صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > المقالات

أبو الدرداء وتجربة 10 سنوات معايشة فريدة في ولاية الولي السفيه .. الحلقة التاسعة

أبو الدرداء وتجربة 10 سنوات معايشة فريدة في ولاية الولي السفيه.. وما لا تعرفه عن وضع (السنة) بإيران وشواهد من قلب الواقع الايراني المنافق.!؟- الحلقة التاسعة كنت قد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-06-2014 ~ 06:38 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي أبو الدرداء وتجربة 10 سنوات معايشة فريدة في ولاية الولي السفيه .. الحلقة التاسعة
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


معايشة, التاسعة, الحلقة, الدرداء, السفيه, الولي, سنوات, فريدة, ولاية, وتجربة

أبو الدرداء وتجربة 10 سنوات معايشة فريدة في ولاية الولي السفيه .. الحلقة التاسعة iran0.jpg


أبو الدرداء وتجربة 10 سنوات معايشة فريدة في ولاية الولي السفيه.. وما لا تعرفه عن وضع (السنة) بإيران وشواهد من قلب الواقع الايراني المنافق.!؟- الحلقة التاسعة





كنت قد وعدت في إحدى حلقات هذه السلسلة بإفراد حلقة خاصة عن معاناة أهل السنة والجماعة في إيران، ولا أخفي سراً عن مدى حيرتي في أي الوقائع أكتب وماذا يمكن أسرد ، فمقولة أن "خير الكلام ما قل ودل" تكون هنا في حالة من الشذوذ عن تلك القاعدة ليكون "خير الحديث ما كثر وتشعَب"، فمعاناة أهل السنة والجماعة في إيران قد لا تحيط بأبعادها كتب ولا مجلدات.
والسؤال المطروح.. لماذا يعامل الفرس الصفويون أهل السنة والجماعة في إيران بهذه القسوة والوحشية رغم أنهم ينتسبون مع الملايين منهم إلى نفس القومية الفارسية.! وتجمعهم الكثير من الروابط التي يُفترض أن تكون بينهم مدعاة للأخوة والمحبة، مثل روابط الوطن الواحد والدم واللغة والأرض والتقاليد وغيرها الكثير؟!، بينما يتمتع غيرهم من اليهود والنصارى بكامل الحريات والإمتيازات التي قد لا يجدونها في البلدان التي تدين بشكل رسمي بتلك الأديان والمعتقدات!.
ألا يكفي الإيمان بالله ورسوله {صلى الله عليه وسلم} كما يدعي الصفويون كفيلاً بأن يكون حائلاً أمام النيل من أُناس يؤمنون بذات الإله وذات الرسول ؟!، ألا يمكن أن يكون ذلك الإيمان وازعاً للحد من هذا الكم الهائل من الحقد والكراهية تجاه أهل السنة لدرجة تصل بكل بساطة إلى القتل والتمثيل وإستحلال الأموال والحرمات.!؟.
الحقيقة هي أن الفرس الصفويون يعتبرون أن أهل السنة والجماعة في إيران سواء كانوا من الفرس أو من غيرهم بأنهم يدينون بدين أعدائهم الذين هم العرب، ويوقَرون نبيهم {صلى الله عليه وسلم} والكتاب الذي أنزله الله عليه، ويودَون صحابته {رضي الله عنهم} ويتبعون هديه وسنته، ويحبون قادة المسلمين الذين نكأوا دولة الفرس وأطفأوا نارهم التي يعتبرونها "رمزاً لوجودهم القومي وديناً تتوق إليه نفوسهم ويجري في أرواحهم مجرى الدم في الشرايين والأوردة، فهم "أهل السنة والجماعة" يدينون بهذا الدين الذي حطم العرب من خلاله إمبراطوريتهم وأطفأوا نارهم وإلى الأبد.
إن صراع الفرس المجوس مع العرب هو صراع قومي بكل معنى الكلمة، وهم لا يعتبرون دخول الإسلام إلى بلادهم فتحاً من الله تعالى لهدايتهم إلى نور الإيمان وإنما يعتبرونه هزيمة منكرة لهم من قبل أمة العرب وعار عليهم كأمة فارسية وإلى الأبد.
