صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

محاضرة للدكتورة حصة الصغيّر عن الوسطية

الحمد لله الذي أكرمنا بنور العلم المبدد لظلمات الجهالة ، وأنقذنا بالوحي من السقوط في درك الضلالة ، وأنعم علينا بإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام إرشاداً للعباد ودلالة ، وجعل

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-05-2013 ~ 06:03 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي محاضرة للدكتورة حصة الصغيّر عن الوسطية
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الحمد لله الذي أكرمنا بنور العلم المبدد لظلمات الجهالة ، وأنقذنا بالوحي من السقوط في درك الضلالة ، وأنعم علينا بإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام إرشاداً للعباد ودلالة ، وجعل الصراط المستقيم طريق روّام النجاة وقصّاد العدالة ، فأبان الطريق للسالكين ، وأوضح بهدية سبل السعادة للفالحين ، وأقام الحجة على الناس أجمعين .
فاللهم لك الحمد بكل ما حمدك به أكرم العباد وخير الزهاد ، وبك أستعين وعلمي أن لا إله غيرك ولا رب سواك ، وبك أعتصم من الأهواء المردية والبدع المضلة فما خاب من احتمى بحماك .
وأستهديك صراط أهل النعمة فلا أضل ولا تغضب ، وأشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك البشير النذير والسراج المزهر المنير ، خير الأنبياء مقاما وأصدقهم كلاما ، لِبنة تمامهم ، ومسك ختامهم ، الداعي إلى خير الأخلاق وأيسر الأعمال ، جاء بالدين الوسط وحذر من الوكس والشطط ؛ فصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صلى على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنه حميد مجيد .(اللويحق . مقدمة الغلو)
وبعد:
إن الإسراف في الأكل والشرب مضر ويجلب المرض بل قد يقتل ، والإسراف في الجوع والعطش أيضا مضر ويجلب المرض وقد يقتل .
والوسط بين الأمرين هو خيرها وأعدلها ، وهو مراتب أعلاها : ( بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ) ، والوسطى : ( فإن كان لابد فاعلا ً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) .
وكذلك العمل : فالإفراط فيه دون راحة مضر ، والخمول والكسل مضر صاحبه مسقم وقد يهلك . والوسط الأسلم والأكثر ملاءمة للبدن والروح هو الاعتدال بينهما .
والإسراف في الحب غلو ضار وقد يهلك صاحبه ، والإسراف في ضبطها تفريط يوقع في الجفاء . فالأنانية والكراهية والبغض الضار . والوسط النافع : الاعتدال بلا إسراف في الحب والبغض ( أحبب حبيبك هوناً ما... ) .
والعين تحتاج إلى ضوء لتتمكن من الرؤية ، وهذا الضوء إن كان قويا أتعبها وآذاها ، وإن كان ضعيفا فكذلك ، وبين المرتبتين الوسط المفيد غير الضار .
( د. زيد الزيد :الوسطية في الإسلام /23 ) ، الفرفور: الوسطية /44 ) .
وإن هذه الأمة بشهادة القرآن الكريم لها هي خير أمة ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) آل عمران 110 . وهي أمة لم تتطاول إلى ما فوق مكانتها ، ولم تدّع لنفسها رتبة غير رتبتها ، ولم تخرج عن قدرها ولم تقل ما قالته اليهود والنصارى ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) كما حكى القرآن عنهم ( المائدة 180 ) بل اختارت الوصف الوسط ، وحرصت على تحقيقه . ( زيد الزيد: الوسطية / )
















معنى الوسطية
الوسطية في اللغة :
مادة وسط تدل على معان ٍ متقاربة وهي تضبط على وجهين :
وسْط : بسكون السين بمعنى بين .
وسَط : بفتح السين ولها عدة معان:
1. بمعنى ما بين طرفي الشيء وهو منه ؛ مثل : وسَط الحبل .
2. بمعنى خيار وأفضل وأجود مثل : وسط المرعى خير من طرفيه ، ومرعى وسط .
3. بمعنى عدل : وأعدل الشيء أوسطه .
4. بمعنى الشيء بين الجيد والرديء .
وهكذا دارت المعاني بين العدل ، والفضل ، والخيرية ، والبينية ، والتوسط بين الطرفين .

الوسط في الشرع :
جاء لفظ وسط في القرآن الكريم بمعان متعددة منها :
1- العدالة والخيرية :{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } البقرة 143 ، وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم : فقال ( والوسط : العدل ) رواه البخاري في 4487 .
2- الشيء بين الجيد والرديء أو الأرفع والأدنى : ومنه قوله تعالى : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } المائدة 89 ، وذلك حسبما فهم من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما .
3- الوسطية الحسية : وهي ما بين الطرفين { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } البقرة 238 ، وهي العصر على الراجح ، لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين .
4- ظرف بمعنى بين كما في بعض الأحاديث .


وسطية الأمة الإسلامية :
هي مؤهلها العدالة والخيرية للقيام بالشهادة على العالمين ، وإقامة الحجة عليهم .
إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، ولابد من العلم بحقيقة الأشياء والوعي بمفاهيمها :
1-( وذلك لتضييق دائرة الخلاف أو إزالته ) ، وكثير من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة ومعان مشتبهة ، كما قال ابن تيمية : ( حتى تجد الرجلين يتخاصما ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره ؛ فضلا ً عن أن يعرف دليله ) . مجموع الفتاوي 12/114 .
ولابد من تحديد المصطلحات :
2- ( حتى لا تتحكم الأهواء والمذاهب الفاسدة في مصطلحاتنا الشرعية ) ، كما وصم أهل السنة والجماعة من قبل الفرق الأخرى بنعوت شنيعة مثل : المشبهة ، والمجْبرة ، والنقصانية ، والمخالفة ، والشُكاّك ، والناصبة ، العامة ، والحشْوية ، ( حشوا الناس رذالتهم ) ، والنوابت ( أحداث لهم بعلم الكلام ) ، والغثاء والغثراء . وقد نبه ابن مسعود رضي الله عنه إلى اختلاف نظرة الناس إلى بعض الذنوب ( إنكم تعملون أعمالا ًهي أدق في عيونكم من الشعر ، كنا نعدها على عهد رسول الله من الكبائر ) .
3- ( أن لا تحمل الألفاظ الشرعية على الاصطلاح الحادث ، وقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من هذه الفتنه وهي فتنة تسمية الأشياء بغير اسمها ( يكون قوم من أمتي يستحلون الخمر يسمونها بغير اسمها ) ، وبقدر قوة الأمة الإسلامية وعزتها تكون الألفاظ الشرعية هي السائدة ، وإليها المرد عند الاختلاف . وإذا تسلط عليها أعداؤها وقهروها وغلبوها تجدين الألفاظ الشرعية مهجورة منبوذة ، ومصطلحات العدو تُتَلقف ، ويتهافت عليها المسلمون ويعدون التلفظ بها عين التقدم والتحضر ) .
( اللويحق 50/54 ) .


والمرجع في بيان معاني الألفاظ الشرعية :
أ- اللغة التي تكلم بها الشارع .
ب- مقصود الشارع من الألفاظ .
4- ( الحق فيما أطبق العلماء وأقروه - وإن خالف ما أطبق عليه العامة وأحدثوه - وما اعتادوه في أمور الدين واستحسنوه ؛ فللعامة في ذلك جهالات وبدع وضلالات ، فلا نعتبر بإطلاقهم وإلفهم إياها ) ، فإن الإقتداء والعمل إنما يكون بأئمة الدين ، وأقوال العلماء المتفقة مع الصحيح من الدليل ، وواجب أهل العلم حمل العامة على الحق ، وإنكار جهالاتهم ، وبذل الجهد في تعلمهم لتصحيح أعمالهم ، لا أن يفرغوا وسعهم في الاعتذار لهم ، والتمحّل لتصحيح ضلالاتهم ، وعمل من يفعل ذلك عمل الغاش غير الناصح ، المفرط فيما أؤتمن عليه ؛كطبيب يطمئن المريض ويوهمه أنه صحيح لا يحتاج إلى دواء والداء يسري في أحشائه ، فكلاهما قاتل ؛ إلا إن عمل الطبيب على المقتول أهون ، الطبيب قتل نفسا فاستراحت ، والغاش في العلم قتل نفسا ماتت على خلاف الشرع فشقت . ولابد من الإخلاص والنصيحة لله ولكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
أ- وليعلم أن الفضل للسابق ، ويعرف لأئمة المسلمين فضلهم وقدرهم .
ب- إن العالم الجليل الذي له في الإسلام قدم ، وفي العلم مكانة وفضل ؛ قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور ، بل مأجور لاجتهاده ، وبذل وسعه في الحق ؛ لكن لا يجوز اتباعه في زلته وهفوته ، ولا إفتاء الناس بما شذ فيه وخالف ، وفي الوقت نفسه لا تهدر مكانته وإمامته في الدين ، ولا يحط من منزلته في قلوب المسلمين . قال التيمي : لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله .
ولا يلزم قبول ما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها الحديث فقالوا بمبلغ علمهم والحق في خلاف ما قالوا ، ولا يلامون على ذلك ، ولا تترك جميع أقوالهم، ولا يكون ذلك مدعاة إلى تنقصهم ، بل نأخذ من أقوالهم ونترك ، لا نؤثم ولا نعصم ، ونأخذ بما أخذوا به هم أنفسهم في اتباع من قبلهم . ( الصادق / 6،4 ) .
ومن ذلك مسألة كشف الوجه ؛ فينعق الناعقون أن الجمهور على القول بجوازه . ويقول الشيخ لطف الله خوجة : إنه درس هذه المسألة فوجد 40 عالما ً على القول بوجوب غطاء الوجه ، والأئمة الثلاثة على ذلك. أما المالكية فأباحوا الكشف فقط عند أمن الفتنة .
وهناك تلازم بين الخيرية والبينية ؛ حسية كانت أم معنوية ؛ في معنى الوسط ، فمثلاً : في الأمر بأخذ الزكاة من وسط المال يقصد به الخيرية والبينية ، وذلك بالنظر إلى مصلحة الطرفين : الغني ، والفقير ؛ بأن يخرج الغني مابين أفضل ماله وأضعفه وهذا هو الوسط . ومن ذلك قوله عز وجل (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) المائدة 89 ، وهنا تبين أن الوسطية لا بد أن تكون أمرا ً بين أمرين ، وهي خير في نفسها . أما ما كان خيرا ً كالصدق وليس متوسطا ً بين طرفين فليس داخلا ً في هذا المعنى والله أعلم .( الوسطية في ضوء القرآن د . ناصر العمر ) .
وعليه فالوسطية تعني الخيرية ؛ سواء كانت خير الخيرين ، أو خيرا ً بين شرين ، أو خيرا ً بين أمرين متفاوتين .
المقياس لتحديد الخيرية :
هو الشرع وليس هوى الناس ، أو ما تعارفوا عليه وألفوه ( د. ناصر العمر / 80 ) . وهناك عوامل كثيرة وأصول معتبرة ، لابد من مراعاتها عند تحديد الوسطية وتطبيقها . ومن المفاهيم الخاطئة التي يسعى الناس بعضهم إلى نشرها بين الناس خاصة في هذه الظروف :
1- أن الوسطية هي التنازل والتساهل ، واختيار ما هو إلى الشر أقرب ؛ بزعم أنه وسط ، فيعيبون من التزم الصراط المستقيم وسار على هدي النبوة ، وينعتونه بالتشديد على نفسه ودين الله وسط .
2- أن الوسطية والتوسط هي المداهنة .
3- أن الوسطية هي التشديد والحماس والاندفاع ؛ فيرمي القائلون بهذا من لم يوافقهم ؛ يُرمَون بالتساهل والتهاون ، وعدم الغيرة ؛ زاعمين أنهم وسط .

