صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > المكتبة العامة

المكتبة العامة كتب ومراجع وبحوث ود اسات في مختلف العلوم والمعارف

المحاضرة الرابعة : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

د. محمود عبد الرزاق الرضواني المحاضرة الرابعة– 04 بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-11-2013 ~ 09:23 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي المحاضرة الرابعة : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


د. محمود عبد الرزاق الرضواني


المحاضرة الرابعة– 04
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين ، أما بعد:
في المحاضرة الماضية تحدثنا عن قول شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات ، من غير تكييف ولا تمثيل ، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
تحدثنا عن معنى كلمة التكييف ومعنى كلمة التمثيل ، وتكلمنا عن قياس التمثيل وأنه لا يجوز استخدامه في حق الله ولا في أي شئ يتعلق بعالم الغيب.
فلما نقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(طه : 5 )فكيف لنا أن نتصور الكيفية؟ ، فلكي نعلم كيفية استواء الحق سبحانه وتعالى يلزم أمران:
الأمر الأول: يلزم أن نراه سبحانه وتعالى حتى نعلم كيفية استوائه على العرش ونعلم كيفية العرش .
وهذا الأمر منتفٍ لأننا لم نر العرش ولم نر الحق سبحانه وتعالى ، فالله تعالى ابتلانا بألا نراه ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم أنه قال:))تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت((، (نسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعاً من أهل الرؤية ، لأن الرؤية نعيم بعد الجنة ، قال تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ( يونس : 26) والزيادة هي الرؤية) ، فلم ير أحد منا الله تعالى رؤية عينية ، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : "من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية" ، فنحن لا نعلم كيفية صفات الله تعالى التي ذكرها ، ولكننا نعلم أنها موجودة ، فهناك يد ووجه وسمع وقدم وساق ، فنؤمن بذلك، لكن لا نستطيع أن نتصور كيفيتها .
الأمر الثاني: يلزم أن يكون هناك مثيل له حتى أقول: استواء الحق سبحانه وتعالى مثل استواء فلان.
وهذا الأمر منتفٍ أيضاً ، لأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ .
ولذلك لا يعلم أحد كيفية استواء الحق سبحانه وتعالى ، فإذا قال أحد : كيف استوى الله على عرشه؟
نقول : لا نعلم .
فإن قال: هل الإستواء بكيفية؟
نقول: نعم ، الإستواء بكيفية حقيقية لكن الله تعالى هو الذي يعلمها ، ولا يعلمها أحد.
ولذلك لما جاء السائل إلى الإمام مالك رحمه الله تعالى لم يقل له : ما معنى استوى على عرشه؟ ، ولكنه قال له: كيف استوى على عرشه؟ ، فلو سأل عن المعنى ما كان هذا السؤال سيغضب الإمام رحمه الله تعالى ، فالشخص له أن يسأل عن معنى الآية، ولا يقول له أحد : "الإستواء ليس له معنى" ، لأن كلام الله سبحانه وتعالى يجب أن يكون له معنى ، فـ "استوى على العرش" معناها علا وارتفع على عرشه.
وأما السائل فقد قال: كيف استوى على عرشه ؟ ، فكيف سيجيبه الإمام مالك ؟ فهو ما رآه ولا رأى له مثيلاً ، ولذلك غضب الإمام مالك رحمه الله تعالى عليه غضباً شديداً ، وقال له : الإستواء معلوم (أي معلوم أنه حقيقة موجودة ، فالله سبحانه وتعالى فوق عرشه كما أخبر) والكيف مجهول (ولاحظ لم يقل :الكيف معدوم ، فاستواء الله تعالى بكيفية يعلمها الله تعالى ، فالسلف لم يختلفوا في إثبات كيفية للإستواء ، ولكنهم اختلفوا في العلم بالكيف ، فاستواء الله تعالى استواء حقيقي بكيفية يعلمها الله تعالى ولا نعلمها نحن ، وانتبه فقد تسمع من بعض الذين يدرسون المذهب الأشعري عبارة: استواء بلا كيف ، فعبارة " بلا كيف" عند السلف تعني أن الاستواء بلا كيف معلوم لنا ولكن يعلم الكيفية رب العزة والجلال ، وأما عند الأشعرية فتعني بلا كيف موجود أي لا توجد كيفية ، فمن نفى الكيفية فقد نفى الاستواء ، فأنت إذا سألت أحدهم وقلت له: هل هناك كيفية أم لا؟ فلو قال لك : "ليس هناك كيفية "، فهذا معطل ، فكيفية استوائه تبارك وتعالى موجودة ليس كمثله شئ فيها ) والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
ولذلك فلا يُستخدم في حق الله تعالى قياس التمثيل كما يفعل الممثلة ، و الدليل على عدم جواز استخدام قياس التمثيل في حق الله تعالى قوله تعالى:﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ( النحل : 74 ) فالله تعالى يعلم كيف استوى على عرشه وكيف وجهه وكيف يده ، وأنتم لا تعلمون.