ولمَا لم يكن بحال من الأحوال مواجهة هذه الهزيمة التي تعشعش في نفوسهم جيلاً بعد جيل ونظاماً بعد نظام بشعار "النار المقدسة"، أو تبنَي المنطلق القومي الفارسي الصرف تجاه العرب، والذي لا يمكن من خلاله إحداث ثغرة للولوج إلى جسد هذا الدين الذي إختصت السماء به العرب بحمل رسالته إلى سائر الأمم والشعوب. فكان لابد من طرق أخرى للمواجهة، فلم تجد العقلية المجوسية، مرغمة أوبإختيارها أفضل من محاربة الدين بالعمامة، بطريقة أقرب ما تكون إلى المعنى الذي يتضمنه البيت الشعري: "لكل شيء آفة من جنسه.. حتى الحديد سطى عليه المبردُ"، فكانت هذه الصفوية التي أتخذها الفرس محاولة لتحطيم الإسلام من داخله، ووسيلة في مواجهة العرب والمسلمين والثأر لهزيمتهم التأريخية.

وتتمحور منهجية الصفويين للنيل من الإسلام ما أمكنهم ذلك في عدة محاور، وأهم تلك المحاور هي:
أولاً: إبتداع مفهوم "الإمامة والولاية" بإعتبارها سر الإسلام الذي "تداوله الأئمة" وهم مُطاردون من قبل قادة المسلمين بحيث لم يُتح لهم الحكم به، ولا يزال هذا السر "الإسلام" خافياً مع "الإمام الثاني عشر"، وكل ذلك من أجل التعتيم على رسالة الإسلام وحصر دورها في التبليغ عن "الإمامة"، وبذلك يكون الإسلام قد نُفي تماماً من الوجود.
ثانياً: إختصار الإسلام كفكر وعقيدة ودين بواقعة كربلاء الشهيرة وإلقاء تبعاتها وجريرتها على صحابة رسول الله {صلى الله عليه وآله وصحبه} والذين إتبعوا سنته من بعدهم إلى يومنا هذا، وإختلاق فرية "المؤامرة" المزعومة على "الإمامة"، وكل ذلك للطعن في سنة النبي وصحابته الكرام {صلى الله عليه وعليهم أجمعين}.
ثالثاً: تبني مفهوم "المظلومية" لآل البيت للطعن والتشكيك في منهجية الإسلام بإعتبارها المسؤولة عن تلك "المظلوميات".
رابعاً: تحويل الإسلام من فكر وعقيدة إلى تجسيده وإختصاره في أشخاص من ذرية الإمام الحسين {رضي الله عنه} من إبنة كسرى "حصراً" وإختلاق شخصية وهمية "الإمام الغائب" بعروق فارسية كبديل عن نبوة محمد {صلى الله عليه وسلم} التي خرجت من رحم عربي.
خامساً: من خلال جعل الدين والعلم به حصراً في أولائك "الأئمة" فقد أوجد الفرس لأنفسهم هالة من القدسية "والمعرفة اللاهوتية" يإعتبارهم من نفس العرق الذي منه "إبنة كسرى"، وهكذا خرجت مسميات "آية الله وحجة الله وحجة الإسلام وثقة الإسلام" وغيرها الكثير، ليكون لمعممي الفرس الصفويون "إطار" زائف يمكنهم من خلاله العبث في نسيج الإسلام، ولكنهم في الحقيقة كالخفافيش التي لا تعيش سوى في الظلام، فلا يمكن للإفتراءات والخرافات أن تحيا في عقول واعية ومتعلمة، فحيثما يكون الجهل يكون المعممون، حيث لن يكون هنالك غير الذين لا يعرفون سوى عبارة "أللهم صل على محمد وآل محمد".