ومن تطبيقات هذا الفهم الخاطئ :
إطلاق الغلو والتطرف والأصولية على من التزم المنهج على وجهه الصحيح .

الوسط بين إفراط وتفريط :
الإفراط : تجاوز الحد والتقدم عن القدر المطلوب .
والتفريط : التضييع والتقصير والترك والتهاون .
وكل من الغلو والإفراط خروج عن الوسطية ، وكل من استحق هذين الموضعين فليس من الوسطية في شيء ، وهو بين غلو ، وجفاء :
والجفاء : هو النبوّ ، والترك ، والبعد . وأكثر ما يرد الجفاء لما هو محظور ومنهي عنه .
ومن اتصف بالتفريط أو الجفاء خالف الوسطية ، وبقدر اتصافه بأي منها يكون بعده وتجافيه عن الوسطية .

ومن التفريط في الأحكام الشرعية :
 استباحة فعل ما حرم الله أو ترك ما أوجب الله ، أو اعتبار ما رغب الله في فعله ندبا ً ، أو رغب في تركه ندبا ً؛ كالمباحات المطلقة التي يستوي فعلها وتركها حكما ً .
 ومن التفريط حمل ما أمر الله به أمر إلزام ورتب العقاب على تركه على أنه أمر ندب .
 وحمل ما نهى الله عنه نهي إلزام ورتب العقاب على تركه أنه نهي كراهة .
 ومنه التلاعب بدلالات النصوص للتخفيف من درجة الحكم التشريعي الذي يستفاد منها ؛ اتباعا ً للأهواء والشهوات .
 ومن التفريط الحكم بغير ما أنزل الله ، وتهوين أكل أموال الناس بالباطل ، وإنزال المحرمات الكبائر منزلة الصغائر ، وإنزال الصغائر منزلة المكروهات ، وتتبع الآراء الاجتهادية الضعيفة التي تخالف اجتهادات جمهور علماء المسلمين ، دون بحث استدلالي خاص أدى بالباحث المأذون له بالاجتهاد إلى ترجيح الرأي المخالف ، وتتبع الرخص لمجرد التخفيف من فعل التكاليف .
وقد ظهرت نزعا ً اجتهادية معاصرة اعتمدت على حيلة المرونة في النصوص الدينية ، ومسايرة القوانين الوضعية .( الفرفور/ 118 ) .

الصلة بين الوسطية والصراط المستقيم :
إننا بدون فهم معنى (الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) ، وتحديد مدلوله لا نستطيع فهم معنى الوسطية الصحيح :
1- ورد لفظ الصراط المستقيم في كتاب الله عز وجل عشرات المرات .
قال تعالى في سورة الفاتحة : { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } ثم فسرّه بقوله : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } (الفاتحة 6-7 ) .
2- ونقل الإمام الطبري رحمه الله تعالى إجماع أهل التأويل على :
أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه .(تفسير الطبري 1/73 ) ، وإنما وصفه الله بالاستقامة لأنه صواب لا خطأ فيه .
3- وفسره ابن كثير بأنه المتابعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ( تفسير ابن كثير ) .
4- الطريق المستقيم هو أحسن الطرق وأقربها إلى المقصود ، لا يضل فيه سالكه ، ولا يتردد ، ولا يتحير ؛ لأنه مع الحق المبين الذي لا تخالطه شبهة باطل . (تفسير ابن عاشور ) .
5- الصراط المستقيم يمثل قمة الوسطية ، وذروة سنامها ، وأعلى مراتبها .
(د . ناصر / 80 ) .



أهم سمات الوسطية :
- للوسطية وملامح تميزها عن غيرها ؛ يمكن استقراؤها من كتاب الله عز وجل .
- والوسطية مرتبة عزيزة المنال غالية ؛ كيف لا ؟! وهي سمة هذه الأمة ، ومحور تميزها بين الأمم ، قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } البقرة 143 , وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : - فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه - ( يدعى نوح يوم القيامة فيقول : لبيك وسعديك يا رب ، فيقول هل بلغت ؟ فيقول : نعم ، فيقال لأمته : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير ، فيقول : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته ، فيشهدون أنه قد بلغ ، ويكون الرسول عليكم شهيدا ً ) رواه البخاري رقم 4487 .

وهنا وقفات :
1- الشهادة تقتضي عدالة الشاهد ، وكونه عاقلا ً عالما ً بما يشهد به ، صادقا ً .... وصفات أخرى فيمن يشهد في أي قضية ولو كانت يسيرة ، فكيف بمن يشهد على كل الناس .
2- إن هذه الشهادة تثير في النفس الاعتزاز والشعور بالكرامة والمسئولية والتبعية في آن واحد .
3- إنها تستلزم أن يتوفر لدى الأمة الشاهدة أكرم السجايا وأجل المزايا .
4- إنها تستلزم إنقاذ البشرية ، والحرص على جلبها إلى الصراط المستقيم .
( الزيد : الوسطية / 10،9 ) .
وهذه الأمة بما أوتيت من حب الخير للغير ، تكره للناس أن ينتهوا إلى ذلك المصير المؤلم وهو الخلود في النار ، وتجهد نفسها في غير من ولا أذى في سبيل أن تحول بينهم وبينه ، فتحمل الخير للبشرية ، ولا تبالي بما تلقى من عنت ونصب وقتل وقتال ، وفراق المال والعيال ؛ فهي بحق خليقة أن تكون { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } . قال أبو هريرة رضي الله عنه : ( خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا الإسلام ) ( رواه البخاري 4557 ) .

سمات الوسطية باختصار:
1- الخيرية : قال تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) آل عمران/110 بتوفر ثلاثة شروط: الإيمان بالله, والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
2- العدل : وقد أمر الله عز وجل بالعدل وأن تكون الأمة قوامة بين الناس لله عز وجل ، لا تحابي قريباً لقرابته ، ولا تضار عدواً لعداوته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8.
3- اليسر ورفع الحرج : وهو من أبرز سمات الوسطية ، وهي مرتبة عالية بين الإفراط والتفريط، وبين التشدد والإهمال، وبين التنطع والتضييع. (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). البقرة/185.
4- الحكمة : وهي معرفة الحق والعمل به ، والإصابة في القول والعمل . وهي فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي . وهي أن تعطي كل شيء حقه ، ولا تعديه حده ، ولا تعجله عن وقته ، ولا تؤخره عنه . (المدارج)
5- الاستقامة : قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) فصلت/30.
6- البينية : وهي من لوازم الوسطية ، وتدل على وقوع شيء بين شيئين أو أشياء ، وهي تدل على الاعتدال والتوازن ، والبعد عن الغلو والجفاء . فهذه الأمة وسط في الدين ؛ لا هم أهل غلو ، ولا أهل تقصير . (المصراتي: الوسطية/83-223) (ناصر العمر: الوسطية/85-124).

ويلزم التنيه إلى أمرين:
1- إن الحكمة ليست بالكلام اللبق والترغيب فقط ؛ بل بإتقان الأمور وإحكامها وإنزالها منازلها . قال تعالى : (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل/125. (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) العنكبوت/46. مع إتقان ومراعاة الأحوال زماناً ومكاناً ، وإحسان القصد والإخلاص لله.(المصراتي:177).
2- إن اليسر ليس معناه التفريط والتساهل والتهاون بحجة أن الدين يسر - وهو ما يبرر به كثير من المقصرين والعصاة أفعالهم - ؛ فتحديد اليسر والتوسعة مرده إلى الشارع لا إلى أهواء الناس ورغباتهم ، وما ألفوا ودرجوا عليه .
(ناصر العمر/116).

