ، في إشراق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-05-2013 ~ 03:42 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي شخصية الرسول وأثره .. للدكتور / مصطفى السباعي
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


بسم الله الرحمن الرحيم


أن محمد الرسول صلى الله عليه وسلم فلن يفكر أحد أن يكون مثله أو قريباً منه ، في إشراق روحه ، واتصاله بالملأ الأعلى ،يتلقى الوحي ، ويتنزل عليه الهدى آيات بينات ! لن يصل أحد إلى هذا ولا إلى قريب منه ، لأن الله ختم بنبوته النبوات، وبشريعته الشرائع ..
إن محمد الإنسان ، فهو هو الذي يحرص كل مسلم على أن يكون ظله في الأرض ، يتخلق بخلقه ، ويهتدي بهديه ، ويأتي به في صبره وجهاده وزهده وعبادته وتضحيته وإيثاره ومأكله وملبسه ، وما أعتقد أن الله أكرم رسول الله الإنسان بمدع أعلى من هذا المدح ( وإنك لعلى خلق عظيم ) سورة القلم .
تعال بنا لنتخطى أسوار الزمن حتى نصل إلى عتبه " محمد الرسول الإنسان " فنرى روح الحياة السارية المشرقة في مجتمع فاض بالبطولات والمروءات ، حتى يكاد تاريخه يلتحق بالأساطير ، لولا أنه حق لا مرية فيه ، وصدق لا كذب معه .

أوصافة الخلقية :
قالوا في أوصافه على الصلاة والسلام إنه كان : ظاهر الوضاءة ، متبلج الوجه(مشرقه) ، له نور يعلوه ، إذا زال زال تقلعاً(رفع الرجل بقوة ) ، يخطو تكفياً ( يميل إلى سنن المشي وقصده )ويمشي هوناً(الوقار ) ، ذريع المشية (واسع الخطو) كأنما ينحط من صبب ( العلو) ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يمشي وراء أصحابه ، ويبدر(يبدأ ) من لقي بالسلام دائم الأحزان ، متواصل الفكرة ، ليست له راحة ، طويل السكت ، لا يتكلم في غير حاجة ، يفتتح الكلام ويختمه باسم الله ، وإذا تكلم أعاد الكلام ثلاثاً ليفهم عنه ، كلامه فصل لافضول ولا تقصير ، أوتي جوامع الكلم ، واختصرت له الحكمة اختصارا ليس بالجافي ولا المهين ، يعظم النعمة وإن دقت ، لا يذم منها شيئاً غير أنه لم يكن يذم ذواقا( طعاماً ) قد ولا يمدحه ، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها ، فإذا تعدي الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه ، جل ضحكه التبسم ، إذا نطق فعليه البهاء ، وإذا صمت فعليه الوقار ، أزين الناس منظراً وأحسنهم وجهاً ، وأجودهم وأسخاهم نفساً ، يعضي عطاء من لا يخشى الفقر ، وما سئل عن شيء قط فقال : لا ، وما خُيّر بين أمرين إلا أختار أيسرهما ما لم يكن إثما .
تقول عائشة رضي الله عنها في مجامع خلقه : كان خُلُقه القرآن .
ويقول على رضي الله عنه في وصف شخصيته : من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه .

معيشته في نفسه :
كان لا يتكلف في لباس ولا طعام ، يلبس ما يتيسر ,وأكثر لبسه المعتاد من لباس الناس وكان يلبس جيد الثياب إذا اقتضى الأمر لمقابلة وفود ، أو لمناسبة عيد ، وكان يأكل ما يجده ، فإن وجد اللحم والحلوى أكل ، وإن لم يجد إلا الخبز والزيت أو الخل أكل ، وإن لم يجد ما يأكله بات طاوياً ، وربما شد على بطنه الحجر من شدة الجوع . وكان ينام على فراض من جلد حشوه ليف ، ويجلس على الحصير وينام عليها كثيراً

معيشته في بيته :
كان حلو المعاشرة لزوجاته ، كثير المسامرة لهن ، متحملا لأخلاقهن ، وخاصة غيرتهن وكان يقول " خيركم خيركم لأهله " .
وكان نساؤه يحتملن منه شدة الحال وخشونة العيش ، وكان يسره ذلك منهن ،فلما فكرن يوما أن يطلبن منه التوسعة والزينة والمطعم ، شق ذلك عليه وهجرهن شهراً لا يكلمهن ، ثم نزل قوله تعالى } يَاأَيُّهَاالنَّبِيُّقُللِّأَزْوَاجِكَإِنكُنتُنَّتُرِدْنَ
الْحَيَاةَالدُّنْيَاوَزِينَتَهَافَتَعَالَيْنَأُمَتِّعْكُنَّوَأُسَرِّحْكُنَّ
سَرَاحًاجَمِيلًا {28} وَإِنكُنتُنَّتُرِدْنَاللَّهَوَرَسُولَهُوَالدَّارَ
الْآخِرَةَفَإِنَّاللَّهَأَعَدَّلِلْمُحْسِنَاتِمِنكُنَّأَجْرًاعَظِيمًا {29}
فلما نزلت هاتان الآيتان خيّر نساءه وبدأ بعائشة وقال لها " ما أحب أن تختاري حتى تستأمري أبويك " ثم تلا عليها الآيات وفيها التخيير بين ا، تبقى عنده على شظف العيش وخشونة الحياة ، وبين أن يفارقها ويمتعها متاعا جميلا ، فكان جوابها على الفور : أفيك أستأمر أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ! وكذلك فعل بكل واحدة من نسائه على انفراد فكان جوابها كجواب عائشة ، وهي لا تعلم بما أجابت به غيرها .
وظل هكذا شأنه مع نسائه من التقشف وخشونة العيش حتى توفاه الله .
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : ما شبع آل محمد يومين من خبز بر ، ولقد كنا نمكث الشهر والشهرين لا يوقد في بيتنا نار ، وكان طعامنا إلا التمر والماء ، ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتنا شيء يأكله ذو كبد ، إلا كسرة خبز من شعير على رف لي وقال أنس : رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعاً له على شعير يأخذه لطعام أهله .

عمله في بيته :
سئلت عائشة رضي الله عنها : ماذا كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لفي البيت ؟ فقالت : كان بشراً من البشر ، يخصف نعله ، ويرقع ثوبه ، ويحلب شاته ، ويعمل ما يعمل الرجل في بيته ، فإذا حضرت الصلاة خرج .

معاملته لأصحابه :
1- يقول أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم : خدمت النبي عشر سنين فما قال لي أف قط ، ولا قال لشيء صنعته : لِمَ صنعته ؟ ولا لشيء تركته : لم تركته ؟ وكان لا يظلم أحداً أجره .
2- وقالت عائشة رضي الله عنها : ما ضرب شيئاً قط ، ولا ضرب امرأة ولا خادماً .
3- وقال أبو هريرة رضي الله عنه : دخلت السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشتري سراويل ، فوثب البائع إلى يد النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلها فجذب يده ، ومنعه قائلا له : " هذا تفعله الأعاجم بملوكها وليست بملك ، إنما أنا رجل منكم " ثم أخذ السراويل فأردت أن أحملها فأبى وقال : " صاحب الشيء أحق بأن يحمله "
4- وكان عليه الصلاة والسلام مرة في سفر مع جماعة فلما حان موعد الطعام ، عزموا على إعداد شاة يأكلونها . فقال أحدهما : علي ذبحها . وقال الآخر : علي سلخها . وقال الثالث : علي طبخها فقال النبي عليه السلام : " وعلي جمع الحطب !" فقالوا : يا رسول الله ، نحن نكفيك العمل فقال :" علمت أنكم تكفونني ، ولكنني أكره أن أتميز عليكم ، وأن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه مميزا بين أصحابه "
5- جاء رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب فقال لغلام له قصاب : اجعل لي طعاماً يكفي خمسة ، فإني أريد أن أعود النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة ، فإني قد عرفت في وجهه الجوع ، فدعاهم ، فجاء معهم رجل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الدعوة : " إن هذا قد تبعنا فإن شئت أن تأذن له فأذن له ، وإن شئت أن يرجع رجع فقال الأنصاري : لا بل أذنت له .
6- وكان من عادته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه أنه يقبل معذرة المسيء ولا يجابه أحدا بما يكره ، وإذا بلغه عن أحد شيء يكرهه نبّه على خطئه بقوله : " ما بال أقوام يفعلون كذا " دون أن يذكر اسمه .
7- ولم يكن يجب أن يقوم له أحد ،وكان يجلس حيث انتهى به المجلس وينزل إلى أسواقهم فيرشدهم إلى الأمانة وينهاهم عن الخداع والغش في المعاملات .
8- وكان من عادته أن يبش إلى كل من يجلس إليه حتى يظن أنه أحب أصحابه إلى قلبه .
9- ويقرب إليه ذوي السبق في الإسلام والجهاد ولو كانوا غمار الناس .
10- ويستشر أولي الرأي فيما هو من شؤون السياسة أو الحرب أو أمور الدنيا ، وينزل عند آرائهم ولو خالفت رأيه كما حصل في معركة بدر وغيرها