إن النتيجة التي وصل إليها الفرس في تغييب عقول البعض ممن يُحسبون على المسلمين ليست وليدة اليوم أو الساعة ولكنها نتيجة مكر ودهاء شديدين لقرون عديدة من الزمن، فهم يشتغلون على نار هادئة،رغم أن النار التي تصطلي في نفوسهم حنقاً على العرب والمسلمين لا يعلم أوارها إلا الله.
عندما قال الإمام علي {رضي الله عنه}: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته" فلا غرو أن الفقر الذي ذهب إليه الإمام هو ليس فقر المال والطعام فحسب، فالإنسان قد ميزه الله تعالى عن سائر المخلوقات بهذا العقل الذي يقول سبحانه في الحديث القدسي مخاطباً هذا العقل: {بك أعاقب وبك أُثيب}، فالذي يُزري ويحط من قدر الإنسان ويقرَبه إلى مرتبة البهائم ليس الفقر للطعام والشراب وإنما الفقر إلى العلم والمعرفة، فالأرزاق قد قدَرها الله تعالى لكل المخلوقات، جليلها وحقيرها، مؤمنها وكافرها، {وما من دابة في الأرض إلاَ على الله رزقها}، والرزق تطلبه ويطلبك "نهج البلاغة للإمام علي رضي الله عنه" ولكن العلم تطلبه ولا يطلبك، والشقي من رضي بالجهالة وأقفل على قلبه وعقله كل منافذ النور والعلم والمعرفة وأعار عقله لمن لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، دون أن يكون له رأي أو مراجعة مع الذات. أليس الجهل بالدين هو الذي يودي إلى جهنم وعذاب السعير؟.
كنت مرة أحضر "مناسبة دينية" في مدينة "مشهد" الإيرانية فدار حديث بيني وبين أحد الحضور، فكان مما تردد في الحديث "فضيلة حفظ أسماء الله الحسنى والعمل بها" وما إلى ذلك من مدعاة الأجر والثواب كما أخبر عن ذلك رسول الله {صلى الله عليه وسلم}، فما كان من أحد الحاضرين إلا أن أخذ يعدد "أسماء الأئمة الإثني عشر" ويقف مشدداً بشيء من الإنفعال على كناهم كالصادق والباقر والرضا والعسكري والكاظم والجواد وغيرهم، فلفت إنتباهي إلى أن هذه الأسماء إنما وُضعت نكاية بأسماء الله الحسنى، الله....إله العرب.
كنا قد أتفقنا أنا وبعض الأصدقاء بعد أن ضاقت بنا السبل قد فكرنا في الهروب من إيران المجوس إلى دولة باكستان المجاورة إنطلاقاً من مدينة "زاهدان القريبة إلى الحدود، وهي محاولة من عدة محاولات بائت جميعها بالفشل، ولكن المنفعة التي أتت بها هي الإطلاع والمعرفة بواقع إيران بعيداً عن الإعلام المضلل. ورغم شدة القلق من تبعات فشل مثل هذه المحاولة إلاَ أننا قد شجعنا عليها قلة المال الذي طلبه أحدهم وقد إدعى بأنه يعرف أحد "المهربين" معرفة شخصية، وقد قيل لنا من بعض معارفه هناك بأنه مسافر ولا يعلمون متى يعود، فأصر البعض على الإنتظار بضعة أيام بعد أن قطعنا كل ذلك الطريق وأصابنا ما أصابنا من التعب والخوف والقلق لعلنا نبلغ الهدف من مجيئنا ونتمكن من الإفلات من هذا السجن الكبير الذي لا يعرف سجانوه شيئاً إسمه "الضمير أو العدل أو الرحمة أو الإنسانية".