دليل تطبيقي لملامح الوسطية :
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته ، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها ، فقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟!
فقال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبداً .
وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر .
وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً .
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني ).
ففيه الخيرية : ( إني لأخشاكم لله واتقاكم له ) .
وفيه الوسطية : ( أصوم وأفطر.... ).
والاستقامة : (فمن رغب عن سنتي فليس مني) بالالتزام بسنته.
واليسر ورفع الحرج : في تزوجه النساء، وإفطاره، ونومه.
والحكمة : بوضع الأمور مواضعها، والدوام على العمل الصالح . ولو التزم أولئك بما قالوا لتعبوا وانقطعوا.
والعدل : بالنظر إلى مطالب النفس وواجبات العبادة أي بين حق الرب وحق النفس.
والبينة: بين اتباع الشهوات ، وبين الامتناع عن تحقيقها مطلقا ، وبين الصيام الدائم والإفطار الدائم..( مصراتي /224) ( د.ناصر/ 25) .

وسطية أهل السنة بين الفرق :
أهل السنة والجماعة هم الطائفة الناجية والمنصورة ؛ ومما يجب التأكيد عليه في ظل الدعوات التي تنادي - ظلماً وبهتاناً- إلى التقريب بين الفرق ، وإزالة الحواجز بين منهج أهل السنة والجماعة المستقيم وأهل البدع والأهواء ؛ أنقل لك قول ابن مسعود رضي الله عنه : (من كان مستنا فليستن بمن قد مات ، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير أمة ، وأبرها قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ؛ قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ونقل دينه ؛ فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فهم كانوا على الهدي المستقيم ) شرح السنة للبغوي1/214. اللالكائي 1/154 .
وقال الأوزاعي (157) : (اصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القدم ، وقل بما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ).
قال الإمام الآجري 360هـ رحمه الله تعالى : (علامة من أراد الله به خيراً سلوك هذا الطريق : كتاب الله عز وجل ، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنن أصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله عليهم ، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد... و مجانبة كل مذهب لا يذهب إليه هؤلاء العلماء) الشريعة14.
ولنضرب مثالاً واحداً في وسطية أهل السنة وبين الفرق في شأن الصحابة رضي الله عنهم . ( وسطيتهم في الرسول صلى الله عليه وسلم ص431 ) .
الصحابي هو : من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام.
وهم أصحاب المنزلة السامية والمكانة الرفيعة ، آمنوا بالله ، وجاهدوا في سبيل الله ، وآووا ، ونصروا .
وهم:
خير خلق الله بعد الأنبياء.
وهم من رضي الله عنهم ، وأثنى الله عليهم ووعدهم بالحسنى .
ومع ظهور فضلهم ووضوحه فقد هلك فيهم أقوام وضلوا :
فالخوارج: كفّروا علياً رضي الله عنه ، واستحلوا الخروج عليه وقتاله ، وكفَّروا عدداً من الصحابة ؛ ومنهم : عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين .
والمعتزلة : تبرؤا من معاوية وعمر بن العاص ومن في شقهما ، مع الطعن في صحابة تفرين وشتمهم.
والرافضة : جمعوا بين سيئتي الإفراط والتفريط ، والغلو والجفاء . وأشنع أقوالهم القول بألوهية علي رضي الله عنه ، وأدناها تفضيله على من هو أدنى منه بالتفضيل . وقصروا وجفوا باقي الصحابة . وأعظم قولهم: تكفيرهم ولعنهم ، وأدناه تأخير رتبتهم . وما نال أحد من مقام الصحابة ما نال هؤلاء .
وهذا لا ينكره عاقل بل هم يصرحون به . ويلعنون الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما جهاراً نهاراً .
أما أهل السنة فإليك قول الإمام أحمد رحمه الله بتصرف يسير جداً : ( ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين ، والكف عن الذي شجر بينهم ؛ فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو واحدا فهو مبتدع رافضي ؛ حبهم سنة ، والدعاء لهم قربة ، والإقتداء بهم وسيلة ، والأخذ بآرائهم فضيلة . وخير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، وخيرهم بعده عمر ، وبعده عثمان ، وبعده علي خلفاء راشدون مهديون ).
وسطية أهل السنة(391-425).

الوسطية

وسطية أمة الإسلام بين الأمم :
ليست الوسطية محصورة في جزئية من الجزيئات، وإنما هي منهج متكامل شامل ، لا ينفصل بعضه عن بعض ؛ فالإسلام كله وسط ومن يغفل عن هذه الحقيقة يغفل عن جوهر القرآن ومقاصده . وقد قرر القرآن الكريم الوسطية في آيات كثيرة جداً ، وأكدت أم الكتاب سورة الفاتحة هذه الحقيقة ؛ من أول السورة إلى آخرها ، ونطقت بذلك الآية الكريمة : (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) :
1- الاعتقاد : في الإيمان بالله عز وجل يظهر جلياً في توحيد الأسماء والصفات وفي الإيمان برسله . ووسطيتهم في الأسماء ؛ مثل : مؤمن/ مسلم/كافر/فاسق ؟ وفي أحكامهم .
2- التشريع والتكليف : بوضع الآصار والأغلال وجعلها في حدود الوسع .
3- العبادة : فهي وسط بين الرهبنة والغلو ، وبين التفريط والإهمال .
4- الشهادة والحكم : بالعدل والتحذير من الحيف والجور ، واتباع الهوى .
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : بين الغلو فيه والغلظة دون داع ، والاستكبار على العصاة ، وبين التفريط به مع القدرة عليه .
6- الجهاد في سبيل الله: بين الإفراط فيه كمن يقول : الجهاد لا يحتاج إلى عدة . ومن يزعم أن الخروج عن الحاكم المسلم ، وقتل الأنفس البريئة جهاداً في سبيل الله ، وبين من إذا دعا داعي الجهاد حقاً تراجع وتخاذل .
7- المعاملة والأخلاق: فذم الأخلاق الرذيلة كالكبر، والطغيان، وكتمان الشهادة، وذم مقابلها من الذل والخور ، ورغب في أواسطها من الرحمة ، والتواضع والوفاء ، ومدح حسن الخلق ، وذم المداهنة والمصانعة ففي سورة القلم/4 (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) / ثم بعدها بآيات " (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ) (9،10) , وهناك فرق بين المداهنة المحرمة والمداراة المشروعة.
8- كسب المال وإنفاقه : ...
9- مطالب النفس وشهواتها : فالميل المعتاد إلى شهوات الدنيا أمر فطري مركوز في خلق الإنسان ، والإسلام في مراعاته وسط بين من غلا فحرم على نفسه الطيبات (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا) ، وبين من فرط وانساق وراء الشهوات ، وعبّد نفسه للماديات ، وأصبح كالأنعام : (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59، ولا يكتفون بضلالهم في أنفسهم بل يضلون غيرهم (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا)النساء/27، وها نحن نرى صنيعهم مجسداً في القنوات الفضائحية والمواقع المخلة في الشبكة العنكبوتية .
إنها خطط منظمة لتخريب أبناء المسلمين وبناتهم ؛ فهم لا يريدون فقط مجرد النظر والاستماع ، بل يريدون أن يميلوا عن أمر الله تبارك وتعالى فيجوروا عنه بإتيان ما حرم الله، ، وركوب معاصيه ميلاً عظيماً ، وعدولاً عنه شديداً(ناصر/247).
ومما يؤسف له أنهم قد نالوا ذلك من بعض سذاج المسلمين تحت اسم الوسطية والبعد عن التشديد ؛ فكم تسمعين ممن استرعاهم الله من الوالدين ، أو من يقوم مقامهما الاعتذار عن إدخال هذه القنوات وتلك المواقع ، أنه من باب التوسط وإتاحة الفرصة للابن والابنة ليختار ، مع التحذير والتنبيه ؛ وكأني بأم أدى بها كثرة الإمساس إلى تبلّد الإحساس ؛ ففي ترددها على غرف بنيها المفعمة بالمنكرات لتنبههم إلى مخاطرها إذا بها تساق وتعجب بما ترى - والعياذ بالله - . ومن وجه آخر فمن اتباع الشهوات ترك البنت تتبرج بحجة الحرية ، والتطور ، والثقة ، وغيرها من ألاعيب الشيطان . ومن صنعت ذلك ستندم إن لم تتب إلى الله .
فاحذري - وفقك الله - أن تكون فيك صفة من صفات المنافقين التي ذكرها الباري عز وجل في قوله : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) التوبة67 كيف ذلك؟ بارتكاب المعاصي الظاهرة ، وأنت قدوة (ولا تنفي عن نفسك هذا الوصف ؛ فإنه ملتصق بك شئت أم أبيت ) فالأم قدوة، والمعلمة ، والمديرة ، والمشرفة ، وكل من ولاّها الله رعية : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) . فاسألي نفسك - رعاك الله تعالى- ما أثر تبرجك ؟ والموسيقى الصادرة من هاتفك المحمول ؟ ونمص حاجبيك ؟ ولباسك الشفاف أو الضيق جداً ؟ وترقيق القول - دون قصد- ورجل يسمعك حتى لو كان من أفضل البشر؟ وكذبات يطلقها لسانك . ما أثر هذا كله على من تربينهن في المدرسة أو العمل؟ أو من تربينهم في المنزل . واسمعي قول ابن القيم: ......
واحذري أخيه من أن يكون لك نصيب في هذا الشطر من الحديث : ( ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) م1017.
وحذار أيتها الكريمة من استصغار الذنب ؛ فإن الاستصغار ذنب آخر ، وإن هذا مسلك المنافق . قال ابن مسعود رضي الله عنه : (المؤمن يرى ذنوبه كجبل يخاف أن يقع عليه ، والمنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار ) .