وكذلك قال تعالى:﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ (الإخلاص:1)أي أنه منفرد بوصفه وبذاته عن سائر الخلق ، والدليل على ذلك أنه قال في آخر السورة:﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (الإخلاص: )، فليس له سبحانه شبيه أو مثيل ، وكذلك قال تعالى : ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاًمريم (مريم : 65 )فلا يعلم أحد مثيلاً له ولا شبيهاً له يسمو إليه ويدانيه في الصفة فتقيسه عليه بقياس التمثيل.
فمن استخدم قياس التمثيل في حق الله تعالى فقد تقوََّل على ربه وتكلم فيما لا يعلم ، قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ (النحل: 36).
وأما قياس الشمول فلا يُستخدم في حق الله U أيضاً ، وقياس الشمول يستخدمه الأشعرية والمعتزلة والشيعة والخوارج فيقولون: لو كان الله سبحانه وتعالى ينزل لكان متحركاً و...... ويطبقون قياس الشمول على الله U ، ونحن نقول بأنه تعالى ينزل كما أخبر النبي r ولكننا لا نعلم كيف ينزل ، فالزمان في حقه غير الزمان في حقنا ، والمكان في حقه غير المكان في حقنا، ولا يُطبق عليه هذه الأقيسة، وأما المعتزلة فلما يسمعون قول الله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً(النساء : 164) يقولون : "لو كان يتكلم لكان له لسان وفم وأعضاء"، وهذه القوانين أقيسة شمول لا يجوز أن تُطبَّق على الله U .
فالذي يستخدم قياس التمثيل ممثل ، والذي يستخدم قياس الشمول مكيف أو مشبه، وأما القياس الذي يجوز في حق الله تبارك وتعالى هو قياس الأولى.
ولذلك سنجد أن ابن تيمية رحمه الله تعالى في التدمرية يُثبت مثلين مضروبين بقياس الأولى وليس بقياس التمثيل ولا الشمول ، فقد قال تعالى:﴿وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ(النحل : 60) ، فالمثل الأعلى هو قياس الأولى.
فابن تيمية رحمه الله تعالى ضرب مثلين في الرسالة التدمرية: مَثَل الروح ، ومَثَل الجنة ، فقال : إذا كانت الجنة ليس فيها مما في الدنيا إلا الأسماء ، قال ابن عباس t: "ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء" ، فالدنيا فيها عنب والآخرة فيها عنب ، والدنيا فيها لحم طير والآخرة فيها لحم طير ، ولكن شتَّان بين هذا وذاك ، فإذا كان هناك فارق بين مخلوق الدنيا ومخلوق الآخرة ، فهناك فارق بين المخلوق والخالق من باب أولى ، وهذا اسمه قياس الأولى.
يقول شيخ الإسلام : وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات ، من غير تكييف ولا تمثيل ، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
ما هو التعطيل؟
التعطيل معناه النفي الصريح للصفة ولكن بحسن النية ، فالنفى بسوء نية كفر، ولذلك يُطلق على الجهمية والمعتزلة والأشعرية معطلة ولا يُكفَّرون لأن عندهم حسن النية ، فهم أرادوا تنزيه الله U فضلوا ، ولذلك فإن ابن تيمية رحمه الله تعالى سمى نفي الصفات تعطيلاً وليس كفراً.
كان الجهم بن صفوان جالساً مع أحد أصدقائه فمروا على قول الله تبارك وتعالى : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (طه : 5 )، فقال الجهم: " لو وجدت السبيل إلى أن أحكها من المصحف لفعلت" ، فهذه سوء نية.
وأما لو سألت أحد الأشعرية الآن عن هذه الآية لقال لك : هي آية في كتاب الله ونؤمن بها.