خشيته وعبادته :
كان صلى الله عليه وسلم كثير المراقبة لله عز وجل ، واسع الخشية منه ، عظيم العبادة له ، في الليل متهجداً راكعاً ساجداً حتى تتورم قدماه ، وتفيض عيناه بالدمع من خشية الله حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز الرجل من البكاء ، فتقول له في ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها : أتفعل ذلك يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فيجيبها : " أفلا أكون عبداً شكورا ؟! ..." .
وكان كثير اللهج باسم الله عز وجل فإذا أكل أو شرب أو قام أو قعد أو ابتدأ شيئاً ، أو فعل أمراً بدأ ذلك كله بسم الله الرحمن الرحيم ، وإذا اختتمه اختتمه بالحمد لله رب العالمين .
وكان لا يفتر من الدعاء لربه . ومن دعائه عليه الصلاة والسلام " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، وعمل لا يرفع ، ودعاء لا يسمع " .
" اللهم إني أسألك من الخير كله ، ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ، ما علمت منه وما لم أعلم " .
" اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة " .
"اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك " ."اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء " .
ولما كذبته ثقيف في الطائف ، وآذته وأغرت به سفهاءها يرجمونه بالأحجار حتى دميت قدماه ، اتجه إلى الله خالقه ، بهذا الدعاء الرهيب : " اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين إلي من تكلني ، إلى عدو يتجهمني ، أم إلي قريب ملكته أمري ؟ إن لم تكن ساخطاً علي فيا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له السماوات والأرض وأشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن تحل علي غضبك ، أو تنزل علي سخطك ، ولك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك " .

رياضته ونظافته :
ومع هذه العبادة ، وذلك التضرع والبكاء ، كان طيب النفس متفتحاً للحياة ، يتسابق مع عائشة ، ويتصارع مع ركانة ، ويشهد لعب الحبشة في أعيادهم ،و وعنى بلباسه ونظافته ، فهو كثير الاغتسال ، كثير الادهان بالطيب ، إذا مر من طريق يعرف الناس أنه قد مر به لما يجدون من طيبه ، ,إذا صافحه المصافح يظل يجد أثر الطيب في يده ثلاثة أيام ، وكان لا يفارقه في حضره وسفره مشطه ومقصه ومرآته ومكحلته .
وبهذا يفترق الأمر كثيراً عن معنى الدين والتعبد في الديانات الأخرى إذا يعتبرون من مآثر القديس عندهم أنه لم يقرب جسمه الماء طيلة حياته !.
كما يفترق عن عادة الغربيين في هذه الأزمان إذ رأيناهم يعيبون على الرجل أن يدهن بالطيب فتفوح رائحته الطيبة منه ، ولله في خلقه شؤون ! .

مزاحه ودعابته :
ومما يتصل بطيب النفس ، حب الدعابة البريئة ، والمزاح مع الأصحاب والمترددين عليه ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الدعابة ويبتسم للنكتة اللطيفة ،ويمازح أصحابه ويداعبهم بالنكات اللطيفة .
1- جاءته امرأة عجوز تطلب إليه أ، يدعو الله لها بدخول الجنة ، فقال لها مداعباً :" أو ما علمت أن الجنة لا تدخلها عجوز؟ " فولت تبكي فقال : " ردوها ،أما قرأت قوله تعلى : } إِنَّاأَنشَأْنَاهُنَّإِنشَاء {35} فَجَعَلْنَاهُنَّ
أَبْكَارًا {36} عُرُبًاأَتْرَابًا {37}
2- وجاءته امرأة من الأنصار تشكو إليه زوجها .
فقال : " أزوجك الذي في عينه بياض ؟ " فجزعت إذ طنت أن بعينه عيباً لم تطلع عليه ، فأفهمها أ، كل إنسان في عينه بياض حول المقلة .
3- وجاءه أعرابي يسأله أن يمنحه ناقة يركب عليها في سفره فقال له : " أنا حاملك على ولد ناقة! "
فقال : وما أصنع به يا رسول الله ؟
فقال : " وهل تلد الإبل إلا النوق ؟ " .

تواضعه وسماحته :
وقد رأيت فيما مرّ معك من معاملته لأصحابه أنها معاملة نبي كريم ، وزعيم محبوب متواضع ، وإنسان عظيم استمد عظمته من خصائصه لا من جاهه ولا من نفوذه .
ومما يروع في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ظل هو الإنسان المتواضع تواضع الأنبياء العظماء في مختلف مراحل دعوته ، حين كان مضطهداً ،و حين كل منتصراً ، وحين كان وحيداً ، وحين كان سيد الجزيرة العربية المطاع ، حين كان في أشد المحن ، وحين كان في أوج المجد والانتصار ..وما عهدنا بمثل هذا في تاريخ العظماء .. وما كان محمد عظيماً فحسب ولكنه رسول الله أيضاً ..
يوم فتح الله له مكة ، وانهزمت أمام جحافل جيوشه قريش الطاغية الباغية التي ناصبته العداء نحواً من عشرين عاما ، دخل مكة على جمل له ، مطأطئ الرأس خضوعا لله وشكراً . وجاءة الرجال خائفين ، وفيهم رجل ترتعد فرائصه ، فقال له : " هون عليه إنما إنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ! " ( اللحم المقدد ) .
وظل رسول الله يستمع إلى العبد والعجوز والأرملة والمسكين . يقف في الطريق لكل من يستوقفه ، ويصافح كل من يلقاه ، فلا يترك يده حتى يكون الذي استوقفه هو الذي يترك يده ، يتفقد أصحابه ، ويزور مرضاهم ويشهد جنائزهم ، ويستمع إلى مشاكلهم ، ويشاركهم أحزانهم وأفراحهم.

رحمته وشفقته :
كان صلى الله عليه وسلم واسع الرحمة بالأطفال والنساء والضعفاء .
سمع بكاء صبي وهو في الصلاة فخفف صلته كيلا تفتن أمه التي كانت تصلي وراءه.
ومرّ بعد انتهاء إحدى المعارك بجثة امرأة مقتولة فغضب وقال : " ألم أنهكم عن قتل النساء ؟ ما كانت هذه لقاتل !" .
وبلغت رحمته بالحيوان حداً عجيباً فقد أصغى الإناء إبى هرة أرادت الشرب ...
ورأى جملاً هزيلا فقال :
"أتقوا الله في هذه البهائم ، أطعموها واركبوها صالحة ..." .
وبلغت معاملته للأرقاء ، ووصاياه فيهم حداّ لم يعرفه التاريخ وكل ذلك دليل على ما فاضت به نفسه الكبيرة من معاني الرحمه والشفقة .