نماذج من الوسطية في أحكام المرأة:
1- أُمِر الزوج عندما يطلق زوجته طلاقاً رجعياً ، بقوله تعالى : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) البقرة/231. (العمر/ ).
2- الوسطية في الطلاق : بوصيته بالتحمل أولاً والصبر على ما يكرهه ، والإغضاء عما لا يرضيه : ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) النساء/25. وإذا اشتد الخلاف وخشي الافتراق أوجب أن يحكم الأهل في الخلاف : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا) النساء/25 . وإن لم ينفع التحكيم يقع طلاق لمرة واحدة تعتد منها الزوجة في بيت الزوجية ؛ رغبة في إعادة الصف ، وزوال أثر الخلاف . وله أن يراجعها دون مهر ولا عقد ولا شهود ، و إلا فتصبح المطلقة بائنة ؛ لا ترجع المرأة إلا بمهر وعقد جديدين . ولها أن تتزوج غيره لا يجبرها الأول على العودة ، ولا يمنعها من الزواج بالثاني . وإن عادت وتكرر الخلاف تتكرر الخطوات .. وهكذا إلى الثانية ثم الثالثة ، وعندها تبين منه بينونة كبرى . ومن وسطية الإسلام جعل الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة ، ولا بيد القاضي ؛ إلا إذا كان بطلب المرأة . وفي عدم تدخل القاضي ستر للأسرار الزوجية . ولم يجعل الطلاق للمرأة ؛ لأنها سريعة التأثر شديدة الغضب ، لا تبالي كثيراً بالنتائج . أما الرجل فهو في الغالب أضبط أعصاباً ، وأكثر تقديراً للنتائج . وهو قد خسر وسيخسر مادياً فلن يقدم إلا وهو على علم تام بالمسئولية ، وبما يجره الطلاق من الخسارة . ومع ذلك فقد راعى الشرع الحكيم أموراً وظروفاً قد تمر بالمرأة لا تستطيع أن تستمر في زواجها فجعل من حقها طلب الطلاق ، أو فسخ النكاح عن طريق القاضي . وراعى المرأة في حالة تطليق الرجل لها بدفع متعة لها إن كان الطلاق قبل الدخول ، ودون فرض المهر . وبنصف المهر إن كان بعد فرض المهر ، وبه كله إن كان بعد الدخول ، ولها النفقة حتى تستوفي العدة .
(وسطية أهل السنة/673-692) (وتوجد التوسطية في التعدد وفي العدة، والمواريث )

الوسطية في الإنفاق :
1- خطورة الانهماك في جمع الأموال ، والمبالغة والإفراط في حبه : (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)الفجر/19،20. والتراث : الميراث . ولـمّا: أي من أي جهة حصل من حلال أو من حرام . وجمّا: فاحشاً. (ابن كثير).
ومثلها : (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (17،18) .
وهنا لي وقفة ؛ ودعوة للتوسط مع أخواتي الكريمات اللاتي أكرمهن الله تعالى وجعل في أيديهن المال أقول:
كم يتيماً كفلت أو تكفلين وقد أنعم الله عليك بالمال الوفير ، وكافله مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة ؟!
وكم مسكيناً سعيت عليه ، والساعي على الأرملة والمسكين كالصائم لا يفطر والمجاهد لا يفتر ؟!
كم مسجداً بنيت ؛ ليبنى لك لكل منها بيت في الجنة؟!
كم دمعة كفكفت؟
أتعلمين أن النساء أكثر حطب جهنم ، والصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء ؟
راجعي نفسك ؛ ورصيدك لا الذي تتركينه بل الذي ستلقينه أمامك : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ " ؛ يقول ابن آدم مالي ، مالي . وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ؟ أو لبست فأبليت ؟ أو تصدقت فأمضيت ؟ وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس ) ( م2273)
بل لنسأل أنفسنا : كم أنفقنا في ألوان الزينة حرمها الله ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلتها ؟ بحجة التطور ، وإرضاء القريبات ؛ غافلات أو متغافلات عن قول الباري جل وعلا : (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) .
2- المال المكنوز لا يغني من عذاب الله شيئاً : (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ) الحاقة/28.
3- كثرته قد تؤدي للطغيان محاضرة للدكتورة حصة الصغيّر عن الوسطية frown.gif كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى)العلق/6،7؛ لذا كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم( وأعوذ بك من فتنة الغنى).
4- الغلو في حب المال ، وتجاوز حده يقود إلى البخل به ؛ قال تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)العاديات/8. فسره العلماء: إنه شديد الحب للمال ، وحريص عليه بخيل به . وسماه الله تعالى خيراً ؛ لأن الناس يعدونه خيراً . ( القرطبي). أما الحب فليس رجساً ولا عاراً بل هو مما زين للناس : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)آل عمران/14، لكن أتمّي الآية الكريمة : (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).
5- لن تزول قدماكِ يوم القيامة من عند ربك حتى تُسألي عن مالك : من أين اكتسبتيه ؟ وفيم انفقتيه ؟

الوسط في الكسب :
الكسب المشروع ، والحب المعتدل ، وتجنب أوجه الكسب المحرم وعلى رأسها : الربا والتحايل عليه ، والميسر ، وكل مال أخذ بالباطل ومنه الرشوة .
والوسط في الإنفاق :
بين البخل والتقتير وبين الإسراف والتبذير مسلك السبيل القويم محاضرة للدكتورة حصة الصغيّر عن الوسطية frown.gif وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)الإسراء/29.
وفي ذم التبذير : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)الإسراء/26،27.
ما معنى لا تبذر؟ قال ابن عباس : لا تنفق في باطل ، ولو أنفق مدا في باطل كان تبذيراً . وقال قتادة رحمه الله : التبذير: النفقة في معصية الله تعالى ، وفي غير الحق ، وفي الفساد: (المال في القرآن/405) . وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيراً .

من منا تريد نسباً للشيطان؟
من يسرها أن تكون مثله في كفران نعمة المال بصرفه فيما لا ينبغي ؟ لنراجع في ثوان ماذا نقتني في منازلنا من الكماليات ، ولنراجع ماذا أدينا من الحقوق الواجبة علينا مما يستلزمه بر الوالدين ، وصلة الأرحام . ولا تنسي: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ).
واعلمي حفظك الله أن الكسب والإنفاق المشروع جزاؤه في الدنيا:
1- البركة فيه .
2- قبول الدعاء .
3- نيل الخير به .
4- السعادة .
5- التطهير .
6- الزيادة والنماء.
وفي الآخرة :
1- الفلاح .
2- قبول الصدقة .
3- مضاعفة الأجر والثواب .
4- رفعة الدرجات .
5- تكفير السيئات .
6- حصول الرحمة .
7- حصول الأمن والسعادة .
أما الكسب والإنفاق المحرم في الدنيا:
1- معيشة الضنك .
2- انتفاء البركة .
3- عدم قبول الدعاء .
4- التيسير للعسرى .
5- عدم محبة الله له .
6- الحسرة والندامة .
7- المحق والإتلاف .
8- العداوات .
9- حرمان الطيبات .
10- تغير الأموال إلى أسوأ .
11- قلة الخيرات .
وفي الآخرة :
1- النار .
2- التعذيب بالمال نفسه .
3- تمدهم عن غيرهم في قيامهم يوم القيامة وفي الأغلال. ( د. ناصر/228-246).
موقع الإسلام سؤال وجواب www.islam-qa.com
سؤال رقم : 5555
العنوان: الاهتمام بالمظهر.
الجذر>الفقه>عادات>اللباس والزينة والصور>الزينة>
السؤال :
بعض الناس يهتم بمظهره وملابسه اهتماما مبالغاً فيه، وينفق في ذلك مبالغ كبيرة ، فهل هذا موافق للشرع أم لا؟
الجواب :
الحمد لله :
إن الاهتمام المبالغ فيه بالمظاهر هو من الإفراط المذموم ، فالإسلام دين الوسطية ، بين الإفراط والتفريط ، بين الغلو والجفاء ؛ فقد قال سبحانه وتعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) .الأعراف/31.
فأمرنا بأن نأخذ زينتنا عند إتيان المساجد وإرادة الصلاة , وأباح لنا الأكل والشرب ، ثم حذرنا من الإسراف والمبالغة ، وأخبرنا أنه لا يحب المسرفين .
وقال سبحانه وتعالى : (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا 26 إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) الإسراء/27-26.
فالمبذر قرين الشيطان ومثيله في خُلقه ، لتضييعه الأموال وصرفها في غير ما هو نافع ، وضابط ذلك كما قال العلماء : ألا يكون في منفعة دينية ولا دنيوية .
أما المسلم ، فإن خلقه كما وصفه الله عز وجل: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان/67. فهم بين الإسراف والتقتير والتبذير والبخل والإنفاق ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كل واشرب والبس ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة .
وكثير من الناس يحرص على أن يكون ظاهره أكمل صورة وأنظفها وأجملها وأطيبها ، ثم لا يطهر قلبه ونفسه من الأمراض الذي حذرنا الله منها ، كالنفاق والكذب والحسد والكبر والرياء والفخر والعجب بالنفس والظلم والجهل والغل على المؤمنين ، أو الشهوات المحرمة الخبيثة وغير ذلك . وقد نبهنا الله تعالى إلى أن لباس التقوى والتجمل به خير من اللباس الظاهر ؛ فقال سبحانه : (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).الأعراف/ 26. وقد صاغ ذلك أحد الشعراء فقال:

إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً و إن كان كاسيا
و خـير لباس المـرء طاعة ربه ولا خير في المرء إن كان عاصيا

وأخبر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم العباد بمجمل الفلاح والنجاح من العبد ، فقال : (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة . فالقلوب هي محل التقوى ، ومعادن الرجال وكنوز المعرفة . والأعمال هي ميزان العباد عند الله تعالى ، كما قال سبحانه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/13. فعجباً لمن يهتم بموضع نظر الخلق فيغسله وينظفه من القذر ، ويزينه لئلا يطّلع فيه على عيب ، ثم لا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق فيطهره ويزينه .
نسأل الله أن يصلح قلوبنا ويطهر ألسنتنا ويستعمل جوارحنا في طاعته.
المرجع : مسائل ورسائل/ محمد المحمود النجدي ص 15
(www.islam-qa.com).