فإذا قيل له : ما معناها؟
فسيقول لك : لا معنى لها ، ولكني أؤمن بأنها موجودة .
فلو قلت له : هل تُثبت بها أن الله على عرشه؟
سيقول : لا ، أنا لا أثبت استواء الله على عرشه ، ولكني أُثبت استيلاءً وقهراً ولا أُثبت استواءً .
فهو بذلك عَطَّل الاستواء ونفاه ولكن بحسن نية ، أما الجهم فيريد أن يمحو الآية من المصحف ، ولذلك كفروا الجهم بن صفوان بسبب هذه الكلمة.
فالدافع عند المعطل لتعطيل الصفة هو أنه شبَّه الله بقياس التمثيل أو بقياس الشمول ، فاستخدم قياس التمثيل والشمول أولاً ، ثم بعد ذلك تصور أن الله تعالى في صفاته يُشبه البشر في أوصافهم ، فاستقبح الصورة ، وقال : لا يمكن أن تكون أوصاف الله U هكذا ، فعطَّل الوصف ، فدافعه للتعطيل هو اعتقاد التمثيل والتكييف ، فالمعطل ممثل لأنه مثَّل قبل أن يُعطِّل ، ولأنه يخشى أن يقال له: "الله U يقول عن نفسه وصفاً وأنت تنفيه؟! هذا اسمه كفر والعياذ بالله " بدأ يبحث في الآية عن معنى بديل لا يُوهم التشبيه فيقول مثلاً أن "استوى" في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (طه : 5 )، تعني أنه استولى على عرشه.
نقول: هذا بالطبع معنى غير سليم للآية ، لأن استولى يلزم منها وجود منازع ، فمن الذي حارب ربنا على العرش والله تعالى غلبه وأخذ منه العرش؟! ، فهذا لا يمكن أبداً ، ولذلك فالقول بأن "استوى" معناها استولى قول باطل ولا يُسمَّى تأويلاً وإنما يُسمَّى تحريفاً ، فالتأويل يكون عليه دليل ، ولا دليل على أن "استوى" معناها استولى ، وكل الذي يستدلون به على ذلك كلام باطل مثل كلام الأخطل الشاعر النصراني :
استوى بشر على العـــــراق من غير سيف ولا دم مهـــراق
وهذا البيت بعد عصر الاحتجاج وليس قبل عصر الاحتجاج ، فهناك عصر للاحتجاج بهذه الأشعار في اللغة ينتهي في عام معين ، فإذا قال أحد شعراً بعد هذا العام لا يُحتج به ، بالإضافة إلى أن الأخطل شاعر نصراني ، فهل نتمسك ببيت قاله نصراني لننفي استواء الله تعالى على عرشه ، مع أن الأمة أجمعت على أن الله تعالى على عرشه ؟
فالتأويل من غير دليل يُسمَّى تحريفاً ، فالذي وقع في تفسير الاستواء بالاستيلاء جمع بين كل أنواع الضلال ، كيف؟
فقد وقع في تحريف النص ، فالله تعالى يقول: "استوى" وهو يقول "استولى" ، وابن القيم رحمه الله تعالى يُشبِّه اللام في قوله "استولى" بنون اليهود عندما قال تعالى لهم : "قولوا حطة" أي حُط عنا خطايانا فقالوا "حنطة " ، فيقول رحمه الله تعالى: "ما أشبه لام المتكلمين أو الأشعرية بنون اليهود".
فيبدأ الضلال يعلو ابتداءً من التمثيل ويزيد فيصبح تشبيهاً أو تكييفاً ثم يزيد فيصبح تعطيلاً ثم يزيد فيصبح تحريفاً ، ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: التحريف بالتأويل أقبح من التعطيل والتكييف والتمثيل لأنه ما حرَّف إلا لأنه عَطَّل وما عَطَّل إلا بعد أن كَيَّف ومَثَّل.
أخذ ابن تيمية رحمه الله تعالى من قول الله تعالى:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الشورى : 11 ) الرد على جميع طوائف الضلال، فيرد على الممثل الذي يستخدم قياس التمثيل وعلى المشبه الذي يستخدم قياس الشمول بقول الله تعالى: :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء، ويرد على المعطل والمحرف بقول الله تعالى: :﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ففيه إثبات للصفة
أيهما أخطر الممثل أم المكيف؟
نقول: قياس الشمول يأتي بعد قياس التمثيل ، والمكيف يستخدم قياس الشمول ، ولذلك فإن التكييف أخطر من التمثيل، فبداية الضلال من التمثيل ثم التكييف ثم التعطيل ثم التحريف.