مشاركته لآلام الشعب :
اشتكت إليه فاطمة بنته ما تلقاه من أعمال البيت من شدة وعناء ، وطلبت إليه أن يخدمها خادماً ، فرفض عليه السلام ذلك وقال لها " لا أعطيك أدع أهل الصفة –وهم جماعة من الفقراء – تطوي بطونهم من الجوع " .
وذهبت أم الحكم بنت الزبير وأختها فاطمة تسألان النبي صلى الله عليه وسلم معونة على أعمالهما البيتيةفقال لهما : " سبقكما يتامى بدر " .
وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة لزوره ، ثم عدل فلم يدخل عليها ، فبعثت علياً ليسأل عن سبب عدوله عن زيارتها ، فأجابه الرسول : " إني رأيت على بابها ستراً موشياً !" فعاد علي إلى فاطمة فأخبرها الخبر ، فقالت فاطمة : ليأمرني فيه بما شاء ، فقال عليه السلام " لترسلي به إلى فلان أهل بيت بهم حاجة " .
وأراد زيارتها مرة أخرى فعاد كذلك دون أن يدخل عليها ، فأرسلت تسأله عن سر ذلك أيضاً ، فأجابها : " إني وجدت في يدها سوارين من فضة " ،فبلغها ذلك فأرسلتهما إليه ، فباعهما النبي صلى الله عليه وسلم بدرهمين ونصف ، وتصدق بهما على الفقراء .
وتستعر هنا بيان أديب العربية الكبير المرحوم مصطفى صادق الرافعي ليعلق على هذه الحادثة فيقول : ( يا بيت النبي العظيم ! وأنت أيضا لا يرضى لك أبوك حلية بردهيمن ونصف وإن في المسلمين فقراء لا يملكون مثلها ؟!
أي رجل شعبي على الأرض كمحمد صلى الله عليه وسلم فيه للأمة كلها غريزة الأب وفيه على كل أحواله اليقين الذي لا يتحول ، وفيه الطبيعة التامة التي يكون بها الحقيقي هو الحقيقي ؟
يا بنت النبي العظيم ! إن زية بدرهمين ونصف لا تكون زينة في رأي الحق إذا أمكن أن تكون صدقة بدرهمين ونصف ! إن فيها حينئذ معنى غير معناها ! فيها حق النفس غالبا على حق الجماعة ، وفيها الإيمان بالمنفعة حاكما على الإيمان بالخير وفيها خطأ من الكمال ، إن صح في حساب الحلال والحرام ، لم يصح في حساب الثواب والرحمة .
تعالوا أيا الاشتراكيون فاعرفو نبيكم الأعظم ! إن مذهبكم ما تحيه فضائل الإسلام وشرائعه – إن مذهبكم لكالشجرة الذابلة تعلقون عليها الأثمار تشدونها بالخيط ، كل يوم تحلون ، وكل يوم تربطون ولا ثمرة في الطبيعة
ونحن أيضا نتساءل : أي زعيم من زعماء الدول الاشتراكية في عصرنا الحديث تؤثر عنه مثل هذه الحادثة وأمثالها ؟! .

زهده في الدنيا :
دخل عليه عمر رضي الله عنه يوماً فرآه على حصير فد أثر في جنبه ورفع رأسه في البيت فلم يجد إلا إهاباً معلقاً ( الإهاب كيس من جلد ) وقبضة من شعير وحصيراً تكاد تبلى ، فبكى عمر .
فقال له : " ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟ " .
قال عمر : يا نبي الله ! وما لي لا أبكي ، وهذا الحصير قد أثر في جنبك ، وهذه خزائنك لا أرى فيها إلا ما أرى ، وذاك كسرى وقيصر ، في الثمار والأنهار ، وأنت نبي الله وصفوته ؟
فقال عليه السلام : " أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " . ودخل عليه ابن مسعود رضي الله عنه مرة فرآه على تلك الحال .
فقال له : يا رسول الله ألا آذنتنا (أعملتنا) حتى نبسط لك على الحصير شيئاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لي وللدنيا ؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها " .

نفقاته وصدقاته :
وكان صلى الله عليه وسلم كثير النفقات والصدقات ، لا يدخر مالا ولا متاعا ، وكثيراً ما يستدين لينفق على بعض ذوي الحاجات ، وهو يعطي عطاء من لا يخشى الفقر كما قدمنا ، وقد توفي وليس عنده درهم ولا دينار ، وقد أوقف كل أرض كانت قد صارت إليه من الغنائم ، وفي ذلك يقول الحديث المشهور الذي خفي على بعض الطوائف سر روعته ودلالته على صدق نبوته وإخلاصه في رسالته : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقه " .
جاءه مرة مال كثير فأنفقه إلا بعضة دريهمات استبقاها ، إذ لم يجد لها طالباً ، فما عرف تلك الليلة النوم قلقاً مما بقي عنده ، وما كاد يصبح الصباح حتى سارع إلى إنفاقها .. وهكذا صح فيه قول صحابته : كان أجود ..الريح المرسلة .

عدله وشدته في الحق :
وكان لا يعرف في الحق صديقاً ولا قريباً فالكل عنده سواء ، والجميع مسؤولون عن أعمالهم أمام الله وأمام الشريعة :
سرقت امرأة من نبي مخزوم حلياً أو متاعاً ، ورُفع أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت بالسرقة ، فخشي قومها أن ينفذ الرسول عقوبة السارق فيفتضحوا ، وجاؤوا إلى أسامة بن زيد – وكان معروفاً بحب النبي صلى الله عليه وسلم له ولأبيه زيد –وكلموه في أن يشفع للمرأة أن لا ينفذ فيها العقوبة ، فكلم رسول الله في ذلك فغضب عليه الصلاة والسلام وقال له : " أتشفع في حد من حدود الله " ثم جمع الناس فخطب فيهم فقال : " يا أيها الناس .. إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " .

شجاعته في الحروب :
ومن كمال هذه الصورة العجيبة في اكتمالها ، شجاعته صلى الله عليه وسلم في الحرب ، فقد كان يقود الجيوش ، ويخوض المعارك ، ويحرض على القتال في سبيل الرسالة التي يحملها وآمن بها ، ولم يعرف عنه نكوص في معركة ولا فرارفي موقعة ، بل نجده في معركة أحد – وقد انهزم أكثر المسلمين – ثابت الجنان يتلى سهام الأعداء وهو واقف يقاتل ويناضل . وفي معركة حنين إذ فر عنه أكثر الناس وقف على بغلته وهو يقول : " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب " .
وفي شجاعته يقول علي رضي الله عنه وهو البطل المقدام : كنا إذا احمرت الحدق ، وحمي الوطيس ( أي اشتدت الحرب ) نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العــدو منه .

حرصه على آداء رسالته :
لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيله لتبليغ رسالته إلى الناس إلا سلكها ، ولم يترك خصومه وسيلة لحمله على ترك دعوته إلا سلكوها ، ولكنه ثبت رغم كل إغراء وتهديد بالقتل والاغتيال ،وقال لعمه أبي طالب قولته المشهورة : " والله يا عم ! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته " . ولما شج وجهه صلى الله عليه وسلم في معركة ( أحد ِ) وكسرت رباعيته ( السن المجاور للناب ) قيل له لو دعوت عليهم ؟ ... فقال : " إني لم أبعث لعاناً ، ولكني بعثت داعياً ورحمة ، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " .

الرسول الكامل :
ذلك نمط من أخلاقه صلى الله عليه وسلم نلمح منها حقيقة شخصيته ، ولسنا نفيض في بقية أخلاقة ، من وفائه وأمانته ، وحيائه ، وإخلاصه ، وصدقه ، وعفافه ، وحسن سياسته وجميل جواره ، وفصاحته ، وغير ذلك مما فاضت به كتب السيرة والتاريخ . فنحن هنا – كما قلت نضرب الأمثال ولا نستقصي ، ولكني أختم هذا الحديث بالإشارة إلى ما كان لهديه في إرشاد قومه من أثر في توجيههم نحو الخير والحق والكرامة والسعادة .