. كان وصولنا إلى مدينة زاهدان "عاصمة إقليم بلوشستان" وقت العصر، والتي قيل لنا أننا سنعبر منها إلى مدينة "كويته" الباكستانية في الطرف الآخر من الحدود بعد أن قطع بنا الباص من مدينة طهران أكثر من نهارين وليلة "على ما أذكر" وكانت رحلة مليئة بالتعب والأرهاق والحر الشديد، كما أن "أوراقنا الشخصية "والتي يسمونها مدارك والواحد منها مدرك" ليس لها إعتبار كاف عند رجال الأمن ونقاط التفتيش، فكانت حيرتنا في كيفية العودة أكبر وأشد وقد أُضيفت لها بوادر خيبة الأمل،. ففكرنا أن نذهب إلى أحد "المساجد" وقت صلاة المغرب، وقد كنت في قرارة نفسي "وأعتقد أن الآخرين كذلك" أشعر بأن هدفنا من الذهاب إلى المسجد ليس خالصاً من أجل إقامة الصلاة وإنما للشعور بالإطمئنان والإحتماء قليلاً من تعرَض عشرات العساكر الذين يجوبون المدينة، والدعاء إلى الله تعالى أن يرجعنا سالمين.
قال أحدنا بأنه يعرف مسجداً أو مكاناً يصلي فيه الناس قريباً من حيث كنا واقفين وقد شارفت الشمس على المغيب، ويبدو أنه لم يكن يعرف إن كان المسجد لأهل السنة أم الشيعة أو أنه مسجداً أم حسينية، كما أننا لم يكن يهمنا إلاَ أن نجد مكاناً نتوارى فيه عن أنظار قوات الأمن الذين كأنهم في حالة إستنفار دائم، ويلوحون بهراواتهم "الإسلامية" وكأنها تبحث عن ضحية ليقيمون عليها "تمريناً" في كيفية "تطبيق الشريعة" على الطريقة الإيرانية.
دخلنا "المسجد" لحظة آذان الإقامة فكان المصلون كلهم : متكتفون" فأنزوينا في أحد أركانه، وتشاغلنا حتى يمضي بعض الوقت المفروض مخالفته مع وقت أهل السنَة. أخرجت "تربتي" من جيبي ووضعتها أمامي، ووضع بعضنا "ورقة" حتى يسجد عليها حيث لم تكن معه "تربة" حسب "تعاليم المذهب". كان يدور في ذهني لحظة أنهيت الصلاة سؤالٌ هو: لماذا لم يأخذنا صاحبنا إلى المسجد كما قال بدل أن يأتي بنا إلى هذه القاعة؟. تصورت أن المكان قاعة "وفَرتها" بلدية المدينة للوافدين والمسافرين والمنقطع بهم لينالوا شيئاً من الراحة أو تناول الطعام أو يقيمون الصلاة أو شيء من هذا القبيل، وأعتقدت أن الصدفة وحدها هي التي جمعت هؤلاء المصلين ليقيموا صلاة الجماعة بهذا العدد الكبير، فليس في هذه البناية أي معلم يدل على أنها مسجداً، فحتى المحراب قد رُسم رسماً على شكل قوس، ولا يوجد على الجدران أي ذكر لأسماء الصحابة {رضي الله عنهم} كما هو معروف في مساجد أهل السنة، كما لم تكن فيه الصور أو الأسماء والعبارات التي توجد عادة في "الحسينيات" بل لم تكن لهذا "المسجد" مئذنة!؟
نعم.. إنه مسجد بلا مئذنة!، ورجال الأمن من "البسيج والباسدران" وغيرهم حريصون على أن يتجمعون أمام مساجد السنة ومصلَياتهم في كل صلاة من أجل الإستفزاز وتعكير الجو الإيماني على المصلين أو إعتقال أحدهم بشكل عشوائي لزرع الخوف في قلوبهم وإرهابهم.!؟