الوسطية في الحب والبغض :
قال عمر رضي الله عنه : ( لا يكن حبك كَلَفاً ، ولا بغضك تَلَفًا )
وقال علي رضي الله عنه : ( أحبب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما )
وقال الشاعر :
وكن معدِنا للخير واصفح عن الأذى فإنك راءٍ ما علمتَ وسـامعُ
وأحـبِب إذا أحببت حبـا مقـارباًُ فإنك لا تدري متى أنت نازعُ
وأبغِـض إذا أبغـضت غـير مباين فإنك لا تدري متى أنت راجعُ

وقال آخر :
تَحَـرَّ من الطريق أوساطها ... وعـدِّ عن الموضع المشتبهِ

واحذري أخية من الصفات التالية :
( إن الجاهل إن مزح أسخط ، وإن اعتذر أفرط ، وإن حدّث أسقط ، وإن قَدَر تسلّط ، وإن عزم على أمر تورّط ، وإن جلس مجلس الوقار تبسَّط ) .
لسان العرب 7/429 .










الوسطية في القيادة والتربية :
- بين القسوة وبين والتراخي
- لا تكن يابسا فتُكسَر ، ولا ليّناً فتُعصَر
- النظرة الواقعية للنفس ؛ لا أقل ، ولا أعلى ، فكل إنسان أُعطِيَ أشياء ، وحُـرِم من أشياء .
- في العلاقة بالآخرين : البعد والانطواء يؤدي إلى سوء التوافق ، والاندماج المُبالَغ فيه يؤدي إلى سوء التوافق ؛ لأن الالتصاق بالآخرين قد يسبب لهم الضيق .
- وكذا الثقة الزائدة عن الحد ؛ ثقة غير واقعية ، تتناسى ضعف الإنسان وشهواته .
ويقاس على الرجل مع امرأته : ( لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضي منها آخر ) .
 بين الغضب ، والمودة .
 بين الجد المفرط ، واللين المتداعي .
 بين العبوس الكالح ، والضحك المتهافت .
 بين العزلة الموحشة ، والخلطة الزائدة عن الحد .









ما هي مكائد الشيطان للبعد عن الوسطية ؟
وما الواجب لتحقيق الوسطية ؟
إن الشيطان يشتمّ قلب العبد ويختبره ، فإن رأى فيه داعية للبدعة ، وإعراضا عن كمال الانقياد للسنة أخرجه عن الاعتصام بها ، وإن رأى منه حرصا على السن ، وشدة طلب لها لم يفر به من باب اقتطاعه عنها ؛ فأمره بالاجتهاد ، والجور على النفس ، ومجاوزة حد الاقتصاد فيها قائلا : هذا خير وطاعة ، والزيادة فيها أكمل ، فلا تفتر مع أهل الفتور ، ولا تنم مع أهل النوم . فلا يزال يحثه ويحرضه ، حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها ؛ فيخرج عن حدها . كما إن الأول خارج عن الحد ، فكذا هذا الآخر خارج عن الحد الخارج .
وهذا حال الخوارج ، يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم ، وصيامهم مع صيامهم ، وقراءتهم مع قراءتهم ، وكلا الأمرين خروج عن السنة إلى البدعة ؛ لكن هذا إلى بدعة التفريط والإضاعة ، والآخر إلى بدعة المجاوزة والإسراف .
وقال بعض السلف : ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان : إما إلى تفريط ، وإما إلى مجاوزة ؛ وهي الإفراط ، ولا يبالي بأيهما ظفر ؛ زيادة أو نقصان . مدارج السالكين 2/ 107










الغلو
لغة : مجاوزة الحد .
اصطلاحا : هو تجاوز الحد الشرعي بالزيادة . والحد : النهاية لما يجوز من المباح المأمور به ، وغير المأمور به . وقد يكون الغلو بمجاوزة الحد في الترك ، والتفريط . وجاء في القرآن الكريم بلفظ الطغيان : (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) . النازعات 37-39 والطغيان هنا : غلو بالترك ، والعصيان لأمر الله تعالى .

التطرف
لغة : تجاوز حد الاعتدال .
والأصولية والتطرف مصطلح محدث ليس من الألفاظ الشرعية ( عبود / 66 ) .

التشدد
لغة : المغالبة والمقاومة .
التنطع
لغة : التعمق في القول أم الفعل . وكل من التشدد والتنطع لفظان شرعيان مقاربان لـ : الغلو .
العنف
لغة : خلاف الرفق .
وهذه المصطلحات جميعها : التنطع . التشدد ، العنف . بمثابة أوصاف ، أو مظاهر للغلو ، فالغالي يتسم في أخذه للدين بالشدة ، وفي معاملة الآخرين بالعنف ، ويتسم بالتنطع والتعمق في أفعال الدين .




ملامح الغالي والغلو :
1- يتعلق بفقه النصوص ، بتفسيرها تفسيرا متشددا يتعارض مع السمة العامة للشريعة ؛ فيشدد على نفسه وعلى الآخرين . أو يتعمق في معاني التنـزيل بما لم يكلَّف به .
2- في الأحكام ؛ بإلزام نفسه ، أو الآخرين بما لم يوجبه الله ؛ عبادةً وترهّباً . أو تحريم الطيبات التي أباحها الله تعبّدا ؛ كتحريمه أكل الحم ، أو ترك الضرورات ؛ كالنوم ، والنكاح .
3- أو يتعلق بالحكم على الآخرين من المدح الغالي الموصل إلى درجة العصمة ، أو الذم الغالي الموصل إلى الكفر والمروق من الدين . ومن ذلك أن يأخذ رأيا متشددا ، ويصم الآخرين بالمروق من الدين .

والغلو نوعان :
1- كلي اعتقادي : وهو المتعلق بكليات الشريعة في باب العقائد ؛ مثل الغلو في الأئمة ، وادعاء العصمة لهم . والغلو في البراءة من المجتمع العاصي . والغلو في تكفير أفراد المجتمع .
2- جزئي عملي : أي في باب الأعمال والعبادات ؛ مثل : قيام الليل كله ، واعتزال مساجد المسلمين لأنه يراها مساجد ضرار .

ومن الغلو :
التكفير ، والتبديع ، والتفسيق بلا علم :
1- المعين لا يحكم بكفره حتى تتحقق فيه شروط التكفير ، وتنتفي موانعه ؛ مع ثبوت الحجة عليه ؛ وذلك ( بأن يكون بالغا عاقلا مختارا غير متأول ، بلغته الحجة )
وهناك فرق بين كون المقالة أو الفعلة كفرا ، وبين تكفير القائم بها . وكذا التفسيق . والبدعة المفسقة : هي ما لم يداوم عليها ، ولا يدعو إليها ، ولا تفعل في اجتماعات الناس ، ولا يستصغرها ، ولا يحتقرها .
2- لا يحكم على أحد من علماء أهل السنة أو حكامهم أنه مبتدع ، أو خارج عن أهل السنة والجماعة لخطأ في الاجتهاد ؛ سواء في مسائل العقيدة ، أو الحلال والحرام ، مما كثر فيه الاختلاف بين علماء الأمة ، لأنه إنما قصد الحق وطلبه ، فهو معذور ، بل مأجور على اجتهاده ، فلا يُبَدَّع ولا يُفَسَّق .
(لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال الله تعالى : قد فعلت . م 125
وهذا لا يعني عدم التنبيه على أخطائهم ، ومناصحتهم ، وبيان الحق للناس ؛ بل هذا من أعظم واجبات أهل العلم الذين استحفظهم الله عليها .
(وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ) آل عمران 187 .
( موقف أهل السنة / الرحيلي / 64، 192 ، 201 ) .












هل الغلو ظاهرة جديدة ؟

لا ، بل قديمة قِدَم الرسالات السماوية ؛ فقوم نوح عليه السلام غلوا في جماعة من الصالحين ، وأوصلوهم إلى درجة الألوهية ، وكذا غلا أهل الكتاب كما أخبر الله عنهم .
ووقع في عصر النبي صلى الله عليه وسلم :
1- بذرة الغلو العقدي في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، في الرجل الذي اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم وإعطائه صناديد نجد أكثر من غيرهم ، ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله ، فقال صلى الله عليه وسلم :
( إن من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن ، لا يجاوز حناجرهم ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ) . خ ، م
ثم تدرج الأمر حتى كان بعد موقعة الجمل ظهرت أكبر فئتين غاليتين في تاريخ المسلمين : الخوارج ، والروافض .
2- الغلو العملي في وقائع كثيرة :
ومنها الغلو بالتورع عما لا ورع منه ، كمن يفضل الطعام الجاف واللباس الخشن المزري بصاحبه ، مع وجود ما هو أصلح منه لإظهارهم الزهد والفقر ، واحتقار لباس الزينة الذي أمر الله به في قوله تعالى : (خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف 31 .

