صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > إسلاميات > هدي الإسلام

هدي الإسلام معلومات ومواضيع إسلامية مفيدة

الإطار التاريخي لظهور ملوك الطوائف في الأندلس في القرن الخامس الهجري وأثرها في الشعر العربي

Mehmet Mesut Ergin الملخص: هذا البحث يتحدث عن ظهور ملوك الطوائف التي أقيمت بعد سقوط الدولة الأموية في الأندلس بتاريخ 422/1037 وانتهت بقضاء يوسف بن تاشفين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-11-2013 ~ 05:56 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي الإطار التاريخي لظهور ملوك الطوائف في الأندلس في القرن الخامس الهجري وأثرها في الشعر العربي
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الأندلس




Mehmet Mesut Ergin*



الملخص: هذا البحث يتحدث عن ظهور ملوك الطوائف التي أقيمت بعد سقوط الدولة الأموية في الأندلس بتاريخ 422/1037 وانتهت بقضاء يوسف بن تاشفين عليها بتاريخ 484/1071، ويتناول هذه الدراسة عن أثر هذا الوضع الجديد من خلال الحركة الثقافية السائدة آنذاك على الشعر العربي بشكل عام.

الكلمات المفتاح: الشعر العربي، الأندلس، ملوك الطوائف.



Hicrî V. Yüzyılda Endülüs’te Mulûku’t-Tavâ’if’in Ortaya Çıkışı ve Arap Şiirine Etkisi

Özet: Bu çalışmada, 422/1037 yılında Endülüs Emevi halifeliğinin çöküşüyle başlayıp Yusuf b. Taşfin’in 484/1071 ylılında varlığına son verdiği mulûku’t-tavaif döneminin ortaya çıkışı, ortaya çıkan bu yeni durumun Arap şiiri üzerinde genel olarak nasıl bir etki bıraktığı o dönemin kültürel ortamı incelenerek ele alınmaktadır.

Anahtar Kelimeler: Arap şiiri, Endülüs, Mulûku’t-Tavâ’if.

The Emergence of the Muluk al-Tawaif (Party-Kings) in Andalus in Vth/Xth Century and Its Effects on Arabic Poetry
Abstract: This paper analyses the appearance of the Muluk al-Tawaif (Party-Kings), a period which began with the collapse of Andalus Umayyad Caliphate in 422/1037 and came to an end with the conquests of Yusuf al-Tashfin in 484/1071, and the effects of the period on Arabic poetry by examining the cultural atmosphere of the era.

Keywords: Arabic Poetry, Andalus, Muluk al-Tawaif.



الإطار التاريخي لظهور ملوك الطوائف في الأندلس في القرن الخامس الهجري وأثرها في الشعر العربي 2Q== تمهيد

لما سقطت الدولة الأموية فتمزقت وحدة الأندلس وصار الأمر فيها منقسما بين رؤساء ووزراء وقضاة العرب والبربر والصقالبة، واستقل كل منهم بما كان تحت أيديهم ثم أورثوا الحكم عليه أولادهم أو أتباعهم.
يمتد هذا العصر – عصر ملوك الطوائف – من سقوط الخلافة الأموية سنة 422/1037 إلى أن قضى يوسف بن تاشفين على هؤلاء ملوك الطوائف سنة 484/1071.
كانت كل دويلة من دويلات هذه الطوائف تتشكل من مدينة وما حولها أو من مدينتين؛ وكان ملوكها من عصبيات مختلفة: عربا وبربرا ومولدين.
وكان هؤلاء الملوك يتنازعون ويتخاصمون ويتصارعون فيما بينهم ويحارب بعضهم بعضا، وكان يستنجد بعضهم بملوك الإسبان على بعض، وحتى مقابل هذا العون كانوا يدفعون الجزية إلى ملوك الإسبان.
وليس من الأمور السهلة ضبط عدد هذه الدويلات، رغم هذا نستطيع أن نقول أن دويلات هذه الطوائف كانت خمسة وعشرين دولة أو ما يقارب بها. أهم هذه الدويلات هي:
1- ملوك الطوائف

أ- بنو حمود الحسنيون:

هؤلاء رشحوا أنفسهم للخلافة في الفتنة، فأصبح علي بن حمود خليفة بقرطبة وتلقب بالناصر (ت:408/1017)، وولي بعده أخوه القاسم بن حمود المأمون؛ ثار عليه ابن أخيه يحيى بن علي بمالقة، واستولى على قرطبة (413/1022) وتلقب بالمعتلي، وكذلك غلب على الجزيرة الخضراء ولكن أمده بقرطبة لم يطل إلى أن قتل (427/1035). فبويع إدريس بن علي ومن بعده حسن بن يحيى. وكان الصراع بين الحموديين أنفسهم سبب ضعفهم، وكذلك بنو عباد يطمحون إلى الاستيلاء على مملكتهم حتى تم ذلك عام 446/1034 وبذلك زالت الدولة الحمودية في الجزيرة مثلما زالت من مالقة عام449/1057[1].
ب- بنو عباد:

