صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

بحوث ندوة أثر القرآن الكريم في تحقيق الوسطية ودفع الغلو

حمل المرجع كاملاً من المرفقات ------------------------------- الكتاب : المؤلف : مجموعة من العلماء بحوث ندوة أثر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-05-2013 ~ 06:22 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي بحوث ندوة أثر القرآن الكريم في تحقيق الوسطية ودفع الغلو
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الوسطية

حمل المرجع كاملاً من المرفقات



-------------------------------




الكتاب :


المؤلف :
مجموعة من العلماء



بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو المحور الأول الوسطية والاعتدال في القرآن والسنة
مفهوم الوسطية والاعتدال
الدكتور / ناصر بن عبد الكريم العقل
أدلة الوسطية في القرآن والسنة
الدكتور / محمد بن عمر بازمول
مظاهر الوسطية في الإسلام
الدكتور / سليمان بن إبراهيم العايد
المحور الثاني دلالة القرآن على سماحة الإسلام ويسره
مفهوم السماحة واليسر في الكتاب والسنة وأدلتها
الدكتور / ناصر بن عبد الله الميمان
سماحة الإسلام في التعامل مع المخالف
الدكتور / حمزة بن حسين الفعر
سماحة الشريعة في التعامل مع الواقع للدول والأفراد
الدكتور / عبد الرحمن بن زيد الزنيدي
المحور الثالث الغلو : مظاهره وأسبابه
مفهوم الغلو في الكتاب والسنة
الدكتور / صالح بن غانم السدلان
مظاهر الغلو في الاعتقاد والعمل والحكم على الناس
الدكتور / عبد السلام بن برجس العبد الكريم
أسباب الغلو العلمية والمنهجية وعلاجها
الدكتور / عبد الرحمن بن معلا اللويحق
المحور الرابع استثمار تعليم القرآن في ترسيخ الوسطية ومعالجة الغلو
معالجة القرآن لظواهر الانحراف والغلو
الدكتور / إبراهيم بن سعيد الدوسري
________________________________________
أثر معلم القرآن في تربية طلابه على الاعتدال
الدكتور / عبد الله بن علي بصفر
مؤسسات تعليم القرآن الكريم وأثرها في نشر الوسطية
الدكتور / حمد بن موسى السهلي
________________________________________
المحور الأول الوسطية والاعتدال في القرآن والسنة مفهوم الوسطية والاعتدال
للدكتور
ناصر بن عبد الكريم العقل
الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وبعد :
فإن الله تعالى ميز هذه الأمة (أمة الإسلام) بالوسطية بين الأمم فقال سبحانه { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة : 143] ، والوسطية هنا تعني : العدل والخيار وسائر أنواع الفضل ، فهي أفضل الأمم .
ثم ميز الله أهل السنة والجماعة بالوسطية بين فرق المسلمين ، فقال صلى الله عليه وسلم « لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ . . . » الحديث .
فأهل السنة هم في جملتهم (العدول الخيار) أهل التوسط والاعتدال في كل أمور الدين : عقيدة وعلما وعملا وأخلاقا ومواقف . وسط بين الغلو والتقصير وبين التفريط والإفراط في سائر الأمور .
________________________________________
وسأتحدث في هذه المقالة عن مفهوم الوسطية والاعتدال في اللغة والاصطلاح ، وهو موضوع الفرع الأول من المحور الأول في ندوة ( أثر القرآن الكريم في تحقيق الوسطية ودفع الغلو ) .
مفهوم الوسطية والاعتدال :
أ - مفهوم الاعتدال : الاعتدال لغة : قال في القاموس المحيط : ( العدل : ضد الجور ، وما قام في النفس أنه مستقيم ) ، و( عدل الحكم تعديلا : أقامه ، و( عدل ) فلانا : زكّاه ، و( عدل ) الميزان ( سواه ) ، و( الاعتدال توسط حال بين حالين في كم أو كيف ، وكل ما تناسب فقد اعتدل ، وكل ما أقمته فقد عدَلته وعدّلته ) ، والعدول : هم الخيار .
وذكر في القاموس المحيط (1) : من معاني العدل والاعتدال : الحكم بالعدل ، والاستقامة ، والتقويم ، والتسوية ، والمماثلة ، والموازنة ، والتزكية ، والمساواة ، والإنصاف ، والتوسط .
