صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > أخبار منوعة

أديب الفقهاء: الشيخ علي الطنطاوي كما عرفته!

كتب - اديب قبلان - رابطة الأدب الإسلامي العالمي لا أدري مِن أين أبدأ، خواطري! كلها مُبَعْثرة هنا وهناك، وقلبي الباكي الحزين المنفطر للرحيل ينوح نوح الثَّكَالَى خلف ضلوعي المرتجفة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-01-2012 ~ 06:06 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي أديب الفقهاء: الشيخ علي الطنطاوي كما عرفته!
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


كتب - اديب قبلان - رابطة الأدب الإسلامي العالمي

لا أدري مِن أين أبدأ، خواطري! كلها مُبَعْثرة هنا وهناك، وقلبي الباكي الحزين المنفطر للرحيل ينوح نوح الثَّكَالَى خلف ضلوعي المرتجفة تحت الجلد، تتشكَّل في ذهني صورة لذلك الشيخ الجليل خلف ستائر أكثر من عشرين سنة مضت، يُرتِّب هندامه، ويضبط ساعته قبل الظهور على المرئي؛ ليظهر كما اعتاده محبُّوه ومتابعوه: عفويَّ السريرة منبسطًا، ظاهر القول لا يُداهن ولا يخاف في الله لومةَ لائم، اسمحوا لي يا أحفاده وأبناء أحفاده، ولا تحرموني هذه اللذة التي كم دعوت لكم إن قبلتموها عليّ، إنه جدِّي الشيخ (محمد علي الطنطاوي) تغمَّده الله بواسع رحمته، وأنزل على قبره ماءَ المُزن من سحائب الرحمة.

الكثيرون كتبوا في رثائه، وقد امتلأت الصُّحف هنا وهناك بأشعار المحبِّين وخواطرهم حول هذا الرحيل لأُمَّةٍ - وليس لرجلٍ - نقلت العالم الإسلامي نقلةً نوعيَّةً، وأضفت عليه نكهةً )طنطاويةً( خاصةً، فما كنت هنا لنعي الشيخ أو لرثائه، ما جئت لنعيه؛ لأنني حينما توفي - رحمه الله - كنت لا أزال طفلاً في المدرسة لم أجاوز العاشرة، فما بالكم بأحدهم تتحرك قريحته وتجود ملهمةً من بعد وفاته؟! أليس هذا من عجائب الأزمان؟! ولا لتذكرتكم بأننا الآن ننتهي من عقد مررنا فيه في قطار الحياة بلا أديب الفقهاء وفقيه الأدباء، فما كان ليرضى ذلك - رحمه الله - لما فيه من تجديد الأحزان وفتح الجراح بعد دملها، فهذا هو الشيخ، سأعرِّفكم به كما عرفته من كتبه لا من شخصه، وربما استفضت في وصفه - ولا أبالغ - لأنني لا أستفيض إن لم أفض بالدموع، فارحموا عبراتي وترفَّقوا بأخيكم؛ إنه لكم محبٌّ أمين.

قَدْ يَعْجَبُ الْعُذَّالُ مِنْ رَجُلٍ يَبْكِي وَلَو لَمْ أَبْكِ فَالعَجَبُ

ذلك الشيخ الجليل، صاحب الشخصية الفذَّة، والرأي السديد، لم يكن ليتحدث يومًا بما لا يعرف، ولا كان في يوم من الأيام مُدَّعيًا للعلم متكبِّرًا به، فإنه - رغم تبحُّره في العلوم كافةً - نراه متواضعًا يخشى أن يظنَّ القُرَّاء به أنه عالم.