وقفت أمام عيني من دون إستحظار مني صورة الورقة النقدية الإيرانية من فئة خمسمئة ريال حيث رُسمت فيها صورة "لصلاة جمعة طهران" ، حيث يقف في الصورة رجال "متكتفون" من أهل السنة إلى جانب (إخوانهم) من الشيعة، وتذكرت عندما كنا في العراق أيام الحرب وقد حصل أخي على مثل هذه الورقة النقدية [500 ريال] في إحدى جبهات القتال، فكنا نعتبرها إحدى "مظاهر الجمهورية" التي لحست عقولنا بماكينتها الإعلامية وساعدها الخواء المعرفي بحقيقة الفرس، والنشأة التي تربينا عليها في إطار "المذهب" رغم أن الإعلام العراقي قد إجتهد كثيراً في التعريف بحقيقة الفرس ولكن ذلك كان ضمن المجال الإعلامي الذي تفرضه متطلبات إحراز النصر على العدو، ولكنه لم يكن قبل ذلك بأدنى مستوى مطلوب والعراق والعرب والمسلمون جميعاً أمام هذا الخطر المستدام وهو بهذا الحجم وهذا المستوى من تهديد أمن ومستقبل الأمة، فكانت قضية فلسطين "على أهميتها" تأخذ الحيز الأكبر في توجيه الجماهير إلى معرفة خطر الصهاينة بينما لم تُعط للخطر الداهم من جهة الشرق حتى نسبة الواحد إلى العشرة من التركيز على "الغرب والإمبريالية"، تماماً مثل ما يحصل الآن في كل الدول العربية والإسلامية، بينما لم يُحدث الخطر الغربي والصهيوني "على كبره" ما يساوي واحد إلى عشرة مما أحدثه ويحدثه الخطر الفارسي المجوسي في كيان الأمة العربية والإسلامية، ولا يفتأ يهدد وجودها وكيانها على الدوام.
عود على حكايتنا في مدينة "زاهدان" فما أن خرجنا من "المسجد" حتى دلفنا إلى أقرب فندق، وكانت معاملة صاحب الفندق مما لا تُنسى من حيث الأخلاق والكرم وحسن الضيافة، وبخاصة عندما علم بأننا غرباء ومن مدينة "الأحواز".
وفي أول الصباح التالي فقد خطرت لأحدنا فكرة أن نستبدل ملابسنا بملابس تشبه ملابس السكان حتى نبدو كغيرنا من المواطنين، كانت أزياء المدينة تشبه الأزياء الهندية أو الباكستانية إلى حد بعيد، وكم أشعرتنا تلك الملابس بالإرتياح عندما رأينا أن الأعين لم تعد تلتفت إلينا كثيراً حيث كنا بالقمصان والسراويل.
تشجعنا أن ندور قليلاً خارج مركز المدينة لتمضية الوقت علَنا نقابل آخر النهار ذلك الشخص الذي سيقوم بتهريبنا إلى باكستان، فكنا كلما نبتعد عن مركز "زاهدان" فقد كنت أشعر بأننا نقترب شيئاً فشيئاً إلى العصر الحجري أو العصر الطيني.
لقد ساورني شعور فطري، بعيداً عن إستحضار آيات الوعيد بأن الإنسان لابد أن يُحاسب على ظلمه من لدن خالق هذا الوجود، فمعاناة الناس هناك وطريقة معيشتهم من أشد ما عانته المجتمعات البشرية حسب ما يحدَثنا التأريخ، فيال شقاء أولائك الناس االبائسين، شيوخاً وعجائز، أطفال وصبيان، وهم يقطنون في بيوت تشبه المغارات، يبنونها بأيديهم من كتل الأحجار والطين ويسقفونها بألواح الأشجار أو قطع الصفيح، وهم بتلك الأسمال البالية والشعور الشعثاء المغبرة والأسنان التي أكلها السوس. العديد من الأطفال من هم دون سن العاشرة يكَدون ويكدحون وهم يمتهنون مهناً لا توجد إلاَ في أشد الدول فقراَ، ولكنها تعتبر مهناً تقليدية في ذلك الإقليم كصباغة الأحذية حيث يحمل الصبيان عدَتهم على أكتافهم أو يبيعون السكائر في صناديق يحملونها أمام صدورهم، ومنهم من لم يستطع أن "يتاجر" إلاَ في علبة دخان واحدة يدور بها في الشوارع ويبيعها "بالمفرق" على المارَة ليكسب من ورائها بضعة تومانات. والبعض راح يحمل سطلاً "جردلاً" وقطعة قماش ليقوم بمسح الزجاج الأمامي لبعض الدكاين أو السيارات، والبعض راح يبحث في أماكن رمي النفايات عن مواد بلاستيكية أو معدنية حيث هناك من يشتريها ويبيعها إلى معامل تعيد تصنيعها من جديد.