هم من العرب الداخلين إلى الأندلس من لخم[2] بدأت في إشبيلية، أكبر دول الطوائف وأشهرها من حيث سعتها وتفوقها السياسي وكان لها شأن وافر أيضا في النشاط العلمي. وقد حكم بنو عباد هذه المملكة وحاولوا إلحاق مناطق أو ممالك أخرى إلى مملكتهم[3].
قال أبو مروان:"جاء إلى الأندلس بعد الفتح رهط من لخم تفرقوا في أقطارها؛ وانحاز منهم إلى غريبها أخوان نعيم وعطاف؛ فنزل أحدهما بقرية يومين، وتناسل ولده بها مدة من الزمان، ثم انتقلوا إلى إشبيلية فنموا، وتصدروا للوجاهة والنباهة في دولة الحكم المستنصر بالله، ودولة ابنه هشام وحاجبه المنصور. وقد كان نشأ فيهم صدر بيتهم ومؤسس مجدهم إسماعيل بن عباد؛ فقدمه المنصور على خطة القضاء بها؛ فاتصل استعماله إلى زمن انقراض الإمامة الأموية. واستمرت حاله مع من نجم في الفتنة؛ فنظر في صلاح القطر، وحمله على الطريقة المثلى من السياسة، إلى أن نزل في عينيه الماء سنة 414/1023؛ وقدح؛ فعاد بعض بصره؛ فلم يستجز الحكم بين الناس؛ فولّى ولده أبا القاسم القضاء، واقتصر هو على رئاسة البلد وتولى رأي المشيخة.
وكان نسيج وحده علما ومعرفة و أدبا وحكمة؛ فحمى مدينة إشبيلية من سطوة البرابر الذين اقتطعوا أحوازها ونزلوا حولها بالتدبير الصحيح، والرأي الراجح، والنظر في الأمور السلطانية، إلى أن هلك سنة 414/1023"[4].
كان إسماعيل عميد هذه الأسرة، ومؤسس ملكها في إشبيلية. يبدو أن الذين توالوا بعده من أسرته في الحكم تنقصهم عدد من صفاته، والمعتمد لديه شيء منها. وهم ذو الوزارتين أبو القاسم محمد بن إسماعيل ابن عباد، ثم ابنه أبو عمرو عباد بن محمد الملقب بالمعتضد، ثم ابنه القاسم محمد بن عباد الملقب بالمعتمد وهو آخرهم[5].
فقد استولى المعتضد على لبلة وعلى حصون من مملكة بني الأفطس، وعلى ولبة، وعلى جزيرة شلطيش وشنتمرية الغرب. ثم فتح مدينة شلب وولّى عليها ابنه المعتمد، وبذلك أصبحت الدولة تمتد من شرقي الوادي الكبير حتى المحيط الأطلسي غربا والجزيرة الخضراء جنوبا. إلا أن المعتضد كان كغيره من ملوك الطوائف يدفع الجزية لفرناند. ولما جاء المعتمد سار على سياسة أبيه في التوسع فاستولى مرسية وتحرش بمملكة غرناطة، وفاوض ألفونس ليحالفه كي يحتلا غرناطة معا؛ وكان ابن عمار رسولا إليه. وظل المعتمد يدفع الجزية لألفونس حتى اضطر إلى الاستعانة بالمرابطين بعد سقوط طليطلة[6].
ج- بنو زيري:

هم الصنهاجيون في غرناطة ومالقة. نظم هذه الإمارة حبوس ابن ماكسن وكون لها جيشا، وعقد بينه وبين الأمراء جيرانه روابط المودة، وحاول شيئا من التوسع فاستولى على قبرة وجيان، وخلفه ابنه باديس فكانت بينه وبين زهير العامري صاحب المرية حرب، قتل فيها زهير وكاتبه ابن عباس، ثم مد نظره إلى ما في يد بني حمود، وكانوا قد ضعفوا فاستولى على مالقة، وهنا اصطدم بابن عباد في نزاع من أجل الفوز بتلك المدينة، فكان النصر له على عباد. وقد طال حكم باديس وألقى شئون الدولة إلى وزيره اليهودي ابن النغرالة، وإلى نفوذ النساء في القصر، حتى ساءت الحال، وثار أهل غرناطة باليهود فقتلوا كثيرا منهم. ولما توفي باديس خلفه حفيده عبد الله بن بلقين، وتجددت المنافسة بينه وبين ابن عباد إلى أن سقطت طليطلة في يد ألفونس السادس ملك قشتالة، واتفق أمراء الأندلس على الاستعانة بالمرابطين. وكان المرابطون هم الذين أزالوا عبد الله عن ملكه[7].
د- بنو رزين:

هم بالسهلة فملكها عبود بن رزين، أصلا بربري مولدا بالأندلس، فلما هلك ولّى بعده ابنه عبد الملك وكان أديبا وشاعرا[8]، وخلفه ولده أبو مروان عبد الملك (ت: 496/1102) وقد طال أمد حكمه حتى بلغ ستين عاما من عمره. أدى الجزية لألفونس بعد سقوط طليطلة. وخلفه ابنه حسام الدولة يحيى، فلم يكن بشيء، ومنه استولى المرابطون على شنتمرية (497/1103) وخلعوه[9].
ه- بنو جهور:
ولما انقطعت دعوة بني أمية ولم يبق من عقبهم من يصلح للإمارة ولا من تليق به الرئاسة، واستولى على تدبير ملك قرطبة جهور بن محمد يكنى أبا الحزم[10]، وكان أول من قام منهم بالأمر باختيار من شعب قرطبة[11]،يؤيد ابن حيان هذا بقوله:" واجتمع الملأ من أهل قرطبة على تفويض أمرهم لأبي الحزم جهور وعددوا من خصاله ما لم يختلفوا فيه، فأعطوا منه قوس السياسة باريها، وولوا أمر الجماعة أمينها"[12].
تشمل هذه الإمارة مدنا أخرى، منها: جيان وبياسة و أبدة. وقد قامت سياسة أبي الحزم على التآلف والمصانعة دون الحرب. ولما توفي (435/1043) خلفه ابنه أبو الوليد بن جهور فسار على سيرة أبيه. سقطت مدينة قرطبة بين أطماع بني عباد وبني ذي النون في يد العباديين، وهكذا زالت دولة بني جهور بعد أربعين سنة من الحكم[13].
و- بنو الأفطس:

هم أصحاب بطليوس، منتمون في الأصل إلى قبائل مكناسة، من مشاهير ملوك الطوائف، حكموا من سنة 413/1022 إلى سنة 487/1094. ولدولة بني الأفطس أثر في نهضة العلوم والفنون. ومنهم ابن الأفطس الملقب بالمظفر، صاحب التاريخ المسمى ب"المظفري".وكان المتوكل ابنه في بطليوس كالمعتمد بن عباد بإشبيلية وقد قتل على يد جيش يوسف بن تاشفين، ومن قبله قتلوا ولديه وهو ينظر إليهما. قال ابن عبدون رائيته المعدودة التي تعتبر من غرر القصائد الأندلسية في رثاءه ورثاء ملوك بني الأفطس ، والتي مطلعها:
فما البكاء على الأشباح والصور