مَلأَى السَّنَابِلِ تَنْحَنِي بِتَوَاضُعٍ وَالْفَارِغَاتُ رُؤوسُهُنَّ شَوَامِخُ

فما وجدت في ذكرياته ما يخفيه، وإنما بسط أمام القُرَّاء نفسه وذاته، وأخذ يحدِّث عن نفسه دون انحياز، فكم من موضعٍ اعترف فيه أنه أخطأ وندم! وكم ذكر عن نفسه أشياء يرتئيها نزوات شباب، والقارئ والمتفحِّص في أريج بستان الذكريات ليشم رائحة الحياديَّة التي اختفت عند الكثيرين لدى كتابة ذكرياتهم، وأخفوا كثيرًا من أعمالهم التي لا يرتضونها هذه الأيام، ولكن ها هو جدِّي الشيخ - رحمه الله - يضرب أروع الأمثلة في الحياد، ويلزم نفسه الكتابة بصدق، وهل عرفناه غير صادق؟!

إذا أجرى قلمه، عرفنا أنها لحظات الخطر، فتتهيَّأ رؤوس الاحتلال لاستقبال أشد وأقوى مقال، ويحتاط أعداؤه من أن يكونوا المقصودين، فما وُجد في أيامه مَن إذا نادى، لُِبِّيَ إلا بعض الرموز يرأسهم في القائمة جدِّي الشيخ - رحمه الله - فكان مدرسةً للتدريب العسكري، والتهييج على قوى الاحتلال، وكما قال - رحمه الله - عن نفسه: "إنه من جمعية المحاربين القدماء، وسلاحه قلمه"، إذا نظر أعلاه، فلا يرى إلا السماء، ومن فوقها ربُّ السماء - تعالى وجل - وكأنني أراه واقفًا في معاركه مع الطغاة، كما وصف المتنبي سيف الدولة:

وَقَفْتَ وَمَا فِي الْمَوْتِ شَكٌّ لِواقِفٍ كَأَنَّكَ في جَفْنِ الرَّدَى وَهْوَ نائِمُ


تَمُرُّ بِكَ الأَبطالُ كَلْمَى هَزِيمةً وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وثَغْرُكَ باسِمُ

فإذا أمسك قلمه كتب فيمَن يزعجه، فأهانه وأخضعه وألان رأسه وكسره، وكلُّ ذلك يصبُّ في إرضاء الله - تعالى - ورفع معنويات الرجال للخوض في سبيل الله، فرحمك الله يا جدِّي!.

إذا وبَّخ النفس أبكاها، وإن داعبها أضحكها فأغماها، فما كان ليدٍ أن تمسَّ قلمًا ينثرُ دُررًا أحق من دُرر جدِّي بالقراءة، فكيف لا، وهو من شيوخ أرباب القلم؟! حمل على كاهله هَمَّ الدعوة والنصح، وسخَّر لها ما هو بمنزلة السيف في المعركة، فكان القلم سيفه الذي يحد على جلود الأعداء، والدرع التي يقي بها نفسه وصحبه سهام المخالفين العابثين، فإذا أشهر سيفه، فإن الحرب لله، وإنَّ غاية ما يقصده من خلفها هو وجه الله، فيا سعد الذي اضطره لإشهار سيفه، فإن الخاتمة إما بالنصر، وإما بأن يحكم الله، والله خير الحاكمين.

هو الأب الحاني، ما قرأت أروع من وصف بناته له في التربية، ولا وقعت يدي على أثمن من كتاب (هكذا ربَّانا جدِّي) في كيفية التربية؛ للأستاذة (عابدة المؤيد العظم) حفيدة الشيخ - رحمه الله - ما نام حتى اطمأنَّ إلى حال بناته، وما أفاق إلا قبْلهم يهيئهنَّ للإصباح، إذا أتى من عمله، كان أول عمل له هو مُناداةَ البنات للاطمئنان على حالهنَّ، وملاعبتهنَّ بما يسرهنَّ، يفيض عليهنَّ من حنانه الأبوي الدَّفَّاق، ويعطف عليهنَّ، ولم تكن غاية له أسعد من أن يرسم على وجوههنَّ الابتسامة بالسماع لأمورهنَّ وأحوالهنَّ، وقلما يسألهنَّ عن أمور المدرسة والدراسة، فكان الأهم لديه هو راحتهنَّ وإسعادهنَّ، وما كان لديه ما يحزن أكثر من أن يرى إحدى بناته محزونةً، فيسألها عن حالها ويألم لها، ثم يفرِّج عنها بأن يفيض عليها من حكمته وعلمه ما لا يستطيع أبٌ أن يفيض به، فتتحوَّل من حالة حزنٍ وسوء إلى حالة فرحٍ واطمئنانٍ، حتى غدت بناته مناراتٍ يُستدلَّ بها، وعلاماتٍ في طريق الدعوة مضيئة، كيف لا، وهنَّ الشعلات اللاتي أوقدها جـدِّي الشيخ - رحمه الله - في حياته؟! وهنَّ باقيات - بإذن الله - ليوقِدْن من يخلفه في طريق الدعوة، وهكذا تستمرُّ سُلالة من الدُّعاة من أصل واحدٍ، ألا وهو جـدِّي الشيخ - رحمه الله.