الرسول المعلم :
حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها إرشاد وهداية وتعليم ، وخاصة ما كان من أقواله عليه الصلاة والسلام التي قصد بها التشريع والهداية ولذلك كانت خصائصه وصفاته التي ذكرنا طرفاً مها آنفاً مدرسة يتعلم فيها أصحابه طرازاً جديداً من الحياة ، ومقياساً جديداً من المفاهيم كان له أكبر الأثر في قيام الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي ونشوء الفرد المسلم ً في الجو الاشتراكي الذي أوضحنا معالمه في كتابنا " اشتراكية الإسلام " .
ونحن هنا نريد أن نذكر نموذجاً من تعليمه لأصحابه نعلم منه كيف كان يوجه ذلك المجتمع الجديد العهد بالإسلام ، والقريب العهد بالجاهلية ، توجيهاً بناء إيجابياً نحو الاشتراكية العاملة العابدة المتعاونة البارة الكاملة ..
1- جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد ،فقال : " أحيّ والداك ؟ " فقال : نعم ، فقال له الرسول : " ففيهما فجاهد " .
2- قَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي ، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " من لا يَرحم لا يُرحم " .
3- جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله ! إنا لا نقدر عليك في مجلسك فواعدنا يوماً نأتك فيه فقال ِ: " موعدكن بيت فلان " فجاءهن لذلك الوعد ، وكان فيما حدثهن : " ما منكن امرأة يموت لها ثلاث من الولد فتحتسبهم إلا دخلت الجنة " فقالت امرأة : واثنان ؟ قال : " واثنان" .
4- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فقال لهم : " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ " قالوا : يا رسول الله ! ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه فقال صلى الله عليه وسلم : " مالك ماقدمت ، وما وارثك ما أخرت" .
5- عن أبي مسعود قال : كنت أضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً : " اعلم أبا مسعود ! الله أقدر عليك منك عليه " ، فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا رسول الله ! هو حر لوجه الله ! فقال : " أما إنك لو لم تفعل لمستك النار " أو للفحتك النار .
6- مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بدابة قد وسم يدخن منخراه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله من فعل هذا ، لا يَسِمن أحد الوجه ولا يضربنه " .
7- وقال عليه الصلاة والسلام : " إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه فإن لم يقبل فليناوله منه " .
8- وقال أيضا : " لا يقل أحدكم " عبدي ، أمتي ، كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله وليقل : غلامي ، جاريتي ، وفتاي ، وفتاتي " .
9- سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال خير ؟ قال : " إيمان بالله وجهاد في سبيله " ،قيل : فأي الرقاب أفضل ؟ ( أي في العتق ) . قال : أفرأيت إن لم أستطع بعض العمل ؟ قال : "فتعين صانعاً ، أو تصنع لأخرق (هو الذي لا يحسن صنعة) " فيقل له : أفرأيت أن ضعفت ؟ قال : " تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك " .
10- قال حرملة بن عبدالله : جئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ما تأمرني أعمل ؟ فقال عليه السلام : " ائت المعروف واجتنب المنكر ، وانظر الذي تكرهه أن يقول لك القوم إذا قمت من عندهم فاجتنبه " . قال حرملة : فلما رجعت تفكرت فإذا هما ( أي ائت المعروف واجتنب المنكر ) لم يدعا شيئا.ً
11- خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بالصحابة فقال :" أيها الناس ! اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من قبلكم وحملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " وفي رواية أخرى زيادة : " وإياكم والفحش فإن الله لايحب الفاحش المتفحش " .
12- عن عائشة بنت سعد أن أباها قال : اشتكيت بمكة شكوى شديدة ( مرضاً شديداً ) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني . فقال : يار سول الله ! إن أني أترك مالاً ، وإني لم أترك إلا ابنة واحدة ، أفاوصي بثلثي مالي وأترك الثلث ؟ قال : " لا " . قال : أوصي بالنصف وأترك لها النصف؟ قال : " لا " قال " أوصي بالثلث وأترك الثلثين . فقال : " الثلث والثلث كثير . إنك تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " .
13- وكان مما قله لأبي ذر : " إفراغكم من دلوك في دلو أخيك صدقة ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وتبسمك في وجه أخيك صدقة ، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق الناس لك صدقة ، وهدايتك الرجل في أرض الضالة صدقة " .
14- مرّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه بعض الصحابة فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم . فقال : يارسول الله ! لو كان هذا في سبيل الله ! فقال عليه السلام : " إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان " .
15- وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله شيئاً من المال وهو قوي معافى ، فقال له الرسول : " أما في بيتك شيء ؟ " قال : بلى ! حلس (كساء غليظ ممتهن ) نلبس بعضه ، ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من ماء . فقال رسول الله : " ائتني بهما " ، فأتها بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال : " من يشتري هذين ؟" قال رجل : أنا آخذهما بدرهم ، قال الرسول : " من يزيد على درهم ؟ ) (مرتين أو ثلاثاً ) قال رجل : أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال له : " اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوماً فائتني به " ، فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال : " إذهب فاحتطب ولا أرينك خمسة عشر يوماً " ، ففعل ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاماً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هذا خير من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث : لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع " .
16- وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير ؟ فقال : " تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " .
17- وبينما النبي في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال له : متى الساعة ؟ فأجابه : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " . قال : كيف إضاعتها ؟ قال : " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة "
18- جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يار سول الله ! ما القتال في سبيل الله ؟ فإن أحدنا يقاتل غضباً ويقاتل حمية ، فقال :" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو سبيل الله عز وجل " .
19- عن أسماء بنت يزيد قالت : دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أسورة من ذهب فقال لنا : " أتعطيان زكاته ؟ " قالت : فقلنا : لا فقال : "أما تخافان أن يسوركما الله أسورة من نار ؟ أديا زكاته "
20- جاء رجل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزل عن ناقته سأل الرسول : أأطلق ناقتي وأتوكل ؟ فقال عليه السلام : " اعقلها (أي أربطها ) وتوكل " .
21- عن أبي بشر قَبِيصة بن مخارق قال : تحملت حمالة (أصلح بين قوم فتحمل ديات قتلاهم ) فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها ( أي يعطيه ما يعينه على أداء ديات القتلى ) . فقال الرسول : " أقم حتى تأتينا الصدقة ، فنأمر لك بها " ثم قال :"يا قبيصة ! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يُصيبها ثم يُمسِك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ،-أو قال : سِداداً من عيش – ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحِجى من قومه : لقد أصابت فلاناً فاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قِواماً من عيش ، فما سِواهن من المسألة ، يا قبيصة ! فسُحْت يأكُلها صاحِبُها سُحْتا " .

وبعد فهذه صورة خاطفة عن شخصية الرسول وأخلاقه وأسلوب تعليمه لأصحابه ، وهي صورة غير متكاملة ولا تامة ،ولكني اجتزأت منها ما يدل على تمام الصورة وحقيقتها ، وتمام هذه الصورة كما يبدو مما ذكرته كتب السيرة أنه صلى الله عليه وسلم جمع في وقت واحد أسمى ما تكون عليه صلة رسول بربه . وأروع ما تكون سيرة زعيم بشعبه ، وأكل ما تكون علاقة مصلح بالعالم الإنساني كله .
أما الصلة بالله فكانت تتجلى في عبادته ودعائه وحرصه على رضى الله الله ورجائه لثوابه .
وأما السيرة في الأمة ،فهي سيرة من أحب لأمته الخير ومنحها النصح ، ودلها على الهدى ، ولآثرها على نفسه وأهله ، ولم يحتجن دونها مالاً ولا أثاثاً ولا رياشاً ، بل كان يعطيها ويحرم نفسه ولا يملأ بيوتها بالنعمة ، وإن بيوت أزواجه ليلفحها حر الخشونة والإقلال وشظف العيش ، وهي سيرة من لم يحمل أتباعه على ترك الدنيا ليعيشوا فيها كالغنم المشتتة بين قطيع الذئاب ! ولا حملهم على ركوب الدنيا فيكونوا فيها كالكلاب المسعورة إن لم تنهش اللحم فقد مزقت الثياب ! أوقد فيهم جذوة العمل للحياة مع شعلة الإيمان بالله ، وبثّ فيهم روح الثورة على الباطل والتمرد على الظلم والترفع عن الدنايا ، وغرس فيهم – وهم في الحرب – أرق شمائل الإنسانية الرحيمة في السلم ، فكان في حربه أسع صدراً وأكثر رحمة وأبر بالأسرى والضعفاء من كثير من زعماء الدول في سلمهم وسياستهم ورعايتهم للشعوب .
وأما الإصلاح للعالم الإنساني فحسبه هذا النظام الذي جنب العالم ويلات المادية وضعف الروحانية السلبية ، وحسبه هذه القوانبين التي جاءت في اشتراكيتها نمطاً فريداً خلا من عيوب المذاهب الاشتراكية كلها وجمع محاسنها كلها .
حسبه من الاصلاح العالمي أنه أنشأ أول دولة اشتراكية إنسانية في العالم ، وأول مجتمع اشتراكي إنساني في التاريخ ، وأول جيل اشتراكي علمي إنساني يبني أسمى الحضارات .
ذلكم هو محمد رسول الله ! .. باني أول دولة ! ومنشئ أول مجتمع!