الدهر يفجع بعد العين بالأثــر
كانت مملكتهم واسعة، اشتبك صاحبها من جهة مع بني عباد في معارك عديدة ومع ذي النون من جهة أخرى، وقف محمد بن الأفطس ضد فرناندو (فرديناند الأول)ملك قشتالة. أخيرا وافق على أن يدفع الجزية لذلك الملك. شهدت المملكة في عهد المتوكل ابن الأفطس شيئا من الاستقرار إلى أن أزيلت دولتهم من قبل المرابطين[14].
ز- بنو ذي النون:
من أعظم ملوك الطوائف بنو ذي النون ملوك طليطلة من الثغر الجوفي، وكانت لهم دولة كبيرة، وبلغوا في البذخ والترف إلى الغاية[15]، ومن رجال هذه الدولة إسماعيل بن ذي النون الملقب بالظافر، وولده يحيى الملقب بالمأمون، وحكم هذا الثاني ثلاثة وثلاثين عاما، وكان على نزاع مع ابن هود صاحب سرقسطة وابن عباد صاحب إشبيلية، وقد استعان المأمون بفرناندو ضد بني هود في مقابل دفع الجزية وإقراره له بالسيادة، عندئذ ذهب ابن هود أيضا يستعين بفرناندو. غزا المأمون هذا بلنسية مستوليا عليها، وحاول الاستيلاء على قرطبة فلم يمكنه ابن عباد من ذلك. ولما تولى الأمر حفيده يحيى القادر اضطرمت من حوله الفتن حتى فر ولجأ إلى ألفونس مستعينا به على إرجاعه إلى مملكته، فأعانه على ذلك. غير أن ألفونس استولى على طليطلة، وبذلك أدرك أمراء الطوائف طبيعة ما يحيط بهم من خطر[16].
ح- العامريون:

حكموا في شرق الأندلس أي في المرية ومرسية وبلنسية ودانية وما والاها من جزائر. فكانت المرية والمرسية تحت حكم خيران العامري (405-419/1014-1028) ثم خلفه فيهما زهير العامري (419-471/1028-1088) وبعده انشطرت المديننتان في دولتين، فأصبحت المرية من نصيب بني صمادح (433-484/1041-1091)، وأصبحت مرسية من نصيب بني طاهر (429-471/1037-1078)؛ أما دانية والجزائر فكانت لمجاهد العامري وابنه إقبال الدولة من بعده (400-468/1009-1075) إلى أن ضمها بنو هود إلى ملكهم وسقطت في سنة 484/1091 في يد المرابطين[17].
وشهدت البلنسية عددا من الأمراء توالوا عليها إلى أن ثار فيها القاضي ابن جحاف (485-487/1092-1094) ومن يده أخذها السيد القنبيطور (487/1094)، ومنه استولى عليها المرابطون[18].
ط- بنو صمادح:

إن هذه الطائفة حكمت في المرية، وكان محمد بن معن أشهر ملوكها، تلقب من ألقاب الخلفاء بالمعتصم بالله والرشيد[19].
ولما توفي المعتصم، أقام معز الدولة يصوب ويصعد، ويعمل النظر في امتثال وصية أبيه فجعل يبدي غرضه في نقل زوجه بنت مجاهد إلى دانية، و ينزل أسبابها إلى المدينة ليكون أقرب إلى الإيساق في البحر. فلما كمل ما أراده من ذلك وافاه الخبر بتغلب المرابطين على ابن عباد وخروجه عن ملكه. فأمر رجاله بتجهيز الأغراض والأمتعة وحملهم إلى السفن في أسرع ما يمكن، وأحرق باقي الأشياء خشية الاتباع، وذهب إلى الجزائر وعاش هناك إلى أن توفي[20]. وهكذا انقضت أيام بني صمادح.
ي- بنو هود:

هم أصحاب سرقسطة أو الثغر الأعلى. توالوا عليها بعد أن زالت دولة التجيبيين التي لجأ إليها الشاعر ابن دراج؛ وأول بني هود سليمان الذي كان في حرب مع المأمون بن ذي النون، ولجأ كل منهما إلى ملك من ملوك الإسبان يستعين به في هذا الخلاف[21].
ولما مات ابن هود ترك خمسة أولاد ذكور وراءه، كان قد قسم عليهم في حياته ملكه الذي كان في حكمه؛ فولى أحمد بن سليمان مدينة سرقسطة بعد أبيه، وولى يوسف مدينة لاردة، وولى محمد قلعة أيوب، وولى المنذر بن سليمان مدينة طليطلة، وولى لبّا ابنه مدينة وشقة وكانت تحت حكم أخيه. واستبد هؤلاء الأخوة كلهم بأعمالهم بعد أبيهم وداعيا كل واحد منهم إلى حوزته، فلم يزل أحمد بن سليمان يحتال على أخوته، استطاع أن يخرج بعضهم من مواضعهم وسجنهم وكحل بالنار بعضهم، غير أن صاحب مدينة لاردة يوسف حمى حوزته منه[22].
ولما رأى أهل الثغرة ما صنعه أحمد بن سليمان بأخوته كرهوه، جراء ذلك خلعوا طاعته وصيروا أمرهم إلى أخيه يوسف وقاموا بدعوته ولم يبق لأحمد إلا سرقسطة[23].
وقد قامت بين أحمد وبين حسام الدولة منازعات طويلة. وفي عهده غزا النورمانديون مدينة بربشتر (456/1063) فتقاعس أحمد عن إنجادها لأنها كانت من أملاك أخيه ثم رجع إلى ضميره وأعانه على استردادها. وكان المقتدر يدفع الجزية لملوك قشتالة مستعينا بالسيد القنبيطور ومن معه من جنود مرتزقة وكذلك استولى على دانية (468/1075). وتجددت الفتنة بين خلفائه فعاد كل من المؤتمن وأخيه المنذر يستعين بالأجانب، وكان المؤتمن يعتمد على جهود السيد القنبيطور الذي كان العقل المدبر لدى المؤتمن، وبجهوده تم الاستيلاء على بلنسية. وقد اتخذه المؤتمن أداة يصد بها زحف المرابطين حتى وجد أن شانسو الأرجواني يهدد مملكة سرقسطة، فلجأ إلى حماية المرابطين إلى أن قتل (503/1109)، وتسلم المرابطون المدينة بدعوة من أهلها (497/1103)[24].
ك- بنو القاسم:

هم الفهريون في البونت. مؤسس هذه الإمارة هو عبد الله بن قاسم، وخلفه ابنه محمد عين الدولة (421-434/1030-1042)، ثم أحمد عز الدولة (440/1048). وقد تعرضت هذه الدولة الصغيرة لغارات السيد القنبيطور مما اضطرت إلى دفع الجزية له حتى استولى عليها المرابطون (497/1103)[25].
ل- بنو برزال:
كانت قرمونة من أيام هشام المؤيد بيد أبي عبد الله البرزالي إلى زمان الفتنة، فلما اشتدت الفتنة وتفرقت الجماعة دعا إلى نفسه واسمه الحاجب أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن برزال بويع بقرمونة سنة 404/1013 فضبط قرمونة وجمع رجالها ورتب جنودها وواسى رعيتها وحاول أن ينشأ العدل فيها فسارت إليه النفوس، وعمرت قرمونة ونواحيها، وتجنب البرابر حوزتها من أجله، كان الناس يعيشون في رغد، كثر أمنها وخيرها على أحسن أحوال. زالت هذه الطائفة سنة 434/1042[26].
م- بنو يحيى:

مؤسس هذه الدولة أبو العباس أحمد بن يحيى اليحصبي، بايعه أهل تلك النواحي مثل ولبة، وجبل العيون. واستقامت له الأمور ولم يكن له معاند ولا ثار عليه أحد، كان محسنا على رعيته، قائما على شؤونه، ناظرا في إصلاح بلاده. أيامه كانت هادئة راخية، واستمرت الأمور على هذه الشاكلة إلى أن توفي بها سنة 433/1041، لم تدم هذه الدولة إلا عشرين سنة[27].
ن- بنو مزين:
أسس هذه الدولة أبو بكر محمد بن سعيد بن مزين وعاصمتها كانت شلب. وكان في أيام أبيه تسمى ب"عميد الدولة" فتمت له البيعة. كان الشعب يحبه لكثرة معارفه وأدبه وحسن خلقه. واستمرت هذه الدولة خمسين سنة[28].
2- الصراعات التي دارت بين ملوك الطوائف وانعكاسها للحياة الأدبية

فقد كان ملوك الطوائف في قتال مستمر دائم فيما بينهم، وكان يحارب بعضهم بعضا، ويتغلب قويهم على الضعيف فيزيل ملكه كما أزال العباديون ملك الجهورية، والنونيون ملك العامرية[29]، وكثيرا ما كانوا يستنجدون بالإسبان ويستعينون بهم في حروبهم الداخلية، ويتسلم الإسبان لقاء ذلك العون حصونا ومدنا وأموالا. و في مواجهة هذه الإماراة الممزقة المتعادية كانت تقوم قشتالة الكبرى في الشمال بقيادة ملكها ألفونس السادس. فأصبحت هذه المملكة الكبرى بعد أن وحد أستورياس وليون وقشتالة في مملكة واحدة تهدد الإمارات الإسلامية وترهبها حتى أصبحت جميعها تدفع له الجزية. وكان ألفونس السادس يتبع سياسة التعاون مع فئة من المسلمين لينتزع أراضي فئة أخرى ثم يعود فيتعاون مع فئة ثالثة ضد حلفائه بالأمس لينتزع منهم بعض ما بيدهم[30].
يصف لنا ابن الخطيب هذا الوضع السيئ بقوله:" ذهب أهل الأندلس من الانشقاق، والانشعاب والافتراق، إلى حيث لم يذهب كثير من أهل الأقطار مع امتيازها بالمحمل القريب، والحِظَّة المجاورة لعباد الصليب، ليس لأحدهم في الخلافة إرث، ولا في الإمارة سبب، ولا في الفروسية نسب، ولا في شروط الإمامة مكتسب، اقتطعوا الأقطار، واقتسموا المدائن الكبار، وجبوا العمالات والأمصار، وجندوا الجنود، وقدموا القضاة، وانتحلوا الألقاب، وكتبت عنهم الكتاب الأعلام، وأنشدهم الشعراء، ودونت بأسمائهم الدواوين، وشهدت بوجوب حقهم الشهود، ووقفت بأبوابهم العلماء، وتوسلت إليهم الفضلاء...كما قال الشاعر:
أسماء معتضد فيها ومعتمد
كالهر يحكي انتفاخا صورة الأسد"[31]


مما يزهدني في أرض أندلس
ألقاب مملكة في غير موضعهــا

في مثل هذه الحالة تظهر العصبية والنزاعات التي تؤدي إلى التشتت والضياع كما يشير إليه ابن بسام في الذخيرة:"من وصف حال القهر، وشدة السطوة والاقتدار على الفتك والاستباحة؛ فأفرط في ذلك إرهابا للناس بذكره، وتخويفا لهم من مثله؛ فكان أجلب لنفار القلوب، وقرف الندوب، وبعد الشرود، ونبش الحقود، لما وتر جميعهم بالحادثة في قرطبتهم فاستشعروا بغضهن وانقادوا لكل من عانده ورد أمره من عبد أو حر، فزعا إليهم منه، ويأسا من خير يجيئهم من برابرته؛ فكان ذلك سببا في تفريق البلاد وتملك أصحاب الطوائف"[32].
نرى أن هذه التنافسات انعكست للحياة الأدبية إيجابيا وكان الأدب في ذروته، لأن هذه الصراعات بين هؤلاء الملوك لم يكن سياسيا فقط، بل كان أيضا عمرانيا وأدبيا، فتنافسوا في تشييد الحصون والقلاع كما تنافسوا في مجالس الأدب والطرب وفي تشجيع الشعراء والكتاب والمغنين كي يكون صوتا لهم. يجدر بنا أن نشير أن الآداب والعلوم قد نهضت نهوضا عظيما وعاشت فترة أو قضى فترة ذهبية وتطورت تطورا عظيما لتنافس الأمراء في تعزيزها[33].
3- الحياة الأدبية في هذه الفترة

نرى في هذه الفترة مراكز عدة اشتهرت بالحركات الثقافية والأدبية والعلمية التي نشأت فيها. وكثيرا من الشعراء والأدباء نشأ في هذه المراكز التي تناثرت في الأندلس. سيرد لاحقا عرض هذه المراكز والحديث عن الشعراء والأدباء والعلماء التي أخرجتها هذه المراكز بشكل موجز.
أ- قرطبة:

أهم علماء قرطبة في هذا العصر ابن حزم صاحب التواليف الكثيرة في كل فن. وهو من أعلام المعدودين في الأندلس. ومن المتأمل في مؤلفاته وما تحويه من مادة غزيرة ليرى بوضوح أن ذلك الإنتاج الحافل لا يمكن أن يصدر إلا عن حضارة بلغت من التقدم مبلغا عظيما. فذلك التحليل النفسي الدقيق الذي يتجلى في كتابه "طوق الحمامة"، وهذه الملاحظات الشخصية النافذة على الرجال وأخلاقهم التي يبديها في كتاب "الخصال"، ذلك كله يتحدث عن بيئة ذات حضارة عالية. وكانت لابن حزم مساجلات ومجادلات حامية اضطر إلى خوضها مع الفقهاء دفاعا عن آرائه، ونخص بالذكر مجالس الجدل التي دارت بينه وبين أبي الوليد الباجي الفقيه الأشعري المعروف، فقد ظل صداها يتردد في جوانب العالم الإسلامي دهرا طويلا؛ وهي تدل على مواهب ابن حزم ولسانه الحاد اللاذع[34]. ومن أهم شعراء قرطبة أيضا أبو الوليد أحمد بن زيدون المخزومي (394-463/1003-1070)، تمتع ابن زيدون بمكانة عالية في المجتمع القرطبي بفضل ما أنفق في تعليمه من عنايته، وما وهبه الله من ملكة طيبة، وقد تجلت شاعريته وهو ما يقارب العشرين[35]، وهو يقول في الحنين إلى قرطبة[36]:
على الثغب الشهدي مني تحية
ولا زال نور في الرصافة ضاحك
معاهد لهو لم تزل في ظلالها
زمان: رياض العيش خضر نواعم


ذكت وعلى وادي العقيق سلام
بأرجائها يبكي عليه غمام
تدار علينا للسرور مدام
ترف وأمواه النعيم جـمام

ب- إشبيلية:
لقد كان المعتضد والمعتمد من أعلام الشعراء في هذه المدينة، ومن ثم لا نستغرب أن يكون بلاطهما مدرسة تخرج فيها أهل الآداب. وقد وصلت الخمريات وشعر النسيب والغزل أعلى درجات الكمال في ذلك البلاط المصقول، حيث عجز شعراء مجيدون عن إدراك ما وصل إليه ابن عمار وزير المعتمد من تحليق بعيد في سماء الشعر.وقصروا كذلك في ملاحقة اعتماد نفسها فضلا عن مجاراة الملك الشاعر المعتمد فيما أبدعهمن رائع القصيد. وحقا أن المعتمد وفق في أبواب الغزل، ووصف مجالس السرور، ووصف الحرب والنصر، فلما ضاعت تلك الأيام الجميلة وعانى أوصاب السجن والهوان، أخذت نفسه الفنانة تجود بدرر من الشعر لا زالت تثير في نفوس البشر الإجلال لهذا الملك[37]. نورد هنا نموذجا من شعر المعتمد بن عباد يرثي ولديه المأمون و الراضي[38]:
بكت أن رأت إلفين ضمهما وكر
وناحت وباحت فاستراحت بسرها
فما لي لا أبكي أم القلب صخرة
بكت واحدا لم يشجها غير فقده
بُنَيّ صغير أو خليل موافق
ونجمان زين للزمان احتواهما
غدرت إذا إِنْ ضن جفني بقطرة
فقل للنجوم الزهر تبكيهمـا معـا


مساء وقد أخنى على إلفها الدهر
وما نطقت حرفا يلوح به سر
وكم صخرة في الأرض يجري بها نهر
وأبكي لأُلاَّف عديدهم كثر
يمزق ذا فقر ويغرق ذا بحر
بقرطبة النكداء أو رندة القبر
وإن لؤمت نفسي فصاحبها الصبر
لمثلهما لتحزن الأنجم الزهــر

ج- غرناطة:
ولم يتح للأدب أن يصل إلى مستوى رفيع في غرناطة، لأن أصحاب الأمر فيها كانوا من طوائف البربر ومع ذلك فقد ظهر في سمائها من أعلام الأدب والعلم غرباء عن الأندلس –مثل المغامر المشرقي أبي الفتوح الجرجاني، وكان شاعرا فيلسوفا فلكيا- وأندلسيون مثل الفقيه أبي إسحق الألبيري الذي دفع أهل زمانه إلى خلع نير يوسف بن صمويل بن النغذالة. أما الشعراء والكتاب ذوو المواهب العالية من أهل غرناطة فقد اضطروا إلى اللجوء إلى بلاط المرية[39].
د- المرية:
قد أدركت لمرية في عصر أميرها المعتصم بن صمادح الذي كان راعيا صادقا للآداب والفنون و العلوم، فجتمع حوله شعراء مثل ابن شرف البرجي، وابن أخت غانم، وابن الحداد الوادي آشي، والسميسر الألبيري. وكان أولاد المعتصم شعراء كلهم.كذلك عاش في بلاطه علماء مثل أبي عبيد البكري الأديب وكان من طلائع الجغرافيين المسلمين[40].
ه- بلنسية ومرسية:
وقد رأت بلنسية ومرسية عددا كثيرا من الشعراء ومن أهل العلم والأدب، فكان منهم عبد الجليل بن وهبون المرسي صاحب القصيدة المعروفة عن وقعة الزلاقة، وأبو عيسى بن لبون الأديب صاحب بلدة مربيطر، والوقشي الذي صور الدمار الذي أنزله السيد القمبيطر ببلنسية، وابن خفاجة صاحب الخمريات الطائرة الصيت والمبدع في شعر الغزل ووصف مجالس الانس والسرور. ولم يخل هذا الإقليم كذلك من رجال متضلعين في فنون أدبية أخرى، مثل أبي الحسن علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده صاحب المخصص المعروف[41]. نموذج من شعر ابن لبون[42]:
لحى الله قلبي كم يحن إليكم
إذا نحن أنصفناكم من نفوسنـا