فقوله تعالى: :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء يرد على الممثل والمشبه ، فينفي قياس التمثيل وقياس الشمول ، ولذلك تجد في الآية "كاف" زائدة ، فالأصل " ليس مثله شئ" ، فلماذا هذه الكاف؟
" مثله " تنفي قياس التمثيل، و"الكاف" تنفي قياس الشمول ، فالكاف تنفي أي كيفية عن الحق سبحانه وتعالى فتنفي قياس الشمول، فالله تعالى يقول: :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء ، فليس كمثله شئ لا باعتبار قياس التمثيل ولا باعتبار قياس الشمول.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ إثبات لاسم دل على وصف ، فالسميع اسم دل على صفة السمع والبصير اسم دل على صفة البصر ، فهذا إثبات لوصف الله تعالى، فينفي بذلك التعطيل وينفي التأويل بغير دليل.
فالقول بأن "استوى" بمعنى "استولى" ليس أمراً هيناً ، فالتأويل بغير دليل تحريف ، والتحريف أقبح من التعطيل ، والتعطيل أقبح من التكييف والتمثيل، فما وقع أحد في التحريف إلا لأنه عطَّل ، وما عطَّل إلا بعد أن كيَّف ومثَّل.
فلماذا وقع في تعطيل الوصف؟
لأنه يعتقد أننا إذا أثبتنا لله تعالى صفةً فقد شبهناه بالمخلوقات ، فهو بذلك وقع في التكييف والتمثيل ، وتعطيل الصفة ونفيها جريمة، فحتى ينفي عن نفسه هذه الجريمة قال: "أنا أؤول المعنى ، واللغة حمَّالة ، فأنا أؤول خوفاً من التشبيه".
نقول له: إن التأويل يُقبل إن كان بدليل، فنقول مثلاً بأنه يمكن تأويل اليد بالقدرة في قوله تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (الفتح :10) أو في تأويل اليد بالنعمة في قوله تعالى:﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (المائدة:64) ، فهناك نص يُمكن أن تأتي اليد فيه بمعنى القوة وهناك نص يُمكن أن تأتي اليد فيه بمعنى النعمة ، ولكن هناك نص لا يصح فيه تأويل اليد لا بالنعمة ولا بالقدرة ولا بالقوة مثل قول الله تعالى :﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ(ص: 75) ومثل قوله تعالى :﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (المائدة:64) ، فمن أوَّل هنا اليد بالنعمة أو بالقدرة فقد حَرَّف .
فهناك حالة لا يجوز فيها تأويل اليد بالنعمة ولا بالقدرة وهي حالة التثنية ، فلو أوَّلت اليد بالنعمة أو بالقدرة في حالة التثنية فقد حرفت ، فلكي أعرف ما إذا كان المتكلم محرفاً أم مؤولاً لا أسأله عن معنى اليد في حال الإفراد ولا في حال الجمع وإنما أسأله عن معنى اليد في حال التثنية، فمثلاً قوله تعالى:﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ(يس:71) يمكن أن تكون اليد هنا بمعنى القوة أو بمعنى النعمة أو بمعنى التعظيم . وكذلك قوله تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (الفتح :10) يُمكن أن تكون اليد بمعنى القدرة ، ولكن لا يجوز ذلك في حال التثنية ، وقد قام ابن القيم رحمه الله تعالى ببحث في هذه المسألة وبيَّن أن صيغة اليد إذا وردت مثناة لا يجوز تأويلها ، فمن أوَّلها في حال التثنية فقد وقع في التحريف. فمن قال بأن اليد في قوله تعالى: :﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (المائدة:64) - معناها النعمة فقد وقع في التحريف، ونقول له : نِعَم الله لا تحصى ولا تعد ، فلماذا حصرتها في نعمتين؟!
فالذي يؤول اليد بالنعمة أو بالقدرة في حال التثنية يريد أن يفر من التعطيل ويفر من نفي الصفة التي وردت عن الله تعالى في كتابه ، وما فعل ذلك إلا لأنه يعتقد بأننا لو أثبتنا لله اليد فقد شبهناه بالمخلوقات.