من أقوال الغربيين عن الرسول وشريعته

قال المستشرق الفرنسي المسلم " ناصر الدين رينه " :
وكان النبي يُعنى بنفسه عناية تامة ، إلى حد أن عرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة ، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال . وهو في كل ذلك يريد من حسن منظره البشري أن يروق الخال سبحانه وتعالى .
ومن هذا كان يحرِّم بشدة التغالي في الملبس ، وعلى الخصوص لبس الحرير ، حتى لايتيح للأغنياء فرصة التعالي على الفقراء...
وقال غوستاف لوبون بعد أن نقل أوصاف الرسول عن المصادر الإسلامية : " ويضاف إلي الوصف السابق ما رواه مؤرخو العرب الآخرون من ، أن محمداً كان شديد الضبط لنفسه ، كثير التفكير صموتا ،حازما سليم الطوي عظيم العناية بنفسه ، مواظباً على خدمتها بالذات حتى بعد اغتنائه .
وكان محمد صبوراً قادراً على احتمال المشاق ، ثابتاً بعيد الهمة ، لين الطبع وديعاً ، فذكر أحد خدمه أنه ظل عنده ثماني عشرة سنة فلم يُعزره قد في تلك المدة ولو مرة واحدة.
وكان محمد مقاتلا ماهراً ، فكان لا يهرب أمام المخاطر ولا يلقي بيديه إلى التهلكة ، وكان يعمل ما في الطاقة لإنماء خُلُق الشجاعة والإقدام في بني قومة .

وقيل : إن محمدا كان مصاباً بالصَّرع ولم أحد في تواريخ العرب ما يُبيح القطع في هذا الرأي ، وكل ما في الأمر ما رواه معاصرو محمد ، وعائشة منهم ، من أنه كان إذا نزل الوحي عليه اعتراه احتقان وجهي فغطيطُ فغشيان وإذا عدوت حماسة (واندفاع) محمد ، وجدته حصيفاً سليم الفكر ...
ولا يقف أيُّ قول بخداع محمد ثانية أمام سلطان النقد ، ومحمد كان يجد في حماسه ما يحفزه إلى اقتحام كل عائق ، ويجب على من يود ، يفرض إيمانَه على الآخرين أن يؤمن بنفسه قبل كل شيء ، ومحمد كان يعتقد أنه مؤيد من الله فيتقوى فلا يرتد أما أي مانع .
وجَمَعَ محمد قبل وفاته كلمة العرب ، وخلق منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد ، فكانت في ذلك آيته الكبرى ...
ومهما يكن الأمر ، فإن مما لا ريب فيه أن محمداً أصاب في بلاد العرب نتائج لم تصب مثلها جميع الديانات التي ظهرت قبل الإسلام ومنها اليهودية والنصرانية ، ولذلك كان فضل محمد على العرب عظيماً ،ويتجلى هذا الفضل العظيم في جواب رُسُل عمر بن الخطاب إلى كِسْرى حين سألهم عن أعمال النبي ، قال أولئك الرسل : " فأما ما ذكرت من سوء حالنا فما كان أسوأ حالا منا وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع ، كنا نأكل الخنافس والجِعلان والعقارب والحيَّات ، فكنا نرى ذلك طعامنا ،وأما المنازل ، فكانت ظهر الأرض ، ولم نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم ، كان ديننا أن يقتل بضعنا بعضاً ويُغير بعضنا على بعض ، وكان أحدنا يدفن ابنته وهي حيَّة كراهية أن تأكل من طعامنا ، فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرنا لك ، فبعث الله إلينا رجلاً معروفاً نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده ، فأرضُه خيرُ أرضنا ، وحسبُه خير أحسابنا وبيته أعظم بيوتنا وقبيلته خير قبائلنا ، فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه ، فما قال لنا فهو قول الله وما أمرنا فهو أمر لله ، فقال لنا : إن ربكم يقول " إني أنا الله وحدي لا شريك لي ، كنتُ إذ لم يكن شيء وكلُّ شيء هالك إلا وجهي ، وأنا خلقت كل شيء وإليَّ يصير كل شيء ، وإن رحمتي أدركتكم فبعثتُ إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي بها أُنجيكم بعد الموت من عذابي ولأحلكم داري دار السلام ، فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق " .

وإذا قِيسَت قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد من أعظم عرفهم التاريخ ، وأخذ بعض علماء الغرب يُنصِفون محمداً مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخيهم عن الاعتراف بفضله ، قال العلامة بارتلمي سنت هيلر : ( كان محمد أثر عرب زمانه ذكاء وأشدَّهم تدينا وأعظمهم رأفة ، ونال محمد سلطانه الكبير بفضل تفوقه عليهم ، ونعد دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده جزيل النِّعم على جميع الشعوب التي اعتنقته ) .
وقال " كارليل " :
لقد أصبح من أكبر العار على كل فرد ممدن في هذا العصر أن يصغي إلى ما يظهر من أن دين الإسلام كذب ، أن محمدا خداع مزرو ، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة ، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا ، خلقهم الله الذي خلقنا ، أكان أحدهم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائتة الحصر أكذوبة و خدعة ؟ أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبداً ، فلو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج ويصادفان منهم ذلك التصديق والقبول ، فما الناس إلا بله ومجانين ، وما الحياة إلا سخف وعبث وأضلولة ، كان الأولى بها أن لا تخلق " . وما نظن أكبر محب للرسول يقول فيه وفي دعوته عن طريق المنطق أحسن من هذا .

وقال تولستوي الحكيم الروسي :
( ومما لا ريب فيه أن النبي محمداً كان من عظام الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، وجعلها تجنح للسكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشري وفتح لها طريق الرقي والمدنية وهو عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة ، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام ) .