و قد بعتم حظي وضاع لديكم
ولم تنصفونا فالسلام عليكـم

و- بطليوس:
فقد استطاع أصحاب بطليوس أن يرتفعوا بالثقافة في قطرهم إلى أوج رفيع، وتمكن المظفر بن الأفطس أن يجمع من مكتبته الخاصة مواد موسوعته "المظفرية" الذائعة الصيت. وقد ضم ديوان المظفر هذا ابن عبدون البر أعلم أهل غرب الأندلس في زمانه بالحديث، وكان إلى ذلك شاعرا قادرا على نهج القدماء. وفي بلاط بني الأفطس عاش عبد المجيد بن عبدون الشاعر، ومن مآثره تلك القصيدة التي رثى فيها بني الأفطس لما أصابهم عل أيد المرابطين[43].
ز- سرقسطة:
وكانت الحال في سرقصطة في أيام بني هود إذ كان المقتدر والمؤتمن من أنصار العلوم ومن المجردين لرعايتها في تحمس، وخاصة الفلسفة والرياضيات والفلك. وقد ألف المؤتمن كتابا في هذا العلم الأخير علق عليه موسى بن ميمون. وفد على سرقصطة فلاسفة كابن باجة، ولقيت رسائل إخوان الصفاء إقبالا عظيما من أهلها، وكان الكرماني قدحملها من المشرق. وفي ربوع سرقصطة عاش أيضا أبو بكر الطرطوشي صاحب الكتاب اللطيف المسمى "سراج الملوك"[44].
4- مجالس العلم والأدب
كانت تقام مجالس العلم والأدب في عصر ملوك الطوائف. وهذه المجالس قد ساهمت إلى تطور الشعر والأدب والعلوم. كان الأدباء والعلماء يتناظرون ويتجادلون في هذه المجالس العلمية التي كانت تقام من قبل ملوك الطوائف في بلاطاتهم، وأيضا كان ملوك الطوائف يتنازعون فيما بينهم في هذه المجالس كما يتنافسون في ميدان السياسة.
مجالس العلم والأدب يتصدر فيها العلماء الأعلام، والأدباء الكبار، والرواة الحفظة، والنقدة المهرة، والشعراء أصحاب البديهة المطاوعة تكون بمثابة المدرسة التي تتعهد أبناءها بالصقل، وتتولاهم بالتهذيب، وتأخذهم بأحسن أنواع التوجيه والإصلاح. لقد كانت هذه المجالس في كل جيل أستاذ الأساتذة وأمهات الجامعات، ولم يخل عصر من العصور من شعاعها الهادي، ولا سيما من القادة الذين كانت حياتهم كلها دستورا للبيئة التي يعيشون فيها. لقد كانت بعضهم يخصص أياما معينة لكل فن من الفنون، فيجلس في يوم من أيام الأسبوع مع رجال الأدب يعرضون عليه نتاج أفكارهم فإن وجد من أحدهم تقصيرا نبهه إلى ذلك كله بالتي هي أحسن. وكتب الأدب والنقد حافلة بالأمثلة الرائعة، والشواهد الواضحة التي تدل على مقدار ما كان فيهم من بصر، وما كان لهم من ذوق، وما كان لهم عندهم من إلهام بالمسائل، ومعرفة للقواعد ودراية بالصواب، وفهم للحقيقة، وابتهاج بهم وتشجيع عليه[45].
وقد تنعقد هذه المجالس عليها السمة الأدبية، ويكون الشعر مقصودا لذاته، كهذا المجلس الذي أقامه القاضي ابن عباد واشترك فيه ثمانية من الشعراء، سادسهم أبو الأصبغ عبد العزيز فشبه الأقحوان بأسماء الفضة فعقب عليه القاضي معرضا ومعاتبا وناقدا[46]:
أبلغ شقيقي عني
بأن وصف الأقاحي الـ
هلا وصفت الأقاحي
أو النجـوم تــاقط


مقـالة لتـمضه
ـذي وصفت لم أرضه
باكؤس من فضه
من من السـا مبيـة

وكان يعقد المعتمد مجلسا للأدب وكان له دار لايدخل عليه أحد فيها غير الشعراء، وكان يوم الإثنين من كل أسبوع[47].
وكان المعتصم يعقد المجالس بقصره للمذاكرة، ويجلس يوما في كل جمعة للفقهاء والخواص، فيتناظرون بين يديه في كتب التفسير والحديث، ولزم حضرته فحول من الشعراء[48].
وقال ابن خفاجة:" لقيت الشاعر أبا أحمد محمد عبد الجليل لورقة والمرية فبتنا نتناشد الأشعار ونتذاكر الآداب و الأخبار..."[49].
إن أبا العلاء صاعد اللغوي المشهور بكتابه "الفصوص" دخل على المنصور ذات يوم، ابن العريف النحوي وهو في الموضع المنسوب إليه المسمى بالعامرية فمدحه بأبيات جاء فيها قوله:
فالعامـــرية تزهى
وأنت فيها كالسـف


على جميع المباني
قد حل في غـدان

فقال أبو العلاء صاعد أسعد الله الحاجب: أنا أقول ارتجالا أحسن من هذا فقال له المنصور هات ما عندك، فقال صاعد:
يا أيها الحاجب المعتـ
ومن به قد تناهى
الـعامـرية أضـحت
فـريـدة لـفـريد
أنظر إلى النهر فيها
والطير يخطب شكرا
والقضيب تلتف سكرا
والروض يفتر زهرا
والنرجس الغض يرنو
وراحة الريح تمتا
فدم مدى الدهر فيها


ـلى على كيوان
فخار كل يماني
كجنة الرضوان
من أهل الزمان
ينـساب كالثعبان
على ذرى الأغصان
بميـس الـقضبان
عن مبسم الأقحوان
بوجـنة النـعمان
ز نفحة الريحان
في غبطـة وأمان