هذا هو الشيخ كما عرفته، فتكاد لا تخلو مقالة لي من رأي، أو فكرةٍ، أو نقلٍ لجـدِّي الشيخ - رحمه الله - فمنذ أن قرأت في كتبه، وأنا لا أزال أراه مُلهمي الأول والأخير في طريق الأدب والدعوة، أفلا ترون حين يمرُّ أحدنا بموقفٍ يراه غريبًا، فلا يزال يحكيه لصحبه ويعيده حتى يملُّوه، وهم لا يرونه بهذه الغرابة، ولكنه لم يكد ينزاح شعوره به لحظة، ولا يزال يذكره دون كللٍ أو ملل؟! فهذا حالي مع جـدِّي الشيخ - رحمه الله - أشعر بجلالته وعلمه وأدبه، وأظل أُعيدُ مواقفه وآراءه وأفكاره دون كلل أو ملل، فهنيئًا لي به، وأسأل الله أن يجمعني به على حوض النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الجنة.

وختامًا:
فإنا نرى هذه العائلة ماضيةً على طريقه تنتهج نهجه، فما الخالات الثلاث: (عنان، وبيان، ويمان) إلا أنوار على طريق الهداية، أسأل الله أن يُديمَكُنَّ – خالاتي، واسمحن لي أن أناديكنَّ: خالاتي - على العهد الراسخ منذ جـدِّي ووالدكن - رحمه الله - وإنني لأحزن وأعزَّى بوفاة خالتي الدكتورة (يمان) - رحمها الله وطيب ثراها - وأتمنَّى أن تكون قد التقت بأحبَّتها وأحبَّتنا في جنات الخلد - إن شاء الله - فما قرأت عن امرأة أكثر منها اعتدالاً وانتهاجًا للسُّنة، فيا رحمك الله يا خالة، وللأحفاد نصيب من جدِّهم، فها هو الأستاذ (مجاهد) يمسك بزمام مراجعة كُتُب جَـدِّي الشيخ وتنقيحها، عسى الله أن يأجره بذلك، ولا يخفى على أحد جهد الأصهار، فالأستاذ نادر يتكفَّل بطبع كُتب الشيخ ونشرها - جزاه الله كل الخير - ومن ثَمَّ جهد الباقين من أبناء الأحفاد وربما أحفادهم.
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إطلاق »لو عرفته لأحببته « لتعريف المسلمين الجدد بالرسول الكريم نور الإسلام أخبار منوعة 0 18-01-2013 08:10 PM
إن ربي قريب مجيب نور الإسلام المكتبة العامة 0 26-08-2012 09:24 AM
من روائع ما كتب الشيخ علي الطنطاوي عن الدنيا نور الإسلام هدي الإسلام 0 11-04-2012 03:53 PM
أعظم إنسان عرفته البشرية مزون الطيب هدي الإسلام 0 16-01-2012 02:46 PM
تحميل أحدث نسخة للمكتبة الشاملة نور الإسلام المكتبة العامة 0 15-01-2012 11:59 AM


الساعة الآن 04:53 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22