أما اصطلاحا فالاعتدال : هو التزام المنهج العدل الأقوم ، والحق الذي هو وسط بين الغلو والتنطع ، وبين التفريط والتقصير ، فالاعتدال والاستقامة وسط بين طرفين هما : الإفراط والتفريط .
والاعتدال هو : الاستقامة والتزكية ، والتوسط والخيرية .
_________
(1) انظر : ( عدل ) ( 2 / 594 ) .
________________________________________
فالاعتدال يرادف الوسطية التي ميز الله بها هذه الأمة ، قال تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } .
وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا بقوله : ( والوسط : العدل ) (1) ، ومن معاني العدل والوسط : الخيار .
ولا يتحقق الاعتدال في الاعتقاد والعمل والعلم والدعوة وغيرهما إلا بالتزام الكتاب والسنة وسبيل المؤمنين .
ب - مفهوم الوسطية : الوسطية في اللغة : قال في المعجم الوسيط الصحيح :
( وسط ) الشيء - ( يسطه ) وسطا ، وسِطة : صار في وسطه ويقال : وسط القوم ، ووسط المكان . فهو واسط . و - القوم ، وفيهم وساطة : توسط بينهم بالحق والعدل .
( وسُط ) الرجل - ( يوسُط ) وساطة ، وسِطة : صار شريفا وحسيبا . فهو وسيط .
_________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، الحديث رقم (4487) .
________________________________________
( أوسط ) القومَ : صار في وسطهم .
( توسط ) فلان : أخذ الوسط بين الجيد والرديء . و - بينهم : وسط فيهم بالحق والعدل . و- الشيءَ : صار في وسطه . يقال : توسط القومَ .
( الأوسط ) : المعتدل من كل شيء ، وأوسط الشيء : ما بين طرفيه . وهو من أوسط قومه : من خيارهم .
( الوسَط ) وسط الشيء : ما بين طرفيه ، وهو منه . والمعتدل من كل شيء . يقال : شيء وسط : بين الجيد والرديء . وما يكتنفه أطرافه ولو من غير تساو . والعدل . والخير : ( يوصف به المفرد وغيره ) . وفي التنزيل العزيز : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } : عدولا أو خيارا . وهو من وسط قومه : من خيارهم .
والصلاة الوسطى : العصر ، لتوسطها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل ، وقيل الصلاة الوسطى : الفضلى ، وفسرها بعضهم بالجمعة . ( ج ) وُسَط .
(الوَسوط) : المتوسط . وبيت من بيوت الشَّعْر أكبر من المظلة وأصغر من الخباء أو هو أصغرها . ( ج ) وسط .
الوُسوط : وُسوط الشمس ، توسطها السماء .
________________________________________
( الوسيط ) : المتوسط بين المتخاصمين ، و- المتوسط بين المتبايعين أو المتعاملين . و- المعتدل بين شيئين . وهي وسيطة . ( ج ) وسطاء ، ويقال هو وسيط فيهم : أوسطهم نسبا وأرفعهم مجدا .
فالوسطية تأتي بمعنى : التوسط بين شيئين ، وبمعنى العدل ، والخيار ، والأجود ، والأفضل ، وما بين الجيد والرديء ، والمعتدل ، وبمعنى الحسب والشرف .
ونجد أهل السنة والسلف الصالح - بحمد الله - تحققت فيهم هذه المعاني الفاضلة ، كما سيأتي بيانه .
الوسطية في الشرع والاصطلاح : وردت الوسطية في القرآن الكريم في أكثر من آية وفي السنة في أكثر من حديث على المعاني التالية :
( 1 ) بمعنى العدل والخيرية والتوسط بين الإفراط والتفريط ، ومن ذلك قوله عز وجل { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } أي ، عدلا [ سورة البقرة - آية 143 ] . وبهذا المعنى فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري فقال : ( الوسط : العدل ) ( صحيح البخاري ك التفسير ح 4487 ) .
( 2 ) وفسرها ابن جرير الطبري ( 3 / 242 ) بمعنى التوسط بين الإفراط والتفريط .
( 3 ) وكذلك ابن كثير ( 1 / 275 ) فسرها : بالخيار الأجود .
________________________________________
( 4 ) وتأتي الوسطية في السنة كذلك بمعنى الأوسط والأعلى كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم الفردوس بأنه « أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ » - [ البخاري ك الجهاد ح 2790 ] .