إن هذه الصورة هي أبسط مثال لحال أهل السنة في إيران في المحافظات التي يشكلون الإغلبية فيها، ولا يختلف الحال في المحافظات التي يشكلون فيها أقلية من حيث الجور والظلم والتمييز والإظطهاد.
لقد كنت أعتقد في السنوات الأولى في إيران بأن أهل السنة والجماعة لا يشكَلون هناك سوى بضع مئات أو آلاف من السكان، فليس لهم صوت حتى في المناطق التي يشكلون فيها الأغلبية، وقد فوجئت بحقيقة أنهم يشكلون نسبة 30 % من مجموع السكان، كما أن الفرس كقومية لا يشكلون أكثر من 40% من عموم سكان إيران، ومع ذلك فليس من أهل السنَة أي أحد يشغل منصباً ذو شأن في جمهورية الملالي "كمجلس الخبراء" أو "مجلس صيانة الدستور" أو الوزارات أو المؤسسات أو المديريات حتى في المناطق ذات الأغلبية السنية، ومنعهم من تلك المناصب يكون وفق "قوانين الجمهورية" ومثبت في "الدستور".
حتى الأذان لا يُسمح برفعه في مناطقهم عبر الإذاعات بصوت سني، كما أنهم "السنة" ليست لهم إذاعة أو قناة تلفزيونية مستقلة، وليست لهم مؤسسات ثقافية أو مطابع أو دور للنشر، وليست لهم حتى مجلة أو صحيفة، والكتب التي تأتيهم من خارج إيران فإنها تخظع لمراجعة لجنة خاصة في ما تسمى "وزارة الإرشاد الإسلامي". ومن الكتب ما يُعاقب من تكون في حوزته، ويُمنع تداولها منعاً باتاً وخاصة كتب إبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب {يرحمهما الله}.
كما أن الإعدامات بحق علماء وعامة أهل السنة في إيران مستمرة وبشكل منظم، والتهم التي تُوجه إليهم جاهزة، وأبسطها ما يسمونها "الحرابة".
إن الذين أطلقوا تسمية "الوهابية" بين أتباعهم في العالم العربي والإسلامي هم الفرس الصفويون، وهم الذين قرنوا في عقولهم وأذهانهم مرادفات من المعاني والمشاعر السيئة لكل ما يمت للإسلام الحنيف بصلة، فمفردات السنة، السلف، الصحابة، أمهات المؤمنين، الخلفاء، أمراء المؤمنين، الصحاح، الفتوحات، الرواة، المبشَرون، فإنها يقابلها في أذهانهم ونفوسهم المريضة أقبح المعاني وأسوأ الصور.
أتذكر أنه كانت تقام في طهران كل سنة "مسابقة القرآن الكريم" تنظمها ما تسمى "وزارة الثقافة والإرشاد" ويدعون إليها العديد من القرَاء السنة من مختلف الأقطار العربية والإسلامية وخاصة من مصر، ولكنهم يمنعون في الوقت نفسه منعاً باتاً أي متسابق من أهل السنة في إيران للمشاركة. ولقد حضرت مرة إحدى هذه المسابقات حيث كان يحضرها كل سنة المقريء المعروف أبو العينين الشعيشع، وقد كان الصخب والتهكَم من قبل الحضور يزداد عندما يقرأ غير الإيرانيين، فيصيحون بطريقة قبيحة ويرددون كلمة {الله} التي تُقال عاد على سبيل الإستحسان، ولكنهم يرددونها وراء كل كلمة وحرف ينطقه المقريء وبطريقة خالية من التأدب والحشمة والوقار، ويمكن مشاهدتها على موقع "اليوتيوب" في الحفلات التي كانت تُقام في طهران وخاصة للمقريء "أبو العينين الشعيشع"، بينما يسود الهدوء عندما يقرأ الإيرانيون، و"يحسَنون" لهم بمنتهى "الأدب" والتوقير والإحترام.