ومن صور الغلو المعاصر :
1- تكفير العصاة أصحاب الكبائر . ويقول قائلهم : إن كلمة عاصي هي اسم من أسماء الكافر ، وليس من دين الله أن يسمى المرء في آن واحد مسلما وكافرا . والتوبة عندهم تجديد الإسلام . أين هم من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يمنع من قتل المنافقين ، مع علمه بنفاقهم ، وفضح القرآن الكريم إياهم ، ويقول : ( لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) خ 4905 .
2- الانفصال الكامل عن المجتمع : وذلك بغير مبرر شرعي ، ولكن لأنه .... أو فسّقهم ، وبذا يقع في ترك الجمع والجماعات ، ويوجب العزم على اتباعه ، ويسمونها المفاصلة الشعورية ، أو المفاصلة الكاملة . وقد ترتب على كليهما لوازم باطلة .
3- تكفير المقيم غير المهاجر ، أي : في دار الكفر . والصواب أنه إذا كان مظهراً لدينه ، متبرئاً مما هم عليه استحبت الهجرة في حقه ، ولا يكفر بتركها . وكذا المستضعف ، وإنما يكفر إذا رضي وتابع ، ووالى الكفار وأعانهم على المسلمين .
اللويحق 96، 273 ، 476 ، 500 ، 306 .

الغلو في الولاء والبراء :
الولاء : هو النصرة والمحبة والإكرام .
والبراء : البعد والخلاص ، والعداوة بعد الإعذار والإنذار .
ويتجلى الغلو فيهما :
1- الغلو في مفهوم الجماعة : بأن يعتقد أن الجماعة التي ينتمي إليها هي جملة المسلمين ، وتكفير مفارقها .
2- الغلو في التعصب للجماعة : فيتعصبون لمن انتسب إليهم بالحق والباطل ، ويعرضون عمن ليس معهم ؛ سواء كان على الحق أو الباطل .
حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية ، أو يدعو أو ينصر عصبية فقُتِل فقتلته جاهلية ) م 1478 .
3- الغلو بجعل الجماعة مصدر الحق ، فطريقه للقبول ما جاءت به هذه الجماعة .
4- الغلو في القائد الذي يقود الجماعة : ومبايعته بيع النفس كاملة لله من خلال تلك الجماعة على يد إمام يعتبرونه الإمام الأعظم .
5- الغلو بالنيل من العلماء ، والطعن في المخالف لأفكارهم ، والحق أنه حتى لو خالفهم فيما يرونه حقا ، فلا ينال منه ، يقول الشافعي : ( ما رأيت كتابا ألف في العلم أكثر صوابا من موطأ مالك ) .

التكفير
الكفر نوعان : كفر مخرج عن الملة ، وكفر غير مخرج عن الملة .
ويجب أن يُعلم : أنه قد يجتمع في الشخص شعب إيمان ، وشعب كفر . وأن التكفير مزلق خطير : ( إذا قال الرجل لأخيه : يا كافر ، فقد باء به أحدهما ) . خ الأدب : من كفره أخاه . م : الإيمان .
( ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ) خ
( من دعا رجلا بالكفر ، أو قال : عدو الله ، وليس كذلك إلا حار عليه ) خ م .
والكافر هو : من شرح بالكفر صدرا . لا بد من شرح الصدر بالكفر ، وطمأنينة القلب به ، وسكون النفس إليه ، ولا اعتبار بصدور فعل كفري ، أو لفظ يدل على الكفر ، ولا يعتقد معناه .
ومن أعظم البغي : أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له ، ولا يرحمه ، بل يخلد في النار .
وتظهر جوانب الغلو في التكفير في :
1- التكفير بالمعصية .
2- تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله بإطلاق .
3- تكفير المحكومين بغير ما أنزل الله بإطلاق .
4- تكفير المعين دون اعتبار لضوابط الشرع .
5- تكفير من لم يكفر الكافر بزعمهم .
6- القول بجاهلية المجتمعات المسلمة . تعليق حول سيد قطب ، ومحمد قطب ، أنهما لا يعتقدان الجاهلية العامة ، بل جاهلية الحكم .
( اللويحق / 194-264
التشديد على الناس :
لقد بُنِـي الدين على اليُسر ورفع الحَـرَج ، وجعل الله الدين رحمةً للناس ويسرا ، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالتيسير على الناس ، قال لمعاذ وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما حين بعثهما إلى اليمن ( يسّرا ، ولا تعسّرا ، وبشّرا ، ولا تنفرا ) .
 الإنسان في ذاته له أن يأخذه نفسه بالأشد من المشروع ، كأن يصلي صلاة طويلة ، ولكن ليس له إلزام الناس بهذا .
 والتشديد على الناس لا يدخل فيه إلزامهم بما شرع الله ، بل إلزام الناس بغير ما شرع الله قسمان :
1- ما لم يشرع أصلا ، وهذا من البدع .
2- ما شُرِع أصله ، لكن وقع الغلو في صفته ، أو قدره ، بالمساواة بين الأحكام المتفاوتة ، ومحاسبة الناس بالأعمال كلها على قدم المساواة .

التشديد أو الغلو العملي والسلوكي ( الفردي ) :
1- التشديد على النفس بمشقة غير معتادة : مثاله عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وعندها امرأة ، وقال : من هذه ؟ قالت : فلانة ، تذكر من صلاتها ، قال : مه ، عليكم بما تطيقون ، فوالله لا يمل الله حتى تملوا . وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه . خ م .
مثال : قول سعيد حوى أن يضع في حسابه الاشتغال بأوراد الذكر من استغفار إلى صلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم سبعين ألف مرة .
وهذا التشديد يؤدي إلى السآمة والملل ، ثم العجز ، أو الانقطاع ، لتزاحم الحقوق . وليس للمكلف أن يقصد المشقة في العمل نظرا إلى عظم أجرها
2- تحريم الطيبات .


وفي السلوك الاجتماعي :
1- الخروج على الحكام : # ص 405-440 #

ومن الغلو :
غلو التفريط :
1- الإعراض عن التكاليف ، بنبذها والاستخفاف بها . ويرتكب في الغالب باسم العصرية أو التحرر والعقلانية .
2- القول بالاكتفاء بالقرآن ونبذ السنة ، والله تعالى يقول : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) الحشر 7
3- رد التكاليف ؛ بحجة أن المعول عليه صلاح القلب ، كمن تكشف وجهها وتختلط بغير محارمها من أقاربها ، وتقول : إذا صلح القلب ، وحسنت النية ، فلا يضر بعد ذلك شيء .
ونقول لها : لا شك أن القلب فاسد ؛ إذ لو صلح لصلحت الأعمال ، فإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهي القلب .
( د / الصادق / 22، 23 )

غلو الغرور :
بالجرأة على الفتوى ، والتعلق بشواذ المسائل ، المؤدي إلى تضييع بعض الواجبات ، أو الوقوع في بعض المحرمات بقول عالم شذّ ، ومالك بن أنس رحمه الله يقول : ( ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس ؛ حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل ، وأهل الجهة فإن رأوه أهلا لذلك جلس ، وما جلست حتى شهد سبعون شيخا من أهل العلم أني موضع لذلك ) .
وفي الحديث : ( المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور ) خ .
( د . الصادق / 26، 27 ) .
من أقوال العلماء
من الذي كان وراء الغلو ؟
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
( ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان : إما إلى تفريط وإضاعة ، وإما إلى إفراط وغلو . ودين الله وسط بين الجافي عنه ، والغالي فيه ، كالوادي بين جبلين ، والهدى بين ضلالتين ، والوسط بين طرفين ذميمين . فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له ، والغالي فيه مضيع له ؛ هذا بتقصيره عن الحد ، وهذا بتجاوزه الحد ) المدارج 2/ 496 , وانظر الأضواء 1/ 494
قال الإمام الطحاوي : ( ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله ، ولا نقول : لا يضع مع الإيمان ذنب لمن عمله ) . الطحاوية .
وقال الإمام البخاري رحمه الله : باب المعاصي من أمر الجاهلية ، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا الشرك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنك امرؤ فيك جاهلية ) ، ويقول الله تعالى : (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) النساء 116.











آثار الغلو :
الغلو في التعصب أدى إلى موالاة من كان على طريقة المتعصب ومذهبه ، ومنافرة من عداه ، بل مقاتلته عند المتشدد منهم ، والكيد له . كل ذلك باسم الدين والتقوى ، ومناصرة الحق وأهل الإيمان .
الصادق / 32
وهذا ينافي عقد الأخوَّة : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات 10
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) التوبة 71 .
( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا – وشبك بين أصابعه - ) خ 481
وقد عانت الأمة الإسلامية في عصر انحطاطها من هذا التعصب البغيض ، فكان الحنبلي يقتل الشافعي ، والشافعي يكيد للحنفي ، ولا يصلي معه ، وتقام في المسجد الواحد جماعات متعددة لكل مذهب وطائفة وإمام .
( د . الصادق / 33 ) .