( 5 ) ويأتي معنى الوسطية على اعتبار الشيء بين الجيد والرديء ، كما قال ابن عباس - في رواية عنه - « كَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا دُونًا ، وَبَعْضُهُمْ قُوتًا فِيهِ سَعَةٌ ، فَقَالَ اللَّهُ : { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } [ المائدة : 89 ] . الْخُبْزِ وَالزَّيْتِ » .
( 6 ) وفسر بعضهم : ( أوسط ) في الآية بأنه : الأعدل والأمثل ، فتكون الآية على هذا التفسير مندرجة تحت المعنى الأول الذي هو ( العدالة والخيار والأجود ) .
( 7 ) كما تأتي الوسطية بمعنى : ما بين طرفي الشيء وحافتيه .
ومن ذلك قوله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } [ البقرة : 238 ] ، والصلاة الوسطى صلاة العصر ، وسميت الوسطى ؛ لأن قبلها صلاتين ، على اختلاف في تحديد أي الصلوات هي (1) .
_________
(1) ( ابن كثير 1 / 291 ) .
________________________________________
ومن ذلك ما جاء في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَنَّهُ خَطَّ خَطًّا مُرَبَّعًا ، وَخَطًّا وَسَطَ الْخَطِّ الْمُرَبَّعِ ، وَخُطُوطًا إِلَى جَانِبِ الْخَطِّ الَّذِي وَسَطَ الْخَطِّ الْمُرَبَّعِ ، وَخَطًّا خَارِجًا مِنَ الْخَطِّ الْمُرَبَّعِ ، وَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : هَذَا الْإِنْسَانُ الْخَطُّ الْأَوْسَطُ ، وَهَذِهِ الْخُطُوطُ إِلَى جَانِبِهِ الْأَعْرَاضُ تَنْهَشُهُ » (1) .
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « وَسِّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ » (2) .
( 8 ) وتأتي الوسطية بمعنى التوسط الظرفي . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « لَعَنَ اللَّهُ مَنْ جَلَسَ وَسَطَ الْحَلْقَةِ » (3) ، ضعفه الألباني : ضعيف سنن أبي داود ( 393 ) .
وتأتي الوسطية مقابل :
الغلو : وهو مجاوزة الحد . قال تعالى : { لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ } [ النساء : 171 ، المائدة : 77 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : « إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ » .
_________
(1) ( ابن ماجه ح 4231 ) .
(2) ( أبو داود ح 681 ) .
(3) ( أبو داود ح 4886 ) .
________________________________________
- والإفراط : وهو بمعنى الغلو ، وهو تجاوز القدر في الأمور .
- والتفريط : وهو بمعنى التقصير .
فمنهج أهل السنة وسط في ذلك بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة .
- والجفاء : خلاف البر والصلة . قال صلى الله عليه وسلم في حق القرآن : « وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ » . أي : لا تنقطعوا عن تلاوته .
فأهل السنة وسط بين جفاء الأعراب ، وتقعر العجم .
- والظلم : وهو مجاوزة الحق . ولذلك سمى الله الشرك ظلما { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] .
فأهل السنة هم الوسط في العدل والإنصاف . وعليه ؛ فالوسطية ، والاعتدال معنيان مترادفان في المفهوم اللغوي ، والشرعي الاصطلاحي ، فهما : العدل والاستقامة والخيرية والاعتدال والقصد والفضل والجودة .
فالاعتدال والوسطية منهج الحق ومنهج الأنبياء وأتباعهم ، ويتمثل ذلك بالإسلام بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وبالسنة ، ومنهج السلف بعد ظهور الأهواء والافتراق ، فأهل السنة والجماعة هم العدول الأخيار في العقيدة والعبادة والأخلاق والمواقف .
________________________________________
هذا ، ونسأل الله أن يجعلنا من أهل الحق والعدل والاستقامة ، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى ، ويقيهم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والله حسبنا ونعم الوكيل .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