فاستحسن المنصور ارتجاله، وقال لابن العريف ما لك من فائدة في مناقضة من هذا ارتجاله؟ فأجاب ابن العريف إنما أنطقه وقرب عليه المأخذ إحسانك إليه، فقال له صاعد: ومعنى هذا أن قلة إحسانه إليك أسكتتك، وبعدت عليك المأخذ، فضحك المنصور غير هذه المنازعة أليق بأدبكما[50].
وهكذا كانت مجالس الأدب مجالي الأفكار والقرائح، وميادين براعة وفصاحة يشارك فيها الرجال والنساء والوجهاء والأعيان والحكام والمحكومون والوزراء والقادة حتى العوام من أصحاب الحرف والصناعات، كانت لهم مباريات يرضون أذهانهم على القول فيها ويحملون أنفسهم على مثل هذا اللون من الكلام المرتجل والشعر المفاجئ، وفي كتب الأدب أمثلة من تلك المجالس التي كانت تضمهم، والمنتديات التي كانت تجمعهم، تدل على تمكن ملكة البيان من أفئدتهم وازدهار الأدب فيما بينهم[51]. بذلك أصبحت عواصم الأندلس في هذه الحقبة منتديات يتذاكرون فيها. كان ملوك الطوائف يستقدمون أكابر علماء المشرق ويعقدون لهم مجالس للمناظرة، بفضل ذلك ازدهر الشعر ازدهارا كبيرا في العصر الذي تفرقت الأندلس إلى دويلات.
5- ازدهار الشعر في هذا العصر
عاش عصر ملوك الطوائف اضطرابات سياسية، كما لم يخل هذا العصر من النزاعات التي دارت بين الملوك في مجالات شتى، ولا سيما في ميداني السياسة والفكر. مع كل هذه النزاعات المتواجدة بين دويلات الأندلس نلاحظ أن الشعر عاش فترة ذهبية باهتمام ملوكهم وتشجيعهم بالشعر والشعراء وحمايتهم في قصورهم.
يقول المقري:"ولما ثار بعد انتثار هذا النظام ملوك الطوائف وتفرقوا في البلاد، وكان في تفرقهم اجتماع على النعم لفضلاء العباد، إذ نفقوا سوق العلوم، وتباروا في المثوبة على المنثور والمنظوم، فما كان أعظم مباهاتهم إلا قول: العلم الفلاني عند الملك الفلاني، والشاعر الفلاني مختص بالملك الفلاني، وليس منهم إلا من بذل وسعه في المكارم، ونبهت الأمداح من مآثره ما ليس طول الدهر بنائم، وقد سمعت ما كان من الفتيان العامرية مجاهد ومنذر وخيران، وسمعت عن الملوك العربية بنو عباد وبنو صمادح وبنو الأفطس وبنو ذي النون وبنو هود، كل منهم قد خلد فيه من الأمداح، ما لو مدح به الليل لصار أضوأ من الصباح، ولم تزل الشعراء تتهادى بينهم تهادى النواسم بين الرياض، وتفتك في أموالهم فتكة البراص، حتى إن أحد شعرائهم بلغ به من رآه منافستهم في أمداحه أن حلف أن لا يمدح أحدا منهم بقصيد إلا بمائة دينار، وأن المعتضد بن عباد عل ما اشتهر من سطوته وإفراط هيبته كلفه أن يمدحه بقصيدة فأبى حتى يعطيه ما شرطه في قسمه،..."[52]. ويقول بالنثيا في هذا الصدد:"كان لكل أمير من أمراء الطوائف ميزة اختص بها دون جيرانه؛ فامتاز المتوكل صاحب بطليوس بالعلم الغزير، وامتاز ابن ذي النون صاحب طليطلة بالبذخ البالغ، وفاق ابن رزين صاحب السهلة أنداده في الموسيقى، واختص المقتدر ابن هود صاحب سرقسطة بالعلوم، وبذ ابن طاهر صاحب مرسية أقرانه بالنثر الجميل المسجوع، أما الشعر فكان أمرا مشتركا بينهم جميعا يلقى منهم كل رعاية، ولكن عناية بني عباد أصحاب إشبيلية الجميلة به كانت أعظم وأشمل. وفي أثناء ذلك كله كانت قرطبة النبيلة تحتضر، وكان البربر أصحاب السلطان في جنوبي الأندلس قد عقدوا الخناصر مع اليهود ووفود العناصر المشرقية على الأندلس، وانصرف نفر من أهل الأدب إلى تأليف مجموعات جيد الكلام من نظم ونثر، ومضى الناس في نظم الموشحات، ولدينا من ثمار قرائحهم آلاف من الأبيات؛ لقد أصبح أهل الأندلس كلهم شعراء! حتى قال القزويني: إن أي فلاح يحرث بأثوار في شلب يرتجل ما شئت من الأشعار فيما شئت من الموضوعات. ومضى الشعراء يقطعون الأندلس طولا وعرضا، ينتجعون قصور الأمراء حيث يظفرون بالمأوى والصلات، ويحضرون مجالس أصحاب الأمر، وتدرج أسماؤهم في سجلات الدواوين، وتخلع عليهم وظائف التدريس. حياتهم كلها شعرا صرفا! ومعظم هذا الشعر متكلف زائف، ولكنه يضم بين الحين والحين لمحات تصور أخلد العواطف الإنسانية"[53].
ويبدو لنا من هذا النص أن ملوك الطوائف كانوا يرعون الشعر والشعراء ويقبلون عليه، وكانو يتنافسون فيما بينهم لاجتذاب الشعراء إلى مملكتهم التي يحكمون عليها. والشعر في هذا العصر استفاد من النزاعات الدائرة بين الملوك إيجابا وازدهر ازدهارا كبيرا.
خاتمة

شهد هذا العصر بما فيه من اضطرابات سياسية وتنازعات داخلية من جهة، وشهد ازدهار الأدب وتطور الشعر. ولم تفقد الحياة الأدبية من تطورها شيئا في هذا العصر، لعب فيها تنافس ملوك الطوائف بينهم لاجتذاب الشعراء أو الأدباء إلى قصورهم دورا كبيرا. ونشأ كثير من العلماء، والأدباء، والشعراء مخلفا وراءهم كتبا قيمة في مختلف المجالات.

* Dr., Dicle Üniversitesi, Fen-Edebiyat Fakültesi, Arap Dili ve Edebiyatı Anabilim Dalı.



[1] إحسان عباس؛ تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين، الطبعة السابعة، بيروت، 1985، ص. 16.

[2] لسان الدين ابن الخطيب السلماني؛ أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام أو تاريخ إسبانيا الإسلامية، تحقيق وتعليق: إ. ليفي بروفنسال، الطبعة الثانية، بيروت، 1956، ص. 152.