وليعلم أن الغلو :
ليس قاصرا على المسلمين ، بل حصل وما زال غلو عند غيرهم ، ومن ذلك غلو الأقباط ، وغلو الهندوس ، وغلو النصارى في لبنان وفي الفلبين ، والغلو في الغرب ، لكن الذي يركز عليه الغرب ويضخمه هو الغلو عند المسلمين فحسب .
اللويحق / 135 .
ومن أسباب الغلو :
1- الابتداع .
2- الجهل .
3- اتباع الهوى.
4- تحكيم العقل .
5- التعصب والتقليد ، واتباع العوائد .
6- الدعاية السيئة ضد أهل السنة والجماعة .
7- مخالفة منهج أهل السنة والجماعة .

توجيهات :
1- إن تطبيق الغلو على الأشخاص والحوادث يحتاج إلى عدل وميزان دقيق .
2- مقدار تدين المرء ، وتدين المحيط الذي يعيش فيه له أثر في الحكم على الآخرين بالغلو ، أو التوسط ، أو التسيب ؛ فمتبلد الإحساس لا يرى في إتيان الكبائر حرجا ، ويرى الالتزام بالدين غلوا وتشددا .
( اللويحق )





أمور لا بد من اعتبارها في موضوع التيسير ورفع الحرج :
1- إن رفع الحرج والسماحة والسماحة راجع إلى الاعتدال والوسط ؛ وسط بين الإفراط والتفريط ، فالتنطع والتشدد حرج في جانب عسر التكليف . والتفريط والتقصير حرج فيما يؤدي إليه من تعطيل المصالح ، وعدم تحقيق مقاصد الشرع .
والتوسط منبع الكمالات ، والتخفف والسماحة هو في سلوك طريق الوسط والعدل .
2- إن رفع الحرج ، وإن كان شاملا لجميع أحكام الشريعة ، وكافة مجالاتها ، إلا إنه ليس غاية في ذاته ، بل هو وسلية واقعة في طريق الامتثال لأوامر الله تعالى ، تعين على تحقيق الغاية .
فالمطلوب : هو الطاعة ، وتحقيق العبودية لله وحده ، وبذل منتهى الاستطاعة في الإصلاح ، واستعمار الأرض وبناؤها ، وتحقيق مراد الشرع من جلب المصالح ، ودرء المفاسد .
وتحقيق المقصد العام من التشريع يحفظ نظام العالم ، واستدامة صلاحه بصلاح المستخلَفين في عقيدتهم وعبادتهم ، وكافة شئون حياتهم ، وما بين أيديهم .
والذي يتلمس التخفيفات ، ويتتبع مواطن الرخص ورفع الحرج ، بعيدا عن الغاية الحقيقية من تمام العبودية ، وخالص الخضوع والطاعة لله وحده . وإنما غايته الأخذ بأسهل الأمور فينسلخ من الأحكام ، ويبتعد عن الشرع ، ويتهاون في مسائل الحلال والحرام في المطاعم والمشارب والمعاملات ، مدّعيا أن لا حرج في الدين ، فقد أخطأ وضل السبيل ، إذ قلب الوسيلة غاية ، أو غلّب الوسائل على الغايات .
3- الجزاء في الإسلام دنيوي وأخروي ، والجزاء الأخروي يتناول كافة أعمال ابن آدم الظاهرة الباطنة ، ومنها ما لا يمكن الوصول إليه من قبل الحكام والقضاة ؛ كالجحود والكتمان ، والغش والخداع ، مما قد يتوصل إليه بالإجراءات القضائية . وأحكام الإسلام هي من عند الله تعالى ، وليست من وضع البشر ، ومن أجل هذا فإن له هيبتها واحترامها ، والخوم من الجرأة على مخالفتها ، ولهذا تجد عند المسلم وازعا من نفسه يدعو إلى الاستقامة ، وعدم المخالفة ، واحترام الأحكام الشرعية ؛ لأنها من عند الله الذي يعلم السر وأخفى ، ويعلم المفسد من المصلح .
وعلى هذا ، فينبغي أن يكون عند المسلم من المانع ما يثنيه عن الإقدام على مواطن الرخص ، والأخذ بالأيسر ، وهو ممن لا يسوغ له ذلك ، أو أن يلبس على المفتي أو المتقاضي ، هو الذي يعلم خفايا وقائعه ، وقضاياه ، وهو الذي يرجو الله ويخشى عذابه . ( الشيخ د . صالح بن حميد : رفع الحرج / 13-21 * .
إن الكلفة والمشقة التي في المطلوبات الشرعية في الأحوال والظروف العادية ؛ هي كلف معتادة ، ولا يمتنع التكليف معها ، وهي داخلة في حدود الاستطاعة والوسع المذكور في قوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن 16 ، وفي قوله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) البقرة 286 .
بل إن أعمال الدنيا المجردة ؛ بما فيها من كسب المعاش فيها كلفة ، بل كلف لا تخفى ، لكنها لا تخرج عن حدود المعتاد ، ولا يتقاعس الناس عن العمل من أجلها .
وكل عمل تكليفي في نفسه له مشقة معتادة فيه توازي مشة مثله من الأعمال العادية ، وتتفاوت الأعمال في ذاتها ، وفي مشقتها .
( الموافقات 2/ 111 )
والعقوبات الزاجرة ؛ كقطع يد السارق ، وقتل الجاني وقاطع الطريق ، ورجم الزاني ، أ وجلده وتغريبه ؛ فيها من المشقات بل من المفاسد على من لحقت به ما يماثل مشقة المخاطرة بالأرواح في الجهاد ، لكنها جاءت لتحصيل ما رتب عليها من المصالح الحقيقية التي هي أعلى منها ؛ فهي تؤدي إلى مصالح حقيقية كلية عامة .
( الموافقات 1/ 111-112 )


تحديد المصطلحات :
الحرج : كل ما أدى إلى مشقة زائدة في البدن – الآلام أو الأمراض - ، أو النفس – الآلام النفسية - ، أو المال – إتلافه ، أو إضاعته ، أو الغبن الفاحش – حالا ، أو مآلا - إذا كان الحرج للمداومة - مجردة لعظم المشقة المقارنة للفعل .
رفع الحرج : إزالة ما يؤدي إلى هذه المشاق .
أمثلته : في الحج : " افعل ولا حرج " ؛ حيث أباح ترك الترتيب بين الشعائر : الرمي ، الحلق ، الطواف ، النحر ....
إن القرآن الكريم رحمة وشفاء ، والشريعة رحمة للعالمين ، والنبي صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة ، وديننا دين الرحمة ؛ جاء ليخفف الإصر عن أتباعه مما كان على الأمم السابقة .
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) الإسراء 82
(إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء 29
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء 107

التخفيف عن هذه الأمة :
1- في الأحكام الأصلية : مثل مشروعية التجمل في الجمعة للرجال ، وفي العيدين للجميع .
2- في الأحكام الطارئة : كالقصر في السفر ، والجمع ، وإسقاط الجمعة والحج والعمرة والجهاد للأعذار المسقطة لذلك ، وكالتيمم ، والفطر للمريض والمسافر .
سقوط بعض التكاليف يعتبر تخفيفا ، مثل : سقوط الصلاة والصوم عن الحائض والنفساء .



وهنا وقفة :
يقول الشيخ صالح بن حميد : إن هذا يُظهِر بجلاء أن حالة الأنوثة ليست كحالة الذكورة ، فالنقص والضعف ظاهرة في المرأة مهما تشدق المتشدقون ، فالواقع يخالف دعاواهم ، فلا تقوم – غالبا – بأعمال تتطلب القوة والعنف والشدة ، ومن جهة أخرى هي تقوم بوظيفتها الخاص التي لا يقوم بها غيرها ؛ من ( الحمل ، والولادة ) والتربية ، والسهر على تنشئة البنين والبنات .
والتقليل من شأن هذه الوظيفة ؛ إما لقصور في الإدراك ، أو خيانة للأمة في أعز ما لديها ، وهو أفرادها .
وقد راعت الشريعة هذا الجانب ، وهيأت كافة الظروف للمرأة لتقوم بمهمتها ودورها الرئيس في بناء المجتمع ، فلم تطالبها بما طالبت به الرجال من الجمعة ، والجماعة ، والجهاد ، والجزية ، واستكمالا لمساهمتها ، وتمشيا مع أنوثتها أباح لها ما لم يبح للرجال ؛ من لبس الذهب والحرير ، ولباس الزينة . إنها أحكام مُرَاعى فيها التخفيف والتيسير ، تتمشى مع الضعف النسوي ، والطبيعة والوظيفة الأنثوية .
( رفع الحرج 203 ) .
فهل تبحثين عمن ينصفك ، ويرفع مكانتك أعظم من هذه الرفعة ؟!!