________________________________________
المحور الأول الوسطية والاعتدال في القرآن والسنة أدلة الوسطية في القرآن والسنة
للدكتور
محمد بن عمر بازمول
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102 ] .
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [ النساء : 1 ] .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا }{ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [ الأحزاب : 70- 71 ] .
أما بعد :
________________________________________
فإن أصدق الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد : فهذه ورقات أفردتها في تقرير بعض من أدلة الوسطية من القرآن العظيم والسنة النبوية ، أتقدم بها في ندوة " أثر القرآن الكريم في تحقيق الوسطية ودفع الغلو " ، التي ستنعقد في مكة المكرمة ، ضمن فعاليات مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته ، وتفسيره في 3 - 11 / 8 / 1424 هـ .
سائلا الله المزيد من التوفيق والهدى والرشاد للقائمين على هذه الندوة ، وأن يجعل سبحانه وتعالى جهودهم في موازين حسناتهم ، إنه سميع مجيب .
________________________________________
مدخل
الإسلام وسط بين الأديان
من خصائص الإسلام الوسطية والتوازن (1) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 728 هـ ) رحمه الله : " قد خص الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بخصائص ميزه الله بها على جميع الأنبياء والمرسلين ، وجعل له شرعة ومنهاجا أفضل شرعة ، وأكمل منهاج مبين .
كما جعل أمته خير أمة أخرجت للناس ؛ فهم يوفون سبعين أمة هم خيرها ، وأكرمها على الله من جميع الأجناس .
هداهم الله بكتابه ورسوله لما اختلفوا فيه من الحق قبلهم . وجعلهم وسطا عدلا خيارا ؛ فهم وسط في توحيد الله وأسمائه وصفاته ، وفي الإيمان برسله ، وكتبه ، وشرائع دينه من الأمر والنهي والحلال والحرام .
فأمرهم بالمعروف ، ونهاهم عن المنكر ، وأحل لهم الطيبات ، وحرم عليهم الخبائث ، لم يحرم عليهم شيئا من الطيبات كما حرم على اليهود ، ولم يحل لهم شيئا من الخبائث كما استحلتها النصارى .
_________
(1) انظر : الإسلام مقاصده وخصائصه / د . محمد العقلة / ص 50 .
________________________________________
ولم يضيق عليهم باب الطهارة والنجاسة كما ضيق على اليهود ، ولم يرفع عنهم طهارة الحدث والخبث كما رفعته النصارى ، فلا يوجبون الطهارة من الجنابة ، ولا الوضوء للصلاة ، ولا اجتناب النجاسة في الصلاة ، بل يعد كثير من عبادهم مباشرة النجاسات من أنواع القرب والطاعات ، حتى يقال في فضائل الراهب : " له أربعون سنة ما مس الماء " ! ولهذا تركوا الختان ، مع أنه شرع إبراهيم الخليل عليه السلام وأتباعه .
واليهود إذا حاضت المرأة عندهم ، لا يؤاكلونها ولا يشاربونها ، ولا يقعدون معها في بيت واحد ، والنصارى لا يحرمون وطء الحائض ، وكان اليهود لا يرون إزالة النجاسة ، بل إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه بالمقراض ، والنصارى ليس عندهم شيء نجس يحرم أكله ، أو تحرم الصلاة معه .
وكذلك المسلمون وسط في الشريعة فلم يجحدوا شرعه الناسخ لأجل شرعه المنسوخ ، كما فعلت اليهود . ولا غيروا شيئا من شرعه المحكم ولا ابتدعوا شرعا لم يأذن به الله ، كما فعلت النصارى .
ولا غلوا في الأنبياء والصالحين كغلو النصارى ، ولا بخسوهم حقوقهم كفعل اليهود .
________________________________________
ولا جعلوا الخالق سبحانه متصفا بخصائص المخلوق ، ونقائصه ، ومعايبه من الفقر والبخل والعجز كفعل اليهود ، ولا المخلوق متصفا بخصائص الخالق سبحانه التي ليس كمثله فيها شيء كفعل النصارى .
ولم يستكبروا عن عبادته كفعل اليهود .