يقول شيخ الإسلام : وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات ، من غير تكييف ولا تمثيل ، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
ننظر الآن للترتيب الذي ذكره ابن تيمية رحمه الله تعالى:
علمنا أن الضلال يبدأ من التمثيل ثم التكييف ، ثم يحدث بعد ذلك التعطيل ثم التحريف.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: التحريف بالتأويل أقبح من التعطيل والتكييف والتمثيل لأنه ما حرَّف إلا لأنه عطَّل وما عطَّل إلا بعد أن كيَّف ومثَّل.
فإذا بدأت العبارة بالتمثيل تنتهي بالتحريف فتقول : من غير تمثيل ولا تكييف ، ومن غير تعطيل ولا تحريف .
وإذا بدأت العبارة بالتحريف تنتهي بالتمثيل فتقول : من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وابن تيمية رحمه الله تعالى هنا قسمها على طوائف الضلال فقال: "من غير تكييف ولا تمثيل" ويرد على من خالف في هذا الباب وهم المكيفة والممثلة بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء ، ثم يقول: "ومن غير تحريف ولا تعطيل" ويرد على من نفى الصفات بقوله تعالى :﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
يقول شيخ الإسلام : وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه ، مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد ، لا في أسمائه، ولا في آياته .
ابن تيمية رحمه الله تعالى قسَّم التوحيد في البداية على أساس إيمانك بكلام الله تعالى، وكلام الله تعالى ينقسم إلى قسمين ، إما خبر وإما طلب وإنشاء ، فالخبر مطلوب منك تصديقه ، وتوحيد الأسماء والصفات هو من باب الأخبار ويسمى توحيد العلم والخبر، فإذا كان باب توحيد الأسماء والصفات مبني على تصديق الأخبار ، فليس عندك أي مجال إلا أن تصدق الخبر ، فلا يستحدث أحد لله تعالى أوصافاً ، فالذي يقوله الله سبحانه وتعالى نصدقه ، فإذا أثبت لنفسه اسماً أو وصفاً أو فعلاً أثبتناه ، وإن نفى عن نفسه شيئاً نفيناه ، فإن حدنا عن ذلك فقد وقعنا في الإلحاد ، فالأسماء والصفات توقيفية ، فإذا جاء أحد وأراد أن يُدخل اسم لله سبحانه وتعالى لم يسم به نفسه فقد وقع في الإلحاد ، ولذلك يحتج ابن تيمية رحمه الله تعالى بقول الله تعالى : ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأعراف : 180 )
قلنا أن هناك فرق بين الأسماء وبين الصفات وإلا ما قلنا: "توحيد الأسماء والصفات" ولقلنا "توحيد الأسماء" فقط أو "توحيد الصفات" فقط ، فالأمر في باب الأسماء والصفات هو من باب تصديق الخبر، فالمطلوب أن تصدق بخبر الله تعالى فيما عَرَّفنا بنفسه من اسمه ووصفه وفعله ، فإذا ورد اسماً نقول بالاسم ، وإذا ورد وصفاًً نقول بالوصف ، وإذا ورد فعلاً نقول بالفعل .
أمثلة على ذلك:
المحاضرة الرابعة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif جاء في الحديث : ))اشفِ وأنت الشافي(( ، فالشافي اسم ، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال هذا الاسم ، والاسم يدل على الوصف.
المحاضرة الرابعة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif
المحاضرة الرابعة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif قال تعالى :﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً (الكهف:58) فالغفور هنا اسم والرحمة وصف
المحاضرة الرابعة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif
المحاضرة الرابعة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif قال تعالى : ﴿هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (الحشر : 22 ) فالرحمن هنا اسم ، والرحيم اسم
وإذا ورد الوصف وصفاً ولم يرد اسماً ، لا يجوز تحويله لاسم ، لأننا لو حولناه فقد أدخلنا عقولنا في المسألة ، وباب الصفات توقيفي ، ولذلك نقول: لا يجوز أن تشتق من الفعل اسماً ، ولا من الوصف اسماً ، والذي له الحق في ذلك هو الله سبحانه وتعالى .
أمثلة على ذلك:
- قال تعالى: ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا(النازعات:27) ، فـ" بنى " هنا فعل ولا أستطيع أن أحولها لاسم.