وقال وليم موير في كتابه (سيرة محمد ) :
امتاز محمد بوضوح كلامه ويسر دينه ، وقد أم من الأعمال ما يدهش العقول ، ولم يعهد التاريخ مصلحاً أيقظ النفوس ، وأحيا الأخلاق ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير كما فعل محمد .
ويؤخذ مما قاله لين بول : ( إن محمداً كان يتصف بكثير من الصفات الحميدة كاللطف والشجاعة ومكارم الأخلاق ، حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يحكم عليه دون أن يثار بما تتركه هذه الصفات في نفسه من أثر ، ودون أن يكون هذا الحكم صادراً عن غير ميل أو هوى ، كيف لا وقد احتمل محمد عداء أهله وعشيرته أعواماً ، فلم يهن له عزم ، ولا ضعفت له قوة ، وبلغ من نبله أنه لم يكن في حياته البادئ بسحب يده من يد مصافحه ، حتى ولو كان المصافح طفلا ، وأنه لم يمر بجماعة يوماً ، رجالاً كانوا أو أطفالاً دون أن يقرئهم السلام ، وعلى شفتيه ابتسامة حلوة ، وفيه نغمة جميلة كانت تكفي وحدها لتسخر سامعها ، وتجذب القلوب إلى صاحبها جذباً ) . ومما قاله أيضاً : ( إن كثيراً من كتاب التراجم والسير من الأوربيين الذين تناولوا الكلام على سيرة محمد لم يتعففوا عن أن يشوهوا هذه السيرة بما أدخلوه عليها من افتراءات وادعاءات ، كاتهاماتهم إياه بالقسوة وارتكاب الموبقات والانهماك في الشهوات ، وإنه كان دجالاً دعياً وطاغية متعطشاً لسفك الدماء ) .
وعلل مونتيه طعن الغربيين على الرسول بقوله : ( كثيراً ما حكمت ليه الأحكام القاسية ، وما ذلك إلا لأنه ندر بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثله وأن ما قام به من إصلاح الأخلاق وتطهير المجتمع ، يمكن أن يعد به من أعظم المحسنين للإنسانية ) .
وقال : ( لا مجال للشك في إخلاص الرسول وحماسته ) .
قال جان جاك روسو في القرن الثامن عشر : ( من الناس من يتعلم قليلاً من العربية ثم يقرأ القرآن ويضحك منه ، ولو أنه سمع محمداً يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة ، وذاك الصوت المقنع المطرب المؤثر في شغاف القلوب ، ورآه يؤكد أحكامه بقوة البيان ، لخر ساجداً على الأرض وناداه : أيها النبي رسول الله خذ بأيدينا إلى موقف الشرف والفخار ، أو مواقع التهلكة والأخطار فنحن من أجلك نود الموت أو الانتصار )
وقال كارلايل أيضاً : ( إن فرط إعجاب المسلمين بالقرآن وقولهم بإعجازه أكبر دليل على تباين الأذواق في الأمم المختلفة والترجمة تذهب بأكثر جمال الصنعة وحسن الصياغة ) .
وجاهر كلود فارير في القرن العشرين بأن ( آيات القرآن جميلة وتحسن تلاوتها ، فيها نفحة طاهرة عجيبة ، لأنها تأمر بالشجاعة والصدق والأمانة ,وتدعو إلى حماية الضعيف وإلى عبادة إله واحد)
وقالت (لورافيشيا فاعليري ) أستاذة اللغة العربية وتاريخ الحضارة الإسلامية في جامعة نابولي بإيطالية : وحاول أقوى أعداء الإسلام – وقد أعماهم الحقد – أن يرموا نبي الله ببعض التهم المفتراة ، لقد نسوا أن محمداً كان قبل أن يستهل رسالته موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته ، ومن عجب أن هؤلاء الناس لا يجشمون أنفسهم عناء التساؤل كيف جاز أن يقوى محمد على تهديد الكاذبين والمرائين في بعض آيات القرآن اللاسعة ، بنار الجحيم الأبدية ، لو كان هو قبل ذلك رجلاً كذابا ؟ كيف يجرؤ على التبشير ، على الرغم من إهانات مواطنيه ، إذا لم يطن ثمة قوى داخلية تحثه – وهو الرجل ذو الفطرة البسيطة – حثاً موصولاً ؟ كيف استطاع أن يستهل صراعاً كان يبدو يائساً ؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات في مكة ، في نجاح قليل جداً وفي أحزان لا تحصى ، إذا لم يكن مؤمناً إيماناً عميقاً بصدق رسالته ؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء ، وأن يؤازروه ويدخلوا الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالي إلي مجتمع مؤلف في كثرته من الأرقاء ، والضعفاء ، والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا في كلمته حرارة الصدق ؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك ، فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الإجماع على أن صدق محمد كان عميقاً وأكيداً .

مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

( في ذكرى المولد تتجه الأنظار إلى المربي الأعظم صاحب الروح الكبيرة التي وسعت آلام الإنسانية وآمالها . فقد غرس في الدنيا – لأول مرة – من أخلاقه ومن روحانيته ومن تربيته صلوات الله وسلامه عليه ، ما ملأ الأرض بالنور ، والعدل والحق . وفي هذه النبذ القصيرة التي نذكرها من أدب رسول الله مع ربه ومع صحبه ومن مواقع كلمه نماذج من تعاليم مدرسته الروحية الكبرى التي أشرقت لها السماوات والأرض ) .

أدبه في عبادته :
كان عليه والصلاة والسلام يجد في العبادة مجلى راحته ، وميدان نعيمه ، كانت قرة عينه في الصلاة ، وكان يقول لبلال حين يريد القيام للصلاة : "أرحنا بها يا بلال " يطيل السجود حتى لتظن عائشة أن الله قد اختاره لجواره وهو ساجد ، ويستحضر من الخشوع والخضوع لله عز وجل ما تفيض منه عبراته ، حتى كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل (القدر) من البكاء ، ويكثر من الصلاة في أعقاب الليل ، حتى لتسأله عائشة عن كثرة عبادته ، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ فيقول لها :" أفلا أكون عبداً شكوراً "

أدبه مع أهله :
وكان مع هذه العبادة وهذا التبتل يحسن معاملة أهله ، ويداعب أزواجه ، ويتحمل منهن دعابتهن ، وغيرة بعضهن من بعض ، كان يحب عائشة أكثر من زوجاته الأخريات وكان يرسل إليها بنات الأنصار يلعبن معها ، وإذا أحبت شيئاً لا محذور منه ، تابعها عليه . وإذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه في موضع فمها وشرب منه .

أدبه في معاملته :
كان من أحسن الناس معاملة ، وأصدقهم موعداً ، وأبرهم عهداً ,إذا استسلف من رجل شيئاً قضاه إياه ودعا له فقال : "بارك الله لك في أهلك ومالك " . تقاضاه غريم له ديناً فأغلظ عليه ، فهم به عمر ، فقال عليه الصلاة والسلام : "مه (وتعني أكفف واسكت) ياعمر ! كنت أحوج إلي أن تأمرني بالوفاء ، وكان أحوج إلي أن تأمره بالصبر " .

أدبه في صحبته :
كان – كما قال علي رضي الله عنه- أوسع الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، وكان يتألف قلوبهم ، ويكرم كريمهم ، ويتفقدهم في شؤونهم ،ويعطي كلاً من جلسائه نصيبه من التكريم ، حتى يحسب جليسه أنه ليس أحد أكرم عليه منه . من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه . ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو ميسور من القول . قد وسع الناس بسطه وخلقه ، فصار لهم أباً ، وصاروا عنده في الحق سواء . دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ، ولا عياب ولا مداح ، يتغفل عما لا يحب ، ولا يقابل أحداً بما يكره ، إلا أنه في الحق من أشد الناس غيرة على حرمات الله ، وإنكاراً على انتهاك آداب الشريعة ، يجالس الفقراء ، ويصغي إلى العبد والأرملة والمسكين . قال أبو هريرة : دخلت السوق مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فاشترى سراويل ، وقال للوزان : " زن وأرجح " فوثب البائع إلى يده صلى الله عليه وسلم يقبلها ، فجذب يده وقال : " هذا ما تفعله الأعاجم بملوكها ، ولست بملك ، إنما أنا رجل منكم " ثم أخذ السراويل فذهبت لأحمله فقال : " صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله " .
وكان في مجلسه كثير الصمت لا يتكلم في غير حاجة ، يعرض عمن يتكلم بغير جميل ،وكان ضحكه تبسماً ، وكان كلامه فضلاً لا فضول ولا تقصير ، مجلسه مجلس حلم وحياء وخير وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات قال ابن أبي هالة : كان سكوته صلى الله عليه وسلم على أربع : على الحلم والحذر والتقدير والتفكر ..

نماذج من مدرسته الروحية :
1- " ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مؤمن ( أي لا يخون فيهن) إخلاص العمل لله ، والمناصحة لأئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم فإن دعاءهم يحيط من ورائهم " رواه الزار وابن حبان
2- " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه " رواه أبو داود .
3- " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، من كانت هجرته إلي دنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه "
4- " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .
5- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال :" يا غلام! إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف " . وفي رواية أخرى " احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً " .

من مزاحه صلى الله عليه وسلم
المزاح من السنة :
قال أنس بن مالك ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس .
وقال أيضاً : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "روحوا القلوب ساعة بعد ساعة "
وسئل سفيان الثوري ؟ المزاح هجنة ؟ فقال : بل سنة ، لقوله عليه السلام : " إني لأمزح ولا أقول إلا الحق " . رواه الطبراني . وقال أبو هريرة : قالوا : يارسول الله إنك تداعبنا ! قال : "إني لا أقول إلا حقاً " .

مع الحسن والحسين :
قال جابر بن عبد الله : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ، والحسن والحسين على ظهره وهو يمشي بهما على أربع ويقول : " نِعمَ الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما " . رواه ابن عدي وابن عساكر .