مفاهيم خاطئة :
1- إطلاق لفظ الغلو على طلب الكمال في العبادة دون مجاوزة الحد ، أي : دون إثقال على النفس إلى درجة الملل ، بل هو من الأمور المحمودة . إنما الممنوع : الإفراط المؤدي إلى الملال ، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل .
2- أن الحكم على العمل بأنه غلو باب خطير لا يقدر عليه إلا العلماء الذين يدركون حدود هذا العمل . وهم الذين تبحروا في علوم العقائد . وإطلاق الغلو على من التزم المحافظة على المشروع من التكاليف على وجه القصد دون إفراط أو تفريط بفقه وبصيرة .
وهذا الاتهام معصية ؛ لأنها تهمة تتضمن وصف الطاعة ، ووصف المعصية ، ويقتضي التنفير من الطاعة ، والحض على ضدها .
كمن يعتب مثلا على من تحرص على أمر ابنها بأداء الصلاة ، وكمن تصف المرأة بالغلو لأنها متحجبة ، وقد تصمها بالتخلف والتطرف .
( الغرياني / 14 ) .
وكمن يعتبر تحريم الغناء غلوا ( محمد الغزالي ) ترك اللحية على سجيتها ( الميداني ) ، وفي الحجاب واعتباره غلوا ( خالد محمد خالد ) .
النيل من العلماء الربانيين ، لمجرد أن يقولوا ما يخالف آراءهم ، ووصمهم
بأبشع الأوصاف ، وممن يجرئهم على ذلك أولئك الذين جعلوهم مصدرا
للتلقي .
3- إطلاق الغلو على من التزم رأيا فقهيا متشددا – من وجهة النظر المخالفة – والتزامه مبني على اجتهاد سائغ شرعا لمن بلغ درجة الاجتهاد ، أو تقليد لعالم شرع موثوق في دينه وعلمه لمن لم يبلغ . والصواب أنه لا يصح الوصف بالغلو لأخذ الشخص برأي يراه أسلم لدينه وأبرأ لذمته .
اللويحق 155

أما العلمانيون فيجعلون من الغلو :
1- تطبيق الشريعة في جميع مناحي الحياة .
ولذا تصدر بعض التعليمات في بعض البلاد الإسلامية تمنع لبس الحجاب ؛ باعتباره مظهرا دالا على الغلو والتطرف .
2- يعمد أعداء الدين إلى القول بأن الالتزام بالفرائض والمندوبات ، والتجافي عن المحرمات ، والورع عن المتشابهات ، أو دعوة الناس إلى شيء من ذلك من قبيل الغلو في الدين . وإن المسلم ليعجب أشد العجب من جرأة هؤلاء الظالمين على هذا . وما عسى أن يكون ذلك الاعتدال المنشود .
إن جماع الدين التزام الواجبات ، والكف عن المحرمات ، والورع عن المتشابهات ( الحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ) .
وإن الدعوة إلى ذلك هي الدعوة إلى الدين ، واتهام ذلك بالتطرف أو الغلو إنما هو اتهام للدين ذاته .













الأدلة على النهي عن الغلو :
في قول الله عز وجل : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) المائدة 77 . أي : لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق .

ومن السنة :
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وإياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) س / جه
( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ) حم ، وحسنه الألباني .
ابن سعد ( هلك المتنطعون ) ثلاثا ( م 2055 ) .
حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( إن هذا الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة ، وشيء من الدلجة ) . خ 31 .
وفي لفط : ( القصد القصد ؛ تبلغوا ) .
لا تتعمق في الأعمال الدينية ، وتترك الرفق فتعجز ، وتنقطع فتُغلَب ، والمطلوب القصد والتوسط في العبادة ، فلا يقصر فيما أمر به ، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه .
( إن الغلو إذن خروج عن المنهج ، وتعدٍّ للحد ، وعمل ما لم يأذن به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وإن عاقبته كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم : الهلاك ، وانقلاب الحال إلى استهتار ، وتفريط بعد الإفراط والتشدد .

حكم الغلو :
الغلو من المعاصي التي لا يستهان بها ، وإن بدت بعض صورها من المحقرات في أعين الناس . وقد كانت عاقبته شركا وكفرا حين ألهوا عيسى عليه السلام . والغلو كله مذموم ؛ قليله وكثيره ، ولذا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زاد في حجم حصى الجمار عن القدر المطلوب وقال : ( يا أيها الناس ، إياكم والغلو في الدين ) .

عوائق عن الإصلاح
1- من أسلحة الغالية :
رمي كل من يعارضهم بالحق ليردهم إليه بأنه معادٍ لمعتقدهم ، فإن كانوا من الغلاة في أولياء الله تعالى وكراماتهم رموا معارضيهم بأنه معادٍ للصالحين ، ولا يحب أولياء الله ، ولا يؤمن بالكرامات .
وإن كان من المتعصبة للمذاهب رُمِي بأنه معارض للأئمة منكر للمذابه ، ويدعونه ( وهابي ) .
ويمكن أن يرمي من يعارضه بأنه يرد الكتاب والسنة ، وأنه صاحب بدعة ، فيضطر البعض إلى مهادنتهم ، ومداهنتهم ، ومجانبة الصواب والإنصاف ، والعزوف عن تبين الحق إيثارا للسلامة من أذاهم ، فيفسح للباطل فتضرب جذوره وتنتشر فروعه .
2- مؤثرات على العالم والمفتي :
أ – تأثير العامة بمجاملتهم ، ومهادنتهم تحت اسم البدعة الحسنة .
واللعامة في استدراج أهل العلم بابان :
o إما بتعظيمهم ومدحهم ، وتشييخهم ؛ فيجرونهم بذلك إلى مجالسهم المشبوهة ليقروهم عليها .
o أو بالاستطالة عليهم بألسنتهم إن عارضوهم ، فيحدون من معارضتهم .
فتتخذ العامة ظهور العلماء جسورا على جهنم .
( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) آل عمران 187
ب _ تأثير الرأي العام والمنصب :
بالتنازلات ، وإصدار آراء وفتاوى غريبة في قضايا العصر ؛ مثل : قضايا المرأة وغيرها ؛ باسم التيسير ورفع الحرج . وهي مجاملة لأولئك ، وهم على طريق اليهود والنصارى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) البقرة 120
جـ - تأثير الإعلام :
بالاستفتاءات المباشرة التي يجيب عنها العالم في التو ؛ حتى لو كانت مسألة من القضايا الشائكة التي لا يستطيع الجواب عنها بمفرده ، وما كان هذا نهج أسلافنا من العلماء ، قال مالك رحمه الله : ( من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه – قبل أن يجيب – على الجنة والنار ، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ، ثم يجيب ) .
وقال أبو حصين الأسدي : ( إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر ) .
3- الاختلاف المذموم :
بين العلماء والدعاة والمصلحين ، ولا يسلم من الانتصار للنفس والتعصب للرأي ، ومغالبة الخصم ، وأنفة الرجوع إلى الحق ، ثم التشهير والتنكيل والتعيير والغمز المشين .
أين الإخلاص والعمل لله ابتداء ودواما ؟ فمن اجتاز القنطرة سهل عليه ترك ما لنفسه ؛ من أجل إصلاح غيره ، ولا يلقّاها إلا الصابرون .
د . الصادق / 177















العلاج
1- نشر عقيدة السلف ، وتحكيم الكتاب والسنة .
2- الإخلاص ، وتجريد المتابعة .
3- نشر العلم الشرعي ، والتفقه في الدين ، وهو جماع كل خير ، والتخفف من دعوى أن الحاجة الآن فقط للجانب الدعوي التوجيهي ، وتقويم السلوك دون حاجة إلى فقه أحكام الشريعة . ورسولنا صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الوضوء ، ويراقب صنعهم ويقول : ( ويل للأعقاب من النار ) . ويتعلم كبار التابعين من كبار الصحابة كيفية الوضوء عمليا .
4- طلب الحق وتحريه ، واتباع الدليل ، والالتزام به .
5- إحياء دور العلماء ، وتواصلهم مع الشباب ، والحرص على التلقي في طلب العلم ، وعدم الاقتصار على الكتاب . ( الشبكة ) .
6- محاورة الغلاة
7- توضيح الحقائق ، والتعامل مع المشكلة من جذورها . وبيان نوعي الغلو كليهما : غلو الإفراط ، وغلو التسيب والتفريط .
8- معالجة الغلو بشكليه : الإفراط والتفريط عند العلمانيين .
9- الحذر من الخلط بين التمسك بالدين ( الصحوة ) وبين الغلو ؛ فالغلو قليل الحجم ، ومن الظلم سحبه على لكثرة التي تمثل تيار الاعتدال .
( اللويحق / 215 ) ( عبود / 312 ) ( د . الصادق / 167 ) ( د . الحقيل / 38 ) .
* مما يعين على الوصول إلى الحق :
1- تقوى الله عز وجل (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) الأنفال / 28 .
2- الإخلاص والتجرد : الحرص على نجاة النفس بتربيتها على الإخلاص ، ومجانبة كل ما يفسد فطرتها ، ويؤثر على قصدها .
3- اللجوء إلى الله عز وجل ، والافتقار إليه .
4- تدبر الكتاب والسنة (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) .الإسراء 9 وتفسيرها في الأضواء 3/ 409 ، 457 .
5- اتباع سبيل السابقين الأولين .
6- الصحبة الطيبة .

اللهم لا تعذب يدا كتبت تريد نفي تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين عن دينك ، ولا لسانا أراد الذب والدفاع عن شريعتك ، ولا تحرمني إلهي ، خير ما عندك بشر ما عندي . اللهم وأرنا الحق حقا ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا ، وارزقنا اجتنابه ، ولا تجعله ملتبسا علينا فنضلّ .
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الوسطية في القرآن الكريم نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 20-05-2013 06:24 AM
الوسطية والاعتدال نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 20-05-2013 06:14 AM
عن الوسطية في الإسلام نور الإسلام خطب إسلامية 0 20-05-2013 06:13 AM
بحث عن الوسطية في الإسلام نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 20-05-2013 06:04 AM
طرد الرسام المتطاول على النبي الكريم من محاضرة بالسويد مزون الطيب أخبار منوعة 0 22-02-2012 06:37 PM


الساعة الآن 05:05 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22