- قال تعالى:﴿قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ*مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(عبس:17-18) وقال في موضع آخر: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ(الحشر:24)فذكر مرة اسماً ومرة فعلاً ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي سمى نفسه من الفعل "خلق" اسم "الخالق".
- قال تعالى : ﴿مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(عبس:19) فهنا "قدر" فعل ، وسمى الله تعالى نفسه "القادر" فقال تعالى:﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ(الأنعام:65) .

المحاضرة الرابعة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif قال تعالى ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ(عبس:20)، وليس من أسماء الله الميسر لأنه هنا ورد فعلاً ولا يرد اسماً.
المحاضرة الرابعة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif
المحاضرة الرابعة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif قال تعالى:﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ(عبس:21) فـ"أمات" و "أقبر" فعل ، فلا نسمي الله تعالى المميت أو المقبر لعدم ورودهما اسمين.
فإذا أدخلت عقلي في باب الأسماء والصفات فقد حولت باب الخبر إلى باب الأمر والإنشاء ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : ))إن لله تسعة وتسعين اسماً(( (فقد ثبت تسعة وتسعون اسماً مطلقاً بأدلتهم))) مائة إلا واحداً(((فثبت تسعة وتسعون اسماً مقيداً بأدلتهم) ، فطالما وردت هذه الأسماء بأدلتها ، فلماذا أقول بأن المعز والمذل أسماء؟ ، فإنها لم ترد أسماءً ولكن وردت أفعالاً.
يقول شيخ الإسلام : فإن الله تعالى ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته كما قال تعالى:﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(الأعراف:180).
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: : ))إن لله تسعة وتسعين اسماً ، مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة(( هل المقصود :أحصى الأسماء أم الأوصاف أم الأفعال؟ ، فالنص هنا خاص بالأسماء ، والأسماء المشهورة هي من جمع الوليد بن مسلم ، ولم يخالف أحد في ذلك، فلماذا تلزمونا بأسماء جمعها شخص؟ ، صحيح أنه كان من علماء السلف الصالح (وإن كان يدلس تدليس التسوية) ، لكننا في كل اسم يجب أن نطالبه بالدليل ، فإن ورد الدليل نقول به ، وإن لم يرد فهذا اجتهاد منه أو أنه نقله عن أحد بدون تحقيق.
لماذا ذُكرت الأسماء في الآية ولم تُذكر الصفات؟
لأن الأسماء تتضمن الصفات وليس العكس ، فكل اسم وصف ، وليس كل وصف اسماً ، والاسم يُنادَى به على صاحبه ، وأما الوصف فلا يُنادى به إلا أن تضع اسماً من الأسماء الخمسة ، فتقول : يا ذا الرحمة ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطول ، يا ذا العرش ................ ، فلأن الصفة ليست مستقلة عن الذات لا يُنادي أحد على الوصف ، فلا يقول أحد : يا حياة ،ولكن يقول : يا حي ، فاسم الحي تضمن وصف الحياة ،واسم الكريم تضمن وصف بالكرم ، فالاسم غير الوصف ، والوصف يتبع الموصوف ولا يستقل بذاته ، فلا تكون الحياة في جانب والذات في جانب آخر ، فالحياة صفة الحي ، ونحن ننادي على الحي ، فنقول : "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" ، فالحي دل بالتضمن على وصف الحياة ، ودل بالتضمن على ذات الله تعالى ، ودل بالمطابقة على ذات الله وصفة الحياة.
فالاسم يدل على الذات بالتضمن وعلى الصفة بالتضمن وعلى الذات والصفة بالمطابقة ، وعلى صفات أخرى لا يتضمنها الاسم باللزوم ، فعقيدة أهل السنة أن الأسماء تدل على الصفات بالمطابقة والتضمن واللزوم.
يقول شيخ الإسلام : وقال تعالى: :﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(الأعراف:180) ويقول : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(فصلت : 40 )
فإذا كان الشخص فينا لا يجوز له أن يعبث في وصف انسان أو اسمه بغير إذنه ، فلا يجوز له من باب أولى أن يتعامل بذلك مع ربه من باب أولى.






المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المحاضرة السابعة : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:27 AM
المحاضرة السادسة : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:25 AM
المحاضرة الخامسة : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:24 AM
المحاضرة الثانية : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:19 AM
المحاضرة الأولى : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:18 AM


الساعة الآن 07:31 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22