مع زوجاته :
كان عليه السلام في بيت عائشة ، فبعث إليه بعض نسائه بقصعة ، فدفعتها عائشة ، فألقتها وكسرتا ، فجل النبي عليه السلام بضم الطعام ويقول : " غارت أمكم " فلما جاءت قصعة عائشة ، بعث بها إلى صاحبة القصعة التي كسرتها ، وأعطى عائشة القصعة المكسورة .

مزاح أصحابه معه :
كان من الصحابة رجل يقال له ( نعيمان ) كثير المزاح ، حلو الفكاهة وكان يمازح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن مزحه معه أنه كان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم يجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : يارسول الله هذا أهديته لك ،فإذا جاء صاحبها يطالب نعمان بثمنها ، جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول : يا رسول الله أعط هذا ثمن متاعه ، فيقول عليه السلام : أولم تهده لي ؟ فيقول : يا رسول الله إنه والله لم يكن عندي ثمنه ولقد أحببت أن تأكله ، فيضحك عليه السلام ويأمر لصاحبه بثمنه .
ومن فكاهاته أن أبا بكر خرج قبل وفاة الرسول بعام في تجارة إلى بصرى ، ومعه نعيمان و سليط بن حرملة وكان سليط موكلاً بالطعام ، فقال نعيمان لسليط : أطعمني قال : لا أطعمك حتى يأتي أبو بكر ، فقال نعيمان : لأغيظنك ، فمروا بقوم فقال لهم نعيمان : تشترون مني عبداً لي ؟ قالوا : نعم ز قال : فإنه عبد له كلام وسيقول لكم : لست بعبد أنا ابن عمه ، فإن كان إذا قال لكم هذا تركتموه فلا تشتروه ، ولا تفسدوا علي عبدي ، قالوا : لا بل نشتري ولا ننظر في قوله ، فاشتروه منه بعشر قلائص ( وهي النوق الشابة) ، ثم جاؤوا ليأخذوا سليطاً على أنه هو العبد الذي باعه لهم نعيمان فامتنع سليط من الذهاب معهم ، فوضعوا في عنقه عمامة وشدوه بها فقال لهم : إنه يتهزأ ولست بعبده ، فقالوا له : قد أخبرنا خبرك ، ولم يسمعوا كلامه ، ثم ساقوه معهم بالقوة ، فجاء أبو بكر فلما علم بالخبر اتبع القوم فأخبرهم أن نعيمان يمزح ورد عليهم القلائص وأخذ سليطا منهم فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فضحك من ذلك هو وأصحابه حولا كاملا.

عبقرية الرسول السياسية والحربية

حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته هي المثل الأعلى الذي يحتذيه كل مسلم وهي على تقادم العهد بها ، جديدة في كل عصر ، توحي لكل فئة من فئات الأمة بما يبعثها نحو الخير ويدفع بها إلى ميادين الخلود ، وإذا كانت ذكرى المولد النبوي الكريم حبيبة إلى قلب كل مسلم ، فإن هذه الذكرى أحب ما تكون إلى قلب الداعية السلم إذ يجدد فيها صلته بقائده الأعظم ويراجع فيها حسابه معه ويزيد فيها من إمعانه النظر بخطط الدعوة في مراحلها الأولى حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع أصولها ويوجًّه دفتها بما ينزل عليه من وحي ، وما تهتدي إليه عبقريته من وجوه الحق ومسالك النصر .
وسنقصر حديثنا اليوم على ناحية واحدة من النواحي التي تهم الدعاة إلى الله قادة وجنواً ، وهي ناحية جديرة منا بالعناية والدرس ، إذ يتوقف عمل فهمنا لها نجاح الدعوة في الموقف الحرجة إلى حد كبير .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على أن لا يواجه الأعداء جميعاً في وقت واحد ، فإذا تجمعوا لقتاله حرص على التفريق فيما بينهم بكل الوسائل ، حتى إذا امكنته الفرصة بطش بأقواهم ثم بمن بعدهم حتى يتم له النصر ، ولم يكن عليه الصلاة والسلام حين يريد الأمر فيحال بينه وبين ما يريد ، تأخذه حمية المقاتل الذي يصر على أن ينتصر بل كان يقدر الظروف المحيطة به ، ويقارن بين ما يريد وبين ما يعرض له من فرصة ، وفإن وجدها أجدى عليه مما يريد عمل بها وأخر ما يريد إلى وقت آخر ، وبذلك نجت الدعوة في حياته من كثير من المتاعب ، وحال دون تألب الأعداء عليه جميعاً إلا حين لم يستطع لذلك دفعاً كما في غزوة الأحزاب ، وأنزل الضربات المتتالية بأعداء الدعوة فريقاً إثر فريق ، وتنازل في مواقف الشدة عن بعض مظاهر القوة ليدفع شراً أو ليكسب من وراء ذلك نصراً وإليكم الأمثلة على ذلك ..

في المدينة مع اليهود :
لما استقر الرسول عليه الصلاة والسلام بالمدينة بعد هجرته كان لا بد له من أن يستعد لنزال قريش وخوض الحرب معها فما كانت قريش بالتي ترضى أن تكون للرسول في المدينة العزة والمنعة . وهي التي حرصت ثلاثة عشر عاماً على مناصبة دعوته العداء ، فكيف وقد أفلت من يدها وأصبح في المدينة سيدها وقائدها ورئيسها المحبوب ؟ . لقد كان الصراع مع قريش بعد الهجرة – صراعاً حربياً – أمراً متوقعاً في نظر الرسول صلى الله عليه وسلم وكان في المدينة – مع الأوس والخزرج – عدد كبير من اليهود يسكنون في أرباضها أو على مواقع تحيط بها ، ولم يكن يتوقع الرسول من اليهود سلماً لدعوته ورضى بانتشارها وهم الذين كانوا يستولون على مقدرات سكانها من الأوس والخزرج ، ويثيرون العدوان بينهم ، لتظل لهم السيطرة السياسية والمالية عليهم ، فكيف يرتاحون إلى وحدة كلمة هؤلاء المؤمنين من جيرانهم ، وانتهاء الحروب والفتن الداخلية فيما بينهم ؟ هذا مع ما فاض به تاريخ اليهود من محاربة لرسل الله ، وقتل لأنبيائه ،وإثارة للفتن والعداء في كل مجتمع يعيشون فيه ، وبذلك واجه الرسول في المدينة جبهة أخرى معادية لدعوته ، بعد أن كان العداء بينه وبين خصوم الدعوة في مكة محصوراً في قريش ومن يناصرها .. هنا تتجلى حكمة الرسول البعيدة المدى ، إذ بادر إلى عقد ميثاق بينه وبين يهود المدينة ليأمن شرهم ، ويمنعهم من مؤازرة قريش في معاركها المقبلة . ووضع الميثاق وأصبح اليهود مواطنين في المدينة يربطهم الميثاق الجديد بالدفاع عن المدينة ممن يقصد غزوها ، وبأن يكونوا مع المؤمنين فيها يداً واحدة على النوائب ، ومن هنا استطاع الرسول أن يتفرغ لرد عدوان قريش ، وأن يخوض معها بدراً وأُحداً وغيرهما من المعارك ، آمناً في جبهته الداخلية ، مكفياً شر اليهود وهم أقدر على إيذائه من قريش إذ كانوا في أرباض المدينة وما حولها .

مع يهود بني قينقاع :
ولكن طبيعة اليهود تأبى إلا الغدر والخيانة ، فما كاد رسول الله صلى الله عليه و سلم ينتصر على قريش في بدر حتى ثارت في يهود بني قينقاع عوامل الحقد والبغضاء ، فأظهروا للمسلمين شراً ، وغدروا ببعض نساء الأنصار ، فهتكوا حرمتهن ، ولم ير رسول الله – وهو الذي يعلم أ، هؤلاء اليهود سيكون منهم ما كان من يهود نبي قينقا ع – أن يجاهرهم جميعاً بالعداء ، بل حارب بني قينقاع وحدهم ، وتمّ له إجلاؤهم عن ديارهم ، وظل على عهده مع بقية اليهود ، إذ لم يبد منهم في الظاهر ما يدل على نقض الميثاق ، ولأن معركته مع قريش لم تنته بانتصاره عليها في بدر ...