إن الأيرانيين الصفويين يتعلمون تجويد القرآن ليس حباً به ولكن لمظاهات العرب والتفاضل عليهم، ولو لم يكن الأمر كذلك لسمحوا للقرَاء السنة بالظهور وفيهم قرَاء مجيدون بكل معنى الكلمة. وأذكر أنه كان يشيع تسجيل صوتي يتم فيه إذاعة "مقطع" من آية بصوت المقريء العربي المصري المرحوم عبد الباسط عبد الصمد و"مقطع" بصوت طفل إيراني من الصفويين بحيث تكون القراءة بشكل متناوب.
بحسب ما يزرع الصفويون في نفوس أتباعهم كل ما من شأنه الحط من قدر الرسول وصحابته {صلى الله عليه وآله وصحبه وسلَم} فإنهم ينسبون "على سبيل المثال" قولاً للإمام الحسين {رضي الله عنه} بأنه يقول بأن أصحابه "أفضل" من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم}، "وذلك ليس حبَاً بالحسين وأصحابه {رضي الله عنه وعنهم} بل بغضاً بالنبي وأصحابه {صلى الله عليه وآله وصحبه}، وبعيداً عن البحث في مدلولات إستخدام كلمة "الأصحاب" مع الحسين {رضي الله عنه}، فأليس من دواعي هذا (الحب) لأصحاب الحسين أن يسمَي الفرس وخاصة في طهران بإعتبارها عاصمة (الجمهورية الإسلامية) زقاقاً أو ساحة أو شارعاً أو مدرسة أو مؤسسة بإسم أحدهم كنوع من التخليد لذكراهم، فيكون مثلاً شارع حبيب بن مظاهر أو ساحة الحر الرياحي أو مستشفى زهير بن القين؟.
أليس من مظاهر (الحب) لهم أن يُنصب تمثال لواحد منهم كما تُنصب عشرات التماثيل لشخصيات فارسية من التأريخ الإيراني كتمثال إبن سينا والشاعر الفردوسي والشاعر مولوي وغيرهم، علماً هنالك فتوى من الخامنئي تجيز إقامة التماثيل.
كلا لا يفعلون مثل هذا مادام ليس فيه ما يُحدث فتنة أو يلقي شبهة أو يُحدث إساءة للإسلام وطعناً في مقدسات المسلمين.
ومع كل ذلك فقد أوجد الفرس الصفويون من يسبح بحمدهم ممن يُحسبون على العرب، وينصرونهم على أبناء وطنهم، وهم مستعدون أن يقتلون أبناء وطنهم وإخوتهم في الدم ويمثلون بهم بمجرد فتوى بسيطة من معمم فارسي أو "مرجع" من مراجع الفرس، وليس الذي جرى ويجري في العراق والبحرين ببعيد.
وللحديث بقية.
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معايشة, التاسعة, الحلقة, الدرداء, السفيه, الولي, سنوات, فريدة, ولاية, وتجربة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أبو الدرداء: وتجربة معايشة فريدة 10 سنوات في ايران .. الحلقة الثامنة نور الإسلام المقالات 0 26-06-2014 06:34 PM
أبو الدرداء: وتجربة معايشة فريدة 10 سنوات في ايران.!؟ الحلقة الخامسة نور الإسلام المقالات 0 26-06-2014 11:47 AM
أبو الدرداء: وتجربة معايشة فريدة 10 سنوات في ايران.!؟ الحلقة الرابعة نور الإسلام المقالات 0 26-06-2014 11:44 AM
أبو الدرداء: وتجربة معايشة فريدة 10 سنوات في ايران.!؟ الحلقة الثالثة نور الإسلام المقالات 0 26-06-2014 11:41 AM
أبو الدرداء: وتجربة معايشة فريدة 10 سنوات في ايران.!؟ الحلقة الثانية نور الإسلام المقالات 0 26-06-2014 11:40 AM


الساعة الآن 07:22 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22