صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > إسلاميات > أبواب الدعوة > خطب إسلامية

خطب إسلامية من خطب الدعاة وعلماء الدين والشيوخ الصالحين

عن الوسطية في الإسلام

من الضرورة تحديد هذا المصطلح على ضوء المصادر الشرعية منعاً للخلط في المفاهيم واللبس في التصور، وحتى نقف على حقيقة الوسطية ومجالاتها لنُظهر الصورة المشرقة لسماحة هذا الدين، في الوقت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-05-2013 ~ 06:13 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي عن الوسطية في الإسلام
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الوسطية

من الضرورة تحديد هذا المصطلح على ضوء المصادر الشرعية منعاً للخلط في المفاهيم واللبس في التصور، وحتى نقف على حقيقة الوسطية ومجالاتها لنُظهر الصورة المشرقة لسماحة هذا الدين، في الوقت الذي اشتدت فيه الحملة على الإسلام، ورُمي أتباعه بمصطلحات موهومة ومغرضة لتشويه صورته والتنفير منه، تصيُّداً لأخطاء بعض المنتسبين إليه، في زمن انقلبت فيه الحقائق، وانتكست فيه المقاييس، وبُلي بعض أهل الإسلام بمجانبة هذا المنهج فعاشوا حياة الإفراط أو التفريط، ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.
معاشر المسلمين، ولقد عُني علماء الإسلام ببيان حقيقة الوسطية الواردة في آية البقرة وهي لا تخرج عن معنيين مشهورين يؤديان معنى واحداً.أولهما: وَسَطًا أي: خيارا عدولاً، وهو قول جمهور المفسرين، والذي رجحه الإمامان الحافظان ابن جرير وابن كثير رحمهما الله.
والثاني: أنهم وسطٌ بين طرفي الإفراط والتفريط، جاء هذا في سياق الامتنان على هذه الأمة المحمدية.
والوسطية ـ يا عباد الله ـ منهج سلف هذه الأمة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن الفرقة الناجية أهلَ السنة والجماعة هم وسط في فِرق الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم"
كان واجبا أن يَفهَمَ المسلمون ويُفهَمُوا المعانيَ والمقاصدَ الشرعيّة كما أرادها الله لا كما تفسِّرها أهواءُ البشر، ليست المشكلة في أن نقتنع بالوسطية ما نعاني من أصحابِ الهوى والأغراضِ ومَن امتلأت قلوبهم بالأمراض، يجرُّون الأمّةَ إلى التّغريب، ويدفعونها عن دينِها دفعًا؛ عن طريق الطّعن في الأسُس والثّوابت، بل تجرَّأ من لا علمَ عندَه على الدين ذاتِه ليفسّرُوه كيفَ شاؤوا، وليكيِّفوه على أهوائهم، يقول ابنُ القيم رحمه الله: "فما أمرَ الله بأمرٍ إلاَّ وللشّيطان فيه نزغتان؛ إمّا إلى تفريط وإضاعة، وإمّا إلى إفراطٍ وغلوّ، ودينُ الله وسَطٌ بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبَلين والهدَى بين ضلالتين والوسطِ بين طرفين ذميمين" .وعلى هذا يُقاس إرادةُ الإصلاح، فكم من مصوِّتٍ: "إنما نحن مصلحون" وهم في حقيقتهم مفسِدون مخرِّبون،
إنّ الله تعالى ختم الشرائعَ بشريعةِ الإسلام التي جاء بها نبيُّنا محمّد ، فجاءت على أكملِ نظامٍ وأحسن إتقان، في صَلاحٍ لكلِّ البشريّة والأجيال، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا .ومِن أبرز سِمات هذهِ الشريعة المحمَّديّة الخاتمةِ الوسطيّةُ والاعتدال، وبُنِيت على جَلب المصالحِ ودرء المفاسد والتيسير ودَفع المشقّة، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ]، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ ]. أنه جاء بالتيسير والسماحةِ والرِّفق ورفعِ الحرَج أو الحنيفيّة السَّمحة، كما قال النبيّ لأميرَيه معاذٍ وأبي موسى الأشعريّ لمّا بعثهما إلى اليمَن: يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعَا ولا تختلِفا رواه البخاري ومسلم، أيّها المسلمون، مقاصدُ الشريعة وحدودُها لم توضَع على مقتضَى تشهِّي العبادِ وأغراضهم، بل هو حُكمُ العليم الخبيرِ الذي هو أعلمُ بمن خلَق وهو اللّطيف الخبير. فالواجبُ المرَدُّ إلى شريعتِه سبحانه، لا إلى أهواء العِباد، ولا إلى ما تُمليه أذهانُ البَشَر أو معارضة الوحيِ بالاستحسانِ والنظر، وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ .
وكما أنَّ الوسَطَ يعني العَدلَ والخيارَ فالوسطيّة لا تعني التوسُّط بين الحقِّ والباطل والإيمانِ والفِسق، الوسطيّةُ لا تَعني التخلِّي عن ثوابتِ الإسلام ومقتضياتِه لأجل الاقترابِ من غيره، الوسطيّةُ لا تعني خَلطَ الأديان أو جمعَ الفضيلةِ مع الرذيلة، كما أنَّ الوسطيةَ لا تعني اطِّراحَ الحقِّ المستمَدِّ من الوحيَين حينَ لا يتَّفق مع الشهواتِ. الوسطيّةُ في ذاتِ العبادةِ أن لا يُعبَد الله إلاّ بما شرعَه من طريقِ رسوله محمّد ، فالتقصيرُ فيها جفاءٌ وفِسق، والزيادةُ عليها بدعةٌ وغلوّ.والوسطيّةُ في الولاء والبراء لا تحتاج إلى مزايدةٍ أو تحكُّم، فقد حَكَمها الله تعالى بقوله: لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ . وكذا الآياتُ المحكَمة والسُّنَن المفصّلة لطريقةِ التعامل مع غير المسلمين من حربيّين وذمّيّين ومعاهَدين ومستأمَنين ومن لم تبلُغه الدعوة أصلاً.
إخوة الإيمان، وتتألّق فيه وسطية هذه الأمة، في مجال العبادة ومراعاة مقتضيات الفطرة والتناسق البديع بين متطلبات الروح والجسد، فلا رهبانية ولا مادية، بل تناسق واعتدال، على ضوء قوله تعالى: وَٱبْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا]، وأنكر على من حرم نفسه طيبات الدنيا قائلاً: ((أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) مخرج في الصحيحين[2]، وعند مسلم وغيره: ((هلك المتنطعون))[3]، وعنده أيضاً: ((إن هذا الدين يُسر، فأوغلوا فيه برفق، ولن يُشادّ الدينَ أحد إلا غلبه))[4].
معشر الأحبة، وفي مجال الأخلاق والسلوك مظهرٌ من مظاهر الوسطية في هذا الدين، وسطيةٌ وتسمو بالتفكير والشعور، وتوازن بين متطلبات الفرد والمجتمع، وإعمال العقل والعاطفة، في تربية متوازنة، على ضوء المنهج النبوي: ((إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه)) خرجه أحمد ومسلم[5]. وثمّتَ مجال آخر برزت فيه وسطية هذه الأمة ألا وهو الجانب المتعلق بالمرأة، فجاءت هذه الشريعة الغراء والمرأة مظلومة بين جاهليتين فكرمتها، وحفظت حقوقها، وسمت بها أن تكون أجيرة، وصانتها من الوقوع في مستنقعات الرذيلة، وكفلت لها حريتها الشرعية، ونأت بها عن مسالك التحرر من القيم والهبوط إلى براثن الإباحية والانحلال والانسلاخ من الفضائل وسلوك مسالك التبرج والسفور والاختلاط المحرم.إنها جمع بين وليس الذكر كالأنثى وقوله وله مثل الذي عليهن بالمعروف
وفي مجال الإنفاق تتحقق الوسطية في قول الحق تبارك وتعالى: وَٱلَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً
ألا ما أحوج الأمة إلى سلوك منهج الوسطية في علاج كثير من الانحرافات في شتى المجالات، وهذا كله يلقي على كواهل علماء الشريعة ودعاة الإصلاح في الأمة المسؤولية الكبرى أمام الله، ثم أمام الأمة والأجيال التي تنشد سبيل الخلاص من إفرازات تجاوز منهج الوسطية المتألّق، وكان الله في عون العاملين المخلصين لدينهم وأمتهم ومجتمعاتهم.