مع يهود بني النضير :
وتحرك بعد ذلك بنو النضير ، وهم يجاورون المدينة وقد كانوا حلفاء الخزرج قبل الإسلام ، وناصبوا الرسول العداء ، وبيتوا على قتله ومن معه ، فأنذرهم الرسول بوجوب الجلاء عن مساكنهم ، بعد أن بدا منهم الغدر ، فلما أبوا وتحصنوا في حصونهم ، نازلهم المسلمون وتغلبوا عليهم ، فاضطروا للجلاء عن ديارهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا آلة الحرب .

مع يهود بني قريظة :
وظل الرسول بعد ذلك محافظاً علة ميثاقه مع بقية اليهود الذين لم ينقضوا الميثاق ، مع أن الدلائل كلها تدل على أنهم جميعاً محنقون من انتشار الدعوة ، مبيتون للغدر بالرسول ومن معه ، ذلك أن رسول الله سار على هذه الخطة الحطيمة وهي ألا يحارب في جبهتين وأن يتقي أقوى الجبهتين خطراً بأقلها وأقربها إلى الخضوع والاستسلام .. ومعركة قريش لا تزال هي المعركة الرئيسية في جزيرة العرب ، فليوجه إليها كل همه ، وليهدئ من عداء اليهود بقدر ما يستطيع ، حتى تنتهي المعركة الكبرى مع قريش بالنصر ، ولكن اليهود قوم لا يرتاحون إلى السلم والعيش الكريم ، فما كاد عظماء بني النضير يجلون عن ديارهم - عقوبة لهم على غدرهم – حتى أخذوا يثيرون قريشاً وقبائل العرب ضد الرسول وصحبه ، وكان من أثر ذلك غزوة الأحزاب التي تجمعت فيها قريش وغطفان ومرة وأشجع وبنو سليم وبنو أسد ، وهاجموا المدينة في عشرة آلاف محارب ، وكانت غزوة الأحزاب وتحركت بنو قريظة وهم يهود المدينة نفسها – فنقضوا الميثاق وأبدوا العداء للرسول ، وظنوا أن هذه المعركة قاضية على المسلمين في المدينة فأعلنوا الحرب وانحازوا إلى الأحزاب ، وهنا تشتد المعركة على المسلمين ، ويصبح أهل المدينة في قلق شديد على ذراريهم ونسائهم ،خوفاً من بني قريظة الذين أعلنوا عداءهم ، ويفكر الرسول في تفريق كلمة الأحزاب بأن يعمل على انسحاب غطفان من المعركة لقاء أن يعطيها ثلث ثمار المدينة ، ويتألم المسلمون من ذلك ، ويتدارك الله رسوله وصحبه بالعناية الإلهية ، فيسلم ( نعيم بن مسعود ) من غطفان وهو صديق قريش واليهود ، فيعمل على التفرقة بينهم ، ويغرس في نفوس كل من قريش واليهود عوامل الريبة والحذر بعضهم من بعض ، فتختلف كلمة الأحزاب ، ويرسل الله ريحاً باردة في ليلة شديدة الظلام ، فتولي قريش وحلفاؤها ، لا تلوي على شيء ، وينبلج الصباح عن فرار قبائل العرب في الظلام ، ويظل الرسول وجها لوجه مع يهود بني قريظة الغادرين في أحرج الساعات . ويتم القضاء عليهم بما حكم به حليفهم سعد بن معاذ ، من قتل الرجال ، وسبي النساء والأطفال ..

مع يهود الآخرين :
وانتظر الرسول حتى تم صلح الحديبية ، وأمن شر قريش ، فاتجه إلى تصفية قضية اليهود الباقين حول المدينة فأنهى علائقه مع يهود فدك ، بحقن دمائهم ومغادرة ديارهم ، وترك أموالهم ، ثم انتهى من يهود وادي القرى ويهود خيبر ، فتغلب عليهم ، وفرض عليها الجزية ، وجردهم من قوتهم الحربية .. وبذلك انتهى من معركة اليهود ، دون أن يخوض معهم جميعا معركة واحدة ، ودون أن يحاربهم وقريشاً في وقت واحد .
وهذه إحدى العبر في تاريخ الرسول السياسي والعسكري ، دلنا على براعته وتوفيقه في الوصول إلى النصر ، دون أن يثير قوى الأعداء عليه جميعاً ، ما دام يستطيع أن يفرق بينهم – كما في غزوة الخندق – أو أن يضربهم الواحد بعد الآخر كما حصل في تصفية قضية اليهود في جزيرة العرب .

في صلح الحديبية :
وأمامنا مثل آخر يدل على مرونة الرسول وبراعته وتفضيله المصلحة البعيدة المدى على المصلحة المؤقتة التي يمكن أن تكسب بالعاطفة ، ولكنها تفوت كثيراً من المكاسب السياسية ، ففي صلح الحديبية كان الرسول لا يريد القتال بل يريد الطواف في الكعبة ،فلما أصرت قريش على المنع صمم الرسول على قتالهم ، ووجد من المسلمين كل استعداد للفداء ، وبايعه المسلمون بيعة الموت المشهورة ببيعة الرضوان ، حتى إذا أبدت قريش رغبتها في الصلح على الشروط المعروفة ، وهي شروط لم يرضها المسلمون أول الأمر ، بل ، بل رأوا فيها ضعفاً وذلة ، ولكن القائد الرسول الذي يمتد بصره إلى ما لا يمتد إليه بصر جنوده المؤمنين ، أصر على قبول الشروط ، فلم يجد المسلمون بداً من القبول ، وتبين فيما بعد أن هذه الشروط كانت سبباً من أسباب تعجيل النهاية المرتقبة للوثنية في جزيرة العرب ، وأن صلح الحديبية كان الخطوة الأولى لفتح مكة واستسلام الوثنية العربية استسلاماً لا قيام لها من بعده أبداً .
هنا يجب أن يذكر الدعاة أن على القائد ، أن يجنب الدعوة المتاعب الكثيرة بأقل التضحيات ، وأن يخضع للظروف مع حسن الاستعداد والاستفادة ، كما فعل رسول الله حين رأى إصرار قريش على أن لا يدخل الرسول ذلك العام مكة أبداً ، فرجع عنها هو وصحبه بعد أن أوشكو على وصلها ، وكان قادراً على أ، يدخلها عنة واقتداراً ، ولكن المعركة يومئذ ستكلف المسلمين كثيراً من التضحيات ، وما كسبه الإسلام من صلح الحديبية ، كان أعظم سياسياً ودينياً وعسكرياً مما كان يكسبه لو دخل المسلمون آنئذ مكة عنوة ، وما هو إ انتظار سنتين بعد ذلك حتى دخل الرسول مكة فاتحاً ، وقد استسلمت قريش ، ثم دخلت في دين الله أفواجا

إن على القائد ألا يضيق ذرعاً بحماسة جنوده ،كما تحمل الرسول شدة عمر ومعارضته يوم صلح الحديبية ،وعلى الجنود أن لا يشقوا عصا الطاعة حين يحزم القائد أمره .

فصلى الله وسلم على نبينا محمد
كلما ذكره الذاكرون
وكلما غفل عن ذكره
الغافلون
المصدر : كتاب ( عظماؤنا في التاريخ ) للدكتور / مصطفى السباعي .

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خطبة الدعاء وأثره في تحقيق النصر نور الإسلام خطب إسلامية 0 25-05-2013 09:37 AM
مصطفى محمود.رحلة بين الشك واليقين نور الإسلام هدي الإسلام 0 26-04-2013 04:08 PM
الموطأ بتحقيق محمد مصطفى الأعظمي كتاب الكتروني رائع نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 15-01-2012 11:13 AM
شبهات حول شخصية سيدنا محمد عليه السلام نور الإسلام هدي الإسلام 0 10-01-2012 05:28 PM
تجربة شخصية في في دراسة الأديان نور الإسلام لماذا أسلموا؟؟ 0 10-01-2012 12:28 PM


الساعة الآن 07:16 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22