[3] عبد الرحمن الحجي؛ التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة، دمشق-بيروت، 1976، ص. 387.

[4] لسان الدين ابن الخطيب،أعمال الأعلام، ص. 152.

[5] عبد الرحمن الحجي، التاريخ الأندلسي، ص. 388.

[6] إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي، ص. 14.

[7] المصدر نفسه، ص.13.

[8] ابن الأثير؛ الكامل في التاريخ، الطبعة السادسة، بيروت، 1986، 7،293.

[9] إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي، ص. 14.

[10] عبد الواحد المراكشي؛ المعجب في تلخيص أخبار المغرب أو تاريخ الأندلس، القاهرة، 1914، ص. 32-34.

[11] إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي، ص. 16.

[12] ابن عِذارى المراكشي؛ البيان المُغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ومراجعة: ج.س.كولان-إ.لفي بروفنسال، الطبعة الثالثة، بيروت، 1983، ص. 16.

[13] إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي، ص. 16-17.

[14] المصدر نفسه، ص. 13.

[15] أنظر : أحمد بن محمد المقري التلمساني؛ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، 1988، ص. 1/440.

[16] إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي، ص. 14.

[17] المصدر نفسه، ص. 12.

[18] المصدر نفسه، ص. 12.

[19] لسان الدين ابن الخطيب؛ أعمال الأعلام، ص. 190.

[20] لسان الدين ابن الخطيب؛ أعمال الأعلام، ص. 192.

[21] إحسان عباس؛ تاريخ الأدب الأندلسي، ص. 15.

[22] ابن عِذارى المراكشي؛ البيان المُغرب، ص.222.

[23] المصدر نفسه؛ ص. 223.

[24] إحسان عباس؛ تاريخ الأدب الأندلسي، ص. 15-16.

[25] المصدر نفسه؛ ص. 16.

[26] ابن عِذارى المراكشي؛ البيان المُغرب، ص. 311-312.

[27] المصدر نفسه؛ ص. 299-300.

[28] المصدر نفسه؛ ص. 297-298.

[29] أنظر بطرس البستاني؛ أدباء العرب وعصر الانبعاث، الطبعة السادسة، بيروت، 1968، ص. 24.

[30] أسعد حومد؛ محنة العرب في الأندلس، الطبعة الأولى، بيروت، 1980، ص. 74.

[31] لسان الدين ابن الخطيب؛ أعمال الأعلام، ص. 144.

[32] أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني؛ الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، القاهرة، 1939، 1/144.

[33] لمزيد من المعلومات أنظر جودت الركابي؛ في الأدب الأندلسي،الطبعة الثانية، مصر، 1966، ص.24؛ بطرس البستاني، أدباء العرب في الأندلس وعصر الإنبعاث، ص. 25.

[34] آنخل جنثالث بالنثيا؛ تاريخ الفكر الأندلسي، ص. 77.

[35] المصدر نفسه؛ ص. 80.

[36] الفتح بن خاقان؛ قلائد العقيان ومحاسن الأعيان، تحقيق وتعليق: حسين يوسف خريوش، الطبعة الأولى، الأردن، 1989، 1- 2/224.

[37] آنخل جنثالث بالنثيا؛ تاريخ الفكر الأندلسي، ص. 15-16.

[38] الفتح بن خاقان؛ قلائد العقيان، 1-2/86.

[39] آنخل جنثالث بالنثيا؛ تاريخ الفكر الأندلسي، ص. 15.

[40] المصدر نفسه، ص. 15.

[41] المصدر نفسه، ص. 17.

[42] الفتح بن خاقان؛ قلائد العقيان، 1-2/291.

[43] آنخل جنثالث بالنثيا؛ تاريخ الفكر الأندلسي، ص. 16.

[44] المصدر نفسه، ص. 17.

[45] إبراهيم علي أبو الخشب؛ تاريخ الأدب العربي في الأندلس، القاهرة، بلا تاريخ، ص. 53؛ أنظر مصطفى الشكعة؛ الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه، الطبعة السادسة بيروت، 1986، ص. 532.

[46] سعد إسماعيل شلبي، البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر، ص. 430-431.

[47] المعتمد بن عباد؛ ديوان المعتمد بن عباد ملك إشبيلية، جمع وتحقيق: أحمد أحمد بدوي – حامد عبد المجيد، إشراف: طه حسين، القاهرة، 1951، ص. 4.

[48] ابن الأبار؛ الحلة السيراء، تحقيق وتعليق: حسين مؤنس، الطبعة الأولى، القاهرة، 1964، ص. 82.

[49] ابن دحية؛ المطرب في أشعار أهل المغرب، تحقيق: مصطفى عوض الكريم، الطبعة الأولى، الخرطوم، 1954، ص. 116-117.

[50] إبراهيم علي أبو الخشب، تاريخ الأدب العربي في الأندلس، ص. 54-55.

[51] المصدر نفسه، ص. 60. لمزيد من المعلومات أنظر علي محمد حموده؛ تاريخ الأندلس السياسي والعمراني والاجتماعي، الطبعة الأولى، مصر، 1957، ص. 248.

[52] المقري، نفح الطيب، 4/179-180.

[53] آنخل جنثالث بالنثيا، تاريخ الفكر الأندلسي، ص. 87-89؛ أنظر أيضا ابن سعيد؛ المُغرب في حلى المغرب، تحقيق وتعليق: شوقي ضيف، مصر، بلا تاريخ، ص. 17-18.

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأندلس


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحياة الاجتماعية في الأندلس في عهد ملوك الطوائف نور الإسلام هدي الإسلام 0 09-11-2013 07:11 PM
أوغندا: بناء المسجد التاريخي من جديد مزون الطيب الإسلام في أفريقيا 0 16-03-2012 10:43 AM
يا أخا الشعر والقوافي مزون الطيب أخبار منوعة 0 03-02-2012 05:29 PM
العوامل الممهدة لظهور علم الادارة مزون الطيب المكتبة العامة 0 30-01-2012 03:39 PM
هل الموشحات نوع من أنواع التجديد في الشعر ؟! نور الإسلام أخبار منوعة 0 12-01-2012 06:15 PM


الساعة الآن 06:30 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22