إنَّ مفهومَ الوسطية الحقيقيّ هو التمسُّكِ بجميع تعاليم الشريعة السّمحة بذاتها؛ لأنّ الإسلامَ بتعاليمه وشريعته يمثِّل الوسطيّةَ الحقيقيّة في العقيدة والعبادة والسلوك والمعاملة. وقال الشاطبيّ رحمه الله: "فإنّ الخروجَ إلى الأطرافِ خارجٌ عن العدل، ولا تقومُ به مصلحةُ الخَلق، فإنّ طرفَ التشديد وطرفَ الانحلال كلاهما مَهلَكة".
الوسطية في الإسلام لا تخضع للأهواء والرغبات، فليست تنصُّلاً من الثوابت والمقومات، ولا تمرداً على المبادئ والأهداف والغايات، وإنما تضبط بضوابط الشريعة، فمن الناس من يحمل على كل ملتزم بدينه لا سيما من أهل الخير والحسبة والإصلاح، ويصفهم بالغلو والتزمت، فمن يلتزم بالسنة باطناً وظاهراً عندهم متحجر متشدد، ومن يدعو إلى الإسلام غالٍ متنطع، والغيورون عليه رجعيون متأخرون، أما المنهزمون المنفلتون من المثل المفرطون بالقيم المتلاعبون بالثوابت والمبادئ فهؤلاء عندهم متفتحون على الآفاق المعاصرة واقعيون في النظر والسلوك
أيّها المسلمون، إنّ شريعةَ الإسلام بذاتها وبكلِّ تفاصيلها هي الوسطُ، فليست بحاجةٍ إلى تخفيفٍ أو تنقيص، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]. وعليه فإنّ الواجبَ على المسلمين أن يعُوا هذه الحقيقةَ لئلاّ يُنتَقصَ عليهم دينُهم بحجَّة الوسطيّة، فالله تعالى قد حكَم فجعل شريعتَه هي الوسَط، فمن نقص أو زادَ فعن الوسطيّة قد حاد، وشريعةُ الله كامِلة شاملةٌ لا تحتاج إلى تعديلٍ أو توجيه، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا ]. ولكن يبقَى الفقهُ والعِلم الذي به يُعرَف الموقف الشرعيّ الصحيح من كلِّ واقِعة، وهذا هو دورُ العلماء الربانيِّين الراسخين في العلم بما استُحفِظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء، يعرِفون مرادَ الله من شرعِه، ويتّبعون الدليلَ وليس الهوى أو الفكرَ المجرَّد، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ].
وعليه فإنَّ الواجبَ على المربِّين والمصلِحين والإعلاميّين والقائمين على مناهجِ التعليم مراعاةُ ذلك وتبصير الناس بأمور دينهم وما يجبُ عليهم بالتبصير النافي للخَلط، لا أن تُوارَى النصوص أو تحوَّر، فإنَّ العلمَ الشّرعيَّ الصافي ضمانةٌ بإذنِ الله تعالى ضِدَّ الانحراف الفكريّ أيًّا كان اتِّجاهُه، وهذا هو التوازُن الذي اتَّسمَت به هذه الشريعة. وكما يحرُم التطبُّب ممَّن لا يُحسِنه والفتوى ممَّن لا يعلَمها فكذا يحرُم الخَوضُ في دينِ الله بلا علمٍ،
فاتقوا الله عباد الله، وتحلوا بالمنهج الوسط كما شرع الله، واستقيموا على الوسطية كما سنَّ رسول الله ، وسار على ذلك سلفكم الصالح: وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوسطية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الوسطية في القرآن الكريم نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 20-05-2013 06:24 AM
الوسطية والاعتدال نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 20-05-2013 06:14 AM
مظاهر الوسطية في التشريع الإسلامي نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 20-05-2013 06:05 AM
بحث عن الوسطية في الإسلام نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 20-05-2013 06:04 AM
محاضرة للدكتورة حصة الصغيّر عن الوسطية نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 20-05-2013 06:03 AM


الساعة الآن 10:51 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22