ولا أشركوا بعبادته أحدا كفعل النصارى .
وأهل السنة والجماعة في الإسلام كأهل الإسلام في أهل الملل ، فهم وسط في باب صفات الله عز وجل بين أهل الجحد والتعطيل ، وبين أهل التشبيه والتمثيل ، يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسله من غير تعطيل ولا تمثيل ، إثباتا لصفات الكمال ، وتنزيها له عن أن يكون له فيها أنداد وأمثال ، إثبات بلا تمثيل ، وتنزيه بلا تعطيل ، كما قال تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] رد على الممثلة ، { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] رد على المعطلة .
وقال تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }{ اللَّهُ الصَّمَدُ }{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 - 4 ] .
فالصمد : السيد المستوجب لصفات الكمال .
والأحد : الذي ليس له كفو ولا مثال .
________________________________________
وهم وسط في باب أفعال الله عز وجل بين المعتزلة المكذبين للقدر ، والجبرية النافين لحكمة الله ورحمته وعدله ، والمعارضين بالقدر أمر الله ونهيه وثوابه وعقابه .
وفي باب الوعد والوعيد ، بين الوعيدية الذين يقولون بتخليد عصاة المسلمين في النار ، وبين المرجئة الذين يجحدون بعض الوعيد وما فضل الله به الأبرار على الفجار .
وهم وسط في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الغالي في بعضهم الذي يقول فيه بإلهية أو نبوة أو عصمة ، والجافي فيهم الذي يكفر بعضهم أو يفسقه وهم خيار هذه الأمة " اهـ (1) .
وقال - رحمه الله - : " وكذلك في سائر أبواب السنة ، هم وسط ؛ لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان " اهـ (2) .
_________
(1) الجواب الصحيح ( 1 / 6 - 8 ) .
(2) مجموع الفتاوى ( 3 / 375) .
________________________________________
أدلة الوسطية
من القرآن العظيم والسنة النبوية
الأدلة على وسطية أمة الإسلام فلا إفراط ولا تفريط ، لا غلو ولا جفاء ، كثيرة من القرآن العظيم ، والسنة النبوية ، أذكر منها الأدلة التالية :
أولا : الأدلة من القرآن العظيم ( 1 ) قول الله تبارك وتعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [ الفاتحة : 6 - 7 ] .
________________________________________
ووجه دلالة الآية : أنه سبحانه وصف الصراط المستقيم بأنه غير صراط المغضوب عليهم ، وهم اليهود أهل الغلو في الدين ، وغير صراط النصارى ، وهم أهل الغلو في الرهبانية والتعبد ، حتى خرجوا عن حدود الشرع ، ليس فقط في العبادة بل حتى في الاعتقاد ، يقول تبارك وتعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا } ( النساء : 171 ) .
فإذا كان الصراط المستقيم غير صراط اليهود والنصارى ، وكان صراط اليهود والنصارى صراط غلو في الدين ، دل ذلك على أن الصراط المستقيم صراط لا غلو فيه ، فهو بين طرفين : إفراط وتفريط ، وهذا هو معنى الوسطية التي هي منهاج الدين الإسلامي .
المصدر: طريق الخلاص


الملفات المرفقة
نوع الملف: doc E6.doc (1.00 ميجابايت, المشاهدات 1)
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوسطية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خطبة حول القرآن الكريم نور الإسلام خطب إسلامية 0 02-04-2014 07:21 AM
الوسطية في القرآن الكريم نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 20-05-2013 06:24 AM
الوسطية في ضوء القرآن الكريم (للشيخ ناصر العمر) نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 20-05-2013 05:59 AM
خمسة من معجزات القرآن الكريم نور الإسلام هدي الإسلام 0 11-01-2012 09:21 PM
ادعية في القرآن الكريم نور الإسلام هدي الإسلام 0 11-01-2012 08:36 PM


الساعة الآن 07:39 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22